يومُ عاشوراء ينطِقُ بالتَّوحيد
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
المقدمة:
الإنسانُ منذ أن يبدأَ فيه الشعورُ بمن حولَه وهو في سنِّ الطفولة تثور في نفسِه تلك الأسئلة العميقة، وتُلِحّ عليه، فلا يجد مفرًّا منها، أسئلةٌ مثل: من أين أتيتُ؟ وإلى أين أسير؟ من أين جاء هذا الوجود العظيم؟ لماذا أنا موجود؟ ما الغاية التي يجب أن أحقِّقها؟ لماذا وُجِد الناس على هذه الأرض؟ وغيرها من التساؤلاتِ الكثيرةِ، والتي لا يجيب عنها بحقٍّ ويقينٍ إلا العقيدة السليمة.
فالعقيدة الصَّحيحة هي التي تكشف للإنسانِ سببَ وجوده، والغايةَ التي يسير إليها، ولماذا كلّ هذا الوجود، وهل هي حياة واحدةٌ أم هناك حياة أخرى هي أكمل من هذه الحياة؟ كلُّها أسئلةٌ تجيب عنها العقيدة بِوضوح.
ومن هنا كان اهتمام الشارع الحكيم بالعقيدة السَّليمة فوق أيِّ اهتمام، فعقيدة التوحيد هيَ أساسُ الإسلام، وهي التي من أجلها خلَق الله الخلقَ، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وهي التي بها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، ويقول تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وكان كل رسولٍ يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
وتوحيد الله سبحانه وتعالى هو أوَّلُ أركانِ الإسلام، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»([1])، وقد بقي النَّبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى التوحيد ويقرِّره، فلما هاجر إلى المدينة فُرضت العباداتُ الأخرى، فالعقيدة الصحيحة هو رأس مال الإنسان، وتوحيد الله تعالى هو أوَّل ما يجب عليه تحقيقه؛ ولذلك لما بعث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلِك فأعلِمهم أن الله افترض عليهم خمسَ صلوات في كل يوم وليلة»([2]). والعقيدةُ السَّليمة هي الأساس التي تبنى عليها كل الأعمال الأخرى، فلا عمل صالح مقبولٌ عند الله بلا إيمانٍ صحيح، يقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، قال ابن تيمية رحمه الله: “فأصلُ الصَّلاح: التَّوحيد والإيمان، وأصل الفساد: الشرك والكفر”([3])، ويقول ابن أبي العز رحمه الله: “علم أصول الدين أشرفُ العلوم؛ إذ شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنِّسبة إلى فقه الفروع؛ ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى ما قاله وجمعه في أوراقٍ من أصول الدين: الفقه الأكبر، وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوقَ كلِّ ضرورة؛ لأنَّه لا حياة للقلوب، ولا نعيم ولا طمأنينة، إلا بأن تعرف ربَّها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحبَّ إليها ممَّا سواه، ويكون سعيُها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه”([4]).
فالعقيدة هي أهمُّ ما يجِبُ على الإنسان العناية به والحرص عليه، ومنها ينبغي للإنسان أن ينطلق في تصوراته كلِّها عن الحياة والمجتمع والكون والنفس، فمن جعل العقيدة نصب عينيه وانطلق منها في فهم الأحكام الشرعية والسنن الكونية استطاع أن يحقِّق الغايةَ التي من أجلها خُلق، والهدفَ الذي من أجله وُجد.
تمهيد:
يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر المحرم، وهو يومٌ عظيم فضيل عند المسلمين، أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بصيامه وصامَه، وصامه الصَّحابة الكرام معه، وتتابعوا على ذلك، وهذا اليوم العظيم يومٌ شاهدٌ على التوحيد، يتزين بحُللٍ من التوحيد، ويتسربل بدثارٍ من التوحيد، وينطق إذ ينطق بالتوحيد، فتجد قصَّةَ هذا اليوم مليئةً بالتوحيد، وتفاصيل صيامه متعلِّقة بالتوحيد.
ومعرفَةُ الغايات والمقاصدِ والمسائل العقديَّة التي تحيط بهذا اليوم مهمَّة للغاية؛ لأهمية العقيدة في حياة الإنسان، وبمعرفة هذه المسائل والغايات يزيد استشعار الإنسانِ لأهمِّيَّة هذا اليوم، ويعمِّق في نفسه معانيَ ربما لا تطرأ على البال ما لم نهتمَّ بالجانب العقديِّ، كما أنَّ الاهتمام بالمسائل العقدية المتعلِّقة بهذا اليوم يجعل المسلمَ أكثر تحقيقًا لمقاصد الشريعة، وفي هذه الورقة بيانٌ لعلاقة التوحيد بهذا اليوم، وكيف أنَّه يغرس في نفوسنا عددًا من مسائل العقيدة المهمَّة.
يوم عاشوراء في نصوص الشريعة:
وردت نصوصٌ عديدة في هذا اليوم، منها ما هي عامَّة، ومنها ما هي خاصَّة.
فمن النصوص العامَّة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعدَ رمضان شهرُ الله المحرَّم، وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة صلاة الليل»([5]).
وأمَّا النُّصوص الخاصَّة فمنها:
1- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومُهُ قريشٌ في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومُه، فلمَّا قدم المدينةَ صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك يومَ عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه([6]).
2- حديثُ ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: «فأنا أحقُّ بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه([7]).
3- حديث أبي قتادة رضي الله عنه: يقولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «وصيامُ يوم عاشوراء أحتسبُ على الله أن يكفِّرَ السنةَ التي قبله»([8]).
4- حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من أسلم يوم عاشوراء، فأمره أن يؤذن في الناس: «من كان لم يصم فليصم، ومن كان أكل فليتمَّ صيامه إلى الليل»([9]).
5- حديث الرُّبَيِّع بنتِ مُعَوِّذ رضي الله عنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداةَ عاشوراء إلى قرى الأنصار: «من أصبح مفطرًا فليتمَّ بقيَّةَ يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم»، قالت: فكنَّا نصومُه بعدُ، ونصوِّم صبيانَنا، ونجعل لهم اللعبةَ منَ العِهن، فإذا بكى أحدُهم على الطَّعام أعطيناه ذاكَ حتى يكون عند الإفطار([10]).
6- حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ علَى غيرِهِ إلَّا هذا اليَومَ، يَومَ عَاشُورَاءَ، وهذا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ([11]).
7- حديث أبي موسى رضي الله عنه، قال: كان أهل خيبر يصومون يومَ عاشوراء، يتَّخذونه عيدًا، ويُلبِسون نساءَهم فيه حُلِيّهم وشارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم»([12]).
8- حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع»([13]). وعنه قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ عاشوراء وأمرَ بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنَّه يوم تعظِّمه اليهودُ والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كانَ العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم([14]).
وهناك نصوصٌ أخرى لم نذكرها؛ إذ الغرض بيانُ أنَّ هذا اليوم كانت قريشٌ تصومُه، وكان اليهود يصومونه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه بصيامه، فكان واجبًا عليهم، ثم حين فُرض صيام رمضان صار صيام عاشوراء نفلًا، وفي آخر الأمر أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود في صيامه، فهذه النُّصوص تحكي قصَّة عاشوراء باختصار.
قصة عاشوراء شاهدةٌ على التَّوحيد:
قصة فرض صيام يوم عاشوراء مليئةٌ بالإشارات العقدية، بل تفيد بأنَّ المقصد الأعظم من صيام هذا اليوم هو مقصدٌ عقديّ، ففي حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما أن النَّبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟» فقالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نجَّى الله بني إسرائيل من عدوِّهم فصامه موسى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنا أحقُّ بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه([15])، وفي روايةٍ أخرى: قال اليهود: هذا يومٌ عظيم، وهو يومٌ نجَّى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرًا لله([16]).
فقصَّة صيام عاشوراء تعود بنا إلى ماضٍ عتيقٍ حيث موسى عليه السلام، وحيث نجى الله موسى عليه السلام ومن معه من أهل التوحيد من أكبر طاغيةٍ عرفه التاريخ وهو فرعون، وتذكِّرنا كيف أنَّ الله ينصر أولياءه ويخذل أعداءه، وأنَّ الباطل مهما ارتفَع شأنُه وعلَت رايته سيأتي يومٌ يضمحِّل فيه كما حصل مع فرعون وجنوده.
لقد كان فرعون يَستضعِف بني إسرائيل، يقتِّل أبناءَهم ويستحيي نساءَهم، ولم يكتف بذلك بل قال تلك المقولات العجيبة التي تبيِّن مدى طغيانه وجبروته، فهو القائل: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، والقائل: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24]، فكان مثالًا للإنسان الذي يطغى ويتجبَّر وينسى خالقَه، وكان مِنِ استضعافه بني إسرائيل أنَّه يقتُل كلَّ مولودٍ ذَكرٍ خوفًا على عرشه ومُلكه، لكن قدرة الله تعالى فوق كل شيء، فشاء سبحانه أن يرسلَ إليه طفلًا يدخل قصره، {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]، ومن حكمة الله أن هذا المولود الذي سيُخرجُه من ملكه وجبروته يتربى في قصره، ولا يستطيع فرعون قتله، فقد قالت امرأته: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: 9]، ثم يجنِّد فرعون قوَّته وخدمه ليبحثوا لهذا الطِّفل عن مرضعةٍ، فلا يجدون إلا أمَّه لترضعه؛ {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [القصص: 13]، ويكبَر هذا الطفلُ ويقتل رجلًا من قوم فرعون، ثم يهرب إلى مدين خائفًا وجلًا، وهناك -حيث لا أحد يؤويه، ولا أحد ينصره، ولا أحد يعرفه- يرفع يديه ليقول: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، وكانت الإجابة الفورية من الله سبحانه وتعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 25]، ثمَّ إنَّ هذا الذي خرج من عند فرعون خائفًا وجلًا عاد إليه رسولًا يحمل آياتٍ بيناتٍ واضحات، عرض على فرعون توحيد الله سبحانه وتعالى، وحاججه بما عنده من الآيات، فلمَّا غلبه موسى بالحجج ما كان مِن فرعون إلا أن ازدادَ تكبُّرًا وعنادًا، وادَّعى أن ما جاء به موسى ما هو إلا سحر، فجمع سحرته {لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء: 38-40]، وكانت النتيجة: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف: 119، 120]، فما كان من فرعون إلا أن هدَّد وتوعَّد، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يخرج بالمؤمنين فرارًا من هذا الجبار، فخرج موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين، وخرج خلفه فرعون بجبروته وجيشه الجرَّار حتى وصل موسى عليه السلام البحر، هنا كان الابتلاء الأعظم، وهنا بلغت الروح الحلقوم، واضطرب المسلمون حتى قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]؛ لكن التوكل على الله واليقين به وبوعده كان يملأ قلبَ موسى عليه السلام، فكان جوابه: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]، وكان كما قال، حيث خرق الله قوانين الكون، ففلق لبني إسرائيل طرقًا في البحر، {كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63]، فلما رأى فرعون دخول بني إسرائيل وسط هذا البحر الهائج لحقهم بجبروته وعناده، يقول الله عن تلك اللحظات العظيمة، ومصوِّرًا لهذا المشهد المذهل: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]؛ ولكن قال الله: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91]، وكان هذا اليوم هو اليوم العاشر من المحرم.
ومن تأمل هذه القصة وجد أنها مليئة بالتوحيد، وبالتوكل على الله، واليقين به، وبنصر الله لأوليائه، وكان ختام هذه القصة العظيمة مع فرعون في يوم عاشوراء؛ ليكون شاهدًا إلى يوم القيامة على توحيد الله سبحانه وتعالى، ونصرة الله لأوليائه الموحدين، وإهلاكه لأعدائه المشركين، فهذا اليوم إذن يومٌ شاهدٌ على التوحيد حين أبطل الله سحر السحرة، وأيقنوا بمعجزة موسى عليه السلام، فخروا لله سُجَّدًا، وهو شاهدٌ على التَّوحيد حين آمن بنو إسرائيل بالله رغم الخوف والقتل، وخرجوا مع موسى، وهو شاهدٌ على التوحيد حين توكَّل موسى على الله وملأ قلبه يقينًا به وبوعده، وهو شاهدٌ على التوحيد حين أنجى الله أهل التوحيد وأغرق أهل الشرك.
يوم عاشوراء يربط المسلم بالرُّسل كلهم:
هذا اليومُ الفضيل يربط المسلمَ بالأنبياء من قبله، وخاصَّةً موسى عليه السلام، ويذكِّر الإنسان المسلم بتلك الرابطة التي تربط بينه وبين كلِّ من سبقه من المؤمنين بالله الموحدين له، ألا وهي: رابطة التوحيد والعقيدة الواحدة، وهذا يظهر جليًّا في قصة صيام يوم عاشوراء، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بصيامه؛ لأنَّه يومٌ نجَّى الله فيه موسى ومن معه.
ينجِّي الله موسى عليه السلام فيأتي المسلم بعده بقرون ويفرحُ لنجاته، ويصوم هذا اليوم شكرًا لله لأنَّه نجَّاه وقومه، فهذا اليوم رابطٌ بيننا وبين نبي الله موسى عليه السلام، ويظهر هذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فأنا أحقُّ بموسى منكم»([17])، ومنطلق ذلك أنَّ الأنبياء كلهم يحملون عقيدةً واحدة، ويدعون إلى ربٍّ واحد، وكلهم يدينون بدينٍ واحد وهو الإسلام، يقول ابن تيمية رحمه الله: “وهذا الدين هو دين الإسلام، الذي لا يقبل الله دينًا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، فإنَّ جميع الأنبياء على دين الإسلام”([18])، وقال رحمه الله: “ولَمَّا كان أصل الدين الذي هو دين الإسلام واحدا -وإنما تنوَّعت الشرائعُ- قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد، الأنبياء إخوةٌ لعلَّاتٍ، وأنا أولى الناسِ بابن مَريم، فإنه ليس بيني وبينه نبي». فدينهم واحدٌ وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يُعبَد في كل وقتٍ بما أمَر به في ذلك الوقت، وذلك هو دين الإسلام في ذلك الوقت”([19]).
والمسلم وحدَه دونَ غَيره مِن أصحاب الدِّيانات هو الذي يُحقِّق الإيمانَ الكامل بكلِّ الرسل وبكل ما جاؤوا به، فاليهود لا يؤمنون بعيسى عليه السَّلام ولا بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، والنَّصارى لا يؤمنون بمحمَّد صلى الله عليه وسلم، إضافةً إلى نسبتهم ما يُستقبح ذكره للأنبياء، أما أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم فإنَّهم يؤمنون بكلِّ الرسل من قبلهم، وهو من صميم عقيدة المسلم، فقد أمر الله به إذ قال: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]، فمن لم يؤمن بنبيٍّ واحد فكأنَّما لم يؤمِن بكل الأنبياء وعلى رأسهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم، والتنقُّص من واحدٍ منهم هو تنقّصٌ من جميعهم وعلى رأسهم محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن للمسلم أن يدَّعيَ أنه مسلمٌ مؤمن بالله ورسوله ثم يتنقِص واحدًا من الأنبياء، يقول القاضي عياض: “وحكم من سبَّ سائر أنبياء الله تعالى وملائكته واستخفَّ بهم، أو كذَّبهم فيما أَتوا به، أو أنكرهم وجحدهم.. حكم نبيّنا صلى الله عليه وسلم على مساقِ ما قدمناه”([20]).
ولما استجاب المسلمون لذلِك وآمَنوا بكل الرسل مدحهم الله فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 152]، فالمؤمن إذًا لا يفرق بين الرسل، ويعتقِد اعتقادًا جازما أن من كفر بواحد منهم فقد كفر بجميعهم كما يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [النساء: 150]، وجاء صيام يوم عاشوراء تأكيدًا لهذا المعنى، فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه وأمَّته أحقُّ بموسى من اليهود؛ فنحن أحقُّ به لأنَّنا صدقناه ولم نَرَه، ونحن أحقُّ به لأنَّه دعا إلى التوحيد الخالص كما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، بينما حرف اليهود ديانتهم، ونحن أحقُّ به لأننا لم نؤذِه كما فعل غيرنا، وأنزل الله في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]. فالمسلم حين يصوم عاشوراء فإنه ينطلق من منطلق العقيدة الواحدة، ويتذكر ما حصل لنبي من أنبياء الله من النصرة والتمكين، فيشكر الله على ذلك.
يوم عاشوراء ومخالفة أهل الكتاب:
أجازت الشَّريعة الإسلامية معاملة أهل الكتاب، بل أباحت أكلَ ذبائحهم ونكاح نسائهم وإجراء المعاملات التجارية معهم بما يتوافَق مع شريعتنا، بل وفوق ذلك أمرت بالبر والقسط والإحسان إليهم ما داموا غير محاربين.
أمَّا العلاقة الدينية فقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم التَّشبُّه بالكفار عمومًا، وبأهل الكتاب خصوصًا، في جميع الأمور التي يختصّون بها ولم ترد في شريعتنا، فما كان من عباداتهم الخاصَّة فإنَّه لا يجوز للمسلم أن يتشبَّه بهم فيها، وقد جاءت النصوص الشرعية الكثيرة تؤكِّد هذا الأمر وتقرِّره، وأوَّل هذه الأدلة ما نكرِّره كل يوم سبعَ عشرة مرة على الأقلّ حين نقرأ سورة الفاتحة، وهو قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7]، فصراط الذين أنعم الله عليهم هو: صراط الأنبياء والصِّديقين والصالحين، أمَّا صراط المغضوب عليهم فهو صراط اليهود، وصراط الضَّالين هو صراط النصارى، ونحن ندعو الله أن يجنبنا الصراطين، فهذه السورة الكريمة -وهي أول سورة في ترتيب المصحف- قد دلَّت على ما نحن بصدد الحديث عنه، وهو مخالفة أهل الكتاب في كلِّ ما هو من خصائص ديانتهم وعباداتهم وعاداتهم التي أصبحت شعارًا لهم وحدهم.
ومن الأدلة قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: “فيه تهديدٌ ووعيدٌ شديد للأمة عن اتباعِ طرائق اليهود والنصارى، بعدما علموا من القرآن والسنة عياذًا بالله من ذلك، فإن الخطاب مع الرسول، والأمر لأمته”([21]).
ومنها قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: “نهى الله المؤمنين أن يتشبَّهوا بالذين حملوا الكتاب قبلهم من اليهود والنصارى، لما تطاول عليهم الأمد بدَّلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمنًا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم… ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبَّهوا بهم في شيءٍ من الأمور الأصلية والفرعية”([22])، وقال ابن تيمية رحمه الله: “فقوله: ولا يكونوا مثلهم نهيٌ مطلق عن مشابهتهم”([23]).
وقد نهى النَّبي صلى الله عن التشبُّه عامةً فقال: «من تشبَّه بقومٍ فهو منهم»([24])، ونهى عن التَّشبه بأهل الكتاب خاصة فقال: «ليس منَّا من تشبَّه بغيرنا، لا تشبَّهوا باليهود ولا بالنصارى»([25]).
وقال في مخالفتهم أيضًا: «خالفوا اليهود؛ فإنَّهم لا يصلُّون في نعالهم، ولا خفافهم»([26]).
ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلَةُ السَّحَر»([27])، قال النووي: “معناه: الفارق والمميِّز بين صيامنا وصيامهم السحور، فإنهم لا يتسحَّرون ونحن يستحبُّ لنا السحور”([28]).
ولا تقتصر المخالفة في السحور فقط وإنما حتى في الفطور، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين ظاهرًا ما عجَّل الناس الفطر؛ لأنَّ اليهود والنصارى يؤخِّرون»([29])، قال ابن تيمية رحمه الله: “وهذا نصٌّ في أن ظهور الدِّين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى، وإذا كان مخالفتهم سببًا لظهور الدين فإنَّما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله، فيكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة”([30]).
وقد طبَّق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حياته، فعن أبي عمير ابن أنس، عن عمومة له من الأنصار قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب رايةً عند حضور الصَّلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذُكر له القنع -يعني الشبور، وقال زياد: شبور اليهود- فلم يعجبه ذلك، وقال: «هو من أمر اليهود»، قال: فذُكر له الناقوس، فقال: «هو من أمر النصارى»([31]).
فانظر كيف رد الشبور والناقوس، وعلَّل ذلك بأنهما من أمر اليهود والنصارى.
والشَّاهد من هذا كله أنَّنا مأمورون بمخالفة اليهود والنَّصارى في العبادات، ويوم عاشوراء واحدٌ من الشواهد على ذلك.
فإن قيل: كيف يكون عاشوراء شاهدًا على مخالفة أهل الكتاب وقد صامَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم موافقةً لهم؟!
يقال: على ذلك جوابان:
الأول: ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومُهُ قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلمَّا قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه([32]).
فكان هذا اليوم معروفًا عند قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن يقدم المدينة كما هو نصُّ الرواية، وبناء عليه فإنه لا يكون في هذا الصيام متَّبِعًا لأهل الكتاب.
الثاني: حتى إن قلنا: إنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس بصيامه حين قدم المدينة ورأى اليهود فإن هذا كان في أول الأمر، وقد كان عليه الصلاة والسلام يحبُّ موافقة أهل الكتاب في أوَّل الأمر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ موافقة أهلِ الكتاب فيما لم يؤمَر فيه بشيء، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه([33]). يقول ابن حجر رحمه الله: “وكأنَّ السر في ذلك أنَّ أهلَ الأوثان أبعدُ عن الإيمان من أهل الكتاب، ولأنَّ أهل الكتاب يتمسَّكون بشريعة في الجملة، فكان يحبّ موافقتهم ليتألَّفهم ولو أدَّت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان، فلمَّا أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله واستمرَّ أهل الكتاب على كفرهم تمحَّضت المخالفة لأهل الكتاب”([34]).
وهذ يظهر جليًّا في قصة عاشوراء؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين قدِم المدينة ورآهم يصومون صامه، ثم لما كان آخر عمره أمر بمخالفتهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنَّه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صُمنا اليومَ التاسع»، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم([35]). يقول ابن تيمية رحمه الله: “فتدبر هذا، يوم عاشوراء يومٌ فاضلٌ، يكفِّر سنة ماضيةً، صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه، ورغَّب فيه، ثم لما قيل له قبيل وفاته: إنَّه يومٌ تعظمه اليهود والنصارى أمر بمخالفتهم بضمِّ يومٍ آخر إليه، وعزم على ذلك”([36]). والحديث شاهدٌ على أنَّ مخالفة أهل الكتاب مقرَّرة عند الصحابة؛ لذلك سألوه وقالوا بأنَّه يوم تعظمه اليهود والنصارى. والحديث شاهدٌ أيضًا على مخالفتهم حيث أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصومَ التاسع مع العاشر.
وأخيرًا: يقول ابن القيم رحمه الله: “كلُّ آيةٍ في القرآن فهي متضمِّنة للتوحيد، شاهدةٌ به، داعية إِليه، فإن القرآن إمَّا خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوةٌ إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كلّ ما يعبد من دونه، فهو التَّوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمرٌ ونهي، وإلزامٌ بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكمِّلاته، وإما خبرٌ عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده، وإما خبرٌ عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النَّكال، وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبرٌ عمن خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشِّرك وأهله وجزائهم”([37]).
فالشريعة كلها قائمة على توحيد الله سبحانه وتعالى، وما شرعه الله من الواجبات والنوافل كلها تحقِّق هذا التوحيد، ويوم عاشوراء يومٌ فضيل فضَّلته الشريعة، وحثت على صيامه، وهو يومٌ شاهد على التَّوحيد، دال عليه، والمسلم إذ يصوم هذا اليوم يستذكر هذه القضيَّة، فيجعل العقيدة الصحيحة أولى اهتماماته، ويدرك أن كلَّ ما أمر به الشرع يخدم العقيدة ويؤصّلها في نفوس المسلمين، ويستذكر أيضًا ما حصل لموسى عليه السلام وكيف نصر الله أهل التوحيد وخذل أهل الشرك والكفر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([3]) مجموع الفتاوى (18/ 163).
([10]) أخرجه البخاري (1960)، ومسلم (1136).
([11]) أخرجه البخاري (2006 )، ومسلم (1132).
([18]) العقيدة التدمرية (ص: 168).
([19]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 378).
([20]) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 641).
([21]) تفسير ابن كثير (1/ 403).
([22]) تفسير ابن كثير (8/ 20).
([23]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 290).
([24]) أخرجه أبو داود (4031) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه ابن حبان (437)، والعراقي في تخريج الإحياء (1/ 359).
([25]) أخرجه الترمذي (2695) من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال: “هذا حديث إسناده ضعيف”.
([26]) أخرجه أبو داود (652)، وصححه ابن حبان (2186)، ولفظه عنده: «خالفوا اليهود والنصارى؛ فإنهم لا يصلُّون في خفافهم، ولا في نعالهم».
([28]) شرح النووي على صحيح مسلم (7/ 207).
([29]) أخرجه أبو داود (2353) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (3503)، والنووي في المجموع (6/ 359).
([30]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 209).
([31]) أخرجه أبو داود (498)، وحسنه ابن عبد البر في التمهيد (24/ 21).
([36]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 284).
([37]) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3/ 417-418).