حجّك.. من النيّة إلى قضاء النسك؟
الحمد لله.
أيام قلائل وتمتلئ المشاعر المقدسة بالحجاج محرمين لله تعالى ملبين، متلبسين بركن عظيم من أركان الإسلام، وشعيرة عظمى من شعائره، ولا يصح عبادة المسلم إلا بالإخلاص والمتابعة، والإخلاص معلوم، والمتابعة أن يعمله كما شرعه الله ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «خذوا عني مناسككم»، فمن الواجب على المسلم قبل الدخول في أي عبادة أن يتعلم أحكامها وآدابها، لتكون كما أمر الله ورسوله، ولا يقع في أخطاء فادحة بسبب جهله قد تفسد له العبادة، وقد يتحمّل بسبب إهماله التعلّمَ مشاق ومفاسد كثيرة.
وعليه سنذكر بإذن الله تعالى ما يشرع للحاج أن يعلمه قبل أن يدخل في النسك وبعد الدخول وأثناء الدخول وصفة الحج مختصرة، حتى يكون الحج وفق الشريعة الغراء.
الأنساك المشروعة ثلاثة: تمتّع، وقِران، وإفراد.
أولًا: التمتع، وهو أن تحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج([1]) من الميقات([2]) الذي تمر عليه وأنت في طريقك إلى مكة، بعد أن تغتسل وتتطيب في بدنك ورأسك وتلبس لباس الإحرام وهو رداء وإزار للرجل، والمرأة تحرم في لباسها المحتشم، ولا تتطيب، فتقول: (لبيك الله بعمرة).
وإذا كنت خائفًا من عائق يعوقك عن إتمام نسكه: كمرض أو غيره، فإنه يشرع لك أن تشترط عند الإحرام قائلًا: (فإن حبسني حابس فمَحِلِّي حيث حبستني).
فتشتغل بالتلبية وهي: (لبيك اللهم لبيك ،لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك)، ويسن الاغتسال قبل دخول مكة.
فإذا وصلت المسجد الحرام قطعت التلبية ودخلت بالرجل اليمنى قائلًا: (بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)، وقبل أن تبدأ طوافك يسن لك أن تضطبع بأن تُدخل وسط ردائك تحت كتفك الأيمن وترده على كتفك الشمال، فتخرج كتفك الأيمن، ثم تستقبل الحجر الأسود مقبلًا له أو مستلمًا له أو مشيرًا بيدك قائلًا: (بسم والله أكبر)، ويشرع الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى للرجال دون النساء، وتستلم الركن اليماني إن استطعت من غير تقبيل ودون مزاحمة أو إذاية مسلم، وإلا فلا تشر إليه وتقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، ثم تدعو بما شئت وتذكر الله تعالى بأنواع الذكر دون تخصيص شوط عن شوط بذكر أو دعاء مخصوص، فتطوف بالبيت سبعة أشواط.
ثم تصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر، وإلا ففي أي مكان في المسجد، تقرأ في الأولى الفاتحة والكافرون، وفي الثانية بالفاتحة والإخلاص، ثم تشرب من ماء زمزم، ثم ترجع للحجر الأسود فتقبله أو تستلمه أو تشير إليه، ثم تتوجه إلى الصفا، فإذا دنوت منه قرأت قول الله تعالى: “إن الصفا والمروة من شعائر الله” قائلًا: “أبدأ بما بدأ الله به”.
فتقف على الصفا متجهًا إلى القبلة رافعًا يديك فتكبر ثلاثًا وتوحد الله تعالى ويُسن أن تقول: ” الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، وصدق عبده، وهزم الأحزاب وحده“، ثم تدعو الله تعالى بما شئت من خيري الدنيا والآخرة؛ ثم توحد الله تعالى ثانية، ثم تدعو ثانية ، ثم توحد الله تعالى الثالثة.
ثم تنزل المسعى ذاكرًا الله تعالى بأنواع الذكر والدعاء، فإذا وصلت عند العلم وهو الضوء الأخضر الأول ركضت شديدًا إلى العلم الثاني، ثم تمشي، ولا تفعله النساء، فإذا جئت المروة فعلت كما فعلت على الصفا، فيكون ذهابك من الصفا إلى المروة شوطًا ورجوعك من المروة إلى الصفا شوطًا ثانيًا، فإذا أتممت السابع عند المروة تحلق شعرك أو تقصر، وتتحلل من عمرتك، فإذا جاء يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرمت بالحج وحده وأتيت بأعمال الحج التي سيأتي ذكرها إن شاء الله، فالمتمتع يأتي بعمرة كاملة وحج كامل منفصلين بتحلل.
ثانيًا: القِران، وهو أن تُحرِم بالعمرة والحج جميعًا، فتقول: (لبيك اللهم بحجة وعمرة)، أو تحرم بالعمرة أولًا ثم تُدخل عليها الحج قبل الشروع في طوافها، فتقوم بما تقدم في نسك المتمتع غير أنك لا تحلق ولا تقصر ولا تتحلل، وإنما تبقى محرمًا حتى ترمي جمرة العقبة يوم العيد، ويكون طوافك طواف قدوم وسعيك بعده سعي حج، وهذا السعي يجوز تأخيره بعد طواف الإفاضة.
ثالثًا: الإفراد، وهو أن تحرم بالحج وحده، فتقول: (لبيك اللهم حجة)، فإذا وصلت مكة طفت طواف القدوم وإن شئت سعيت سعي الحج بعد هذا الطواف، وإن شئت أخرت السعي بعد طواف الإفاضة، ولا تحلق ولا تقصر ولا تتحلل من إحرامك بل تبقى محرمًا حتى ترمي جمرة العقبة يوم العيد.
أعمال اليوم الثامن (يوم التروية):
يشرع للمتمتع أن يحرم بالحج في هذا اليوم، وأما المفرد والقارن فمازالا على إحرامهما، ويسن للحاج أن يكون بمنى ذلك اليوم فيصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء يقصر الرباعية دون أن يجمع، ويُسن له المبيت بمنى، ويجتهد في الذكر والدعاء ويحافظ على وقته بالطاعات.
أعمال اليوم التاسع (يوم عرفة):
فإذا أصبحت يوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة صليت في منى الفجر، ثم تمكث قليلًا حتى تطلع الشمس، ثم تنطلق إلى عرفة ملبيًا ذاكرا لله تعالى، فتمكث فيها ، فتجمع الظهر والعصر في وقت الظهر مع القصر بأذان واحد وإقامة لكل صلاة، وتحرص على الدعاء والذكر والاستغفار في أعظم يوم طلعت عليه الشمس، ولا تُضيع وقتك بالقيل والقال، وابق فيها إلى غروب الشمس، فإذا تحققت غروب الشمس فاذهب إلى مزدلفة بسكينة، فإذا وصلتها جمعت المغرب والعشاء ، ثم أوترت ونمت لتستعد لأعمال يوم العاشر وهو يوم النحر.
أعمال اليوم العاشر (يوم النحر):
فإذا أصبحت يوم العاشر وهو يوم النحر صليت الفجر في مزدلفة، ثم تفرغت للدعاء والاستغفار حتى تسفر جدًّا، وتنطلق قبل طلوع الشمس إلى منى ملبيًا، وترمي جمرة العقبة الكبرى فقط بعد طلوع الشمس بسبع حصيات صغيرات بحجم الحمصة مكبرًا مع كل حصاة، ويشرع للضعفة ومن معهم من الأقوياء أن ينفروا من مزدلفة بعد منتصف الليل.
ثم تذهب لتنحر هديك في منى أو مكة إن استطعت بيدك، وإلا وكلت من تثق به لينوب عنك؛ ثم تحلق شعرك، والمرأة تأخذ من شعرها قدر أنملة، وبهذا تكون أيها أخي الحاج قد تحللت التحلل الأول، فيجوز لك كل شيء يحرم على الحاج ما عدا النساء اثنين من الثلاثة الرمي والحلق والطواف ومعه السعي الحاج التحلل الأول إذا كان متمتعًا أومفردًا وقارناً ولم يسع قبل ، فيحل له كل شيء مما يحرم على الحاج
وتنطلق لتطوف طواف الإضافة وهو طواف الركن، وتسعى بعده إن كنت متمتعًا، أما إذا كنت قارنًا أو مفردًا وسعيت من قبلُ بعد طواف القدوم فلا سعي عليك، وبعد ذلك تعود إلى منى لتبيت بها.
أعمال أيام التشريق:
فإذا كان يوم الحادي العشر وهو يوم القَرِّ([3])، رميت الجمرات الثلاثة: الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، كل واحدة بسبع حصيات مكبرا مع كل حصاة وذلك بعد الزوال وهو وقت صلاة الظهر، ويمتد الرمي إلى الليل، ويسن أن تقف بعد الصغرى وتدعو دعاء طويلًا قائمًا، وتقف بعد الوسطى بعد رميك وتدعو دعاء طويلًا، ولا يشرع الوقوف للدعاء بعد الكبرى، ثم تبيت هذا اليوم في منى مكثرًا من ذكر الله تعالى والتكبير.
فإذا كان اليوم الثاني عشر وهو يوم النَّفْر الأول([4])، رميت بعد الزوال كما رميت يوم الحادي عشر، ثم إن شئت تعجلت وخرجت من منى قبل غروب الشمس، وإلا تأخرت وهو سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فتبيت ليلة الثالث عشر، فتصبح فيه واسمه يوم النفر الثاني([5])، وترمي كما رميت في يوم القر ويوم النفر الأول.
وبهذا تكون قد انتهيت من حجك، ولم يبق عليك إلا طواف الوداع، فمتى عزمت على السفر إلى موطنك طفت طواف الوداع سبعة أشواط، وصليت ركعتين، فيكون آخر عهدك بالبيت الطواف، ويسقط هذا الطواف على الحائض والنفساء تخفيفا.
وبه يكمل الحج، فاسألِ اللهَ القبول.
([1]) أشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
([2]) المواقيت خمسة: ذو الحليفة لأهل المدينة ومن يمر عليها، والجحفة لأهل الشام والمغرب ومن في طريقهم، وقرن المنازل لأهل نجد، ويلملم لأهل اليمن، وذات عرق لأهل العراق.
([3]) كما ثبت من حديث عبدالله بن قرط رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر». رواه أبو داود في سننه (1767)، وابن خزيمة في صحيحه (2866)، والبيهقي في الكبرى (5/237)، وغيرهم، وصححه ابن حبان والحاكم والألباني، انظر صحيح أبي داود 6/14. وسمي يوم القَرِّ؛ لأَن أَهل المَوْسِمِ يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر في تعب من الحج، فإِذا كان الغدُ من يوم النحر قَرُّوا بمنًى. لسان العرب 5/82.