تغريدات مقالة: يومُ عاشوراء ووسطيَّة أهل السُّنة
- الناس في دين الله ثلاثة أصناف، فإما غالٍ فيه بالزيادة عليه، أوالجافي عنه بارتكاب المحرمات أو ترك الواجبات، وهما مذمومان، أما الصنف الثالث: فهو التوسط والاعتدال والذي يتمثل في التمسك بالكتاب والسنة.
- المسلمون أهل وسط بين أهل الأديان كلها، كما قال الله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا)، يقول الطبري رحمه الله: ” فلا هم أهلُ غلوٍّ فيه غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهُّب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصيرٍ فيه تقصير اليهود الذين بدَّلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءَهم”
- وأهل السنة والجماعة وسط بين الفرق كلها، فهم وسط في في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل (الجهمية) وبين أهل التمثيل (المشبهة)، وهم وسطٌ في باب أفعال الله تعالى بين القدريَّة والجبريَّة، وفي باب وعيد الله بين المرجئة وبين الوعيدية.
- وأهل السنة والجماعة وسطٌ أيضًا في باب الإيمان والدِّين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهميَّة، وووسطٌ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرَّوافض وبين الخوارج.
- ومن توسط أهل السنة والجماعة توسطهم في أحكام الله وتشريعاته، وذلك بامتثالهم لها كما جاء في الكتاب والسنة، ومن ذلك توسطهم في يوم عاشوراء، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام هذا اليوم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
- قال ابن عباس رضي الله عنهما: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصومُ يوم عاشوراء، فقال: “ما هذا؟” قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نجَّى الله بني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى عليه السلام. قال: “فأنا أحقُّ بموسى منكم” فصامه وأمر بصيامه. (البخاري 2004).
- وقد تتابع الصحابة على الصيام معه ومن بعده، تقول الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: “فكنَّا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطَّعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. (البخاري 1960).
- وبقي الأمر كذلك يصومه المسلمون حتى حصلت الفاجعة بمقتل الحسين رضي الله عنه عام 61هـ، فصارت هذه الحادثة تكأةً لبعض الفرق للتفرق وإحداث البدع، وإخراج هذ اليوم عن تحقيق مقصده، فصار الناس فيه ثلاثة طوائف:
- الأولى/ من جعل هذا اليوم يومَ حزنٍ ومأتمٍ ومسيرات من أجل الحُسين رضي الله عنه، وهم الشيعة، يقول ابن كثير رحمه الله: “ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة كذبًا فاحشًا من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النُّجوم، وما رفع يومئذ حجرٌ إلا وجد تحته دم=
- = وأنَّ أرجاء السماء احمرت، وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه الدم، وصارت السماء كأنها علقة، وأن الكواكب ضرب بعضها بعضًا، وأمطرت السماء دما أحمر، وأن الحمرة لم تكن في السماء قبل يومئذ، ونحو ذلك.
- ومن مبالغاتهم في هذا اليوم ذكرهم الفضائل العظيمة في زيارة الحسين رضي الله عنه في يوم عاشوراء، يقول أبو عبدالله” :من زار قبر الحسين في يوم عاشوراء عارفًا بحقه كان كمن زار الله في عرشه” (مصباح المجتهد للطوسي (536) وقراءة هذا كافٍ في إبطاله!!
- ومنها قول أبي جعفر: “من زار الحسين بن علي رضي الله عنهما في يوم عاشوراء من المحرم حتى يظل عنده باكيًا لقي الله يوم يلقاه بثواب ألفي حجة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كل غزوة وحجة وعمرة كثواب من حج واعتمر وغزى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع الأئمة الراشدين” مصباح المجتهد (537).
- أخرجت الشيعة هذا اليوم من كونه يوم شكرٍ لله إلى كونه متعلِّقًا بمقتل الحسين رضي الله عنه، وأخرجوه من كونه يوم صيام إلى كونه يوم حزنٍ ونواحٍ ولطم وصراخ وبكاء، وجرح للأجساد، وإسالة للدماء، وضربٍ للخدود، وشقٍّ للجيوب، وخروج للناس إلى الشوارع، وغير ذلك مما لن ينزل الله بها من سلطان!
- وهذا الأمر منافٍ للعقل، فإنه لا شك أن المصاب جللٌ بمقتل الحسين رضي الله عنه، لكن لم نؤمر بفعل هذا بموت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بموت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهما عند الشيعة والسنة أفضل من الحسين رضي الله عنه بلا شك.
- يقول ابن تيمية رحمه الله: “كان ما زيَّنه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا…ورواية الأخبار التي فيها كذبٌ كثير، والصِّدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتَّعصب، وإثارة الشحناء والحرب…والتوسل بذلك إلى سبِّ السابقين الأولين” الفتاوى الكبرى (1/201).
- الثانية: اعتبار هذا اليوم عيدًا دينيًّا، وإظهار الفرح فيه، وتعطيل الأعمال وترك الوظائف، ومعلوم أنَّه ليس للمسلمين عيدٌ إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وإظهار الفرح في هذا اليوم هو ممَّا فعله النَّواصب مقابل ما أظهره الشيعة من حزنٍ ولطم.
- ولا يجوز مقابلة بدعة الشيعة ببدعةٍ أخرى كما يقول ابن تيمية رحمه الله مبينًا هذا المعنى: “وقومٌ من المتسنِّنة رووا ورويت لهم أحاديث موضوعة بنوا عليها ما جعلوه شعارًا في هذا اليوم، يعارضون به شعار ذلك القوم، فقابلوا باطلًا بباطل، وردوا بدعةً ببدعة” مجموع الفتاوى (4/ 513).
- ومن مظاهر الفرح في هذا اليوم: تخصيصُه بالاكتحال والخضاب وإظهار الزينة، وكلُّ ذلك من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويقول ابن الحاج: “ومن البدع التي أحدثها النساء فيه استعمال الحناء على كل حال، فمن لم يفعلها منهن فكأنها ما قامت بحق عاشوراء” (المدخل (1/291).
- الثالثة: بقيت على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وامتثلوا في هذا اليوم أمر الله ورسوله بالصيام، ويبتعدون عن كل بدعة، سواء كانت بإظهار الحزن البالغ، أو الفرح البالغ، إذ أنها تنافي المقصد من صيام هذا اليوم.
- أما مقتل الحسين رضي الله عنه في هذا اليوم فإن الواجب هو الصبر وقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) مع الابتعاد عن كل ما نهى عنه الشرع من لطم للخدود، وشقٍّ للجيوب، وإقامة للمآتم بالطريقة التي يقيمون بها.
- يقول ابن تيمية رحمه الله بعد أن أورد بدع الشيعة والنَّواصب: “وهذه بدعة أصَّلها من المتعصبين بالباطل على الحسين رضي الله عنه، وتلك بدعةٌ أصَّلها من المتعصبين بالباطل له، وكلُّ بدعةٍ ضلالة =
- = ولم يستحب أحد من أئمَّة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا، ولا في شيء من استحباب ذلك حجة شرعية، بل المستحب يوم عاشوراء: الصيام عند جمهور العلماء” (منهاج السنة النبوية (4/ 555).
- فالواجب على المسلم في هذا اليوم أن يبتعد عن كل ما لم يأت به الشرع، وأن يتقيد بما جاء به، فيحقق الوسطية التي هي اتباع الكتاب والسنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.