الاثنين - 06 ذو الحجة 1446 هـ - 02 يونيو 2025 م

زواج المسلمة من غير المسلم -مناقشة مثارات الغلط في المسألة-

A A

يُثار بين الفينة والأخرى جدلٌ حول قضيَّة زواج المسلمة من غير المسلم، وخاصَّة الكتابيّ، رغم إجماع المسلمين سلفًا وخلفًا بكلّ طوائفهم ومذاهبهم على حرمةِ ذلك، وعدم انعقادِه أصلًا، ولم يخالف في ذلك إلا آحادٌ من شُذَّاذ الآفاق من مُدَّعي التنوير من المعاصرين، وعامَّتهم ممن لا يلتزم بقواعد الاستنباط ولا مناهج الاستدلال التي سار عليها علماء الإسلام، فلا يرفع للسنة رأسًا، ويضرب آيات القرآنِ بعضَها ببعض، ويترك المحكَم ويتَّبع المتشابه، كما هي طريقة الذين في قلوبهم زيغ من أهل الأهواءِ.

وغرضُنا في هذه المقالة المختصرة ذكرُ النصوص الواضحة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم في هذه المسألة، مع إتباع ذلك بمناقشة مثارات الغلط في هذا المسألة، والله المستعان وعليه التكلان.

أولا: نصوص القرآن في تحريم زواج المسلمة من غير المسلم الكتابي أو غيره:

الدليل الأول: قوله الله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: 221].

فنهت الآية الرجال عن الزواج بالمشركات، ونهت أولياء المرأة عن تزويجها من المشركين، وهذا النهي الأخير عام غير مخصوص، يدخل فيه الكتابي وغير الكتابي، بخلاف الأول فإنه مخصوص بإباحة نكاح الكتابية، كما في آية المائدة: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].

قال ابن جرير رحمه الله: “يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله قد حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركًا كائنًا من كان المشرك، ومن أيّ أصناف الشرك كان، فلا تنكحوهنَّ -أيها المؤمنون- منهم، فإنّ ذلك حرام عليكم… وعن قتادة والزهري في قوله: {وَلَا تُنْكِحُوا المشْرِكِينَ} قال: لا يحلّ لكَ أن تُنكِح يهوديًّا أو نصرانيًّا ولا مشركًا من غير أهل دينك… وعن عكرمة والحسن البصري قال: حرَّم المسلمات على رجالهم، يعني رجال المشركين”([1]).

وقال البغوي رحمه الله في تفسير الآية: “هَذَا إِجْمَاعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْكِحَ الْمُشْرِكَ”([2]).

وقال الفخر الرازي رحمه الله: “أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} فَلَا خلاف هاهنا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكُلُّ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَةَ لَا يَحِلُّ تَزْوِيجُهَا مِنَ الْكَافِرِ الْبَتَّةَ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْكَفَرَةِ”([3]).

وقال الشافعي رحمه الله: “فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ بِالْقُرْآنِ، بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيما عَلِمْتُهُ”([4]).

فكافة العلماء من السلف والخلف لا يختلفون أن تحريم زواج المسلمة من المشرك عام لا يدخله تخصيص، ويشمل الكتابي وغيره، خلافًا للحكم الأول في الآية، فإنهم مختلفون هل يشمل عمومه الكتابيات أم لم تدخل الكتابيات فيه أصلًا؟ وسوف نتعرض لذلك لاحقًا.

ومما يدل على أن الآية نصٌّ في المسألة: أن الفقهاء يستدلّون على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم بهذه الآية.

قال ابن حزم رحمه الله: “مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ غَيْرِ مُسْلِمٍ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}”([5]).

وقال السرخسي الحنفي رحمه الله: “وَإِذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمَةً حُرَّةً فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى»، فَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِلْكَافِرِ”([6]).

وقال الشافعي: “فَقَدْ قِيلَ: إنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ [آية البقرة وآية الممتحنة] فِي مُشْرِكَاتِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، وَقَدْ قِيلَ: فِي الْمُشْرِكَاتِ عَامَّةً، ثُمَّ رَخَّصَ مِنْهُنَّ فِي حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَخْتَلِف النَّاسُ فِيمَا عَلِمْنَا فِي أَنَّ الزَّانِيَةَ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِمُشْرِكٍ وَثَنِيٍّ وَلَا كِتَابِيٍّ”([7]).

والنقول في ذلك لا تحصى، فعامة الفقهاء يستدلون على هذا الحكم المجمع عليه بالآية؛ مما يدل على أنها عامة للكتابي وغيره من سائر الكفار والمشركين.

ومما يؤكد ذلك أيضًا: أن الله تعالى جعل غاية التحريم بزوال الكفر بالإيمان، فقال: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}، فدل ذلك على أنه ما لم يؤمنوا فإن نكاحهم محرم، ولا يختلف العلماء أن أهل الكتاب المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم غير مؤمنين؛ لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29].

الدليل الثاني: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].

قال القرطبي رحمه الله: “أَيْ: لَمْ يحِلَّ اللَّهُ مُؤْمِنَةً لِكَافِرٍ، وَلَا نِكَاحَ مُؤْمِنٍ لِمُشْرِكَةٍ”([8]).

وقال ابن كثير رحمه الله: “هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الَّتِي حَرَّمَتِ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ كَانَ جَائِزًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُشْرِكُ الْمُؤْمِنَةَ”([9]).

وقال الفخر الرازي رحمه الله: “مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؟ نقول: هَذَا بِاعْتِبَارِ الْإِيمَانِ مِنْ جَانِبِهِنَّ وَمِنْ جَانِبِهِمْ؛ إِذِ الْإِيمَانُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ شَرْطٌ لِلْحِلِّ، وَلِأَنَّ الذِّكْرَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مُؤَكَّدٌ لِارْتِفَاعِ الْحِلِّ، وفيه من الإفادة ما لا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ”([10]).

والآية وإن نزلت في الكفار الوثنيين؛ إلا أن لفظها عام يدخل فيه جميع أصناف الكفار، فلفظ الكفر هنا عام، يدخل فيه الكتابي وغيره باتفاق أهل العلم، وقد أطلق القرآن وصف الكفار على أهل الكتاب، كما في قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1]، وقوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُم} [البقرة: 105].

الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]:

فقطعت الآية ولاية الكافر على المسلم بحال، ولا شك أن للزوج ولاية على المرأة، فيمنع من ذلك.

قال الكاساني الحنفي رحمه الله: “فَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْمُسْلِمَةِ الْكِتَابِيَّ كَمَا لَا يَجُوزُ إنْكَاحُهَا الْوَثَنِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ وَلَايَةَ الْكَافِرِينَ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141]، فَلَوْ جَازَ إنْكَاحُ الْكَافِرِ الْمُؤْمِنَةَ لَثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ”([11]).

الدليل الرابع: تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين المرأة إذا أسلمت وزوجها لم يسلم:

وردت أخبار كثيرة في التفريق بين صحابيات أسلمن قبل أزواجهن، ومن أصحِّ ما ورد في ذلك: ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب، وقد كانت متزوِّجة من أبي العاص بن الربيع في الجاهلية، فلما أسلمت فُسِخ النكاحُ بينهما، ولحقت بأبيها صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم زوجها ردَّها النبي صلى الله عليه وسلم إليه([12]).

الدليل الخامس: الإجماع على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم:

والإجماع من أقوى الحجج الشرعية؛ فهو رافع للخلاف، ومانع من إحداث قول مخالف. وهو هنا إجماع قطعي لا خلاف في ثبوته، تناقله العلماء سلفا وخلفا.

قال ابن قدامة رحمه الله في شرح قول الخرقي: “وَلَا يُزَوِّجُ كَافِرٌ مُسْلِمَةً بِحَالٍ”: “أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ”([13]).

وقال ابن جزي رحمه الله: “وَإِن نِكَاح كَافِر مسلمة يحرم على الإطلاق بِإِجْمَاع”([14]).

وقال ابن مفلح رحمه الله: “لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ; وَلِأَنَّ دِينَهما اخْتَلَفَ، فَلَمْ يَجُزِ اسْتِمْرَارُهُ كَابْتِدَائِهِ”([15]).

وقال القرطبي رحمه الله: “وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَطَأُ الْمُؤْمِنَةَ بِوَجْهٍ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ”([16]).

فثبت بما قدمنا أن حرمة زواج المسلمة من غير المسلم حرمةٌ قطعيةٌ لا خلاف فيها بوجه من الوجوه، ودل على تحريمها الكتاب والسنة والإجماع.

وإذا كان الأمر كذلك؛ فما مثار الشبهة عند من يقول ذلك؟ ذلك ما سنتناوله في المطلب الآتي.

ثانيا: مثارات الشبه في هذه المسألة:

الشبهة الأولى: أن لفظ المشركين لا يتناول أهل الكتاب، وهذا قد ذكره كثير من العلماء، بدليل أن الله تعالى غاير بينهما، كما في أول سورة البينة وغيرها، والعطف يقتضي التغاير، فلا يبقى في المسألة نص.

والجواب من وجوه:

الأول: أن العلماء الذين ذكروا ذلك لم يختلف قولهم في حرمة زواج المسلمة من الكتابي، فكيف يحتج بقولهم في الخلاف ويترك نقلهم للإجماع؟! حتى إن بعض العلماء المعاصرين الذين قالوا: إن الآية لا تدل على تحريم نكاح الكتابية -كابن عاشور في تفسيره- قالوا بأن هذا التحريم مستفاد بالسنة والإجماع.

الثاني: أنه لم يختلف العلماء في دخول الكتابيين في عموم المشركين المنهي عن تزويجهم المسلمات، فالنهي عن تزويج المشركين محكم عامّ لا قائل بتخصيصه، بإجماع أهل العلم، وعامة أهل العلم يستدلون بالآية على تحريم نكاح الكافر للمسلمة بلا نكير.

وإنما اختلف العلماء في لفظة (المشركات) هل هي من قبيل العام المخصوص فيدخل فيها الكتابيات بداية، ثم يخصص حل نكاح الكتابية بآية المائدة، أم أن لفظها عام أريد به الخصوص؟ فهذا الذي اختلفوا فيه فقط.

الثالث: أن هذا لا يرد في آية الممتحنة: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}، فإن القرآن أطلق وصف الكفار على أهل الكتاب في آيات عديدة كما سبق بيانه، فكيف يقال: لا يوجد نص في التحريم؟!

الرابع: أن الصحيح إطلاق وصف الشرك واسم الشرك على أهل الكتاب، ويدل على ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التَّوْبَةِ: 30]، ثم قال في آخر الآية: {سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التَّوْبَةِ: 31]. وهذه الآية صريحة في أن اليهودي والنصراني مشرك.

وأما المغايرة بينهما بالعطف؛ فجوابه: أنه قد يكون من باب عطف الخاص على العام، وهو كثير في اللغة والقرآن، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الْحَجّ: 17]، فهل يقال: إن المجوس ليسوا مشركين؟! لا قائل بذلك، وغاية ما يقال: إنهم نوع خاص له اسم خاص يندرج تحت الاسم العام.

الخامس: أنَّ مقصد من قال من العلماء: إن لفظ المشركين لا يتناول أهل الكتاب، أي: في الإطلاق الخاص للاسم لا في الحكم.

قال أبو بكر الجصاص رحمه الله: “ففرق بين الفريقين [المشركين وأهل الكتاب] في اللفظ، فدل على أن كل واحد من اللفظين يختصّ عند الإطلاق بضرب دون غيره، وإن كان الجميع مشركين في الحقيقة وكفارا، كما اختصّ المنافقون باسم النفاق وإن كانوا مشركين، ولا يتناولهم مع ذلك إطلاق لفظ المشركين”([17]).

السادس: أن إجماع العلماء على دخول الكتابي في عموم المشركين المنهي عن تزويجهم المسلمات يجعل دلالة الآية قطعيةً لا ظنية كما يقول المعارض، ولو لم نعتمد هذا لبطلت جميع أحكام الإسلام وشرائعه، فلقائل أن يقول: إن الأمر بالصلاة ليس نصًّا في وجوبها؛ لأن الأمر ليس نصًّا في الوجوب، كما يقرر علماء الأصول. ويقال هذا في سائر أصول الإسلام، وهذا من أبطل الباطل؛ ولذلك يقول العلماء: إن دلالة الإجماع قطعية، ومحله الإجماع القطعي كما في مسألتنا بفضل الله تعالى.

الشبهة الثانية: أن باب الاجتهاد لم يغلق:

والجواب من وجوه:

الأول: نعم، باب الاجتهاد لم يغلق، لكن الاجتهاد لا يعني جواز مخالفة الإجماع، وهذا مثار غلط عند كثيرين، يظنون أن مرتبة الاجتهاد تسوِّغ لصاحبها مخالفة الإجماع القديم الثابت، وهذا باطل، فالإجماع حجَّة شرعية رافعة للخلاف، ولا يجوز للمجتهد أن يخالف الإجماع الثابت، والمجتهد عندما يتعرض للمسألة ينظر أولا: هل هي إجماعية أم خلافية؟ فإن كانت الأولى أمسك، وصار اجتهاده في تحقيق المناط ونحو ذلك، وإن كانت الثانية أو مسألة جديدة أعمل فيها جهده.

وليس هذا خاصًّا بأهل زماننا فقط كما يتوهّمون، بل هذا القيد لازم لكلِّ المجتهدين بمن فيهم الأئمة الأربعة، فلم يكن الواحد منهم يجوِّز مخالفة إجماع الصحابة أو التابعين أو من بعدهم من العلماء.

الثاني: أن دعوى الاجتهاد لا تقبل ممن لا تتحقَّق فيه شروطُه، وعامَّةُ المخالفين في هذه المسألة ممن لا يُعرفون بالعلم الشرعيّ، بل عامتهم من أهل المناهج المنحرفة والأقوال الشاذة، فهم ممَّن لا يُعتدُّ ولا يُفرَح بوفاقهم أصلا، فكيف بخلافهم؟!

الشبهة الثالثة: الخلط بين خلاف العلماء في مسألة انفساخ نكاح الكافرة إذا أسلمت، ومسألة تحريم زواج المسلمة من غير المسلم، فقد أورد ابن القيم([18]) رحمه الله تسعة أقوال في مسألة انفساخ النكاح عند إسلام الزوجة قبل زوجها، فظنها البعض تنسحب على مسألتنا هذه.

والجواب من وجوه:

الأول: أنه يُغتفر في الدوام ما لا يُغتفَر في الابتداء، ويُغتفر في التابع ما لا يُغتفر في غيره، كما يُنْهى المحرم عن ابتداء الطّيب، ولا يُنهى عن استدامَتِه، ويُنهى عن ابتداء النكاح، ويجوز له الرجعة وغير ذلك من فروع هذه القاعدة الفقهية([19]).

فلو فرضنا جواز استمرار نكاح الكافرة إذا أسلَمَت ولم يسلم زوجها -مع كون ذلك باطلا كما سيأتي- فلا يدلُّ ذلك بحال على جواز ابتداء نكاح المسلمة من كافر.

الثاني: أن العلماء متَّفقون على أن المرأة إذا أسلمت، فإنها لا تُقَرّ مع زوجها الكافر على ما كانت عليه قبل إسلامها.

قال ابن عبد البر رحمه الله: “لم يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْكَافِرَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا إِلَيْهَا إِذَا كَانَ لَمْ يُسْلِمْ فِي عِدَّتِهَا، إِلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ شَذَّ فِيهِ عَنْ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَتْبَعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَّا بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِر”([20]).

فالمسألة في الحقيقة من أدلة حرمة زواج المسلمة من غير المسلم.

الثالث: أن العلماء اختلفوا بعد ذلك: هل تقع الفرقة بين الزوجين بمجرد إسلام المرأة وتأخر إسلام زوجها أم ينتظر مدة؟ والقائلون بالانتظار اختلفوا في هذا المدة: فأكثرهم أن ذلك مقيَّد بالعدَّة، فإذا انتهَت العدة، ولم يسلم الزوج، انفسخ النكاح.

ومنهم من جعل الزواج موقوفًا، ولكن لا يفسخ إلا بحكم القاضي.

ومنهم من جعله باقيا إذا اختارت المرأة ذلك، فيكون الزواج موقوفًا، لا قائما ولا مفسوخا، ولكن لا يطؤها زوجها. وهذا اختيار شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله تعالى.

قال ابن القيم رحمه الله: “عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ، فَخَيَّرَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ، وَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ -وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ-، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تُقِيمُ تَحْتَهُ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ، بَلْ تَنْتَظِرُ وَتَتَرَبَّصُ، فَمَتَى أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَلَوْ مَكَثَتْ سِنِينَ، فَهَذَا قَوْلٌ سَادِسٌ، وَهُوَ أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ السُّنَّةُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ”([21]).

فانظر إلى قول ابن القيم: “وليس معناه أنها تقيم تحته وهو نصراني”؛ مع أنه يقول بأن النكاح يظل موقوفًا بلا أمد إذا اختارت المرأة ذلك مستدلا بأثر عمر رضي الله عنه.

وليس غرضنا هنا الترجيح بين هذه الأقوال، ولا ذكر أدلتها، وإنما غرضنا بيان فساد من استدل بذلك على تقرير إقامة المرأة بعد إسلامها مع زوجها الكافر، ثم القفز للاستدلال على جواز زواج المسلمة من غير المسلم ابتداء، وهو ما بيَّنَّا بطلانه، ولله الحمد والمنة.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) تفسير ابن جرير (4/ 370) باختصار.

([2]) تفسير البغوي (1/ 256).

([3]) تفسير الرازي (6/ 413).

([4]) أحكام القرآن (1/ 189).

([5]) المحلى (9/ 19).

([6]) المبسوط (5/ 45).

([7]) الأم (5/ 159).

([8]) تفسير القرطبي (18/ 63).

([9]) تفسير ابن كثير (8/ 121).

([10]) تفسير الرازي (29/ 522).

([11]) بدائع الصنائع (2/ 272).

([12]) رواه الترمذي (1143)، وأبو داود (2240)، وغيرهما، وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس.

([13]) المغني (7/ 27). وينظر: الشرح الكبير على المقنع (20/ 345).

([14]) القوانين الفقهية (ص: 131).

([15]) المبدع شرح المقنع (6/ 179).

([16]) تفسير القرطبي (3/ 72).

([17]) شرح مختصر الطحاوي (4/ 453).

([18]) انظر: أحكام أهل الذمة (2/ 540-548).

([19]) انظر في هذه القاعدة الفقهية: القواعد الفقهية، للزحيلي (2/ 691).

([20]) التمهيد (12/ 23).

([21]) أحكام أهل الذمة (2/ 246).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

ذلك ومن يعظم شعائر الله .. إطلالة على تعظيم السلف لشعائر الحج

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا جرم أن الحج مدرسة من أعظم المدارس أثرا على المرء المسلم وعلى حياته كلها، سواء في الفكر أو السلوك أو العبادات، وسواء في أعمال القلوب أو أعمال الجوارح؛ فإن الحاج في هذه الأيام المعدودات لو حجَّ كما أراد الله وعرف مقاصد الحج من تعظيم الله وتعظيم شعائره […]

‏‏ترجمة الشيخ الداعية سعد بن عبد الله بن ناصر البريك رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ سعد بن عبد الله بن ناصر البريك. مولده: ولد الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض يوم الاثنين الرابع عشر من شهر رمضان عام واحد وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية 14/ 9/ 1381هـ الموافق 19 فبراير 1962م. نشأته العلمية: نشأ رحمه الله نشأته الأولى في مدينة […]

تسييس الحج

  منذ أن رفعَ إبراهيمُ عليه السلام القواعدَ من البيت وإسماعيلُ وأفئدة الناس تهوي إليه، وقد جعله الله مثابةً للناس وأمنا، أي: مصيرًا يرجعون إليه، ويأمنون فيه، فعظَّمه الناسُ، وعظَّموا من عظَّمه وأقام بجواره، وظل المشركون يعتبرون القائمين على الحرم من خيارهم، فيضعون عندهم سيوفهم، ولا يطلب أحد منهم ثأره فيهم ولا عندهم ولو كان […]

البدع العقدية والعملية حول الكعبة المشرفة ..تحليل عقائدي وتاريخي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة تُعدُّ الكعبةُ المشرّفة أقدسَ بقاع الأرض، ومهوى أفئدة المسلمين، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بعقيدة التوحيد منذ أن رفع قواعدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، تحقيقًا لأمر الله، وإقامةً للعبادة الخالصة. وقد حظيت بمكانةٍ عظيمة في الإسلام، حيث جعلها الله قبلةً للمسلمين، فتتوجه إليها وجوههم في الصلاة، […]

الصد عن أبواب الرؤوف الرحيم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من أهمّ خصائص الدين الإسلامي أنه يؤسّس أقوم علاقة بين الإنسان وبين إلهه وخالقه سبحانه وتعالى، وإبعاد كلّ ما يشوب هذه العلاقة من المنغّصات والمكدرات والخوادش؛ حيث تقوم هذه العلاقة على التوحيد والإيمان والتكامل بين المحبة والخوف والرجاء؛ ولا علاقة أرقى ولا أشرف ولا أسعد للإنسان منها ولا […]

إطلاقات أئمة الدعوة.. قراءة تأصيلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: يقتضي البحث العلمي الرصين -لا سيما في مسائل الدين والعقيدة- إعمالَ أدوات منهجية دقيقة، تمنع التسرع في إطلاق الأحكام، وتُجنّب الباحثَ الوقوعَ في الخلط بين المواقف والعبارات، خاصة حين تكون صادرة عن أئمة مجدِّدين لهم أثر في الواقع العلمي والدعوي. ومن أبرز تلك الأدوات المنهجية: فهم الإطلاق […]

التوحيد في موطأ الإمام مالك

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يختزن موطأ الإمام مالك رضي الله عنه كنوزًا من المعارف والحكمة في العلم والعمل، ففيه تفسيرٌ لآيات من كتاب الله تعالى، وسرد للحديث وتأويله، وجمع بين مختلفه وظاهر متعارضه، وعرض لأسباب وروده، ورواية للآثار، وتحقيق للمفاهيم، وشرح للغريب، وتنبيه على الإجماع، واستعمال للقياس، وفنون من الجدل وآدابه، وتنبيهات […]

مناقشة دعوى مخالفة حديث: «لن يُفلِح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة» للواقع

مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: تُثار بين حين وآخر بعض الإشكالات على بعض الأحاديث النبوية، وقد كتبنا في مركز سلف ضمن سلسلة –دفع الشبهة الغويّة عن أحاديث خير البريّة– جملةً من البحوث والمقالات متعلقة بدفع الشبهات، ونبحث اليوم بعض الإشكالات المتعلقة بحديث: «لن يُفلِحَ قومٌ وَلَّوْا […]

ترجمة الشيخ أ. د. أحمد بن علي سير مباركي (1368-1446هـ/ 1949-2025م)(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن علي بن أحمد سير مباركي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بقرية المنصورة التابعة لمحافظة صامطة، وهي إحدى محافظات منطقة جازان، وذلك عام 1365هـ([2]). نشأته العلمية: نشأ الشيخ نشأتَه الأولى في مدينة جيزان في مسقط رأسه قرية […]

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟). وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه […]

التصوف بين منهجين الولاية نموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منذ أن نفخ الله في جسد آدم الروح، ومسح على ظهره، وأخذ العهد على ذريته أن يعبدوه، ظلّ حادي الروح يحدوها إلى ربها، وصوت العقل ينادي عليها بالانحياز للحق والتعرف على الباري، والضمير الإنساني يؤنّب الإنسان، ويوبّخه حين يشذّ عن الفطرة؛ فالخِلْقَة البشرية والهيئة الإنسانية قائلة بلسان الحال: […]

ابن تيميَّـة والأزهر.. بين التنافر و الوِفاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية أحد كبار علماء الإسلام الذين تركوا أثرًا عظيمًا في الفقه والعقيدة والتفسير، وكان لعلمه واجتهاده تأثير واسع امتدّ عبر الأجيال. وقد استفاد من تراثه كثير من العلماء في مختلف العصور، ومن بينهم علماء الأزهر الشريف الذين نقلوا عنه، واستشهدوا بأقواله، واعتمدوا على كتبه […]

القول بالصرفة في إعجاز القرآن بين المؤيدين والمعارضين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الآياتِ الدالةَ على نبوّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم كثيرة كثرةَ حاجة الناس لمعرفة ذلك المطلَب الجليل، ثم إن القرآن الكريم هو أجلّ تلك الآيات، فهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرّة على تعاقُب الأزمان، وقد تعدَّدت أوجه إعجازه في ألفاظه ومعانيه، ومع ما بذله المسلمون […]

الطاقة الكونية مفهومها – أصولها الفلسفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: إن الله عز وجل خلق الإنسان، وفطره على التوحيد، وجعل في قلبه حبًّا وميلًا لعبادته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، قال السعدي رحمه الله: […]

موقف الليبرالية من أصول الأخلاق

مقدمة: تتميَّز الرؤية الإسلامية للأخلاق بارتكازها على قاعدة مهمة تتمثل في ثبات المبادئ الأخلاقية وتغير المظاهر السلوكية، فالأخلاق محكومة بمعيار رباني ثابت يحدد مسارها، ويمنع تغيرها وتبدلها تبعًا لتغير المزاج البشري، فحسنها ثابت الحسن أبدًا، وقبيحها ثابت القبح أبدًا، إذ هي تحمل صفات ثابتة في ذاتها تتميز من خلالها مدحًا أو ذمًّا خيرًا أو شرًّا([1]). […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017