الثلاثاء - 28 ذو الحجة 1446 هـ - 24 يونيو 2025 م

نزعة الشّكّ في العقيدة .. بين النّقد والهدم

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

إنَّ العقيدة هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الإيمان، وهي أصل العلوم وأشرفها، إذ تتعلق بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته، وبالإيمان برسله وكتبه، وباليوم الآخر وما أعدَّ الله فيه من ثواب وعقاب. فهي من الثوابت الراسخة التي لا تقبل الجدل ولا المساومة، إذ بها تتحقق الغاية العظمى من الوجود، وتستقيم حياة الإنسان على منهج التوحيد الخالص.

ومن هنا كان الاهتمام بالعقيدة أعظم ما ينبغي للمسلم أن يُعنى به، خصوصًا عقيدة أهل السنة والجماعة التي تُمثّل المنهج الحق في فهم التوحيد والإيمان بالله والاتباع الصحيح لرسله. ومن الوسائل المهمة لترسيخ العقيدة الصحيحة البعدُ عن أسباب الشك من شبهٍ يثيرها المخالفون أو يوسوس بها الشيطان.

وفي هذه الورقة العلمية من مركز سلف للبحوث والدراسات نسلّط الضوء على الشكّ العقدي بوصفه منزلقًا يؤدّي إلى الانحراف، أو جِسرًا يقود إلى اليقين، مع تسليط الضوء على مدى تأثيره وخطورته على عقيدة المسلم. كما نستعرض أسبابه وآثاره، سائلين الله تعالى الثبات على الحق، وترسيخ اليقين، والإخلاص في القول والعمل.

مركز سلف للبحوث والدراسات

تمهيد:

تقوم معرفة الشيء على معرفة حقيقته ومعناه، فهو مفتاح مفاهيمه وبيان مقاصده، لذا سنتناول في هذا التمهيد تعريف الشك لغة واصطلاحًا، وتعريف اليقين لغة واصطلاحًا، لتكون قاعدة نقيم عليها مفاهيم هذا البحث ومقاصده.

مفهوم اليقين

اليقين لغة: مأخوذ من يقن الأمر ييقن إذا ثبت ووضح([1]).

يقال: يقن الماء في الحوض إذا استقر فيه، ويستعمل متعديًا بنفسه وبالباء، يقال: يقنته ويقنت به، والذي يظهر من تتبع استعمال هذه المادة أنها تفيد الاستقرار والثبات وإزاحة الشك وتحقيق الأمر([2])، وسكون النفس وثلج الصدر به([3]) كما أنه يطلق على طمأنينة القلب على حقيقة الشيء([4]).

واليقين اصطلاحًا: اعتقاد الشيء بأنه كذا، مع اعتقاده بأنه لا يمكن أن يكون إلا كذا، اعتقادًا مطابقًا لنفس الأمر غير ممكن الزوال([5]).

أو: انكشاف المعلوم انكشافًا لا يبقى معه ريب ولا يقارنه مكان الغلط والوهم([6]).

ولليقين درجات بعضها فوق بعض، فالأولى علم اليقين: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ﴾ [التكاثر: 5]، وهو العلم بالشيء من مصادر موثوقة لا شك فيها، وفوقها عين اليقين: ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ﴾ [التكاثر: 7]، وهو أن ترى الشيء بعينك، وفوقها حق اليقين: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ﴾ [الواقعة: 95]، وهو أن تكون جزءًا من الشيء تعيشه وتحسه.

ولذلك طلب إبراهيم من ربه أن يرفع يقينه من العلم إلى المعاينة، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِـيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَل مِّنْهُنَّ جُزْءا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيا وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم﴾ [البقرة: 260].

مفهوم الشك:

قبل الخوض في بيان أسباب الشك وآثاره يحسن بيان المعنى اللغوي والاصطلاحي للشك؛ لأن المعنى اللغوي والاصطلاحي يعين في وضوح الفكرة، فالاسم مجمع الأفكار والمعبر عنها بإيجاز.

الشك لغة: مأخوذ من شَكَّ يَشُكُّ شَكًّا، ويجمع على شكوك، وفي معاجم اللغة توجد معان كثيرة لمادة الشين والكاف، منها:

1- التداخل: قال ابن فارس: “الشين والكاف أصل واحد مشتق بعضه من بعض، وهو يدل على التداخل، من ذلك قولهم: شككته بالرمح، وذلك إذا طعنته فدخل السنان بجسمه… وشككت بين ورقتين إذا أنت غرزت العود فيهما فجمعتهما، فالشَّاكُّ في الأمر كأنه شك له أمران في مشك واحد، فهو لا يتيقن واحدًا منهما، فمن ذلك اشتقاق الشك”([7]).

2- نقيض اليقين: قال الصاحب ابن عباد: “الشك: نقيض اليقين، شككني أمرك، وأمرك يشكّ عليّ”([8]).

3- التردّد: كأن يتردد الإنسان بين شيئين دون أن يتيقن بأحدهما، قال الفيومي: “هو التردد بين شيئين، سواء استوى طرفاهما أو رجح أحدهما على الآخر”([9])، وجاء هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين﴾ [يونس: 94] قال المفسرون: أي: غير مستيقن([10]).

والشكُّ اصطلاحًا: حالة نفسية يتردَّد معها الذهن بين الإثبات والنفي ويتوقف عن الحكم([11]).

أو: التردّد بين نقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك([12]).

فمعنى الشك في كل ما سبق يدور حول غياب الحقيقة والتأرجُح بين أمرين دون التوصّل ليقين أو حكم.

الفرق بين الشك والوسواس:

نظرًا لوجود خلط بين الشك والوسواس فلا بد من بيان الفرق بينهما، فإن الفرق بينهما له أثر على حكم كل منهما، فإن السلف الصالح يرون أن الشك يناقض اليقين، ولا يجتمع شكّ ويقين، وأما الوسواس فهو الخواطر والأفكار فقط، إما بما توسوس به النفس أو بما يوسوس به الشيطان مع بقاء اليقين في القلب([13]).

وقد بيّن العلماء أنّ الوسوسة قد تصيب قلب المؤمن، فيتأذّى منها وينفر، لكنه يُعرض عنها ويدفعها ولا يستجيب لها، وهو ما يدل على يقظة القلب وحياة الإيمان فيه، ورفضه للباطل وتمسكه بالحق.

وهذا النوع من الوساوس لم يسلم منه حتى الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حيث اشتكوا للنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنّا نَجِدُ في أنْفُسِنا ما يَتَعاظَمُ أحَدُنا أنْ يَتَكَلَّمَ به! قالَ: «وقدْ وجَدْتُمُوهُ؟» قالوا: نَعَمْ، قالَ: «ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ»([14]).

قال البيضاوي: “قوله صلى الله عليه وسلم: «ذاك» إشارة إلى ما دل عليه قولهم: (يتعاظم) أي: يتعاظم علمكم بفساد تلك الوسوسة، وامتناع نفوسكم والتجافي عن التفوه به، «صريح الإيمان» أي: خالصُهُ”([15]).

وبهذا يتضح أن الفرق بين الوسوسة والشك كبير، فالوسوسة عارض يعرض للقلب سرعان ما يدفع بقوة الإيمان، بينما الشك حالة مستقرة من عدم اليقين بشيء.

أنواع الشك:

  • النوع الأول: الشك المنهجي:

وهو منهج يفرضه الباحث أو الفيلسوف بمحض إرادته لاختبار ما لديه من معارف ومعلومات؛ محاولًا بذلك تطهير عقله من كل ما يحويه من مغالطات، وتدريبه على تكوين ملكة النقد والتحليل من أجل مناقشة المبادئ الأولية السابقة للوصول إلى مبادئ أولية أخرى واضحة ومميزة بحيث يقيم عليها قضايا يقينية([16]).

وللإنسان تصورات وأحكام خاطئة تفرضها عليه طبيعته التي طبع عليها، يقول الدكتور توفيق الطويل: “وهذا الشك المنهجي خير طريقة لاتقاء هذه الأخطاء، إنه خطوات تسلّم إلى اليقين أو تؤدي إلى المعرفة الصادقة، فهو وسيلة وليس غاية في ذاته، يزاوله الباحث بإرادته ومحض رغبته، ومن ثم يستطيع التحرر منه، إنه نتيجة عزم من الباحث على أن يشكّ بنظام وبمقتضى مبدأ في أي فكرة يمكن أن تكون مثارًا للشك”([17]).

ويؤكد هذا المعنى بقوله: “إننا نزاول الشك مؤملين أن ينتهي بنا الشك إلى الاعتقاد”([18]).

فهذا الشك طريق إلى اليقين وهو شك محمود.

  • النوع الثاني: الشك المطلق:

وهو الشك الذي لا يوصل إلى المعرفة، ويفقد أدواتها، فيصبح غايةً في ذاته لا وسيلةً للوصول إلى الحقيقة، فيبدأ صاحبه شاكًّا وينتهي شاكًّا. ولتفادي الخلافات التي تنشأ بين العلماء والفلاسفة يميل إلى الحياد، مفضلًا الترجيح أو الاحتمال أو الامتناع عن إصدار الحكم، وذلك وفقًا للتوجه الفلسفي الذي ينبثق منه هذا الشك([19]).

وهذا الشك يرفض كل أشكال المعرفة ووسائلها، دون تمييز بين أنواع العلوم أو مجالات المعرفة التي يسعى الإنسان لاكتسابها. فهو لا يفرق بين العلم المطلق القاطع الذي لا يحتمل الشك، والعلم القابل للتطوير والتصحيح والذي يمكن استبداله أو تعديله إذا استدعت الحاجة([20]). ولذلك عرّفته مجموعة من الباحثين بأنه: “النظرية التي تنكر كليا أو جزئيا إمكان معرفة العالم”([21]).

وهذه الصورة من الشك تسمى: (اللاأدرية)، فالشاك هنا يقدح في الحقيقة ويتوقف عن الحكم([22]).

  • النوع الثالث: الشك الاعتقادي:

وهذا النوع من الشك يستهدف العقائد الدينية التي أوحى بها الله سبحانه إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، والتي جاءت في الوحي المنزل، فيسعى إلى زعزعتها والتشكيك في ثوابتها، رغم كونها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وهذا النوع من الشك يجعل صاحبه يسلك أحد طريقين: فإما أن ينكر الدين كله، فيرفض الوحي جملةً، ويكذب بالبعث والأنبياء والكتب السماوية، وإما أن يكون شكه جزئيًّا، فيطعن في بعض الأحكام والاعتقادات التي جاءت بها الشرائع، كإنكار الملائكة أو عذاب القبر، أو ردّ النصوص النبوية الصحيحة، مستندًا في ذلك إلى حجج عقلية أو حسية، يسوقها لتبرير رفضه لهذه الحقائق الثابتة.

وهذا النوع من الشك يتخذ عدة صور يمكن الإشارة إليها هنا باختصار:

– الصورة الأولى: الشك الذاتي في المعتقد:

وفي هذه الحالة يكون الشاك مترددًا بين الإنكار والتسليم، فلا يرفض الاعتقاد رفضًا كليًّا، ولا يقبله بيقين، بل يبقى في دائرة الحيرة والتذبذب، غير قادر على الحسم. ولهذا إما أن يفضل الصمت تجاه هذه المسائل، أو يعرض الحجج المتعارضة دون أن يرجح إحداها، أو يعلن شكه دون جزم، فتتساوى عنده الأدلة، ويبقى دون معتقد واضح أو موقف حاسم.

– الصورة الثانية: تشكيك الناس في العقائد:

وهذه الطريقة يتبعها أعداء الدين في سعيهم لهدمه ومحاربة أهله، إذ لا يواجهونه بالإنكار المباشر، بل يتسللون إلى العقول عبر باب التشكيك، مستهدفين زعزعة اليقين في النفوس. فيبدؤون بالطعن في أصل الإيمان بوجود الله سبحانه، ثم ينتقلون إلى التشكيك في النبوة والكتاب، وصولًا إلى إثارة الشبهات حول الأحكام والعقائد الشرعية التي جاء بها الدين، في محاولة منهم لإضعاف الإيمان وإفساد الثوابت.

وهذه الصورة هي التي ينهجها الكفار والمشركون وأعداء الدين منذ عهد النبوة إلى عهدنا الحاضر، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلَٰئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلْأُنثَىٰ * وَمَا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْــــٔا * فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا﴾ [النجم: 27-29]([23]).

– الصورة الثالثة: الإنكار للدين أو بعض العقائد:

وهذه الصورة هي الأوضح، حيث إن أصحابها لا يقفون عند حد الشك، بل يتجاوزونه إلى الإنكار الصريح والجزم برفض الحقائق الدينية، ويجاهرون بذلك علانية. ومع ذلك نصنفهم ضمن دائرة الشكاك لعدة اعتبارات، يمكن تلخيصها فيما يلي:

  • أن الملحد أو المنكر للاعتقادات الدينية يعارض أمرًا فطريًّا ثابتًا يجعلنا نجزم يقينًا بخطئه، فهو حين ينكر هذه الحقائق الضرورية -كالإيمان بالله والمحسوسات والمعقولات وما يتبعها من اعتقادات- يكون في واقع الأمر في صراع داخلي بين الفطرة التي وُهبها والإنكار الذي يتبناه. وهذا التناقض يجعله في حالة من التذبذب، مما يُدخله في دائرة الشك من هذا الاعتبار([24]).

فأهل الفطرة كلهم متفقون على الإقرار بالله عز وجل، فإن الإقرار بالخالق سبحانه وكماله أمر فطري ضروري في حق من سلمته فطرته([25]) فالفطرة السليمة تشهد بوجود الله من غير دليل، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفا فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 30]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الفِطْرَةِ، فأبَواهُ يُهَوِّدانِهِ، أوْ يُنَصِّرانِهِ، أوْ يُمَجِّسانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هلْ تَرى فِيها جَدْعاءَ؟!»([26]). ولم يقل صلى الله عليه وسلم في الحديث: فأبواه يسلِّمانه؛ لأن الإسلام موافق للفطرة([27]).

لذلك لم يكثر السلف من الخوض في إثبات وجود الله تعالى، وحشد الأدلة لتقريره؛ لأنه من القضايا المسلَّمة المستقرّة في الفطرة البشرية([28]).

  • أن المتتبع لأحوال هؤلاء المنكرين -وخاصة لبعض العقائد الدينية- يجدهم ينكرون أمرًا معينًا، ومن ثم يتناقضون فيثبتون نقيضًا لها مما يتساوى معه في مبرراته، ولأنهم لم يقيموا أسسًا منهجية واضحة، فكل هذا جعلهم يضطربون، ويتحيرون فلأجل ذلك فهم في الله متشككين، وليس لديهم قناعة واضحة بما ينكرون.
  • أن كثيرًا من هذه الإنكارات ظهرت لدى فلاسفة كان مذهبهم العام قائمًا على الشك، إلا أنهم في بعض القضايا اعتقدوا أن إنكارها يخدم منهجهم الشكي، فاجتهدوا في نفيها نفيًا قاطعًا. وهذا الإنكار لم يكن قائمًا على يقين راسخ، بل كان أداة لتعزيز مذهبهم الشكي، سواء كان شكهم شاملًا لكل المعارف، أو مقتصرًا على نوع محدد من المعرفة الإنسانية([29]).

 

وبعد بيان الشك وبعض صوره يمكن الحديث عنه في الآتي:

المبحث الأول: أسباب الشك:

للشك أسباب كثيرة يصعب حصرها في هذا البحث المختصر، ولكنا سنورد هنا أبرز أسباب الشك وأسسها التي تقوم عليها، ومنها:

أولًا: الاعتماد على النظر العقلي أو سلوك الشك المنهجي:

في كثير من المسائل الشرعية يُعتبر الشك محاولة للتنصل من النصوص الشرعية التي وردت بها، وذلك خوفًا من تعارضها مع القاطع العقلي أو مخالفتها لقواعد النظر العقلي التي اعتمدها هؤلاء في تأسيس عقائدهم حول الربوبية.

فالأشاعرة -على سبيل المثال- أنكروا العديد من الصفات الإلهية بحجة أن النظر العقلي يمنع حدوثها في آحادها، مؤكدين أن الله ليس محلًّا للحوادث. ومع ذلك وقعوا في تناقضات واضطرابات، إذ لا يمكنهم إنكار حدوث صفات المعاني حسب مشيئة الله وقدرته. ومن هنا لجأوا إلى ابتكار التعلقات والتصورات لتبرير موقفهم، مما أدى إلى تباين وتناقض في تفسيرهم لهذه الصفات([30]).

أما المعتزلة فقد ذهبوا إلى إنكار الصفات الإلهية بحجة أن إثباتها يؤدي إلى المماثلة وتعدد القدماء، وهو ما يزعمه النظر العقلي لديهم. لكن هذا المنهج أدى بهم إلى تناقض، حيث أصروا على إثبات الأسماء الحسنى لله، مع إنكارهم للصفات، مما يظهر التباين بين موقفهم العقلي ونتائج إيمانهم بالواقع الإلهي([31]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (المتكلمون والفلاسفة كلهم على اختلاف مقالتهم هم في قياس الغائب على الشاهد مضطربون، كل منهم يستعمله فيما يثبته، ويرد على منازعه ما استعمله في ذلك، وإن كان قد استعمل في موضع آخر ما هو دونه. وسبب ذلك أنهم لم يمشوا على صراط مستقيم، بل صار قبوله ورده هو بحسب القول لا بحسب ما يستحقه القياس العقلي، كما تجدهم أيضًا في النصوص النبوية كل منهم يقبل ما وافق قوله، ويرد منها ما خالف قوله، وإن كان المردود من الأخبار المقبولة باتفاق أهل العلم بالحديث، فحالهم في الأقيسة العقلية كحالهم في النصوص السمعية لهم في ذلك من التناقض والاضطراب ما لا يحصيه إلا رب الأرباب)([32]).

ثانيًا: التأثر بالثقافة اليونانية:

يعود ظهور الشك لدى العديد من المسلمين -سواء على مستوى الفرق أو الأفراد- إلى تأثرهم بالثقافة اليونانية، فقد تأثروا بالفكر اليوناني في تقديم العقل على النقل، وتغليب الأقيسة المنطقية، واتباع فلاسفة اليونان في تقديس العقل، واختراع أحكام عقلية بعيدة عن الشرع والدين، مما ساهم في انتشار الشكوك حول بعض المسائل الدينية، وأدى إلى تشويش التصورات العقدية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأكثر الفلاسفة من أتباع أرسطو وغيره مع الجمهور يقولون: إن الإمكان لا يعقل إلا في المحدثات، وأما الذي ادعى ثبوت ممكن قديم فهو ابن سينا ومن وافقه، والرازي لما كان مثبتًا لهذا الإمكان موافقة لابن سينا كان في كلامه من الاضطراب ما هو معروف في كتبه الكبار والصغار، مع أن هؤلاء كلهم يثبتون في كتبهم المنطقية ما يوافقون فيه سلفهم أرسطو وغيره: أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا حادثًا كائنًا بعد أن لم يكن)([33]).

والملاحظ أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أجزاء كبيرة من مؤلفاته يربط بين مقالات نظار المعتزلة والأشاعرة، ويبين أن الكثير من أصولهم مستمدة ممن قبلهم من الفلاسفة اليونان، والمتبع لآرائهم في باب القضاء والقدر لا يجدها تخرج أبدًا عن آراء أفلاطون وأرسطو اللذين تناقضا في هذا الباب فقالا تارة بالحرية التامة، وتارة بالجبر التام، وليس المقام هنا مقام التوسع في مذهبهم وتقريره بل يكفينا الإشارة إلى تأثر أهل الكلام بهم في هذه العقيدة([34]).

ثالثًا: تقديم العقل على النقل:

العقل نعمة عظيمة وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان ليكون له عونًا في الهداية والتفكير السليم، ولكن له مرتبة وطاقة لا يمكنه تجاوزها. فحين يتجاوز العقل حدوده ويخرج عن نطاق تخصصه، فإنه ينحرف عن الطريق الصحيح.

وقد أدى تقديم العقل على النقل عند العديد من الفرق الكلامية إلى ظهور الشك في الاعتقادات الإسلامية. ومع ذلك لا يجب أن نغفل عن جهودهم في الدفاع عن العقيدة الإسلامية واستخدامهم العقل والأدلة العقلية لتوضيح مسائل الدين، وقد يكونون مصيبين في ذلك، لكن بشرط أن يُستخدم العقل في مجاله الصحيح، حيث يكون داعمًا للدين وللحقيقة.

وأبرز مجال يمكن للعقل أن يساهم فيه هو التعرف على الله من خلال النظر في الكون وخلقه المبهر، وكل ذلك يجب أن يتم وفق هداية الوحي والنصوص الربانية. فالعقل ليس له القوة في مجال العقيدة وعالم الغيب، إلا في استدلاله عليها وإظهار الحاجة إليها، مع التسليم التام لما يقدمه الوحي.

ويجب أن يبتعد العقل عن أن يكون حاكمًا على نصوص الوحي، وهذا من الأخطاء المنهجية التي وقع فيها أرباب الفلسفة وعلم الكلام؛ لأن العقل في هذا المجال لا يستطيع أن يكون ندًّا للنقل، فكيف يكون حاكمًا عليه؟! بل يقول الدكتور راجح الكردي: (إن أقصى ما يستطيعه أن يتحرى ثبوت النفي أولًا، ثم يدرك دلالة النص على ما يدل عليه حيث إنه قاطع في دلالته وانطباقه على معناه، أو أنه ظني في هذه الدلالة، وله كذلك أن يطلب العلة في الحكم إذا كان من الأحكام المنصوص على العلة فيها، أو جعلت مما يستطيع العقل ضبطها بالاجتهاد، ولكن من خلال النصوص لا بالعقل وحده، وما لا يستطيع ضبطها فإنه يقف عند ذلك الحد، إذ العلة أصلا في التشريع كله العبادة والاختبار والابتلاء، والعقل كذلك محجوب عن إدراك الذات الإلهية وحقيقة عالم الغيب وتفاصيله وحقيقة خيرية الأشياء وشَرِّيتها، وعاجز كذلك عن إدراك أسرار المشيئة الربانية وحقيقة الصفات العلية، ولا يصح له أبدا أن يدخل هذه الأمور في قوالب التفكير العقلي الفلسفي)([35]).

ويؤكد ذلك كلام الغزالي عن تجربته الشكية في كتابه (المنقذ من الضلال)، حيث قال: (إن العقل ليس مستقلًا بالإحاطة بجميع المطالب، ولا كاشفًا للغطاء عن جميع المعضلات)([36]).

وتحكيم العقل في كل شيء ليس ممكنًا البتة، فهناك معتقدات ثابتة في الكتاب والسنة نؤمن بها ولا يمكننا تصورها عقليًّا أو وزنها بميزان العقل. من ذلك الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف، ومع ذلك يمر عليه المؤمنون بسهولة، وهذا لا يتفق مع ضوابط العقل ومعاييره. وكذلك الميزان الذي توزن به الأعمال يوم القيامة، وعذاب القبر الذي يحدث في مكان ضيق، كيف يحدث والميت لا روح له ولا إحساس ولا شعور؟! وسؤال الملكين للميت وإجلاسه في قبره، كيف يتم في هذا المكان الضيق؟! هذه أمور أخبرنا بها الدين، ومع أنها لا تتفق مع العقل والمنطق البشري، إلا أننا نؤمن بها تسليمًا، لأن الإيمان بالغيب لا يتوقف على فهم العقل المحدود، بل على التسليم الكامل بما جاء في النصوص الشرعية.

رابعًا: الثقة المطلقة بالعقل:

وهذا من الأسباب الجوهرية في دخول الشك قلب المؤمن وزعزعة يقينه، فالشك والنظر قائمان أساسًا على العقل وما حدده النظار من الفلاسفة والمتكلمين من قواعد وقواطع عقلية تحمي صاحبها من الوقوع في الخطأ والارتياب، وعلى الرغم من أن الله حث على استخدام العقل والتفكر فإن كلمة (يعقلون) تكررت في القرآن اثنين وعشرين مرة، وكلمة (تعقلون) تكررت أربعًا وعشرين مرة، ولكن حث الله على استخدام العقل في الأمور التي تخضع لعالمنا المادي، أما الغيبيات فلا يستطيع العقل أن يحكم عليها لأنها تخرج عن دائرته واختصاصه([37]).

خامسًا: طلب اليقين:

ومن أسباب الشك أيضًا طلب اليقين للاطمئنان الكامل إلى المعتقد، حيث يبدأ الإنسان في البحث والتشكيك فيما يعتقد، سعيًا للوصول إلى يقين لا يتزعزع. وقد أوضح ذلك الإمام الغزالي رحمه الله حين تحدث عن مراحل شكه وبحثه عن اليقين. فقد مر الغزالي بتجربة من الشك العميق في كل ما كان يعتقده، حتى شك في وجود الله تعالى وفي كل المعارف، قبل أن يصل إلى قناعة تامة ويقين راسخ من خلال استدلالاته العقلية وإيمانه العميق بأن اليقين لا يأتي إلا من خلال تفاعل العقل مع الإيمان، فقال: (فقلت في نفسي أولا: إن مطلوبي العلم بحقائق الأمور، فلا بد من طلب حقيقة العمل ما هي)([38]).

وقال رحمه الله: (يجب على المرء شديد العناية بتقويم اليقين، فإن اليقين رأس مال الدين)([39]).

فبيَّن أن مطلوبه الأول هو العلم بحقائق الأمور، وحقائق الأمور هي عين اليقين.

المبحث الثاني: آثار الشك:

يترك الشك على صاحبه آثارًا كثيرة، منها ما هو في العقيدة التي هي أساس الإيمان، ومنها ما هو في الشريعة التي هي أساس الحياة وقوامها، وقد كانت للتيار المتبني للشك والاحتمال آثار بليغة على حياة الناس وفكرهم ودينهم، وقد استغل رأيهم كثير من المعارضين لليقين الإيماني والناقدين للأديان والمنكرين لوجود الخالق والنبوة واليوم الآخر.

واشتركت التيارات الشكية على مرّ العصور في المعارضة للأديان والنقمة عليها، ففي العهد اليوناني اشتركت النزعات الشكية بناءً على أصولهم المعرفية في نقد الأديان وفي التشكيك في صحتها وأجمعوا على عدم التسليم بها.

كانت الفلسفة السوفسطائية تنظر إلى الدين بازدراء وتسخر من تعاليمه، حتى إن أحد زعمائهم صرّح قائلًا: “ليس في استطاعتي أن أعرف ما إذا كانت الآلهة موجودة أم لا، وكان بعضهم يذم أصل الدين بحجة أنه يؤدي إلى كثرة الشرور بين الناس، وقد غضب اليونان عليهم وأحرقوا كتبهم ونفوا بعضهم”([40])، وقد أدت هذه المواقف إلى استنكار واسع ضدهم، حيث واجهوا ردود فعل عنيفة من المجتمع اليوناني الذي لم يتقبل أفكارهم المناهضة للدين.

وفي مرحلة الفلسفة البيرونية اتسع نطاق التشكيك ليشمل الأديان ووجود الله، إذ كان هؤلاء الفلاسفة من أوائل من طرحوا الشك في الإله بناءً على قضية الشر، ومع مرور الزمن تعمقت النزعة الشكية، وخاصة في القرنين السادس عشر وأوائل السابع عشر، حيث تصاعدت الانتقادات حول صحة الأديان ومدى تماسك تشريعاتها، إذ ذهب أتباع هذه النزعة إلى التأكيد على أن الفلسفة لا تملك الأدوات الكافية لإثبات وجود إله حقيقي، أو التدخل الإلهي في شؤون الكون، أو حتى إثبات مفاهيم الخلود والبعث، مما أدى إلى التشكيك في جميع البراهين التي قُدمت لإثبات وجود الله.

وفي سياق آخر قدّم الفيلسوف الفرنسي ديكارت منهجه الشكي الذي ادّعى أنه وسيلة لتصفية المعرفة من الأخطاء والوهم، غير أن بعض المعادين للأديان استغلوا هذا المنهج لدعم أطروحاتهم المناهضة للإيمان الديني. ومن أبرز هؤلاء المنتقدين بابل بير الذي قام بدراسة تحليلية ناقدة للعقيدة المسيحية، ودعا إلى الإلحاد، واعتبر الأديان مجرد أساطير، معتمدًا في ذلك على مبدأ الشك الديكارتي([41]).

ونتيجة لذلك تحول الشك المعرفي إلى أداة قوية يستخدمها المشككون لمواجهة دعاة اليقين، وأصبح سلاحًا فاعلًا في زعزعة إيمان الأفراد بعقائدهم وأخلاقهم.

وفيما يلي بيان لأثر الشك على النحو التالي:

أولا: آثار الشك على التوحيد:

وهو أعظم أبواب أصول الدين، ولذلك بينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم خير بيان، واجتهد أهل السنة والجماعة في تقريره وحث الناس عليه والعناية به، ولكن وفق المنهج القرآني والمنهج النبوي الذي يتوافق مع تعاليم الكتاب والسنة. وقد اتضح من خلال ذلك ما يخالفه أهل الكلام وأهل الفلسفة الذين اتبعوا مسارات أخرى بعيدة عن الصواب، مما أدى إلى تباين في فهم بعض المسائل العقدية.

ومن خلال النظر والتأمل في مباحث التوحيد وآراء أهل الكلام وغيرهم في هذا الباب اتضح أن للشك على التوحيد الآثار التالية:

  • مخالفة منهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل التوحيد؛ حيث إن المتكلمين سلكوا منهجًا يختلف عن منهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل التوحيد، فقد اعتمدوا منهجًا قوامه النظر العقلي والتفسير الفلسفي، في حين إن أهل السنة والجماعة اعتمدوا على النصوص الشرعية من الكتاب والسنة كأساس لفهم التوحيد، مع الأخذ بالاعتبار للعقل ولكن ضمن الإطار الذي حدده الوحي.

يقول القاضي عبد الجبار: (لأنه تعالى لا يعرف ضرورة ولا بالمشاهدة، فيجب أن نعرفه بالتفكر والنظر)([42]).

ويقول أبو جعفر السمناني -وهو أحد علماء الأشاعرة-: (القول بإيجاب النظر بقيت في المذهب من أقوال المعتزلة)([43]).

وبهذا نرى أن أهل الكلام انطلقوا في تقريرهم للتوحيد بعيدًا عن منهج القرآن والسنة، وبدؤوا في طرح المسائل والتنظيرات التي تقوم على العقل والقواعد الفلسفية. وقد أدى ذلك إلى تباين شديد في فهمهم لبعض القضايا الأساسية، حتى اختلفوا في أول واجب على المكلف، حيث ذكر بعضهم في ذلك اثني عشر قولًا مختلفًا، مما يظهر التباين الكبير في تفسيرهم لأمور العقيدة مقارنة بالمنهج السليم الذي وضعه الكتاب والسنة([44]).

وهذا مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة في معرفة الخالق، فمعلوم أنه لم يرد نص شرعي يدل على توقف الإيمان بالله على النظر في الأدلة العقلية، بل جاء في النصوص أن معرفة الله فطرية، وقد فطر الله الإنسان على الإيمان به. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأمرون من أراد الدخول في الإسلام بالتفكير أو النظر العقلي، بل كانوا يقبلون إسلامه بمجرد النطق بالشهادتين، مما يدل على أن الإيمان بالله هو أمر فطري، لا يحتاج إلى عقل متأمل أو استدلال فلسفي معقد([45]).

ثانيًا: آثار الشك على النبوات:

على الرغم من أن أهل الكلام يؤمنون بنبوة الأنبياء، إلا أنهم عرضوا مسألة النبوة على ما تأثروا به من ثقافة اليونان، مما أدى إلى ضعف الاستدلال المنهجي الشرعي على صحة النبوة وكونها من عند الله، هذا التوجه أضعف موقفهم في إثبات النبوة، وجعل الطعن فيها أسهل، لا سيما من قبل الملاحدة الذين وجدوا في أفكار الفلاسفة اليونانيين ما يعزز تشكيكهم في صحة إرسال الرسل ونبوة الأنبياء. فالمعتزلة -على سبيل المثال- جعلوا النبوة أمرًا واجبًا يقتضيه العقل، بناءً على مذهبهم القائل بأن الحسن ما حسّنه العقل والقبيح ما قبحه العقل، فقالوا عن البعثة: (متى حسنت وجبت)([46])، وهو ما فتح المجال للطعن في أصل النبوة، مما يناقض ما جاء به الكتاب والسنة من دلالات واضحة على صحة النبوة وكونها هبة إلهية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإن القوم لم يعرفوا دلائل النبوة ولا أفادوا دليلًا على نبوة الأنبياء، كما لم يقيموا دليلًا على وجود الرب، فليس في كتبهم ما يدل على الرب تعالى، ولا على رسوله، مع أن هذا هو المقصود من أصول الدين)([47]).

وقال في موضع آخر: (لكن لما تكلموا في إثبات النبوة صاروا يوردون عليها أسئلة في غاية الظهور، ولا يجيبون عنها إلا بأجوبة ضعيفة)([48]).

ومن أقوال الفلاسفة المنتسبين للإسلام في النبوة أنها فيض فاضه العقل الفعال على النفس البشرية صاحبة الجهد والنظر والمتلهفة لتلقي هذا الفيض، وفي هذا يقول ابن سينا: (والملك هو هذه القوة المفيضة كأنها تفيض عليه إفاضة متصلة بإفاضة العقل)([49]).

وقال الفارابي: (والذي ينال القوة الناطقة عن العقل الفعال هو الشيء الذي منزلته الضياء من البصر، وقد يفيض منه على القوة المتخلية فيكون للعقل الفعال في القوة المتخيلة فعل ما تعطيه أحيانًا المعقولات التي من شأنها أن تحصل في القوة الناطقة النظرية)([50]).

وتمادوا في هذه الآراء حتى قالوا بأن النبوة مكتسبة، وأن من جاهد نفسه وهذبها أوصلها إلى مستوى تكون فيه أهلًا للنبوة واستشراف عالم الغيب فقال: (ليس مما يغيب ويحضر -أي: الفيض- بل هو حاضر بنفسه، إنما نغيب نحن عنه بالإقبال على الأمور الأخرى، فمتى شئنا أحضرناه)([51]).

وتوسَّع ابن سينا في هذا الأمر توسعًا ابتعد به عن الحقيقة، فقال بإمكان اكتساب الوحي عن طريق ما يسميه: التجربة والقياس، وبإمكانية انتقاش الغيبيات في النفس من العالم العلوي، وذلك من خلال الرياضة والمجاهدة، وغيرها من الآراء العقلية والفلسفية التي لا مجال للتوسع فيها([52]). ويكفي ما أشرنا إليه من هذه الأفكار لبيان المقصود، وهو أن هذا الفكر قد أضعف من قيمة الوحي الإلهي، وجعل العلم بالغيب قابلًا للاكتساب بالعقل البشري فقط، مما يتناقض مع ما جاء في الكتاب والسنة من أن الوحي هو هبة إلهية لا يمكن للبشر الوصول إليها إلا عن طريق الأنبياء والرسل.

ومن آثار هذه الأفكار الناتجة عن الشك نفي العصمة عن النبي، حيث جوزوا من جهة العقل أن يكون الرسول فاعلًا للكبائر([53]).

ثالثًا: آثار الشك على الإيمان باليوم الآخر:

حيث نفى المتكلمون والفلاسفة المعاد الجسماني، واقتصروا على الإيمان بالمعاد الروحاني، وأشهر من أُثر عنه هذا القول هو ابن سينا. فقد انتشرت تقريراته في المؤلفات التي ألفها أو التي نقلت عنه من المتأثرين به، أو الذين ردوا عليه. وقد أحدث هذا القول جدلًا واسعًا، حيث اعتبره البعض تفسيرًا عقليًّا محضًا يتعارض مع النصوص الشرعية التي تؤكد على المعاد الجسماني، وهو ما أدى إلى بروز خلافات عميقة حول طبيعة المعاد وآلياته، بين من تمسكوا بالمعرفة الشرعية والأدلة النقلية وبين من تبنوا الفلسفات العقلية التي نادت بتفسير مغاير لما ورد في القرآن والسنة ([54]).

وهو في رسالته الأضحوية كان واضحا جدا ومنكرًا لحشر الأبدان، ومتأولا للنصوص القرآنية والنبوية، وجعلها من باب التمثيل والتخييل لعامة الناس([55]).

ويقول: (لكننا نبين بيانًا برهانيًا أنه لا يمكن أن تعود النفوس بعد الموت إلى البدن البتة)([56]).

ويقول: (هذا بالإضافة إلى أن الأمور الواردة في الشرائع إذا أخذت على ظاهرها لزمها أمور شنيعة)([57]).

ويقول: (إننا لو قلنا مثلًا بأن النفس تعود إلى تلك المادة التي كانت حاضرة عند الموت، لأدى هذا إلى وجوب أن يبعث المجدوع والمقطوع يده في سبيل الله على صورته تلك)([58]).

وعليه فإن السعادة والشقاء لا يكون إلا للروح، وذلك هو البعث الروحي عندهم؛ لأن الإنسان في الأصل عندهم عقل وهو معذب كونه في الجسد، فلما يفارق البدن يكون في قمة عذابه أو قمة سعادته على حسب عمله وجزاء الله سبحانه وتعالى له([59]).

رابعًا: آثار الشك على الإيمان بالقدر:

باب القضاء والقدر من أهم المباحث العقدية التي قررها الإسلام، وأسهبت نصوص القرآن والسنة في إبرازه وبيانه، وذلك لأنه يعالج قضية الإرادة والتأثير الإنساني، وعلاقة الإنسان بفعله وما يترتب عليه من مصير، بالإضافة إلى ملامسته لواقع الناس في حياتهم اليومية. فقد بيّن الإسلام أن الإنسان مُخيَّر في أفعاله ومحاسب على ما يفعل، لكنه في ذات الوقت يظل تحت مشيئة الله تعالى وقدره، فلا يحدث شيء في الكون إلا بتقدير الله وإرادته. وهذا التوازن بين حرية الإرادة وبين قدَر الله هو ما يعين الإنسان على الفهم السليم لطبيعة الحياة وهدفه فيها.

فأهل السنة والجماعة يثبتون القدر ويجعلون الله سبحانه وتعالى خالقًا لكل شيء، ويثبتون للإنسان الإرادة والمشيئة الخاضعة لمشيئته سبحانه وتعالى، كما يثبتون للعبد القدرة ويجعلونه هو وأفعاله مخلوقًا لله تعالى([60]).

ومن مظاهر آثار الشك على عقيدة القضاء والقدر نفيُ الحكمة والتعليل في أفعال الله أو جعلها منسوبة للعبد، وهذا الأثر يظهر جليًّا في عقيدة الأشاعرة، فهم يقولون: إن الله تعالى خلق المخلوقات وأمر المأمورات، لا لعلة ولا لداع ولا باعث، بل فعل ذلك لمحض المشيئة، وصرف الإرادة دون أن يصح نصف ذلك بحكمة أو تعليل([61]).

أما المعتزلة فهم يثبتون الحكمة لكنهم يربطونها بالعباد دون أن ينسبوها إلى الرب، بناءً على اعتقادهم أن في أفعال العباد ما قد يكون ظلمًا وقبحًا، وهو ما يتناقض مع عدل الله وحكمته؛ إذ يرون أنه إذا كان الله هو خالق أفعال العباد بما فيها من ظلم وقبح وكذب، لكان ذلك يتنافى مع عدله تعالى، بل لكان الله تعالى ظالمًا ومرتكبًا للقبائح والشرور. وبناءً على هذا التصور اعتقد المعتزلة أن الله لا يمكن أن يخلق أفعالًا فيها ظلم أو قبح، بل يجب أن تكون أفعال العباد موافقة للحكمة والعدل الإلهي([62]).

خامسًا: وصف الله سبحانه بما لا يليق:

حيث أجازوا أن يكلف الله عباده ما لا يطيقون، فالأشاعرة يعتقدون أن الله لا يقبح منه شيء، وعليه فإن الله يكلف عباده ما لا يطيقون، وهذا يخالف صريح الآية الكريمة: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]. ومن الآثار الناتجة عن هذا المعتقد أنهم يجيزون فعل الظلم من الله سبحانه، ويبررون ذلك بقولهم: إن الكون وما فيه ملك لله، ولذا يحق له أن يتصرف في ملكه بما يريد، ويقولون: إنه سبحانه لو عذب المطيعين ونعَّم العاصين لم يكن ظالمًا، بل لو عذب أنبياءه وملائكته وكرم أعداءه من الكفار والشياطين لم يكن ظالمًا([63]).

والشك له آثار كثيرة غير ما ذكر تؤثر في عقيدة الإنسان وسلوكه وفهمه للحياة؛ ولكنها غالبًا تدور حول ما ذكر أو تتفرع عنها.

الخاتمة:

بعد هذا العرض الموجز عن الشك وأسبابه وآثاره اتضح أن الشك هو التباس الأمر بين أمرين وعدم القطع بترجيح أمر على الآخر، فينتج عن ذلك خلق أفكار مشوهة كتغيير الاعتقاد الصحيح حول توحيد الخالق وصفاته، أو النبوة والأنبياء، أو القدر خيره وشره، أو تحريف مفهوم الموت وما وراءه، وهذا كله بسبب تنحية النصوص الدينية الصحيحة الصريحة والاعتماد على العقل في تحليل المفاهيم والاستنتاجات، مع أن العقل محدود لا يملك أن يقرر أمورًا خلف أستار الغيب المطلق، بل يسلم بما ورد عنها في كتاب الله وسنة نبيه وما فهمه السلف الصالح حول هذه الأمور.

نسأل الله أن يثبتنا على الحق، وأن يملأ قلوبنا باليقين، وأن يبصرنا بما ينفعنا في ديننا ودنيانا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) المصباح المنير (980).

([2]) لسان العرب، لابن منظور (4/ 98).

([3]) الفروق اللغوية، للعسكري (ص: 63).

([4]) غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر، للحنفي (1/ 193).

([5]) تحرير القواعد المنطقية، للرازي (ص: 166).

([6]) المنقذ من الضلال، للغزالي (ص: 82).

([7]) مقاييس اللغة (3/ 173).

([8]) المحيط في اللغة (2/ 17).

([9]) المصباح المنير (ص: 167).

([10]) ينظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/ 234).

([11]) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية (1/ 490).

([12]) التعريفات، للجرجاني (ص: 141).

([13]) ينظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث، إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (ص: 296).

([14]) أخرجه مسلم (132).

([15]) تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 80).

([16]) الموسوعة الفلسفية العربية، معن زيادة (1/ 524).

([17]) أسس الفلسفة (ص: 314).

([18]) الأسس الفلسفية للأكاديميين الروسيين (ص: 556).

([19]) أسس الفلسفة، توفيق الطويل (ص: 307).

([20]) بحث بعنوان: الفلسفة ومشكلة الشك، محمود زقزوق، مجلة الحكمة، العدد الأول، السنة الأولى، شوال 1396هـ/ أكتوبر 1976م (ص: 134).

([21]) الموسوعة الفلسفية (ص: 402).

([22]) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (1/ 18).

([23]) ينظر: الشك أسبابه وآثاره وعلاج الإسلام له، أحمد بن إبراهيم عسيري (ص: 57).

([24]) انظر: لن تلحد، لابن عقيل الظاهري (ص: 99).

([25]) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (6/ 7).

([26]) أخرجه البخاري (1385)، ومسلم (2658).

([27]) العقيدة في الله، عمر سليمان الأشقر (ص: 69-70).

([28]) المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع، خالد بن مسعود وآخرون (ص: 239).

([29]) ينظر: الشك أسبابه وآثاره وعلاج الإسلام له، أحمد بن إبراهيم عسيري (ص: 65) بتصرف.

([30]) انظر: الصواعق المرسلة، ابن القيم (1/ 352).

([31]) انظر: الصواعق المرسلة، ابن القيم (1/ 372).

([32]) مجموع الفتاوى (1/ 226).

([33]) در تعارض العقل والنقل (3/ 140).

([34]) موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة ومنهجه في عرضها للدكتور صالح الغامدي (ص: 343)، وتاريخ الفكر الفلسفي لأبي ريان (ص: 357).

([35]) نظرية المعرفة بين القرآن والسنة (ص: 654- 655).

([36]) نظرية المعرفة بين القرآن والسنة، راجح الكردي (ص: 57).

([37]) السنة بين الوحي والعقل، للبهنساوي (ص: 31-32).

([38]) المنقذ من الضلال (ص: 81).

([39]) إحياء علوم الدين (1/ 72).

([40]) انظر: تاريخ الفلسفة الغربية، برتراند رسل (1/ 130).

([41]) انظر: الموسوعة الفلسفية، وضع لجنة من العلماء السوفيات (ص: 75).

([42]) شرح الأصول الخمسة (ص: 39).

([43]) انظر: درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (7/ 407).

([44]) انظر: تحفة المريد على حاشية جوهرة التوحيد للباجوري (ص: 20).

([45]) انظر: در تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (8/ 7).

([46]) شرح الأصول الخمة، للقاضي عبد الجبار (ص: 564).

([47]) النبوات (2/ 795).

([48]) النبوات (2/ 937).

([49]) تسع رسائل في إثبات النبوات وتأويل رموزهم وأمثالهم، لابن سينا (ص: 124).

([50]) آراء أهل المدينة الفاضلة (ص: 67).

([51]) التعليقات على حواشي كتاب النفس لأرسطو، لعبد الرحمن بدوي (ص: 95).

([52]) انظر: الإشارات والتنبيهات، ابن سينا (4/ 124).

([53]) انظر: النبوات، ابن تيمية (1/ 476).

([54]) درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية (1/ 380).

([55]) انظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة ومنهجه في عرضها، صالح الغامدي (ص: 109).

([56]) انظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة ومنهجه في عرضها، صالح الغامدي (ص: 122).

([57]) انظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة ومنهجه في عرضها، صالح الغامدي (ص: 55).

([58]) انظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة ومنهجه في عرضها، صالح الغامدي (ص: 55).

([59]) انظر: در تعارض العقل والنقل، ابن تيمية (7/ 389).

([60]) القضاء والقدر في الإسلام، فاروق الدسوقي (1/ 38).

([61]) انظر: الإرشاد، الجويني (268)، والفصل، لابن حزم (3/ 174).

([62]) شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار (ص: 345).

([63]) التمهيد للباقلاني (ص: 381)، وشرح الأصول الخمة للقاضي عبد الجبار (ص: 434).ش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

نزعة الشّكّ في العقيدة .. بين النّقد والهدم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنَّ العقيدة هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الإيمان، وهي أصل العلوم وأشرفها، إذ تتعلق بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته، وبالإيمان برسله وكتبه، وباليوم الآخر وما أعدَّ الله فيه من ثواب وعقاب. فهي من الثوابت الراسخة التي لا تقبل الجدل ولا المساومة، إذ بها تتحقق الغاية العظمى من […]

السلفية في المغرب.. أصول ومعالم (من خلال مجلة “دعوة الحق” المغربية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مدخل: مجلة “دعوة الحق” مجلة شهرية مغربية، تعنى بالدراسات الإسلامية وبشؤون الثقافة والفكر، أسست سنة 1957م، من إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهي مجلة رافقت بناء الدولة المغربية بعد الاستقلال، واجتمعت فيها أقلام مختلفة التخصصات، من المشرق والمغرب، وكانت “الحركة السلفية” و”العقيدة السلفية” و”المنهج السلفي” جزءا مهمًّا من مضامين […]

قطعية تحريم الخمر في الإسلام

شبهة حول تحريم الخمر: لم يزل سُكْرُ الفكرة بأحدهم حتى ادَّعى عدمَ وجود دليل قاطع على حرمة الخمر، وتلمَّس لقوله مستساغًا في ظلمة من الباطل بعد أن عميت عليه الأنباء، فقال: إن الخمر غير محرم بنص القرآن؛ لأن القرآن لم يذكره في المحرمات في قوله تعلاى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ […]

السَّلَف والحجاج العَقلِيّ .. الإمام الدارمي أنموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: من الحقائق العلمية التي تجلَّت مع قيام النهضة العلمية لأئمة السلف في القرنين الثاني والثالث وما بعدها تكامل المنهج العلمي والمعرفي في الدين الإسلامي؛ فالإسلام دينٌ متكاملٌ في مبانيه ومعانيه ومعارفه ومصادره؛ وهو قائم على التكامل بين المصادر المعرفية وما تنتجه من علوم، سواء الغيبيات والماورائيات أو الحسيات […]

ذلك ومن يعظم شعائر الله .. إطلالة على تعظيم السلف لشعائر الحج

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا جرم أن الحج مدرسة من أعظم المدارس أثرا على المرء المسلم وعلى حياته كلها، سواء في الفكر أو السلوك أو العبادات، وسواء في أعمال القلوب أو أعمال الجوارح؛ فإن الحاج في هذه الأيام المعدودات لو حجَّ كما أراد الله وعرف مقاصد الحج من تعظيم الله وتعظيم شعائره […]

‏‏ترجمة الشيخ الداعية سعد بن عبد الله بن ناصر البريك رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ سعد بن عبد الله بن ناصر البريك. مولده: ولد الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض يوم الاثنين الرابع عشر من شهر رمضان عام واحد وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية 14/ 9/ 1381هـ الموافق 19 فبراير 1962م. نشأته العلمية: نشأ رحمه الله نشأته الأولى في مدينة […]

تسييس الحج

  منذ أن رفعَ إبراهيمُ عليه السلام القواعدَ من البيت وإسماعيلُ وأفئدة الناس تهوي إليه، وقد جعله الله مثابةً للناس وأمنا، أي: مصيرًا يرجعون إليه، ويأمنون فيه، فعظَّمه الناسُ، وعظَّموا من عظَّمه وأقام بجواره، وظل المشركون يعتبرون القائمين على الحرم من خيارهم، فيضعون عندهم سيوفهم، ولا يطلب أحد منهم ثأره فيهم ولا عندهم ولو كان […]

البدع العقدية والعملية حول الكعبة المشرفة ..تحليل عقائدي وتاريخي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة تُعدُّ الكعبةُ المشرّفة أقدسَ بقاع الأرض، ومهوى أفئدة المسلمين، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بعقيدة التوحيد منذ أن رفع قواعدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، تحقيقًا لأمر الله، وإقامةً للعبادة الخالصة. وقد حظيت بمكانةٍ عظيمة في الإسلام، حيث جعلها الله قبلةً للمسلمين، فتتوجه إليها وجوههم في الصلاة، […]

الصد عن أبواب الرؤوف الرحيم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من أهمّ خصائص الدين الإسلامي أنه يؤسّس أقوم علاقة بين الإنسان وبين إلهه وخالقه سبحانه وتعالى، وإبعاد كلّ ما يشوب هذه العلاقة من المنغّصات والمكدرات والخوادش؛ حيث تقوم هذه العلاقة على التوحيد والإيمان والتكامل بين المحبة والخوف والرجاء؛ ولا علاقة أرقى ولا أشرف ولا أسعد للإنسان منها ولا […]

إطلاقات أئمة الدعوة.. قراءة تأصيلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: يقتضي البحث العلمي الرصين -لا سيما في مسائل الدين والعقيدة- إعمالَ أدوات منهجية دقيقة، تمنع التسرع في إطلاق الأحكام، وتُجنّب الباحثَ الوقوعَ في الخلط بين المواقف والعبارات، خاصة حين تكون صادرة عن أئمة مجدِّدين لهم أثر في الواقع العلمي والدعوي. ومن أبرز تلك الأدوات المنهجية: فهم الإطلاق […]

التوحيد في موطأ الإمام مالك

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يختزن موطأ الإمام مالك رضي الله عنه كنوزًا من المعارف والحكمة في العلم والعمل، ففيه تفسيرٌ لآيات من كتاب الله تعالى، وسرد للحديث وتأويله، وجمع بين مختلفه وظاهر متعارضه، وعرض لأسباب وروده، ورواية للآثار، وتحقيق للمفاهيم، وشرح للغريب، وتنبيه على الإجماع، واستعمال للقياس، وفنون من الجدل وآدابه، وتنبيهات […]

مناقشة دعوى مخالفة حديث: «لن يُفلِح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة» للواقع

مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: تُثار بين حين وآخر بعض الإشكالات على بعض الأحاديث النبوية، وقد كتبنا في مركز سلف ضمن سلسلة –دفع الشبهة الغويّة عن أحاديث خير البريّة– جملةً من البحوث والمقالات متعلقة بدفع الشبهات، ونبحث اليوم بعض الإشكالات المتعلقة بحديث: «لن يُفلِحَ قومٌ وَلَّوْا […]

ترجمة الشيخ أ. د. أحمد بن علي سير مباركي (1368-1446هـ/ 1949-2025م)(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن علي بن أحمد سير مباركي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بقرية المنصورة التابعة لمحافظة صامطة، وهي إحدى محافظات منطقة جازان، وذلك عام 1365هـ([2]). نشأته العلمية: نشأ الشيخ نشأتَه الأولى في مدينة جيزان في مسقط رأسه قرية […]

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟). وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه […]

التصوف بين منهجين الولاية نموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منذ أن نفخ الله في جسد آدم الروح، ومسح على ظهره، وأخذ العهد على ذريته أن يعبدوه، ظلّ حادي الروح يحدوها إلى ربها، وصوت العقل ينادي عليها بالانحياز للحق والتعرف على الباري، والضمير الإنساني يؤنّب الإنسان، ويوبّخه حين يشذّ عن الفطرة؛ فالخِلْقَة البشرية والهيئة الإنسانية قائلة بلسان الحال: […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017