هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفا مُّسۡلِما وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ * إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران: 67، 68].
فالنسبة إنما تصحّ إذا حصلت المتابعة والموافقة في المنهج والأصول، وليس لمجرد المشابهة في بعض الأمور، أو الدعاوى الفارغة من البينات.
وجاء أهل البدع الذين شاقّوا الرسول، واتبعوا غير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين، كالرافضة والمعتزلة، فادعوا نسبة كثير من أهل الفضل لهم؛ ترويجًا لمذاهبهم الباطلة.
ومن ذلك ما ادعاه أحد كبار المعتزلة أبو القاسم البلخي (ت 319هـ) أن لمذهبهم إسنادًا يتّصل بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس لأحد من الفرق الأخرى مثله، وذلك بادعاء أن واصل بن عطاء -مؤسّس المذهب- تلميذ محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم!([1]). وقد أسرف البلخي في كتابه (المقالات) في نسبة طوائف كثيرة من كبار الأئمة لمذهب الاعتزال، حتى عدّ الحسنَ البصري وغيره من أفاضل التابعين منهم.
وكذلك فعل القاضي عبد الجبار في كتابه (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة)، فادَّعى أن مذهب الاعتزال هو الذي “يقتضيه العقل والكتاب والسنة، وهو الذي مرّ عليه السلف والخلف”([2]).
وذكر ابن المرتضى المعتزلي الزيدي (ت 840هـ) الخلفاء الراشدين في الطبقة الأولى من طبقات المعتزلة!([3]).
وسارت الأشعرية في ذلك سيرة المعتزلة، فأسرفوا في نسبة العلماء لمذهبهم وطريقتهم، حتى ادعوا في كثير من علماء أهل الحديث والأثر أنّهم من الأشاعرة! وراج ذلك -للأسف- بين كثير من طلاب العلم.
وهذه الطوائف كلما وجدوا مقولة لأحد الأئمة تشبه قولًا لهم، أو موافقة في مسألة من مسائلهم، سارعوا لعد هذا الإمام في طائفتهم، حتى وإن خالفهم في أصول مذهبهم ومناهج استدلالهم وقضاياهم الكبرى التي تمثل خاصية مذهبهم.
ومن أمثلة ذلك: ادعاء بعضهم أن شيخ الإسلام أبا عثمان الصابوني من الأشعرية، وعلى طريقتهم، وأنه مجانب لطريقة السلف الصالح في الاعتقاد خاصة في مسائل الصفات، كالاستواء والكلام وصفات الأفعال وغيرها من معالم الافتراق بين منهج الأشاعرة المتكلمين ومنهج السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين.
وهذا ما سنبينه -بعون الله تعالى- في هذه الورقة.
مركز سلف للبحوث والدراسات
أولا: ترجمة مختصرة للإمام الصابوني (373-449هـ):
هو الإمام، العلامة، القدوة، المفسر، المذكر، المحدث، شيخ الإسلام، أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد النيسابوري، الصابوني([4]).
ولد في بوُشَنْج من نواحي هراة([5]) سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة.
كان أبوه (أبو نصر) من كبار الواعظين بنيسابور، فُتِك به وقُتل سنة ثنتين وثمانين وثلاثمائة، فتولى مهمة الوعظ بعد أبيه، وحضر أول مجلس له أئمة الوقت في بلده، كالشيخ أبي الطيب الصعلوكي، وكان في كفالته وتحت نظره وفي كنفه، وهو معلمه ومهذبه، وكالأستاذ أبي بكر بن فورك، والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، ثم كانوا يلازمون مجلسه، ويتعجبون من فصاحته وكمال ذكائه وحسن إيراده، حتى صار إلى ما صار إليه.
وظل قائمًا بالوعظ قرابة سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع بنيسابور نحوًا من عشرين سنة.
وكان حافظًا، كثير السماع والتصانيف، حريصًا على العلم، سمع بنيسابور وهراة وسرخس والحجاز والشام والجبال، وحدَّث بخراسان والهند وجرجان والشام والثغور والحجاز والقدس، ورزق العز والجاه في الدين والدنيا، وكان جَمَالًا للبلد، مقبولا من الموافق والمخالف([6])، مجمَعًا على أنه عديم النظير وسيف السنة ودامغ البدعة.
وكان مشتغلا بكثرة العبادات والطاعات، حتى كان يضرب به المثل.
حدَّث عن: أبي بكر ابن مهران، وأبي محمد المخلدي، وأبي طاهر بن خزيمة، وأبي الحسين الخفاف، وعبد الرحمن بن أبي شريح، وزاهر بن أحمد الفقيه، وطبقتهم ومن بعدهم.
وحدَّثَ عنه: الكتاني، وعلي بن الحسين بن صصرى، ونجا بن أحمد، وأبو القاسم بن أبي العلاء، والبيهقي، وخلق آخرهم أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي.
أثنى عليه كبار الأئمة، ويكفي في بيان فضله ما قاله فيه أبو بكر البيهقي: “حدثنا إمام المسلمين حقًّا وشيخ الإسلام صدقا أبو عثمان الصابوني”.
وقال فيه أبو عبد الله المالكي: “أبو عثمان ممن شهدت له أعيان الرجال بالكمال في الحفظ والتفسير”.
وقال الذهبي في ترجمته: “كان من أئمة الأثر، له مصنف في السنة واعتقاد السلف، ما رآه منصفٌ إلا واعترف له”([7]).
وقال أيضا: ” لأبي عثمان مصنف في السنة واعتقاد السلف، أفصح فيه بالحق، فرحمه الله ورضي عنه”([8]).
وقال ابن القيم عنه: “إمام أهل الحديث والفقه والتصوف في وقته”([9]).
ولقبه شيخ الإسلام ابن تيمية: بشيخ الإسلام([10]).
وقال عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور (السياق) في ترجمته: “وقرأت في كتابٍ كتبه زين الإسلام من طوس في التعزية لشيخ الإسلام: أليس لم يجسر مفتر أن يكذب على رسول الله في وقته؟! أليست السنة كانت بمكانه منصورة والبدعة لفرط حشمته مقهورة؟! أليس كان داعيا إلى الله، هاديا عباد الله، شابا لا صبوة له، كهلا لا كبوة له، شيخا لا هفوة له؟! يا أصحاب المحابر، وطئوا رحالكم، قد غيب من كان عليه إلمامكم، ويا أرباب المنابر، أعظم الله أجوركم، فقد مضى سيدكم وإمامكم.
قال الكتاني: ما رأيت شيخًا في معنى أبي عثمان زهدًا وعلمًا، كان يحفظ من كل فن، لا يقعد به شيء، وكان يحفظ التفسير من كتب كثيرة، وكان من حفاظ الحديث”([11]).
توفي رحمه الله سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وصلي عليه عقيب عصر الجمعة رابع المحرم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه أبو يعلى([12]).
ثانيا: هل كان شيخ الإسلام الصابوني أشعريا؟
من المعلوم أن أقوى طرق إثبات منهج العالم هو النظر في ما كتبه بيده، وحرَّره بنفسه، وأبان عنه بلسانه وقلمه. وقد دوّن أبو عثمان الصابوني عقيدته مكتوبةً في موضعين -بحسب ما وصل إلينا-:
الموضع الأول: رسالته في السنة والاعتقاد المعروفة بـ (عقيدة السلف أصحاب الحديث).
وهي رسالة مشهورة النسبة إلى الصابوني، ما زال أهل العلم ينسبونها إليه، وينقلون منها بلا نكير.
قال الذهبي: “لأبي عثمان مصنف في السنة واعتقاد السلف، أفصح فيه بالحق، فرحمه الله ورضي عنه”([13]).
ونقل منها موضعًا محتجًا به في كتابه (العلو)([14]).
ونسبها إليه كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ونقل منها مواضع في كتبه([15]). وكذلك ابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية)([16]).
وممن نسبها إليه وأكثر من النقل منها علاء الدين بن العطار (ت: 724هـ) في كتابه (الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد)، وقد اعتمد ابن العطار على كتاب الصابوني (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) في كتابه هذا، وأكثر من النقل منه.
والكتاب مشهور، لا نعلم أحدًا معتبرًا طعن في نسبته إليه.
وقد ذكر محقق الكتاب الشيخ يوسف بن عبد الله الجديع عدة أدلةٍ على صحة نسبة الكتاب إليه، فذكر منها([17]):
- اتفاق نسخ المخطوطة الثمانية على نسبة هذا الكتاب إلى المؤلف.
- وجود عدة سماعات على نسخ مخطوطة الكتاب في آخره، وأسانيد في أوله.
- وجود ما يؤكّد ذلك في صلب الكتاب، حيث إن المؤلف قد روى عن جده أحمد قصة مالك بن أنس مع من سأله عن الاستواء، فقال: “وأخبرنيه جدي أبو حامد أحمد بن إسماعيل عن جد والدي الشهيد…”.
- المصادر التي نسبت هذا الكتاب إلى المؤلف، ومنها: كتاب شذرات الذهب([18])، وكتاب تاريخ الأدب العربي([19])، وكتاب معجم المؤلفين([20]).
فالكتاب موثق بسنده وسماعاته، وذِكرِ أهل العلم له في أزمنة متفاوتة وأماكن مختلفة، مع شهرة الكتاب وعدم التشكيك في نسبته ممن يُلتفت لكلامه، ليس في نسبة الكتاب للصابوني شكّ إن شاء الله.
فهذا هو المصدر الأول الذي ذكر فيه الصابوني عقيدته.
الموضع الثاني: وصيته التي أوصى بها في آخر حياته، وقد ذكرها التاج السبكي في ترجمته في (الطبقات)، وتضمنت جملًا من مسائل الاعتقاد مشابهة لما في رسالته في الاعتقاد.
وجاء في أولها: “هَذَا مَا أوصى بِهِ إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي الْوَاعِظ غير المتَّعظ الموقِظ غير المتيقِّظ الْآمِر غير المؤتمر الزاجر غير المنزجر المتعلم الْمُعْتَرف الْمُنْذر الْمخوف المخلّط المفرط المسرف المقترف للسيئات المغترف الواثق مَعَ ذَلِك برحمة ربه الراجي لمغفرته الْمُحب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشيعته الدَّاعِي النَّاس إِلَى التَّمَسُّك بسنته وشريعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أوصى وَهُوَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ إِلَهًا وَاحِدًا أحدا فَردا صمدا لم يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا وَلم يُشْرك فِي حكمه أحدا…” إلخ([21]).
وسوف ننقل جملا منها في موضعها إن شاء الله.
وقد تضمنت هذه العقيدة ما يوافق عقيدة السلف، ويجانب عقائد الأشعرية، خاصة في القضايا التي صارت من معالم الفرقان بين أهل السنة وأهل البدعة، مثل مسائل الصفات والإيمان والقدر والكلام، ومناهج الاستدلال، والموقف من علم الكلام. وهذا بيان ذلك:
- مباينة الصابوني لطريقة الأشاعرة في مناهج الاستدلال:
من المعلوم أن متكلمي الأشاعرة قسموا مسائل الاعتقاد إلى ما لا يقبل فيه إلا الدليل العقلي، وما يقبل فيه الدليل السمعي. وجعلوا إثبات وجود الله تعالى والنبوة منحصرًا في الدليل العقلي.
وجعلوا الدليل العقلي على إثبات وجود الله تعالى هو دليل الحدوث، أي: حدوث العالم بدليل حدوث الأعراض التي لا تخلو منها الأجسام.
واعتبروا أن هذا الدليل العقلي قطعيًّا، يجب ردّ ما خالفه من النصوص السمعية أو تأويلها.
ولأجل ذلك تأولوا نصوص الصفات في القرآن والسنة، ولم يثبتوا -خاصة المتأخرين منهم- إلا سبع صفات، وهي: القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام. وسموها صفات عقلية، أي: أن العقل دل على ثبوتها.
وأما ما سواها من الصفات -كالصفات الخبرية (كالوجه واليدين والعينين ونحوها) أو الصفات الفعلية الاختيارية (كالاستواء والنزول والمجيء والكلام ونحوها)- فلم يثبتوها لله تعالى؛ لأنها عندهم معارضة بالدليل القطعي، وهو دليل الحدوث.
وهذا من علم الكلام المذموم الذي ذمه السلف وأجمعوا على تحريمه وذم من اشتغل به؛ لأنه إعراض عن الكتاب والسنة والوحي المعصوم في الدلائل والمسائل، مع كونه باطلا في ذاته مناقضًا للعقل والشرع.
أما طريقة شيخ الإسلام الصابوني فهي بعيدة عن ذلك كله، فطريقته في الاستدلال مقتفية طريق السلف الصالح في الاستدلال بالكتاب والسنة، وتعظيم دلالة الوحيين، وعدم معارضتهما بشبهات العقول.
قال رحمه الله في أول رسالته في الاعتقاد: “أصحاب الحديث -حفظ الله تعالى أحياءهم ورحم أمواتهم- يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلت العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم”([22]).
وقال رحمه الله: “والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة. ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل بها واستقام عليها ودعا إليها كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جرى على هذه الجملة في أوائل الإسلام والملة… وعن ابن شهاب الزهري قال: تعليم سُنّة أفضل من عبادة مائتي سَنَة. وقال عمرو بن محمد: كان أبو معاوية الضرير يحدث هارون الرشيد، فحدثه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «احتج آدم وموسى»، فقال عيسى بن جعفر: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟! قال: فوثب به هارون وقال: يحدثك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضه بكيف؟! قال: فما زال يقول حتى سكن عنه.
هكذا ينبغي للمرء أن يُعَظِّم أخبارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد رحمه الله مع من اعترض على الخبر الصحيح الذي سمعه بكيف؟ على طريق الإنكار والاستبعاد له، ولم يتلقه بالقبول كما يجب أن يتلقى جميع ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم”([23]).
وساق بسنده عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: “قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب، هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا»، كيف ينزل؟ قال: قلت: أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب: كيف؟ إنما ينزل بلا كيف”.
وساق بسنده عن محمد بن سلام قال: سألت عبد الله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبد الله: يا ضعيف، ليلة النصف؟! في كل ليلة ينزل، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟! فقال عبد الله: ينزل كيف شاء.
وفي رواية أخرى لهذه الحكاية: أن عبد الله بن المبارك قال للرجل: إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخضع له([24]).
وأورد رحمه الله احتجاج الشافعي بحديث الجارية على عدم جواز إعتاق الرقبة الكافرة، ثم قال: “وإنما احتج الشافعي -رحمة الله عليه- على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه وفوق سبع سماواته على عرشه كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم؛ إذ كان رحمه الله لا يروي خبرًا صحيحًا ثم لا يقول به.
وقد أخبرنا الحاكم أبو عبد الله رحمه الله، قال: أنبأنا الإمام أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: إذا رأيتموني أقول قولًا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب.
قال الحاكم رحمه الله: سمعت أبا الوليد غير مرة يقول: حدثت عن الزعفراني أن الشافعي رحمه الله روى يومًا حديثًا، فقال السائل: يا أبا عبد الله، تقول به؟ قال: تراني في بيعة أو كنيسة؟! ترى عليّ زي الكفار؟! هو ذا تراني في مسجد المسلمين عليّ زي المسلمين مستقبل قبلتهم، أروي حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا أقول به؟!”([25]).
وقال رحمه الله: “والفرق بين أهل السنة وبين أهل البدع أنهم إذا سمعوا خبرًا في صفات الرب ردّوه أصلا، ولم يقبلوه… ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفع الخبر من أصله”.
ثم ذكر صفة أهل السنة في تلقيهم للأخبار فقال: “يعلمون حقًّا يقينًا أن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى ما قاله؛ إذ هو كان أعرف بالرب جل جلاله من غيره، ولم يقل فيه إلا حقًّا وصدقًا ووحيًا، قال تعالى ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ * إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٌ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3، 4].
قال الزهري إمام الأئمة وغيره من علماء الأمة رضي الله عنه: (على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم)”([26]).
وهكذا في كتابه كله، يستدلّ على مسائل الاعتقاد بالكتاب والسنة، ويحذر من مخالفتهما، أو معارضتهما بالأهواء وشبهات العقول.
وقال أيضا في وصيته المشار إليها آنفًا: “ويَسْلك فِي الْآيَات الَّتِي وَردت فِي ذكر صِفَات البارئ جلّ جَلَاله وَالْأَخْبَار الَّتِي صحت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَابهَا -كآيات مَجِيء الرب يَوْم الْقِيَامَة، وإتيان الله فِي ظلل من الْغَمَام، وَخلق آدم بِيَدِهِ، واستوائه على عَرْشه، وكأخبار نُزُوله كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا، والضحك، والنجوى ،وَوضع الكنف على من يناجيه يَوْم الْقِيَامَة وَغَيرهَا- مَسْلَك السّلف الصَّالح وأئمة الدّين من قبُولهَا وروايتها على وَجههَا بعد صِحَّة سندها، وإيرادها على ظَاهرهَا، والتصديق بهَا، وَالتَّسْلِيم لَهَا، واتقاء اعْتِقَاد التكييف والتشبيه فِيهَا، وَاجْتنَاب مَا يُؤَدِّي إِلَى القَوْل بردهَا وَترك قبُولهَا، أَو تحريفها بِتَأْوِيل يستنكر وَلم ينزل الله بِهِ سُلْطَانا، وَلم يجر بِهِ للصحابة وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَف الصَّالِحين لِسَان”([27]).
فأين هذه الطريقة من طريقة متكلمي الأشاعرة الذين يرون أن القرآن ليس كتاب هداية في أعظم مسائل الاعتقاد وهو الوحدانية والنبوة([28])، أو يرون تقديم الدليل العقلي على النقلي([29]) بحجة أن الدليل العقلي هو الذي ثبت به الوحدانية والنبوة، ولو هدمناه لانهدم الدين؟!
وأين هذا من طريقة متكلمي الأشاعرة الذين يقولون:
وكل نص أوهم التشبيه أوله أو فوض ورم تنزيها([30])؟!
فأين هذا مما قدمنا من طريقة الصابوني رحمه الله؟!
- حث الصابوني على لزوم طريقة السلف والاقتداء بهم:
وهذا من أعظم معالم الطريقة السلفية الأثرية، خلافًا لمسلَكِ المتكلمين الذين اتَّهموا السلف بالجهل، وفضَّلوا طريقتهم على طريقة السلف، كما في مقولتهم المشهورة: “طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم”. وخاضوا فيما سكت عنه السلف الصالح، ولم يلتزموا طريقتهم.
فأورد أبو عثمان الصابوني بسنده عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع: الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون… وقال الإمام الشافعي رحمه الله: لأن يلقى الله العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أن يلقاه بشيء من الأهواء… وسأل رجل عمر بن عبد العزيز عن شيء من الأهواء، فقال: الزم دين الصبي في الكُتّاب والأعرابي، والْهَ عما سوى ذلك([31]).
وقال في خاتمة رسالته بعد أن ذكر جملة من أئمة السلف المقتدى بهم، وجعل حبهم علامة على السنة، وبغضهم علامة على البدعة -مثل: الشافعي، وسعيد بن جبير، والزهري، والأوزاعي، والبخاري، ومسلم، وأبي زرعة الرازي، وأبي حاتم الرازي، والدارمي وابن خزيمة-: “وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارهم، مستضيء بأنوارهم، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزلقوا عن منارهم، ولا يتبعوا غير أقوالهم، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فيما بين المسلمين، والمناكير من المسائل التي ظهرت وانتشرت، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدَّعوه ولكذبوه، وأصابوه بكل سوء ومكروه”([32]).
فانظر كيف هي منزلة هؤلاء الأئمة عنده، ومنهم الدارمي وابن خزيمة، مع ما عرف عنهما من مباينة طريقة المتكلمين، وذمهما الشديد للتأويل، ولذلك صار كتاب ابن خزيمة في التوحيد شجى في حلوق المبتدعة، حتى وصفه الرازي في تفسيره بكتاب الشرك، ووصف ابن خزيمة بأنه رجل مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل([33]).
فابن خزيمة هذا يعظِّمه الصابوني، وينقل عنه في عقيدته كثيرًا من المواضع، بل وينقل عنه تكفيره لمن نفى الاستواء، فساق بسنده عن ابن خزيمة أنه قال: “من لم يقر بأن الله عز وجل على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربه حلال الدم، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذى به المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته، وكان ماله فيئًا لا يرثه أحد من المسلمين”([34]).
وكذلك بغض متعصّبة الأشاعرة للدارمي وسبهم له واتهامهم له بالتجسيم والتشبيه معروف مشهور، والصابوني يقول بأنه سائر على طريقتهم، بل ويجعل بغضهم ومباينة طريقهم علامةً على البدعة والضلال.
- ذم الصابوني لعلم الكلام:
سبق نقله لكلام مالك والشافعي في ذلك.
وقال في وصيته: “وَينْهى فِي الْجُمْلَة عَن الْخَوْض فِي الْكَلَام والتعمق فِيهِ، وَفِي الِاشْتِغَال بِمَا كره السّلف رَحِمهم الله الِاشْتِغَال بِهِ، ونهوا وزجروا عَنهُ؛ فَإِن الْجِدَال فِيهِ والتعمق فِي دقائقه والتخبط فِي ظلماته كل ذَلِك يفْسد الْقلب، وَيسْقط مِنْهُ هَيْبَة الرب جلّ جَلَاله، ويوقع الشّبَه الْكَبِيرَة فِيهِ، ويسلب الْبركَة فِي الْحَال، وَيهْدِي إِلَى الْبَاطِل والمحال، وَالْخُصُومَة فِي الدّين والجدال، وَكَثْرَة القيل والقال فِي الرب ذِي الْجلَال الْكَبِير المتعال، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا، وَالْحَمْد لله على مَا هدَانَا من دينه وَسنة نبيه صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ حمدًا كثيرًا”([35]).
وقال في رسالته في الاعتقاد: “ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم…” إلخ كلامه في ذلك([36]).
وقد حاول كثير من الأشاعرة تأويل هذا الذم لعلم الكلام الثابت عن كثير من السلف بأنه ذم لكلام المعتزلة فقط، لكي يصححوا اشتغالهم بعلم الكلام المذموم، فجعلوا هذا الذم متجهًا لبعض العقائد الفاسدة عند المعتزلة.
وبعضهم جعل الذم متجهًا للاستدلالات العقلية مطلقًا، ثم ادعى أن ذلك كان مقبولا زمن السلف، ولكن دعت الحاجة لاستعماله فيما بعد.
وكل هذا ضعيف؛ فإن السلف لم يذموا الاستدلال العقلي مطلقا، وكيف يذمونه وفي القرآن من الأدلة العقلية على أصول الإيمان ما لا نظير له في كلام المتكلمين؟! والأئمة كالشافعي وأحمد في مناظراتهم استعملوا الأدلة والمقاييس العقلية.
ولكن ذمُّ السلف لعلم الكلام متجه للمسائل والدلائل الباطلة المخالفة لطريقة الوحي في الاستدلال وفي المسائل التي يوصِل إليها هذا الاستدلال، فهو ذم للأدلة المستعملة، كدليل الحدوث والأعراض والأجسام، وغيرها من أدلة المتكلمين، والتي تخالف جنس الأدلة الشرعية المستعملة في هذه الأبواب.
وهو ذم كذلك للنتائج التي أوصلت لها هذه الأدلة الباطلة، ومن أعظم أدلة بطلانها أنها مخالِفة لنصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح رضي الله عنهم.
وهذا بلا شكّ شامل لعلم الكلام الأشعري، فإنه لا يفترق شيئًا عن علم الكلام المعتزلي، سوى في بعض مقدمات أو هذه الأدلة نتائجها.
لكن طريقتهما في الجملة واحدة، وهو الاستدلال بأدلة فلسفية وعرة غامضة، لا يفهمها إلا قلة من الخلق، ألفاظها أجنبية عن الكتاب والسنة، وهي موهمة مجملة تشتمل على الحق والباطل، وعارضوا بها نصوص الوحيين.
- موقف الصابوني من إثبات الصفات:
سار الصابوني في هذا الباب على طريقة السلف في إثبات الصفات، بلا تشبيه ولا تكييف، ولا تحريف ولا تأويل. وذمَّ طريقة التأويل الكلامي الذي يصرف الألفاظ عن ظاهرها، وذكر أن الواجب هو إمرارها على ظاهرها، وفهمها على طريقة العرب ولغتها، دالة على معانيها اللائقة بجلال الله، مع تفويض الكيفية إلى الله.
قال في رسالته: “ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريفَ المعتزلة والجهمية -أهلكهم الله-، ولا يكيّفونهما بكيف أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين تشبيهَ المشبّهة -خذلهم الله-، وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه، ومنّ عليهم بالتعريف والتفهيم”([37]).
وهذا أيضا هو تأويل الأشاعرة المتأخِّرين، فإنهم يحرفون اليد بالقدرة أو النعمة، مثل ما فعلت المعتزلة تمامًا.
وقال أيضا: “وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة… والقول والكلام والرضا والسخط والحياة والفرح والضحك وغيرها، من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه بتأويل منكر، ويُجرونه على الظاهر، ويكِلون علمه إلى الله، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله”([38]).
وفي هذا النص فوائد مهمة:
منها: أنه أبطل التأويل الذي يصرف الكلام عن ظاهره إلى معان أخرى تخالف لغة العرب وظاهر الكلام، وهو تأويل المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة.
ومنها: أنه قرّر فيه إثبات المعنى للصفات على ما تقتضيه اللغة العربية، خلافا لطريقة أهل التفويض الذين يزعمون أن السلف كانوا يؤمنون بنصوص الصفات باعتبارها كالحروف المقطعة، ليست دالة على معانيها الظاهرة، والتي لا تقتضي تشبيهًا بالمخلوقين.
وأما التفويض الذي أثبته السلف فهو تفويض حقيقة الصفات وكيفيتها، فالعلم بذلك ممتنع، وهو من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. فتفويض السلف هو تفويض في الكيف لا في المعنى.
ومنها: أنه لم يفرق بين الصفات، فالقول في بعضها كالقول في البعض الآخر، فأثبت الصفات العقلية، والخبرية، والفعلية الاختيارية، وجعل القاعدة فيها واحدة، وهي إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل. فليس هناك فرق بين الصفات خلافًا للأشاعرة الذين ينفون الصفات الفعلية بحجة عدم جواز قيام الحوادث بالله تعالى، وينفي متأخروهم الصفات الخبرية بحجة نفي التجسيم والتركيب، وهي نفس شبهة المعتزلة التي نفت بها جميع الصفات.
- كلامه في الاستواء:
من المعلوم أن إثبات العلو بمعانيه الثلاثة (علو القهر – علو القدر – علو الذات) من أخص خصائص أهل السنة، ومن أعظم نقاط الافتراق مع أهل البدع. والخصومة مع الجهمية لم تكن في علو القهر ولا علو القدر، وإنما كانت في علو الذات.
وقد عقد الصابوني في رسالته فصلا لإثبات استواء الله على عرشه، وذكر الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع السلف.
قال رحمه الله: “وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشُه فوق سماواته، يثبتون له من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به، ويصدقونه الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على العرش، ويمرونه على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله”([39]).
وقال في وصيته: “وَيشْهد أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مستو على عَرْشه، اسْتَوَى عَلَيْهِ كَمَا بَينه فِي كِتَابه… من غير أَن يكيِّف استواءه عَلَيْهِ أَو يَجعله لفعله وفهمه أَو وهمه سَبِيلا إِلَى إِثْبَات كيفيته؛ إِذْ الْكَيْفِيَّة عَن صِفَات رَبنَا منفية. قَالَ إِمَام الْمُسلمين فِي عصره أَبُو عبد الله مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي جَوَاب من سَأَلَهُ عَن كَيْفيَّة الاسْتوَاء: الاسْتوَاء مَعْلُوم، والكيف مَجْهُول، وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب، وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة، وأظنك زنديقا، أَخْرجُوهُ من الْمَسْجِد”([40]).
ولو كان مسلك هؤلاء الأئمة في إثبات الاستواء هو التفويض للمعنى -كما يدّعي أهل التجهيل- لما كانت هناك خصومة أصلا مع المبتدعة من الجهمية والمعتزلة ومن سار على طريقتهم؛ فإنهم لا ينكرون مباني النصوص، وإنما الكلام في معانيها، ولو كان المراد من أهل البدع الكف عن التأويل فقط مع اعتقاد عدم دلالتها على معانيها لما كان في ذلك أي مانع عندهم من ذلك، فالخصومة لم تكن في الأساس في المعنى الذي تأولوه، وإنما في المعنى الذي نفوه.
- إثبات الصابوني لصفة الكلام:
تعتبر صفة الكلام كذلك من أعظم مسائل الافتراق بين أهل السنة وأهل البدعة، وقد سار فيها الصابوني على طريقة الأئمة في إثباتها، وأنه بحرف وصوت، ووصف اللفظية بالجهمية.
فقال في ذلك: “وهو الذي تحفظه الصدور، وتتلوه الألسنة، ويكتب في المصاحف، كيف ما تصرف بقراءة قارئ ولفظ لافظ وحفظ حافظ، وحيث تُلي وفي أي موضع قرئ، أو كتب في مصاحف أهل الإسلام وألواح صبيانهم وغيرها، كله كلام الله جل جلاله، وهو القرآن بعينه الذي نقول: إنه غير مخلوق، فمن زعم أنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم”.
ونقل عن ابن مهدي الطبري”([41]) قوله: “ومن قال: إن القرآن بلفظي مخلوق أو لفظي به مخلوق؛ فهو جاهل ضال كافر بالله العظيم”.
ثم عقب الصابوني على ذلك بقوله: “وإنما ذكرتُ هذا الفصل بعينه من كتاب ابن مهدي لاستحساني ذلك منه؛ فإنه اتبع السلف أصحاب الحديث فيما ذكره، مع تبحره في علم الكلام وتصانيفه الكثيرة فيه وتقدمه وتبرزه عند أهله”([42]).
وهذا النص يبيّن أمورًا مهمة:
منها: أنه قاطعٌ بمباينة الصابوني لعقائد الأشعرية المتكلمين، فإن مذهبهم في الكلام في غاية التناقض، فإنهم يثبتون الكلام النفسي، وينفون الحرف والصوت، وهو عندهم مخلوق، وهذه حقيقة مذهب المعتزلة، فإن الخصومة بينهم وبين أهل السنة كانت في الحرف والصوت الذي اعتبره المعتزلة من صفات الأجسام، ووافقتهم الأشعرية في ذلك، وهذا هو الذي حصل فيه النزاع.
ومما يبين ذلك أكثر قولُ الصابوني في اللفظية ووصفهم بالتجهم، ونقلُه عن تلميذ الأشعري تكفير اللفظية. والأشاعرة ممن يقولون بلا شك: لفظي بالقرآن مخلوق، وعندهم أن المتلوّ والمقروء والمكتوب كله مخلوق.
ومنها: ظهور المباينة بين الأشاعرة المتقدمين والمتأخرين، وأن كثيرًا ممن انتسب للأشعري لم يكن على طريقة متأخريهم في التعطيل والتأويل، بل كان الغالب على هؤلاء الإثبات، وكانوا أقرب إلى السنة المحضة، بخلاف من أتى بعدهم ممن تأرجحوا بين الطريقتين، كالجويني الذي نصر التأويل في بعض كتبه، ورجع عنه في النظامية. وخلافا للمتأخرين منهم كالرازي ومن بعده ممن غلبت عليهم مذاهب الفلاسفة، واقتربوا من طريقة المعتزلة جدًّا، وباينوا طريقة متقدميهم، فضلا عن السلف رضي الله عنهم.
وبهذا يتبين أن انتساب الرجل للأشعرية لا يعني أنه متحقّق بكل العقائد التي صار عليه أكثرهم اليوم، بل لا بد من النظر في حاله، وما يعتقده هو مما دوَّنه بنفسه، أو نقل عنه بنقل ثابت صحيح.
وهذا من مثارات الغلط الكثيرة في الحكم على الأعيان بالتكفير أو التبديع بمجرد الانتساب للطائفة، دون التبين من تحقّق مناط التكفير أو التبديع في الشخص المعين.
- إثبات الصابوني لصفة النزول:
تعد صفة النزول من المسائل المهمة التي تكشف عن المنهج والطريقة، لأنها من الصفات الفعلية الاختيارية التي يسميها المتكلمون: الحوادث، أو الأعراض.
ولذلك يشقّ عليهم جدًّا الإيمان بها، ويردُّون أحاديثها أو يتأولونها، خلافًا لأئمة السلف الذين مشوا على قاعدة واحدة في هذا الباب.
وقد ذكر الصابوني في كتابه الأدلةَ على النزول، ثم ذكر كلام ابن خزيمة فقال: “وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة في (كتاب التوحيد) الذي صنفه وسمعته من حامله أبي طاهر رحمه الله…: نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه متيقن بما في هذه الأخبار من ذكر النزول من غير أن نصف الكيفية؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل… فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذلك النزول، غير متكلفين للنزول بصفة الكيفية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف كيفية النزول”([43]).
ونقل بسنده عن الفضيل بن عياض قوله: “إذا قال لك الجهمي: إنا لا نؤمن برب ينزل على مكانه، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء”([44]).
وهذا مما يبين مباينة الصابوني لطريقة التأويل أو التفويض الكلامي، إذ لو كان مسلكه هو هذا التفويض للمعنى لما كان جواب الفضيل هذا صحيحًا، بل لكان الجواب هو: أنا كذلك لا أثبت ربا ينزل من على مكانه، ولكني أُمِرُّ اللفظ من غير اعتقاد لمعناه الظاهر! فإن حقيقة التفويض هو نفي المعنى الظاهر، مع ترك تعيين معناه المراد.
- مذهب الصابوني في مباحث الإيمان:
قال رحمه الله: “الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية”([45]).
وهذا أيضا مخالف لمذهب الأشاعرة المتكلمين الذين يقولون: إن الإيمان هو التصديق والمعرفة، والعمل ثمرة له، وليس من ماهيته.
فهذه جملة من المسائل التي تدل قطعا على مباينة عقيدة شيخ الإسلام الصابوني لعقائد الأشاعرة المتكلمين، خصوصا المتأخرين منهم الذين غلبت عليهم الفلسفة وعقائد الاعتزال.
ثالثًا: مناقشة بعض الحجج التي استند إليها أصحاب هذه الدعوى:
نقول لمن يدعي نسبة الصابوني للأشعرية:
هل تكلم الصابوني بشيء من خصائص مذهبهم حتى تصح هذه النسبة إليهم؟
هل تكلم في مسألة إيجاب النظر الكلامي؟
هل تكلم بالأعراض والأجسام واستدل بها على نفي الصفات؟
هل نفى قيام الحوادث بالله، أو ادعى استحالة وجود حوادث لا أول لها؟
هل قال بالكلام النفسي، أو الكسب الأشعري، أو نفى الحكمة والتعليل، أو نفى الصفات الفعلية الاختيارية؟
فإذا لم يؤثَر عنه كلمة في ذلك، بل العكس هو الصحيح، فكيف يدّعي مدع انتساب الرجل للأشعرية؟!
والصابوني نفسه إنما انتسب لأهل الحديث، ودعا لطريقتهم، وذم ما خالفها، ولم ينتسب للأشعرية ولا غيرها، بل ظاهر كلامه السابق ذمُّه لطريقتهم.
ولذلك عدّه ابن المبرد في المجانبين للأشاعرة، فقال: “وَمِنْهُمْ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ شَيْخُ الإِسْلامِ، كَانَ إِمَامًا مُجَانِبًا لَهُمْ”([46]).
وقد تمسك منِ ادَّعوا أشعريته بأمور، منها:
- ما قاله ابن عساكر في (تبيين كذب المفتري): “وَسمعت الشَّيْخ أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بشار البوشنجي الْمَعْرُوف بالخركردِي الْفَقِيه الزَّاهِد يَحْكِي عَن بعض شُيُوخه أَن الإِمَام أَبَا عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الصَّابُونِي النَّيْسَابُورِي قَالَ: مَا كَانَ يخرج إِلَى مجْلِس درسه إِلَّا وَبِيَدِهِ كتاب الْإِبَانَة لأبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ، وَيظْهر الْإِعْجَاب بِهِ وَيَقُول: مَاذَا الَّذِي يُنكر على من هَذَا الْكتاب شرح مذْهبه؟!”([47]).
والجواب: أن هذه الحكاية لو ثبتت فلا حجة فيها على كونه على عقائد الأشاعرة، فإن كتاب الإبانة للأشعري مصنف في الجملة على طريقة أهل السنة في الجملة، ومن كان معتقدًا لما فيه فهو على طريقة أهل السنة في الجملة.
وقد صرح فيه بانتسابه لمذهب السلف فقال: “قوْلُنا الَّذي نَقولُ به وديانتُنا الَّتي نَدينُ بها التَّمَسُّكُ بكِتابِ اللهِ رَبِّنا عَزَّ وجَلَّ، وبسُنَّةِ نَبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما رُوِيَ عن السَّادةِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ وأئِمَّةِ الحَديثِ، ونحن بذلك مُعْتَصِمونَ، وبما كانَ يَقولُ به أبو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ -نَضَّرَ اللهُ وَجْهَه ورَفَعَ دَرَجتَه وأَجزَلَ مَثوبتَه- قائِلونَ، ولِما خالَفَ قَوْلَه مُخالِفونَ؛ لأنَّه الإمامُ الفاضِلُ، والرَّئيسُ الكامِلُ، الَّذي أبانَ اللهُ به الحَقَّ، ودَفَعَ به الضَّلالَ، وأَوضَحَ به المِنْهاجَ، وقَمَعَ به بِدَعَ المُبْتَدِعينَ، وزَيْغ الزَّائِغينَ، وشَكَّ الشَّاكِّينَ، فرَحْمةُ اللهِ عليه مِن إمامٍ مُقدَّمٍ، وجَليلٍ مُعظَّمٍ، وكَبيرٍ مُفهِمٍ”([48]).
ولذلك قَبِل أهل العلم هذا الكتاب، خلافا لبعض الأشعرية الذين ادعوا أنه منحول أو مدسوس؛ لعلمهم أنه على غير طريقتهم.
هذا لو صحت الحكاية، وإلا فإن فيها من لا يعرف ولم يذكر اسمه، وهو ما يسقط الاحتجاج بها.
- ثناؤه على أئمة الأشعرية كعبد القاهر البغدادي والجويني. وقد أورد ذلك ابن عساكر أيضا فقال: “حَدَّثَنِي الشَّيْخ أَبُو بكر يَحْيَى بن إِبْرَاهِيمَ بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد السلماسي عَنْ أَبِيهِ الْقَاضِي أَبِي طَاهِر قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ نصر بن كاكا المرندي الْفَقِيه فِي ذكر أَبِي عُثْمَانَ الصَّابُونِي… ثمَّ قَالَ أَبُو عُثْمَان [أي: عن عبد القاهر]: كَانَ من أَئِمَّة الْأُصُول وصدور الْإِسْلَام بِإِجْمَاع أهل الْفضل والتحصيل، بديع التَّرْتِيب، غَرِيب التَّأْلِيف فِي التَّهْذِيب، يرَاهُ الجلة صَدرا مقدما، ويدعوه الْأَئِمَّة إِمَامًا مفخما، وَمن خراب نيسابور أَن اضْطر مثله إِلَى مفارقتها”([49]).
والجواب: أن في سند هذه الرواية من لا يعرف توثيقه، ولكن على فرض صحتها، فإن هذا الثناء لا يعني كونه على عقائد الأشعرية.
وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد أثنى على بعض أئمة الأشعرية كالباقلاني والجويني ومن تبعهما، مع الجزم بأنه ليس على طريقتهم، فقال رحمه الله: “ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف”([50]).
وقال عن الغزالي: “ولم يكن ممن يتعمد الكذب، كان أجلّ قدرًا من ذلك، وكان من أعظم الناس ذكاء، وطلبًا للعلم، وبحثًا عن الأمور… وله من الكلام الحسن المقبول أشياء عظيمة بليغة، ومن حسن التقسيم والترتيب ما هو به من أحسن المصنفين”([51]).
فالثناء على المخالفين ليس دليلا مطلقا على تصحيح المذهب، وقد سبق في ترجمة أبي عثمان الصابوني أنه كان مقبولا من الموافق والمخالف، وأنه كان رفيقًا مع كونه متمسكًا بالسنة نابذًا للبدعة، ولا تعارض بين الأمرين، لمن رزقه الله الفقه والحكمة.
- ترجمة التاج السبكي له في (طبقات الشافعية)، وثناؤه عليه، مع ما عرف عنه من تعظيمه للأشاعرة، وتعصبه لهم، واعتبارهم أهل الحق.
والجواب: أن السبكي نفسه في الطبقات لم يذكر نسبته للأشعرية، وإنما ذكره لكونه شافعيًّا، وقد ترجم السبكي للدارمي وابن خزيمة مع مباينتهما لطريقة الأشاعرة جزما.
ثم إن العبرة ليست بدعوى السبكي ولا غيره، وإنما بذكر البينة على هذه الدعوى.
- توقيعه على شكاية الأشاعرة في المحنة التي تعرضوا لها.
ونصها كما أوردها ابن عساكر: “اتفق أَصْحَاب الحَدِيث أَن أَبَا الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِمَامًا من أَئِمَّة أَصْحَاب الحَدِيث، ومذهبه مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث، تكلم فِي أصُول الديانَات على طَريقَة أهل السّنة، ورد على الْمُخَالفين من أهل الزيغ والبدعة، وَكَانَ من الْمُعْتَزلَة وَالرَّوَافِض والمبتدعين من أهل الْقبْلَة والخارجين من الْملَّة سَيْفا مسلولا، وَمن طعن فِيهِ أَو قدح أَو لَعنه أَو سبه فقد بسط لِسَان السوء فِي جَمِيع أهل السّنة، بذلنَا خطوطنَا طائعين بذلك فِي هَذَا الذّكر فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة”([52]).
والجواب: أنه لو صح ذلك أيضا لما كان دليلا ولا مستندًا على هذه الدعوى لسببين:
الأول: أن الأشعري في طوره الأخير رجع إلى عقيدة السلف ومذهب الإمام أحمد كما قدمنا.
الثاني: أن لعن الأشعرية على المنابر والبغي عليهم لا يجوز، والسعي في رفع الظلم والبغي عنهم في ذلك محمود، ولو كان مجانبًا لطريقتهم.
- أن أباه قتل من بعض المتعصبة عليه، وهذا يعني كون أبيه أشعريًّا.
والجواب من وجوه:
أولها: أنا لا نسلم بأن أباه قتل لأنه أشعري؛ فقد كانت هذه الفترة تموج بالفتن بين جميع الطوائف، من الروافض والمعتزلة والكرامية والصوفية، فيحتمل أنه قتله الرافضة أو المعتزلة.
ثانيا: على فرض أنه كان منتسبًا للأشعري فقد قدمنا أن الأشعرية ثلاث طبقات، وأن متقدميهم كانوا أقرب للسنة المحضة، خلافا للمتوسطين منهم كالجويني، والمغالين منهم كالرازي. ولا شك أن أكثر الأشاعرة اليوم ليسوا على مذهب الأشعري الأخير، ولا مذهب متقدمي الأشاعرة.
ثالثا: أنه لا يلزم من كون أبيه على مذهب أن يكون ابنه على نفس المذهب، وكم من ابن فارق مذهب أبيه!
- أن أئمة الأشاعرة كانوا يحضرون مجالسه ويثنون عليه، كالصعلوكي الذي رباه وتعاهد أمره، وكالإسفراييني، وابن فورك.
والجواب: أن هذا لا يلزم منه كونه على مذهب الأشاعرة، وقد أبان الرجل عن مذهبه، ومن روى عنهم، ومن حث ونصح الأمة بلزوم طريقتهم، ولم يذكر أحدًا من رؤوس الأشاعرة، وإنما ذكر من هم على غير طريقتهم كابن خزيمة والدارمي وغيرهما من أئمة السلف.
على أن ابن المبرد في كتابه قد ادعى أن أبا الطيب سهل الصعلوكي والإسفراييني ليسا من الأشاعرة.
وعلى كل حال فقد قدمنا أن الأشاعرة المتأخرين مجانبون لطريقة هؤلاء أيضا، فلو فرضنا أن الصابوني كان على طريقتهم لما أفاد ذلك صحة دعوى انتسابه للأشعرية التي صار حالها إلى مذهب قريب من الاعتزال.
خاتمة:
وما قدمناه كله إنما هو من باب التنفل، وإلا فإن ما ثبت من مذهب الصابوني الموثق لا يعارَض بمثل هذه التشغيبات.
ولا يخفى أيضا أن دفع هذه الدعاوى ليس مبنيًّا على كون كلام الأئمة حجة في ذاته، بل الحجة في الوحي المعصوم، ولكن المراد بذلك بيان صحة مذهب السلف، ولزوم الأئمة المتقدمين له الذين لا يشك في فضلهم على أكثر المتأخرين.
والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) انظر: ذكر المعتزلة من كتاب المقالات، لأبي القاسم البلخي (ص: 9) تحقيق فؤاد سيد.
([2]) طبقات المعتزلة، للقاضي عبد الجبار (ص: 86) تحقيق: فؤاد سيد.
([3]) المنية والأمل، لأحمد بن يحيى المرتضى (ص: 7).
([4]) ذكر السمعاني أن الصابوني في الأنساب (8/ 247) أن الصابوني نسبة إلى عمل الصابون، وذكر أنهم -أي: الصابونية- بيت كبير بنيسابور، لعل بعض أجدادهم عمل الصابون فعرفوا به.
([5]) بليدة نزهة خصيبة في واد مشجر من نواحي هراة، بينهما عشرة فراسخ. معجم البلدان، ياقوت الحموي (1/ 508). وتقع في أفغانستان حاليا.
([6]) وهذا الجمع بين التمسك بالسنة ونبذ البدعة، مع كونه مقبولا من الموافق والمخالف يدل على تحليه بالحكمة والرفق، ولعل هذا ما جعل البعض يظن انتسابه للأشعرية. وسوف يأتي بيان ذلك.
([7]) سير أعلام النبلاء (18/ 43).
([8]) تاريخ الإسلام (30/ 227).
([9]) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص: 376).
([10]) انظر مثلا: بيان تلبيس الجهمية (1/ 103)، ودرء التعارض (2/ 26).
([11]) سير أعلام النبلاء (18/ 40).
([12]) تنظر ترجمته في: تاريخ دمشق، لابن عساكر (9/ 3-14)، طبقات الشافعية الكبرى، للتاج السبكي (4/ 271)، وسير أعلام النبلاء (18/ 43)، وتاريخ الإسلام (30/ 227).
([13]) تاريخ الإسلام (30/ 227).
([15]) انظر مثلا: درء التعارض (2/ 26).
([16]) اجتماع الجيوش (ص: 376).
([17]) انظر: مقدمة كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث، تحقيق الجديع (ص: 54).
([19]) تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (6/ 229).
([20]) معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة (2/ 276).
([21]) طبقات الشافعية، للتاج السبكي (4/ 285).
([22]) عقيدة السلف أصحاب الحديث، تحقيق: الجديع (ص: 160-161).
([23]) عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص: 317-321).
([24]) عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص: 195-196).
([25]) عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص: 188-189).
([26]) عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص: 189-190).
([27]) طبقات الشافعية (4/ 288).
([28]) انظر: تفسير الرازي (2/ 268).
([29]) انظر: أساس التقديس، للرازي (ص: 221).
([30]) تقريب البعيد إلى جوهرة التوحيد (ص: 63).
([31]) عقيدة السلف (ص: 244-247).
([33]) مفاتيح الغيب (27/ 582).
([35]) ينظر: طبقات الشافعية، للسبكي (4/ 288).
([37]) عقيدة السلف (ص: 163-164).
([40]) ينظر: طبقات الشافعية، للسبكي (4/ 287).
([41]) هو علي بن مُحَمَّد بن مهدي أَبُو الْحسن الطبري. قال السبكي في ترجمته: “تلميذ الشَّيْخ أَبي الْحسن الأشعري صَحبه بِالْبَصْرَةِ وَأخذ عَنهُ، وَكَانَ من المبرزين في علم الْكَلَام والقوامين بتحقيقه”. طبقات الشافعية (3/ 466).
([46]) جمع الجيوش والدساكر (ص: 151).
([47]) تبيين كذب المفتري (ص: 889).
([49]) تبيين كذب المفتري (ص: 253).