- لقد من الله تعالى على عباده بمنن كبيرة ونفحات كثيرة، وجعل لهم مواسم يتزودون فيها بالقربات ويغتنمون أوقاتها بالطاعات، فيحصلون الأجور العظيمة في أوقات قليلة، وتعيين هذه الأوقات خاص بالشارع، فلا يجوز الافتئات عليه ولا الاستدراك ولا الزيادة.
- والمقرر عند أهل العلم عدم تخصيص العبادات بشيء لم يخصّصها الشرع به؛ ولا تفضيل وقت على وقت آخر إلا بتفضيل الشرع له؛ لأن العبادات توقيفية كما سلف، لا يحل فعل شيء منها إلا بدليل من الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة.
- وقد اخترع الناس عبادات وأعمالًا يتقربون بها في مواسم معينة أو هيئة معينة اعتمادًا على حديث غير صحيح أو تقليدًا لبعض المشايخ أو غير ذلك، ومن هذا القبيل ما يُفعل في شهر رجب المحرم من البدع، من تخصيصه بعبادة من العبادات.
- في سبيل سلوك منهج السلف واتباع الكتاب والسنة والابتعاد عن البدع نورد عددًا من البدع المختصة بشهر رجب تنبيهًا للمسلمين من أن يقعوا بها ونصحًا لهم باتباع الكتاب والسنة، فمن تلك البدع:
1/ صلاة الرغائب؛ وهي ما يفعله بعض الناس في أول ليلة جمعة من رجب. قال النووي رحمه الله: “هي بدعة قبيحة منكرَة أشد إِنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والِإعراض عنها، وإِنكارُها على فاعلها” المسائل المنثورة (ص 57).
2/ صلاة النصف من رجب؛ روي في هذه الصلاة حديث بلفظ: “من صلى ليلة النصف من رجب، أربع عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات، فإذا فرغ من صلاته صلى عليَّ عشر مرات…إلخ” =
= وهذا حديث مكذوب لا يصح، يقول عنه ابن الجوزي رحمه الله: “وهذا موضوع ورواته مجهولون، ولا يخفى تركيب إسناده وجهالة رجاله” الموضوعات (2/ 126).
3/ الاحتفال بليلة السابع والعشرين، اعتقادا منهم أنها ليلة الإسراء والمعراج. قال ابن تيمية رحمه الله: “ولا شُرِعَ للمسلمين تخصيصُ الليلة التي يُظن أنها ليلة الإِسراء بقيام ولا غيره” نقله عنه ابن القيم في زاد المعاد (1/ 57).
4/ الاعتقاد بأفضلية العمرة في هذا الشهر: ويسميها البعض بـ “العمرة الرجبية”، فلا يشرع أن يخص رجب بأداء العمرة دون غيره من الشهور؛ لأنه لم يصح حديث في تفضيل العمرة في هذا الشهر على غيرها، ولم يتحر النبي صلى الله عليه وسلم الاعتمار فيه =
= في الصحيحين أن عروة نقل لعائشة قول ابن عمر -رضي الله عنهم-: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات: إحداهن في رجب. قالت: “يرحم الله أبا عبدالرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شَاهِدُهُ، وما اعتمر في رجب قطّ” أخرجه البخاري (1775، 1776)، ومسلم (1255).
5/ زيارة المدينة النبوية وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والبقيع وشهداء بدر وأحد في شهر رجب؛ حيث يَفِدُ بعض الناس إلى المدينة النبوية المنورة بزيارة يسمونها الرَّجَبِية، يرون أنها من السُّنن، لكن لم يرد فيها أي نصٍّ فليس لها أصل في الشارع.
6/ العتيرة في رجب؛ وهي الرجبية: ذبيحة كانت تذبح في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية، وجمهور المسلمين على أنها كانت في الإسلام ثم نسخت، وثبت عدم مشروعيتها في المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: “لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ” أخرجه البخاري (5474)، ومسلم (1976).
7/ تخصيص رجب بالصيام: والمشروع عدم التخصيص، بل يصوم المرء في رجب ما كان يصومه في غيره.
- ونختم بما قاله ابن حجر رحمه الله بعد استقراء وتتبع: “لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه شيء معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة” تبيين العجب بما ورد في شهر رجب (ص 23).