تغريدات مقالة : دثار الفرق الغالية
- لم يمر عصر دون أن يُنال من السلفية، ولم يمضِ وقتٌ دون أن تُلصق بها التهم، مع أنَّ كثيرا من تلك التهم لا أساس لها من الصحة؛ لكنها تُشاع وتذاع في كل مكان
- ومن ذلك ما يشاعُ من إلصاق الفرق الغالية في التَّكفير بأهل السنة والجماعة، والادعاء بأن هذه الفرق ماهي إلا مخرجات فكرِ أهل السنة والجماعة، وماهي إلا نبتَة نبتت في أرضٍ سنيَّة، ورَبَتْ في تربة سنية، وتغذَّت على أفكار سنية، وحققت مقاصدَ سنية!
- وهذا الجمع بين الطائفتين بيِّنٌ بُطلانه لدرجة أنهم يتكلفون الرَّبط بين الفرق الغالية وبين أهل السنة والجماعة لوجود تنافرٍ تام بين الطائفتين على مستوى التَّنظير والتطبيق!
- ومن هذا التكلف إثبات بعض الكُتَّاب نسبة الفرق الغالية إلى أهل السنة والجماعة وعدم نسبتها إلى الخوارج ببيان أوجه الشبه بين الفكرين، وادعاء أن الفرق المتطرفة خارجة من عباءة السلفية، وسنناقش هذا بالمسائل الآتية:
- المسألة الأولى/ اتفاق الفرق الغَالية مع السَّلفية في الوصف المميز للفرقة.
- فإنَّهم أتوا إلى أمورٍ تشترك فيها السَّلفية مع هذه الفرق فجعلوها دليلًا على صحة النسبة، ولم ينظروا إلى الصفات الأخرى التي لم تشابهها فيها والتي عليها مدار الانتساب أصلًا.
- التَّشارك في بعض الأشياء لا يعني أن هذا فرعٌ لذاك، إذن ما معيار إلحاق فرقةٍ بأُخرى؟
- المعيارُ في ذلك هو الاتِّفاقُ على الأصل المميِّز للفرقة، فإذا أردنا أن نبحث عن اتِّفاقٍ بين فرقةٍ وأخرى يجب أن نبحث عن الوصف المميِّز لكلِّ فرقة ونرى التَّوافق فيه.
- وبالفحص والتَّدقيق نجد أنَّهم أقرب إلى الخوارج من أي فرقة أخرى، وإن كانوا قد خالفوهم في بعض المسائل، وإذا أردنا أن نعرف صحَّة هذه النسبة يجب أن نعرف ماهو الوصف المميِّز للخوارج؟
- كثيرٌ من الباحثين يجعلون الوصف المميز للخَوارج هو: تكفيرُ مرتكب الكبيرة، وهذا هو المعيار الذي وضعه بعض الكتاب وانطلقوا من هذا البناء إلى أن الفرق الغالية في التكفير والسَّلفية لا يكفرون بالكبائر فهم في كفَّة والخوارج في كفةٍ أخرى.
- لكن الصحيح في ذلك كما توصل له بعض الباحثين ومن خلال مجموع مواقفهم يمكنُ استنباط الوصف المميِّز لهم، وهما وصفان:
- 1/ أنَّهم يكفِّرون بما ليس بمكفِّر، وهذا واضحٌ في قضية تحكيم الرجال، فإنهم كفَّروا بهذا الفعل التي لم يأت نصٌّ شرعي على تكفيره، وتلاحظ أن هذا الفعل لم يكن من الكبائر، بل لم يُعدَّ ذنبًا قبل أن يعدُّوه هم!
- 2/ أنَّهم يبنون على هذا التكفير استباحة دماء المسلمين، وقد قاتلوا الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه أوَّل ما قاتلوا، فهذان هما الوصفان المميزان للخوارج.
- وقد أشار إلى هذين الوصفين ابن تيمية رحمه الله فقال: ” أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب ودارهم هي دار الإيمان” فإن كان الوصف المميز للخوارج هما هذان فلا شك أن الفرق الغالية تتبع الخوارج باعتبار هذين الوصفين.
- المسألة الثانية/ اتفاق الفرق الغالية مع السلفية في مصادر التلقي وطرق فهمها.
- وهذه طريقة غريبةٌ في الاستدلال، فإن كل الأمة قد اتفقت على مصادر التشريع الأصلية كالقرآن والسنة، فكيف تكون هذه الطائفة منتسبة إلى الطائفة الأخرى لاشتراكِها معها في أمرٍ تشترك فيه الأمة كلها؟!
- فالسُّنة ليست مصدرًا تشريعيا خاصة بالسلفية ولا تنكرها -في العموم- الطوائف الأخرى، ومن الممكن أن يأتي أحدٌ ويقول: إن الفرق الغالية تمثِّل الإسلام لأنها تأخذ بالقرآن الكريم وتستدلُّ به، وهذا عين مافعله الخوارج حين فهموا القرآن كما أرادوا ثم دعوا الناس إلى تحكيمه حسب فهمهم!
- وأما طريقة الفهم، فمن النَّاس أيضًا من يقول إن مما يدل على بُعد هذه الفرق عن الخوارج وقربها من السلفية: أن السلفية تفهم القرآن فهمًا حرفيا.
- ولا أدري كيف أن هذا يجعل الفرق الغالية أقرب إلى السلفية من الخوارج! فإنَّ الخوارج قد تمسكوا بالنص الظاهر والفهم الحرفي للقرآن دون أن ينظروا إلى الآيات الأخرى، فهُم قد تمسَّكوا بأن لاحكم إلا لله، وقاتلوا من أجله، فهل هناك جمودٌ في الفهم أعلى من هذا؟
- وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلك الصفة فيهم حينَ قال (يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم) وقال في حديثٍ آخر: ( يحسبون أنَّه لهم وهو عليهم).
- وخلاصَةُ المسألة أنَّ الفرق الغالية لم تُوافق السلفية في مصدرٍ تميَّزوا به، ولم توافقهُم حتى في طريقة فهمهم للنَّص، فمحاولة الربط بين الطائفتين محاولةٌ سقيمة لا تستقيم معَ الإنصاف والعدل.
- المسألة الثالثة/ اتِّفاق الفرق الغالية في التَّكفير مع السَّلفية في التَّطبيق.
- ولفهم هذه القضية ومناقشتها يجب التأكيد على أصلين مهمين:
- 1/ أنَّ الانتساب لا يعني صحة أخذِ المنتسب بكل أصولِ المنتسب إليه.
- فإن انتسبت الفرق المتطرفة إلى السلفية لا يعني صحة تلك النسبة.
- 2/ التطبيق لا يبطل التأصيل، ومعناه: أن بعض الناس قد يكونون على عقيدةٍ معينة، ويتبعون أصولًا معينة، ثم يخطئون في بعض التطبيقات، والطريقة المثلى في التعامل معهم أن نبين خطأهم في التَّطبيق دون أن نرجع ذلك إلى إبطالِ الأصل.
- فانتساب الفرق الغالية لا يعني شيئا إن لم يحققوا أصول السلفية، وهم لم يحققوها، فأصول الفرق الغالية لا تتفق مع أصول السلفية، وكذلك تطبيقاتها لا تتفق مع تطبيقات السلفية.