الأربعاء - 22 شوّال 1445 هـ - 01 مايو 2024 م

بينَ محاكماتِ الأمس وافتراءَاتِ اليوم (لماذا سُجِنَ ابن تيمية؟)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدّمة:

كتبَ الله أن ينال المصلحين حظٌّ وافر من العداء والمخاصمة، بل والإيذاء النفسي والجسديّ، وليس يخفى علينا حالُ الأنبياء، وكيف عانوا مع أقوامهم، فقط لأنَّهم أتوا بما يخالف ما ورثوه عن آبائهم، وأرادوا أن يسلُكوا بهم الطريقَ الموصلة إلى الله، فثاروا في وجه الأنبياء، وتمسَّكوا بما كان عليه آباؤهم من ضلال، وقالوا ما ذكره الله عنهم في القرآن الكريم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22]، وعادَوا هؤلاء الأنبياء، فمنهم من طُرد، ومنهم من قتل، قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87].

ثمَّ سار المصلحون على ما سار عليه الأنبياء، وما من مصلح إلا وقد أوذي وعودي، ولنا في التاريخ الإسلامي مئات الأمثلة لذلك([1])، ومن أبرزهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

جاءَ شيخ الإسلام في واقعٍ مليءٍ بالأفكار الخاطئة والتَّصورات الباطلة عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعن تشريعات الإسلام المختلفة، في كل زاوية تجد رايةً مرفوعة تدَّعي أنَّها على الحق، وكلّ راية تبطِل الأخرى، في دوَّامة من الباطل لا تنتهي، فجاء ابن تيمية رحمه الله وسط هذا الركام ليرفع راية الحق، ويدعو إلى الرجوع إلى الكتاب والسُّنة، والتمسّك بفهم سلف الأمَّة، وليس هو بأوَّل حامل لتلك الراية، ولا آخرهم، وإنما كان مبرِّزًا في حملها، وقد بيَّن بطلان الرايات الأخرى، فتارةً يردّ على الحلولية، وتارة يبطل أباطيل الصوفية والقبورية، وأخرى يبيّن تناقض الكلابية والأشعرية، ويردّ على المرجئة والخوارج والجهمية والمعتزلة والباطنية والرافضة، ومع كلِّ ذلك فهو يقرِّر العقيدة الحقَّة المستنبطة من الكتاب والسنة، ويدعو إلى فهمهما فهمًا سليما، ويَنبذ التقليد المذموم، ويدعو إلى إعمال العَقل، فنَكَس راياتِ الخرافة، وهدم أركان الضلال، فمن الطبيعي أن يكون له خصوم متعدِّدون، يريدون إزالة رايته التي رفعها.

وهؤلاء الخصوم لابن تيمية رحمه الله يتجدَّدون مع تجدُّد ذكره وكتبه وعلمه، وليس خصوم اليوم بأقلَّ عددًا وشراسةً من خصوم الأمس، بل الخصومة اليوم انتقلت من محابر الكتب إلى شاشات التِّلفاز، ومن حوارات المجالس إلى سجالات الفضاء المفتوح في الشبكة العنكبوتية، فاتُّهِم رحمه الله بتُهَمٍ عديدة كثيرة؛ بتزييف كلامه تارة، وبنسج الباطل عنه تارات([2])، ودائرة الصراعات التي كانت مع الصوفية والباطنية والأشعرية والجهمية اتَّسعت اليومَ لتكون مع الغلاةِ والعلمانيِّين والحداثيين وفتات من أصحاب الأقلام في الصحف والمجلات والشبكة العنكبوتية!

والطعن في ابن تيمية رحمه الله لا يمكن فهمه إلا على أنَّه إحدى حلقات النيل من الإسلام الصحيح، ليس إلا، وإلا فما اختصاص ابن تيمية رحمه الله بكل ما يُتَّهَم به؟!

وليس القصد أنَّ الإسلام لا يُفهَم إلا عن طريقه، بل لو لم يأت ابن تيمية لظلَّت عقائد أهل السنة والجماعة كما هي، ولكنّه يتزعَّم مدرسة أهل السنة منظِّرًا ومرتِّبًا ومناظرًا ومحاورًا في فترة زمنية كبيرة، فالنيلُ منه ليس إلا محاولةً للنيل من العقيدة الحقة: عقيدة أهل السنة والجماعة، فإنَّ رميَ ابن تيمية بالتكفير والتشدُّد يسهِّل رميَ كل من جاء بعدَه ممن يعظِّمه أو يتَّبع تقريراته التي هي في مجملها تقريراتُ السلف؛ إذ يكفي أن يقال: هو من أتباع ابن تيمية المتطرف!

تمهيد:

قد تتَّفق أو تختلف مع ابن تيمية رحمه الله، فما هو إلا عالم من علماء الإسلام المجتهدين، يصيب ويخطئ، ويقترب من الحق ويبتعد، ولكل متخصِّص الحقُّ في مناقشته والرد عليه ونقد كلامه.

وبغضِّ النَّظر عن الاتفاق أو الاختلاف فإنَّه لا يمكن غضُّ الطرف عن الحياة الحافلة التي عاشها ابن تيمية، ولا يمكن المرور على حياته دون أن تستوقفَنا كمَّية الصدامات العلمية وغير العلمية التي واجهها، عُقدت له مناظرات، وسُجن عدة مرات، ومُنع من الكتابة حتى كتب بالفحم، وصدوا عنه تلامذته، وأخفوا عن الناس كتبه، ومنعوه من الفتيا والتدريس والحديث.

والحديث عن محنه وابتلاءاته ومناظراته وجدالاته يطول؛ بيد أنَّنا في هذه الورقة نريد أن نسلط الضوء على جزءٍ من تلك المحن، وهو سجنات ابن تيمية رحمه الله.

فإنَّه “لمَّا بلغ الثانية والثلاثين من عمره، وبعد عودته من حجَّته، بدأ تعرُّضُه لأخبية السجون وبلايا الاعتقال والترسيم عليه -أي: الإقامة الجبرية-، خلال أربعة وثلاثين عامًا، ابتداء من عام 693ه إلى يوم وفاته في سجن القلعة بدمشق يوم الاثنين 20/ 11/ 728ه، وكان سجنه سبع مرات: أربعٌ بمصر بالقاهرة وبالإسكندرية، وثلاث مرات بدمشق، وجميعها نحو خمس سنين”([3]).

فلماذا سجن ابن تيمية؟ هل لأنه تكفيريّ كان يكفِّر المسلمين، فحكم عليه علماء عصره بالسجن، أم لأنه كان يفتي باستحلال دماء المسلمين فكفَّ الحاكم شره؟ أم كان ذلك لأنه كفر مخالفيه؟! أم أنَّ هناك من يكره راية الحق، ويعميه نور الهدى، فيريد أن يطفئ هذا النور؟!

في هذه الورقة سنقف وقفات مع سجنات ابن تيمية رحمه الله، نعرف بعض الأسباب، ونستلهم بعض العبر، فبالله نستعين.

السجنة الأولى: عام 693هـ في دمشق([4]):

في هذا العام قام أحد النصارى -واسمه عساف- بسبِّ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لجأ إلى بعض العلويِّين فحماه وأمَّنه، فغضب ابن تيمية رحمه الله من أن يُمسَّ من جناب النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعاقب ذلك السَّاب، بل تتمّ حمايته، فاجتمع بالشيخ زين الدين الفارقي -شيخ دار الحديث-، فخاطبا بذلك نائب السلطان بدمشق عز الدين أَيبك الحمويّ، وبيَّنا له ضرورة الحفاظ على جناب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يعاقبَ من يمسّه بسوء، فأمر النائب بإحضار عسَّاف، فخرج ابن تيمية والشيخ زين الدين من عند النائب بعد أن أتمَّا نصيحتَهما، فلمَّا حضر عسَّاف ومن معه سبَّه بعض الناس وشتموه، ورموه بالحجارة، فأصابت عسَّافًا النصراني، فأرسل النائب وطلب الشيخين ابن تيمية وزين الدين الفارقي فضربهما بين يدي العسَّاف! ورسم عليهما في العذراوية، ثم استدعاهما النائبُ وأرضاهما، وكان في ذلك خيرًا كثيرًا؛ إذ ألَّف فيه ابن تيمية كتابه: “الصارم المسلول على شاتم الرسول”.

السجنة الثانية: عام 705هـ في مصر([5]):

عُقدت لابن تيمية رحمه الله مناظرات عديدة في عقيدته، وكان في كل مرة يثبت عقيدة السلف، وينافح عنها، وكان سجنه هذه المرة من أجل عقيدته التي يدافع عنها، أو بالأحرى من أجل عداوة من يردُّ عليهم ويبين ضلالهَم، فقد استَعدَوا عليه السلطة، وأوغروا صدر الأمير ركن الدين الجاشَنكير، وكان ممن تكلَّم في ابن تيمية عند الأمير: قاضي المالكية ابن مخلوف، والشيخ نصر الْمَنْبِجيّ شيخ الجاشنكير، وغيرهما من أعدائه([6]).

فأمر نائب السلطان في دمشق أن يعقد مجالس لابن تيمية لاختباره في عقيدته، وعقدت له تلك المجالس في سنة 705هـ، يقول ابن تيمية مبيِّنًا أنَّ تلك المجالس بأمر الأمير: “فقد سُئلت أن أكتب ما حضرني ذكره ممَّا جرى في المجالس الثلاثة المعقودة للمناظرة في أمر الاعتقاد، بمقتضى ما ورد به كتاب السلطان من الديار المصرية إلى نائبه أمير البلاد، لما سعى إليه قوم من ذوي الاحقاد. فأمر الأمير بجمع القضاة والمشايخ ممن له حرمة وبه اعتداد، وهم لا يدرون ما قصد بجمعهم في هذا الميعاد، وذلك يوم الاثنين ثامن رجب المبارك عام خمس وسبعمائة، فقال لي: هذا المجلس عقد لك، وقد ورد مرسوم السلطان أن أسألك عن اعتقادك، وعمَّا كتبت به إلى الديار المصرية من الكتب التي تدعو بها الناس إلى الاعتقاد. وأظنُّه قال: وأن أجمع القضاة والفقهاء، ويتباحثون في ذلك.

فقلت: أمَّا الاعتقاد فلا يؤخَذ عنِّي ولا عمن هو أكبر مني، بل يؤخذ عن الله ورسوله وما أجمع عليه سلف الأمّة؛ فما كان في القرآن وجب اعتقادُه، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة، مثل صحيح البخاري ومسلم”([7]).  

فجلسات الاختبار في العقيدة كانت بطلبٍ من الأمير، وقد بينَّا أن سبب ذلك هو إيغار صدر الأمير من الْمَنْبِجيّ ومن معه حين أرسل ابن تيمية فتاويه وكتبه إلى مصر يدعو أهلها إلى الحق، ويبين خطأ الصوفية والحلولية وغير ذلك، فأوغروا صدر الأمير؛ سواء بتزييف بعض الحقائق، أو حتى بالكذب! فقد كذب بعض القوم على ابن تيمية، فوضعوا كتابا عليه وأوصلوه إلى الأمير على أنَّ هذا عقيدة ابن تيمية، يقول ابن تيمية: “وأمَّا الكتب فما كتبت إلى أحد كتابًا ابتداءً أدعو به إلى شيءٍ من ذلك؛ ولكن كتبت أجوبة أجبت بها من يسألني من أهل الديار المصرية وغيرهم.

وكان قد بلغني أنَّه زوِّر علي كتابٌ إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير أستاذ دار السُّلطان، يتضمن ذكر عقيدة محرفة، ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أن هذا مكذوب.

وكان يرد عليَّ من مصر وغيرها من يسألني مسائل في الاعتقاد أو غيره، فأجيبه بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة”([8]).

هذا هو السبب الأكبر في هذا الأمر، إضافة إلى أسباب أخرى تتمثل في الحسد لمكانة ابن تيمية عند الدولة، وانفراده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة الناس له، وقيامه بالحق([9]).

وعلى كل حال عقدت المجالس لابن تيمية رحمه الله:

ففي يوم الاثنين الثامن من شهر رجب عُقد المجلس الأول عند نائب السلطنة بالقصر، وحضره القضاة والعلماء، فقرئت الواسطية، وحصل بحثٌ في بعض المواطن فيها.

ثم تلاه الثاني في يوم الجمعة الثاني عشر من نفس الشهر بعد صلاة الجمعة، وحضره الشيخ صفي الدين الهندي، فناظر ابن تيمية رحمه الله، ولكن ساقيته لاطمت بحرًا، فاصطلحوا على أن يحاور ابن تيمية الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني، فتكلَّم مع ابن تيمية وتباحثا، وانفصل المجلس على قبول العقيدة، ورجع الشيخ إلى منزله معزَّزًا مكرما([10]).

وفي السَّابع من شعبان عقد المجلس الثالث بالقصر، فلم يجدوا شيئًا على ابن تيمية، واجتمع الجماعة على الرضا بالعقيدة المذكورة، وفي هذا اليوم عَزل ابن صَصَريّ نفسه عن الحكم بسبب كلام سمعه من بعض الحاضرين، وهو الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني.

في السادس والعشرين من شهر شعبان أرسل الأمير ركن الدين رسالة، وفيها إعادة ابن صَصَريّ إلى القضاء، وقوله: “إنَّا كنَّا رسمنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين ابن تيمية، وقد بلغنا ما عقد له من المجالس، وأنَّه على مذهب السلف، وإنَّما أردنا بذلك براءة ساحته ممَّا نسب إليه”([11]).

فعقيدة ابن تيمية سليمة إذن باعتراف السلطان نفسه، إلَّا أن ذلك لم يرض الْمَنْبِجيّ، فأوغر صدر الأمير حتَّى استدعى ابن تيمية والقاضي ابن صَصَريّ، فهو مجرد استعداء للسلطة ضد ابن تيمية رحمه الله، بل من عجيب حالهم أنَّهم لم يشنِّعوا على عقيدته فحسب، بل أوغروا صدر السلطان بقولهم: إنَّ ابن تيمية يريد أن ينصب نائب الشام أميرًا، وإنه يريد الانقلاب على الأمير ركن الدين الجاشنكير!

فجاء كتاب من الأمير في يوم الاثنين الخامس من رمضان بأن يحمل ابن تيمية والقاضي ابن صَصَريّ إلى الديار المصرية، يقول مرعي الكرمي: “فلمَّا طلب إلى الديار المصرية مانَعَ نائبُ الشام وقال: قد عقد له مجلسان بحضرتي وحضرة القضاة والفقهاء، وما ظهر عليه شيء، فقال الرسول لنائب دمشق: أنا ناصح لك، وقد قيل: إنه يجمع الناس عليك، وعقد لهم بيعة، فجزع من ذلك وأرسله إلى القاهرة عبر البريد([12])، وقيل: إنَّ النائب طلب من ابن تيمية عدم الاستجابة، وبين أنَّه سيكتب للأمير من أجله، فامتنع ابن تيمية، ورأى أنَّ الخير في ذهابه إلى مصر([13]).

ولعله قد حصل الأمران معًا، أعني أنَّ النائب طلب منه عدم الذهاب، ثم أُخبر النائب بما أثاره الْمَنْبِجيّ وغيره من الكذب ضد ابن تيمية وإرادته تنصيب النائب أميرًا؛ فامتنع عن الكتابة، وفي نفس الأمر لعلَّ ابن تيمية أحس بذلك فلم يُثقِل على النائب، بل بيَّن أن في ذهابه خيرًا كثيرًا.

وقد خرج الناس لوداعه، وازدحموا عند بيته، فخرج منها وهو على هذا الحال([14])، وفي يوم السبت دخل ابن تيمية غزة، فعمل بجامعها مجلسًا عظيمًا، ثم رحلا إلى القاهرة([15]).

في يوم الخميس الخامس والعشرين من رمضان عام 705هـ دخلا مصر([16])، وعقد له مجلس يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة بالقلعة، واجتمع فيه القضاة ورجال الدولة، وانتدب له الشمس ابن عدلان خصمًا احتسابًا، وادَّعى عليه عند القاضي ابن مخلوف المالكي في مسائل العرش، والكلام بحرف وصوت، وطلب من ابن تيمية الجواب على ذلك، ومن شناعة ما كانوا يحملونه على ابن تيمية في ذلك المجلس أنَّ القاضي منعه حتى من بدء جوابه بالحمد والثناء! فإنَّه حين طُلب منه الجواب حمد الله وأثنى عليه، فقال له القاضي: “أجب، ما جئنا بك لتخطب”([17])، ومن عجائب ذلك المجلس أيضًا أنَّ خصمه هو قاضيه، ومن تقاضي إن كان خصمك القاضي؟! ولهذا سألهم ابن تيمية رحمه الله: من الحاكم فيَّ؟ فقيل له: القاضي المالكي، فقال له الشيخ: كيف تحكم فيَّ وأنت خصمي؟! فغضب غضبًا شديدًا وانزعج، وأقيم مرسم عليه، وحبس في برجٍ أياما، ثم نقل منه ليلة العيد إلى الحبس المعروف بالجبِّ هو وأخواه: شرف الدين عبد الله، وزين الدين عبد الرحمن([18]).

ولم يكتفوا بسجن ابن تيمية رحمه الله، بل عادَوا أتباعَه، فقد أرسلوا كتابًا بما حصل في مصر إلى الشام، يقول ابن كثير رحمه الله عنه: “وقرئ تقليده بالجامع، وبعده قرئ كتابٌ فيه الحطُّ على الشيخ تقي الدين، ومخالفته في العقيدة، وأن ينادى بذلك في البلاد الشامية، وألزم أهل مذهبه بمخالفته، وكذلك وقع بمصر، قام عليه جاشنكير وشيخه نصر الْمَنْبِجيّ، وساعدهم جماعة كثيرة من الفقهاء والفقراء، وجرت فتن كثيرة منتشرة، نعوذ بالله من الفتن”([19]).

ثمَّ بعد عام تقريبًا، في ليلة الفطر من سنة 706هـ أحضر نائب السلطنة سيف الدين سلار القضاة الثلاثة: المالكي والشافعي والحنفي، وأحضر الفقهاء، ومنهم: الباجي والنمراوي، وتكلم النَّائب في إخراج ابن تيمية، فاتفقوا على إخراجه بشرط أن يتراجع عن بعض عقيدته، فأرسلوا إلى ابن تيمية إلا أنَّه رأى عدم الحضور، وتكرر ذلك عدة مرات، فانصرف نائب السلطنة ومن معه دون أن يخرجوه([20]).

ثمَّ في يوم الخميس السابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 706هـ طُلب أَخَوَا الشيخ ابن تيمية إلى مجلس نائب السلطنة سلار، وحضر القاضي ابن مخلوف المالكي، فتباحث معهما في مسألة العرش والكلام والنزول، ثم أعيدا إلى مكانهما، وفي اليوم الرابع والعشرين من شهر صفر من عام 707هـ اجتمع القاضي بدر الدين ابن جماعة بشيخ الإسلام ابن تيمية في القلعة، وتباحثا ثم افترقا([21]).

وفي شهر ربيع الأول من سنة 707هـ دخل الأمير حسام الدين مهنا بن عيسى، وذهب بنفسه إلى الجب، فأخرج ابن تيمية بعد أن استأذن بذلك، وكان خروجه يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول عام 707هـ، إذ خرج إلى دار نائب السلطنة، وجلس فيها، وحضر بعض الفقهاء، وتباحثوا حتى المغرب، ثم اجتمعوا بعد يومين بمرسوم السلطان، وتباحثوا كذلك، وقد حضر في هذا المجلس: علاء الدين الباجي، وابن عدلان، وغيرهما، ولم يحضر القضاة([22])، “وكان الأمير حسام الدين مهنا يريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى الشام، فأشار سلار بإقامة الشيخ بمصر عنده ليرى الناس فضله وعلمه، وينتفع الناس به، ويشتغلوا عليه، وكتب الشيخ كتابًا إلى الشام يتضمن ما وقع له من الأمور”([23]).

وقد كانت مدة سجنه ثمانية عشر شهرًا إلا ثلاثة أيام، من يوم الجمعة السادس والعشرين من رمضان عام 705ه، إلى يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول من عام 707ه([24]).

السجنة الثالثة: عام 707هـ في مصر([25]):

بعد أن خرج ابن تيمية رحمه الله من السجن في شهر ربيع الأول من سنة 707هـ، بقي في مصر يدرِّس ويعلِّم، ويفتي ويدعو إلى الله، ويتكلم في الجوامع على المنابر، وكان يتكلم في تفسير القرآن وغيره من الحديث من بعد صلاة الجمعة إلى العصر([26])، فاستفاد منه كثيرٌ من الناس.

لكن هذا لم يرُق لمخالفيه، فراحوا يضيِّقون عليه الخناق مرة تلو الأخرى؛ علَّهم يمنعون هذه الراية التي تدعو إلى الكتاب والسنة، ويتمكَّنون من رفع راياتهم، فاجتمع خلقٌ كثير من الصوفية بالقاهرة، واتفقوا على أن يشتكوا ابن تيمية إلى السلطان، فذهب خلقٌ منهم إلى القلعة حتى لفتوا انتباه السلطان، فسأل عن مرادهم، فبُين له أنَّهم كلهم يشتكون ابن تيمية رحمه الله، وفعلوا مثل ذلك عند الأمراء، وأجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، وكان إذا قيل له ذلك يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل([27]).

ولأجل هذا الاستعداء للسُّلطة عقد له مجلسٌ في يوم الثلاثاء الثالث من شهر شوال من عام 707هـ، فظهر علم الشيخ وحجته عليهم فيما ناقشوه من موضوعات الاستغاثة والتوسل بالمخلوقين، وكذا كلامه في ابن عربي، وقد ادعى عليه ابن عطاء بأشياء، فلم يثبت عليه شيءٌ منها، وانقسم الحضور ما بين مدين له وغير مدين، بل رأوا أن كلامه سليم وصحيح، إلا أنَّ القاضي بدر الدين ابن جماعة قد أدانه، ورأى أنه مخطئ([28])، فخيِّر رحمه الله بين ثلاثة أمور: إمَّا أن يعود إلى دمشق، أو يبقى بالإسكندرية بشروط، أو يُحبس، فاختار الحبس، وبقي فيه أيامًا، وألحَّ عليه أصحابه بالموافقة على الرحيل، فقبل ذلك، وركب إلى دمشق في الثامن عشر من نفس الشهر، وكان من نتاج هذا المجلس تأليفه كتاب: “الاستغاثة في الرد على البكري”.

السجنة الرابعة: عام 707هـ في مصر([29]):

ابن تيمية رحمه الله من أكثر من استُعدِيت عليه السلطة، واستخدَم مخالفوه ضدَّه سوطَ السلطان، فقد بيَّنَّا في السجنة الثالثة أنه خُيِّر بين الحبس والرحيل فاختار بعد أيام أن يرحل إلى دمشق، وخرج في يوم الخميس الثامن عشر من شهر شوال لعام 707هـ، فلما صار في الطريق لم يرضَ نصر الْمَنْبِجيّ الذي كان سبب استدعاء ابن تيمية إلى مصر وسجنه إلا بالحبس([30])، فأشار إلى أن يُرجَع فيُحبَس، فأرسلوا إليه في اليوم الذي يليه، وأُرجع من الطريق، فأُحضر عند قاضي القضاة، وحضر جماعة من الفقهاء، وقال له بعضهم: لا ترضى الدولة إلا بالحبس.

وقد استناب شمس الدين التونسي المالكي، وأذن له أن يحكم عليه بالحبس، فامتنع وقال: ما ثبَت عليه شيء، فأذن لنور الدين الزواوي المالكي فتحيَّر، فلما رأى ابن تيمية اختلاف القضاة والفقهاء فيه قال: أنا سأمضي إلى الحبس، وأتَّبع ما تقتضيه المصلحة([31])، فقال نور الدين -المأذون له بالحكم-: يكون في موضع يصلح لمثله، فقيل له: الدولة لا ترضى إلا بمسمَّى الحبس، فحبس في قاعةِ الترسيم بالقاهرة، وأذن في أن يكون عنده من يخدمه.

ومع قصر المدَة التي بقي فيها في قاعة الترسيم إلا أنَّه حصلت له وقائع كثيرة([32])، وكان الناس يزورونه ويستفتونه، بل وتأتيه الفتاوى المشكلة والمسائل العويصة من الأمراء والفقهاء وغيرهم، فيقول فيها وهو في الحبس([33]).

وقد بقي في الحبس من التاسع عشر من شهر شوال من عام 707هـ إلى الخامس من صفر سنة 708هـ، أمضى في السجن قرابة ثلاثة أشهر ونصف.

السجنة الخامسة: عام 709هـ في مصر([34]):

في غرة ربيع الأول من عام 709هـ رسم على ابن تيمية في الإسكندرية، وقد جاءت المشايخ التدامرة وقالوا له: كل هذا يعملونه حتى توافقهم، وهم عاملون على قتلك، أو نفيك، أو حبسك، فقال لهم: أنا إن قتلت كانت لي شهادة، وإن نفوني كانت لي هجرة، ولو نفوني إلى قبرص دعوت أهلها إلى الله وأجابوني، وإن حبسوني كان لي معبدًا، وأنا مثل الغنمة كيفما تقلبت تقلبت على صوف، فيئسوا منه وانصرفوا([35]).

ولا يقف كيد المخالفين -نصر الْمَنْبِجيّ والجاشنكير- عند هذا فحسب، بل أرسلوا ابن تيمية وحيدا دون مرافق، ويرى البعض أن الهدف من وراء هذا أن يتجاسر أحد على ابن تيمية فيتقله! يقول ابن كثير: “فأرادوا أن يسيروه إلى الإسكندرية كهيئة المنفي؛ لعل أحدًا من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غيلة، فيستريحوا منه، فما زاد ذلك الناس إلا محبة فيه، وقربًا منه، وانتفاعًا به، واشتغالًا عليه”([36]).

ولَمَّا تولى الملك الناصر محمد بن قلاوون الحكم سنة 709هـ أفرج عن ابن تيمية، وأتى به إلى القاهرة وأكرمه، وقتل الجاشنكير، وحمل نصرا الْمَنْبِجيّ ومات في زاويته، يقول البرزالي: “ولما دخل السلطان إلى مصر يوم عيد الفطر لم يكن له دأبٌ إلا طلب الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الإسكندرية معززًا مكرمًا مبجلًا، فوجه إليه في ثاني يوم من شوال بعد وصوله بيوم أو يومين، فقدم الشيخ تقي الدين على السلطان في ثامن الشهر، وخرج مع الشيخ خلق يودِّعونه، واجتمع بالسلطان يوم الجمعة فأكرمه، وتلقاه في مجلس حافل فيه قضاة المصريين والشاميين، وأصلح بينه وبينهم، ثم نزل الشيخ إلى القاهرة”([37]).

وقد بقي في السجن إلى الثامن من شهر شوال من عام 709هـ، فكان سجنه 7 أشهر و7 أيام.

ومن أعجب ما يمر بك في سيرة ابن تيمية أنك تجِد كل هذه السجنات التي مرَّ بها بكيدٍ من بعض فقهاء مصر وقضاتها، ثمَّ لما خرج ابن تيمية وأُكرم وصار في موضع القوة استشاره فيهم الملك الناصر محمد قلاوون، ففهم ابن تيمية أنه يريد قتلَهم، فبدأ ابن تيمية يمدحهم، ويثني عليهم، ويقول: لن تجد مثلهم، يقول ابن عبد الهادي: “وسمعت الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله يذكر أن السلطان لما جلسا بالشباك أخرج فتاوى لبعض الحاضرين في قتله، واستفتاني في قتل بعضهم. قال: ففهمت مقصوده، وأن عنده حنقًا شديدًا عليهم لما خلعوه، وبايعوا الملك المظفر ركن الدين بيبرس الشاشنكير، فشرعت في مدحهم والثناء عليهم وشكرهم، وأن هؤلاء لو ذهبوا لم تجد مثلهم في دولتك، وأما أنا فهم في حل من حقي ومن جهتي، وسكَّنت ما عنده عليهم.

قال: فكان القاضي زين الدين ابن مخلوف قاضي المالكية يقول بعد ذلك: ما رأينا أتقى من ابن تيمية، لم نبق ممكنا في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا عنا”([38]).

فانظر كيف تعامل معه هؤلاء، واستعدَوا عليه السلطة، ولَمَّا صارت في يده كان ممتثلا لقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، ولم يعف عمَّا لقيه من أذى فحسب، بل أسكن غضَب السلطان عليهم، يقول ابن كثير: “وقد كان السلطان أعلم بالشيخ من جميع الحاضرين، وبعلمه، ودينه، وقيامه بالحق، وشجاعته، وسمعت الشيخ تقي الدين يذكر ما كان بينه وبين السلطان من الكلام لما انفردا في ذلك الشباك الذي جلسا فيه، وأن السلطان استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من الملك ومبايعة الجاشنكير، وأنهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضا! وأخذ يحثه بذلك على أن يفتيه في قتل بعضهم، وإنما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سعوا فيه من عزله ومبايعة الجاشنكير، ففهم الشيخ مراد السلطان، فأخذ في تعظيم القضاة والعلماء، وينكر أن ينال أحدًا منهم سوء، وقال له: إذا قتلتَ هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارا، فقال الشيخ: من آذاني فهو في حل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي. وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح”([39]).

ثمَّ جلس رحمه الله في القاهرة، وعاد إلى التدريس والتعليم، ويتردَّد عليه العوام وطلبة العلم والأمراء وغيرهم مستفيدين مستفتين، وفيهم من يعتذر له ممَّا جرى، فكان يقول: قد جعلت الكل في حل مما جرى([40]).

وهكذا بعد سنوات ظهر الحق، وانبلج الفجر، وحصل له من الإجلال والتقدير الشيء الكثير، فقد جلس في مصر سبع سنوات، سجن فيها أربع مرات بما مقداره نحو سنتين ونصف، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17]، فذهب أعداؤه، وبقي علمه وذكره وأخلاقه الحسنة الحميدة.

وقد بقي ابن تيمية في مصر حتى الثامن من شهر شوال عام 712هـ حين خرج منها إلى دمشق صحبة السلطان لملاقاة التتر، وفرح الناس به وبمقدمه كما حزنوا يوم خروجه، وما بين يوم الخروج ويوم الدخول غيَّر الله كثيرًا من الأحوال، وبقي حبُّ ابن تيمية رحمه الله كما هو، يقول ابن رجب: “ثم دخل دمشق بعد غيبته عنها فوق سبع سنين، ومعه أخواه وجماعة من أصحابه، وخرج خلق كثيرٌ لتلقِّيه، وسُرَّ الناس بمقدمه، واستمرَّ على ما كان عليه أولا، من إقراء العلم، وتدريسه بمدرسة السكرية والحنبلية، وإفتاء الناس ونفعهم”([41]).

وقد ألَّف في مصر في هذه السنوات كتبًا كثيرة، وهكذا من يقلب المحن إلى منح، ومن يرى في البلاء نعمًا، يقول ابن رجب وهو يعدد الكتب التي ألفها في مصر: “ولنذكر نبذة من أسماء أعيان المصنفات الكبار: كتاب الإيمان مجلد، كتاب الاستقامة مجلدان، جواب الاعتراضات المصرية على الفتاوى الحموية أربع مجلدات، كتاب تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية في ست مجلدات كبار، كتاب المحنة المصرية مجلدان، المسائل الإسكندرانية مجلد، الفتاوى المصرية سبع مجلدات. وكل هذه التصانيف ما عدا كتاب الإيمان كتبه وهو بمصر في مدة سبع سنين صنفها في السجن”([42]).

السجنة السادسة: عام 720هـ في دمشق([43]):

بعد أن عاد ابنُ تيمية إلى دمشق واستقرَّ فيها استمرَّ فيها يدرِّس ويكتب ويفتي، وكانت أكثر فترات حياته خصوبة للتَّأليف والكتابة، وتفرغ للبحث العلمي والنَّظر في المسائل وتدقيق الكلام فيها، وكان من جملة المسائل التي تكلم فيها: مسألة الحلف بالطلاق، وقد كان له رأيه الخاص فيها، والذي أداه إليه اجتهاده، وخالف فيه فقهاء عصره، إذ كانوا يرون أن الحلف بالطلاق يكون طلاقًا إن حنث، وكان يرى أنَّه يمين لأنه هو القصد. وقد تعرض ابن تيمية عدة مرات إلى المنع من القول بهذا القول، فقد طلب منه قاضي القضاة شمس الدين ابن مسلم أن يترك الإفتاء في هذه المسألة برأيه في ربيع الأول سنة 718ه، فقبل ابن تيمية وترك الإفتاء برهة من الزمن، ثم عاد إلى الإفتاء برأيه، فجاء مرسوم من السلطان الناصر بمنع ابن تيمية من الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، وأمر بعقد مجلس، فعقد في يوم الاثنين الثالث من جمادى الأولى عام 718هـ، وانفصل على ما رسم به السلطان ونودي به في البلد([44])، ثمَّ أكد نائب السلطان هذا المنع بكتاب جديد في التاسع والعشرين من رمضان سنة 719هـ، لكن لعل ابن تيمية كان يرى أن ما توصل إليه من خلال اتباعه للكتاب والسنة لا يستطيع أن يفتي بخلافه، فظل يفتي فيها بقوله، وفي يوم الخميس الثاني عشر([45]) من شهر رجب عام 720هـ عقد مجلس بدار السعادة، حضره النائب والقضاة والفقهاء، وحضر ابن تيمية، فحكموا بحبسه، فسجن في القلعة، وقد أنتجت هذه الحادثة مجموعة من الكتب والفتاوى والردود الحافلة، منها: الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق([46]).

بقي ابن تيمية في السجن خمسة أشهر وثمانية وعشرين يومًا، إذ ورد مرسوم من السلطان بإخراجه، فخرج في يوم عاشوراء من سنة 721هـ.

السجنة السابعة: عام 726هـ في دمشق([47]):

بقي ابن تيمية فيما أوقف فيه حياته، وهو العلم والتعليم وتحقيق المسائل والدعوة إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وبيان عدم التعارض بين العقل والنقل، إلى غير ذلك مما اهتمَّ له ابن تيمية، وكان من أكثر المسائل حضورًا في مؤلفاته وحواراته وردوده قضية التوسل والاستغاثة وما يتفرع عنهما.   

وقد تكلَّم ابن تيمية رحمه الله عن مسألة شدِّ الرحال إلى القبور، ومنها قبر النبي صلى الله عليه وسلم، تكلَّم فيها ابن تيمية متبعًا في ذلك الكتاب والسنة، فكان رأيه أنه لا يشدّ الرحال إلى القبور، وإنما يشد الرحل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه زيارة القبر تبعا بلا شكّ، فسجن من أجل ذلك.

وهذه السجنة من أغرب السجنات التي سجنها ابن تيمية!

فإنَّ ابن تيمية لم يأت بجديد، فتحريم شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليس بقول جديد ابتدعه ابن تيمية، بل الأعجب أنَّ الفتوى التي وجدوها وقامت الفتنة من أجلها إنما نقل فيها ابن تيمية القولين في المسألة، ونقل قول مالك فيها، فلِمَ تخصيص ابن تيمية بكل هذا التشنيع؟!

ليس هناك سبب إلا مجرد التشنيع على ابن تيمية، والبحث عن أي سببٍ للإضرار به، وإن تعجب فعجبٌ قول ابن الجزري أنَّ المسألة في الأصل قد أثيرت لغيره، فتحوَّرت إليه! يقول ابن الجزري: “وكان السبب في ذلك أنه قد أفتى فتيا، وذكر فيها أنه لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.. الحديث المشهور، وأنَّ زيارة قبور الأنبياء عليهم السلام لا يشدّ إليها الرحال كقبر أبينا إبراهيم الخليل والنبي عليه السلام وغيرهما من الأنبياء والصالحين صلى الله عليهم أجمعين. واتفق أن الشمس محمد إمام الجوزية سافر إلى القدس الشريف، ورقى في الحرم على منبر ووعظ، وفي أثناء وعظه ذكر هذه المسألة، وقال: ها أنا هاهنا أرجع ولا أزور الخليل، وجاء إلى نابلس وعمل له مجلس وعظ، وذكر المسألة بعينها حتى إنه قال: ولا يزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلا مسجده، فقاموا عليه الناس، فحماه منهم والي نابلس سيف الدين بهادر، وكتبوا أهل القدس ونابلس إلى دمشق يعرفوهم صورة ما وقع منه، فطلبه القاضي المالكي، فتودد منه وطلع إلى الصالحية إلى القاضي الحنبلي وتاب على يديه وأسلم! فقبل توبته وحكم بإسلامه وحقن دمه، ولم يعزره لأجل الشيخ. فحينئذ قامت الفقهاء الشافعية والمالكية وكتبوا فتيا في الشيخ تقي الدين ابن تيمية؛ لكون أنه هو أول من تكلم بهذه المسألة وغيرها، فكتب عليها الشيخ الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ تاج الدين عبد الرحمن الفزاري الشافعي نحو أربعين سطرًا بأشياء كثيرة أنه يقولها ويفتي بها، وآخر الكلام أفتى بتكفيره، ووافقه شهاب الدين بن جَهْبَل الشافعي، وكتب تحت خطه، وكذلك الصدر المالكي، وغيرهم، وحملت الفتيا إلى نائب السلطنة، فأراد أن يعقد لهم مجلسًا ويجمع القضاة والعلماء في ذلك، فرأى أن الأمر يتسع الكلام فيه، ولا بد من إعلام السلطان، فأخذ الفتوى وجعلها في المطالعة، وسيرها إلى السلطان -عزَّ نصره- فجمع لها القضاة، ولم يحضر المالكي فإنه كان مريضًا، فلما قرئت عليهم أخذها قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة وكتب على ظهرها: القائل بهذه المقالة ضال مضل مبتدع، ووافق الحنفي والحنبلي، فقال الأمير بهادر لقاضي القضاة بدر الدين: ما ترى في أمره؟ فقال: يحبس، فإنه من العلماء وقد أفتى، فقال مولانا الناصر -عز نصره-: وكذا كان في نفسي أن أفعل به، فكتب إلى نائب السلطنة بما اعتمده من حبسه، وفي يوم الجمعة عاشر شعبان بعد صلاة الجمعة قرئ كتاب السلطان على السدة في حديثه”([48]).

فقد وصل الأمر إلى القول بتكفيره من أجل مسألة نقل فيها الأقوال عن غيره، ورجح بدليله، ولكن هكذا يكون الخلاف إن لم يضبط بضوابط الشريعة. ومما ينبئك عن أنهم أرادوا مجرد الإضرار به أنَّ هذا القول ليس بجديد لابن تيمية، ولم يستجدَّ له جديد في المسألة، ولم يكن على خلاف هذا القول فرجَع عنه، وإنَّما هو قول قديم قاله من سنين، فنُبِش عنه وأُظهِر، ثم أُلِّب عليه به!

وحصلت فتنة كبيرة ظُلم فيها ابن تيمية، وسجن حتى توفي في السجن، بل بسبب ذلك القول نسب إلى الشيخ ما لم يقله، وحرِّفت أقواله، وناله بذلك ضرر عظيم، فإن كانوا يصنعون به ذلك وهو حيّ قادر على الكلام والحجاج فماذا يَصنع أعداؤه بعد موته؟! فتأمل.

يقول ابن عبد الهادي حاكيًا عظيم ما وقع: “فلمَّا كان في سنة ست وعشرين وسبعمائة وقع الكلام في مسألة شدِّ الرحال، وإعمال المطي إلى قبور الأنبياء والصَّالحين، وظفروا للشيخ بجواب سؤال في ذلك، كان قد كتبه من سنين كثيرة، يتضمَّن حكاية قولين في المسألة، وحجَّة كل قول منهما، كان للشيخ في هذه المسألة كلام متقدِّم أقدم من الجواب المذكور بكثير، ذكره في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم وغيره، وفيه ما هو أبلغ من هذا الجواب الذي ظفروا به.

وكثر الكلام والقيل والقال بسبب العثور على الجواب المذكور، وعظم التشنيع على الشيخ، وحرف عليه، ونقل عنه ما لم يقله، وحصلت فتنة طار شررها في الآفاق، واشتدَّ الأمر، وخيف على الشيخ من كيد القائمين في هذه القضية بالديار المصرية والشامية، وكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله. وضعف من أصحاب الشيخ من كان عنده قوة، وجبن منهم من كانت له همة. وأما الشيخ رحمه الله فكان ثابت الجأش، قوي القلب، وظهر صدق توكله واعتماده على ربه”([49]).

والشاهد أنه حين أُظهر هذا القول اجتمع جماعة في دمشق، وتباحثوا فيما يفعلونه بابن تيمية، فقال بعضهم: يُنفى، وقال الآخر: بل يُقطع لسانه، وقال ثالث: يُعزَّر، وقال آخرهم: يُحبس([50])، ولم يكن هذا الجدال في دمشق فحسب، بل ما أسعد مناوئيه في مصر إذ وجدوا ما يستعدون به الحاكم! فتناقشوا فيما بينهم، واجتمعوا بالسلطان الناصر محمد قلاوون، وقد ذكر ابن عبد الهادي أنهم أجمعوا على قتله، فلم يرض السلطان الناصر([51]).

وينبئك هذا عن أمر آخر بالغ الأهمية: فقد كان السلطان الناصر من محبي ابن تيمية، مبجّلًا له، وهو من أخرجه من السجن سنة 709هـ، لكن بُعد ابن تيمية عنه، ووجود جماعة متغلِّبة كثيرة لا شكَّ أنهم يؤثِّرون في السلطان مهما كان حبّه لابن تيمية، فاستغلّوا بُعده وعدم وجوده، فألَّبوا عليه، وكان نتيجة ذلك أن أرسل السلطان الناصر محمد بن قلاوون إلى نائبه في دمشق كتابًا يأمر فيه بحبس ابن تيمية، وقد سجن يوم الاثنين السادس من شهر شعبان من عام 726هـ، وكان رابط الجأش، بل حين أخبر بالخبر رأى أن في ذلك خيرًا كبيرا([52]).

وكان حبسه في القلعة، ومعه أخوه زين الدين يخدمه بإذن السلطان، يقول ابن الجزري: “فأُخلِيت له دار يجري إليها الماء، وكان في جملة المرسوم أن يكون معه ولد أو أخ وخادم يخدمه، وأن يُجرى عليهم كفايتهم، فاختار أخوه زين الدين عبد الرحمن المقام معه لخدمته”([53]).

وفي يوم الجمعة العاشر من الشهر نفسه قرئ بجامع دمشق الكتاب السلطاني الوارد في ذلك بمنع ابن تيمية من الفتيا، ولم يقف الأمر عند حبس ابن تيمية، بل في منتصف شعبان أمر القاضي الشافعي بحبس جماعة من أصحاب ابن تيمية، ثم أطلق سراح بعضهم عدا ابن القيم فإنه حبس بالقلعة([54]).

لم يكن سجن ابن تيمية عقوبةً في نظر ابن تيمية، فهو القائل: “ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”([55]).

وكان مما يسلِّي عنه ويروِّح عنه أنه يكتب ويؤلف، فقد فتح الله عليه وكتب الرسائل والفتاوى وهو في سجنه، وألف كتابه البديع: “الرد على الإخنائي”، إلا أنه في يوم الاثنين التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة 728هـ ورد المرسوم السلطاني بمنع ابن تيمية من أن يصنِّف أو يكتب، فأخذوا جميع ما عنده من كتب وورق ودواة وقلم([56])، فكان ذلك من أعظم المصائب عليه، وصار يكتب رسائله بالفحم، يقول ابن عبد الهادي: “وكان ما صنفه في هذه المدة قد خرج بعضه من عنده، وكتبه بعض أصحابه، وظهر واشتهر، فلما كان قبل وفاته بأشهر ورد مرسوم بإخراج ما عنده كله، ولم يبق عنده كتاب ولا ورقة، ولا دواة ولا قلم، وكان بعد ذلك إذا كتب ورقة إلى بعض أصحابه كتبها بفحم، وقد رأيت أوراقًا عدة بعثها إلى أصحابه، وبعضها مكتوب بفحم”([57]).

وقد بقي ابن تيمية رحمه الله مسجونًا حتى وافته المنية في العشرين من شهر ذي القعدة من عام 728ه وهو محبوس في سجنه.

وختامًا:

امتُحن شيخ الإسلام ابن تيمية مراتٍ عديدة، وما تكاد تنتهي عاصفة حتى تثور أخرى، حتى قضى نحبه في سجنه رحمه الله، وممَّا يؤلم النفس أن تلك الحملات ضد ابن تيمية لم تكن من أعداء الإسلام من اليهود والنصارى، وإنما من مخالفيه من المسلمين.

سبع سجنات قضى فيها قرابة خمس سنوات من عمره، والمتأمل في أسباب ذلك يجد أنها مختلفة متغايرة، وقد تجتمع كلها وقد لا تجتمع، فمنها: أنَّ ابن تيمية قد حظي بمكانة عالية بين الناس، خاصَّةً بعد مواقفه الشهيرة مع التتار حين كان كثير من الفقهاء والقضاة يهربون من دمشق خوفًا من الموت القادم، وكان ابن تيمية هناك يثبِّت الناس، ويتلو عليهم آيات الجهاد، ويقسم أنهم منتصرون، ولم يقف مكتوفَ اليَدَين أمام أولئك الطغاة، فقد سعى إلى افتكاك أسارى المسلمين بل وأسارى النصارى! فكانت له كلمة نافذة عند عوامِّ المسلمين، لم يكن مثلها للقضاة الذين حاكموه وحكموا عليه، كما أن من الأسباب أنه كسر تلك الرايات التي رفعت لتدعو إلى الزوايا والتكايا والحلول والاتحاد، ودعا الناس إلى الاعتقاد الصافي الذي كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمَّة الدين، وقد رأينا أن من أكثر من سعى إلى سجنه هو نصر الْمَنْبِجيّ؛ ذلك أنَّ ابن تيمية قد ردَّ عليه، فحمله ذلك على استعداء السلطة عليه.

ومع ذلك فأنَّى لكلمات الصدق أن تُحبَس في زنزانة، وأنَّى لسهام الحق أن تُغلَّ بقيد، ذهب كل ذلك وبقي علم ابن تيمية وآراؤه وتحقيقاته، مع الاحتفاظ بالحق الكامل في القضايا التي تحتمل الخلاف والاجتهاد أن يجتهد فيها كل متخصّص، ويخالف ابنَ تيمية كلُّ من له تحقيق في المسألة، فلم يمنع هو ذلك، فضلًا عن أم يمنعه أحد أتباعه!

أما الدروس والعبر من سجناتِه فكثير، وقد مرَّ أثناء استعراض السجنات طرفٌ منها، ومن أهمها:

1/ أن المصلح يجب أن يجمع بين الصبر والعلم، وبفقد أحدهما يكون الضرر كبيرًا؛ ليس على نفسه فحسب، وإنما حتى على المنهج الدعوي ككل، وهي قضية لم يدركها كثير من الشباب فبدأ كثير منهم الدعوة بطرق خاطئة بلا علم، وكان ضررهم أكثر من نفعهم! فحري بالإنسان الذي يريد أن يصلح حال نفسه وأمته أن يطلب العلم على وجهه الصحيح ومن العلماء الربانيين وأن يبني نفسه على ذلك حتى يكون كما قال الله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]، كما أنه يحتاج إلى صبر فلا ينتكس عند شدة الحاجة إليه فتكون انتكاسته سببًا لانتكاسة كثيرٍ ممن يجعلونه أسوةً حسنة لهم.

2/ حين تنقلب المحْنة منْحة، فإنَّ ابن تيمية رحمه الله قد سُجن ظلمًا وعدوانًا لكن ذلك لم يوقف جذوة حبه للخير، فلم تكن تلك السجنات أغلالًا على قلبه وفكره، كيف وهو يقول: “ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”([58]).

وقد مرَّ بنا أنه ألف كتبًا عديدة وهو في السجن، أو كان سبب تأليفه السجن، كما أنه قد أقام عدة مناظرات داخل السجن، ونصح الناس، وبين الحق، وقد ذكر خادمه إبراهيم الغرياني أن ابن تيمية حين كان في قاعة الترسيم عليه في مصر قد ناظر بعض الرهبان، فقالوا له بع البيان: “الدين الذي ذكرته خير من الدين الذي نحن وهؤلاء عليه”([59]).

3/ مقابلة البلاء بالشكر، ورغم أن السجن ضيق وبلاء وفتنة عظيمة، إلا أن ابن تيمية رحمه الله كان يرى أنه في مقام الحمد والشكر! فإنه لما نفي إلى الإسكندرية، ركب على باب الحبس، فقال له إنسان: “يا سيدي هذا مقام الصبر” فقال له: “بل هذا مقام الحمد والشكر، والله إنه نازل على قلبي من الفرح والسرور شيء لو قسم على أهل الشام ومصر لفضل عنهم، ولو أن معي في هذا الموضع ذهبا وأنفقته ما أديت عشر هذه النعمة التي أنا فيها”([60]).

ويقول ابن تيمية بعد مناظرات الواسطية “على أي شيء أخاف؟ إن قتلت كنت من أفضل الشهداء وكان علي الرحمة والرضوان إلى يوم القيامة، وكان على من قتلني اللعنة الدائمة في الدنيا والعذاب في الآخرة، ليعلم كل من يؤمن بالله ورسوله أني إن قتلت لأجل دين الله، وإن حبست فالحبس في حقي من أعظم نعم الله علي، ووالله ما أطيق أن أشكر نعمة الله علي في هذا الحبس، وليس لي ما أخاف الناس عليه، لا أقطاعي ولا مدرستي ولا مالي ولا رياستي وجاهي”([61]).

4/ هل سجن ابن تيمية من أجل تكفيره المسلمين؟!

إن أكثر ما يشدّ انتبهاك في هذه القضية هو: أنَّ خصوم ابن تيمية ما فتئوا يكرِّرون ويشيعون أنَّ ابن تيمية كان مكفِّرًا، وأن كثيرًا من الفرق الغالية إنما تنتهج نهجَه وتتَّبع آراءه! ويشاع ذلك في كلّ محفل، ولا تفتأ أقلام ولا تكلُّ سواعد عن الكتابة بهذا البهتان!

والعجيب في ذلك أنَّ خصوم ابن تيمية في عصره مع شدة عداوتهم، وتأليب الرأي العام عليه، واستعداء السلطات مرات ومرات ضده، وحبسه ظلمًا وعدوانًا، ومنعه من الكتابة والفتيا، مع ذلك كله لم يتَّهمه أحدٌ بأنه مكفِّر يكفِّر الناس، هذا مع كثرة ردوده وكتاباته ضد الفرق الأخرى، ومع كثرة تعامله مع المخالفين، فهل كان هؤلاء مع شدة عداوتهم يتركون أمرًا بينًا عظيمًا كالتكفير ويذهبون إلى غيره إن كان ابن تيمية مكفرًا؟!

هذا التساؤل ينبغي أن يكون حاضرًا ونحن نرى جحافل أعداء أهل السنة والجماعة يرمون ابن تيمية بأنه مكفِّرٌ متشدِّدٌ في هذا الباب، بينما لم نر من علماء عصره ممن عايشوه وقرؤوا له وحاكموه وناظروه وحاججوه وجادلوه وهم قضاة ومفتون وعلماء، لم نر منهم ولا مرة أنهم اتَّهموه بأنه مكفِّر، أو حبسوه من أجل ذلك، فما الذي لم يكن ظاهرًا في حياة ابن تيمية ثم ظهر بعد ذلك واستدعى وصفه بالمكفِّر؟!.

عجيبٌ أن يقولوا عن رجلٍ بأنه مكفر وعلماء عصره وأعداؤه والمناوئون له لم يتَّهموه بذلك!

عجيبٌ أن يقولوا: إن ابن تيمية تكفيري رغم أنَّ من يقرأ تاريخ عصره يجد أن هناك من كفَّر ابن تيمية، ودعا إلى قطع لسانه، بل إلى قتله، وبمجرد أن مُكِّن ابن تيمية وشاوره السلطان في قتل هؤلاء وعظَ السلطان، وخوَّفه بالله، وعصم دماءهم، بل وأثنى عليهم!

بل حكم عليه ابن مخلوف، ولم يرض أن يسمع منه حجَّته حين سئل عن عقيدته، فحمد الله، فمُنِع من ذلك كما سبق بيانه، ثم سجن في سجنٍ سيّئ حتى تمنَّى ابن تيمية أن يسجن كاليهود والنصارى! فقال: “ثمَّ النَّصارى في حبسٍ حسن؛ يشركون فيه بالله، ويتخذون فيه الكنائس، فيا ليت حبسنا كان من جنس حبس النَّصارى، ويا ليتنا سُوِّينا بالمشركين وعبَّاد الأوثان، بل لأولئك الكرامة ولنا الهوان([62]).

رغم ذلك كله ماذا قال عن ابن مخلوف؟ يقول ابن تيمية: “وابن مخلوف لو عمل مهما عمل والله ما أقدر على خيرٍ إلا وأعمله معه، ولا أعين عليه عدوَّه قطّ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. هذه نيتي وعزمي، مع علمي بجميع الأمور، فإنِّي أعلم أن الشيطانَ ينزغ بين المؤمنين، ولن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين([63]).

وقضية التكفير عند ابن تيمية ليس هنا مقام بحثه، ولذلك مقامات أخر، لكن وجب التنبيه على أن ابن تيمية رحمه الله لم يتَّهمه أحد بذلك من علماء عصره، ولم يحاكموه من أجل التكفير، وهو ما يسقط ويدحض زعمَ هؤلاء بأن ابن تيمية مكفر؛ إذ لو كان كذلك لسبقهم إلى الاتِّهام به فقهاء عصره وقضاته ممن آذَوه وناصبوه العداءَ واستعدوا عليه السلطة عدة مرات.

وليس ذنب ابن تيمية أن يستندَ إليه الغلاةُ ويفهموا كلامه على غير مرادِه، ويأخذوا ببعض كلامه دون بعض، فإن هؤلاء الغلاة لا يفتَؤون يستدلّون بالكتاب والسنة، فهل الخطأ فيهما أم في فهمهم الأعوج؟!

فهذا ابن تيمية الذي يتَّهمونه بأنه مكفِّر هو الذي يقول: “هذا مع أنِّي دائمًا ومن جالسني يعلم ذلك مني: أنِّي من أعظم الناس نهيًا عن أن ينسَب معيَّن إلى تكفير وتفسيق ومعصيَة، إلا إذا علم أنَّه قد قامت عليه الحجة الرساليّة التي من خالفها كان كافرًا تارة وفاسقًا أخرى وعاصيًا أخرى، وإنِّي أقرر أنَّ الله قد غفر لهذه الأمة خطأها؛ وذلك يعمُّ الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية، وما زال السَّلف يتنازعون في كثيرٍ من هذه المسائل، ولم يشهد أحدٌ منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية”([64])، ويقول: “هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنَّه وإن تعدَّى حدود الله فيَّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية، فأنا لا أتعدَّى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله، وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمًّا بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكمًا فيما اختلفوا فيه، قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213]”([65]).

ونصوص ابن تيمية في هذا كثيرة جدًّا، ونحن لا ندْعُو القوم إلى الاعتماد على أقواله فحسب؛ فقد يقولون: إنه يدفع عن نفسه التّهمة، ولكن ندعوهم إلى التأمُّل في مواقف المخالفين له، بل الساعين إلى حبسه، بل إلى قتله، فمن عرف موقفَهم وأنهم لم يتَّهموه بذلك مع اتِّهامه بما هو أدنى وأهون عرفَ أن ابن تيمية رحمه الله بريء من أن يكون مكفِّرًا، أو أن يكون أرضيَّةً خصبة لفرق الغلاة.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) انظر على سبيل المثال: كتاب المحن، لأبي العرب محمد بن أحمد التميمي.

([2]) ليس حديثنا عن الأعمال العلمية المنصفة ولو كانت ناقدة لابن تيمية وآرائه، وإنما حديثنا عن الهجمات الجائرة البعيدة كلَّ البعد عن البحث العلمي والإنصاف المنهجي.

([3]) الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (ص: 28).

([4]) انظر: البداية والنهاية (14/ 665-666)، والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (ص: 28-29)، وابن تيمية المجتهد لعمر فروخ (ص: 42-43).

([5]) انظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية لابن عبد الهادي (1/ 307-313)، والبداية والنهاية (18/ 53-58)، والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (ص: 29-30)، وابن تيمية المجتهد (ص: 45-46).

([6]) انظر: البداية والنهاية (18/ 53).

([7]) ينظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 262-263).

([8]) ينظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 263-264).

([9]) انظر: البداية والنهاية (18/ 53).

([10]) انظر: البداية والنهاية (18/ 53)

([11]) انظر: البداية والنهاية (18/ 55).

([12]) ينظر: الكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية (ص: 128).

([13]) ينظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 307)، البداية والنهاية (18/ 55).

([14]) يقول ابن عبد الهادي: “وخرج مع الشيخ خلق كثير، وبكوا وخافوا عليه من أعدائه”، ويقول: “وقرأت بخط بعض أصحاب الشيخ قال: ولما توجه الشيخ في اليوم الذي توجه فيه من دمشق المحروسة كان يومًا مشهودًا غريب المثل في كثرة ازدحام الناس لوداعه ورؤيته، حتى انتشروا من باب داره إلى قريب الجسورة -فيما بين دمشق والكسوة- التي هي أول منزلة منها، وهم ما بين باكٍ وحزين ومتعجب ومتنزه، ومزاحم متغال فيه”. العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 307، 308).

([15]) انظر: البداية والنهاية (18/ 55).

([16]) وقيل: دخلاها الاثنين الثاني والعشرين من شهر رمضان. انظر: البداية والنهاية (18/ 55).

([17]) انظر: البداية والنهاية (18/ 56).

([18]) انظر: البداية والنهاية (18/ 56)، والعقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 309)، والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (ص: 29).

([19]) البداية والنهاية (18/ 56).

([20]) انظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 309-310).

([21]) انظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 310-311).

([22]) انظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 311-312).

([23]) البداية والنهاية (18/ 74).

([24]) انظر: العقود الدرية (1/ 313)، والبداية والنهاية (18/ 74).

([25]) انظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 328-330)، والبداية والنهاية (18/ 74-76)، والجامع لسيرة ابن تيمية (ص: 30)، وابن تيمية المجتهد (ص: 46).

([26]) انظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 328).

([27]) انظر: العقود الدرية (1/ 329).

([28]) انظر: البداية والنهاية (18/ 75).

([29]) انظر: العقود الدرية (1/ 333-335)، والبداية والنهاية (18/ 75)، والجامع لسيرة ابن تيمية (ص: 30).

([30]) انظر: العقود الدرية (1/ 334).

([31]) انظر: العقود الدرية (1/ 333-334).

([32]) حكاها تلميذه إبراهيم الغرياني، انظرها في الجامع لسيرة ابن تيمية (ص: 143-150).

([33]) انظر: البداية والنهاية (18/ 75).

([34]) انظر: البداية والنهاية (18/ 83-85، 92-95)، والجامع لسيرة ابن تيمية (ص: 31)، وابن تيمية المجتهد (ص: 46-47).

([35]) انظر: الجامع لسيرة ابن تيمية (31).

([36]) البداية والنهاية (18/ 84).

([37]) البداية والنهاية (18/ 92).

([38]) ينظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 346-347).

([39]) البداية والنهاية (18/ 94).

([40]) انظر: العقود الدرية (1/ 347).

([41]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 518)، وانظر: البداية والنهاية (18/ 93).

([42]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 520-521).

([43]) انظر: نهاية الأرب في فنون الأدب لشهاب الدين النويري (32/ 330-331)، وأعيان العصر وأعوان النصر لصلاح الدين خليل بن أيبك (1/ 238)، والبداية والنهاية (18/ 177، 18/ 202-206)، والجامع لسيرة ابن تيمية (ص: 32).

([44]) انظر: البداية والنهاية (18/ 177).

([45]) ورد في البداية والنهاية (18/ 202) أن حبسه كان في الثاني والعشرين، وهو خطأ؛ إذ إن ابن كثير نفسه قال: إن مدة حبسه كانت خمسة أشهر وثمانية وعشرين يوما، فلا يمكن أن يكون إلا في الثاني عشر (18/ 206)، ووقع في نفس الخطأ شهاب الدين النويري في نهاية الأرب في فنون الأدب (32/ 331).

([46]) انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (ص: 32).

([47]) انظر: نهاية الأرب في فنون الأدب (33/ 213-215)، وتاريخ حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه 2/ 111-123)، والعقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 396-399)، وأعيان العصر وأعوان النصر (1/ 238)، والبداية والنهاية (18/ 267-268)، والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (ص: 32)، وابن تيمية المجتهد (ص: 48).

([48]) تاريخ حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه (2/ 111-112)، وانظر: نهاية الأرب في فنون الأدب (33/ 213-215)، والسلوك لمعرفة دول الملوك (3/ 89).

([49]) العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 396-397).

([50]) انظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 398).

([51]) يقول ابن عبد الهادي: “واجتمع جماعة آخرون بمصر، وقاموا في هذه القضية قيامًا عظيمًا، واجتمعوا بالسلطان، وجمعوا أمرهم على قتل الشيخ، فلم يوافقهم السلطان على ذلك”. العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 398).

([52]) انظر: البداية والنهاية (18/ 267).

([53]) تاريخ حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه (2/ 111).

([54]) انظر: العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 398-399)، والبداية والنهاية (18/ 268).

([55]) انظر: الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 48).

([56]) انظر: تاريخ حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه (2/ 263-264).

([57]) العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 438).

([58]) الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 48).

([59]) انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (ص: 143- 144).

([60]) انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (ص: 150).

 

([61]) مجموع الفتاوى (3/ 215- 216).

([62]) مجموع الفتاوى (3/ 254).

([63]) مجموع الفتاوى (3/ 271).

([64]) مجموع الفتاوى (3/ 229).

([65]) مجموع الفتاوى (3/ 245).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

تذكير المسلمين بخطورة القتال في جيوش الكافرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: من المعلومِ أنّ موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين من أعظم أصول الإيمان ولوازمه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ‌وَلِيُّكُمُ ‌ٱللَّهُ ‌وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [المائدة: 55]، وقال تعالى: ﴿‌لَّا ‌يَتَّخِذِ ‌ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةۗ […]

ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ […]

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017