الجمعة - 10 ذو الحجة 1446 هـ - 06 يونيو 2025 م

ذلك ومن يعظم شعائر الله .. إطلالة على تعظيم السلف لشعائر الحج

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

لا جرم أن الحج مدرسة من أعظم المدارس أثرا على المرء المسلم وعلى حياته كلها، سواء في الفكر أو السلوك أو العبادات، وسواء في أعمال القلوب أو أعمال الجوارح؛ فإن الحاج في هذه الأيام المعدودات لو حجَّ كما أراد الله وعرف مقاصد الحج من تعظيم الله وتعظيم شعائره ومعالم دينه وكثرة ذكره سبحانه لتغيرت معالم حياته وامتلأت القلوب إيمانا وطمأنينة وتوحيدا وعبادة وسعادة وعظمت محبة الله ورسوله.

فيعود الحاج من هذه الشعيرة العظيمة وقد أعيدت صياغة أهداف سَيره في الدنيا، وأخذ دروسا مهمّة، فصُحّحت مسارات النفس والحياة والقلب؛ لتكون وفق مراد الله من تعظيمه وتحقيق تقواه وتمحور الإنسان وحياته حول عبادته وكثرة ذكره، فيعود الحاج من هذه الشعيرة العظيمة أهدى سبيلا وأقوم طريقا.

ولا جرم أن السلف الصالح -رضوان الله عليهم- كانوا من أبصر الناس بهذه المقاصد وأشدهم تعظيمًا لشعائر الله سبحانه؛ فكانوا يحرصون كل الحرص على كل ما يتعلق بالشعائر، سواء أزمانها أو أماكنها أو مفردات العبادات فيها أو غيرها؛ بدءًا بتعظيم الأماكن كالبيت الحرام والمشاعر عرفة ومنى ومزدلفة، ومرورا بتعظيم أفراد العبادات كالهدي والطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمار، وانتهاءً بتعظيم أزمان الطاعات ومواسمها كالأشهر الحرم وعشر ذي الحجة وأيام الحج وشهر رمضان وليلة القدر ويوم عرفة؛ فكان السلف يعظمون هذا كله أيما تعظيم، ويتهيؤون لها ويلجؤون بالدعاء والتضرع إلى الله أن يبلغهم فضلها وبركتها، ويزدادون فيها إيمانًا مع إيمانهم، ويتزودون فيها بالتقوى وخشية الله، ويكثرون فيها ما ورد من فضائل الأعمال وما ثبت من الصالحات الباقيات والأعمال والعبادات التي تعبَّد بها النبي صلى الله عليه وسلم.

فعندما اختار المولى سبحانه مواسم للعبادات وأزمانًا وأماكن وأمر بتعظيمها نجد السلف يعظمون كل ما اختاره الله سبحانه؛ فالله ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ‌وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: 68]. وليس للعبد في ذلك اختيار؛ “بل هو إلى الخالق وحده، فكما أنه المنفرد بالخلق فهو المنفرد بالاختيار منه”([1]).

ولما كان كثير من أحوال السلف في تعظيم شعائر الله في الحج مما ينبغي للمسلم أن يحذو حذوهم فيها وينتهج نهجهم، وكان المسلم بحاجة دائمة إلى التذكير والوعظ ليرتاح قلبه ويكون تعلُّقه بالله خاصة في مواسم العبادات وأزمنة الخيرات([2]) بادر مركز سلف للبحوث والدراسات بهذه الورقة العلمية تذكيرا لمن كان له قلب، وإرشادًا لمن أراد الحق.

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

لا يخفى أن من أعظم مقاصد الحج تعظيمَ الله وتعظيم شعائره؛ فمن أجل ذلك فُرِضت العبادات من صلاة وذكر وصوم وحج؛ ذلك أن تعظيم الله وشعائره هو قوام العبودية لله وعموده، بل أسُّ أعمال القلوب والجوارح؛ فكل من كان أشدَّ تعظيمًا لله كان أشدَّ محبةً له وأكثرَ خوفا منه، وكان أكثر صلاة وصوما وذكرا.

ومن هنا كان السلف يعظمّون الله وشعائره أيما تعظيم، وكيف لا يعظمون شعائره وقد أقام إبراهيم عليه السلام دعائمه على تعظيم الله وتوحيده وتعظيم شعائره؛ حيث بنى البيت الذي يحجّ إليه المسلمون، وأسس بنيانه على تعظيم شعائره في العبادة والحج؛ فكان المقصود من ذلك أن يُعبَد الله سبحانه وتعالى ويعظَّم، قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 127، 128]، فلم يكن المقصود من بنائه أن يتخذاه “مسكنا يسكنانه، ولا منزلا ينزلانه، بل قد بنياه ورفعا قواعده لكل من أراد أن يعبد الله تقربًا منهما إلى الله بذلك”([3]).

أم كيف لا يعظمونه والله سبحانه عظَّم شأنه حين أمر به في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]؛ ففي هذه الآية نجد دلالات متعدّدة على تعظيم شعيرة الحج وكل ما يتعلق به:

فأولًا: قدَّم اسمه تعالى وأدخل عليه لام الاستحقاق والاختصاص.

وثانيًا: ذَكَر من أوجبه عليهم بصيغةِ العموم الداخلة عليها حرف “على”.

وثالثًا: أبدلَ منه أهل الاستطاعة.

ورابعًا: نكَّر السبيلَ في سياق الشرط إيذانًا بأنه يجب الحجُّ على أيِّ سبيلٍ تيسَّرت من قُوتٍ أو مال، فعلق الوجوب بحصول ما يسمَّى سبيلًا.

وخامسًا: أتْبعَ ذلك بأعظم التهديد بالكفر، فقال: {وَمَنْ كَفَرَ}، أي: بعدم التزام هذا الواجب وتركه.

وسادسًا: عَظَّم الشأنَ وأكَّد الوعيد بإخباره باستغنائه عنه، والله تعالى هو الغنيُّ الحميد، ولا حاجةَ به إلى حجِّ أحد، وإنما في ذِكْر استغنائه عنه هنا من الإعلام بمقتِهِ له، وسخطه عليه، وإعراضه بوجهه عنه ما هو من أعظم التهديد وأبلغه.

وسابعًا: أكَّد ذلك بذكر اسم {العَالَمِينَ} عمومًا، ولم يقل: فإن الله غني عنه؛ لأنه إذا كان غنيًّا عن العالمين كلهم فله الغِنَى الكامل التام من كلِّ وجهٍ عن كل أحدٍ بكل اعتبار. فكان أدلَّ على عِظَم مقته لتارك حقه الذي أوجبه عليه.

وثامنا: أكَّد هذا المعنى بأداة “إن” الدالة على التوكيد.

فهذه أوجه متعددة تقتضي تعظيم هذا الفرض العظيم([4]).

بل كيف لا يعظِّمونه والله سبحانه وتعالى لم يكد يذكر البيت الحرام في موضع ما إلا وقد عظَّمه أيما تعظيم؛ فعلى سبيل المثال نجد المولى سبحانه قبل الأمر بحج بيته الحرام عظَّم البيت ووصفه بأبهى الأوصاف وأجملها؛ مما يجعل الأفئدة تهوي إليه والنفوس تشتاق إليه؛ فهو أول البيوت وَضْعًا في الأرض إطلاقًا، ثم هو مبارك كثير خيره، وليس ثمة بيت أبرك وأنفع منه، ثم هو هدى وفيه الآيات البينات التي تزيد على أربعين آية، ثم هو أمن وأمان لمن دخله([5])، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 96، 97].

وكذا كثير من الأحاديث النبوية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد فيها هذا التعظيم كقوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا البلد حرمه الله»([6])، قال العيني شارحا: “وفيه تعظيم له، وتعظيمه يدل على فضله واختصاصه من بين سائر البلاد”([7]).

ومن أجل تعظيم هذا البيت وقصدِه أمر الله سبحانه وتعالى خليله بأن ينادي في البشرية بذلك؛ فقال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، فأذَّن به إبراهيم عليه السلام في الناس، وكان هو وابنه إسماعيل يطهِّرانه للطائفين والعاكفين والركَّع السُّجود من الحجّاج والعُمّار والزوار.

ومن أجل تعظيم بيت الله الحرام وشعائر حجه دعا إبراهيم عليه السلام أن يجعل {أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، فاستجاب الله دعاءه وجعل “قلوب بعض خلقه تنزع إلى مساكن ذريته الذين أسكنهم بواد غير ذي زرع عند بيته المحرم، وكان ذلك منه دعاء لهم بأن يرزقهم حج بيته الحرام”([8])، فالمقصود به أن يجعل قلوب أمة من الناس تهوي إلى هذا البيت، فيأتونه ويحجونه تعظيمًا لله سبحانه وتوحيدًا لعبادته وحده دون ما سواه([9]).

ومن أجل تعظيم بيت الله الحرام وشعائر حجه دعا إبراهيم عليه السلام أن يجعل لهم ثمارا تُجبَى إليه؛ ليكون ذلك عونا لهم على تعظيم الله سبحانه وتعظيم شعائره فجعله الله: {حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57]([10]).

ثم كيف لا يعظمه أهل الإيمان والله سبحانه وتعالى صرَّح في غير ما موضع بتعظيمه، فقال مؤكدًا أهمية تعظيم شعائره: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: 30، 31]، فهم يمتثلون لأمر الله الصريح بتعظيم شعائر الحج واجتناب ما غشيها من الوثنيات والشركيات([11])، فأمرهم بتعظيم الحج وشعائره وما فيه من المقاصد كالتعظيم والتوحيد وكثرة الذكر وغيرها واجتناب خلافه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “لما أظهر الله الإسلام قال الله للمسلمين: حجوا الآن غير مشركين”([12])، وقال أبو بكر: “كان الناس يحجون وهم مشركون، فكانوا يسمونهم حنفاء الحجاج، فنزلت {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}”([13]).

أم كيف لا يعظمون شعائر الله سبحانه في حج بيته الحرام وهو القائل: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]؟! فالله سبحانه وتعالى يؤكد هنا على تعظيم شعائر الحج.

أم كيف لا يعظمون شعائر الحج والنبي صلى الله عليه وسلم هو من أمرهم وحضَّهم على تعظيم سنته واتباع طريقته في شعائر الحج فقال: «لتأخُذوا مناسِكَكم، فإني لا أدري لعلي لا أحجُّ بعد حجَّتي هذه»([14])؟!

فإن كان السلف يعظمون شعائر الله وحرماته هذا التعظيم، فما مفهوم تعظيم حرمات الله وشعائر الله؟ وما المقصود به؟

مفهوم تعظيم شعائر الله وحرماته عند السلف:

لقد بيَّن السلف -رضوان الله عليهم- مفهوم التعظيم وجلَّوه خير تجلية، وقد تنوعت عباراتهم في بيان معنى التعظيم ومعنى حرمات الله وشعائره التي ينبغي تعظيمها.

فأما المقصود بالتعظيم فيقول ابن فارس: “العين والظاء والميم أصل واحد صحيح يدل على كبر وقوة، فالعظم: مصدر الشيء العظيم، تقول: عظم يعظم عظما، وعظمته أنا، فإذا عظم في عينيك قلت: أعظمته واستعظمته”([15]).

فالتعظيم هو: تقدير وإجلال ينبعث من القلب لعوامل وأسباب متنوعة؛ كتعظيم الوالدين للأبوة، وتعظيم العالم لعلمه، وتعظيم صاحب المنصب لمنصبه، ومنه تعظيم الله وتعظيم شعائره؛ والله مجمع أسباب التعظيم كلها، فهو معظَّم لربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

ولئن سلّطنا الضوء على أقوال السلف في المقصود بحرمات الله تعالى نجد أنه تنوّعت أقوالهم ونصوصهم في ذلك، قال الليث: “حرمات الله: ما لا يحل انتهاكها… وقال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به، وحرم التفريط فيه”([16])، ومن قائل بأن الحرمات هي المعاصي، وآخر بأنها الأوامر والنواهي، وثالث بأنها ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه، ورابع بأنها المشعر الحرام والبيت الحرام والمسجد الحرام، “والحرمات المقصودة هنا هي أفعال الحج المشار إليها في قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}، ويدخل في ذلك تعظيم المواضع”([17]).

قال ابن القيم: “والصواب: أن الحرمات تعمّ هذا كلَّه. وهي جمع حرمة، وهي ما يجب احترامه، وحفظه من الحقوق، والأشخاص، والأزمنة، والأماكن، فتعظيمها توفيتها حقها، وحفظها من الإضاعة”([18]). فكلُّ قضية من قضايا الشريعة لها حُرمةٌ ومكانةٌ يجبُ تعظيمها واحترامُها، سواء كانت متعلقة بالأشخاص أو الأزمنة أو الأماكن أو الحقوق؛ كحقِّ الله فهو معظَّم، وحقِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معظَّم؛ لأنها داخلةٌ ضمن حُرُمات الله، وكذلك الأشخاص، فالأنبياءُ والملائكةُ من حُرُمات الله، وكذلك الشأنُ في الأماكن كمكة وعرفة ومُزدلفة، وكذلك الأزمان كرمضان وعشر ذي الحجة؛ فكل هذا من حرمات التي لها مكانةٌ وحُرمةٌ في الشريعة وينبغي تعظيمها وإجلالها.

وما أحسن تفصيل الشيخ السعدي للحرمات حيث قال: “تعظيم حرمات الله من الأمور المحبوبة لله، المقربة إليه، التي من عظمها وأجلها، أثابه الله ثوابا جزيلا، وكانت خيرا له في دينه، ودنياه وأخراه عند ربه.

وحرمات الله: كل ما لَه حرمة، وأمر باحترامه، بعبادة أو غيرها، كالمناسك كلها، وكالحرم والإحرام، وكالهدايا، وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها، فتعظيمها إجلالها بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها، غير متهاون، ولا متكاسل، ولا متثاقل، ثم ذكر منّته وإحسانه بما أحله لعباده من بهيمة الأنعام، من إبل وبقر وغنم، وشرعها من جملة المناسك، التي يتقرب بها إليه”([19]).

ولئن كان الأمر كذلك في معنى (حُرمات الله)، فماذا قال السلف في معنى شعائر الله؟

الجواب: أنه كما اختلفت أقوال السلف في المقصود بحرمات الله تعالى اختلافَ تنوع فكذلك الحال في تفسير شعائر الله سبحانه وتعالى؛ وعامتهم شرحوا معناها بالأمثلة ومفردات الشعائر؛ فقائل بأنها الهدي -والواقع أنها المقصودة رأسًا في الآية وإن كان اللفظ عامًّا- وقيل: الوقوفُ بعرفة، وقيل: الجمعُ بمُزدَلِفة، وقيل: رَمْي الْجِمِارُ، وقيل: الطَّوافُ والأذانُ والصَّلاةُ، وقيل: الكعبةُ والمقامُ كلُّ ذلك داخلٌ في شعائر الله، وقيل: الصفا والمروة من شعائر الله بنص القرآن، وقيل: هي حُرُمات الله نفسها.

وكعادته فإن الإمام الطبري بعد أن استعرض أقوال السلف بيّن أن تعظيم الشعائر يشمل كل ما جعله الله أعلاما لخلقه فيما تعبّدهم به من مناسك حجهم، سواء الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها، أو الأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم كالإحرام والمبيت بمنى والوقوف بعرفة وبجمع، وغيرها من اجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور، ولذا لم يخصص من أعمال المناسك شيئا بل عمَّم، فتعظيم كل ذلك من تقوى القلوب، أي: “من وجل القلوب من خشية الله، وحقيقة معرفتها بعظمته وإخلاص توحيده”([20]).

وإلى خصوصية الهدي أشار الإمام القرطبي بقوله: “شعائر الله أعلام دينه، لا سيما ما يتعلق بالمناسك. وقال قوم: المراد هنا تسمين البدن والاهتمام بأمرها والمغالاة بها، قاله ابن عباس ومجاهد وجماعة. وفيه إشارة لطيفة، وذلك أن أصل شراء البدن ربما يحمل على فعل ما لا بدّ منه، فلا يدل على الإخلاص، فإذا عظمها مع حصول الإجزاء بما دونه فلا يظهر له عمل إلا تعظيم الشرع، وهو من تقوى القلوب”([21]).

فجماع القول إذن: الشعائرُ هي أعلام الدين البارزة والظاهرة التي تكون شعارًا للإسلام، خاصة تلك الظاهرة في المناسك كالإحرام والهدي ورمي الجمار، وعلى هذا توارد قول المفسرين، ولا يحتمل المقام إيرادها ولكن من النماذج على ذلك:

قال السعدي: “والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، ومنها الهدايا والقربان للبيت، وتقدم أن معنى تعظيمها إجلالها والقيام بها وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا؛ فتعظيمها باستحسانها واستسمانها، وأن تكون مكمّلة من كل وجه، فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله”([22]).

وقال ابن عاشور: “فكل ما أمر الله به بزيارته أو بفعل يوقع فيه فهو من شعائر الله، أي: مما أشعر الله الناس وقرره وشهره. وهي معالم الحجّ: الكعبة، والصفا والمروة، وعرفة، والمشعر الحرام، ونحوها من معالم الحجّ”([23]).

الخلاصة: أن كل ما يتعلق بالحج والتشريع داخل في عموم الآية، وإن كان سياقها في ذبح الهدي والأضاحي في الحج؛ فالمقصود في الآية ذبح الهدي والأضاحي بالمقام الأول، لكن اللفظ على عمومه؛ فكل من عظم شعائر الله كان ذلك دلالةً على تقوى الله في قلبه، والعكس صحيح؛ فكل عبد ضَعُف تعظيمه لشعائر الله كان ذلك دلالةً على نقص تقوى الله في قلبه.

ولهذا كان السلف يؤكّدون على أن من تعظيم الله تعظيم كل ما عظّمه الله وأحبه بتعظيمه والإيمان والامتثال، ومن تعظيمه سبحانه تعظيمُ حرماته واجتنابها والتوقي منها.

ولما كان هذا العموم معلوما عند السلف كان جواب ابن عُمر رضي الله عنهما صريحا عندما سُئِل: يا أبا عبد الرحمن، أيُّ الشعائر أعظم؟ قال: أَوَفِي شَكٍّ أَنتَ مِنْهُ؟! هَذَا أَعْظَمُ الشَّعَائِرِ. يعني: البيت الحرام([24]).

وفي الآية الكريمة نجد أن المولى سبحانه وتعالى قرن بين تعظيم شعائره وبين تقوى الله سبحانه؛ فكلاهما مقصدان من أهم مقاصد الحج، بل من أهم مقاصد الدين كله، ولا شك أن تقوى الله من أهم ما يقود إلى تعظيمه وتعظيم شعائره.

فإذا كانت الحرمات والشعائر عامّة تعمّ عامّة ما في الدين من أمور ومسائل، فكيف يكون تعظيمها؟! وهل تعظيم الهدي مثلا كتعظيم الوقوف بعرفة؟!

الجواب: لا؛ بل المعنى يختلف ويكون بحسب كل شيء تعلّق به التعظيم؛ فإن كان المقصود الهدي فتعظيمها استسمانها وتربيتها وغلاء أثمانها، وتعظيم الأزمنة باحترامها والتعبد بما ورد فيها، وتعظيم الأماكن المعظمة بأداء العبادة المشروعة فيها.

مظاهر تعظيم السلف لشعائر الحج:

تأكّد مما سبق من الآيات والأحاديث أنه ينبغي للمسلم أن يعظم الشعائر عموما، كما أنه يستوجب على الحاج خصوصا أن يخطو خطوات المناسك معظّما حرمات الله وشعائره، ومن هنا نجد الصحابة والسلف بادروا بالامتثال لأمر المولى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالتعظيم، فكانوا يعظمون شعائره وحرماته وكل خطوات المناسك، ويمكن أن نجمل مظاهر تعظيم السلف لشعائر الحج فيما يلي:

1- تعظيم السلف للحج بالتهيؤ لاستقباله ونية العمل فيه:

من أبرز أوجه تعظيم السلف -رضوان الله عليهم- لهذا الموسم العظيم أنهم كانوا يتهيؤون لاستقباله، فكانوا يبدؤون بتعلم أحكامه وبث فضائله وتوعية المجتمع بعظيم أجوره وجزيل ثواب المولى فيه؛ ويبذلون في ذلك كل ما استطاعوا، سواء مع أنفسهم أو أبنائهم أو أهاليهم أو تلاميذهم أو مجتمعاتهم عموما، وكانوا يكثرون الالتجاء إلى الله وسؤاله عز وجل أن يرزقهم التوفيقَ والمعونة والسداد لاستثمار هذا الموسم العظيم، ويبلغهم فضله وبركاته وهداه وما فيه من الأجور العظيمة.

أضف إلى ذلك أنهم كانوا قبل بلوغهم شعائر الحج وموسمه يبادرون بنية القيام بما في هذا الشهر من نوافل العبادات وشرائع الطاعات، والمسابقة على فضائل عشر ذي الحجة والتعبد لله فيها بالصيام والصلوات والذكر ونيل أجرها وفضلها، فهي خير أيام الدنيا، ومن هنا ينبغي على المسلم -حاجا أو غير حاج- أن ينوي التعبد لله وفعل الخير ويعزم عليه؛ ذلك أن من نوى أن يعمل عملًا طيبًا صالحًا مبرورًا ثم منعه مرض أو عجز أو شغل فإن الله عز وجل يثيبه على نيته ولو لم يعمل؛ فإن «الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة»([25])، وكذلك من نوى الغزو ولم يستطع أثبت النبي لهم الأجر كما في غزوة تبوك([26]).

وقد جاءت النصوص بهذا التهيؤ والاستعداد لهذا الموسم العظيم، ومن ذلك أن جعل مِن أشهر العام الاثني عشر أربعة أشهر حرم؛ ومنها شهر الحج والشهر الذي قبله والشهر الذي بعده، فحتى الجاهلية كانت “تُعظِّمهن، وتحرِّمهن، وتحرِّم القتال فيهن، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يَهِجْهُ”([27]).

وإنما سمِّيت الأشهر الحرم بهذا الاسم لآكدية حرمة الظلم والقتل فيها؛ فالأمر مرتبط بتعظيم شعائر الله سبحانه([28])، يقول الإمام الطبري: “{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] أي: فلا تعصوا الله فيها، ولا تحلُّوا فيهن ما حرَّم الله عليكم، فتكسبوا أنفسكم ما لا قِبَل لها به من سخط الله وعقابه”([29]).

ثم إن في فاتحة شهر الحج يتهيؤون للتعبد رجاء نيل ثواب خير أيام الدنيا، وهي أيام عشر ذي الحجة؛ حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها أفضل الأيام، قال عليه الصلاة والسلام: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء»([30]).

2- تعظيم السلف للعلم بأحكام الحج ومسائله:

ومن معالم تعظيم الحج عند السلف شدة عنايتهم بأحكام الحج ومسائله ودراستها وبحثها وكتابتها والتأليف فيه، فقد حفظوا أحكامها بكل دقّة، ووعوها بكلّ عناية، وبلغوها بكل أمانة، ومن هنا نجد أن القارئ يقرأ حجَّةَ الوداع على الرغم من أنها الحجة الوحيدة التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه يشاهدها على الشاشات الحديثة اليوم، ولا زال مداد العلماء يصُبّ صبًّا والسطور تصُفُّ صفًّا صفًّا لتنقل لنا دقائق أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله في تلك الحَجة النبوية، “واعتنى السلف بأحكامه وأكثروا من تفريع مسائله، واقتفى الخلف أثرَهم”([31]).

نعم، لقد بذل علماء الإسلام في دراستهم وبحثهم تفاصيل أحكام الحج ومسائله جهدًا لا نجد له مثيلًا له في أي أمة من الأمم على الرغم من أن الحج له حضوره ومكانته في عامة الشرائع والملل والأديان الحقَّة، وعلى الرغم من أننا نجد لكلّ أمة من الأمم منسكًا يتقربون به إلى إلههم([32])، فالحج كان ولا زال عبادةً وشريعةً أساسيةً من شرائع الأديان والأمم الماضية([33])، ولكن لم تعتن أمة من الأمم بدراسة أحكام المناسك عناية علماء الإسلام؛ ولك أن تتعجب أنه بلغ بعلماء الأمة في عنايتهم بالمناسك أنهم أَفرَدُوا مؤلفات وكتبًا لا للحج وحسب، بل لكل جزئيَّة من جزئيَّات هذه الفريضة العظيمة المعظَّمة لديهم، وحتى لا يكون القول هنا مرسلًا دون شواهد ودلائل أورد هنا بعض الشواهد على التنوع البحثي والمعرفي لأحكام الحج؛ فمنهم من ألَّف في سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج وهديه كابن الأمير الصنعاني في كتابه (منسك في هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع)، والشيخ الألباني في كتابه (حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه)، ومنهم من ألَّف في الأحاديث الواردة فيه كأحمد بن عبد الله الطبري في كتابه (القِرى لقاصد أم القرى)، وما أكثَرَ من ألَّف في فقهه وأحكامه كـ(الإيضاح) للنووي و(صلة الناسك) لابن الصلاح، ومنسك ابن تيمية وغيرها، ومنهم من ألَّف في حِكَمه ومقاصده ومظاهره وآثاره كـ(المقاصد في المناسك) لعبد الوهاب أبو سليمان، ناهيك عمن ألَّف في تاريخه والتشويق إليه كابن المحب الطبري في كتابه (التشويق إلى حج البيت العتيق) والقائمة تطول.

ولا أظنني أحتاج إلى إطالة الحديث عن هذه الفقرة أكثر مما طال، فقد تبين للقارئ الكريم مدى تعظيم السلف لهذه الشعيرة، ومدى عنايتهم ببحثها ودراستها وتعلُّمها وتعليمها.

3- تعظيم السلف لشأن إخلاص النية لله وعدم الالتفات إلى غيره:

عظَّم السلف كل شعيرة من الشعائر المتعلقة بالحج، ومن أهم ما عظموه إخلاص الحج لله سبحانه؛ فينبغي ألا يكون في قلب الحاج إلا المولى العظيم، ولا يُحرم إلا لوجهه الكريم، ولا يريد بحجه إلا ثوابه العظيم، ولا يرجو إلا الله والدار الآخرة؛ ولأنه “إذا عُدِم الإخلاص في الأعمال فهي تعب ضائع”([34]).

وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج فرأى ركبًا فقال: من الركب؟ قالوا: حاجِّين، قال: ما أنهزكم غيره؟ -أي: ما أخرجكم غيره؟- ثلاث مرات، قالوا: لا، قال: لو يعلم الركب بمن أناخوا لقرت أعينهم بالفضل بعد المغفرة، والذي نفس عمر بيده ما رفعت ناقة خفها ولا وضعته إلا رفع الله له درجة وحط عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة([35]).

وقد وردت أحوال وأقوال كثيرة عن السلف في أمر إخلاص النية لله وتجريدها من الشوائب وتعظيم شأن الإحرام، ومن ذلك ما أورده ابن رجب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لأصحابه وهو بطريق مكة: “تشعثون وتغبرون وتتفلون وتضحون ولا تريدون بذلك شيئًا من عرض الدنيا، ما نعلم سفرا خيرًا من هذا”([36])، يعني الحج، وروي عنه أنه قال: “إنما الحاج الشعث التفل”([37]).

وورد عن ابن عمر أن رجلًا قال له: ما أكثرَ الحاجَّ! فقال ابن عمر: ما أقلَّهم؟ قال: فرأى ابن عمر رجلا على بعير على رحل رث، خطامه حبل، فقال: لعل هذا([38]).

ويقول ابن الجوزي رحمه الله: “ما أقل من يعمل لله تعالى خالصًا! لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم”([39]).

ومن المواقف التي اشتهرت عن السلف رحمهم الله ما حصل مع سالم بن عبد الله بن عمر حيث كان يطوف بالبيت ومعه في المطاف الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وما إن وقعت عين الخليفة على حفيد الفاروق حتى سارع إليه ممسكًا بيديه قائلًا: يا سالم، ألك حاجة؟ فبادره سالم بقوله: والله يا أمير المؤمنين إني لأستحيي أن أسأل غير الله وأنا في بيته.

فكان السلف يتورعون أن يلتفتوا في حجهم إلى غير الله ولو مجرد التفاتة، ولو كان في أمر جائز، بل كانوا يخلصون لله، ويعظمون الله وشعائره، ويخلصون في عملها لله سبحانه، ولم يتركه الخليفة وشأنه بل انتظره حتى يفرغ من طوافه، حتى إذا كان خارج المطاف بعيدا عن البيت الحرام أعاد القول عليه: أليست لك حاجة أقضيها لك يا سالم؟ فعاجله بقوله: إني لأستحيي أن أسأل غير الله وأنا في ملكه([40]).

4- تعظيم السلف للإحرام:

من المعلوم أن الإحرام هو نية الدخول في النسك، وبها تبدأ التلبية، والسلف كانوا من أشد الناس تعظيمًا للإحرام؛ ومن تعظيمهم للإحرام أنهم كانوا بمجرد النية ولبس لباس الإحرام يعظِّمون شأنه، فيحرصون على تجريد النية عن كل شيء سوى الله؛ كما يقول أبو سليمان: “طوبى لمن صحت له خطوة لا يريد بها إلا الله تعالى”([41]).

والحرص على النية أمر معروف عن السلف، فقد كانوا يتعلمونها كما يتعلم الواحد منا العمل، كما يقول سفيان الثوري رحمه الله([42])، وينص مطرف بن عبد الله أن: “صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية”([43]).

وقد كانوا يعظّمون شأن الإحرام وشأن النية؛ ذلك أنه: “رُبَّ عمل صغير تُعظِّمه النية، ورُب عمل كبير تصغره النية”([44])؛ فالنية هي التي تثقل العمل أو تذهبه هباء منثورة؛ فينوي الإنسان بمجرد الإحرام وجهَ الله، ويخرج من قلبه كل شيء سوى الله؛ وما أحراه بالقبول حينما تكون النية نابعة من قلب نظيف طاهر تخلَّص من كل شيء، ولم يتعلق قلبه بأي شيء سوى مرضاة الله والدار الآخرة، وسوى الطمع في الثواب والأجر الجليل الذي وعد الله به، والحقيقة أن المخلصين في كل عمل قليل.

ومما ثبت عن السلف أنهم كانوا يعظمون أمر التلبية والجهر بها كما يعظمون الإحرام، ومن تعظيمهم للتلبية نجد الإمام البخاري رحمه الله على سبيل المثال بوَّب بابًا سماه: “باب التلبية”، وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن تلبيةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت: «لبَّيك اللَّهمَّ لبَّيك، لبَّيك لا شريك لكَ لبَّيك، إنَّ الحمدَ والنعمة لك والملك، لا شريكَ لك»([45]).

وقد أوضح السلف معنى هذه التلبية وما فيها من لطائف تعبدية؛ ككونها إجابةً لك بعد إجابةٍ، وحبًّا لك بعد حبٍّ، وإظهارا للانقياد والتزاما وإقامة على الطاعة وخلوص لب القلب للعبادة والقرب من المولى سبحانه([46]).

ومن تعظيم السلف لهذه الشعيرة العظيمة من شعائر الحج أنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية كما ورد ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم؛ فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: “خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحجِّ صُراخًا”([47])، وقال أبو حازم: “كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحرموا لم يبلغوا الرّوْحاء حتى تُبَحُّ أصواتهم”([48]).

ويؤكد الإمام النووي على هذا الذي كان عليه السلف من “استحباب رفع الصوت بالتلبية، وأنه أمر متَّفق عليه”([49]).

5- تعظيم السلف لأداء حج الفريضة والمتابعة بين الحج والعمرة:

من معالم تعظيم شعيرة الحج عند السلف تعظيمهم لأمر أداء الحج، خاصة من لم يحج حج الفريضة، ذلك أن من استطاع الحج وتوفرت فيه شروط وجوبه لا يصح منه تأخير الحج، ونجد علماء السلف يعظّمون من شأن ذلك ويهولون على من يؤخّر الحج من غير عذر، وفي ذلك كان يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «مَن أطَاقَ الحجَّ، فلم يَحُجَّ، فسواءٌ عليه مات يهوديًّا أَو نصرانيًّا»([50])؛ فهنا نجد الخليفة الراشد عمر يحضُّ الناس على الحج ويؤكِّد أن من كان مسلما فلا يُقبل منه أن يُفرّط في الحج، خاصة إذا كان يُطيقه وتوفَّر عنده الزاد والراحلة وكان مستطيعًا للحج؛ فمثل هذا لا يقبل منه أن يدّعي الإسلام ثم هو يسمع أمر الله الصريح: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]؛ ثم لا يمتثل، ولا عليه حينئذ أن يموت على النصرانية أو أي دين غير دين الإسلام؛ لأن حاله وحالهم حينئذ واحدة.

وفي أثر آخر عن الخليفة عمر نفسه نجده يهمُّ بأن يعاقب كل من يتخلَّف عن الحج على الرغم من وجود الزاد والراحلة وتوفر شرط الاستطاعة عنده؛ وليس أيّ عقاب بل إنه يهمّ بأن يضرب عليهم الجزية ويعتبرهم كاليهود والنصارى، ويؤكد أنه ليس من الإسلام في شيء أن يتخلّف عن الحج لمن توفر له الشروط وإمكانيته للحج، فقد روى الخلال بإسناده عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب رحمه الله: «لقد هممت أن أبعث رجلا إلى هذه الأمصار، فلينظروا إلى كل رجل ذي جدة لم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم مسلمين، ما هم مسلمين»([51]).

وليس المقصود هنا مناقشة مسألة كون وجوب الحج على الفور أو على التراخي، وإنما التأكيد على تعظيم شعائر الحج، وأنه بلغ عندهم مبلغا كبيرًا، وإلا فإن كثيرا من أهل العلم نصّ على وجوب الحج على الفور، وإن كانت المسألة محل خلاف بين أهل العلم، قال ابن قدامة رحمه الله: “من وجب عليه الحج وأمكنه فعله وجب عليه على الفور، ولم يجز له تأخيره. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: يجب الحج وجوبا موسعا، وله تأخيره”([52]).

وكذلك كان السلف يعظمون أمر المتابعة بين الحج والعمرة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، خاصة من تيسر له ذلك من الحجيج؛ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “أدمن الاختلاف إلى هذا البيت؛ فإنك إن أدمنت الاختلاف إلى هذا البيت لقيت الله عز وجل وأنت خفيف الظهر”([53]).

وكانوا يحثون على المتابعة ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا؛ لأنه من أجل الأعمال، وليس ثمة شيء من الأعمال يعدل الحج؛ ومن تعظيمهم للحج أنهم كانوا يعظمون أجره ومن دخل فيه، بل إنهم كانوا يرون عظم أجر من مات حاجا حتى قالوا بأنه ممن وجبت له الجنة، فقد جاء عن طلحة اليامي قال: سمعته يقول: كنا نتحدث أنه من ختم له بإحدى ثلاث إما قال: وجبت له الجنة، وإما قال: برئ من النار، من صام شهر رمضان، فإذا انقضى الشهر مات، ومن خرج حاجا، فإذا قدم من حجته مات، ومن خرج معتمرا، فإذا قدم من عمرته مات([54]).

6- تعظيم السلف لأمر التعبد والإكثار منه في الحج:

من تعظيم السلف لشعائر الحج أنهم كانوا يكثرون من ألوان التعبد لله في الحج ما بين صلاة وذكر وقراءة للقرآن وصدقة وبر وإيمان وغيرها من الأمور، ومن ذلك أننا نجد من السلف من كان يُكثر من صلاة النافلة وقيام الليل، ومن ذلك ما رُوي عن الأوزاعي إذ يذكر ضمرة بنُ ربيعة وقد حج معه أنه ما وجده مستريحًا لا في ليل ولا في نهار؛ بل لم يره إلا مصليًا، يقول: “حَججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومائة، فما رأيته مضطجعًا في المحمل في ليل ولا نهار قط، كان يصلي، فإذا غلبه النوم استند إلى القتب”([55]).

ولم يكن الأوزاعي أوحد السلف بهذه الحال، بل عُرف عن كثير منهم العناية بالصلاة والإكثار منها في الحج، كالذي رُوي عن مسروق بن الأجدع أنه حج فما نام إلا ساجدًا([56]).

يقول ابن رجب رحمه الله: “لا يصح حج الحاج بدون الإيمان، ولا يكمل حجه ويكون مبرورا بدون إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فإن أركان الإسلام بعضها مرتبطة ببعض، فلا يكمل الإيمان والإسلام حتى يؤتي بها كلها… فهذه خصال البر ومن أهمها للحاج:

إقام الصلاة، فمن حج من غير إقام الصلاة -لا سيما إن كان حجه تطوعا- كان بمنزلة من سعى في ربح درهم، وضيّع رأس ماله وهو ألوفٌ كثيرة، وقد كان السلف يواظبون في الحج على نوافل الصلاة”([57]).

وهذه نماذج وإلا فالعبادات كثيرة، والسلف اجتهدوا في ألوانها وأصنافها، وعُرفوا بالتكثر منها والمواظبة عليها خاصة في مواسم العبادات.

7- تعظيم السلف لشعائر الحج وحرصهم على عدم فوات شيء من فضائله:

لقد كان السلف أحرص ما يكونون على اغتنام فضائل الحج وما فيه من المغانم، ومن أجلى الصور التي توضح لنا تعظيم السلف لشعائر الحج وحرصهم عليه ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها حين حاضت ولما تدخل مكة، فاشتدّ بكاؤها لخوف فوات العمرة عليها والطواف ببيت الله الحرام والسعي برفقة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام؛ فما كان منها إلا أنها جلست تبكي، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما يبكيك يا هنتاه»، قلت: سمعت قولك لأصحابك فمنعت العمرة، قال: «وما شأنك؟» قلت: لا أصلي، قال: «فلا يضيرك، إنما أنت امرأة من بنات آدم، كتب الله عليك ما كتب عليهن، فكوني في حجتك فعسى الله أن يرزقكيها»([58]).

وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمها لشعائر الحج وأسفَها على فوات العمرة، فما كان من النبي إلا أن أرسلها مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر بعد أن انتهى من الحج ونزل المحصب، فدعاه فقال: «اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة، ثم افرغا ثم ائتيا هاهنا، فإني أنظركما حتى تأتياني»، قالت: فخرجنا حتى إذا فرغتُ، وفرغتُ من الطواف ثم جئته بسحر، فقال: «هل فرغتم؟» فقلت: نعم، فآذن بالرحيل في أصحابه، فارتحل الناس، فمرَّ متوجهًا إلى المدينة([59]).

ومن تعظيمهم لشأن الحج ما ورد أيضا أن رجلا كان يُتابع بين الحج والعمرة حتى هرم وضعف عما كان عليه في شبابه وأيام قوته، فغدا عسيرا عليه أن يتابع الحج كما كان من قبل، فجاء متحسّرا نادما على فوات الحج وأجره وفضائله، يشكو ما به إلى أبي موسى الأشعري فقال: يا أبا موسى، إني كنت أعالج الحج، وقد ضعُفت وكبِرت، فهل من شيء يعدل الحج؟ قال له: هل تستطيع أن تعتق سبعين رقبة مؤمنة من ولد إسماعيل؟ فإما الحل والرحيل فلا أجد له عدلا -أو قال: مثلا-([60]).

8- تعظيم السلف للمشاعر المقدسة وما فيها من أعمال:

لقد كان سلف الأمة أكثر ما يكونون تعظيمًا للمشاعر المقدسة سواء البيت المعظَّم أو عرفة أو منى ومزدلفة، ومن هنا كانوا أحرص ما يكونون على استغلال هذه البقاع المعظَّمة وما شرع فيها من العبادات في أزمانها ونيل ما فيها من الفضائل والهبات العظيمة والإفادةِ منها، والمحرومُ كل الحرمان من أدرك فضل هذه الأماكن المقدسة ثم حرم فضلَ الله وجُودَه بسبب عدم تعظيمه لله وشعائره، والشقي من تمر عليه هذه الأزمانُ الفاضلة والأوقاتُ الشريفة دون استغلالٍ لها أو إفادة منها.

ومن هنا نجد للسلف مواقف وكلمات وأقوالًا وأفعالًا حاثّةً على الإفادة من هذه الأزمنة الفاضلة والأمكنة المباركة وإعمارها بالصالحات، فأقوالهم حاثة على ذلك، وأفعالهم تطبيقٌ لذلك؛ وعلى سبيل المثال نجد منهم الحرص والتذكير بالفضائل الواردة في هذه الأيام الفضيلة كفضائل يوم عرفة، فقد ورد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يؤكد على أنه من أهم الأيام التي تُعتَق فيها الرقاب وفيها تقسم الأرزاق وتفوح البركات وتقسم الخيرات، ومن أهم الأيام والأماكن التي ينبغي استثمارها والجد والاجتهاد في العبادة فيها، وكان يرشد إلى أدعية معينة ينبغي الدعاء بها في هذا المكان المبارك وفي هذا اليوم الفضيل، فقد ثبت عنه رضي الله عنه أنه قال: “ليس في الأرض يوم إلا للّه فيه عتقاء من النار، وليس يوم أكثر فيه عتقًا للرقاب من يوم عرفة، فأكثر فيه أن تقول: اللهم أعتق رقبتي من النار، وأوسع لي من الرزق الحـلال، واصرف عني فسقة الجن والأنس”([61]).

أضف إلى ذلك أننا نجد منهم العناية بالدعاء والإكثار منه خاصة في الأماكن والأوقات التي يُشرع فيها ذلك، وهم في ذلك ملتزمون بالخشوع والإخبات إلى الله، فهذا هو ديدن الإمام سفيان الثوري عشية يوم عرفة؛ حيث كان جاثيًا على ركبتيه تذرف دموعه، وفي نفس الوقت الذي استغرق فيه في الدعاء واللجأ إلى الله سبحانه نجده يحث -كما هي عادة السلف- على العناية بالأعمال القلبية وإحسان الظن بالله سبحانه في عباداتهم وحجّهم، ومن ذلك ما جاء عن ابن المبارك: “جئتُ إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تهمِلان، فالتفت إليَّ، فقلت له: مَنْ أسوأ هذا الجمع حالًا؟ قَالَ: الذي يظنُّ أن الله لا يغفر لهم”([62]).

ولم يكن الثوري أوحد السلف عناية بأعمال القلوب ورجاء ما عند الله من مكرمات ورحمات في هذه الأيام الفضيلة وإحسان الظن بالله سبحانه، بل رُوي مثله عن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى الناس وتسبيحِهم وبكائِهم عشية عرفة فقـال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقًا -يعني سدسَ درهـم- أكـان يـردهم؟ قالوا: لا، قال: والله للمغفرةُ عند الله أهونُ من إجابة رجل لهم بدانق([63]).

ومن العبادات والأعمال الجليلة التي وردت عن السلف في موقف عرفة إكثارهم من الصدقة والبذل بأنواعه، سواء بالأموال أو بعتق الرقيق أو إطعام الطعام أو الذبح لله أو غيرها من الأعمال والفضائل؛ فقد ورد عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه “كان يقف بعرفة ومعه مائة بدنة مقلدة، ومائة رقبة، فيُعتِق رقيقه، فيضجُّ الناس بالبكاء والدعاء، ويقولون: ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيدَه، ونحن عبيدك فأعتقنا من النار”([64]).

ختاما:

لئن كان الحج هو الركن الخامس فقد تبين أنه في الوقت ذاته مدرسة من أعظم المدارس أثرا على المرء المسلم في فكره وسلوكه وحياته عامة، فغالبا ما يعود الحاج الصادق في عبادته وقد أعيدت صياغة أهداف سيره في الدنيا لتكون وفق مراد الله من تعظيمه وتحقيق تقواه.

وقد تبين لنا أن السلف الصالح كانوا من أشد الناس تعظيمًا لشعائر الله؛ سواء الزمانية أو المكانية، فيعظمون البيت الحرام والمشاعر والهدي والطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمار وغيرها، فقد كان السلف يعظمونها أيما تعظيم.

فإن علم المؤمن أن هذا حال السلف وأن من أعظم مقاصد الحج تعظيم الله وشعائره، وأن تعظيم الله وشعائره هو قوام العبودية لله، فحري أن يمتلئ قلبه تعظيمًا وإجلالًا وتوقيرا لله وشعائره، وليس هذا الذي كان عليه السلف ضربا من الخيال أو أعمالا معجزة لا يمكن للمسلم الإتيان بمثلها والقيام بها، بل كل من أراد أن يحذو حذوهم والترقي في مراقيهم التعظيمية السامقة والسير على دربهم واجتهد في ذلك هداه الله سبل الهدى والرشاد، وانفتحت على العبد أبواب التعظيم والإجلال والهدايات.

وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) زاد المعاد (1/ 41).

([2]) ينظر: طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 99).

([3]) جامع البيان (3/ 72 وما بعدها) بتصرف يسير.

([4]) انظر: بدائع الفوائد لابن القيم (2/ 460).

([5]) ينظر: بدائع الفوائد لابن القيم (2/ 461).

([6]) أخرجه البخاري (1587)، ومسلم (1353).

([7]) عمدة القاري (9/ 223).

([8]) جامع البيان (17/ 25).

([9]) ينظر: جامع البيان (17/ 25).

([10]) ينظر: تفسير ابن كثير (4/ 514).

([11]) ينظر: تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2491).

([12]) تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2491).

([13]) تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2491).

([14]) أخرجه مسلم (1297).

([15]) مقاييس اللغة (4/ 355).

([16]) مدارج السالكين (2/ 73).

([17]) تفسير القرطبي (12/ 54).

([18]) مدارج السالكين (2/ 73).

([19]) تفسير السعدي (ص: 537).

([20]) جامع البيان (18/ 621).

([21]) تفسير القرطبي (12/ 56).

([22]) تفسير السعدي (ص: 538).

([23]) التحرير والتنوير (17/ 256).

([24]) أخرجه يحيى بن سلام (١/ ٣٧١).

([25]) رواه البخاري (6491)، ومسلم (131).

([26]) رواه البخاري (4423).

([27]) جامع البيان (14/ 234).

([28]) ينظر: تفسير ابن كثير (4/ 146 وما بعدها).

([29]) جامع البيان (14/ 237). وقد رجح أن الضمير في قوله تعالى: (فيهن) عائد على الأشهر الحرم الأربعة، والمسألة محل خلاف.

([30]) أخرجه البخاري (969).

([31]) هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك، لابن جماعة الكناني (ص:2).

([32]) ينظر: تفسير ابن كثير (5/ 451)، أضواء البيان (5/ 298)، التحرير والتنوير (17/ 328).

([33]) ينظر: العبادات في الأديان السماوية، عبد الرزاق الموحى (ص: 116)، مقال: طقوس الحج عند اليهود، ظاظا، الفيصل، ع: 210 (ص: 6).

([34]) مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن، لابن الجوزي (ص: 521).

([35]) أخرجه عبد الرزاق (5/ 4).

([36]) لطائف المعارف (ص: 237).

([37]) انظر: لطائف المعارف، لابن رجب (ص: 237).

([38]) أخرجه عبد الرزاق (5/ 19).

([39]) صيد الخاطر (ص: 264).

([40]) انظر: عيون الأخبار، لابن قتيبة (٣/ ‏٢٠٩)، مرآة الزمان، لسبط ابن الجوزي (١٠/ ‏٤٣٤)، البداية والنهاية، لابن كثير (٩/ ‏٢٣٥).

([41]) انظر: مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة (ص: ٣٧٠-٣٧١).

([42]) انظر: قوت القلوب، لأبي طالب المكي (ت ٣٨٦).

([43]) انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (١٠/ ‏٧١).

([44]) انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (١٠/ ‏٧١).

([45]) صحيح البخاري (1549)، وأخرجه أيضًا مسلم (1184).

([46]) انظر: حاشية ابن القيم -مع عون المعبود- (5/ 176).

([47]) أخرجه مسلم (1247).

([48]) أخرجه ابن أبي شيبة (8/ 609).

([49]) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (8/ 232) بتصرف.

([50]) أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 306).

([51]) السنة (5/ 44).

([52]) المغني (3/ 232).

([53]) أخبار مكة للفاكهي (1/ 411).

([54]) مصنف عبد الرزاق (5/ 9).

([55]) انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (٦/ ‏٥٤٩).

([56]) أخرجه ابن أبي شيبة (١٩/ ‏٤٤٦)، وأحمد في الزهد (١/ ‏٢٨٢)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٥٧/ ‏٤٢٥).

([57]) لطائف المعارف (ص: 233).

([58]) أخرجه البخاري (1560)، ومسلم (1211).

([59]) أخرجه البخاري (1560)، ومسلم (1211).

([60]) أخرجه عبد الرزاق (5/ 7).

([61]) حسن الظن بالله، لابن أبي الدنيا (٩٢).

([62]) حسن الظن بالله، لابن أبي الدنيا (٩٢).

([63]) انظر: مثير العزم الساكن، لابن الجوزي (١/ ‏٢٥٠)، لطائف المعارف، لابن رجب (١/ ‏٥٠٠).

([64]) انظر: لطائف المعارف، لابن رجب (١/ ‏٤٩٥).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

ذلك ومن يعظم شعائر الله .. إطلالة على تعظيم السلف لشعائر الحج

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا جرم أن الحج مدرسة من أعظم المدارس أثرا على المرء المسلم وعلى حياته كلها، سواء في الفكر أو السلوك أو العبادات، وسواء في أعمال القلوب أو أعمال الجوارح؛ فإن الحاج في هذه الأيام المعدودات لو حجَّ كما أراد الله وعرف مقاصد الحج من تعظيم الله وتعظيم شعائره […]

‏‏ترجمة الشيخ الداعية سعد بن عبد الله بن ناصر البريك رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ سعد بن عبد الله بن ناصر البريك. مولده: ولد الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض يوم الاثنين الرابع عشر من شهر رمضان عام واحد وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية 14/ 9/ 1381هـ الموافق 19 فبراير 1962م. نشأته العلمية: نشأ رحمه الله نشأته الأولى في مدينة […]

تسييس الحج

  منذ أن رفعَ إبراهيمُ عليه السلام القواعدَ من البيت وإسماعيلُ وأفئدة الناس تهوي إليه، وقد جعله الله مثابةً للناس وأمنا، أي: مصيرًا يرجعون إليه، ويأمنون فيه، فعظَّمه الناسُ، وعظَّموا من عظَّمه وأقام بجواره، وظل المشركون يعتبرون القائمين على الحرم من خيارهم، فيضعون عندهم سيوفهم، ولا يطلب أحد منهم ثأره فيهم ولا عندهم ولو كان […]

البدع العقدية والعملية حول الكعبة المشرفة ..تحليل عقائدي وتاريخي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة تُعدُّ الكعبةُ المشرّفة أقدسَ بقاع الأرض، ومهوى أفئدة المسلمين، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بعقيدة التوحيد منذ أن رفع قواعدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، تحقيقًا لأمر الله، وإقامةً للعبادة الخالصة. وقد حظيت بمكانةٍ عظيمة في الإسلام، حيث جعلها الله قبلةً للمسلمين، فتتوجه إليها وجوههم في الصلاة، […]

الصد عن أبواب الرؤوف الرحيم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من أهمّ خصائص الدين الإسلامي أنه يؤسّس أقوم علاقة بين الإنسان وبين إلهه وخالقه سبحانه وتعالى، وإبعاد كلّ ما يشوب هذه العلاقة من المنغّصات والمكدرات والخوادش؛ حيث تقوم هذه العلاقة على التوحيد والإيمان والتكامل بين المحبة والخوف والرجاء؛ ولا علاقة أرقى ولا أشرف ولا أسعد للإنسان منها ولا […]

إطلاقات أئمة الدعوة.. قراءة تأصيلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: يقتضي البحث العلمي الرصين -لا سيما في مسائل الدين والعقيدة- إعمالَ أدوات منهجية دقيقة، تمنع التسرع في إطلاق الأحكام، وتُجنّب الباحثَ الوقوعَ في الخلط بين المواقف والعبارات، خاصة حين تكون صادرة عن أئمة مجدِّدين لهم أثر في الواقع العلمي والدعوي. ومن أبرز تلك الأدوات المنهجية: فهم الإطلاق […]

التوحيد في موطأ الإمام مالك

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يختزن موطأ الإمام مالك رضي الله عنه كنوزًا من المعارف والحكمة في العلم والعمل، ففيه تفسيرٌ لآيات من كتاب الله تعالى، وسرد للحديث وتأويله، وجمع بين مختلفه وظاهر متعارضه، وعرض لأسباب وروده، ورواية للآثار، وتحقيق للمفاهيم، وشرح للغريب، وتنبيه على الإجماع، واستعمال للقياس، وفنون من الجدل وآدابه، وتنبيهات […]

مناقشة دعوى مخالفة حديث: «لن يُفلِح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة» للواقع

مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: تُثار بين حين وآخر بعض الإشكالات على بعض الأحاديث النبوية، وقد كتبنا في مركز سلف ضمن سلسلة –دفع الشبهة الغويّة عن أحاديث خير البريّة– جملةً من البحوث والمقالات متعلقة بدفع الشبهات، ونبحث اليوم بعض الإشكالات المتعلقة بحديث: «لن يُفلِحَ قومٌ وَلَّوْا […]

ترجمة الشيخ أ. د. أحمد بن علي سير مباركي (1368-1446هـ/ 1949-2025م)(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن علي بن أحمد سير مباركي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بقرية المنصورة التابعة لمحافظة صامطة، وهي إحدى محافظات منطقة جازان، وذلك عام 1365هـ([2]). نشأته العلمية: نشأ الشيخ نشأتَه الأولى في مدينة جيزان في مسقط رأسه قرية […]

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟). وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه […]

التصوف بين منهجين الولاية نموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منذ أن نفخ الله في جسد آدم الروح، ومسح على ظهره، وأخذ العهد على ذريته أن يعبدوه، ظلّ حادي الروح يحدوها إلى ربها، وصوت العقل ينادي عليها بالانحياز للحق والتعرف على الباري، والضمير الإنساني يؤنّب الإنسان، ويوبّخه حين يشذّ عن الفطرة؛ فالخِلْقَة البشرية والهيئة الإنسانية قائلة بلسان الحال: […]

ابن تيميَّـة والأزهر.. بين التنافر و الوِفاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية أحد كبار علماء الإسلام الذين تركوا أثرًا عظيمًا في الفقه والعقيدة والتفسير، وكان لعلمه واجتهاده تأثير واسع امتدّ عبر الأجيال. وقد استفاد من تراثه كثير من العلماء في مختلف العصور، ومن بينهم علماء الأزهر الشريف الذين نقلوا عنه، واستشهدوا بأقواله، واعتمدوا على كتبه […]

القول بالصرفة في إعجاز القرآن بين المؤيدين والمعارضين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الآياتِ الدالةَ على نبوّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم كثيرة كثرةَ حاجة الناس لمعرفة ذلك المطلَب الجليل، ثم إن القرآن الكريم هو أجلّ تلك الآيات، فهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرّة على تعاقُب الأزمان، وقد تعدَّدت أوجه إعجازه في ألفاظه ومعانيه، ومع ما بذله المسلمون […]

الطاقة الكونية مفهومها – أصولها الفلسفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: إن الله عز وجل خلق الإنسان، وفطره على التوحيد، وجعل في قلبه حبًّا وميلًا لعبادته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، قال السعدي رحمه الله: […]

موقف الليبرالية من أصول الأخلاق

مقدمة: تتميَّز الرؤية الإسلامية للأخلاق بارتكازها على قاعدة مهمة تتمثل في ثبات المبادئ الأخلاقية وتغير المظاهر السلوكية، فالأخلاق محكومة بمعيار رباني ثابت يحدد مسارها، ويمنع تغيرها وتبدلها تبعًا لتغير المزاج البشري، فحسنها ثابت الحسن أبدًا، وقبيحها ثابت القبح أبدًا، إذ هي تحمل صفات ثابتة في ذاتها تتميز من خلالها مدحًا أو ذمًّا خيرًا أو شرًّا([1]). […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017