السبت - 18 ذو الحجة 1446 هـ - 14 يونيو 2025 م

السَّلَف والحجاج العَقلِيّ .. الإمام الدارمي أنموذجًا

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

من الحقائق العلمية التي تجلَّت مع قيام النهضة العلمية لأئمة السلف في القرنين الثاني والثالث وما بعدها تكامل المنهج العلمي والمعرفي في الدين الإسلامي؛ فالإسلام دينٌ متكاملٌ في مبانيه ومعانيه ومعارفه ومصادره؛ وهو قائم على التكامل بين المصادر المعرفية وما تنتجه من علوم، سواء الغيبيات والماورائيات أو الحسيات والمجربات أو العقليات والاستدلالات؛ وهو من أهم الدلائل على صحة الدين الإسلامي وصدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وإن من أهم جوانب تكامل هذا المنهج أن السلف وإن عُنوا بالخبر الإلهي أعظم عناية إلا أنهم لم يغلوا فيه ويُلغوا غيره خاصة الأدلة والبراهين العقلية الصريحة؛ ولم يقل أحد من أئمة السلف يومًا قول عقلاء النصرانية -مثل ديكارت-: إن ما في الكتاب المقدس وإن ناقض الحقائق العقلية يقينا نؤمن بها على مبدأ التسليم([1])، بل الدين الإسلامي قائم على التكامل بين الدلائل العقلية وبين الحقائق الخبرية التي جاء بها الوحي وبين المسلمات الحسية؛ وهو يتَّسم ويمتاز عن غيره من المناهج ببنيانه المعرفيِّ المتكامل حسًّا وعقلًا، فهو يعتمدهما جميعًا ويعتبرهما وسائل للمعرفة.

وليس هذا وحسب، بل الدين الإسلامي قائم على التكامل في شتى الجوانب؛ وإن شئت فانظر إلى تفصيله ما يتعلق بنظام حياة الإنسان في كل النواحي والمجالات، مبدئه، وجوده، غايته، نهايته، وإن شئت فاقرأ السورة التي سمِّيت في القرآن باسم (الإنسان)، حيث بيَّن الله مبدأه ومعاده وجميع الأسئلة الوجودية الكبرى ففيها: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 1-3].

وجماع القول أن الحجاج العقلي والاستدلال به كمقدمات لأصول الإسلام في عقائده وشرائعه تبوأ منزلةً رفيعةً في المنظومة المعرفية الإسلامية المتكاملة، فهي شامة في جبين الحجج والبينات، وغرة وسط البراهين والدلالات، بل هي أقواها وأسهلها، وأعلاها وأوضحها، وأشدها إقناعا وتأثيرا، وأكثرها ثراء واستغناء، ومتميزة بكونها فطرية يقينية في المظهر والمخبر، جزئياتها منسوجة من واقع البشر؛ وسهلة واضحة مقنعة بحرف مختصر، تروي القلب وتقضي وطر العقل وكل وطر، ما استمسك بها مناظر إلا انتصر، ولا تدبرها عاقل إلا انبهر، ولا معاند إلا اندحر([2]).

ومادة العقل ومرادفاته في الوحي شاهد على علوِّ شأن العقل وإعماله([3])، قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33]، فلا يستدل أحدٌ بدليل عقلي أو غيره إلا ودليل القرآن أحسن وأوضح وأبين من دليله في تلك المسألة([4]).

ومن هنا فإن القرآن كثيرًا ما يطالب الخصوم بالحجج والبراهين على أقوالهم([5])، فقد تكرر قوله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} في أكثر من قضيَّة؛ فسبحان الذي أنزل كتابًا بلغ أوج الإشباع العاطفي والنفسي، وبلغ الغاية في الحجاج البرهاني العقلي، كتابًا “تلتقي عنده نهايات الفضيلة كلها على تباعد ما بين أطرافها”([6]).

وقد حَرِص مركز سلف للبحوث والدراسات على تجلية هذا التكامل المعرفي الإسلامي في هذه الورقة؛ سعيًا إلى إبراز دور الاستدلال والحجاج العقلي عند أئمة السلف إلى جانب الاستدلال النقلي سواء الخبري المحض أو الخبري العقلي، من خلال قراءة أحد أئمة الإسلام وأعلامه؛ ليتجلّى كمال المنظومة المعرفية والاستدلالية الإسلامية ورقيها، وظهور الإسلام على كل دين وملة.

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

تمهيد:

من الحقائق اليقينية الكبرى التي لا يستطيع أي قارئ فضلا عن باحث إنكارها -سواء أكان سنيًّا أو بدعيًّا مسلمًا أو كافرًا مستشرقًا أو مستغربًا- أن المصادر العقدية السنية هي أقدم المصادر المحفوظة التي يمكن من خلالها تسليط الضوء على القضايا العقدية المتداولة في العصور الأولى التي ظهرت فيها الفرق من الخوارج والشيعة والقدرية والجبرية والجهمية والمعتزلة، فقد نشط علماء السنة في الرد عليهم وإحقاق الحق وإبطال الباطل؛ واليوم يعد ما أُنتج على أيديهم عن تلك القرون أثرى المصادر في المكتبة العقدية وأكثرها وصولا إلينا، بينما لا نجد الثراء والوفرة نفسها في المصادر العقدية للطوائف الأخرى؛ بل لم تحفظ لتلك الطوائف شيئًا ذا بال من المصادر المعاصرة لفترات ظهورها الأولى.

وإن كان الأمر كذلك فلا شك أن من الأهمية بمكان الإفادة من المصادر السنية سواء في معرفة حقيقة تلك المذاهب وتصورها تصوُّرا صحيحا -وهو ما يفوت على كثير- أو معرفة أصولها وأصول الخطأ فيها وتاريخ نشأتها وعوامل ظهورها، ثم معرفة آثارها ومآل مذاهبها وأفكارها وما تحللت أو تحولت إليه بعد ذلك، وما تسرب من أفكارها ومعتقداتها إلى الطوائف التي جاءت بعدها([7]).

ظهور كتب الردود العقدية وإعمال العقل فيها:

من المعلوم أن أول فتنة عقائدية حصلت بدعم من السلطة هي فتنة الجهمية التي تمثَّلت وظهرت في القول بخلق القرآن والإلزام به من قبل المأمون رحمه الله؛ فكان ما كان من ثبات قليل من أهل العلم أمام هذه السطوة البدعية، ولكنه كان دافعًا لنشاط وعناية كثير من أهل العلم بالكتابة والتأليف في أمر هذه الطائفة.

وهنا نشط أهل العلم من السلف الصالحين في التأليف في العقيدة مسائلها ودلائلها، سواء بالدلائل الشرعية سواء الخبرية أو العقلية، بل ضربوا في كل نوع من أنواع العقليات بسهم، وكان لهم في كل مسلك من مسالكه القِدح المعلى، سواء في باب تقرير الحق أو في باب إبطال الباطل، كالقياسات والتقسيمات والمعارضات، ومن أمعن النظر في تلك الكتابات التي كتبها الأئمة وقف على كمٍّ غزير من الدلائل العقلية؛ كالرسالة للشافعي والحيدة للإمام عبد العزيز الكناني المكي، وكتاب الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد بن حنبل، وخلق أفعال العباد للبخاري، وكتابي الرد على الجهمية والنقض على المريسي للدارمي، والتبصير في معالم الدين لأبي جعفر الطبري، والإبانة لابن بطة العكبري، وغيرها.

فعلى سبيل المثال نجد الإمام أحمد (241هـ) رحمه الله يستدل بالأدلة العقلية في كتابه الرد على الزنادقة والجهمية؛ حيث بيَّن أن الجهميَّة يتشبَّثون بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ويزعمون أنه يدل على نفي صفات الله تعالى؛ فهو ليس كمثله شيء من الأشياء، فلا يتكلم، ولا ينظر إليه أحد، ولا يوصف ولا يعرف بصفة كما هو حال المخلوقين([8]). فاستدل عليهم الإمام أحمد بأنه شيء -وهم يقرون بذلك- والعقلاء يعلمون أن الشيء لا بد له من صفات حتى يكون شيئًا موجودا في الخارج، وإلا فإن الشيء الذي لا صفة له ليس بشيء عند العقلاء، فقال: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل، أنه لا شيء، فعند ذلك، تبين للناس أنهم لا يؤمنون بشيء، ولكن يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون من العلانية. فإذا قيل لهم: فمن تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق. فقلنا: هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة. قالوا: نعم. فقلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تؤمنون بشيء، إنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرونه([9]).

وكل هذا من الاستدلال العقلي على إثبات الصفات على الأصل والقاعدة العقلية أن الشيء الموجود في الواقع لا بد أن تكون له صفات، والشيء الذي لا صفة له لا وجود له في الخارج؛ وبهذا الدليل العقلي بيَّن الإمام أن الآية تدلُّ على إثبات الصفات لله تعالى كما تدلُّ على إثبات الذات؛ لأن ذاتًا بلا صفات ليس بشيء في الواقع([10]).

وأيضا لما نفت الجهمية الكلام عن الله سبحانه بحجة نفي التشبيه بالمخلوقين استدل عليهم الإمام أحمد بدليل عقلي دامغ، مفاده أن نفيكم الكلام تشبيهٌ له سبحانه بالأصنام والجمادات التي لا تنطق([11])، فأُفحموا وتلعثموا، ثم تراجعوا وزعموا أنه يتَّصف بالكلام سبحانه، ولكن كلامه مخلوق، استدل عليهم الإمام أحمد بدليل عقلي مفاده أنكم هنا شبهتم الله بخلقه؛ فجعلتم كلام كل مخلوقا خُلق بعد عدم وتكلم بعد أن كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم([12]).

والأمثلة متضافرة يسبق أحدها الآخر إلى ذهن الباحث القارئ للإمام أحمد، وليس المقصود إحصاؤها فيخرج البحث عن مساره؛ ولكن كثرتها حجة دامغة على من يزعم أن علماء السلف كانوا في منأى عن الدلائل العقلية، وأنهم جمدوا على النصوص دون وعي وإعمال للعقول، وأنهم حفظة نصيّون لا علماء ولا فقهاء يعون ما يقولون إلى غير ذلك من الدعاوى.

وليس الإمام أحمد بأوحد علماء السلف استدلالا بالعقل، بل على العكس كان عامة علماء السلف يستدلون بالأدلة العقلية كالإمام البخاري (256هـ)، حيث رد على نبز الجهمية لأهل السنة بالمشبهة بتأكيده على أن الجهمية أولى باسم المشبهة؛ “لأنهم شبهوا ربهم بالصنم والأصم والأبكم الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يخلق”([13])، وبمثله رد الإمام ابن خزيمة (311هـ) فقال: “قوله على لسان إبراهيم: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42]، أفلا يعقل -يا ذوي الحجا- من فهم عن الله تبارك وتعالى هذا أن خليل الله -صلوات الله عليه وسلامه- لا يُوبِّخ أباه على عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ثم يدعو إلى عبادة من لا يسمع ولا يبصر”([14]). كذلك غيرهم من الأئمة([15])، ولا نريد أن نطيل أكثر فحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق، وبعض الربيع ببعض العطر يختصر.

الإمام الدارمي ومنهجه المعرفي والدلالي:

لا نريد في هذه الورقة المختصرة الاستفاضة في ترجمة الإمام عثمان بن سعيد الدارمي مولدا ونسبا وغيرها، فذلك مطروق في كتب التراجم والدراسات التي كتبت حوله، ولكن ما يهمنا في هذا البحث أن ولادته كانت في نهايات القرن الثالث الهجري([16])، وهو من أوائل القرون التي كان فيها ظهور قوي متمكن للبدعة حين تبنّى المأمون القول بخلق القرآن وألزم العلماء والوجهاء بهذا الرأي المبتدع؛ بالإضافة إلى أنه قد كشَّر أهل البدعة عن أنيابهم مع تبنّي المأمون، وأزاح منظّروهم الأستار عن كتبهم وخطابهم، وكشفوا الحجاب عن وجوههم، فغدا منهم رؤساء وكبراء ومنظرون كأحمد بن أبي دؤاد وبشر المريسي وابن الثلجي وغيرهم، ينظِّرون للقول بخلق القرآن ونفي الصفات وغيرها؛ وهو ما تمخَّض عنه وقوف علماء السلف في وجوههم ببيان الحق والكشف عن أخطائهم وضلالاتهم في تقريراتهم واستدلالاتهم سواء النصية أو العقلية؛ فكان عصر نشاط وبعثة تأليفية في العقيدة بين أعلام أهل السنة آنذاك([17]).

وشيوخ الإمام الدارمي الذين على أيديهم نشأ هم أهم أعلام هذا النشاط العقدي مناظرة ومناكفة وتأليفًا؛ ويكفي أن علَم الأعلام الذي نصر الله به الحق في هذه الفتنة من شيوخه، وهو الإمام أحمد إمام أهل السنة، ثم إن من أشياخه أعلام أهل الحديث كيحيى بن معين وعلي بن المديني، هذا بالإضافة إلى تتلمذه على تلاميذ الإمام الشافعي كالبويطي([18]).

فتمخّض عن نشأة الإمام الدارمي في هذا الجو العلمي النشط في إحقاق العقيدة الحقة وإبطال البدع والعقائد الباطلة براعتُه وتمكنه العلمي ومهارته في كثير من الجوانب كالمناظرة والجدل وكشف الباطل، فلا شك أن هذه البنوَّة العلمية على أئمة الحديث أولئك كان لها أثرها في البناء والتأصيل العلمي للإمام الدارمي عموما، ومنهجيته الفكرية والمعرفية والاستدلالية خصوصا، وبوجه أخص إعمال الدلائل العقلية([19]) الذي هو محل حديثنا، ويبدو أن نشأته في وسط هذا النشاط جعله يكتسب القدرات الحجاجية والمهارية التي يحتاج إليها، بدءًا بالتمكن العلمي في الكتاب والسنة وآثار الأئمة وعلومهم، ومرورا بالحجج والبراهين الخبرية والعقلية الشرعية والتصور الصحيح لعقيدة أعلام السنة ومقالات المبتدعة وشبهاتهم وتفنيدها ومصادرها خاصة الجهمية، وانتهاء بإجادة الكتابة وحسن التصنيف وحسن المناظرة والمجادلة([20]).

ثم إن كثرة التطواف في البلدان والعواصم العلمية الإسلامية جعله كثير الأشياخ، واسع الأفق والاطلاع، بصيرًا بالمذاهب والمقالات وأصولها وآثارها، مدركا للدقائق في السنة ومخالفيها من المبتدعة ومراميهم وحججهم وشبهاتهم؛ فغدا “شيخ تلك الديار [سجستان] الإمام، العلامة، الحافظ، الناقد… إماما يقتدى به في حياته وبعد مماته”([21]).

وقد كان من آثار هذا التمكن العلمي والتأصيل المنهجي والتطواف والإكثار من المشايخ أنه “فاق أهل زمانه، وكان لهجا بالسنة، بصيرا بالمناظرة”([22])، فتصدَّر لمناقشة الجهمية والرد عليهم وفضح باطلهم وكشف شبهاتهم، فكان أول كتبه كتاب (الرد على الجهمية) ثم إن أحد أصحاب رؤوس الجهمية كتب ردًّا عليه؛ فتجاهل الإمام ذلك المغمور واتجه بالرد على أطروحات المريسي دون شخصه؛ وإنما ذكره لأنه كان رأسًا في تلك الفتنة قد أظهر آراءه ودوَّنها؛ وكان كتابه من أجمع الكتب لشبهاتهم؛ فدرس الإمام الدارمي شبهاته ونقض حججه وكشف عواره في كتابه (النقض على المريسي) بأسلوب قوي وألفاظ جزلة ومعان محكمة وحجج متينة خبرية وعقلية([23])، ومن هنا سطر الإمام الذهبي (748هـ) رحمه الله بعد أن ترجم له قائلا: “كان عثمان الدارمي جذعا في أعين المبتدعة”([24]).

إعمال الإمام الدارمي للعقل ومنهجه في ذلك:

لم يقتصر منهج الإمام الدارمي رحمه الله على نقد الجهميّة بنصوص الوحي من كتاب وسنة -مع كونها غنية وكافية في الاحتجاج- بل تعددت عنده الطرق والأساليب والأدوات النَّقديَّة في منهجه؛ فإلى جانب النَّقد بالنصوص من كلام الله تعالى ورسوله انتقد الإمام الدارمي رحمه الله الجهميّة بكثير من الأدلة والمسالك العقلية والجدلية المعروفة في أبواب الجدل كالمنع والمعارضة والنقض وغيرها مما يبين مناقضتها للعقل والبداهة، وهو ما يسميه بعض الباحثين: “الصناعة العقلية المؤسسة على الأدلة النقلية، وهي طريقة الوحي الإلهي في قيادته للمعارك الفِكريّة والعقدية التي خاضها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع خصومهم، بل كلما كان الباحث أرسخ قدمًا في معرفة تلك الصناعة العقلية كان أوفق للسنة المحمدية وأقدر للذب عنها”([25]).

فنجد الإمام الدارمي رحمه الله قد استعمل في نقده للجهمية بعض المسالك العقلية والجدلية، ومن أمثلة ذلك:

أولا: الاكتفاء بالمنع فيما لا حجة فيه:

من المسالك الجدلية العقلية التي أعملها الإمام الدارمي رحمه الله مسلك المنع والمطالبة بالدليل والحجة، ومن ذلك:

حين زعم المريسي عدم حجية السنة محتجا بأن السنة النبوية لم تدون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه، فمنع الإمام هذه الدعوى وطالب بالحجة وإلا فهي مجرد دعوى عارية عن الدليل، يقول الإمام الدارمي: “واحتججتَ أيضا في رد آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رويت عن أبي يوسف أنها رأس الآثار وألزمها للناس بكذب ادعيتَه، زعمتَ أنه صح عندكَ أنه لم تكتب الآثار وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه، فكثرت الأحاديث وكثر الطعن على من رواها.

فيقال لهذا المعارض: دعواك هذه كذب، لا يشوبه شيء من الصدق، فمن أين صح عندك أن الأحاديث لم تكن تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده إلى أن قتل عثمان؟! ومن أنبأك بهذا؟! فهلمّ إسناده، وإلا فإنك من المسرفين على نفسك، القائلين فيما لا يعلم”([26]).

ثانيًا: مسلك المعارضة:

من المسالك الجدلية التي أعملها الإمام الدارمي رحمه الله مسلك المعارضة؛ والإمام الدارمي رحمه الله يعدُّ أحد أبرز حذَّاق هذا المسلك، ومن استعمالاته لها:

المثال الأول: احتج المريسي قوله تعالى: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] مدعيًا أن معناها أنه ولَّى بعض خلقه بذلك، وأن ذكر اليد جاء لتأكيد الخلق.

فأعمل الإمام الدارمي رحمه الله مسلك المعارضة، واحتج عليه بنفس دليله مبينا بأن معنى الآية إثبات صفة اليدين لله تعالى، وأن ذكر اليد جاء للتأكيد وأن التأكيد تأكيد لليد، وأنه هو المتَّسق مع تخصيص آدم عليه السلام بذلك دون المخلوقات الكثيرة التي خلقها سبحانه، يقول الدارمي رحمه الله: “وأما قولك: (تأكيد للخلق) فلعمري إنه لتأكيد جهلتَ معناه فقلبتَه، إنما هو تأكيد اليدين وتحقيقها وتفسيرهما، حتى يعلم العباد أنها تأكيد مسيس بيد، لما أن الله قد خلق خلقا كثيرا في السماوات والأرض أكبر من آدم وأصغر، وخلق الأنبياء والرسل، وكيف لم يؤكد في خلق شيء منها ما أكد في آدم إذ كان أمر المخلوقين في معنى يدي الله كمعنى آدم عند المريسي؟!… فأكد الله لآدم الفضيلة التي كرمه وشرفه بها، وآثره على جميع عباده إذ كل عباده خلقهم بغير مسيس بيد، وخلق آدم بمسيس، فهذه عليك لا لك، وقد أخذنا فالك من فيك محتجين بها عليك كالشاة التي تحمل حتفها بأظلافها([27]).

ونجد هنا في نهاية احتجاجه العقلي تأكيده أنه بصير بالعملية الاحتجاجية التي قام، وأنه أعمل مسلك المعارضة واحتج عليه بنفس دليله.

المثال الثاني: حين أراد الإمام الدارمي رحمه الله الرد على المريسي نفيه لصفتي السمع والبصر بدليل عقلي مفاده أن إثباتهما فيه تشبيه الله تعالى بخلقه (دليل التشبيه) نجد الإمام الدارمي رحمه الله أعمل منهج المعارضة؛ حيث عارض هذا الدليل العقلي بدليل عقلي مثله؛ مؤكدًا أن نفي صفتي السمع والبصر هو ما فيه التشبيه، وأن من ينفي الصفات أولى بهذه الصفة ممن يثبتها، وأن دليل التشبيه هو دليل ينقض قول النفاة حقيقة ولا يؤيده؛ قال رحمه الله: “فيقال لهذا المريسي الضال: الحمار والكلب أحسن حالا من إله على هذه الصفة؛ لأن الحمار يسمع الأصوات بسمع، ويرى الألوان بعين، وإلهك -بزعمك- أعمى أصم، لا يسمع بسمع، ولا يبصر ببصر. ولكن يدرك الصوت كما يدرك الحيطان والجبال التي ليس لها أسماع، ويرى الألوان بالمشاهدة ولا يبصر في دعواك([28]).

ثالثًا: الاكتفاء بإيراد الحق الظاهر والباطل البَيِّن بطلانه وطلب التفكر فيه:

من المسالك النَّقديَّة عند الإمام الدارمي رحمه الله الاكتفاء بإيراد الباطل الواضح بطلانه وإشعار القارئ بذلك، وأنه من جملة ما يغني إيراده عن تكلُّف إبطاله، ومن أمثلة ذلك:

المثال الأول: أنكر الإمام الدارمي على المريسي إنكاره حجية السنة بشناعة القول الذي قاله حيث يقول الدَّارمي: “وادعيتَ أيضا في دفع آثار رسول الله ضحكة لم يسبقك إلى مثلها عاقل من الأمة ولا جاهل، فزعمت أنه لا تقوم الحجة من الآثار الصحيحة التي تروى عن رسول الله إلا كل حديث لو حلف رجل بطلاق امرأته أنه كذب لم تطلق امرأته، ثم قلت: ولو حلف رجل بهذه اليمين على حديث لرسول الله صحيح عنه أنه كذب ما طلقت امرأته”([29]).

المثال الثاني: أنه يطلب من القارئ أن يتأمل القول الذي يؤكد أنه الحق ودلائله، وأن يمعن النظر في الأقوال الباطلة التي يوردها المريسي بعقلية متجردة ونفسية تطلب الحق لا الجدل ولا غيره من الدوافع القبلية الحائلة دون معرفة الحق، حيث يقول: “فليعرض هذه الآثار رجل على عقله: فهل يجوز لعربي أو عجمي أن يتأول أنها أرزاقه وحلاله وحرامه؟! وما أحسب هذا المريسي إلا وهو على يقين من نفسه أنها تأويل ضلال ودعوى محال، غير أنه مكذّب الأصل متلطّف لتكذيبه بمحال التأويل كيلا يفطن لتكذيبه أهل الجهل. ولئن كان أهل الجهل في غلط من أمره إن أهل العلم منه لعلى يقين. فلا يظن المنسلخ من دين الله أنه يغالط بتأويله هذا إلا من قد أضله الله وجعل على قلبه وبصره وسمعه غشاوة”([30]).

رابعا: كشف التناقض:

من المسالك الجدلية التي أعملها الإمام الدارمي رحمه الله: مسلك الكشف عن التناقضات عند خصمه؛ والإمام الدارمي رحمه الله يعدُّ أحد أبرز حذَّاق هذا المسلك أيضا، ومن أهم المسائل التي كشف الإمام الدارمي رحمه الله عن التناقض فيها ما يأتي:

المثال الأول: أنه كشف عن تناقضات المريسي في أطروحاته؛ حيث إنه يقرر الأمر تنظيرا، ثم إنه عند التطبيق يأتي بما يناقض تلك القاعدة التي نظَّر لها؛ كتقريره أن الله لا يستعمل في حقه القياسات التي تستخدم في حق المخلوقين؛ فلا يقاس الله بالمخلوقين؛ ثم هو يستعمل في حق الله تعالى تلك القياسات، يقول الإمام الدارمي: “أوَلم تقل في صدر كتابك هذا أن الله لا يقاس بالناس، ولا يحل للرجل أن يتوهم في صفاته ما يعقله من نفسه، وأنت تقيسه في ضحكه بالزرع وتتوهم فيه ما تتوهم بالزرع؟!”([31]).

المثال الثاني: تأويله صفة الاستواء بمعنى الاستيلاء، وهو ما نص عليه الإمام الدارمي بقوله: “مع أنك قد صرحت بما قلنا، إذ قسته في عرشه بمتغلب غلب على مدينة فاستوى عليها بغلبة؟ ففي دعواك لم يأمن الله أن يغلب؛ لأن المغالب المستولي ربما غلب، وربما غلب.

فهل سمع سامع بجاهل أجهل بالله ممن يدعي أن الله استولى على عرشه مغالبة، ثم يقيسه في ذلك بمتغلب فيقول: ألا ترى أنه يقال للرجل: غلب على مدينة واستولى على أهلها؟! وأين ما انتحلت أنه لا يجوز لأحد أن يشبه الله بشيء من خلقه، أو يتوهم فيه ما هو موجود في الخلق، وقد شبهته بمتغلب غلب على مدينة بغلبة فاستولى عليها؟!

لو ولدتك أمك أصمّ أخرس كان خيرًا لك من أن تتأول هذا وما أشبهه في الله تعالى وفي عرشه.

فأقصر أيها المرء الضعيف؛ فإنك لن تدفع العرش والكرسي بمثل هذا الحشو والخرافات والعمايات؛ لأن الإيمان بهما قد خلص إلى كل من عرف الله من عالم أو جاهل”([32]).

المثال الثالث: ومن أمثلة التناقضات التي كشف الإمام الدارمي عنها في تقريرات المريسي أنه قرر تنظيرا قاعدة، ثم إنه عند التطبيق ناقض تلك القاعدة التي نظَّر لها؛ كتقريره أن الله لا يستعمل في حقه الاجتهاد البشري المجرد عن الوحي الإلهي؛ لأن الإنسان لم ير الإله ولا له نظير حتى يقيس عليه ويجتهد في شأنه، ثم إن المريسي يتقوّل في المسائل المتعلقة بالله بمجرد الرأي، يقول الإمام الدارمي: “وادعيتَ أيضا في صدر كتابك هذا أنه لا يجوز في صفات الله تعالى اجتهاد الرأي، وأنت تجتهد فيها أقبح الرأي، حتى من قباحة اجتهادك تتخطى به الحق إلى الباطل، والصواب إلى الخطأ”([33]).

المثال الرابع: كشف الإمام الدارمي عن تناقض المريسي؛ حيث قرر أولا أن علم العقيدة -وخاصة ما يتعلق بالله سبحانه- لا يصح أن يتكلّم فيه الإنسان إلا بالحق، ولا يتكلم فيه بما لم يتأكد من صحته ومن كونه حقا دون ما كان محتملا، ثم إنه يتعامل مع المسائل بالأقوال المحتملة وبما لا يدري ولا يعرف كونه حقا أو باطلا، يقول الإمام الدارمي: “أوَلم تذكر في كتابك أنه لا يحتمل في التوحيد إلا الصواب فقط؟! فكيف تخوض فيه بما لا تدري أمصيب أنت أم مخطئ؟! لأن أكثر ما نراك تفسر التوحيد بالظن، والظن يخطئ ويصيب، وهو قولك: يحتمل في تفسيره كذا، ويحتمل كذا تفسيرا، ويحتمل في صفاته كذا، ويحتمل خلاف ذلك كذا، ويحتمل في كلامه كذا وكذا، والاحتمال ظن عند الناس غير يقين، ورأي غير مبين، حتى تدعي لله في صفة من صفاته ألوانا كثيرة، ووجوها كثيرة أنه يحتملها لا تقف على الصواب من ذلك فتختاره، فكيف تندب الناس إلى صواب التوحيد وأنت دائب تجهل صفاته، وأنت تقيسها بما ليس عندك بيقين؟! ولكنا نظنك تقول الشيء فتنساه، حتى يدخل عليك فيه ما يأخذ”([34]).

خامسا: إعماله مهارة السبر والتقسيم:

من المسالك النَّقديَّة عند الإمام الدارمي رحمه الله مهارة السبر والتقسيم؛ ومن أمثلة ذلك:

مناقشته لبشر المريسي في مسألة خلق القرآن، وبيّن بطلان قوله بالسبر والتقسيم، فإن كلام الله تعالى لا بد وأن يكون واحدًا من ثلاث حالات:

  • إما يكون قائمًا بذاته سبحانه، وهذا هو الواقع وهو الصحيح، ولكنه متناقض مع ما يدَّعيه المريسي من القول بأنه مخلوق؛ لأن ذات الله لا يمكن أن يكون فيها مخلوق.
  • وإما أن يكون منفصلًا عنه، وحينئذٍ له حالتان:
  1. إما أن يكون كلامًا في غيره؛ وهو محال؛ لأنه يلزم أن كل كلام خلقه الله في غيره هو كلام الله لا فرق بينهما.
  2. وإما أن يكون كلامًا قائمًا بنفسه، وهو محال؛ لأنه لا يكون الكلام إلا من متكلِّم، كما لا تكون الإرادة إلا من مريد، ولا العلم إلا من عالم.

فهذا إعمال للتقسيم كما ترى، وحصر لجميع الأوصاف الممكنة ولا خيار رابع.

يقول الإمام الدارمي: “ومن ادعى أن كلام الله والقرآن مضاف إلى الله كبيت الله، وكروح الله، وكعبد الله، أو شبّهه بكلام الجبال والشجر فقد صرح بأنه مخلوق اختلقه في دعواه بشر كذاب، كما قال الوحيد: {إِن هَذَا إِلَّا قَولُ البَشَرِ} [المدثر: 25] لما أن الله لم يخلق لنفسه كلامه يدعو إلى الله، وإلى توحيده وطاعته، فإما أن يكون المتكلم به الله عندكم فهو كلام نفسه بحقيقة منه ومنه خرج، ولا يجهل ذو عقل أنه لا يخرج من الله كلام مخلوق، وإما أن يكون المتكلم به عندكم غير الله، ثم أضافه كذبا وزورا وبهتانا إلى الله، فهذا المتكلم به المضيف إلى الله كذاب مفتر كافر بالله إذ يقول: {إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} [القصص: 30]، أو يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14]، أو يقول لموسى: {أَنَا رَبُّكَ} [طه: 12]. فمن ادعى شيئا من هذا أو قاله غير الله فهو كافر كفرعون الذي قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]، لا يستحق قائل هذا أن يجعل قوله قرآنا يضاف إلى الله ويقام به دين الله. هذا أوضح من الشمس وأضوأ منها إلا عند كل مدلس.

ولو لم يذع هذا المعارض هذا الكلام، ولم ينشره في الناس لم نتعرض لمناقضته وإدخال عليه، مع أنا لم نقصد بالنقض إليه، ولكن إلى ضعفاء من بين ظهريه الذين لا علم لهم بهذا المذهب، سمعوا به منه، ولم يسمعوا ضد كلامه من كلام أهل السنة واحتجاجهم، فيضلون به، إذ لا يهتدون بضده وما ينقضه عليه”([35]).

سادسا: النَّقد بإثبات التفريق بين المتماثلين:

من المسالك النَّقديَّة التي نجدها عند الإمام الدارمي رحمه الله أنه ينقد خصمه بالتفريق بين المتماثلين، ومن أمثلة ذلك:

بيانه أن المريسي متناقض في أطروحاته لأنه ينكر على متن من المتون بدعوى عدم ثبوته، ثم يثبت ويحتج بما هو أضعف وأشد وَهنًا مما نقده، يقول الإمام الدارمي: «والعجب ممن يدفع ما روى الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زيد بن مسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وسعيد المقبري وثابت البناني من رواية معمر وسفيان وشعبة ومالك بن أنس وحماد بن زيد ونظرائهم من أعلام المسلمين، ويتعلق برواية الثلجي والمريسي ونظرائهم من أهل الظنة في دين الله إذا وجد في شيء منها أدنى متعلق يدخل بها دلسة على الجهال»([36]).

سابعا: النَّقد بإبراز الدوافع الحقيقية وراء تبني القول:

مما عني به الإمام الدارمي رحمه الله قراءة ما تحت السطور والكشف عن أساس المشكلة وعن الأصول الأولى التي نجم عنها القول، والتي تسمى أحيانا: أصل القول، أو منشأ القول ونحوه؛ ومن ذلك:

عند نقد الإمام الدارمي رحمه الله للمريسي ورد الأخير كل نص من النصوص التي يوردها من الكتاب والسنة كشف الإمام الدارمي عن أساس المشكلة وعن الأصول الأولى التي نجم عنها هذه المعارضات، ذلك أن المريسي اتخذ تأويل النصوص منهجًا أو المغالطة والتضليل كما يعبِّر الإمام الدارمي؛ التماسًا للراحة من مضامين كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومعانيها وأحكامها.

فبيَّن الإمام الدارمي رحمه الله أن تبنِّي منهج التأويل لن يزيده إلا تعبًا واختناقًا؛ لأنه لا يستطيع دفع تلك المعاني الثابتة بالنص، والمؤكَّدة باللسان العربي المبين، وبتداول المؤمنين لها من الزمن الأول، حيث قال الإمام الدارمي رحمه الله وهو يناقش المريسي: “غير أنه وردت عليك آثار لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بحلقك، ونقضت عليك مذهبك فالتمست الراحة منها بهذه المغاليط والأضاليل، التي لا يعرفها أحد من أهل العلم والبصر بالعربية، وأنت منها في شغل، كلما غالطت بشيء أخذ بحلقك شيء فخنقك حتى تلتمس له أغلوطة أخرى، ولئن جزعت من هذه الآثار فدفعتها بالمغاليط مالك راحة فيما يصدقها من كتاب الله عز وجل الذي لا تقدر على دفعه، وكيف تقدر على دفع هذه الآثار وقد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفاظها بلسان عربي مبين، ناقضة لمذاهبك وتفاسيرك، وقد تداولتها أيدي المؤمنين وتناسخوها، يؤديها الأول إلى الآخر والشاهد إلى الغائب إلى أن تقوم الساعة، ليقرعوا بها رؤوس الجهمية ويهشموا بها أنوفهم، وينبذ تأويلك في حش أبيك، ويكسر في حلقك… فإن كنت تدفع هذه الآثار بجهلك، فما تصنع في القرآن؟! وكيف تحتال له وهو من أوله إلى آخره ناقض لمذهبك، ومكذب لدعواك؟! حتى بلغني عنك من غير رواية المعارض أنك قلت: ما شيء أنقض لدعوانا من القرآن، غير أنه لا سبيل لدفعه إلا مكابرة بالتأويل”([37]).

ثامنا: الإلزام باللوازم على فرض صحة قول الخصم، وهو مقام التنزُّل:

من المسالك الجدلية التي يلحظها الفاحص لردود الإمام الدارمي رحمه الله إلزامه الخصم بلوازم القول الذي يقوله إن صح جدلا، ومن ذلك:

المثال الأول: ألزم الإمام الدارمي رحمه الله خصمه المريسي بناءً على نفيه خلق الله لآدم بيده أنه يلزم عنه عقوقه لوالده وأبي البشر آدم عليه السلام؛ لأن نفي صفة اليد عن الله يلزم عنه نفي أفضل فضائل آدم التي كرمه الله بها وأشرف مناقبه، وبهذا فضله الله على أعظم خلقه من الرسل والملائكة المقربين، يقول الإمام الدارمي: “ثم إنا ما عرفنا لآدم من ذريته ابنا أعق ولا أحسد منه، إذ ينفي عنه أفضل فضائله وأشرف مناقبه، فيسويه في ذلك بأخس خلق الله؛ لأنه ليس لآدم فضيلة أفضل من أن الله خلقه بيده من بين خلائقه، ففضله بها على جميع الأنبياء والرسل والملائكة، ألا ترون موسى حين التقى مع آدم في المحاورة احتج عليه بأشرف مناقبه فقال: «أنت الذي خلقك الله بيده»؟! ولو لم تكن هذه مخصوصة لآدم دون من سواه ما كان يخصه بها فضيلة دون نفسه؛ إذ هو وآدم في خلق يدي الله سواء -في دعوى المريسي-؛ ولذلك قلنا: إنه لم يكن لآدم ابن أعق منه، إذ ينفي عنه ما فضله الله به على الأنبياء والرسل والملائكة المقربين”([38]).

المثال الثاني: ألزم الإمام الدارمي رحمه الله خصمه المريسي -بناءً على نفيه صفة الاستواء عن الله سبحانه وتأويلها بأنها بمعنى الاستيلاء- أن في الكون والوجود أشياء لم يستول عليها الله سبحانه، وأن ملكه ليس ملكا عاما ولا شاملا، وأنه وُجد في مخلوقاته من ترقَّى في درجات الإله حتى إن منهم من حاربه ودخل في معركة ومنازعة مع الله سبحانه حتى انتهت باستيلاء الله -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا-، يقول الإمام الدارمي: “يُقال لهذا المعارض العامه التائه المأبون الذي يهذي ولا يدري: هذه تأويلات محتملة لمعان هي أقبح الضلال، وأفحش المحال، ولا يتأولها من الناس إلا الجهال، وكل راسخ في الضلال.

ويحك! وهل من شيء لم يستول الله عليه في دعواك ولم يعلُه حتى خص العرش به من بين ما في السماوات وما في الأرض؟!

وهل نعرف من مثقال ذرة في السماوات وفي الأرض ليس الله مالكه، ولا هو في سلطانه، حتى خص العرش بالاستيلاء عليه من بين الأشياء؟!

وهل نازع الله من خلقه أحد، أو غالبه على عرشه فيغلبه الله ثم يستوي على ما غالبه عليه مغالبة ومنازعة؟!”([39]).

المثال الثالث: ألزم الإمام الدارمي رحمه الله خصمه المريسي بما ادعى هو على الإمام الدارمي لزومه حيث زعم أن إثباته صفتي السمع والبصر مستلزم لتشبيه الله تعالى بخلقه، وسمَّى مثبتة الصفات مشبِّهة. فأكد الإمام الدرامي أن نفاة الصفات أولى بمسمَّى (المشبِّهة)، وأن نفي الصفات أكثر استلزامًا لتشبيه الله تعالى لا بمجرد خلقه، بل بأنقصهم قدرا وحالا، فمثلا نفي صفتي السمع والبصر مستلزم لتشبيه الله تعالى بالأعمى والأصم، “وكيف استجزتَ أن تسمي أهل السنة وأهل المعرفة بصفات الله المقدسة: مشبهة، إذ وصفوا الله بما وصف به نفسه في كتابه بالأشياء التي أسماؤها موجودة في صفات بني آدم تكييف، وأنت قد شبهت إلهك في يديه وسمعه وبصره بأعمى وأقطع، وتوهمت في معبودك ما توهمت في الأعمى والأقطع، فمعبودك مجدع منقوص، أعمى لا بصر له، وأبكم لا كلام له، وأصم لا سمع له، وأجذم لا يدان له، ومقعد لا حراك به، وليس هذا بصفة إله المصلين، فأنت أوحش مذهبًا في تشبيهك إلهك بهؤلاء العميان والمقطوعين، أم هؤلاء الذين سميتهم مشبهة أن وصفوه بما وصف به نفسه بلا تشبيه؟!([40]).

ختاما:

السلف وإن عُنوا بالخبر الإلهي أعظم عناية، إلا أنهم لم يلغوا غيره من البراهين، خاصة الأدلة العقلية الصريحة؛ فالاستدلال والحجاج العقلي عند أئمة السلف كان سوقه رائجا إلى جانب الاستدلال النقلي، وهو ما يجلّي كمال ورقي المنظومة المعرفية والاستدلالية الإسلامية وظهور الإسلام على كل دين وملة؛ إذ إن الدين الإسلامي قائم على التكامل بين الدلائل العقلية والحقائق الخبرية التي جاء بها الوحي والمسلَّمات الحسية؛ وهو يتَّسم ويمتاز به عن غيره من المناهج، فهو يعتمدها جميعًا ويعتبرها وسائل للمعرفة.

وصلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر: واجبنا نحو عالمية الإسلام، عبد الله القرني، مقال منشور بمجلة التأصيل للدراسات الفكرية المعاصرة، العدد

(2) السنة الأولى شوال 1431هـ – سبتمبر 2010م (ص: 19).

([2]) ينظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/ 76).

([3]) ينظر: الأدلة العقلية النقلية، سعود العريفي (ص: 39 وما بعدها).

([4]) ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (4/ 106).

([5]) ينظر: إيثار الحق على الخلق لابن الوزير (ص104).

([6]) النبأ العظيم د. محمد عبد الله دراز (ص: 143).

([7]) ينظر: الجدل العقدي عند الإمام الدارمي، ياسر المطرفي، بحث منشور بمجلة التأصيل للدراسات الفكرية المعاصرة، العدد (2) السنة الأولى شوال 1431هـ – سبتمبر 2010م (ص: 219).

([8]) الرد على الجهمية والزنادقة، ت: دغش العجمي (ص: 207).

([9]) الرد على الجهمية والزنادقة (ص: 208 وما بعدها).

([10]) ينظر: الرد على الجهمية والزنادقة (ص: 207 وما بعدها).

([11]) ينظر: الرد على الجهمية والزنادقة (ص: 274).

([12]) ينظر: الرد على الجهمية والزنادقة (ص: 276).

([13]) خلق أفعال العباد (ص: 43).

([14]) التوحيد (1/ 53 وما بعدها).

([15]) ينظر مثلا: الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية لابن قتيبة (ص: 40).

([16]) لا تحدد كتب التاريخ مكان ولادته، وثمة خلاف في زمانه أيضا ورجح الذهبي رحمه الله أن ولادته قبل المائتين بيسير ولم يحدد تاريخا. سير أعلام النبلاء (13/ 319). وينظر: الإمام عثمان بن سعيد الدارمي ودفاعه عن عقيدة السلف، محمد محمود أبو رحيّم (ص: 24)، رسالة ماجستير في العقيدة بجامعة أم القرى، غير مطبوع.

([17]) ينظر: الإمام عثمان بن سعيد الدارمي ودفاعه عن عقيدة السلف، محمد محمود أبو رحيّم (ص: 24)، رسالة ماجستير في العقيدة بجامعة أم القرى، غير مطبوع.

([18]) انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 322)، طبقات الشافعية للسبكي (2/ 302).

([19]) ينظر: اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم (ص: 231).

([20]) ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (13/ 324)، رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة، لابن عبد الهادي (ص: 74 وما بعدها).

([21]) ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (13/ 319، 324).

([22]) سير أعلام النبلاء (13/ 320).

([23]) ينظر: مقدمة عقائد السلف، علي سامي النشار (ص: 44).

([24]) سير أعلام النبلاء (13/ 322).

 ([25]) الوضعية المنطقية في فكر زكي نجيب محمود، عبد الله الدعجاني (ص: 8).

([26]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (2/ 604).

([27]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (1/ 232).

([28]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (1/ 300 وما بعدها).

([29]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (2/ 644).

([30]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (1/ 255).

([31]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (2/ 797).

([32]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (1/ 454).

([33]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (2/ 797).

([34]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (2/ 797).

([35]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (2/ 797).

([36]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (1/ 454).

([37]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (1/ 391).

([38]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (1/ 255).

([39]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (1/ 454).

([40]) نقض الإمام الدارمي على المريسي (1/ 300 وما بعدها).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

السَّلَف والحجاج العَقلِيّ .. الإمام الدارمي أنموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: من الحقائق العلمية التي تجلَّت مع قيام النهضة العلمية لأئمة السلف في القرنين الثاني والثالث وما بعدها تكامل المنهج العلمي والمعرفي في الدين الإسلامي؛ فالإسلام دينٌ متكاملٌ في مبانيه ومعانيه ومعارفه ومصادره؛ وهو قائم على التكامل بين المصادر المعرفية وما تنتجه من علوم، سواء الغيبيات والماورائيات أو الحسيات […]

ذلك ومن يعظم شعائر الله .. إطلالة على تعظيم السلف لشعائر الحج

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا جرم أن الحج مدرسة من أعظم المدارس أثرا على المرء المسلم وعلى حياته كلها، سواء في الفكر أو السلوك أو العبادات، وسواء في أعمال القلوب أو أعمال الجوارح؛ فإن الحاج في هذه الأيام المعدودات لو حجَّ كما أراد الله وعرف مقاصد الحج من تعظيم الله وتعظيم شعائره […]

‏‏ترجمة الشيخ الداعية سعد بن عبد الله بن ناصر البريك رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ سعد بن عبد الله بن ناصر البريك. مولده: ولد الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض يوم الاثنين الرابع عشر من شهر رمضان عام واحد وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية 14/ 9/ 1381هـ الموافق 19 فبراير 1962م. نشأته العلمية: نشأ رحمه الله نشأته الأولى في مدينة […]

تسييس الحج

  منذ أن رفعَ إبراهيمُ عليه السلام القواعدَ من البيت وإسماعيلُ وأفئدة الناس تهوي إليه، وقد جعله الله مثابةً للناس وأمنا، أي: مصيرًا يرجعون إليه، ويأمنون فيه، فعظَّمه الناسُ، وعظَّموا من عظَّمه وأقام بجواره، وظل المشركون يعتبرون القائمين على الحرم من خيارهم، فيضعون عندهم سيوفهم، ولا يطلب أحد منهم ثأره فيهم ولا عندهم ولو كان […]

البدع العقدية والعملية حول الكعبة المشرفة ..تحليل عقائدي وتاريخي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة تُعدُّ الكعبةُ المشرّفة أقدسَ بقاع الأرض، ومهوى أفئدة المسلمين، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بعقيدة التوحيد منذ أن رفع قواعدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، تحقيقًا لأمر الله، وإقامةً للعبادة الخالصة. وقد حظيت بمكانةٍ عظيمة في الإسلام، حيث جعلها الله قبلةً للمسلمين، فتتوجه إليها وجوههم في الصلاة، […]

الصد عن أبواب الرؤوف الرحيم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من أهمّ خصائص الدين الإسلامي أنه يؤسّس أقوم علاقة بين الإنسان وبين إلهه وخالقه سبحانه وتعالى، وإبعاد كلّ ما يشوب هذه العلاقة من المنغّصات والمكدرات والخوادش؛ حيث تقوم هذه العلاقة على التوحيد والإيمان والتكامل بين المحبة والخوف والرجاء؛ ولا علاقة أرقى ولا أشرف ولا أسعد للإنسان منها ولا […]

إطلاقات أئمة الدعوة.. قراءة تأصيلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: يقتضي البحث العلمي الرصين -لا سيما في مسائل الدين والعقيدة- إعمالَ أدوات منهجية دقيقة، تمنع التسرع في إطلاق الأحكام، وتُجنّب الباحثَ الوقوعَ في الخلط بين المواقف والعبارات، خاصة حين تكون صادرة عن أئمة مجدِّدين لهم أثر في الواقع العلمي والدعوي. ومن أبرز تلك الأدوات المنهجية: فهم الإطلاق […]

التوحيد في موطأ الإمام مالك

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يختزن موطأ الإمام مالك رضي الله عنه كنوزًا من المعارف والحكمة في العلم والعمل، ففيه تفسيرٌ لآيات من كتاب الله تعالى، وسرد للحديث وتأويله، وجمع بين مختلفه وظاهر متعارضه، وعرض لأسباب وروده، ورواية للآثار، وتحقيق للمفاهيم، وشرح للغريب، وتنبيه على الإجماع، واستعمال للقياس، وفنون من الجدل وآدابه، وتنبيهات […]

مناقشة دعوى مخالفة حديث: «لن يُفلِح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة» للواقع

مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: تُثار بين حين وآخر بعض الإشكالات على بعض الأحاديث النبوية، وقد كتبنا في مركز سلف ضمن سلسلة –دفع الشبهة الغويّة عن أحاديث خير البريّة– جملةً من البحوث والمقالات متعلقة بدفع الشبهات، ونبحث اليوم بعض الإشكالات المتعلقة بحديث: «لن يُفلِحَ قومٌ وَلَّوْا […]

ترجمة الشيخ أ. د. أحمد بن علي سير مباركي (1368-1446هـ/ 1949-2025م)(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن علي بن أحمد سير مباركي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بقرية المنصورة التابعة لمحافظة صامطة، وهي إحدى محافظات منطقة جازان، وذلك عام 1365هـ([2]). نشأته العلمية: نشأ الشيخ نشأتَه الأولى في مدينة جيزان في مسقط رأسه قرية […]

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟). وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه […]

التصوف بين منهجين الولاية نموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منذ أن نفخ الله في جسد آدم الروح، ومسح على ظهره، وأخذ العهد على ذريته أن يعبدوه، ظلّ حادي الروح يحدوها إلى ربها، وصوت العقل ينادي عليها بالانحياز للحق والتعرف على الباري، والضمير الإنساني يؤنّب الإنسان، ويوبّخه حين يشذّ عن الفطرة؛ فالخِلْقَة البشرية والهيئة الإنسانية قائلة بلسان الحال: […]

ابن تيميَّـة والأزهر.. بين التنافر و الوِفاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية أحد كبار علماء الإسلام الذين تركوا أثرًا عظيمًا في الفقه والعقيدة والتفسير، وكان لعلمه واجتهاده تأثير واسع امتدّ عبر الأجيال. وقد استفاد من تراثه كثير من العلماء في مختلف العصور، ومن بينهم علماء الأزهر الشريف الذين نقلوا عنه، واستشهدوا بأقواله، واعتمدوا على كتبه […]

القول بالصرفة في إعجاز القرآن بين المؤيدين والمعارضين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الآياتِ الدالةَ على نبوّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم كثيرة كثرةَ حاجة الناس لمعرفة ذلك المطلَب الجليل، ثم إن القرآن الكريم هو أجلّ تلك الآيات، فهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرّة على تعاقُب الأزمان، وقد تعدَّدت أوجه إعجازه في ألفاظه ومعانيه، ومع ما بذله المسلمون […]

الطاقة الكونية مفهومها – أصولها الفلسفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: إن الله عز وجل خلق الإنسان، وفطره على التوحيد، وجعل في قلبه حبًّا وميلًا لعبادته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، قال السعدي رحمه الله: […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017