الثلاثاء - 09 رمضان 1445 هـ - 19 مارس 2024 م

تغريدات مقالة : دثار الفرق الغالية

A A
  • لم يمر عصر دون أن يُنال من السلفية، ولم يمضِ وقتٌ دون أن تُلصق بها التهم، مع أنَّ كثيرا من تلك التهم لا أساس لها من الصحة؛ لكنها تُشاع وتذاع في كل مكان

 

  • ومن ذلك ما يشاعُ من إلصاق الفرق الغالية في التَّكفير بأهل السنة والجماعة، والادعاء بأن هذه الفرق ماهي إلا مخرجات فكرِ أهل السنة والجماعة، وماهي إلا نبتَة نبتت في أرضٍ سنيَّة، ورَبَتْ في تربة سنية، وتغذَّت على أفكار سنية، وحققت مقاصدَ سنية!

  • وهذا الجمع بين الطائفتين بيِّنٌ بُطلانه لدرجة أنهم يتكلفون الرَّبط بين الفرق الغالية وبين أهل السنة والجماعة لوجود تنافرٍ تام بين الطائفتين على مستوى التَّنظير والتطبيق!

  • ومن هذا التكلف إثبات بعض الكُتَّاب نسبة الفرق الغالية إلى أهل السنة والجماعة وعدم نسبتها إلى الخوارج ببيان أوجه الشبه بين الفكرين، وادعاء أن الفرق المتطرفة خارجة من عباءة السلفية، وسنناقش هذا بالمسائل الآتية:

  • المسألة الأولى/ اتفاق الفرق الغَالية مع السَّلفية في الوصف المميز للفرقة.
  • فإنَّهم أتوا إلى أمورٍ تشترك فيها السَّلفية مع هذه الفرق فجعلوها دليلًا على صحة النسبة، ولم ينظروا إلى الصفات الأخرى التي لم تشابهها فيها والتي عليها مدار الانتساب أصلًا.

  • التَّشارك في بعض الأشياء لا يعني أن هذا فرعٌ لذاك، إذن ما معيار إلحاق فرقةٍ بأُخرى؟

  • المعيارُ في ذلك هو الاتِّفاقُ على الأصل المميِّز للفرقة، فإذا أردنا أن نبحث عن اتِّفاقٍ بين فرقةٍ وأخرى يجب أن نبحث عن الوصف المميِّز لكلِّ فرقة ونرى التَّوافق فيه.

  • وبالفحص والتَّدقيق نجد أنَّهم أقرب إلى الخوارج من أي فرقة أخرى، وإن كانوا قد خالفوهم في بعض المسائل، وإذا أردنا أن نعرف صحَّة هذه النسبة يجب أن نعرف ماهو الوصف المميِّز للخوارج؟

  • كثيرٌ من الباحثين يجعلون الوصف المميز للخَوارج هو: تكفيرُ مرتكب الكبيرة، وهذا هو المعيار الذي وضعه بعض الكتاب وانطلقوا من هذا البناء إلى أن الفرق الغالية في التكفير والسَّلفية لا يكفرون بالكبائر فهم في كفَّة والخوارج في كفةٍ أخرى.

  • لكن الصحيح في ذلك كما توصل له بعض الباحثين ومن خلال مجموع مواقفهم يمكنُ استنباط الوصف المميِّز لهم، وهما وصفان:

  • 1/ أنَّهم يكفِّرون بما ليس بمكفِّر، وهذا واضحٌ في قضية تحكيم الرجال، فإنهم كفَّروا بهذا الفعل التي لم يأت نصٌّ شرعي على تكفيره، وتلاحظ أن هذا الفعل لم يكن من الكبائر، بل لم يُعدَّ ذنبًا قبل أن يعدُّوه هم!

  • 2/ أنَّهم يبنون على هذا التكفير استباحة دماء المسلمين، وقد قاتلوا الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه أوَّل ما قاتلوا، فهذان هما الوصفان المميزان للخوارج.

  • وقد أشار إلى هذين الوصفين ابن تيمية رحمه الله فقال: ” أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب ودارهم هي دار الإيمان”  فإن كان الوصف المميز للخوارج هما هذان فلا شك أن الفرق الغالية تتبع الخوارج باعتبار هذين الوصفين.

  • المسألة الثانية/ اتفاق الفرق الغالية مع السلفية في مصادر التلقي وطرق فهمها.
  • وهذه طريقة غريبةٌ في الاستدلال، فإن كل الأمة قد اتفقت على مصادر التشريع الأصلية كالقرآن والسنة، فكيف تكون هذه الطائفة منتسبة إلى الطائفة الأخرى لاشتراكِها معها في أمرٍ تشترك فيه الأمة كلها؟!

  • فالسُّنة ليست مصدرًا تشريعيا خاصة بالسلفية ولا تنكرها -في العموم- الطوائف الأخرى، ومن الممكن أن يأتي أحدٌ ويقول: إن الفرق الغالية تمثِّل الإسلام لأنها تأخذ بالقرآن الكريم وتستدلُّ به، وهذا عين مافعله الخوارج حين فهموا القرآن كما أرادوا ثم دعوا الناس إلى تحكيمه حسب فهمهم!

  • وأما طريقة الفهم، فمن النَّاس أيضًا من يقول إن مما يدل على بُعد هذه الفرق عن الخوارج وقربها من السلفية: أن السلفية تفهم القرآن فهمًا حرفيا.

  • ولا أدري كيف أن هذا يجعل الفرق الغالية أقرب إلى السلفية من الخوارج! فإنَّ الخوارج قد تمسكوا بالنص الظاهر والفهم الحرفي للقرآن دون أن ينظروا إلى الآيات الأخرى، فهُم قد تمسَّكوا بأن لاحكم إلا لله، وقاتلوا من أجله، فهل هناك جمودٌ في الفهم أعلى من هذا؟

  • وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلك الصفة فيهم حينَ قال (يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم) وقال في حديثٍ آخر: ( يحسبون أنَّه لهم وهو عليهم).

  • وخلاصَةُ المسألة أنَّ الفرق الغالية لم تُوافق السلفية في مصدرٍ تميَّزوا به، ولم توافقهُم حتى في طريقة فهمهم للنَّص، فمحاولة الربط بين الطائفتين محاولةٌ سقيمة لا تستقيم معَ الإنصاف والعدل.

  • المسألة الثالثة/ اتِّفاق الفرق الغالية في التَّكفير مع السَّلفية في التَّطبيق.
  • ولفهم هذه القضية ومناقشتها يجب التأكيد على أصلين مهمين:
  • 1/ أنَّ الانتساب لا يعني صحة أخذِ المنتسب بكل أصولِ المنتسب إليه.
  • فإن انتسبت الفرق المتطرفة إلى السلفية لا يعني صحة تلك النسبة.

  • 2/ التطبيق لا يبطل التأصيل، ومعناه: أن بعض الناس قد يكونون على عقيدةٍ معينة، ويتبعون أصولًا معينة، ثم يخطئون في بعض التطبيقات، والطريقة المثلى في التعامل معهم أن نبين خطأهم في التَّطبيق دون أن نرجع ذلك إلى إبطالِ الأصل.

  • فانتساب الفرق الغالية لا يعني شيئا إن لم يحققوا أصول السلفية، وهم لم يحققوها، فأصول الفرق الغالية لا تتفق مع أصول السلفية، وكذلك تطبيقاتها لا تتفق مع تطبيقات السلفية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

(وقالوا نحن ابناء الله ) الأصول والعوامل المكوّنة للأخلاق اليهودية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا يكاد يخفى أثر العقيدة على الأخلاق وأثر الفكر على السلوك إلا على من أغمض عينيه دون وهج الشمس منكرًا ضوءه، فهل ثمّة أصول انطلقت منها الأخلاق اليهودية التي يستشنعها البشر أجمع ويستغرب منها ذوو الفطر السليمة؟! كان هذا هو السؤال المتبادر إلى الذهن عند عرض الأخلاق اليهودية […]

مخالفات من واقع الرقى المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره، وفعلها السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. وهي من الأمور المستحبّة التي شرعها الشارع الكريم؛ لدفع شرور جميع المخلوقات كالجن والإنس والسباع والهوام وغيرها. والرقية الشرعية تكون بالقرآن والأدعية والتعويذات الثابتة في السنة […]

هل الإيمان بالمُعجِزات يُؤَدي إلى تحطيم العَقْل والمنطق؟

  هذه الشُّبْهةُ مما استنَد إليه مُنكِرو المُعجِزات منذ القديم، وقد أَرَّخ مَقالَتهم تلك ابنُ خطيب الريّ في كتابه (المطالب العالية من العلم الإلهي)، فعقد فصلًا في (حكاية شبهات من يقول: القول بخرق العادات محال)، وذكر أن الفلاسفة أطبقوا على إنكار خوارق العادات، وأما المعتزلة فكلامهم في هذا الباب مضطرب، فتارة يجوّزون خوارق العادات، وأخرى […]

دعاوى المابعدية ومُتكلِّمة التيميَّة ..حول التراث التيمي وشروح المعاصرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: في السنوات الأخيرة الماضية وإزاء الانفتاح الحاصل على منصات التواصل الاجتماعي والتلاقح الفكري بين المدارس أُفرِز ما يُمكن أن نسمِّيه حراكًا معرفيًّا يقوم على التنقيح وعدم الجمود والتقليد، أبان هذا الحراك عن جانبه الإيجابي من نهضة علمية ونموّ معرفي أدى إلى انشغال الشباب بالعلوم الشرعية والتأصيل المدرسي وعلوم […]

وثيقة تراثية في خبر محنة ابن تيمية (تتضمَّن إبطالَ ابنِ تيمية لحكمِ ابن مخلوف بحبسه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمةً للعالمين، وبعد: هذا تحقيقٌ لنصٍّ وردت فيه الأجوبة التي أجاب بها شيخ الإسلام ابن تيمية على الحكم القضائيّ بالحبس الذي أصدره قاضي القضاة بالديار المصرية في العهد المملوكي زين الدين ابن مخلوف المالكي. والشيخ كان قد أشار إلى هذه […]

ترجمة الشيخ المسند إعزاز الحق ابن الشيخ مظهر الحق(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ إعزاز الحق ابن الشيخ مظهر الحق بن سفر علي بن أكبر علي المكي. ويعُرف بمولوي إعزاز الحق. مولده ونشأته: ولد رحمه الله في عام 1365هـ في قرية (ميرانغلوا)، من إقليم أراكان غرب بورما. وقد نشأ يتيمًا، فقد توفي والده وهو في الخامسة من عمره، فنشأ […]

عرض وتعريف بكتاب: “قاعدة إلزام المخالف بنظير ما فرّ منه أو أشد.. دراسة عقدية”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المعلومات الفنية للكتاب: عنوان الكتاب: (قاعدة إلزام المخالف بنظير ما فرّ منه أو أشد.. دراسة عقدية). اسـم المؤلف: الدكتور سلطان بن علي الفيفي. الطبعة: الأولى. سنة الطبع: 1445هـ- 2024م. عدد الصفحات: (503) صفحة، في مجلد واحد. الناشر: مسك للنشر والتوزيع – الأردن. أصل الكتاب: رسالة علمية تقدَّم بها المؤلف […]

دفع الإشكال عن حديث: «وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك»

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة من أصول أهل السنّة التي يذكرونها في عقائدهم: السمعُ والطاعة لولاة أمور المسلمين، وعدم الخروج عليهم بفسقهم أو ظلمهم، وذلك لما يترتب على هذا الخروج من مفاسد أعظم في الدماء والأموال والأعراض كما هو معلوم. وقد دأب كثير من الخارجين عن السنة في هذا الباب -من الخوارج ومن سار […]

مؤرخ العراق عبّاس العزّاوي ودفاعه عن السلفيّة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المحامي الأديب عباس بن محمد بن ثامر العزاوي([1]) أحد مؤرِّخي العراق في العصر الحديث، في القرن الرابع عشر الهجري، ولد تقريبًا عام (1309هـ/ 1891م)([2])، ونشأ وترعرع في بغداد مع أمّه وأخيه الصغير عليّ غالب في كنف عمّه الحاج أشكح بعد أن قتل والده وهو ما يزال طفلا([3]). وتلقّى تعليمه […]

دفع الشبهات الغوية عن حديث الجونية

نص الحديث ورواياته: قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: بَابُ مَنْ طَلَّقَ، وَهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالطَّلَاقِ؟ حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: أَيُّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَةَ الجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017