الاثنين - 03 جمادى الآخر 1447 هـ - 24 نوفمبر 2025 م

الاستدلال بتساهل الفقهاء المتأخرين في بعض بدع القبور (الجزء الثاني)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

خامسًا: الاستدلال بإباحة التوسل وشدّ الرحل لقبور الصالحين:

استدلّ المخالفون بما أجازه جمهور المتأخرين من التوسّل بالصالحين، أو إباحة تحرّي دعاء الله عند قبور الصالحين، ونحو ذلك، وهاتان المسألتان لا يعتبرهما السلفيون من الشّرك، وإنما يختارون أنها من البدع؛ لأنّ الداعي إنما يدعو الله تعالى متوسلًا بالصالح، أو عند قبر الصالح. فهذه من البدع أو من ذرائع الشرك، لا سيّما تحري قبور الصالحين بالدعاء.

وينقل عن إبراهيم الحربي في شأن قبر معروف الكرخي قوله: “قبر معروف الترياقُ المجرب”، وشرحه الحافظ الذهبي بقوله: “يريد إجابة دعاء المضطرّ عنده؛ لأن البقاع المباركة يُستجاب عندها الدعاء، كما أن الدعاء في السحر مرجوّ، ودبرَ المكتوبات، وفي المساجد، بل دعاء المضطر مجابٌ في أي مكان اتّفق”([1]).

والأدلة على تحريم ذلك مع المانعين؛ لأن العبادة تحتاج إلى دليل، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ قبره عيدًا، فقبر غيره من باب أولى، وإنما قال العلماء ذلك من باب التجربة، لكن التجربة ليست من أدلة الشرع بحيث تكتب في كتب الفقه ويؤصَّل لها.

والمنع عن تحري القبور بالدعاء ليس قولًا خاصًّا بابن تيمية، بل هو وجه قويٌّ في المذهب الحنبلي، فهو اختيار ابن عقيل([2])، وابن حمدان صاحب الرعايتين([3])، وكلاهما من أصحاب الوجوه في المذهب، وهو أيضًا اختيار القاضي عياض من المالكية([4]).

وقد اختار هذا الوجه أيضًا الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي -إمام الحنابلة المتأخرين-، فقال رحمه الله: “صار من نحو المائة الثالثة يوجد متفرقًا في كلام بعض الناس: فلانٌ تُرجى الإجابة عند قبره، وفلانٌ يُدعى عند قبره، ونحو ذلك. وهو من جنس قول بعض الناس: المكان الفلاني يقبل النذر، والموضوع الفلاني يُنذر له، ويُعيِّنون عينًا أو بئرًا أو شجرة أو مغارة أو جبلًا أو حجرًا أو نحو ذلك، وكل ذلك غيٌّ وضلال“([5]).

ولا يُستدل على صحة ذلك بأنه قول الجمهور، فإنه قد يتتابع أصحاب المذهب الواحد على النقل عمن سبقهم، ويقتصرون على شرح ألفاظه أو التحشية عليه، فيأتي المعاصر ليُعدد لك أسماء من أباحوا هذه المسألة، فلا يغتر بهذه الكثرة؛ لأنه يرجع إلى قولٍ واحد.

قال ابن حجر الهيتمي: “ولا يُغتر بتتابع كتب مُتعدّدة على حكمٍ واحد؛ فإن هذه الكثرة قد تنتهي إلى واحد، ألا ترى أصحاب القفال أو الشيخ أبي حامد مع كثرتهم لا يُفرّعون ويؤصِّلون إلا على طريقته غالبًا، وإن خالفت سائر الأصحاب، فتعيَّن سبر كتبهم”([6]).

ويؤكد النووي ذلك بقوله: “بل قد يجزم نحو عشرة من المصنفين بشيء وهو شاذ بالنسبة إلى الراجح في المذهب”([7]).

وقال الحافظ ابن حجر: “السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم، ولهذا لا يُلتفت إلى الآراء ولو قويَت مع وجود سُنة تُخالفها، ولا يُقال: كيف خفي ذا على فلان؟!”([8]).

ويقول أبو حامد الغزالي في أوصاف علماء الآخرة: “إن عالم الآخرة يكون شديد التوقي من محدثات الأمور، وإن اتفق عليها الجمهور، فلا يغرنه إطباق الخلق على ما أُحدث بعد الصحابة، وليكن حريصًا على التفتيش عن أحوال الصحابة وسيرتهم وأعمالهم”([9]).

على أننا نقول:

ليست هذه المسائل من الشرك عند السلفيين -بعكس ما يدَّعيه الخصوم-، فقد ذكرهما الشيخ محمد بن عبد الوهاب في المسائل الفقهية المتنازَع فيها، فقال: “فهذه المسألة -يعني: التوسل- من مسائل الفقه، ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور أنه مكروه؛ فلا ننكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد… إلى أن قال: أو يقصد قبر معروف -يعني: الكرخي- أو غيره يدعو عنده، ولكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين؛ فأين هذا مما نحن فيه؟!”([10]).

ويقول أيضًا: “النوع الثالث: أن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك أو بالأنبياء أو الصالحين؛ فهذا ليس شركا، ولا نهينا الناس عنه على أنه شرك، ولكن المذكور عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهم أنهم كرهوه، لكن ليس مما نختلف نحن وغيرنا فيه“([11]).

سادسًا: الاستدلال بجواز التسمية على الذبيحة باسم الله ومحمد:

يقول المخالف: ذكر بعض الشافعية أن التسمية على الذبيحة بأن يقول القائل: (باسم الله ومحمد رسول الله) جائزة.

والجواب عن ذلك: أنه لم يقل الشافعية بهذا الإطلاق، بل ذكروا أن التسمية باسم الله ومحمد من التشريك، ولكن إذا كانت التسمية لا تقع على قوله: (ومحمد رسول الله)، بل قيلت تبركًا، بأن جاءت بالرفع؛ لم تدخل في الشرك.

ونص كلام النووي كما يلي: “ولا يجوز أن يقول الذابح والصائد: (باسمِ محمد) ولا (باسم الله واسمِ محمد)، بل من حقّ الله تعالى أن يجعل الذبحَ باسمه، واليمينَ باسمه، والسجودَ له، ولا يشاركه في ذلك مخلوق. وذكر في الوسيط: أنه لا يجوز أن يقول: (باسم الله ومحمدٍ رسولِ الله)؛ لأنه تشريك. قال: ولو قال: (بسم الله ومحمدٌ رسولُ الله) بالرفع فلا بأس. ويناسب هذه المسائل ما حكاه في الشامل وغيره عن نص الشافعي رحمه الله: أنه لو كان لأهل الكتاب ذبيحة يذبحونها باسم غير الله تعالى كالمسيح لم تحل. وفي كتاب القاضي ابن كجّ: أن اليهودي لو ذبح لموسى، والنصراني لعيسى صلى الله عليهما وسلم، أو للصليب، حرمت ذبيحته، وأن المسلم لو ذبح للكعبة أو للرسول فيقوى أن يقال: يحرم؛ لأنه ذبح لغير الله تعالى”([12]).

فتأمل تعليل الشافعية للتحريم بقولهم: (لأنه تشريك).

أما جواز حالة الرفع فذلك لأن جملة (محمدٌ رسولُ الله) ستكون جملة مستقلة لا علاقة لها بما قبلها، وغير تابعة للتسمية. فكأن القائل سمَّى الله أولًا، ثم قال: (محمدٌ رسولُ الله) تبركًا. أما لو قيلت مُلحقة بالتسمية كانت شركًا عند النووي وغيره من الشافعية.

وقد نقل الشربيني عن الرافعي قوله عمن قال: (أذبح باسم الله ومحمد): “وقد تنازع جماعة من فقهاء قزوين فيه هل تحل ذبيحته؟ وهل يكفر أو لا؟ والصواب ما بيناه، وقد نص الشافعي على أنه لو قال: (أذبح للنبي صلى الله عليه وسلم أو تقربا له) لا يحل أكلها. أما لو قال: (باسم الله ومحمدٌ رسولُ الله) -برفع محمد- فإنه لا يحرم، بل ولا يكره كما بحثه شيخنا لعدم إيهامه التشريك. قال الزركشي: وهذا ظاهر في النحوي، أما غيره فلا يتجه فيه ذلك”([13]).

فتأمل قيد الزركشي: (هذا ظاهر في النحوي، أما غيره فلا يتجه فيه ذلك)؛ وذلك لأن العامي لا يلتزم بقواعد الإعراب، ولو قُدِّر أنه نطقها بشكل صحيح فإنه لا يقصدها، بل جاءت معه مصادفة. فانظر إلى فقه الزركشي كيف استثنى النحوي من إيهام التشريك، وجعل إيهام التشريك في غيره، حتى ولو نطقها صحيحة.

سابعًا: الاستغاثة والتشفّع بالرسول صلى الله عليه وسلم:

استدلَّ المخالفون بكلام التقيّ السبكيّ والقسطلاني وابن الجزري وابن حجر الهيتمي في إباحة الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه المسألة من أعظم المسائل التي يُلبّس بها المعاصرون في إباحة الشرك الأكبر وعبادة غير الله.

وهنا ينبغي توضيح أن الاستغاثة بالرسول عند السبكي والهيتمي ليست من الدعاء، وليست هي من الطلب الذي لا يقدر عليه إلا الله، وإنما هي توسل وتشفُّع بالرسول، ويُسميها استغاثةً اصطلاحًا، ولا خصوصية للسبكي والهيتمي في ذلك، بل كثيرٌ من المتأخرين يسمّون التوسّل استغاثة.

ونص على ذلك العلامة محمود شكري الآلوسي فقال: “أما قوله -أي: النبهاني-: إن السبكي والقسطلاني والسمهودي وابن حجر في (الجوهر المنظّم) قالوا: والاستغاثة به وبغيره في معنى التوسل إلى الله تعالى.. فيُقال: مسألة الاستغاثة به وبجاهه ليست مسألة النزاع، ومراد أهل العلم أن يسأل الله بجاه عبده ورسوله، لا أن يسأل الرسول نفسه”([14]).

ويقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: “ومنهم من يطلقه على سؤال الله ودعائه بجاه نبيه أو بحقّ عبده الصالح أو بعباده الصالحين، وهذا هو الغالب عند الإطلاق من كلام المتأخرين كالسبكي والقسطلاني وابن حجر -أي: الهيتمي-“([15]).

ويقول العلامة السيد رشيد رضا مبرئًا السبكي: “لما فشا في العوام كان شيخ الإسلام ابن تيميه أول من قاومه وأطال الحجج في دحض شبهاته وتفنيد خرافاته، ولم يخالفه في هذا أحد من علماء عصره، بل قال بعضهم: إنه نبهنا لأمر كنا غافلين عنه، اللهم إلا ابن البكري ألّف رسالة في الرد عليه، وعرضها على علماء الأزهر وغيرهم ليجيزوها فلم يوافقه عليها أحد، وكان من فروعها بدع الزيارة وشد الرحال خالف فيها تقي الدين السبكي، ولكنه لم يُبح دعاء غير الله تعالى لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، وإنما كثر المضلون في هذه المسألة بعد ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ لأن الجهل بالتوحيد صار أعم”([16]).

وما ذكره الآلوسي والسيد رشيد رضا صحيح، والأدلة على ذلك كما يلي:

1- قال أبو زرعة العراقي الأشعري -تلميذ السبكي- لما سُئل عن التوسل بالأولياء: “وأما قوله: (أنا أطلب منك أن يحصل لي كذا وكذا) فأمرٌ مُنكر، فالطلب إنما هو من الله تعالى، والتوسّل إليه بالأعمال الصالحة أو بأصحابها أحياءً وأمواتا”([17]).

فمع أن أبا زرعة العراقي يحرم الاستغاثة بالأولياء ويعتبرها من المنكرات، يُثني على كتاب (شفاء السقام) للسبكي قائلًا: “وللشيخ تقي الدين ابن تيمية كلام بشع يتضمّن منع شد الرحل للزيارة، وأنه ليس من القرب، بل بضدّ ذلك، ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في (شفاء السقام)، فشفى صدور قوم مؤمنين”([18]).

ففي النص السابق أثنى العراقي على كتاب (شفاء السقام)، ولم يُشر إلى مخالفته لشيخه بشأن الاستغاثة التي أخذت منه معظم الكتاب، فلو أنه يعلم أن فيها خلافًا معتبرًا -كما يتشدّق المعاصرون- لذكره، وهذا دليل أن السبكي لم يقصد ذلك، وأن المسألة إجماعية كما ذكر السيد رشيد رضا آنفًا.

2- رغم أن ابن الجزري من القائلين بالاستغاثة وردّ على ابن تيمية في ذلك، إلا أنه ذكر أن الطلب من مخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله هو من الشرك المجمع عليه.

يقول ابن الجزري رادًّا على حجج المانعين: “الثاني: أن استغاثة صاحب موسى به كان في أمر يمكن موسى فعله، وهو إعانته على خصمه، وهو أمر معتاد، ونحن إنما نمنع من الاستغاثة بالمخلوق فيما يختص فعله بالله عز وجل؛ كالرحمة والمغفرة والرزق والحياة ونحو ذلك، فلا يقال: يا محمد اغفر لي، أو ارحمني، أو ارزقني، أو أحيني، أو أعطني مالًا وولدًا؛ لأن ذلك شرك بإجماع”.

ويقول ابن الجزري موافقًا الإجماع على هذه المسألة: “وعن الثاني: أن ما ذكرتموه أمرٌ مجمع عليه، معلوم عند صغير المسلمين -فضلًا عن كبيرهم- أن المخلوق على الإطلاق لا يُطلَب منه، ولا ينسب إليه فعل ما اختصت القدرة الإلهية به، وقد رأينا أغمار الناس وعامتهم وأبعدهم عن العلم والمعرفة يلوذون بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزيدون على أن يسألوا الشفاعة والوسيلة: يا رسول الله اشفع لنا، يا الله ببركة نبيك اغفر لنا، فصار الكلام في المسألة المفروضة فضلًا لا حاجة بأحد من المسلمين إليه..

وإذا لم يكن بدٌّ من التعريف بهذا الحُكْم خشية أن يقع فيه أحد، فليكن بعبارة لا توهم نقصًا في النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غضًّا من منصبه، مثل أن يقال: ما استأثر الله عز وجل بالقدرة عليه فلا يطلب من مخلوق“([19]).

3- صُنع الله الحنفي رغم أنه ألف رسالة (سيف الله على من كذب على أولياء الله) يرد فيها على استغاثات القبورية، ومع هذا فقد برأ ساحة العلماء المتأخرين قائلًا: “وما قيل -يعني من العلماء- من أنه يجوز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين فإنما المراد به التبرك بذكرهم، والتوسل بهم، بلا إمداد منهم، فإياك ثم إياك في شأنك أن تُغالط إخوانك، اللهم طهرنا من معرة ذلك، وأعذنا من إيهام ما فيه المهالك”([20]).

إذن، لو كان الأمر كذلك فما وجه (المجاز العقلي) الذي ذكره السبكي في كتابه؟!

المجاز العقلي الذي يقصده السبكي هو في تسويغ مصطلح (الاستغاثة بالرسول)؛ فإن ابن تيمية يعتبر المصطلح ذاته فيه إيهام بالشرك، من جنس الاستعاذة بالمخلوق، ولا شك أن الصواب في هذا مع ابن تيمية.

لكن بيَّن السبكي أن المصطلح جائز عنده من وجهين:

الوجه الأول: الاستغاثة بالله متوسلًا بالرسول، واختُصرت إلى (الاستغاثة بالرسول) من جنس (الدعاء بالرسول) و(السؤال بالرسول) أي: سؤال الله بالرسول، والباء هنا هي باء التوسل، والمدعو والمستغاث هو الله تعالى.

الوجه الثاني: أن إسناد الاستغاثة بالرسول يصح من باب المجاز العقلي؛ لأنه سبب لتفريج الحجات عن طريق التوسل به إلى الله، فهو سبب بهذا المعنى، فلذلك يصح تسميتها (استغاثة بالرسول).

والقصد مما سبق: أن تخريج السبكي يقصد به “شرعنة” المصطلح وتسويغه، يعني على مذهبه: يصح تسميتها استغاثة بالرسول، مع أن الداعي سوف يدعو الله تعالى ولا يدعو الرسول نفسه، كما فهم المعاصرون.

وعلى هذا ينبغي حمل كلام السبكي ونحوه ممن جوَّز الاستغاثة، ونحن ننزه الإمام السبكي رحمه الله من هذا الشرك القبيح الذي لا يقوله من عرف دين الإسلام. وإذا كان الشيخ الغماري -على غلوه في باب القبور- يعتبر سؤال الأولياء من الكفر([21])، فكيف بالسبكي وهو الفقيه الأصولي؟!

لكن يتبقى مسألتان تحتاجان إلى توضيح:

المسألة الأولى: طلب الدعاء والشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم:

وهي الاستشفاع، أي: طلب الشفاعة أو الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم عند الزيارة، وهذه المسألة لا خصوصية للسبكي فيها، بل ذكرها كثير من الفقهاء في باب الزيارة، محتجين بأثر العتبي ومالك الدار.

وهذه مسألة الصواب فيها مع ابن تيمية وابن عبد الهادي في كونها من ذرائع الشرك، وليس هذا موضع البسط في المسألة، إلا أن غرضنا هو بيان أن هؤلاء الفقهاء متأولون مخطئون -كما ذكر الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب- في رسالته (مباحثة مع علماء مكة)، ووجه التأويل: هو وجود بعض الآثار التي أقامت شبهة في المسألة.

يقول الشيخ عبد الله: “ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحت ديانته، وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمة ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتآليف فيها، وإن كان مخطئا في هذه المسألة أو غيرها -يعني الاستغاثة بالرسول- كابن حجر الهيتمي، فإنا نعرف كلامه في (الدر المنظم)، ولا ننكر سمة علمه، ولهذا نعتني بكتبه، كـ(شرح الأربعين) و(الزواجر) وغيرها، ونعتمد على نقله إذا نقل لأنه من جملة علماء المسلمين”([22]).

على أن حكم المسألة عند كثير من محققي السلفية ليست من الشرك الأكبر، بل هي من البدع ووسائل الشرك.

يقول الشيخ ابن عثيمين: “سؤال الميت أن يسأل الله، أو سؤاله قضاء الحاجة، بينهما فرق، إذا سئل قضاء الحاجة فهذا شرك أكبر، وإذا سئل أن يسأل الله فهذا بدعة وضلالة؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله، والدعاء من عمله، فكيف تسأله ما لا يمكن؟! ومن ذلك أن تقول: يا رسول الله اشفع لي، فإن هذا حرام وبدعة مُنكرة، لكن لو قلت: يا رسول الله أنجني من النار، كان شركًا أكبر”([23]).

ويقول الشيخ عبد الرحمن البرَّاك: “والذي يظهر لي وأقول به: إنَّ الأموات لا يسمعون إلا ما دلَّ الدليل على سماعهم له، وإنَّ سؤال الميتِ الدعاءَ بدعةٌ لا شرك أكبر”([24]).

المسألة الثانية: الاستغاثات في القصائد الشعرية:

قد وُجد لبعض العلماء المتأخرين بعض القصائد الشعرية في المديح النبوي، والتي استُدلّ بها على جواز الاستغاثة بغير الله، والرد على ذلك من وجهين:

الوجه الأول: أساليب النداء في الأدب والشعر يُترخّص فيها ما لا يُترخص في غيرها، فلا يُراد حقيقة النداء، ومنه قول القائل يرثي أهل الأندلس بعدما أصبحت أطلالًا:

فيا ساكني تلك الديار كريمة *** سقى عهدكم مزن يصوب نميرها

فقد ينادي الشاعر الموتى ويُحاورهم بما يحتمله الخيال الأدبي والشعري، بل هذا يحصل خارج الشعر أيضًا، فقد يقول قائل عند قبر أبيه: يا أبت، أرأيت ما حلّ بي من بعدك! ولا يريد حقيقة النداء بالضرورة.

وكذا نقول في نداء الرسول صلى الله عليه وسلم مثل: (يا رسول الله، يا علم الهدى)، لا يُراد منه دعاء غير الله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “(يا محمد يا نبي الله) هذا وأمثاله نداء، يطلب به استحضار المنادَى في القلب، فيخاطب المشهود بالقلب، كما يقول المصلي: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا، يخاطب من يتصوّره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب”([25]).

الوجه الثاني: ليس في هذه القصائد طلب صريحٌ بالرزق والشفاء وإنزال المطر وغير ذلك، وإنما غايتها التوسل أو التشفع به صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يُصوّر استغاثته به يوم القيامة في أرض المحشر بأسلوبٍ أدبي وشعري.

وقد وقع للإمام السفاريني الحنبلي ما يعدونه استغاثات، مع أن السفاريني يُحرِّم الاستغاثة بالأولياء، يقول رحمه الله: “أما من كان قصده بالزيارة أن يطلب حوائجه من الميت فهذا لا يشكّ عاقل في قبحه وتحريمه؛ إذ الحوائج منوطة لخالقها، فليس إلا الله يقضي حاجة، ومن شك في هذا طغى وتمرد”([26]).

ولا يضرّ أنه قال بقبحه وتحريمه ولم يذكر الشرك، فقد نقل بعدها عن ابن تيمية وابن القيم ما يُفيد شركية هذه الممارسات مُحتجًّا بهما، مما يدل على أنه يوافقهما على ذلك.

وقصيدته التي يحتجون بها قد ذكرها في نفس الكتاب الذي حرم فيه الاستغاثة (البحور الزاخرة)، وقد ذكرها تحت (باب أهوال أهل المحشر)، مما يدل على أنه يصوِّر ذلك بصورة شعرية، والنداء في هذه الحالة هو نداء استحضار في القلب (نداء مجازي) لا يُراد منه حقيقة الدعاء.

والحاصل أن كثيرًا من الناس يترخّص في الشعر ما لا يترخص في غيره؛ لما فيه من أساليب مجازية، وقول العالم يؤخذ من تقريراته الشرعية التي خصّها لذلك، لا من كلامه الشعري أو الأدبي.

ثامنًا: الاستدلال بشذوذ بعض أصحاب الحواشي من المتأخّرين:

معلومٌ أنه كلما تأخّر الزمان ازدادت البدع شيئًا فشيئًا، فيطلق المتقّدم كلمة، فيأتي من يليه ويضع ويتسامح قليلًا باحتراز، ثم يأتي من بعده ويتسامح أكثر، وهكذا حتى يسقط الحكم الشرعي، بل أحيانًا يصل إلى ضدّه أيضًا. وهذا الأمر يحصل في طبقة (متأخري المتأخرين) من بعد الحادي عشر تقريبًا، لكن عارضهم غيرهم من معاصريهم.

ومن أمثلة ذلك:

1- مخالفة بعضهم في البناء على المسبلة:

يقول ابن قاسم العبادي رحمه الله معترضًا على قول ابن حجر الهيتمي: (وقد أفتى جمعٌ بهدم قبور…) إلخ ما نصه: “الأوجه خلافُ هذا الإفتاء، ما لم يتحقق التعدي في بناءٍ بعينه، وإلا فما من بناءٍ لم يتحقق أمره إلا وهو محتمل للوضع بحق، فليتأمل”([27]).

ثم يتسامح الحلبي أكثر، فيقول في حاشيته على (المنهج): “واستثنى قبور الأنبياء عليهم السلام والصحابة والعلماء والأولياء، فلا تحرم عمارتها في المُسبلة… ولا تغتر بما وقع لابن حجر كغيره في هذا المحل”([28]).

والمُلاحظ أن العبادي قد تعقَّب كلام الهيتمي ووضع احترازًا، ثم أتى الحلبي وتساهل أكثر، وادَّعى استثناء الأنبياء والصحابة والعلماء والأولياء، ثم يقول: (لا تغتر بكلام ابن حجر).

حتى إن العلامة البيجيرمي لاحظ تساهل أصحاب الحواشي -بعد أن نقل كلامهم- فقال: “نعم، استثنى بعضهم قبور الأنبياء والشهداء والصالحين ونحوهم… وكل ذلك لم يرتضه شيخنا الشوبري، وقال: الحق خِلافه، وقد أفتى العز بن عبد السلام بهدم ما في القرافة، ويُستثنى قبة الإمام -يعني: الشافعي- لكونها في دار ابن عبد الحكم”([29]).

ويلاحظ أن البيجرمي أكثر حيطة، إلا أنه استثنى قبة الشافعي مخالفًا بذلك معتمد المذهب الذي حققه الدميري والهيتمي وغيرهما، ولذلك ذكر الشيخ الدمياطي كلام أصحاب الحواشي ثم تعقبهم جميعًا بقوله: “الحق خلافه، وقد أفتى العز بن عبد السلام بهدم ما في القرافة”([30]).

ويرد أيضًا على استثناء البيجرمي لقبة الشافعي ما ذكرناه عن الهيتمي بما نصه: “وكم أنكر العلماء على باني قبة الإمام الشــافعي وغيرها، وكفى تصريحهم في كتبهم إنكارًا.. فاعتمد ذلك ولا تغتر بما يُخالفه“([31]).

ويقول مرعي الكرمي الحنبلي: “وما قيل من أن موضع قبر الشافعي كان بيتًا لابن عبد الحكم فالبناء عليه جائز، فغير مُسلَّم، ولو سُلِّم فهو حين بناء قبة الشافعي التي بناها الملك الكامل كان قد زال عن ملك ابن عبد الحكم وغيره؛ لعدم الوارث، وصار من قبيل الأرض التي هي لعموم المسلمين، يُسلِّم هذا من يعرف الفقه والعلم، وحينئذٍ فحكم بناء قبته كغيره من مشاهد القرافة وغيرها، وقد تقدم أن علماء عصر الملك الظاهر أفتوه قاطبة بوجوب هدمها”([32]).

ونصوص أئمة الشافعية والحنابلة في تقرير هذا الحكم لا تُعد ولا تُحصى، ولا عبرة بكلام بعض أصحاب الحواشي في القرون المتأخرة؛ فإن بعضهم قد خالفوا سابقيهم.

2- استلام قبر البدوي قياسًا على الحجر الأسود:

مِن بدع هذه الطبقة -متأخري المتأخرين-  أيضًا هو إباحة بعضهم اللمس والتقبيل لقبور الأولياء قياسًا على استلام الحجر الأسود، فهذا الشيخ الباجوري رحمه الله يقول في حاشيته: “ويُكره تقبيل القبر واستلامه، ومثله التابوت الذي يجعل فوقه، وكذلك تقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء، إلا إن قصد به التبرك بهم فلا يُكره، وإذا عجز عن ذلك لازدحام ونحوه -كاختلاط الرجال بالنساء كما يقع في زيارة سيدي أحمد البدوي- وقف في مكان يتمكن فيه من الوقوف بلا مشقة، وقرأ ما تيسر، وأشار بيده أو نحوها ثم قبَّل ذلك؛ فقد صرحوا بأنه إذا عجز عن استلام الحجر الأسود يسنّ له أن يشير بيده أو عصا ثم يقبلها”([33]).

فالشيخ الباجوري رحمه الله قرر المذهب أولًا، ثم غيَّر مساره بتأويل يوافق بدع أهل زمانه، وقلب حكم تقبيل القبر واستلامه إلى الإباحة إذا قُصد التبرك، فليت شعري، فهل كان هناك غرض من تقبيل الأعتاب إلا التبرك؟! وأما قياس الباجوري تقبيل قبر البدوي على تقبيل الحجر الأسود ففيه ما فيه.

وقد لاحظ العلامة الشرواني فساد هذا القياس، فقال في حاشيته على التحفة: “أقول: في الاستنباط المذكور مع صحة النهي عمَّا يُشعر بتعظيم القبور توقفٌ ظاهر”([34]).

والصواب مع الشرواني؛ بدليل قول النووي: “ولا يمسح القبر ولا يقبله ولا يمسه؛ فإن ذلك عادة النصارى… لأنه قد صحَّ النهي عن تعظيم القبور، ولأنه إذا لم يُستحب استلام الركنين الشاميين من أركان الكعبة لكونه لم يُسن، مع استحباب استلام الركنين الآخرين، فلَأن لا يُستحب مس القبور أولى“([35]).

ويرد كلام البيجوري وغيره تصريحُ ابن الحاج المالكي أن مِن العامة مَن يريدون التبرك بهذه الأفعال، فيقول: “تجد من لا علم عنده يطوف بالقبر الشريف… ويتمسح به ويقبله ويلقون عليه مناديلهم؛ يقصدون بذلك التبرك. وذلك كله من البدع“([36]).

والمقصود أن طبقة متأخري المتأخرين -أو أصحاب الحواشي فيما بعد القرن الحادي عشر- قد سايروا البدع التي انتشرت في أهل زمانهم، وأوَّلوا كلام متقدّميهم تعسُّفًا، ظنًّا منهم أن الأوضاع التي عايشوها صحيحة، ولا تخالف ما درسوه في الكتب. وإنه لمن الخطأ البيِّن عند طالب علم نبيه -فضلًا عن عالم- أن يعتمد على هؤلاء المتأخرين في كبريات القضايا المتنازع فيها، وإلا لذهبت جهود المُجدّدين وعلماء الإصلاح سدى.

3- إباحة بعض المتأخرين عبارة: (شيء لله):

استدل المعاصرون بأن بعض أصحاب الحواشي من المتأخرين أباحوا قول العامة: (يا شيخ فلان، شيء لله)، وجعلوا ذلك دليلًا على غلو السلفيين في المنع من هذه الكلمة.

وهذا لا حجة لهم فيه؛ فإن أول من ذكر هذه العبارة، وكفَّر قائلها هم الحنفية، واشتهرت في نظم (قيد الشرائد ونظم الفرائد) لعبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقى الحنفى، والذي جاء فيه:

ومن قال: شيء لله بعضٌ يُكفِّر *** ويُخشى عليه الكفر بعضٌ يُقرر

فنقل ابن وهبان أن الأحناف اختلفوا هل يكفر القائل أم يُخشى عليه الكفر، لكن بعض الشراح لم يفهموا مراد الماتن، فقد استشكل ابن الشحنة رحمه الله تلك العبارة، وظن أن وجه الكفر هو أن السائل طلب من أحد الناس شيئًا ليعطي الله عز وجل، فلذلك كان كافرًا؛ لأن الله غني عن الناس.

نقل هذا الشرنبلالي عن ابن الشحنة، ثم قال: “وينبغي أن يرجّح فيها عدم الكفر؛ لأنه يُمكن تأويلها بأن يقول: أردتُ أن أطلب شيئًا إكرامًا لله”([37])، ونقل كلامهم الطحطاوي([38]) وابن عابدين ثم قال: “وينبغي أو يجب التباعد عن هذه العبارة”([39]).

وهذا الذي قاله ابن الشحنة ووافقه عليه الشرنبلالي وغيره لا يختلف عليه أحد، وليس هو بموضع نزاع، لكن الظن بابن وهبان أنه لم يقصد الطلب من أي إنسان ليعطي الله، فإن هذا لا يقوله عاقل عرف أبجديات العربية. وكيف يُظن به ذلك وما زال الناس يقولون: (هذه الصدقة لله) و(أحتسب الأمر لله) ونحو ذلك؟! ولا يقصدون أن يعطي الله على الحقيقة، والله عز وجل يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. فكيف يخفى على ابن وهبان وغيره من الحنفية أن القرآن جاء بهذا اللفظ؟! فنحن ننزه ابن وهبان من هذا القصد الذي لا يقوله إلا أعجمي لا يعرف العربية، بل كان قصد ابن وهبان هو الطلب من الأولياء شيئًا لله، ولكن ما سبَّب الإشكال أنه لم يذكر (الأولياء) واكتفى بلفظة (شيء لله) بسبب التقيُّد بالنظم والوزن، ولذلك استشكلها ابن الشحنة وغيره، وفهموا أنه يُكفر من يطلب من الأحياء لا من الأولياء.

إلا أن بعض أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهموا مراد المصنف، ثم استغلوا اعتراض المتأخرين على ابن وهبان في تأييد باطلهم، ومن هؤلاء: الشيخ إبراهيم السمنودي وداود ابن جرجيس في (صلح الإخوان)، وقام بعض المعاصرين من محققي كتب الأحناف بالتحشية بكلام السمنودي وابن جرجيس مع أن الأخير ليس حنفيًّا!([40]).

ونحن نقول جوابًا على ما سبق:

1- لو فرضنا أن بعض المتأخرين خالفوا ابن وهبان فهذا لا يضر؛ لأن إجماع الأحناف السابق لا ينقضه الخلاف اللاحق، فقد كان غرض ابن وهبان هو حصر وجوه المذهب، ولو أنه يعلم أن هناك من قال بجواز تلك العبارة لذكره في منظومته. إذن هذه العبارة (شيء لله) حتى زمن ابن وهبان كان محكومًا بكفر قائلها أو خشية الكفر عليه، ولا يوجد قول ثالث للمذهب.

بل ذكر العلامة العلامة إبراهيم الحلبي الحنفي (956هــ) -من كبار أئمة المذهب- هذه الأبيات في (مجمع الأبحر) وأقر ابن وهبان عليها، فقال ما نصه: “ويُحكى عن بعض الأسافلة أنه يقول: ما ذُكر من الفتاوى أنه يكفر بكذا وكذا إنه للتخويف والتهديد لا لحقيقة الكفر. وهذا كلام باطل، وحاشا أن يلعب أمناء الله تعالى -أعني علماء الأحكام- بالحلال والحرام والكفر والإسلام، بل لا يقولون إلا الحق الثابت من شريعة سيدنا محمد… -ثم ذكر الحلبي هذه المُكفِّرات ومنها:- ومن قال: شيء لله، بعضٌ يُكفِّر”([41]).

2- كذلك: فقهاء الحنفية في بلاد المشرق لم يقبلوا هذه الاعتراضات المتأخرة، وبقوا على مذهب أسلافهم في إنكار تلك العبارة.

قال مفتي الحنفية ببغداد أبو الثناء الآلوسي: “الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل: يا سيدي فلان أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك، وأن لا يحوم حول حماه، وقد عده أناس من العلماء شركا، وإن لم يكنه فهو قريب منه”([42]).

وسُئل التهانوي الحنفي الماتريدي -المُلقب عند الحنفية بحكيم الأمة- عن النداء والورد بـ (يا شيخ عبد القادر شيء لله) ونحوها من النداءات، فأجاب: “إنَّ عدم الجواز وعدم نقله عن الأئمة ظاهر، والدليل ظاهرٌ أيضًا، ومنه قوله تعالى: {وَمَن أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِن دُونِ اللهِ مَن لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}”([43]).

ويقول القاضي ثناء الله المظهري الحنفي النقشبندي -المُلقب عند الحنفية ببيهقي الوقت-: “بعض الجهال يقولون عند الكربات: (يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئا لله)، ويقول بعضهم: (يا خواجة شمس الدين شيئا لله)، فهذا لا يجوز، بل هو شرك وكُفر؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، فالذين يدعونهم القبورية هم عباد مثلهم، لا قدرة لهم على النفع والضر وإنجاح الحوائج”([44]).

وسئل الشيخ عبد الحي اللكنوي الحنفي الماتريدي عن حكم الورد الذي يقوله بعضهم إذا عرضت له حاجة أو ألمت به ملمة، فيقول: (يا شيخ عبد القادر جيلاني شيئا لله) في عدد مخصوص ومدة معينة، فأجاب: “إن الاحتراز عن مثل هذا الورد لازم. أولا: لأن هذا الورد متضمن كلمة (شيئا لله) وقد حكم بعض الفقهاء بكفر من قاله. وثانيا: لأن هذا الورد يتضمن نداء الأموات من أمكنة بعيدة، لم يثبت شرعا أن الأولياء لهم قدرة على سماع النداء من أمكنة بعيدة، إنما ثبت سماع الأموات لتحية من يزور قبورهم، ومن اعتقد أن غير الله سبحانه وتعالى حاضر وناظر وعالم للخفي والجلي في كل وقت وفي كل آن فقد أشرك، والشيخ عبد القادر وإن كانت مناقبه وفضائله قد جاوزت العد والإحصاء إلا أنه لم يثبت أنه كان قادرا على سماع الاستغاثة والنداء من أمكنة بعيدة، وعلى إغاثة هؤلاء المستغيثين. واعتقاد أنه رحمه الله كان يعلم أحوال مريديه في كل وقت ويسمع نداءهم من عقائد الشرك، والله أعلم”([45]).

وسئل اللكنوي أيضًا عن رجل ينادي الأولياء ويخاطبهم، فأجاب: “هذا رجل فاسد العقيدة، بل يخشى عليه الكفر، فإن سماع الأولياء للنداء من بعيد ليس بثابت، والعلم الكلي بجميع الجزئيات في جميع الأزمان مختص بالله جل جلاله، وقد قال في الفتاوى البزازية: من قال: إن أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر، انتهى. وذكر فيه أيضا أن من تزوج بشهادة الله ورسوله يكفر؛ لأنه ظنَّ أن الرسول يعلم الغيب، انتهى. والله أعلم”([46]).

وسئل اللكنوي أيضًا عما اشتهر فى بلاد الهند بين العوام من نداء الأنبياء والأولياء من بعيد عند المصيبة والحاجة استغاثةً بهم، فأجاب: “مثل هذا الاعتقاد فى الأنبياء والأولياء أنهم حاضرون ناظرون شرك، فإنه يلزم منه العلم بالغيب لغير الله تعالى، وهذه العقيدة شرك. فإن هذه الصفة خاصة بالله تعالى لا يشاركه فيه أحد”([47]).

قال أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي: “من أقبح المنكرات وأكبر البدعات وأعظم المحدثات ما اعتاده أهل البدع من ذكر الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله بقولهم: يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئًا لله، والصلوات المنكوسة إلى بغداد، وغير ذلك مما لا يعدّ، ولم يعلم هؤلاء السفهاء أن الشيخ رحمه الله لا يقدر على جلب نفع لأحد ولا دفع ضر عنه مقدار ذرة، فلِمَ يستغيثون به؟! ولم يطلبون الحوائج منه؟!… وقال القاضي حميد الدين ناكوري الهندي في (التوشيح): منهم الذين يدعون الأنبياء والأولياء عند الحوائج والمصائب باعتقاد أن أرواحهم حاضرة تسمع النداء وتعلم الحوائج، وذلك شرك قبيح وجهل صريح”([48]).

والقول السابق هو الموافق لأصول الحنفية، وذلك لما يلي:

1- في الفتاوى البزازية لحافظ الدين الخوارزمي الشهير بالبزازي -وهو من الكتب المعتمدة عند الأحناف-: “من قال: أرواح المشايخ حاضرة تَعلم؛ يكفر”([49]).

2- ويقول ابن نجيم: “وفي الخانية والخلاصة: لو تزوج بشهادة الله ورسوله؛ لا ينعقد، ويكفر لاعتقاده أن النبي يعلم الغيب”([50]).

ولا شك أن النداء من بعيد بـ (مدد) أو (شيء لله) يتضمن أنهم يسمعونه ويعلمون ما يقوله، بل ويجيبونه، وهو ما يناقض أحد القضايا المجمع عليها في المذهب -كما سبق بيانه-.

3- والدليل أن الأحناف لا يبيحون الاستغاثة أنهم تتابعوا على نقل عبارة قاسم قطلوبغا الحنفي: “وأما النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد؛ كأن يكون لإنسان غائبٌ أو مريضٌ أو له حاجة ضرورية، فيأتي بعض الصلحاء، فيجعل ستره على رأسه فيقول: (يا سيدي فلان).. فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه.. منها: أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة”([51]).

فمنع ابن قاسم من نداء الولي بـ (يا سيدي فلان) في مقام النذر، وقد تنبَّه الطحطاوي لهذه العلة، فقال في حاشيته: “اللهم إلا أن يقول: يا الله إني نذرت لك..([52]).

ووفق ما سبق: فإن تساهل بعض المتأخرين في عبارة (شيء لله) قد عورض بكلام غيرهم من المشارقة والأحناف في بلاد خراسان والهند، وغاية ما يُقال: أن العبارة قد اختلفوا في تكفير قائلها، فأي شناعة على السلفيين أن اختاروا أحد الأقوال المعتبرة وحذروا الناس منها؟! وأيُّ حماقة في إصرار المخالف لدعوة الناس لقول: (مدد) و(شيء لله)، مع علمه أنها ليست من القربات ولا المستحبات إلا لمحض المناكفة والفجور مع مخالفه؟!

الخاتمة:

مما سبق يتبين أن الاعتماد على أقوال بعض الفقهاء المتأخرين في مسائل القبور دون الرجوع إلى النصوص الشرعية المحكمة، أو دون مراعاة المنهج الصحيح في الترجيح، يؤدي إلى لبس الحق بالباطل، وتمرير الممارسات البدعية تحت ستار الخلاف الفقهي. وقد رأينا أن كثيرًا من هذه الاستدلالات مبنيٌّ على سوء فهم، أو استناد إلى أقوال مرجوحة، أو الاعتماد على زلات فردية لا تمثل إجماع الفقهاء.

ومن هنا، فإن طالب العلم الجادّ في هذا الباب يجب أن يكون على دراية بمسالك الفقهاء وطرق استدلالاتهم؛ حتى يتمكن من رد الشبهات، وفهم المسائل وفق منهج متين يقوم على الكتاب والسنة، دون أن يكون أسيرًا لاجتهادات متأخرة التي قد يشوبها القصور أو عدم الدقة في فهم النصوص. وبذلك يتحقق الفهم الصحيح لهذه القضايا، ويثبت الحق في نفوس طالبي العلم، ويكون مرجعهم دائمًا إلى الأدلة الشرعية بدلًا من اتباع الأقوال دون تحقيق أو تدقيق.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) سير أعلام النبلاء (9/ 343).

([2]) ينظر: المغنى، ابن قدامة (2/ 100).

([3]) ينظر: المغنى، ابن قدامة (2/ 100)، الإنصاف للمرداوي (٢/ ٣١٧).

([4]) الشفا (2/ 444).

([5]) شفاء الصدور (ص: 124).

([6]) تحفة المحتاج (1/ 39).

([7]) المجموع (1/ 47).

([8]) فتح الباري (1/ 76).

([9]) إحياء علوم الدين (1/ 293).

([10]) مؤلفات الشيخ -القسم الثالث: الفتاوى- (ص: 59، 60، 68، 69).

([11]) الدرر السنية (2/ 43).

([12]) روضة الطالبين (2/ 475).

([13]) مغني المحتاج (4/ 273).

([14]) غاية الأماني في الرد على النبهاني (ص: 281).

([15]) منهاج التأسيس (ص: 267).

([16]) حاشية صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان (ص: 470).

([17]) فتاوى الفقيه ولي الدين أبي زرعة العراقي (ص: ١٦٦-١٦٨).

([18]) طرح التثريب (٦/ ٤٣).

([19]) الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية (ص: 481).

([20]) سيف الله على من كذب على أولياء الله (ص: 49-50).

([21]) يقول الغماري: “ونراهم يحلفون بهم، وينطقون في حقِّهم بما ظاهره الكفر الصراح، بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولا شكّ.. فكثير من جهلة العوام بالمغرب ينطق بما هو كفر صراح في حقّ مولانا عبد القادر الجيلاني الموجود ضريحه ببغداد، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء، فيسجد له ويُقبل الأرض بين يديه في حال سجوده، ويجعل يديه من ورائه علامة على التسليم وفرط التضرع والالتجاء، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يُطلب إلا من الله تعالى… وذكر أمورًا ثم قال: فهذا كفر”. إحياء المقبور (ص: 19).

([22]) مباحثة مع علماء مكة (ص: 36). وانظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 222).

([23]) التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم رقم (1359).

([24]) من أجوبة الشيخ البراك على موقعه الرسمي: https://sh-albarrak.com/fatwas/21158

([25]) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (2/ 319).

([26]) البحور الزاخرة في علوم الآخرة (ص:340).

([27]) حاشية ابن قاسم على تحفة المحتاج (3/ 34).

([28]) نقله أحمد الغماري في إحياء المقبور (ص: 10).

([29]) حاشية البيجرمي على الإقناع (2/ 263).

([30]) إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (2/ 137).

([31]) الفتاوى الكبرى (2/ 17).

([32]) شفاء الصدور (ص: 64).

([33]) حاشية إبراهيم الباجوري على شرح الغزي على متن أبي شجاع (ص: 488).

([34]) حاشية الشرواني على التحفة (3/ 176).

([35])  المجموع شرح المهذب (5/ 311).

([36]) المدخل (1/ 263).

([37]) تيسير المقاصد شرح نظم الفرائد (ص: 170).

([38]) حاشية الطحطاوي على الدر المختار (6/ 455).

([39]) رد المحتار (6/ 408).

([40]) انظر مثلًا: تحقيق حاشية الطحطاوي على الدر المختار -طبعة دار الكتب العلمية- (6/ 455).

([41]) مجمع الأبحر (ص: 514).

([42]) روح المعاني (7/ 181).

([43]) إمداد الفتاوى (4/ 352).

([44]) إرشاد الطالبين (ص: 21).

([45]) مجموع فتاوى عبد الحي اللكنوي (١/ ٢٦٤).

([46]) مجموعة الفتاوى، اللكنوي (ص: 387-389).

([47]) مجموعة الفتاوى، اللكنوي (ص: 344).

([48]) التعليق المغني على سنن الدارقطني (5/ 404).

([49]) الفتاوى البزازية (6/ 326).

([50]) البحر الرائق (3/ 155).

([51]) البحر الرائق 2/ 319).

([52]) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 693).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

الاستدلال بتساهل الفقهاء المتأخرين في بعض بدع القبور (الجزء الثاني)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة خامسًا: الاستدلال بإباحة التوسل وشدّ الرحل لقبور الصالحين: استدلّ المخالفون بما أجازه جمهور المتأخرين من التوسّل بالصالحين، أو إباحة تحرّي دعاء الله عند قبور الصالحين، ونحو ذلك، وهاتان المسألتان لا يعتبرهما السلفيون من الشّرك، وإنما يختارون أنها من البدع؛ لأنّ الداعي إنما يدعو الله تعالى متوسلًا بالصالح، أو عند […]

الاستدلال بتساهل الفقهاء المتأخرين في بعض بدع القبور (الجزء الأول)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من المعلوم أن مسائل التوحيد والشرك من أخطر القضايا التي يجب ضبطها وفقَ الأدلة الشرعية والفهم الصحيح للكتاب والسنة، إلا أنه قد درج بعض المنتسبين إلى العلم على الاستدلال بأقوال بعض الفقهاء المتأخرين لتبرير ممارساتهم، ظنًّا منهم أن تلك الأقوال تؤيد ما هم عليه تحت ستار “الخلاف الفقهي”، […]

ممن يقال: أساء المسلمون لهم في التاريخ

أحد عشر ممن يقال: أساء المسلمون لهم في التاريخ. مما يتكرر كثيراً ذكرُ المستشرقين والعلمانيين ومن شايعهم أساميَ عدد ممن عُذِّب أو اضطهد أو قتل في التاريخ الإسلامي بأسباب فكرية وينسبون هذا النكال أو القتل إلى الدين ،مشنعين على من اضطهدهم أو قتلهم ؛واصفين كل أهل التدين بالغلظة وعدم التسامح في أمورٍ يؤكد كما يزعمون […]

كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وَقَد تأخَّر تدوِينُها؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ إثارةَ الشكوك حول حجّيّة السنة النبوية المشرَّفة بسبب تأخُّر تدوينها من الشبهات الشهيرة المثارة ضدَّ السنة النبوية، وهي شبهة قديمة حديثة؛ فإننا نجدها في كلام الجهمي الذي ردّ عليه الإمامُ عثمانُ بن سعيد الدَّارِميُّ (ت 280هـ) رحمه الله -وهو من أئمَّة الحديث المتقدمين-، كما نجدها في كلام […]

نقد القراءة الدنيوية للبدع والانحرافات الفكرية

مقدمة: يناقش هذا المقال لونا جديدًا منَ الانحرافات المعاصرة في التعامل مع البدع بطريقةٍ مُحدثة يكون فيها تقييم البدعة على أساس دنيويّ سياسيّ، وليس على الأساس الدينيّ الفكري الذي عرفته الأمّة، وينتهي أصحاب هذا الرأي إلى التشويش على مبدأ محاربة البدع والتقليل من شأنه واتهام القائمين عليه، والأهم من ذلك إعادة ترتيب البدَع على أساسٍ […]

كشف الالتباس عما جاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى في حق الرسل عليهم السلام: (وظنوا أنهم قد كُذبوا)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن ابن عباس رضي الله عنهما هو حبر الأمة وترجمان القرآن، ولا تخفى مكانة أقواله في التفسير عند جميع الأمة. وقد جاء عنه في قول الله تعالى: (وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ) (يوسف: 110) ما يوهم مخالفة العصمة، واستدركت عليه عائشة رضي الله عنها لما بلغها تفسيره. والمفسرون منهم […]

تعريف بكتاب “نقض دعوى انتساب الأشاعرة لأهل السنة والجماعة بدلالة الكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقَـدّمَـــة: في المشهد العقدي المعاصر ارتفع صوت الطائفة الأشعرية حتى غلب في بعض الميادين، وتوسعت دائرة دعواها الانتساب إلى أهل السنة والجماعة. وتواترُ هذه الدعوى وتكرارها أدّى إلى اضطراب في تحديد مدلول هذا اللقب لقب أهل السنة؛ حتى كاد يفقد حدَّه الفاصل بين منهج السلف ومنهج المتكلمين الذي ظلّ […]

علم الكلام السلفي الأصول والآليات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اختلف العلماء في الموقف من علم الكلام، فمنهم المادح الممارس، ومنهم الذامّ المحترس، ومنهم المتوسّط الذي يرى أن علم الكلام نوعان: نوع مذموم وآخر محمود، فما حقيقة علم الكلام؟ وما الذي يفصِل بين النوعين؟ وهل يمكن أن يكون هناك علم كلام سلفيّ؟ وللجواب عن هذه الأسئلة وغيرها رأى […]

بين المعجزة والتكامل المعرفي.. الإيمان بالمعجزة وأثره على تكامل المعرفة الإنسانية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لقد جاء القرآن الكريم شاهدًا على صدق نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، بل وعلى صدق الأنبياء كلهم من قبله؛ مصدقًا لما معهم من الكتب، وشاهدا لما جاؤوا به من الآيات البينات والمعجزات الباهرات. وهذا وجه من أوجه التكامل المعرفي الإسلامي؛ فالقرآن مادّة غزيرة للمصدر الخبري، وهو […]

قواعد علمية للتعامل مع قضية الإمام أبي حنيفة رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من القضايا التي عملت على إثراء التراث الفقهي الإسلامي: قضية الخلاف بين مدرسة أهل الرأي وأهل الحديث، وهذا وإن كان يُرى من جانبه الإيجابي، إلا أنه تمخَّض عن جوانب سلبية أيضًا، فاحتدام الصراع بين الفريقين مع ما كان يرجّحه أبو حنيفة من مذهب الإرجاء نتج عنه روايات كثيرة […]

كيف نُؤمِن بعذاب القبر مع عدم إدراكنا له بحواسِّنا؟

مقدمة: إن الإيمان بعذاب القبر من أصول أهل السنة والجماعة، وقد خالفهم في ذلك من خالفهم من الخوارج والقدرية، ومن ينكر الشرائع والمعاد من الفلاسفة والملاحدة. وجاءت في الدلالة على ذلك آيات من كتاب الله، كقوله تعالى: {ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ} [غافر: 46]. وقد تواترت الأحاديث […]

موقف الحنابلةِ من الفكر الأشعريِّ من خلال “طبقات الحنابلة” و”ذيله”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: تحتوي كتبُ التراجم العامّة والخاصّة على مضمَرَاتٍ ودفائنَ من العلم، فهي مظنَّةٌ لمسائلَ من فنون من المعرفة مختلفة، تتجاوز ما يتعلَّق بالمترجم له، خاصَّة ما تعلَّق بطبقات فقهاء مذهب ما، والتي تعدُّ جزءًا من مصادر تاريخ المذهب، يُذكر فيها ظهوره وتطوُّره، وأعلامه ومؤلفاته، وأفكاره ومواقفه، ومن المواقف التي […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثالث- (أخطاء المخالفين في محل الإجماع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثالث: أخطاء المخالفين في محل الإجماع: ذكر الرازي ومن تبعه أن إطلاق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة وبمعنى الكمال والنقصان محلّ إجماع بينهم وبين المعتزلة، كما تقدّم كلامه. فأما الإطلاق الأول وهو كون الشيء ملائمًا للطبع أو منافرًا: فقد مثَّلُوا لذلك بإنقاذِ الغَرقى واتهامِ الأبرياء، وبحسن الشيء الحلو […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثاني- (أخطاء المخالفين في محل النزاع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثاني: أخطاء المخالفين في محل النزاع: ابتكر الفخر الرازيُّ تحريرًا لمحل الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في المسألة فقال في (المحصل): “مسألة: الحُسنُ والقبح‌ قد يُراد بهما ملاءمةُ الطبع ومنافرَتُه، وكون‌ُ الشي‌ء صفةَ كمال أو نقصان، وهما بهذين المعنيين عقليان. وقد يُراد بهما كونُ الفعل موجبًا للثوابِ والعقابِ والمدحِ […]

ترجمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (1362  – 1447هـ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه([1]): هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. مولده ونشأته: وُلِد سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رحمه الله بمدينة مكة المكرمة في الثالث من شهر ذي الحجة عام 1362هـ. وقد […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017