الأزمة الدستورية في الحضارةِ الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
معلومات الكتاب:
العنوان: الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي.
المؤلف: الدكتور محمد المختار الشنقيطي.
الناشر: منتدى العلاقات العربية الدولية.
تقديم: الدكتور راشد الغنوشي.
عدد الصفحات: 608 صفحة.
محتوى الكتاب:
يتكون الكتاب من:
مقدمة: بعنوان: (سيف الإمامة المسلول).
تحدَّث فيها المؤلِّف عن فكرة الكتاب، وذكر خطَّته البحثيَّة، والتي هي عبارة عن مدخل تمهيدي، وثلاثة أقسام:
القسم الأول: التأمر في الأمير: أمهات القيم السياسية.
القسم الثاني: التأمر عن غير إمرة: أعباء الزمان والمكان.
القسم الثالث: الخروج من فقه الضرورات: إمكان الزمان الجديد.
وتحت كلِّ قسم من هذه الأقسام فصلان، وتحت كلِّ فصلٍ عناوين فرعيّة، لكن هذه الفصول رقمها المؤلف ترقيمًا تسلسليًّا؛ فبدل أن يقول: الفصل الأول من القسم الثاني، تجده يقول: الفصل الثالث؛ تبعًا لما مضى من الفصلين في القسم الأول.
فتحدث في القسم الأول -الذي هو بعنوان: التأمر في الأمير- عن أمهات القيم السياسية.
وكان الفصل الأول من هذا القسم الأول بعنوان: قيم البناء السياسي، تحدث فيه عن قيم البناء السياسي، وحصرها في ست عشرة قيمة هي: “الشورى، والعدل، والمساواة، والحرية، والطاعة، والأخوة، والبيعة، والوحدة، والمسؤولية، والمحاسبة، وسيادة الشرع، وسيادة الأمة، والحقوق السياسية، والتكافل الاجتماعي، والتكامل بين الشؤون الدينية والدنيوية، والاستعانة بالأقوياء الأمناء”([1]). ثم تحدث بالتفصيل عن هذه القيم وعن حضورها وذكرها في كتب الباحثين الإسلاميّين، وعن تفاوتها في القوة والحضور. وحسب استقرائه فإن الحرية كانت هي الأقلَّ حضورًا نظرًا لأنها ذكرها ستَّة مؤلفين من أصل خمسة وعشرين مؤلّفا([2]).
واعتبر الكاتب أن أمّ القيم السياسية هي الشورى في بناء السلطة، وفسر هذه الأهمية بأن الشورى تضمن أن يكونَ الحكم تابعًا لإرادة المحكومين، وتجعل الشرعية السياسة بيد الشعب، وهذا ما يضمن البناء على أساس أخلاقي([3]).
كما تحدَّث عن هدم الوثنية السياسيّة المتمثِّلة في عبادة المحكومين للحاكم، وأتى بالأحاديث المحرِّمة لتأليه الحاكم وبيَّنها وعلَّق عليها، وبنى على ذلك عدَّة قضايا منها: أهمّية العدل والفضل، وشهادة النصوص بذلك، كما انتقد الفكر السلفي في تمسكه بالتراتبية الاجتماعية في الفقه السياسي، والتي من بينها تمييز المرأة عن الرجل في الأداء السياسيّ، واستشهد لذلك بترجيح رشيد رضا من خلال قصَّة ملكة سبأ، واعتبر ترجيح رشيد رضا سديدًا([4]).
واستدل لذلك بحضور النساء البيعةَ ومشاركتهن فيها، واعتبر أن استناد السلفيين للإجماع العملي في عدم تولية النساء هو استدلال بالتاريخ وليس بالشرع([5])، ونفس القول قاله في نفي شرط القرشية في الإمامة([6]).
وقد ركَّز في هذا الفصل على قيَم البناء السياسي وتفصيلها؛ من شورى ومشاركة سياسيّة وتعددية حزبية، وقد جعل هذه الأخيرةَ تحقيقًا لمبدإ المدافعة التي ذكر الله عز وجل في كتبابه فقال: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز} [الحج: 40].
وكان عنوان الفصل الثاني من القسم الأول: قيم الأداء السياسي، وتحدث فيه عن قيم الأداء السياسي، وهي أقلّ تجريدًا من البناء السياسي، وذكر منها: الرد إلى الله ورسوله، واستشهد لهذا المعنى بالآيات والأحاديث الدالَّة عليه، وفرع على هذا المعنى -وهو الرد إلى الله ورسوله- مبدأ المساواة بين الحاكم والمحكوم في الشرع في حالة المخالفة([7]).
وأفاض في الحديث عن السواد الأعظم والتزامه، وأنه نقلٌ للحكم من يد الفرد المعصوم إلى الأمة المعصومة([8]).
كما تحدَّث عن الأخذ على يد الظالم، ومنع الرشوة والغلول، وضرورة ممارسة الشورى كفعل وليست قيمة نظرية، والسعي في النصح من طرف الحاكم والمحكوم، والرفق بالرعية، وسهولة التواصل معها، وعدم الإكراه في الدين، وإتاحة حرية المعتقد للأفراد، وعدم مصادرة آرائهم، وهو ما يعني عدم قتل المرتد كما نص عليه الكاتب في أثناء تقريره([9]).
القسم الثاني من الكتاب: التأمر عن غير إمرة، أعباء الزمان والمكان: وجعله في فصلين: الفصل الثالث، والفصل الرابع.
فتحدَّث في الفصل الثالث منه: عن الفراغ السياسي السائد في الجزيرة العربية، وكيف واجه النظام الإسلامي معضلةَ هذا الفراغ مما سبب له تعثُّرًا كبيرًا؛ لأن القيَم حين تخرج عن التجريد تزدحم وتلاقي صعوبات في التطبيق، ولم تكن هناك نماذج سابقة يمكن البناء عليها، فالجزيرة العربية تعاني فراغًا سياسيًّا، والنماذج الموجودة هي نماذج إمبراطورية؛ مما جعل المسلمين يأخذون البنية الإدارية لهذه الإمبراطوريات ورسومها السياسية([10]).
وقام بسرد تاريخيّ لحالة الفوضى التي كانت تسود المجتمعات العربية قبل الإسلام، تكلم فيها عن بعض ملوكهم وأحوالهم، واستغرق ذلك منه عدة صفحات([11])، وخلص من الحديث عن تأريخ العرب إلى أن فوضويَّتهم كانت سببًا في عدم طول عمر القيم السياسية في الدولة الإسلامية؛ إذ سرعان ما طوحت الفتن السياسية بتجربتها في عهد عثمان، حيث انتقَلت الأمة إلى مرحلة الأثرة التي شارك فيها عثمان رضي الله عنه في أواخر عهده، وقد آثر أقاربه بالأموال والولايات([12]). ويرى أن سبب الفتنة هو تأبِّي عثمان عن الاعتدال والاعتزال، وتواطُؤ بطانته معه على ذلك([13]).
ويرى الكاتب أن الصلحَ الذي أشاد به النبي صلى الله عليه وسلم هو مجرَّد صفقة ضحَّت بالشرعية السياسية لصالح الأمة، وقدوته في عدم تسميته صلحًا هو الجاحظ ومالك بن النبي([14]).
وتحدث عن صِفِّين، وعن انتصار القوة على الحقّ، والبغي على العدل، والملك على الخلافة، وادعى أن معاوية كان ساعيًا إلى السلطة فقط، وأنه هو مَن هدم النظام الإسلامي([15]).
ثم ذكر الفصل الرابع -وهو الفصل الثاني من القسم الثاني-، وكان بعنوان: كتاب الله وعهد أردشير، وتحدَّث فيه عن مزج الإمبراطورية بالنفَس القبلي العربي، وقد أسَّس لهذه الفكرة معاوية على رأي الكاتب([16]).
واعتبر -تبعًا للجابري كما صرح به- أنَّ الثقافة السياسية الإسلامية اكتسبت ثقافة الجبر والطاعة من الثقافة الفارسية الساسانية([17]). وعنوان الفصل مستقى من فكرة الجابري حول الثقافة السياسية الإسلامية، والتي شرحها في كتابه “العقل الأخلاقي العربي”([18]). وقد أشاد بالجابري في هذا الفصل كلِّه، وبتحليلاته التي يصفها بالعميقة([19]).
ورأى الكاتب كالجابري أنَّ أسباب ذبول الفكر السياسي العربي هو غياب الفكر السياسي القانوني([20])، وحمَّل الأمويِّين مسؤوليةَ غياب القيم السياسية اليونانية وإحلال القيم الساسانية مكانها، حيث يقول: “لكن الدولة الأموية لم تكن تبحَث عن مصدر يذكِّر الناس بحريتهم، بل بمصدر يذكِّرهم بسلاطينهم”([21]). ولم يستبعد الكاتب -بل أكد على- أن الدليل العملي للعباسيّين كذلك هو عهد أردشير الملك الفارسي، وقد انتقل من الدليل السياسي إلى النصّ المقدس في مرحلة متأخرة([22])؛ مما جعل الأمة تعيش وثنيةً سياسية، وجعل استخدام الدين بدلَ خدمته وتسويغ التعسف السياسي كلها دلائل على تأثير الفكر الفارسي في الأمة([23]).
القسم الثالث: الخروج من فقه الضرورات إمكان الزمان الجديد:
كان عنوان الفصل الخامس -وهو الفصل الأول من القسم الثالث-: من الفتنة إلى الثورة، وتحدث فيه عن عقلية الفقهاء تجاه الفتنة، وعن الثائرين من المؤلفين المعاصرين، بدءًا برشيد رضا ومحمَّد إقبال، ومرورا بالجابري. ويرى الكاتب أن الفقهاء سكنوا بنفس من التشاؤم بعد صِفِّين، حيث صاروا ينظِّرون لبقاء الدولة تحت سلطة القهر واستبقائها، ولم يعد هناك تنظير للشورى ولا لاستعادة الشرعية([24]).
ثم تكلَّم عما أسماه: عاقبة التضحية بالشرعية، واستدل لذلك بكثرة القتل في الملوك والأمراء؛ مما يدلّ على أنهم لم يكونوا محبوبين من الأمة([25]). وفي مقابل ذلك تكلم عن الثورات وأهميتها في محاولة استرجاع القيم، وأن الشعوب خرجت عن المعادلات الفقهية التاريخية العتيقة([26]). وقد صرَّح الكاتب بتضييقه لمعنى الثورة بحيث أنه يخرج منها الحركات التحررية ذات الطابع العسكري، ويرى أن الثورةَ هي ذلك العمل الاجتماعي المنظَّم الواضح([27]). كما تحدَّث عن مسارات الثورة، وعن أنواع الثورات المعاصرة، وعن الثورة الفرنسية وقد أسماها بالراديكالية، والثورة الإنكليزية وهي التي أسماها بالإصلاحية، ويرى أن المسار الممكن للثورات العربية هو الانقلاب العسكري وحماية الديمقراطية على نحو ما فعل الأتراك([28]).
وخلص إلى “أن خروج الحضارة الإسلامية من أزمتها الدستورية لا يكفي فيه انتصار الشعوب في ثوراتها على الحكام، فذلك شِقّ واحد في هذه المعضلة، أما الشق الثاني فيتعلَّق بهوية هذا الانتصار ومكانة الإسلام الذي يتناوله”([29]).
وقد خصَّص الفصل السادس والأخير -وهو الفصل الثاني من القسم الثالث- لهذا الموضوع، وكان بعنوان: من القيم إلى الإجراءات، وتحدَّث فيه عن طريقة تفعيل القيم الإسلامية والتحرُّر من هواجس الخصوصية المفرِطة التي تحرمهم من التفاعل مع الخبرة السياسية، وقد بشَّر بأفول العلمانيّة القهرية، وتحدَّث عن انسداد الخيار السلفيّ كذلك تبعًا لأفول العلمانية؛ لأن السلفية أسيرةُ التاريخ وليست أسيرةٌ لقيم الوحي، فالسلفيون على حدّ نظر الكاتب وتقليده للترابي مجرَّد أُسارى للتاريخ، ومنكفئون على ذواتهم، ومكتفون بها([30])، فتحتاج الأمَّة للخروج من أزمتها إلى الخروج من عباءة السلفية، ومحاولة تدوين الدساتير وكتابتها. وقد كتب جدولًا لترجمة قيم البناء السياسي المعاصرة، والتي حصرها في ستّ عشرة قيمة، وجدولًا آخر في قيم البناء السياسي، والتي حصرها في أربع عشرة قيمة، مع كل قيمة عباراتٌ يعتبرها الكاتب إجراء عمليًّا([31]).
وباقي الكتاب هو عطف على ما سبق، وتفصيل له، مع بعض الاستدراكات على السلفية في جانب الموقف من الديمقراطية ومبادئها، والموقف من أحقية الأمة في التشريع([32]). ودعا الكاتب إلى الاستفادة مما أسماه: المحفز الغربي، وخصوصًا في مجال الحريات، واستعان في ذلك بنص طويل عن رشيد رضا([33]). ومن أساليب الخروج من الأزمة التخلّص من الفقه الإمبراطوري والعدالة المزدوجة التي تميّز بين الناس في الحقوق([34])، واستبدال ذلك بفقه دولة المواطنة التي ينال الناس فيها حقوقَهم على أساس المواطنة لا غير([35]).
وخلاصة البحث: الخروج من فقهِ الضرورة إلى فقه المبدإ والجسارة، والثورة والتجربة المعاصرة الملهمة التي ينبغي أن يبنى عليها ثورات الربيع العربي، والاعتداد بها، فهي تعكس التحوّل في الثقافة الإسلامية على حدّ قول الكاتب([36]).
نقد الكتاب:
لقد بدا الكاتب في كتابه هذا أكثر أدبًا من ذي قبل مع الفقهاء ومع كتب السنة، لكن مع ذلك لم يخل الكتاب من ملاحظات تلاحَظ عليه، بعضها يخصَّ أفكاره، وبعضها يخصّ معلوماته التي يقدِّم، وإن كان الكاتب قد كشف في مقدّمته عن مشاربه التي يستقِي منها والشخصيات التي استفاد منها، وقد سردها بأسمائها وأحال إلى غيرها جملة، ومن هذه الشخصيات: “محمد إقبال، ومالك بن نبي، ومحمد عابد الجابري، وأبو يعرب المرزوقي، ورضوان السيد، وعبد الجواد ياسين، وجورج فريدريك هيجل، وأوسفالد شبينغلر، وجوهان هويزينغا، وفرانسيس فوكاياما”([37]). هذه هي الأسماء التي استفاد منها الكاتب، وصرح بها، وأحال إلى غيرها جملة، وهو وإن قيد كلامه بأن الاستفادة منها لا تعني الوفاق معها في كل شيء، إلا أن هذا القيد هو مخرج أدبيّ فقط؛ إذ محلّ الاستفادة كان على مستوى المفاهيم والآليات، وهو ما كانت له انعكاساته على النتائج والمخرجات.
وانظر في المفاهيم -مفهوم الإمكان التاريخي الذي هو أحد العناوين الرئيسية للكتاب، ومفهوم التشكل الكاذب- فكلها مفاهيم شكّلت محاور من الكتاب رئيسية، فمفهوم الإمكان التاريخي أخذه من هيجل، ومفهوم التشكّل الكاذب أخذه من شبينغلر كما صرح بذلك في المقدمة([38])، كما أخذ من المرزوقي مفهوم الحرية السياسية والحرية الدينية كمقاصد للشريعة الإسلامية، ونسب الكسروية إلى النظام الإسلامي تقليدًا للجابري([39]). وإذا نزعنا المفاهيم المستقاة من هؤلاء الباحثين فإنَّ ما يبقى من الكتاب قليل؛ لذلك لنا وقفات نقديَّة مع هذه المفاهيم وطريقة إيراد المؤلف لها، وذلك فيما يلي:
الوقفة الأولى: مفهوم الإمكان التاريخي عند هيجل وإسقاطات المؤلف:
فكرة الإمكان التاريخي عند هيجل تقوم على التفريق بين المبدأ في حالة تجريده وبين تحقُّقه في الواقع([40])، وعليه فإنَّ ثمةَ فرقًا شاسعًا بين غرس المبدأ وبين محاولة تحقُّقه في مختلف العلاقات السائدة في العالم، فالحضارة كلُّها تبدأ بإمكان معيَّن يتحقَّق بعضُه، ولا يتحقَّق البعضُ الآخر؛ نظرًا للقصور الذاتي أو قيود السياق التاريخيّ، وقد جعَل المؤلفُ هذا التفسيرَ مدخلًا لفهم ما أسماه: الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية، فالإسلام لم يتجاوز مرحلة غرس المبدأ حتى أعاقته القيودُ التاريخية، والتي منها طبيعة الإمبراطوريات المحيطة به، وبيئة النَّشأة وهي البيئة العربية([41]).
وما ادَّعاه الكاتب لا يُسلَّم؛ وذلك لوقوعه في مغالطات بعضُها تاريخيٌّ، وبعضها شرعيّ، وبعضها واقعي، أما المغالطات التاريخية فإنَّ المبدأ مع غرس النبي صلى الله عليه وسلم له قد تحقَّق في الواقع في زمنه وبعده في فترة الخلافة الراشدة، والتي لا ينازع الكاتبُ في أنها كانت تحقُّقًا عمليًّا لصورة الدولة الإسلامية المثالية، وللعلم كان أغلب أمراء هذه الخلافة ومؤسِّسوها ورعاةُ قِيَمها عَربًا، وجولةٌ واحدةٌ في كتب التاريخ التي أرَّخت للخلفاء ودوَّنت عن وُلَاتهم على الأمصار تكشفُ هذا المعنى وتؤكِّده، فالبيئة العربية لم تكن عائقًا مطلقًا في غرس القيَم، لا على مستوى تطبيقها، ولا على مستوى تصوُّرها، ولا على مستوى التسليم لها في الواقع، فقد كان أمراءُ الأجناد وأهل الحلِّ والعقد في مراحل الخلافة كلّها عربًا([42]).
أما دعواه تأثُّر الإسلام بالإمبراطوريات المعاصرة له، فهذه محضُ دعوى اعتَمد فيها الكاتب على القياس الصوريّ، فالإمبراطوريَّات المعاصرة للإسلام والتي احتكَّ بها هي الإمبراطوريَّة الفارسية والرومانية، وكلتاهما كانت إمبراطوريةً عرقيَّة، بينما كانت الخلافة الإسلامية -إن صحَّ التعبير- إمبراطورية دينية، ذات مشروع أخلاقيّ كبير، مستوعب لجميع الأديان والملل، وله القدرة الكافية لاستيعاب جميع التوجُّهات، وقد مثَّل ذلك وصايا عمر لجنوده وولاته([43]). والخلافة نفسُها لم يسبقها نموذج في الكَون يشبهها حتى يقلِّده المسلمون، بل هي مفهومة من الأوامر الشرعيَّة والنصوص الدينية([44])، وحين انتقل المسلمون من الخلافة إلى الملك لم يكن ذلك بمقتضى التأثُّر بالإمبراطوريات الموجودة، بل باعتبار أنَّ الملك حالةُ نظامٍ موجودةٌ في الشرائع، حكم بها الأنبياء وغيرهم، فكانت صورةُ الملك الدينية حاضرةً في أذهانهم، وهي ملك سليمان وملك يوسف عليهما السلام، والملك بطبيعةِ الحال ليس أفضلَ مِن الخلافة، ولم يقل بذلك أحد، لكنه أيضًا ليس أسوأَ من الديمقراطيَّة، فنفس المعضِلة التي توجَد في الملك -وهي مجيءُ غيرِ الأصلح وتوليتُه على الناس نتيجةً للوراثة- توجَد في الديمقراطية، وهي أنه قد يجيء غيرُ الأصلح -بل الأسوأ- نتيجةً لتصويت الأكثرية، هذا مع أن الأكثرية عُرضة للتأثُّر بالإعلام والمال السياسي وغير ذلك من مثالب شورى الديمقراطية، والتي يشيد بها الكاتب. ولا يفوتني أن أذكر أن لفظ الملك في القرآن وفي السُّنة لم يكن له شُحنة سلبيَّة بالحجم الذي يصوِّره الكاتب ويحطُّ عليه، فقد ورد في القرآن في معرض المدح وفي معرض المنة، قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [آل عمران: 26]، وقال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِين} [المائدة: 20].
وقد طَرِب الكاتب لمفهوم الإمكان التاريخي عند هيجل؛ لأنه يستطيع من خلاله أن يمارس إسقاطاتٍ معينةً يحتاجها، في حين إن المفهوم بحدِّ ذاته وليدُ بيئة إسلاميَّة، وبصورة أدقَّ وأكثر عمقًا، فجميع الفقهاء يفرِّقون بين الإيمان الواجب وبين القدرة عليه، ومن خلال هذا المبدأ أعطَوا تفسيرًا لكثيرٍ من القضايا، وبصورة أوضحَ من فكرة هيجل.
فالمغالطة الواقعيَّة أن محاكمةَ دولة بحجم الدولة الإسلامية إلى الدولة الحديثة القُطرية بمؤسَّساتها لا تَخلو من مجازفة؛ إذ الدولة الحديثة هي دولة قُطرية مدنيَّة يربط بين أهلها عقدٌ اجتماعيّ وضعيّ، بينما الدولة الإسلامية دولة دينيَّة، بمعنى أن نظام الحكم فيها دينيّ شرعيّ، وحقوق المواطنين تتحدَّد على ذلك الأساس، والإحالة إلى الدَّولة الحديثة جعَل بعضَ القيَم السياسيَّة الثانوية تعلو على أساس قيَم دينية أهمَّ منها، وهذا ما وقع فيه الكاتب في عدَّة مواضع من كتابهِ، يأتي لها مزيد بيان إن شاء الله.
الوقفة الثانية: الحرية مقصد من مقاصد الشريعة:
فرح الكاتب بهذا المصطَلح الذي استحدَثه المرزوقي، مع أن قيمة المرزوقي العلميَّة في العلوم الشرعية تعدُّ متواضعةً جدًّا، وتجعل آراءه أقربَ لآراء العامَّة منها إلى آراء المختصِّين التي تدمج ويتمُّ تبنِّيها، وليته فسَّر هذا المفهومَ وبيَّن وجه إضافته المعنوية على معنى العَدل وسائر القيَم الأخرى، وهل تُتصوَّر الحرية كمفهومٍ محاذٍ للعدل له دلالته الخاصَّة به؟ ودعوى الكاتب أنَّ الحريةَ مَقصد من مقاصد الشريعة يعني أنها راعَتها في الأحكام والتشريعات، وهذا ما لم يقع؛ فالتشريعات قائمةٌ على مبدأ التكليف الذي مِن مقاصده مخالفة الإنسان لهواه وتقيُّده بالشرع، وهو يناقض الحريةَ في مفهومها السائد، فالإسلام جاء بمفهوم العبودية لله، وهو مفهومٌ أوضح وأدقّ من مفهوم الحرية الذي قد يصطدِم في استخدامه المتطرِّف مع جميع القوانين والنظم، يقول الشاطبي رحمه الله: “المقصد الشرعيّ من وضع الشريعة إخراجُ المكلَّف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبدٌ لله اضطرارًا، والدليل على ذلك أمور:
أحدها: النص الصريح الدّالُّ على أن العبادَ خُلقوا للتعبُّد لله، والدخول تحتَ أمره ونهيِه، كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 56، 57]، وقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: 132]، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
ثم شرح هذه العبادة في تفاصيل السورة، كقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} إلى قوله: {وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، إلى غير ذلك من الآيات الآمرة بالعبادة على الإطلاق، وبتفاصيلها على العموم، فذلك كلُّه راجعٌ إلى الرجوع إلى الله في جميع الأحوال، والانقياد إلى أحكامه على كلِّ حال، وهو معنى التعبُّد لله”([45]).
وهذا المعنى هو الذي يضمَن العدلَ من الحاكم والمحكوم، وهو مخالفة الهوى والسعيُ إلى عبادة الله؛ ولذا تجد الآياتِ التي تأمُر الحكَّام بالعدل تربِط ذلك بمخالفة الهوى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب} [ص: 26]، “فقد حصر الأمرَ في شيئين: الوحي وهو الشريعة، والهوى، فلا ثالثَ لهما، وإذا كان كذَلك فهما متضادَّان، وحين تعيَّن الحقّ في الوحي توجَّه للهوى ضدُّه، فاتِّباع الهوى مضادٌّ للحقّ”([46]).
مقتضَى قول الكاتب بمقصدِ الحرية:
حين جعل الكاتب الحريةَ مقصدًا خلَص من خلال ذلك إلى عدَّة أمور، منها:
1- منافاة الرقِّ لروح الإسلام، وأن الإسلام قَبِلَه كحلٍّ مؤقَّتٍ في مقابل التخلُّص منه، وانتقد الفقهاء في حملهم المكاتبة في الآية على الوجوب([47]).
2- ترك المبادرات الفردية، ومنع الإكراه في الدين، والذي يعني فتح الباب لإنشاء الأحزاب السياسية غير الدينية، والسماح بحرية الاعتقاد، وإلغاء حدِّ الردَّة([48]).
3- في ضمن امتدادات الحرية قرَّر -تحت عنوان ما أسماه: “إهدار القيمة الاجتماعية”- أهميةَ توليةِ المرأة لجميع شؤون الدولة ومشاركتها في ذلك، وردَّ على منكري هذا القول، وقد أسماهم بالسلفيِّين وغالبية الفقهاء([49]).
ولم يوفَّق الكاتب في شيء مما قرَّر، وبيان ذلك فيما يلي:
1- أما قضية الرقِّ فصورته في الإسلام كالآتي: أن الإسلام منع جميع الأسباب المؤدِّية إلى الرقِّ كالدين والسطو والنهب، وحصرها في سببٍ واحد شرعيٍّ وهو الاسترقاق في حالة الحرب المشروعة بين المسلمين والكفار، وجعله خيارًا من بين خيارات متعدِّدة، وليس واحدٌ منها واجبًا بعينه، قال تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم} [محمد: 4]. “فإمام المسلمين مخيَّر في أسراه في خمسة أوجه: القتل، أو الاسترقاق، أو ضرب الجزية، أو الفداء، أو المنّ. ويترجَّح النظر في أسير أُسر بحسب حاله من إذاية المسلمين أو ضدّ ذلك”([50]). فتعليقه بالجهاد دليلٌ على أن الإسلامَ ليس قاصدًا لإلغائه كما ادَّعى الكاتب، فالجهاد من الأحكام التي لا تنسخ، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالرقِّ وعمل به أصحابه، لكن الإسلام وسَّع منافذَ العتق، وإباحتُه للرقِّ تدلُّ على أنه غير منافٍ لمقاصده من كلّ الوجوه، فالمنافي لمقاصد الإسلام هو ما حرَّمه الشرع من الأنواع الأخرى.
وأما المكاتبة فإنَّ اختلافَ الفقهاء فيها ليس راجعًا إلى الموقف من الرقِّ ولا من إنكاره، كما يوهمه سياق كلام المؤلف، بل هو راجع إلى دلالة النصِّ، وما استشهد به من فعل عمر في إلزام بعض الناس بالمكاتبة فهو سياسَة قضائيّة، وليس حكمًا شرعيًّا، فقبلَ عمر نزلت آية المكاتبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوجِب المكاتبَة على الصحابة مع وجودِ الأرقَّاء، ومن ناحية أخرى فإنَّ من قال بالوجوب لم يلغِ الشرطَ وهو أن يُعلَم فيهم خير، والخير هنا هو القدرةُ على التكسب والحرف، فإذا لم يعلم ذلك فلا قائل بالوجوب؛ لأن المكاتبة معلقة بهذا الشرط([51]).
والتعامل مع الفقهاء بنفَس استشراقي ليس من العلم في شيء؛ مما يدلُّك على أننا لو استقرأنا كلام أغلب الفقهاء القائلين بالندب لوجدنا من بينهم الموالي؛ مما يدلّك على أن القضيّة راجعة إلى النص ودلالته، ولا علاقة لها بالسياق التاريخي ولا التحيز الثقافي، خذ مثلا من القائلين بالندب: عطاء والحسن البصري، وهؤلاء من الموالي!
2- أما دعوته إلى إتاحة فرصة المشاركة للجميع، ومنع الإكراه في الدين، فهي وإن كانت مجملة إلا أن فكرَ الكاتب وسياقه وتوصياته تدلُّ على أنَّه يطالِب المسلمين إن أقامُوا دولةً أن تكونَ على غرار الدولة المعاصرة في المواطنة، وإتاحة فرصة تولِّي الحكم لكل من انتسب للدولة ولو كان على غير دينها، وهذا يحيل إلى الخلاف الذي استحدثه المعاصرون في تولية الكفار المناصب العامة.
وهو تسطيحٌ لمفهوم الدَّولة، ونزع لصفة الدينية عنها، فالمسلمون مجمِعون على عدمِ توليةِ الكافر، والعجيب أن المؤلف أشادَ بكتبِ الحديث، مع أنه لا يوجد فيها ما يشفع له، وهو في هذه الدعوى مخالفٌ للإجماع، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [المائدة: 51]. فدلَّت هذه الآية على أن الكفار بعضهم أولياء بعض، فلا يكون الكافر وليًّا للمسلم بنصِّ كتاب الله، ونهت كذلك عن تولّيهم، وأي تولٍّ أعظم من جعلهم حكّامًا على المسلمين، وجعل مصالح المسلمين تحت وطأتهم؟! وقد قال عمر رضي الله عنه: “لا تأمنوهم وقد خوَّنهم الله، ولا تقربوهم وقد أبعدَهم الله، ولا تعزُّوهم وقد أذلهم الله”([52]).
وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الطاعة بعدم الكفر، ففي حديث عبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: «إلا أن ترَوا كفرًا بواحًا، عندكم فيه منَ الله برهانٌ»([53]).
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز توليةُ الكافر على المسلمين، وممن نقل الإجماع في ذلك ابن المنذر -رحمه الله- حيث يقول: “أجمع كلُّ من يحفظ عنه من أهل العلم أنَّ الكافر لا ولايةَ له على مسلم بحال”([54]).
وفي واقعنا المعاصر ما يؤكِّد على أنَّ التساهلَ بهذا الأمر وتولية من لم يكن مؤمنًا بهوية الدولة هو تضحيَة بالهوية، ومصادرة لحقِّ الأغلية، وخيانةٌ للأمة، وغلوّ في مفهوم الديمقراطية التي يرَى الكاتبُ أنها المثال الأعلى للقيَم السياسية.
كما أكَّد الكاتب على أنَّ من معاني عدمِ الإكراه في الدين التخليَ عن حدِّ الردة، وهنا نحيله إلى فقهاء الحديث الذين أشاد بهم، وكذلك دولة الخلافة، فكلُّهم نقَل حدَّ الردة ولم ينكر تطبيقه([55]).
3- أما توليةُ المرأة ودعواه أن السلفيّين احتجّوا بالتاريخ لا بالشرع، فهو أحد المخارج اللفظية التي يخرج بها المؤلِّف نفسَه من مأزق مخالفة النصوص، فالإجماع العمليّ سببه هو الإجماع القوليّ وما شهدت به النصوص الشرعية، قال ابن حزم رحمه الله: “وجميع فرق القِبلة ليس منهم أحدٌ يجيز إمامةَ امرأة ولا إمامة صبيّ لم يبلغ، إلا الرافضة فإنها تجيز إمامة الصغير”([56]).
والدليلُ على ذلك من السنَّة حديث أبي بكرة قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيامَ الجمل بعدما كِدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهلَ فارس ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يُفلِح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأةً»([57]).
ووجه الاستدلال من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الفلاحَ عمن ولَّى المرأة، وضِدُّ الفلاح الضرر([58]).
وقال بن قدامة: “لم يولِّ النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدٌ من خلفائه ولا من بعدهم امرأةً قضاءً ولا ولايةَ بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم تخل منه جميع الأزمان”([59]).
فالقضية راجعة إلى الأدلة الشرعية، ولا يوجد عرف تاريخيٌّ يمنع من تولية المرأةِ، فقد كان أهل سبأ ولَّوا امرأةً ونطق القرآن بذلك، ووجد في العرب قبل الإسلام وبعدَه تولّي النساء، فالمانع هو النصوص الشرعية، وليست الأعراف التاريخية كما تبرع به الكاتب. أما ما استدلَّ به في بيعة النساء فهو لا ينهض؛ لأنه خلط بين الشورى والتولية.
الوقفة الثالثة: دعوى أن الطاعة مأخوذة من الفرس (الكسروية):
هذه الفكرة استقاها الكاتب -كما صرح بذلك- من الجابري، والجابري تشرَّبها من الفكر الاستشراقي([60]). فأصل الفكرة استشراقية بامتياز، جعلها الجابريّ حداثيةً، وصيَّرَها الشنقيطيُّ إسلاميةً، وهي لا وجود لها في الواقع الإسلامي، فالفقهاء ومن تكلَّموا عن الطاعة للحكام من الفقهاء كانوا ممانعين جدًّا للثقافات الأخرى، كما أن الكاتب لا يخفي ضعفَ ما ينبي عليه هذا الحكم الجائر، فهو يستدلُّ بقرائن يذكرها بلفظ القرائن، ويكتفي بوجود تشابه في الألفاظ بين كلماتٍ لبعض الأدباء وبين ما يدَّعي هو أنه عهد أردشير([61]).
والحقيقة أن هذا خلطٌ بين القيم السياسيّة التي بُنِيت عليها الدولة الإسلامية في جميع العصور، وبين القراءات الاستشراقية التي تعتمد على نفي الخصوصية الإسلامية، ومحاولة تأكيد فكرة التوفيد لجميع الإنتاج الإسلامي، ويعتمدون في ذلك على أيّ تشابه نصِّيٍّ بين فكرةٍ عند المسلمين وعند غيرهم، وهذا يشمل المقارنة بين التوراة والإنجيل والقرآن، وبين نصوص السنة وبين غيرها، فأي تشابه عندهم يُعدُّ سرقة وتركيبًا، وكلُّ ما في الأمر أن الكاتبَ خصَّص الموضوع بالجانب السياسيّ والسلطة، في حين إن الواقع التاريخي يقول: إن الموقف من الحاكم لم يكن يحتاج استفادةً من الفكر الفارسيّ، بل كانت النصوصُ الشرعية كافيةً فيه وفي تقريره، وكان الأولى بالكاتب أن يكونَ موضوعيًّا، وينسب ما أسماه الفراغَ الدستوريَّ إلى إسقاط النصوص إسقاطًا غير سليم، أو تفسيرها تفسيرًا غير مستقيم، فهذا أقرب للإمكان العلميّ منه إلى هذا التحليل الاستشراقي على الطريقة الإسلامية، فمن المعلوم أنه لم تخل دولة من الدول من فرقة إسلامية أو مذهب من المذاهب كان يسودُها ويتبنَّاه الحاكم وغالب المحكومين، وهو الذي يمثل مذهبها الرسميَّ، وقدِ اتَّسم كلُّ هؤلاء بالممانعَة في الموقفِ من الثقافاتِ الأخرى والاعتزاز بالثقافة الإسلاميَّة في تقرير العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولو أخذنا تقييمَ هذه الدّول من علماء المسلمين لوجدنا أنها لم تتَّخذ غير دين الله دينًا، ولا شرعَه شرعًا، وكانت صفة الإسلام ظاهرةً عندها، وهويته قائمة، وشرعه معظمًا، وللعلماء مقامهم وتأثيرهم المشاهد، فهذا ابن كثير يتحدَّث عن دولة بني أمية فيقول: “كانت سوق الجهاد قائمةً في بني أمية، ليس لهم شغلٌ إلا ذلك، قد علَت كلمة الإسلام في مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبها، وبرها وبحرها، وقد أذلوا الكفر وأهله، وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعبًا، لا يتوجَّه المسلمون إلى قطر من الأقطار إلا أخذوه، وكان في عساكرهم وجيوشهم في الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين، في كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه”([62]).
وحركة الترجمة وازدهارُها في العصر الأمويّ كانت دعمًا للثقافة، ولم تكن تكريسًا للفكر الساسانيّ؛ بدليل أن بني أميةَ لم يكونوا على درجة واحدةٍ، ولا ولاتهم كذلك، ففيهمُ العدول وأهل الظلم، والظلم كان يقع على سبيل الهوى والشهوة، ولم يكن يقع تحت وطأة القانون كما هو حال الحَجَّاج، وتغيَّرُ بناء السلطة من الخلافة إلى المملكة وإن كان ثلمةً في تاريخ الأمة، لكنه لم يكن نتاجًا لقراءةِ الفكر الساسانيّ كما يدَّعي المؤلف، بل سبق الاحتكاكُ بالفرس، وأشارت إليه السنّة، ولم يشمل الأحكام ولا علاقة السلطان بالأمة ومعتقدها، وكان اعتماد الدول فيه على التراث الفقهيّ ومواقف العلماء أكثر من اعتمادها على كتب الأدب، ومثل بني أمية في ذلك بنو العباس ومن جاء بعدهم، ولِمَ لا يحدِّثنا الكاتب عن الماوردي الفقيه الشافعي، وعن القاضي أبي يعلى الفقيه الحنبلي، وعن العز ابن عبد السلام الشافعيّ، وغيرهم من علماء الأمة الذين كان لهم الأثر الكبير في السياسة الشرعية والتأثير على الحكام، وهؤلاء لم يكونوا في فكرهم تبعًا لأيِّ فكرة وليدة ولا استقَوا منها.
ويُحمد للكاتب ردُّه لجانبٍ من فكرةِ الجابري، وهو أن تأليه الحاكم والغلوَّ فيه ظهر عند بعض الأدباء ذوي الخلفيَّة الشيعية، أو بعض مؤلفات الأحكام السلطانية التي لم تكن تحتكم للفقه، لكن بقي عليه أن يعلَم أنَّ الحالة الغالبة على الحكم هو التأثّر بالفقهاء وبفتاواهم، وليس بكتب الأدب.
كانت هذه هي أهمَّ الفِكَر المؤسسة للكتاب، والتي استقاها الكاتب من شخصياتٍ أجنبية على الثقافة الإسلامية، وبعضها مُعاد لها، فكان في تتبُّعها وتبيين جوانبِ الخلل فيها من الناحية الشرعية تقييمٌ للكتاب، وكشف للأسس الضعيفة التي بنى عليها المؤلف فكرته وحسنها بأسلوبه.
ملاحظات أخرى عامة على الكتاب:
أما بقية الكتاب فلا تخلو من ملاحظات تفرقت في فصول الكتاب، ويمكن إجمالها فيما يلي:
الملاحظة الأولى: الموقف من الصحابة الكرام رضي الله عنهم:
لم يكن مؤلف الكتاب موفَّقًا في موقفه من الصحابة، وذلك من خلال جعله القولَ بعدالة الصحابة مرادفًا للقول بعصمتهم، وهو ما لم يقل به أحد من علماء الأمة، ولا يفهم ذلك من تعاملهم مع أقوال الصحابة من قريب ولا من بعيد. وقد حطَّ المؤلف على معاوية رضي الله عنه، ووصفَه باتباع الهوى، واتهمه في نيته، وزكى قولَ هشام جعيط فيه([63]). والعجيب أنه حاول في نفس السياق إقحامَ ابن تيمية معه في الفكرة، مع وصفه لابن تيمية بالهوى الشاميّ الأموي. وقد بتر بعضَ العبارات من النص ليستقيم له ما يريد، وهذا هو النص نضعه بين يدي القارئ:
فالعبارة التي حذَف ليستقيم له كلام ابن تيمية فيما يريد هذا نصها: “وإن كان معاوية معذورًا في كونه لم يقتل قتَلَة عثمان؛ إما لعجزه عن ذلك، أو لما يُفضي إليه ذلك من الفتنة وتفريق الكلمة وضعف سلطانه”([64]). فانظر -أخي القارئ الكريم- كيف تغير المعنى بعد حذفها.
الملاحظة الثانية: التهكّم بعام الجماعة:
سمَّى المؤلف ما وقع في عام الجماعة بالصفقة، وضرب باجتهاد الصحابة عُرض الحائط، وبإشادة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الصّلح كذلك، وسمَّاها صفقةً، ولم يجد من مناصرٍ له إلا الجاحظ الذي استدلَّ بكلامه في أن هذا العام عام جماعة، فقال: بل هو عام فُرقة وقَهر واستيلاء واستلاب… إلى آخر العبارة التي نقل عن الجاحظ([65]).
وموقف الكاتب من عام الجماعة يظهر فيه الهوى المحض، فهو في تأكيده على وجود الفِقه الساسانيّ في السياسة الشرعية كان دليلُه الأعظم هو الجاحظ ونقله من كتب فارس وإدخالها على الأمة، والجاحظ اليومَ هو دليلُه على التمسُّك بالشرعية ورفض سلطان القهر حين تعلَّق الأمر بالصحابة والموقف من الصلح وما أسماه المؤلف: تضحية بالشرعية.
ووقفةٌ يسيرة مع عام الجماعة تكشِف مدى المغالطة التي وقَع فيها الكاتب؛ فهذا الصلح كان نبوءَة من النبي صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري من حديث أبي بكرة: «إن ابني هذا سيِّد؛ ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»([66])، فصدقت نبوَّة النبي صلى الله عليه وسلم في ابنِه، فسمَّاه الناس عامَ الجماعة، وأجمعوا على تصويب ما وقع([67]).
وحين نرجع إلى الشريعة وإلى نصوصِها نجد أن الصلحَ مقدَّم على العدلِ، وخصوصًا بين المسلمين، ويدل على ذلك مدح النبي صلى الله عليه وسلم لهذا التصرّف، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسَن بهذا الصلح الذي كان على يديه، وسماه سيِّدًا بذلك؛ لأجل أن ما فعله الحسن يحبّه الله ورسوله، ويرضاه الله ورسوله. ولو كان الاقتتال الذي حصَل بين المسلمين هو الذي أمر الله به ورسوله لم يكن الأمر كذلك؛ بل يكون الحسن قد ترك الواجب، أو الأحبَّ إلى الله، وهذا النصُّ الصحيح الصريح يبيِّن أن ما فعله الحسن محمود مرضيٌّ لله ورسوله”([68]).
الملاحظة الثالثة: تضخيم أعداد المشاركين في الفتنة من الصَّحابة:
ادَّعى الكاتب أنَّه لم يعتزل الفتنةَ إلا ثلةٌ قليلة من الصحابة، بينما كان الغالبية مشاركين فيها([69])، واعتمد في بعضِ ما نقل على فؤاد جبالي كما صرَّح بذلك([70]). وهذه المعلومة غلَط، ومصدرها ليس بموثوقٍ؛ لأنه لم يتَّبع القواعد العلمية المقرَّرة في التاريخ الإسلامي من تتبُّع الأسانيد والتحُّقق من الروايات، فكلُّ من ذَكر لا يساوون شيئًا في مقابل من خالفهم من أهل الحديث والأثر والمعتنِين بأخبار الصحابة مع قرب عهدهم، ودونك أقوال الثقاتِ في عددِ المشاركين في الفتنة وحقيقة حجمهم، يقول محمد بن سيرين رحمه الله: “هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرةُ آلاف، فما خفَّ فيها منهم مائةٌ، لا يبلغون ثلاثين”([71])، وقال الشعبي رحمه الله: “لم يشهد الجملَ من أصحاب النبي عليه السلام غير عليّ وعمار وطلحة والزبير، فإن جاوزوا بخامِس فأنا كذَّاب”([72]).
الملاحظة الرابعة: الإشادة بكلِّ الثَّورات:
من الملاحظاتِ على الكتاب إشادتُه بكل ما أسماه ثورة حتى ولو أثبت الواقعُ فشلَها، فقد تكلَّم تحت عنوان: “ثورات استرجاع الشورى”، فأشاد بما أسماه ثورات أهل الحجاز، وذكر عبارةً للذهبي بترها من سياقها، وهي قوله: إن أهل المدينة في ثورتهم على يزيد قاموا لله([73])، مع أن الذهبيَّ ذكر معها ثورةً مَثَّل الخوارج جزءًا كبيرًا منها بقيادة نافع بن الأزرق، وقد ذكر الذهبي الأسماء تباعًا([74]).
وكان الأولى به أن يحرِّر مناطَ ما أسماه ثورة: هل كان سببه رفضَ نظام الملك، أم الظلم الذي وقع من يزيد؟ وهل كانوا يرون الشورى على نحو ما في رأس المؤلِّف؟ وحين يذكر ابن الزبير ألم يكن الأولى به أن يذكر السبَب؟ وحين أرجع ذلك إلى قرب عهدهم بالنبي صلى الله عليه وسلم فأين موقف الصحابة من القضية وخصوصًا علماءهم من المقدَّمين على ابن الزبير رضي الله عن الجميع؟
وهذه تحفةٌ نذكِّر بها الكاتب، وهي عبارة عن موقف عبد الله بن عمرو بن العاص مما فعل ابن الزبير، فقد أورد الذهبي عن سعِيد بن عمرٍو قال: أتى عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو عبد اللهِ بن الزُّبيرِ فقال: إِيّاك والإِلحادَ فِي حرمِ اللهِ، فأشهدُ لسمِعتُ رسُول اللهِ صلّى اللّهُ عليهِ وسلّم يقُولُ: «يُحِلُّها وتحِلُّ بِهِ رجُلٌ مِن قُريشٍ، لو وُزِنت ذُنوبُهُ بِذُنوبِ الثّقلينِ لوزنتها»، قال: فانظُر -يا ابن عمرٍو- لا تكونُهُ… وذكر الحدِيث([75]).
وهذا عبد الله بن عمر ابن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو من عايش الخلافة والنبوة- لم يكن فعل ابن الزبير محلّ إشادةٍ منه، فعنِ الزُّهرِيِّ، قال: أخبرنِي حمزةُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُمر: قرأ قول الله {وإِن طائِفتانِ مِن المُؤمِنِين اقتتلُوا} [الحُجُراتُ: 9]، قال: قُلتُ لأبِي: من هُم؟ قال: ابنُ الزُّبيرِ بغى على أهلِ الشّامِ. ورواهُ يُونُسُ عنِ الزُّهرِيِّ، وفِيهِ: بغى على هؤُلاءِ، ونكث عهدهُم([76]).
وما هو فاعلٌ بالإجماع الذي تسنده الأدلّة وتصدِّقه التجربة، وعليه سار المسلمون على مرّ التاريخ([77])؟ وهل يظنّ الكاتب أن دولةَ الإسلام يوم كان علماؤها يخافون الفتنةَ ويحافظون على وحدة الأمة كانت على غرار الدول الحديثة المستعمرة؟! لقد كانت الدولة الإسلامية إمبراطوريةً عظيمةً ممتدَّة من آسيا إلى إفريقيا، وكانت تعاني من تحدِّيات عظيمةٍ، ليست قضية السلطة هي أهمّها في نظر المسلمين، فلم تكن السلطة تهدِّد الهوية، ولا تبدّل الشرع، والمفاهيم المتضخّمة عند المؤلف من نحو الديمقراطية والحرية لم تكن تطغى على المفاهيم الشرعية، ومن عجائب المؤلِّف -وهو لا يلتمس مخرجًا لمعاوية في توريثه الملك لابنه- أن يكون قد دبَّج مقالًا يُثني فيه على أمير دولة عربيَّة ورَّث الحكمَ لابنه([78])، ولم يفعل ابنُه ما فعل يزيد، ولا هو مؤهَّل لذلك، ولم يكن هذا الأبُ بحجم معاويةَ أيضًا، لكن يأبى الله على أهلِ الباطل إلا أن يوقعَهم في تناقضاتٍ تكشِف مرادَهم، ومثل ذلك إشادتُه بالجابري، وقد كان مجرَّدَ أداةٍ ثقافية طيِّعة لجهاتٍ متنفِّذةٍ، وكذلك مشرِّع الانقلاب السوداني حسن الترابي، فلا أدري كيف استساغَ المؤلِّف النقلَ عن هؤلاء والإشادَة بهم، مع أنهم واقعون فيما عابَه على الفقهاءِ وعلى الأمَّة بكاملها، بل هو واقعٌ فيه. وإن تعجب فعجبٌ إشادتُه بثورات الربيع العربي وإعطاؤها صبغةً دينيّة ومعانيَ أكبر من حجم الثائرين([79]).
ومنَ المعلوم أن بعض هذه الثوراتِ العربيةَ استفاد منها الإسلاميّون، لكن عامّة من قام بها لم يكونوا إسلاميّين، ولا ساعين لاسترجاع القيم الإسلامية، وإنما كانت مطالبَ بسيطة من شباب غير مصنَّف، وتغلب عليه التوجّهات المدنيّة، ومع ذلك أصيبَت هذه الثوراتُ بنكسة، وردَّت الشعوبَ إلى الوراء، وظهرت العلمانية في الإسلاميين أنفسِهم، وتراجعت شعبيَّة الإسلاميّين سياسيًّا ودعويًّا، وانهارت دولٌ بكاملها، وشُرِّدت شعوب، ولم يتحقَّق المطوب، ولم يبقَ في أيدي الناس إلا وعودٌ من المحللين السياسيّين، لا تستند إلى شرعٍ، ولا يشهد بصدقها واقع، فهلا صارح الكاتبُ نفسه وأشادَ برأي الفقهاء في تبنِّي الإصلاح بدَل الثورة؟! فهو أطول أمدًا وأقلّ مفسدةً، أما الثورة فهي لم تعد مرادفةً إلا للطيش والاقتتال والحروب الأهلية وصمّ الآذان عن صوت الحكمة وانقسام المجتمع على نفسه.
والخلاصة: أن الكاتبَ ظهرت فيه الازدواجيَّة بشكل واضح؛ بحيث أنه صرح بمراجعِه من خارج الحلبة الإسلاميّة، وكانت مراجعه الإسلاميّة ضعيفةً ونازلة، وقد قام بعمليّة جردٍ لبعض الأحداث التاريخية، ونفخ فيها لتخدم فكرة الكتاب، والتي تعني باختصار محاكمة التاريخ الإسلامي إلى الواقع اليوم، وعدم اعتبار الفوارق، والخروج بخلاصة وهي التصالح مع قيم الثقافة الغربية، ومحاولة تهذيبها، وخصوصًا القيم السياسية، وتبني إجراءات الدولة الحديثة في تطبيق القيم.
ولم يُظهر الكاتب فرقًا ملموسًا بين الديمقراطية الحديثة والنظام الإسلامي، وما حاوله الكاتب هو دمج لمفاهيم غربية داخل المنظومة الإسلامية دون مراعاةِ الحمولة الثقافية، ووقع هذا في التوسُّع في مفهوم الشورى ومفهوم الحرية بشقَّيها الديني والسياسي، ولم يكن الكاتب منصفًا للتاريخ ولا فاهمًا للواقع، فهو يراه من زاويةٍ واحدةٍ وهي زاوية الثورة، مع الارتهان لتوجّه سياسيّ معيّن ومحاولة توجيه الأمة وفقًا له.
هذا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية (ص: 107).
([3]) المرجع السابق، نفس الصفحة.
([5]) المرجع السابق (ص: 1599).
([7]) المرجع السابق (ص: 198-200).
([8]) المرجع السابق (ص: 204-205).
([10]) المرجع السابق (ص: 261).
([11]) المرجع السابق (270-276).
([12]) المرجع السابق (ص: 280).
([13]) المرجع السابق (ص: 282).
([14]) المرجع السابق (ص: 287).
([15]) المرجع السابق (ص: 319) وما بعدها.
([16]) المرجع السابق (ص: 326).
([17]) المرجع السابق (ص: 331).
([18]) ينظر: العقل الأخلاقي العربي (ص: 630).
([19]) الأزمة الدستورية (ص: 335).
([20]) المرجع السابق (ص: 337).
([21]) المرجع السابق (ص: 338).
([22]) المرجع السابق (ص: 373، 395).
([24]) المرجع السابق (ص: 419).
([25]) المرجع السابق (ص: 440).
([26]) المرجع السابق (ص: 448).
([27]) المرجع السابق (ص: 473).
([28]) المرجع السابق (ص: 479).
([29]) المرجع السابق (ص: 481).
([30]) المرجع السابق (ص: 514).
([31]) المرجع السابق (ص: 523) وما بعدها.
([32]) المرجع السابق (ص: 532).
([33]) المرجع السابق (ص: 547).
([34]) المرجع السابق (ص: 551).
([35]) المرجع السابق (ص: 569).
([36]) المرجع السابق (ص: 587).
([37]) المرجع السابق (ص: 15-52).
([40]) هيجل العقل في التاريخ، ترجمة إمام عبد الفتاح (ص: 89).
([41]) الأزمة الدستورية (ص: 57).
([42]) ينظر: سير أعلام النبلاء، الأجزاء (5، 6، 7)، والبداية والنهاية لابن كثير، الجزأَين (10، 11).
([43]) ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (20347).
([44]) ينظر: مجموع الفتاوى (16/ 19).
([46]) المرجع السابق (2/ 291).
([47]) الأزمة الدستورية (ص: 144).
([48]) المرجع السابق (ص: 145).
([49]) المرجع السابق (ص: 157) وما بعدها.
([50]) تفسير ابن عطية (5/ 111).
([51]) ينظر: تفسير القرطبي (12/ 140).
([52]) ينظر: أحكام أهل الذمة (1/ 210).
([54]) ينظر: أحكام أهل الذمة (2/ 777).
([55]) ينظر: فتح الباري (13/ 50)، وشرح صحيح مسلم للنوي (7/ 90).
([58]) ينظر: الفقه السياسي للمرأة المسلمة، إقبال المطوع (ص: 104).
([60]) الأزمة الدستورية (ص: 393) وما بعدها.
([61]) انظر: المرجع السابق (ص: 397).
([62]) البداية والنهاية (9/ 104).
([63]) الأزمة الدستورية (ص: 294).
([65]) ينظر: الأزمة الدستورية (ص: 286).
([67]) ينظر: فتح الباري (13/ 63).
([68]) الفتاوى الكبرى (3/ 454).
([69]) الأزمة الدستورية (ص: 289).
([70]) المرجع السابق (ص: 288).
([71]) ينظر: السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 466).
([72]) ينظر: المرجع السابق (2/ 466).
([73]) الأزمة الدستورية (ص: 412).
([74]) سير أعلام النبلاء (4/ 38).
([75]) سير أعلام النبلاء (3/ 376).
([76]) ينظر: المرجع السابق (3/ 376).
([77]) ينظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (ص: 240)، والبداية والنهاية لابن كثير (14/ 58).