ابن تيمية ضدّ التطرُّف (10)
قراءة وعرض لكتاب
(ابن تيمية ضدّ التطرُّف)
تأليف: يحيى ميشوت، ترجمة: مركز دلائل.
المعلومات الفنية للكتاب
كتاب “ابن تيمية ضد التطرف” من تأليف د. (يحيى ميشوت) (Yahyah M. Michot ) نشر عام 2012م، وترجمه مركز دلائل عام 2017م بالرياض. ويقع الكتاب في 328 صفحة بملاحقه وفهارسه.
التعريف بالمؤلف
أستاذ الدراسات الإسلامية البلجيكي (يحيى ميشوت) (Yahyah M. Michot) يعمل المؤلف أستاذًا للدراسات الإسلامية والعلاقات الإسلامية المسيحية بمعهد هارتفورد كونيتيكت، وهو محرر كذلك بمجلة العالم الإسلامي ومتحدث ضيف بمركز أكسفورد للدراسات الهندوسية، وعُرف بتخصصه في دراسة وتتبّع وترجمة التراث الإسلامي وخاصة تراث ابن تيمية، وتولى رئاسة المجلس الأعلى للمسلمين في بلجيكا من عام 1995 إلى عام 1998م.
للمؤلف العديد من الكتب والتراجم لبعض أعمال ابن تيمية وابن سينا وغيرهم، وحرص في هذا الكتاب ــ ليناسب جميع القراء ــ على الابتعاد عن أية أسماء معروفة سياسيًا في العصر الحالي، واكتفى بإبراز وإيضاح الخطوط العامة من تراث ابن تيمية.
استعراض موضوعات الكتاب
يبدأ الكتاب بتعريف للمؤلف في صفحة 13، ويلي ذلك تقديم للكتاب (ص15- ص27) من قِبل بروس ب. لورانس الأستاذ بجامعة ديوك، حيث يسرد فيه تعريفا مختصرا بابن تيمية وفكره ومنهجه وبعض مؤلفاته واعتقاد البعض فيه، كما تطرق إلى دفاع ابن تيمية عن المنهج الصحيح للإسلام وتصدّيه للأفكار المنحرفة من المتصوفة والباطنية والقائلين بوحدة الوجود وغيرهم.
قسم المؤلف الكتاب إلى مقدمة وثمانية عشر فصلا، جعل المقدمة في 16 صفحة دلل فيها على أهمية تراث ابن تيمية وكيف يتم استغلاله من قبل أطراف متنوعة دون أن يفهم بعضهم منهجه فهمًا صحيحًا فيؤدي ذلك إلى اتهامه بالتطرف دون وجه حق، كما أوضح المؤلف أن الغرض الرئيس من ترجماته لتراث ابن تيمية هو ترك ابن تيمية يدافع عن نفسه من خلال مؤلفاته التي تمثل السبيل الوسط القابع في قلب الإسلام.
أما فصول الكتاب فهي كما يلي:
الفصل الأول: دين الوسطية (ص43 – ص52)
الفصل الثاني: الوحدة واحترام التنوع في المجتمع (ص53 – ص60)
الفصل الثالث: التسامح والتشدد، ووحدة المجتمع (ص61 – ص76)
الفصل الرابع: الكفر والمغفرة (ص77 – ص128)
الفصل الخامس: هل يتردد الله؟ (ص129 – ص140)
الفصل السادس: هل للبشر حقوق على الله؟ (ص141 – ص150)
الفصل السابع: الحب وصحة القلب (ص151 – ص172)
الفصل الثامن: حقيقة محبة الله ومحبة الناس (ص173 – ص210)
الفصل التاسع: الإيمان والحب (ص211 – ص224)
الفصل العاشر: العبودية في العبادة ( ص 225 – ص240)
الفصل الحادي عشر: الحب والشريعة (ص241 – ص248)
الفصل الثاني عشر: سيد بني آدم ( ص249 – ص258)
الفصل الثالث عشر: تبجيل النبي (ص259 – ص268)
الفصل الرابع عشر: اتباع محمد من حب الله (ص269 – ص278)
الفصل الخامس عشر: طاعة ولا الأمر (ص279 – ص 288)
الفصل السادس عشر: “قد جعل الله لك شيء قدرا” (ص289 – ص304)
الفصل السابع عشر: المسلم بين الكافرين (ص305 – ص316)
الفصل الثامن عشر: مثل يوسف في خدمة الفرعون (ص317 – ص328)
في الفصول السبعة الأولى: يبين الكاتب تعرّض ابن تيمية للهجوم الشديد منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر واتهامه بالإرهاب من قبل البعض، العجيب أن هؤلاء يتهمونه بالإرهاب دون قراءة كتبه وإنما نتيجة استعمال بعض المتطرفين لبعض فتاويه دون وجه حق، لذا فالكاتب أراد في هذا الكتاب أن يدافع ابنُ تيمية عن نفسه، وذلك بعرض مجموعة من نصوص كتبه وفتاويه والتي توضح رفضه للتطرف والإرهاب ونبذه كذلك للتصوف المتطرف وأتباعه، فمن يقرأ كتب ابن تيمية بتمعّن يجده خبيرًا روحيًّا في الواسطية، أي السبيل الوسط القابع في قلب الإسلام الموروث.
ويؤكد ابن تيمية على الحب وأنه لم يكن محرمًا في ديننا، بل يراه أمرًا أساسيًا لبني الإنسان منذ آدم عليه السلام وحتى قدوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويبلغ تمام الحب في اتباع أوامر النبي وتوقيره.
وما يرفضه ابن تيمية هو العشق، حيث دلل على حرمته من الكتاب والسنة وأقوال العلماء، وسبب نبذ العنف وتجريمه هو تجاوز الحدود وتخوم الأدب، إذ أن العشق هو محبة مفرطة تتجاوز الحدود ، وحب الله عز وجل لا نهاية له، وبالتالي فلا يمكن أن يكون له حدٌّ بحيث يصبح تجاوزه أمرًا منافيًا للأدب مع الله، لذا فالعشق مذموم سواء مع الخالق أو المخلوق.
والكتاب يعرض جوانب غير مشهورة عن شيخ الاسلام ابن تيمية منافية تمامًا لما يصفه به الكثيرون مؤخرا من صفات الإرهاب أو التطرف، كما يوضح جوانب الوسطية والمحبة الإلهية عند ابن تيمية ووصفه لأس وقواعد الاعتدال بلا إفراط ولا تفريط.
كما يوضح الكاتب في الفصول (من السابع إلى الرابع عشر) التوحيد الحقيقي والنجاة التي تكمن في اتباع النبي وتوقيره، ويبين الكاتب كذلك تقسيم ابن تيمية للتوحيد على ثلاثة أنواع:
- توحيد الربوبية: والذي يؤكد فيه على أن الله رب كل شيء وسيده، وهذا القسم يشترك فيه الجميع المسلمون واليهود والنصارى وحتى الوثنيون.
- توحيد الألوهية: وتعني بالتوحيد المطلق لله وتفرده في جميع أنواع العبادة من نذر ودعاء وصلاة و..إلخ، وهي الأمر الذي سعى النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيقه مع مشركي قريش وسائر البشر من بعدهم.
- توحيد الأسماء والصفات: وهو أكثر أنواع التوحيد صفاء حيث ينزه الله عز وجل عن كل ما لا يليق بجلاله ويصفه بكل جميل، كما وصف نفسه في القرآن والسنة الصحيحة.
كما يتناول الكاتب في (الفصول الأربعة الأخيرة) مجموعة من المواقف التي يتحدى فيها الإيمان مساندة الظالمين حتى ولو في حالة الاضطهاد أو الموت. ويركز الفصل قبل الأخير على حال النجاشي ومصيره، وهو الحاكم الحبشي الذي آوى المسلمين وآمن برسالة الإسلام وقد صلى النبي عليه عندما علم بموته، ويقارن هنا ابن تيمية بين حال المنافقين الذي هم بين أظهر المسلمين ولا يصلى عليهم كعبد الله بن أبي بن سلول وبين حال مؤمن كالنجاشي والذي مات في أرض الكفر وصلاة النبي عليه.
ويؤكد في الفصل الأخير على أن المحب لأمته والمجدد لدينه ينقل فقط ما يمكن استيعابه وتطبيقه، ولا يستطيع الأمير أو العالم الأمر بكافة الواجبات وتنفيذها على الوجه المطلوب، بل تنفيذ ذلك مشروط بمدى الفهم والفعل حيث أشاد ابن تيمية بنبي الله يوسف عليه السلام لترشيح نفسه لإدارة كنوز مصر في دولة كافرة ورغم علمه بعدم قيامها على إرث الرسل وعدلهم.
ومن يُطالع الكتاب سيجده مجموعة من الفصول المتفرقة التي يمكن قراءتها منفردة ولا يشترط التتابع فيها، فكل واحد منها له موضوعه الخاص وله تفرده وعبيره الخاص.
ويوضح الكاتب أن هذه الباقات الثمانية عشر هي محاولة لإبراز صورة ابن تيمية في جوانب شتى، فهو كحديقة ممتلئة بالزهور يحاول أن يقطف منها ما استطاع، بل ويؤكد على أن هناك مزيدًا من الأزهار ينبغي إضافتها للحصول على صورة نهائية لحديقة ابن تيمية الروحية.
ويمكن تلخيص الكتاب ومنهج ابن تيمية كما يراه الكاتب وهو: أن ابن تيمية كان يهتم دائما بمسألة واحدة، هي (توحيد النبوة)، يعني: كيف يمكننا باتباع الوحي الأخير واقتفاء أثره جَعْل الله حقيقةً في حياتنا، بل الحقيقة الوحيدة التي تبث الحياة في حياتنا اليومية، وجَعْل الله أكثر أهمية لنا من الماء بالنسبة للسمك.