الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته
للتحميل كملف pdf اضغط هنا
يقول المستشرق سنوك هورخرونيه:
(لقد كانت السِّمَة التي تميز بها محمد بن عبدالوهاب كونه عالمًا تثقف بالعلوم الإسلامية، وفهم مقاصدها وأسرارها، واستطاع بجدارة تامة أن يبرز الإسلام بالصورة الصافية النقية، كما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه الصورة لم تكن واضحة لكثير من علماء عصره، الذين تركوا منابع الإسلام الأولى وهي القرآن الكريم والأحاديث النبوية، واعتمدوا على اجتهادات المتأخرين. وأكثر هذه الآراء والاجتهادات لم تكن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما جاءت نتيجة التطورات المستمرة لمختلف المذاهب عبر مختلف القرون، مما حال بين المسلم ومنابع التشريع الأولى، الأمر الذي أصبح معه كثير من المسلمين يهتمون بالقيمة الترتيلية للقرآن الكريم والسنة النبوية، دون البحث عن المعاني المستفادة منهما، تاركين ذلك إلى المؤلفات التي تخص علم الفقه وعلم الشريعة، التي تبحث في ذلك من خلال المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة.
لقد كانت فكرة ابن عبد الوهاب أن يربط الناس بمنابع التشريع الأولى، ويتخطى الفجوة التي تشغل الناس في عصره وتبعدهم عن الإسلام الصحيح.
ولقد كان المحيط الذي نشأ فيه محمد بن عبد الوهاب في وسط الجزيرة محيطًا مناسبًا، إذ لا يوجد محيط آخر مشابه، لم يتغير إلا قليلًا([1])، كما لا يوجد مكان أحسن من ذلك المكان، الذي تقترب فيه اللغة والعادات من تلك التي كانت في الأصل عند ظهور الإسلام.
لقد أدرك محمد بن عبد الوهاب الاختلاف بين الإسلام كما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم، والإسلام الذي يمارسه الناس في عصره. كان هذا الاختلاف يتمثل في نقطتين:
أولاهما: الرخاء وما ينتج عنه من مغريات تؤدي إلى التناقضات التام بين تصورات الحياة الموجودة في القرآن، وتصورات الناس القائمة.
فإذا دخلت بدعة من البدع –ولتكن وسيلة تسلية مثلًا- فإن العلماء يقفون منها موقف المعارضة، ولكن عندما يستفحل الداء، فإن العلماء يبدؤون بالتسليم للأمر الواقع.
فعلى سبيل المثال: حرّم العلماء التبغ منذ البداية بعدِّه وسيلة تسلية سيئة، لكنهم فيما بعد تساهلوا في ذلك، وأفتى بعضهم بالسماح به.
لقد كانت المبادئ التي يدعو لها محمد بن عبد الوهاب لا تقرّ مثل تلك الفتاوى التي ظهرت باسم الدين، ففتاوى الشيخ تطالب بتحريم التبغ وغيره من وسائل الترف الأخرى مثل الموسيقا، واستعمال الحرير، والذهب والفضة في الملابس والحلي للرجال، وغيرها من العادات المنتشرة في الأقطار الإسلامية.
النقطة الثانية التي أثارت الغيرة الدينية لدى هذا المصلح: هي الخطر الذي تسلل إلى عقيدة التوحيد، وذلك عن طريق تقديس الأولياء.
لقد كانت الاستعانة والاستغاثة بالأولياء خاصة عند كثير من الجهلة الجسر الذي يعبر منه هؤلاء إلى الشرك، أو عبادة أكثر من إله، ولقد كان تساهل بعض العلماء في قبول ذلك من أهم أسباب زيادة هذه المنكرات وانتشارها. إن رسل الله وأولياءه لا يستطيعون بعد موتهم أن ينفعوا أو يضروا، فهذا أمر الله وحده.
وزيارات([2]) المقامات والأضرحة هي من عمل الشيطان، وقد كانت المدينة المنورة تدنس من خلال تقديس قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور أصحابه الكرام([3])؛ ولذا فإن تنقية الإسلام تستلزم القضاء على مثل هذه العادات الشركية، والتخلص من تلك المواضع والمواقع التي تساعد على انتشار الشرك.
لقد التزم الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدعوة إلى الإصلاح وجعله هدف دعوته، وكان رائده الإخلاص في القول والعمل. وقد سخر لذلك لسانه وقلمه، بجانب قوة ابن سعود وسيفه الذي تبنى هذه الحركة الإصلاحية ودعمها.
لقد كانت مدرسة الإمام أحمد بن حنبل هي التي رفع لواءها الشيخ، وجعلها أساسًا فكريًّا للإصلاح. وربما تكون هذه المدرسة أكثر المدارس بساطة وقربًا من قلوب السكان، الذي يعيش معظمهم في جهل مطبق، مماثل للجهل الذي كان سائدًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
غير أن هؤلاء السكان لم يكونوا أقل انفتاحًا من ذي قبل، أمام تأثير دين مبسط ميسر، يثبت كل يوم، وعن طريق الوسائل المادية، أنه يعمل بصفته قوة مؤثرة وحافزة([4]).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) لعله يقصد أنه مجتمع لم يتعرض للاستعمار ولم يتأثر بالثقافة الغربية الوافدة. (المركز)
([2]) زيارة القبور تنقسم إلى شرعية وبدعية، ومن البدعية ما يصل إلى الشرك إذا صاحَبَها استغاثة بالمقبور وطلب الحاجات منه. (المركز)
([3]) أراد بالتقديس التعظيم الذي يتجاوز الحد المشروع وهو زيارة القبر الشريف للسلام أو زيارة القبور للعظة والعبرة والدعاء للأموات. (المركز)
([4]) صفحات من تاريخ مكة المكرمة، سنوك هورخرونيه (1/276-278).