عرضٌ وتعريفٌ لكتاب: “موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة”
الاهتمام بالكتابة جزءٌ لا يتجزَّأ منَ الحضارةِ الإسلامية، وقد اهتمَّت النُّخب الفكرية الإسلامية منذ زمنٍ مبكر بالتصنيف والكتابة، وابتكروا فيها مناهجَ جديدة، ونقَّحوا مناهج كانت موجودةً سابقًا، وكان للكتاب دورٌ كبير في تنمية وعي المسلمين على كافَّة الأصعدة الدينية والدنيوية؛ ولذلك لم يقتصروا على التَّأليف في كتب الدين فقط، بل كانت لهم إسهامات عديدة في الجوانب الاقتصاديَّة والسياسيَّة وغيرها، والتي لا تنفك عمومًا عن التأطير الإسلامي، ومن أبرز العلوم التي طُرقت بالكتابة وتنوَّع العلماء في مناهج تأليفهم فيها: علم العقيدة؛ إذ تُعدُّ من أشرف العلوم لتعلُّقها بأشرف متعلَّق وهو الله جلَّ جلاله.
من هنا جاءَ الاهتمام بكتاب: “موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة”، لنستعرضَها ونعرفَ منهج التأليف فيها، وذلك إسهامًا في تقريب الكتاب للقارئ الكريم حتى يكون على بيِّنة بالخارطَة العامَّة له، وتسهل عليه الاستفادة منه.
بيانات الكتاب:
عنوانه: “موسوعةُ العقيدةِ والأديانِ والفرقِ والمذاهبِ المُعاصِرة”.
كُتِبَ على غِلافِه:
تصنيف وإعداد: مجموعةٍ من الأكاديميين والبَاحثين الْمُختصِّين في جامعات العالم.
مُراجعة وتقديم: عدد من كبار العُلماء والمختصين في العالمِ الإسلامي.
الطبعة:
طبعته دارُ التوحيد للنشر، الطبعة الأولى عام 1439هـ، في ستِّ مجلدات، بمجموع صفحات بلغت (3421) صفحة.
وكما هو واضحٌ من الغلاف فإنَّ الكتاب عبارة عن مشروعٍ كبير قام عليه باحثون ومراجعون ومحَكِّمُون، وأشرفَ على العمل كاملًا صاحب السمو الأَمير: د. سعود بن سلمان بن محمد آل سعود، أستاذُ العقيدة والمذاهب المشاركِ في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض.
المؤلفون:
عملَ على إعداد الموسوعَةِ مجموعةٌ كبيرةٌ من الباحثين المتخصّصين، يبلغ عددهم (36) باحثًا من مختلف دول العالم منهم:
أ. د. سعود بن عبد العزيز الخلف.
أ. د. سليمان بن محمد الدبيخي.
أ. د. آمال بنت عبد العزيز العمرو. وهم من المملكة العربية السعودية.
د. خالد العلمي من الجزائر.
د. عبد القادر حرسي من الصومال. وغيرهم.
وقد حكَّمها (12) عالِمًا متخصِّصا برئاسة الأستاذ الدكتور صالح بن محمد العقيل، وعضوية علماء فضلاء متخصصون منهم:
أ. د. عبد الله بن عمر الدميجي.
أ. د. عبد الله بن محمد السند.
أ. د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي. وغيرهم.
كما أن هناك لجنةً عُليا للموسوعة للمراجعة النهائية الكاملة يترأسها الأستاذ الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف، وعضوية أربعة من المتخصصين وهم:
أ. د. حمد بن عبد المحسن التويجري.
أ. د. عبد الله بن دجين السهلي.
د. محمد بن عبد العزيز الشايع.
د. عبد الله بن عبد العزيز العنقري.
تعريف مجمل بالكتاب:
جاءَت هذه الموسوعة الكبيرةُ لجمع أكبرِ قدرٍ ممكن من الموضوعات المتعلقة بالعقيدة بطريقةٍ علمية منهجيَّة، كتب فيها باحثون متخصِّصون من دولٍ إسلامية عديدة؛ من أجلِ تقريبها وبسطها للنَّاس والباحثين، وكذلك لمن يريدُ القراءةَ عنِ الإسلام؛ ليعطي تصورًا عن الدِّين الإسلامي كما هو على منهجِ أهلِ السُّنة والجماعة، وهي على منهجٍ متوسطٍ في الكتابة، فلا اختصار مخِلّ ولا تطويل مُملّ، ويستفيدُ منه العالمُ وطالبُ العلم والمثقَّفُ والقارئُ المبتدئ، كلٌّ حسب بغيته واستعداده الذهني، كما أنَّها ذاتُ طابعٍ عالمي تهدف إلى الوصول لكل الناس، إضافةً إلى كونها مكتوبةً ومحكَّمةً من متخصصين من سائر الدول الإسلامية، وهذا يُعطيها قوةً ومتانةً في الجانب العلمي.
أهداف الكتاب:
ذَكَرت اللجنة العلمية للموسوعة عددًا من الأهداف تتلَّخص في: تقديمِ موسوعة علميَّةٍ محَكَّمةٍ، تُعتبرُ مرجعًا شاملًا للاطلاع على العقيدة الإسلامية الصحيحة، بعيدًا عن التَّشويهِ والْمُغالطة.
أقسام الكتاب:
تنقسمُ الموسوعةُ عمومًا إلى أربعةِ أقسام كمَا يظهرُ من عنوان الكتاب، وهي: 1- العقيدة، 2- الأديان، 3- الفرق، 4- المذاهب المعاصرة.
وهذا الكتابُ الذي بين أيدينا والذي يقع في ستِّ مجلدات هو في القسم الأول من الموسوعة وهو العقيدة وما يتعلَّق بها، مع ذكرِ الأنبياء والصَّحابة والذين في سِيَرِهم مسائل عقدية، أمَّا الكلام عن الأديانِ والفرقِ والمذاهبِ فسيكونُ بإذنِ الله في موسوعاتٍ متتالية.
وجاء هذا القسم الأول من الكتاب في 28 فصلًا بعددِ حروف الهجاء، وذلك لأن الكتاب موضوع حسب ترتيب حروف الهجاء، وأما لو أردنا تقسيمه حسبَ الموضوعات التي تناولَها الكتاب فهو مقسم إلى 27 موضوعًا متنوّعًا، وأصول تلكَ الموضوعات هي:
1- الموادّ المتعلقة بعلمِ العقيدة، وهي في بيان أهل السنة وأهل البدعة ومصادر التلقي عندهما، ومنهج الاستدلال.
2- الموادّ المتعلقةُ بالإيمان بالله، وهي في التوحيد وأنواعِه وأسماء الله وصفاته.
3- الموادّ المتعلقة بالملائكَة.
4- الموادّ المتعلقة بالكتب والرُّسل والأنبياء، وفيها بيان الكتب المنزلة، ووقوع التحريف فيها ما عدا القرآن، أما ما يتعلق بالرسل فقد ذكرت موضوعات منهجية فيما يتعلق بوقوع النبوة ودلائلها وصفات الرسل وعصمتهم، كما ذكرت سِيَر بعض الأنبياء الذين في سيَرهم مسائل عقدية وعددهم 27 نبيًا، كما أن هناك مادةً واسعةً عن خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم تتضمن معنى “شهادة أنَّ محمدًا رسول الله” وذكر خصائصه، وبعض حقوقه، وبيان وجوب طاعتِه، وغيرها من الموضوعات، ويلحق بها موضوع الكرامات والأولياء.
5- الموادّ المتعلقة باليوم الآخر، وفيها بيان لأشراط السَّاعة، والحياةُ البرزخيَّة، والحياة الآخرة وما يقع فيها.
6- الموادّ المتعلّقة بالقضَاء والقدر، وفيها بيان مراتب القدر، ومسألة التحسين والتقبيح، وأفعال العباد.
7- الموادّ المتعلقة بالصَّحابة، وفيها تعريف بالمهاجرين والأنصار وأهل بدر، وغيرها من الموضوعات المتعلقة بالتعريف بهم، كما تضمن سيَر مجموعة من الصَّحابة الكرام وعددهم 23 صحابيًّا.
8- الموادّ المتعلقة بالإمامة والخِلافة، وتتضمَّن موضوعات السمع والطاعة وحكم الخروج على الحكام، وغيرها.
9- الموادّ المتعلّقة بالأسماء والأحكام، وتتضمن بيان الإسلام وبعض موضوعاتهِ، كما تضمنت بيان الشِّرك والكفر والبِدع.
10- الموادّ المتعلقة بأعمالِ القلوب، وفيها ذكر مجموعة كبيرة من أعمال القلوب.
المنهج المتبع في الموسوعة:
أولا: منهج الكتابة:
تمت كتابةُ الموسوعةِ على يدِ نُخبةٍ من الباحثين الْمُتخصِّصين وفقَ ضوابط وآلياتٍ معينة يمكن تلخيصها فيما يأتي:
1- الكتابة وفقَ قالبٍ معين متَّفق عليه، وذلك سعيًا إلى توحيد لونِ الكتابة وحرصًا على عدم تشتيت القارئ، ويضم هذا القالب: (التعريف – العلاقة بين المعنى اللغوي والشَّرعي – سببُ التسمية – الأسماءُ الأخرى – الحُكم – الحقيقة – المنزلة – الأهمِّية – الأدلة – أقوالُ أهل العلم – الأركان – الشُّروط – الأقسَام – المراتب – المسائل المتعلقة – الفروق – الثَّمرات – الآثار – الحكمة – مذاهب المخالفين – المصادر والمراجع)، على أن يكون المؤثر الحقيقي في استيفاءِ كلِّ هذه العناصر هو طبيعة الموضوع نفسه، فبعضُ الموضوعات لا تحتمل كل هذه العناصر، فلا يُزاد فيها ما يكون حشوًا، وإنما يُعالج الموضوع حسب ما يقتضيه المنهج العلمي دونَ قصور في بنيته وأدلَّته.
2- تُذكر المراجع والمصادر آخر كل مادَّةٍ من المواد، ولا تقِلُّ غالبًا عن عشرة مصادر، مع عدمِ ذكر الطبعات فيها؛ لأنَّ الغرض ليس الإحالة إلى صفحاتٍ مُعيَّنة وإنما إلى المرجع العام، وينبغي التنبُّه إلى أن هذه المراجع المذكورة في آخر كلِّ موضوعٍ هي المراجع العامة التي تناولتِ الموضوع، ويمكن للباحث متى ما أرادَ الاستزادة والتوسع أن يرجع إليها، أما المصادرُ والمراجع للمعلوماتِ الواردة عند عرض الموضوع فتكون مثبتةً في الهامش كما هو متعارفٌ عليه.
ثانيًا: منهج الترتيب:
جاءَ الكتاب مرتبًا ترتيبًا هجائيًّا، فابتدأَ بحرفِ الألف وانتهى بحرفِ الياء، وينبغي ملاحظة أنَّ (ال) التعريفية لا تُحسب ضمن بنية الكلمة، كما أن الكنى لا تحتسب أيضًا، فأبو بكر مثلًا تجده في حرفِ الباء، وأبو هريرة في حرفِ الهاء، وهكذا.
وأمَّا ترتيبُ الفهارس فجاءَ بنسَقينِ مُختلفين:
1- ترتيبُ الموضوعات، وذلك لمن أرادَ أن يُلمَّ بموضوع معين، كموضوع صفات الله أو النبوة أو غيرها.
2- ترتيب حروفِ الهجاء كحال الكتاب.
أبرز مميزات الكتاب:
يُعدُّ الكتاب موسوعةً علميةً عالميَّة من أوثق الموسوعات مُقارنةً بغيرها، فقد تمت كتابتُها على يدِ باحثين متخصِّصين، ثم رُوجِعت مراجعةً لُغويَّة شاملَة، ثم حُكِّمت على يد مشايخ أجلَّاء من نوابِغِ العلم في العالم الإسلامي، ثم روجعت من قِبَل اللجنة العليا، ومن أبرز المميزات للكتاب:
1- السَّعَة في اختيار الموضوعات المتعلّقة بالعقيدة: فإنه ما من مصطلحٍ يلامس العقيدة إلا وكُتب فيه -تقريبًا-، فيُعدُّ الكتاب من أوسع الكتب لدراسةِ العقيدة الإسلامية على منهجِ أهلِ السُّنة والجماعة.
2- حسنُ الترتيب: وهو ما يلمسُهُ القارئ بمُجرَّدِ أن يبدأ في تصفّح الكتاب، فإن الموضوعات كلها بقالبٍ واحد، لا تشعر بأن من كتبه باحثون متعدِّدون متنوّعون بتنوع أوطانهم وأجناسهم. وتلك ميزةٌ مُفتَقَدَةٌ في بعض الموسوعات الأخرى. وحسن الترتيب شاملٌ لموضوعات الكتاب، وكذلك للمضمون داخل الموضوع الواحد، فإنه مرتبٌ حسب ما يقتضيه التدرج العلمي.
3- التركيز على البناء: فالكتابُ قد ركَّز على بناء مفاهيم وتصورات العقيدة، دون خوضٍ في الآراء المخالفة بشكلٍ تفصيلي، ويتضح ذلكَ بالميزة الآتية.
4- عدم الاقتصار على العرض: بل اهتم الكتاب أيضًا بنقدِ الآراء المخالفة، فقد كان يذكر آراء الْمُخالفين في المسألة؛ ومنهجُه في ذكرها هو: الاختصار، وبيان أصل القول دون الدلائل، ثمَّ الرد عليها ردًّا مجملًا في غالب الأحيان؛ وذلك لأنَّ الهدفَ الأساس للكتاب الحالي هو التقرير لا الرَّد، أمَّا تفاصيل كلام المخالفين من أرباب الفرق والمذاهب فستأتي في الأجزاء اللاحقة إن شاء الله تعالى.
5- الاختصار: تميَّزَ الكتابُ بجمع خُلاصة الموضوع دون تطويلٍ مملٍّ، فإنه يوردُ الموضوع ويُعرِّفُ به ويذكر أدلتَّه وما يتعلق به من مسائل، وهذا ما يحتاجُه من يريد الإلمام بكل موضوعات العقيدة، أمَّا من يريد تفاصيل المسائل أو التوسع فيها فإنَّ الكتاب قد أودعَ قائمةً بالمصادر والمراجع بعد كل موضوعٍ يمكن الاستفادة منها.
6- التوثيق: وهذه ميزةٌ بديعةٌ في الكتاب، فإنَّه قد رجع إلى المصادر الأصلية قدر الإمكان، مع عدم إغفالِ المصادر المعاصرة، وهو بذلك قد جمع بين الحُسنَيَين، كمَا أنه عند إيرادِ حديثٍ معين فإنَّه يُخرَّج ويكتفي بالعزو للصَّحيحين إن كان فيهما أو أحدهما، أو يبين من أخرَجهُ مع نقل الحكم عليه.
7- التنوع المعرفي: وذلك من جهتين: من جهة الكُتَّاب، فإنهم من أجناسٍ متعددة وبلدان متنوعة، وهذا يُعطي انطباعًا بأن ما قُرر هنا هو الحق على اختلافِ الأقطار والأمصار، والجهةُ الثانية: من جهة المضمون، فإنَّ الكتاب قد حرص على عرضِ أقوال سائرِ المذاهب الفقهية دون الاقتصار على مذهبٍ معين.
كلمة أخيرة عن الكتاب:
يعد الكتاب باكورة عملٍ ضخمٍ لجمع ما يتعلق بالعقيدة والأديان والفرق والمذاهب، وهو يتميز بالشمولية والوثوقية والترتيب الجيِّد، ويُعدُّ من المراجع المهمة لتصور العقيدة الإسلامية كاملة، وحريٌّ بمثل هذه الموسوعات أن تتواجد في بيتِ كل مسلم وغير مسلم ممن أرادَ الوقوف على حقيقة الإسلام بعيدًا عن الزَّيف والتشويه، ولإكمال هذا العمل المميز يمكن تقديم اقتراحين:
1- توحيدُ المنهج في ذكرِ الآراء الْمُخالفة، فإنَّ الكتاب كانَ منهجُه في ذلك يتمثَّلُ مرةً في عرض الأقوال المخالفة وبيانِ من قالَ بها، كما فعلَ في مسألة العلو وصفات الله مثلًا، وتارةً في عرضِ المذاهبِ ثم عرض القائلينَ بها، كَمَا فعل في مسألة الإيمان والكبيرة والقدر مثلًا، والفرق بين المنهجين واضحٌ وجليٌّ، والأولى اتباعُ أحد المنهجين، أو بيان وجه التفريق في المقدمة.
2- ذكرُ أبرز الشبهات المثارة حول عدد من القضايا المبحوثةِ في الكتاب، وذلك نظرًا لانتشارِها، وكونِ بعضها أولى من مُناقشة بعضِ الأقوال البائدة، وهو جزءٌ مكملٌ للعمل بلا شَكّ، ويكونُ عرضُها باختصار لا إسهاب كما هو حال الكتاب عمومًا.
نسأل الله العليَّ القدير أن يُيسّرَ إخراجَ الأقسام الباقية من الكتاب، وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.