الاثنين - 20 شوّال 1445 هـ - 29 ابريل 2024 م

عرض وتعريف بكتاب: “الإسلام: مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب”

A A

“الشعوبُ الخاضعة لحكم الإسلام محكومٌ عليها بأن تقبع في التَّخلف”.

هكذا يقول أرنست رينان في إحدى محاضراته([1])، وليس هذا رأيًا فرديًّا شاذًّا بين أوساط المجتمع الغربي، بل يكاد يكونُ هو الرأي السَّائد، خاصةً وسط الأفكار الشعبيَّة، وذلك بسبب التغذية التي تمارسُها كثيرٌ من النخب الإعلامية والسياسية في الغرب، حتى صار الإسلام هو الشَّبح الذي يهدِّد سلامَ العالم أجمع!

وليست هذه الخطابات العِدائية وليدة اليوم، بل إنَّ الإسلام يُنال منه على مرِّ التاريخ، ويُقدَّمُ بصورة مشوَّهة ومشبُوهة في كثيرٍ من الأحيان، ولئن كانت صورة الإسلام بهذه الشَّناعة في كثير من الدوائر الشعبية والإعلامية، فإن هناك مفهومًا آخر ارتبط ارتباطًا وثيقًا في أذهان كثيرٍ من النَّاسِ بالإرهاب، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، وهو مفهوم السَّلفية، وهذا المفهوم قد أحيطَ بنوع من الميثولوجيا على مرِّ التاريخ، وقُدِّم للنَّاس -خاصة في الفكر الغربي- على أنَّهُ مفهومٌ مرتبطٌ بالعنف والإرهاب، وما انفكَّ هذا المفهوم يثيرُ التساؤل كالعادة، فهو يُشكِّلُ مصدر قلقٍ لدى البعض، بينما يُشكِّلُ لغزًا حقيقيًّا للبعض الآخر، وبين الفينة والأخرى يتجدَّد تداول الأباطيل المُلقاة في معترك الأفكار بأساليب مختلفة، فجاء هذا الكتاب مُوَجَّهًا إلى الغربِ أولًا بغية الكشفِ عن حقائق كثيرة تتعلَّقُ بالسلفيَّة على مرِّ التاريخ، عبر قراءةٍ موضوعيةٍ متَّزنةٍ علميَّةٍ، بعيدًا عن الخطابات الموجَّهة للناس بحمولة تشويهية. ولما كان الكتاب مُهمًّا وكَشَفَ عن حقائق مهمَّة تُرجم إلى العربية ليُقدَّم للقارئ العربي الذي ما سَلِمَ فكرُه أيضًا من الجَدَلِ حولَ هذا المفهوم، ومن هنا أردنا أن نُعرِّف بالكتاب ونقدّمَه للقارئ الكريم.

عنوان الكتاب:

“الإسلام: مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب”.

المؤلف: شارل سان برو. وهو دكتورٌ في العلوم السياسية، ومديرُ مرصد الدراسات الجيوسياسية في باريس ومجلَّة دراسات جيوسياسية، ومتخصّصٌ في العالَمين العربي والإسلامي في كلية الحُقوق بجامعة باريس ديكارت، وجامعةِ القانون في ستراسبورغ، وأستاذٌ في جامعة برشلونة المفتوحة، ولهُ نحو ثلاثين كتابًا.

ترجمة: وجيه جميل البعيني.

قراءة وتعليق: أ. د. عبد الله بن عبد الرحمن الربيعي، د. محمد بن عبد الله الفالح.

بيانات الطبعة: ترجمتهُ مكتبة الملك عبد العزيز العامَّة بالمملكة العربية السعودية إلى اللغتين العربية والإنجليزية، وبين أيدينا النسخة العربية المطبوعة عام 1431هـ.

هدف الكتاب: من خلال قراءةِ الكتابِ كاملًا يتبيَّن أن المؤلف أراد أن يحقِّقَ عددًا من الأهداف، من أهمها:

1- تصحيحُ الصُّورة المشوهة للإسلام والسلفيَّة، والتي ترتبطُ دائمًا بالإرهاب، أو تُختزل دائمًا في أفكارِ جماعاتٍ متطرِّفة تنتسبُ إلى الإسلام.

2- بيان أن السلفية ليست متعلِّقةً بأهداب الماضي بكلِّ تفاصيله بحيث لا تستطيع مواكبة الحاضر ولا مسايرة العصر، بل هي ذات طبيعةٍ متمسكة بجذورها العقدية الصحيحة، مع ترك مساحةٍ واسعة للاجتهاد والتغيير في كثيرٍ من القضايا التي لا تمسُّ أصولها الفكرية والتعبدية المنصوص عليها.

3- ردُّ الأغاليط حول السلفية المعاصرة بدراسة علَمٍ من أعلامها وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

4- الردُّ على من حاولَ إنكار الحضارة الإسلامية وتشويهَها، ويبين المؤلف أن “السلفية الإسلامية تشكِّل أفضل ردٍّ على الانحرافات المتعصّبة والمتطرِّفة، وعلى التغريب الذي أدى إلى إنكار الحضارة الإسلامية”([2]).

ويظهر من خلالِ هذه الأهداف الجُزئيَّة أن هدفه الأكبر هو تقديمُ صورةٍ حقيقية للإسلام الحقيقي، للرَّدِّ على الهجمات اللامُبرَّرة، وعلى القراءات التضليليَّة للإسلام والسلفيَّة في الفكرِ الغربي.

أقسام الكتاب:

قسَّمَ المؤلِّفُ الكتاب إل ثلاثة أقسامٍ بهدف دراسة السلفية من جوانبِها الثلاثة: التاريخ والحاضر والمُستقبل، وتضمَّن كلُّ قسم ثلاثةَ  فصولٍ رئيسيّة، وهي:

القسمُ الأول: السلفية القويمة منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم حتى القرن الثامن عشر:

الفصل الأول: أسس الإسلام.

الفصل الثاني: توطيد أركان السلفية.

الفصل الثالث: صمود السلفية.

القسم الثاني: الشيخ محمد بن عبد الوهاب (أصول الإصلاح):

الفصلُ الأول: الإسلام في القرن الثامن عشَر.

الفصلُ الثاني: الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

الفصل الثالث: انتشارُ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

القسم الثالث: السلفيَّة وتحدياتُ العالم المعاصر:

الفصل الأول: من إصلاح القرن التاسع عشر إلى إلغاء الخلافة.

الفصل الثاني: من الدين إلى الإيدلوجيا.

الفصل الثالث: مستقبل السلفية.

تعريف مجمل بالكتاب:

هذا الكتابُ بلغته العلمية الوثائقية وإنصافِه من خلال قراءةِ الفكر من مصادره دون أحكامٍ مسبقة يقدِّمُ صورةً علمية متَّزنَةً عن السلفية؛ ليبيِّن أنَّها هي التي تمثل الإسلام الحقيقي، ويؤكِّدُ على أنَّ السلفية المقصودة هي سلفية أهل السنة والجماعة؛ لأنها هي التي تُمثِّلُ الامتدادَ الطبيعي لما عاشهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولما كان عليه أصحابه، وهدفُه الأساس كما بينّا هو الدفاعُ عن السلفية من خلال قراءة ماضيها، والاطلاع على نموذجٍ من مجددي العصر، وتنبّؤ المستقبل وفق المعطيات الموجودة.

وقد دافَعَ في الكتاب بشكلٍ علميّ عن فكرتين أساسيتين وهُما:

1- أن السلفيَّة ليست متزمِّتةً ولا منغلقةً على العلومِ الإنسانية الجديدةِ مع الحفاظ على أصولِها العقائدية والعبادية، ويركِّز المؤلف دائمًا على جعل السلفيَّة وسطًا بينَ فكرٍ متشدِّد في التمسُّك بالأصول حتى ينكر أي تقدم علميٍّ أو حضاريٍّ، وبين الدعوةِ إلى الانسلاخ من الأفكار والقيم الإسلامية الخاصة من أجلِ مواكبةِ التقدم الغربي، فالسلفية لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فهي مع فتحها باب الاجتهاد واستلهام كثيرٍ من الموضوعات من خلال ما يُمليه العصر، إلا أنها لا تنسلخُ عن مبادئها وقيمها وأصولِها، فهي تجعل إطارها العام هو الشريعة الإسلامية وما فيها من أفكارٍ أصيلة، ثم تحاكم إليه كلَّ منتج جديد فكريًّا كان أو حضاريًّا، وبهذا حافظت السلفيةُ على عقيدتها ومبادئها، وسايرت التقدُّم الإنساني، بل وأسهمت فيه.

2- التفريقُ بين السَّلفية والجماعات المُتطرفَة المنتسبة إليها، فقد درس التطرُّف في العالم الإسلامي وبيَّن منشأه -وسيأتي في العرض المفصل-، ويؤكد مرارًا أنها لا تمثل السلفية الحقَّة وهي سلفيةُ أهل السنة والجماعة، بل لم تخرج من عباءَتها، وفي هذا ردٌّ على كثير من الكتَّاب العرب قبل أن يكون بيانًا لعقول الغرب.

كما عرَّج المؤلف على قضية مهمة وإن كانت لم تأخذ حيِّزًا كبيرًا، إلا أنَّها حضرت في مواضع عديدة، وهي بيان أنَّ الدينَ مُتكامل، فالإسلام دينٌ ودنيا، والدعوات التي تنادي إلى الفصل بينهُما لن تنجح في الإسلام؛ لأن طبيعة الدين لا تقبل هذا الانفصال، فالإسلام قامَ بالدين والدنيا، وأطَّر لهما، وشرع لهما قوانينه الخاصة، والتي هي صالحة لكل زمانٍ ومكان، فلا يمكن فصل الدين عن الدولة في الإسلام، وإنما يجب أن تكون الدول الإسلامية منطلقةً من دستورها الإسلامي؛ لتحقِّق الرخاء الذي جاء به الإسلام الحقُّ.

تعريف مفصل بموضوعات الكتاب:

المقدمة:

بيَّنَ المؤلِّف في مقدمته حجمَ التَّشويه الذي ينال الإسلام ويحيطُ به، وأنه لا يمكن التقدُّم إلى حوارٍ حضاريٍّ يفيد البشرية كلها ما لم نفهم الإسلام على صورته الحقيقية، ويؤكد على أن في الفكر الغربي خلطًا كبيرًا بين السلفية وبين الجماعات المتطرفة الإرهابية، وأنه يحاول فكَّ هذا الارتباط عبر تقديم جملة من الحقائق التي تجلِّي وتوضِّح حقيقة عدم ارتباط السلفية بالإرهاب، كما يؤكِّد في مقدمته على أن السلفية لا تتعارض مع التقدُّم، ولا تستبعد الإصلاح، كما أنها لا تتطابق مع التقليد الجامد، ثم سرد المؤلف مجموعةً من الأرقام التي تبيِّنُ مقدار المسلمين في العالم، وأنهم يشكلون 20 % من البشرية معظمهم من أهل السنة، وختم مقدمته ببيان الموضوعات التي سيتحدَّث عنها في كتابه، وهي الأقسام الثلاثة التي سنورد شيئا من تفاصيل كلامه فيها.

القسم الأول: السلفية القويمة منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم حتى القرن الثامن عشر:

في هذا القسم أرادَ المؤلّف أن يرجع بالقارئ الكريم إلى تاريخِ هذه السلفية منذ انبثاقها بل قبلَ ذلك، فبدأ كلامَه عن العرب وطريقة استقرارهم وبناءِ الكبعة، كما تحدَّث عن الجزيرة العربية واللغة العربية وبعض أيام العرب وما يحدث فيها من أسواق واجتماعات، وكان هدفه من هذا العرض هو أن يكونَ تمهيدًا للحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لكونه عربيًّا عاش في بيئة عربيَّةٍ وجاء برسالة عربية؛ ولذلك بدأَ الحديث مباشرة بعد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومولده ثم زواجه، وكيف أنه كان يأنف من عبادة الأوثان ويختلي في غار حراء حيث أنزل عليه الوحي وشاع نور الإسلام، ويؤكِّد في هذه الجزئية على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بدعًا من الرسل، بل جاء بما جاءت به الديانات السماوية السابقة من عبادة إله واحد([3])، إلا أنه يصرح أن اليهودية قد انحرفت فتمسَّكت بعرقية معينة، وأما النصرانية فقد تمسَّكت بعباءة الكنيسة.

وفي الجزء الأخير من الفصل الأوّل أكَّد على أن الإسلام عقيدة وعبادة، وأن وحدة الإيمان سببٌ جوهريّ في وجود الجماعة في هذه الأمة، ثم بدأ يسرد تاريخ الإسلام بشكل موجز، فذكر تدوين القرآن، ثم تدوين السنة، وتوالي الفتوحات وانتشار الإسلام، وأكد على نقطة مهمة وهي أن الشعوب التي يفتح بلادها المسلمون كانوا ينظرون إلى المسلمينَ على أنهم محرِّرون لا فاتحون -أي: لا غازون-، فالإسلام قد حرَّر تلك الشعوب من كثير من الأمور التي كانت تفرض عليهم دون إرادتهم، والإسلام استرجع حرِّيتهم.

ومن الأشياء المهمة التي ذكَرها في هذا الفصل: الفتنة الأولى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وكيف أسهمت هذه الفتنة في نشوء أول فرقةٍ متطرفةٍ في الإسلام وهي الخوارج، لكنه يؤكِّد على أنَّ الخوارج كانت فرقة أقليَّةً لا تمثّل السلفية، وكانت بعيدة عن الغالبية السنية.

وبما أن ظهور الفرق -بدءًا بالخوارج ثم الشيعة- منعطفٌ مهمٌّ في التاريخ الإسلامي فقد تحدَّث عنه في الفصل الثاني الذي عنونه بـ: توطيد أركان السلفية.

عرض المؤلِّفُ في هذا الفصل جملةً من الأفكار تدور حول الأغلبية السلفيِّة، وأن الفرق التي خرجت كانت تمثل أقلِّيَّةً بالنسبة إلى السلفية، وقد ذكر الانفصال الشيعي السياسي عن الأُمويِّين وبروز دورهم، ثم سقوط الأمويين وانتخاب العباسيين، ومع هذا الانفصال والدور الذي أدته الشيعة، إلا أن السلفية وطَّدت أركانها خاصة بعد صياغة الفقه الإسلامي على يد أربعةٍ من كبار علماء الإسلام وهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله. وفي هذا الفصل تحدَّث كثيرًا على القانون الإسلامي، وأن الإسلام دين ودولة، ولا يمكن فصلهما عن بعض؛ لما تقتضيه طبيعة الدين الإسلامي، كما تحدَّث عن الجهاد، وأنه حقٌّ موكول إلى الإمام الشرعي.

بعد أن بيَّن توطيد أركان السلفية ذكر في الفصل الثالث صمودها، وقد ركَّز في هذا الفصل على الحديث عن الجانب التوفيقي بين الإصلاح والتقدّم وبين التمسك بالأصول والتشريع الإسلامي الخالص، ولم تكن السلفية تتنازل عن إيمانها وعقائدها بحجة التحضًّر والتَّعصرُن كما تفعله طوائف كثيرة، بل دافعت عن عقيدتها الصحيحة بالوقوف ضدَّ الحركات الانفصالية عن الفكر القويم، فجادلتها وحاججتها، ومن أكثر من عرف بذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وذكر المؤلف نقطة جديرةً بالتأمل والتفكر، فقد ذكر أن المستشرقين قد شنَّوا هجومًا على أحمد بن حنبل وظلموه، واقتربوا أكثر إلى الأشعرية؛ لاعتقادهم أنهم سيجدون فيها بعض المقاربات مع الفكر الغربي([4]).

كما ذكر نقطةً أخرى مهمّة جدًّا تبيّن حجم الغلَط الذي يمارسه بعض الطوائف ضد السلفية حينما تصفها بالاضطهاد مقابل إقرار الحق الذي تعتقده، فإن المؤلف يؤكد على أنَّ المعتزلة حين استتبَّ لها الأمر في بعض السنوات أبدت توحُّشًا عنيفًا لكلِّ من يقف ضدَّ فكرها، ومارست تعصّبًا شديدًا وقمعًا لا رحمةَ فيه([5]).

تحدَّث بعد ذلك عن السلفية على مرِّ التاريخ حتى دخول الحملات الصليبية، حيث توقَّف قليلًا عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذكر بعض فضائله والتي من أهمِّها: وقوفه ضد الحملات الصليبيَّة، وكانَ له الفضل بعد الله في عددٍ من الانتصارات.

وختم هذا الفصل ببيان التاريخ المعاصر والخلافة العثمانية، وذَكَرَ أنها قد حجَّمت منَ السلفية، ففي عصرها مُنيت السلفية بالجمود حسبما أرادت الدولة العثمانية، مع أنَّها هي لم تكن قادرة على إعادة الإسلام إلى ديناميته الخاصة، فسرى الجمود إلى كافة المسلمين في تلك العصور بعد تحجيم نفوذ السلفية.

القسم الثاني: الشيخ محمد بن عبد الوهاب (أصول الإصلاح):

بعدَ أن ذكر المؤلفُ نبذةً عن السلفية بدءًا بظهور الإسلام إلى الدولة العثمانية أراد أن يضع يدَه في هذا القسم على السلفية المعاصرة من القرن الثامن عشر الميلادي، فبدأ الفصل الأول بعنوان: الإسلام في القرن الثامن عشر.

في هذا الفصل ذكَرَ انتشار الوثنيَّة في البلاد الإسلامية عمومًا، وأن الجمود قد سرى في فكرِ الأمة بحيث لم تعد تفكِّر وتسعى إلى إصلاحات عقدية فكرية جذرية، وقد تناول منطقة نجد بالبحث في هذا الفصل، وبيَّن انتشار الشرك والخرافات والشعائر الوثنية فيها، وكل ذلك تمهيدًا للفصل القادم عن المجدِّد الذي قام في هذه المنطقة، فانتشل الفكر السَّلفي من دركات الجمود، وانتفَضَ أمام هذه الوثنيات الرابضةِ في قلب الدول الإسلامية.

وعنون للفصل الثاني بـ: الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

تحدَّث فيه عن حياته بشكل عامّ، وعن بدء دعوته الإصلاحية التصحيحية، وعن تحالفه مع الإمام محمد بن سعود، وقد نبَّه على نقطةٍ بالغة الأهمية وهي أن هذه الدولة لم تُسَمِّ نفسها يومًا بالوهابية، وإنما سمَّاها بذلك الرَّحالة والمسافرون الغربيون والأتراك العثمانيون الذين لم يرُق لهم ظهورُ دولة قوية تقوم على التوحيد!

وجوهرُ هذا الفصل هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث أفاض في الحديث عن فكره، وركَّز على نقطتين مهمَّتين:

1- أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يَرْضَ يومًا بإدخالِ تجديدات على العقيدة والعبادة حيث إنهما توقيفيان، وكان لبُّ دعوته هو تنقية هذين الاثنين من الشوائب التي دخلت عليهما، فأراد إرجاع الأمة في هذين الموضوعين إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأكَّد على أنه لم يأت بمذهبٍ جديد، وإنما طالب بالرجوع إلى الأصول المتَّفق عليها في عهد النبي صلى الله عليه وأصحابه، أما فيما عدا هذين فقد كان مرنًا فيه.

2- رميُ الشيخ محمد بن عبد الوهاب -ومن ثم أتباعه- بالإرهاب والتطرُّف، وينفي هذا عن الشيخ ويقول فيه: “وُصِف الوهابيون بأنهم شديدو التعصّب، ينشرون المساوئ والموت والدمار ضد من يعدُّونهم كفارًا، وهذا التصور غير موجودٍ في كتابات محمد بن عبد الوهاب”([6]). ثم بدأ يسرد مفهوم الشيخ حول التكفير والجهاد، وأنه لم يكن مُكفرًا، بل داعيًا، ولا سافكًا للدماء، بل داعيًا إلى السلم تارةً، ومدافعًا عن نفسه أخرى، وتلك شهادة من رجلٍ غير تابعٍ للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهي رسالةٌ إلى كل من يطعن في تاريخَيِ الإمامين ابن بشر وابن غنام بأنهما تاريخان مزوَّران؛ لأن كاتبيهما من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فهذه سيرة مكتوبةٌ من رجل لم يلق الشيخ، ولم ينضوِ يومًا تحت لوائه، ولا يهمّه إلا عرض الحقائق كما توصَّل إليها.

لمَّا انتهى من عرض دعوته في حياته عرج على انتشارِ دعوته، فعنون الفصل الثالث بذلك.

وفي هذا الفصل تحدَّث عن الدَّولة السعودية الأولى والثانية، ورجع يكرر ويؤكِّد على ما أكده سابقا من انتفاء العنف وسفك الدماء من فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك من الدولة التي قامت على دعوته، كما أكَّد مرة أخرى على أن السلفية امتداد طبيعي لما كان عليه النبي صلى الله عليه وأصحابه، وقبل أن يدخل في صلب الموضوع الذي يريدُ التحدّث عنه عرج مرة أخرى إلى تسمية الوهابية وتداعياتها، وأنَّ لها حمولةً دعائية مغرِضة ضدَّ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حتى يومنا هذا، وقد كانَ للدنماركي “كارستن نيبور” دورٌ بارزٌ في ترسيخ هذا الاسم، وذلك أنه كتب عن الدعوة بما تناهى إلى سمعه، دون أن يزور نجدا أو يلقى أتباع الدعوة، فشنَّع في كتاباته على الدعوة، ثم تلقَّفها كثير من النُّخب الغربية والمعنيون بدراسة الحالة الإسلامية عمومًا والعربية خصوصًا، فإنهم قد اعتمدوا على كتاباته دون تمحيصٍ أو تحقيق.

بعد أن نفى هذه التهمَة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه ذكر ما لهذه الدعوة من آثارٍ على العالم الإسلامي كله، فتحدَّث عن أن الدعوة كانت ملهِمة لتياراتٍ كبرى سعت إلى الإصلاح، وكانت تلك التيارات في أفريقيا في جنوبي الصحراء الإفريقية الكبرى، وفي شمال أفريقيا، والهند والعراق والمغرب وغيرها من البُلدان، وتحدَّث باستفاضة عن أصحاب تلك الدعوات الإصلاحية.

القسم الثالث: السلفية وتحديات العالم المعاصر:

بعد أن انتهى من العرض التاريخي وبيان السلفيَّة المعاصرة التي رجعت على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب أراد أن ينظر إلى مستقبل السلفية من خلال المعطيات الموجودة على أرض الواقع، فبدأ هذا القسم بالفصل الأول الذي عنون له بـ: من إصلاح القرن التاسع عشر إلى إلغاء الخلافة.

تحدَّث في هذا الفصل عن النهضة المتهالكة عند العرب في هذه القرون المتأخرة؛ لأن ثمَّة جمودًا أورثته أوضاعٌ سياسية وتخمة بيروقراطية، ثم بدأ يتحدَّث عن محاولة النهوض، ويجبُ أن نقف وقفةً مهمًة في هذا الفصل، وهي أنَّ المؤلف حرص على ذكر كل من كانت له محاولاتٌ إصلاحية بغضِّ النظر عن مدى قربه من السلفية أو بعده عنها، والمؤلف في الحقيقة أراد أن يبرهن على استمرارية محاولات الإصلاح بعد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ممَّن سار على السلفية، إلا أنه قد جانبه الصواب في عدد من الأسماء التي يدور حولها جدلٌ واسع من جهة المضامين التي يدعون إليها، وكثيرٌ من هذه الأسماء تحمل أفكارًا تغريبيّة وإن كانت أقلَّ حدَّة ممن جاء بعدهم من الحداثيين، فكثيرٌ من الأسماء التي ستَرِدُ هُنا تُقدَّم على أنها أسماء إصلاحية تجديدية، إلا أن حولها جدلًا كبيرًا كما بيَّنَّا، وليس الغرض هنا تفصيل الملاحظات التي عليهم، وإنما سنشير إشاراتٍ يسيرة، وكان مهمًّا أن نقف هذه الوقفة قبل أن نبين مضمون هذا الفصل.

في هذا الفصل تحدَّث عن محاولات النهضة مع رفاعة الطهطاوي الذي كان على طليعة من حاول الإصلاح في العالم العربي، ومعروفٌ أن الطهطاوي الذي ذهب إلى باريس وعاش هناك فترة من الزمن لا شكَّ أنه كانت له مساهمات في التربية والتعليم، إلا أنَّ الحضارة الغربية قد أثرت فيه، فكان هو باذر البذور الأولى للدعوة إلى تحرير المرأة بما يتوافق مع القيم الغربية([7]) ، ثم تحدَّث عن جمال الدين الأفغاني ووصفه بأنه قائد العودة إلى ما كان عليه السلف، وهو الآخر لم يسلم من جدَلٍ طويل حوله، وحول تشيّعه وانتمائه للماسونية، والأهم من ذلك دعوته إلى تقارب الأديان بما يلغي خصوصيّة الإسلام بإصابة الحقّ الكامل، كذلك تحدَّث عن محمد عبده ورشيد رضا ثمّ عبد الرحمن الكواكبي الذي عدَّه المُسهِمَ الأول في الرَّبط بين المذهب الإصلاحي الإسلامي والقومية العربية، ولا بدَّ أن نقف هنا وقفةً مهمةً أخرى في عد الكواكبي إصلاحيًّا إسلاميًّا دون التطرّق إلى صفحات أخرى سوداء من فكره! فالكواكبي كان قد أسَّسَ هجومًا مُقنَّنًا على السلطة الحاكمة خاصَّة في صحيفة الشهباء، ثم وضع كتابه “طبائع الاستبداد” والذي فيه -مما يؤاخذ عليه- تأليبٌ كبير على الحاكم على خلاف منهج السلف الصالح، كما أنه من أوائل من نادى صراحة بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة، وبعد ذكر مجموعةٍ من هؤلاء الذين يراهم إصلاحيين ختم الفصل بذكر المبادئ التي تجمع المذهب الإصلاحي من وجهة نظره، وهي: (التربية – الاجتهاد – وحدة المسلمين – التضامن).

الفصل الثاني: من الدين الى الإيدلوجيا:

بعد أن رسمَ طريق الإصلاح -والذي ذكر فيه مجموعة من الإصلاحيين من وجهة نظره- بدأ يتحدَّثُ عن السلفيَّة المعاصرة وما يميِّزها، فبدأ بالحديث عن المملكة العربية السعودية في الوقت الذي وجد فيه السلفيون أنفسهُم بين وجهين:

الأول: غربٌ متغطرس إمبريالي يدعم الحركة الصهيونية.

والثاني: جماعاتٌ إسلامية ثورية.

وفي هذا الوقت تحديدًا ظهر على السطح مرة أخرى قضية فصل الدين عن الدولة، ومع ذوبان كثير من الناس في الحضور الغربي الطاغي بسبب الانتصارات التي حققها بعد الحرب العالمية الثانية والضعف الذي كانت عليه الدول الإسلامية، كانت السلفية صامدةً أمام هذا المد التغريبي، ويرى المؤلف أن السَّلفية هي الوحيدة بين طرفين، والتي حاولت مراعاة التطور ومواكبته مع البقاء على الذَّات والحفاظ على الهوية، فطوَّعت الفقه بما لا يتنافى مع أصول الشريعة، وذلك من أجل تغطية كثير من أحداث الواقع المعاصر.

ثم عرج المؤلف على واحدة من أهم القضايا التي عالجها الكتاب وهي قضية التطرُّف والإرهاب، بدأ في البحث عن أصول الإرهاب في العالم الإسلامي، بعد أن نفى ذلك مرارًا عن الفكر السلفي، فتحدَّث في بادئ الأمر عن الإخوان المسلمين وبعض رموزه كحسن البناء وسيد قطب، وذكر أن الجماعة قد نجحت في استقطاب الجماهير؛ لأنها خاطبَت الجماهير دون النُّخب، وجعلت شعارها: “الإسلام هو الحلّ”، ثم طرح السؤال الأهم: هل كانت حركة الإخوان مصدرَ التيارات الراديكالية والمتطرفة؟

قبل أن يجيبَ عن هذا السؤال نؤكِّد على نقطة مهمة كرَّرها عدَّة مرات، وهي أن الرؤوس الإخوانية لم تكن عالمةً، ولم تكن متخصِّصةً في العلم الشرعي، وذكر ذلك عن البنا وسيد قطب والهضيبي، وأهمية هذه النقطة تكمن في أن الانحرافات التي وقعت فيما بعدُ كان لعدم التخصّص دورٌ كبيرٌ فيها.

أما للإجابة عن هذا السؤال فقد بدأ بتمهيد بسيطٍ بالحديث عن حسن البنَّا، وبين أنه لم يرد الثورة، إلا أن الخلاف الكبير بينه وبين السلفية هو العمل السياسي، ومن الأمور التي أحدثها دون أن يعي خطورتها: أن أحدث جناحًا سريًّا مسلحًا؛ لكنه فقد السيطرة على هذا الجناح وشكَّل نواة جماعات متطرفة خرجت لاحقًا.

وبعد الحديث عن حسن البنا تحدَّث عن سيِّد قطب، وركز على أنه لم يكن متخصِّصًا في الشريعة، ولم يكن يعرف شيئًا عن الإخوان، وكانت أوائل إصداراته قصائد غزلية ونصوص أدبية ذات نفحَة ليبرالية، لكن بدأت حياته بالانقلاب بعد سفره إلى أمريكا وانصدامه بواقع الليبرالية وحقيقة الثقافة الرأسمالية المادية، فرجع وانتمى للإخوان، وصار رئيس تحرير المجلة الأسبوعية للإخوان، وقد اعتمد على نفس الفكر الثوري، وحتى قراءته للقرآن كانت قراءة ثورية في الظلال دون أي اعتمادٍ على الأحاديث، وكان تموضُعه في البُعد الثوري أكثر بعد السجن، وحاول إضفاء شرعية على نظرياته تلك، ويُعدُّ كتابه “معالم في الطريق” و “لماذا أعدموني؟” مختصر للتيار الثوري، وهو نقيض للمذهب السلفي.

وبعد هذا العرض لا زلنا لم نصل إلى الإجابة عن السؤال المطروح وهو: هل حركة الإخوان وقود لحركات التطرف؟ كان ما سبق هو تمهيد للإجابة عن هذا السؤال، والذي أجاب عنه في الفصل الثالث الذي عنون له بــ: مستقبل السلفية، لكن الإجابة بإيجاز هي: نعم، كان الفكر الإخواني وقودًا للحركات المتطرِّفة، وهو ما سيفصِّله في الفصل القادم.

الفصل الثالث: مستقبل السلفية:

في هذا الفصل تحدَّث عن حال الأمَّة بعد حرب إسرائيل عام 1967م، وركز على حال المملكة العربية السعودية وتنامي نفوذها بفضل الإصلاحات السياسية والاجتماعية، إلا أنه كان هناك سببان رئيسيان لنشوءِ الجماعات المتطرفة في هذه الفترة وهما:

1- الثورةُ الخُمينيَّة وقيام دولة إيران على أصول تلك الثورة، وقد أثرت هذه الثورة في عدد من النخب الفكرية السنية، وانخدع بعض أهل السنَّة بها رغم أن الخميني كان فكره ضيِّقًا ومتعصبًا لنوعٍ من خصوصيةٍ شيعية مرتبطة بالقومية الفارسية، ومع سوء الفهم أو قوة الحضور، وفي حومة هذه الظروف انتشرت أيديولوجيا ثورية مُنشقَّة عن السنة، كما أن إعلان إيران رغبتها في ضمِّ دولٍ عربية عديدة فتح الباب أمام إرهابيين مدعومين إيرانيا باعتداءات دموية ضد العرب، وكانت ردة الفعل المعاكسة لهذا الإرهاب هو نشوء جماعات متطرفةٍ انشقت عن الطريق الحق.

2- الإخوان، ويؤكد على هذا المؤلف ببيانِ أنَّ هذه الفرق وإن كان بعضها نشأ كردة فعل للإرهاب الإيراني؛ إلا أنَّ المرجع الأيديولوجي لهم هو كتابات سيد قطب، وقد شكَّلت كتاباته مرجعًا لكل الثوار المتطرفين، كما ظهرت شخصيات إخوانية عديدة تؤكد هذا الفكر من أمثال صالح سرية، ومصطفى شكري، وعبد السلام فرج، وممن تأثر بهم أسامة بن لادن، ويؤكدُ المؤلف على أنه لم يكن وهابيًّا قطّ، وإنما تأثر بأيديولوجيات القطبيين.

هذه الحركات المُتطرِّفة الناشئة -والتي تنسب زورًا إلى السلفية- قد أقامت عداءً ضد السلفية لا علاقةَ تواصل، وهي قد أضرَّت بالمشروع الإسلامي ككل؛ مما لا يدع مجالًا للشك في خطأ نسبة التطرُّفِ إلى الإسلام، وكثيرٌ من تلك الحركات هي حركاتٌ اجتماعيةٌ سياسيةٌ لا دينية، بل إنَّها في بعض الأحيان تنجذب إلى العلمانية الغربية، وترى الإسلام مجرد نظام سياسي ثوري! ويؤكد المؤلف مرة أخرى على أنَّها تمثل أقلِّيَّة في الوسط السني السلفي، وأن الإسلام هو أول من عانى من هذه الحركات، فلا يصح نسبتها إلى الإسلام والسلفية، كما دافع في هذا الفصل -كما في الكتاب كله – عن وصف الغرب الإسلامَ بالإرهاب.

وفي آخر الفصل ذكرَ بعض الكلمات التي قد تكون موهمةً أو ذات دلالات مشتبهة، ففصَّل الكلام حولها مثل: الأصولية، والسلفية، والجهاد، والوهابية، والإسلاموية.

الخاتمة:

ختم كتابه ببيان عبارةٍ أُطلقت وأُريد بها تشويه الإسلام وهي: “صدام الحضارات”، حيث ادَّعوا أن الإسلام مناهضٌ للغرب بكل أشكاله وتجلياته، ولا يمكن أن يرضى به كشريكٍ على الأرض، وأن الإسلام هو الوقود للتطرف العالمي؛ انطلاقًا من عدم اعترافه بوجود الآخر وأحقيته في الحياة، ويؤكِّد على أن الإسلام ليس كذلك، وأنَّ كبارَ علماء المسلمين قد نبذوا الفكر المتطرِّف، كما أن تلك الفرق لا تتغذَّى على الفكر الإسلامي، وإنما على الأوضاع الاجتماعية أو العوامل الجيوسياسية.

خلاصة الخاتمة: يؤكِّد مرارًا على أن التطرف ليس نابعًا عن السلفية، وأن الشعوب الإسلامية واعية بالقدر الذي يجعلها مقاومةً لأي هيمنة غربية مفروضة، ومطالبة بقيَمِها الخاصة ومبادئها وأخلاقها، كما شدَّد على ضرورة فهم الإسلام، ليس لأنه يشكل التهديد الأكبر؛ ولكن لأنه يشتملُ على كثيرٍ من القيم الأخلاقية التي فقدها الغرب بسبب علمانيته وماديته.

شَذراتٌ وخَطََرات:

بعدَ هذا العرض التفصيلي للكتاب نودُّ أن ننبِّه إلى أن الكتاب في مجمله جيِّدٌ، وأصاب المؤلف كثيرًا في عرض تاريخ السلفية وحقيقتها ونفي التطرف عنها، بيد أنه وقع في بعض الأخطاء اليسيرة في بعض التفاصيل التي لم يوضع الكتاب من أجلها -إلا الأول-، ولكن يحسن التنبيه عليها، وهي:

1- ذكره بعض الشخصيات ذات الجدل الواسع في انتمائهم السلفي كامتداد للسلفية الإصلاحية، وربما لم يرد المؤلف إلا ذكر النهضة الإصلاحية، وأنها استمرت على يد هؤلاء، لكنه في الحقيقة لم يبين كثيرًا من أخطائهم التي حولها نقاشات طويلة.

2- ذكر أن سور القرآن قد رتِّبت حسب طولها ثم أعيدت وفق التسلسل الزمني، وهذا غير صحيح([8]).

3- حين تحدَّث عن علي ومعاوية رضي الله عنهما ذكر أن الخلاف بينهما قد أذكى أحقادًا عشائرية، وصراعات قديمة على النفوذ؛ إذ إن بني أمية كانوا الخصم لبني هاشم، وهذه الصراعات القديمة كان لها الأثر في القتال([9])، ولكن لا يظنّ بصحابيَّين جليلين أن يكون الباعث على اقتتالهما هي صراعات قديمة، وإنما اجتهادات خاطئة.

4- في سبب ترجيح كفَّة معاوية يذكر أن ممثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قد خانه([10])، وهذا غير صحيح، فلم تصدر خيانة من الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري، وما يروى في قصة عزله لعلي بن أبي طالب وخديعة عمرو بن العاص له فيه أغلاطٌ كثيرة لا تصح.

5- مفهومه عن الصُّوفية فيه الكثير من الخطأ، فهو يرى أن التصوف والطرق الصوفية كلها سلفيَّة إلا الحلول، ولبيان ذلك عرَّف بالصوفية([11])، ثم عرض جملةً من الطرق الصوفية في أثناء الكتاب، وكلها يؤكِّد أنها سلفية، ومنها القادرية، ويصفها بأنها الطريقة السلفية الكبرى([12])، كما يتحدث عن النقشبندية والتيجانية، والصحيح أن الطرق الصوفية ليست من السلفية في شيء، وكثيرٌ من طرقها في العبادة مبتدَعَة ومناقضة للمنهج السلفي([13]).

أخيرًا:

هذا الكتابُ من الكتبِ التي تعزِّز الثقة بالمنهجِ السلفي الصحيح، وتبني أواصر المحبَّة بين الناس وبين رموزِ السلفية كالشيخ محمد بن عبد الوهاب، والذي وُوجه بعداءات عديدةٍ وتشويهات كثيرة، كما أنه بمتانته العلميَّة وعرضه التاريخي يُعدُّ من أقوى الردود على المشكِّكين في إقامة حياة صالحةٍ وفق المنهج السلفي القويم، وتحقيق الأمن والأمان والرخاء للبلاد الإسلامية بتبنِّيه، كما أنه ردٌّ قوي على من يرى أن الحضارة لا يمكن أن تُبنى على أعتاب السلفية، وأنه يجب التخلُّص منها حتى يستطيع الفكر الإسلامي الانعتاق عن الماضي للبحث عن الحاضر والمستقبل! فقد بيَّن المؤلف أن السلفية لم تقف يومًا حجر عثرة أمامَ التقدُّم الحضاري، بل هي التي أسهمت في بلوغ الأمة الإسلامية ذروة الحضارة في عصرٍ من العصور، وهي القادرة على إعادة ذلك المجد وتلك الحضارة؛ لتبقى الدول الإسلامية فاعلة مشاركة في بناء الحضارات الإنسانية النافعة.

وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) نقله عنه كتاب “الإسلام مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب” (ص: 15).

([2]) يبينه هنري كوبان في مقدمة الكتاب (ص: 13).

([3]) من الضروري التنبه هنا على أن قصده هو أن الأديان الثلاثة تدعو إلى إله واحد، بغضّ النظر عن التحريفات التي طرأت فغيِّرت من معالم هذا الإله وخاصة في النصرانية.

([4]) أبدى هذا التقارب “جولدزيهير” وشنع على الإمام أحمد، ثم تبعه العديد من المعاصرين. انظر الكتاب المعرَّف به (ص: 146).

([5]) وهذا يظهر جليًّا في فتنة القول بخلق القرآن.

([6]) (ص: 264- 265).

([7]) انظر مثلا: الإسلام والحضارة الغربية لمحمد محمد حسين (ص: 19- 40).

([8]) انظر: (ص: 70).

([9]) انظر (ص: 81).

([10]) انظر (ص: 81).

([11]) انظر (ص: 165).

([12]) انظر (ص: 323).

([13]) انظر على سبيل المثال كتاب: “الطرق الصوفية: نشأتها وعقائها وآثارها” لعبد الله بن دجين السهلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

تذكير المسلمين بخطورة القتال في جيوش الكافرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: من المعلومِ أنّ موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين من أعظم أصول الإيمان ولوازمه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ‌وَلِيُّكُمُ ‌ٱللَّهُ ‌وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [المائدة: 55]، وقال تعالى: ﴿‌لَّا ‌يَتَّخِذِ ‌ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةۗ […]

ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ […]

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017