الأربعاء - 27 ذو الحجة 1445 هـ - 03 يوليو 2024 م

قاعدة التسوية بين المتماثلات وعدم التفريق بينها..وبعض توظيفاتها العقدية عند تقي الدين ابن تيمية (728هـ)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

من أدقّ المسائل العلمية التي تناولها علماء الإسلام البحث في الأشباه والنظائر وضمّ النظير إلى نظيره ليحكم له بحكمه، والبحث في الفروق بين المسائل المتشابهة بحيث يختلف حكمها بسبب ذلك الفرق الدقيق، وهذا من أجلّ العلوم وأدقّها كما يقول السيوطي: “وكان من أجلّ أنواعه: معرفة نظائر الفروع وأشباهها، وضم المفردات إلى أخواتها وأشكالها. ولعمري، إن هذا الفن لا يدرك بالتمنّي، ولا ينال بسوف ولعل ولو أني، ولا يبلغه إلا من كشف عن ساعد الجدّ وشمر، واعتزل أهله وشدّ المئزر، وخاض البحار وخالط العجاج، ولازم الترداد إلى الأبواب في الليل الداج، يدأب في التكرار والمطالعة بكرة وأصيلا، وينصب نفسه للتأليف والتحرير بياتا ومقيلا، ليس له همة إلا معضلة يحلّها، أو مستصعبة عزّت على القاصرين فيرتقي إليها ويحلُّها، يرد عليه ويردّ، وإذا عذله جاهل لا يصدّ، قد ضرب مع الأقدمين بسهم والغمر يضرب في حديد بارد، وحلّق على الفضائل واقتنص الشوارد”([1]).

ويقول: “اعلم أن فنّ الأشباه والنظائر فنّ عظيم، به يطّلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه وأسراره، ويتمهّر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان، ولهذا قال بعض أصحابنا: الفقه معرفة النظائر”([2]).

وينجلي لنا توقّد ذهنية شيخ الإسلام ابن تيمية في حذقه في هذه الفنون الدقيقة، حيث كان كثيرًا ما يبيّن أن هذا وهذا سيان فلِمَ تفرّقون بينهما؟! وأن هذه العلة موجودة في هذه القضية كما أنها موجودة في القضية الأخرى فلم تفرّقون بين المتملاثلات؟! وهذه القاعدة هي جوهر قياس التمثيل المعروف عند الأصوليين والفقهاء.

وقد أعمل رحمه الله هذه القاعدة في مناقشة أهل الأديان من غير المسلمين، كما أنه أعملها في مناقشة أهل البدعة.

وفي هذه الورقة نتناول إعماله لهذه القاعدة في العديد من المسائل العقدية؛ لتتّضح لنا معالم هذه القاعدة ومراميها وأهدافها ومآلاتها عند شيخ الإسلام ابن تيمية.

تمهيد:

من القواعد العقلية الرصينة والمهمّة التي يعتمد عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة: التسوية بين المتماثلات وعدم التفريق بينها، وتعني أن ما كانا متماثلين في الأصل لا يصحّ التفريق بينهما في الحكم والرتبة والمنزلة، فمثلًا: لو أقرّ مقرٌّ بأن النبي صادق في كل ما يخبر به ما دام ثبت أنه نبيّ، وعليه يجب التصديق بعيسى ابن مريم والإيمان بالنصرانية ما دمتم تثبتون أن عيسى نبيّ.

فيردّ عليه بأنه لا يصحّ التفريق بين المتماثلين، فلا يصحّ التفريق في التصديق بين عيسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-، فكما أننا نؤمن بما جاء به عيسى عليه السلام لأنه نبي ويجب علينا تصديق الأنبياء، فكذلك علينا أن نؤمن بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لأنه نبي أيضا ويجب علينا تصديق الأنبياء.

وكذلك لو ادّعى مدّع بأن صفة الحياة ثابتة لله سبحانه وتعالى؛ لأنه سبحانه أثبتها لنفسه، فلا إشكال إذن أن نثبت أيّ صفة أثبتها سبحانه وتعالى لنفسه ما دامت صفة الحياة جائزة، فصفة الاستواء واليد والوجه صفات ثابتة لله سبحانه وتعالى ما دام أثبتها لنفسه ولا يلزم منها أيّ إشكال، وما توهَّمه من أنكر هذه الصفات من النقص والمشابهة للمخلوق فهو موجود في الحياة والعلوّ والإرادة أيضا، ولا يصحّ أن نتحكّم بعقولنا ونقول بأن هذه ثابتة وتلك لا تثبت بدعوى أنَّ العقل يمنعها، وفي المسألة تفصيل.

وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه القاعدة وأنها مقتضى العدل حيث قال وهو يتحدَّث عن ضرورة العدل في مجازاة الإنسان بعمله، وألا يعاقب الإنسان بوزر غيره، وأن مقتضى العدل هو التسوية بين المتماثلين في الذنب وعدم التفريق بينهم، قال رحمه الله: “وإن قيل: إن عدل الربّ ليس كعدل المخلوقين، بل من عدله أن لا ينقصَ أحدًا من حسناته ولا يعاقبه إلا بذنبه، لم يجز حينئذ أن يعاقب ذريةَ آدم بذنب أبيهم، ولم يجز أن يعاقب الأنبياءَ الذين ليس لهم ذنب إلا ذنب تابوا منه بذنب غيرهم، فإن الأنبياء معصومون أن يقروا على ذنب، فكل من مات منهم مات وليس له ذنب يستحقّ عليه العقوبة، فكيف يعاقبون بعد الموت بذنب أبيهم إن قدِّر أنه مات مصرًّا على الذنب؟! مع أن هذا تقدير باطل، ولو قدِّر أن الأنبياء لهم خطايا يستحقّون بها العقوبة بعد الموت، وتسليط إبليس على عقوبتهم مع أن هذا تقدير باطل، فمن بعد المسيح من غير الأنبياء أولى بذلك؟! فكيف يجوز في العدل الذي يوجب التسوية بين المتماثلين عقوبة الأنبياء ومنع عقوبة من هو دونهم بل من هو من الكفار؟!”([3]).

كما صرح به أيضا في معرض نقاشه لقضية الصفات في أكثر من موضع؛ كقوله رحمه الله: “المِثلان يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه”([4]).

وقال في موضع ثالث: “إن الأمور المتماثلة من كلّ وجه لا يجوز تخصيص أحدِها بما يتميَّز به عن الآخر إلا لمخصّص، وإلا لزم ترجيح أحد المِثلين على الآخر بلا مرجّح، ومشيئة الله تعالى ترجّح أحد الأمرين لحكمة تقتضي ذلك، وتلك الحكمة مقصودة لنفسها، وإلا فنسبة الإرادة إلى المتماثلين سواء، وتلك الحكمة المرادة تنتهي إلى حكمة تراد لنفسها”([5]).

توظيف ابن تيمية لهذه القاعدة:

وقد وظَّفها شيخ الإسلام في كثير من القضايا في نقاشه لأهل الأديان وفي نقاشه للمخالفين، من ذلك:

  1. القضية الآنفة الذكر وهو وجوب تصديق كل نبي في كل ما يخبر به ما دام ثبت أنه نبيّ، ولا يصح التفريق في ذلك بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم.

فالنصارى يؤمنون بالمسيح عليه السلام، وبما جاء عنه من تكفير اليهود لأنهم كذبوه وخالفوه ولم يستجيبوا لدعوته ولم يصدّقوا خبره، وكان كلّ ما جاؤوا به من الأدلة على صحة دعواهم باطلًا، وهكذا الأمر مع النصارى الذين كذّبوا خبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر بكفرهم، والنبيّ يجب تصديقه في كل ما أخبر، ولا يصح شيء من أدلة أولئك المبطلين لقوله، يقول ابن تيمية: “والمقصود هنا أنهم سواء صدَّقوا محمدا أو كذّبوه، فإنه يلزم بطلان دينهم على التقديرين، فإنه إن كان نبيّا صادقا فقد بلّغ عن الله في هذا الكتاب كفرَ النصارى في غير موضع، ودعاهم إلى الإيمان به، وأمر بجهادهم، فمن علم أنه نبيّ ولو إلى طائفة معيّنة يجب تصديقه في كل ما أخبر به، وقد أخبر بكفر النصارى وضلالهم، وإذا ثبت هذا لم يغنِ عنهم الاحتجاج بشيء من الكتب والمعقول، بل يعلم من حيث الجملة أن كل ما يحتجّون به على صحّة دينهم فهو باطل وإن لم يبين فساد حججهم على التفصيل؛ لأن الأنبياء لا يقولون إلا حقّا، كما أن المسيح عليه السلام لما حكم بكفر من كذَّبه من اليهود كان كلّ ما يحتجّ به اليهود على خلاف ذلك باطلا، فكل ما عارض قول النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم فهو باطل، وإن كذبوا محمدا تكذيبًا عامًّا مطلقا وقالوا: ليس هو [بنبيّ] أصلا ولا أرسل إلى أحد، لا إلى العرب ولا إلى غيرهم، بل كان كذّابا؛ امتنع مع هذا أن يصدِّقوا بنبوة غيره”([6]).

  1. ومن القضايا التي وظَّف فيها هذه القاعدة الجليلة: قضية حجّية سنة النبي صلى الله عليه وسلم والردّ على منكريها، وبيان ضرورة قبول ما يذكره المحدثون عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم لاختصاصهم به؛ فإن اختصاصهم به حاله حال اختصاص كلّ أحد من الناس بما يختصّ به من المتخصّصين، فأهل الطبّ يختصون بمعرفة أمور لا يعرفها غيرهم، وكذا كل تخصّص من التخصصات، والنصارى يختصّون بمعرفة أمورٍ عن علمائهم وملوكهم مما لا يعرفه غيرهم، وكذلك اليهود وكذلك المسلمون، ولقد بات التخصّص اليوم أمرًا شائعًا معروفًا، فهناك المتخصصون في علم اللغة، وهناك المتخصصون في الإدارة، بل كل تخصّص كبير بات تحته تخصصات، ففي الطب مثلا هناك متخصصون في طب الأسنان، والمتخصصون في طب القلب، وفي الجراحة، وفي التخدير، وغيرها من التخصصات الطبية، وهناك المتخصّصون في التكنولوجيا، وهناك المتخصصون في علم النفس، وغيرها من التخصصات، وكل متخصّص له من الخبرة والعلم في تخصّصه ما يخفى على غيره. وإذا كان الأمر كذلك فلا حرج أن يتخصّص رجال في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمون من حديث النبي صلى الله عليه وسلّم ما لا يعلمه غيرهم، ويخفى على غيرهم كثير مما تفرّدوا به، ويجب على عامة الناس أن يصدّقوهم ويسلّموا لهم فيما يخبرون كما يصدقون كل متخصّص في تخصّصه من لغوي وطبيب وتقني ومهندس، بل هم في علمهم والتثبّت من الأخبار أدقّ من أي علم آخر، يقول ابن تيمية: “وعند النصارى من أخبارهم وأخبار علمائهم وملوكهم المتواترة ما لا يعرفه المسلمون واليهود، وعند المسلمين من أخبار علمائهم وملوكهم المتواترة ما لا يعرفه أكثر الأمم، بل عند كل طائفة من المسلمين من أخبار شيوخهم وأمرائهم وبلادهم المتواترة ما لم تسمع من غيرهم…، وأهل العلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وسيرته وأسباب نزول القرآن ومعانيه وغير ذلك لهم بهذا من العلم وعندهم به من اليقين ما لا يوجد مثله لغيرهم، كما أن أصحاب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وداود وغيرهم عند كل طائفة من أقوال متبوعهم ونصوصه وأخباره ما يقطعون به، وإن كان غيرهم لا يعلم ذلك…، فإذا كان آحاد أهل العلم من أهل الفقه أو الطب أو الحساب أو النحو أو القراءات، بل وآحاد الملوك يعلم الخاصة من أمورهم ما لا يعلمه غيرهم ويقطعون بذلك، فكيف بمن هو عند أتباعه أعلى قدرا من كل عالم، وأرفع منزلة من كل ملك، وهم أرغب الخلق في معرفة أحواله، وأعظم تحريا للصدق فيها، ولرد الكذب منها حتى قد صنفوا الكتب الكثيرة في أخبار جميع من روى شيئا من أخباره، وذكروا فيها أحوال نقلة حديثه، وما يتصل بذلك من جرح وتعديل، ودققوا في ذلك، وبالغوا مبالغة لا يوجد مثلها لأحد من الأمم، ولا لأحد من هذه الأمة إلا لأهل الحديث، فهذا يعطي أنهم أعلم بحال نبيهم من كل أحد بحال متبوعهم، وأنهم أعلم بصدق الناقل وكذبه من كل أحد بصدق من نقل عن متبوعهم وكذبه”([7]).
  2. ومن القضايا التي بيَّن بها تواتر دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والتي تتضمن التأكيد على حجية السنة وأنه يجب علينا الأخذ عن أهل الحديث كل ما يقرون به، وأنها بَلَغتنا كما بلغنا غيره من الأخبار عن الماضين: توافر همم البشر على نقل أخبار عظمائها وملوكها وأمرائها وأمجادها وأيامها، وكذلك الحال مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم سواء بسواء، فقد توافرت الهمم على نقل حديثه صلى الله عليه وسلّم أكثر من توافر الهمم على نقل غيره من الأخبار، يقول ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأحكام الشرعية المتواترة والمعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلّم -مثل أحكام النكاح ومقادير الزكاة وغيرها-: “فإذا كان مثل هذه الأمور تواتر في الأمة، واتفقت على نقله، فكيف بما كان أشهر وأظهر عند من عاينه، وكان علم الذين رأوه به أظهر من علمهم بهذه الأحكام؟! وقد نقلوا ذلك إلى من غاب عنهم، فإنه قطعا يجب أن يكون تواتر هذه الآيات في الأمة أعظم وأظهر، ولهذا لا يكاد يوجد مسلم إلا وقد عرف كثيرا من هذه الآيات وسمعها ونقلها إلى غيره، بخلاف كثير من الأحكام المتواترة عنه المتفق على نقلها عند العلماء، فإن كثيرا من الناس لا يعرفها، ولا سمعها.

وإذا قال القائل: هذه مما تتوفر الهمم والدواعي على نقلها، فلو كانت موجودة لتوفرت الهمم والدواعي على نقلها، ولو كان كذلك لتواترت. قلنا: وكذلك هو -ولله الحمد- توفرت الهمم والدواعي على نقلها أكثر مما توفرت الهمم والدواعي على نقل أكثر آيات الأنبياء قبله، وأكثر مما توفرت الهمم والدواعي على نقل الأخبار العجيبة من سير الملوك والخلفاء، فإن من تدبر نقل هذه الآيات وجد شهرتها في كل زمان، وظهور الأخبار بها أعظم من شهرة ما نقل من أخبار الأنبياء وسير الملوك والدول التي جرت العادة بتوفر الهمم والدواعي على نقلها، فإن مثل هذا لا يجب في كونه متواترا أن يتواتر عند كل أحد من الناس”([8]).

  1. ومن أشهر المسائل التي وظَّف فيها هذه القاعدة: مسألة إثبات الصفات، فبه رد على نفاة بعض الصفات بأن ما ينفونه من الصفات لا تختلف في شيء عما يثبتونه، فعلى سبيل المثال صفة الاستواء واليد والوجه صفات ثابتة لله سبحانه وتعالى ما دام أن الله أثبتها لنفسه في كتابه، ولا يلزم منها أي إشكال، وما توهمه من أنكرها من النقص والمشابهة للمخلوق هو مجرد دعوى منه عليه إثباتها، ثم ما يدعيه من اللوازم الباطلة موجود فيما يثبته من الصفات كالحياة والعلم والإرادة أيضا، فإن كانت صفة الحياة ثابتة لله سبحانه وتعالى لأنه سبحانه أثبتها لنفسه، فلا إشكال إذن أن نثبت أيّ صفة أثبتها سبحانه وتعالى لنفسه ما دامت صفة الحياة جائزة وهكذا دواليك، يقول ابن تيمية رحمه الله: “الله سمى نفسه في القرآن بالرحمن الرحيم، ووصف نفسه في القرآن بالرحمة والمحبة… فإن قلت: الإرادة التي نثبتها لله ليست مثل إرادة المخلوق، كما أنّا قد اتّفقنا وسائر المسلمين على أنه حيّ عليم قدير وليس هو مثل سائر الأحياء العلماء القادرين، قال لك أهل الإثبات: وكذلك الرحمة والمحبة التي نثبتها لله ليست مثل رحمة المخلوق ومحبة المخلوق. فإن قلت: لا أعقل من الرحمة والمحبة إلا هذا! قال لك النفاة: ونحن لا نعقل من الإرادة إلا هذا ومعلوم عند كل عاقل أن إرادتنا ومحبتنا ورحمتنا بالنسبة إلينا كإرادته ورحمته ومحبته بالنسبة إليه، فلا يجوز التفريق بين المتماثلين، فيثبت له إحدى الصفتين وتنفي الأخرى، وليس في العقل ولا في السمع ما يوجب التفريق”([9]).

 

  1. ومن أهم القضايا التي وظّف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية هذه القاعدة في نقاشه مع النصارى قضية الإيمان بنبوة عيسى عليه السلام، ليقرر بناء عليه أن ما ورد من دلائل في حقّ المسيح تستوجب تصديقه والإيمان به فقد ورد في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم حجة وبرهانًا منه، فكل دليل يستدلون به على صحة نبوة المسيح فإن نبينا محمدًا ورد فيه من الأدلة مثله بل أكثر وأقوى منه حجة وبرهانا، وعليه فلا بد من أن يؤمنوا بمحمد وعيسى أو يكفروا بهما جميعًا تسوية بين المتماثلين، ولا يصح أن يدَّعوا الإيمان بعيسى ابن مريم ثم هم يكفرون بنبي مثله وهو محمد عليه الصلاة والسلام، يقول ابن تيمية: “إن كذبوا محمدا تكذيبا عامّا مطلقا وقالوا: ليس هو [بنبي] أصلا ولا أرسل إلى أحد، لا إلى العرب ولا إلى غيرهم، بل كان كذابا؛ امتنع مع هذا أن يصدقوا بنبوة غيره، فإن الطريق الذي يُعلم به نبوة موسى وعيسى يُعلم به نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى. فإذا قالوا: علمت نبوة موسى والمسيح بالمعجزات وعرفت المعجزات بالنقل المتواتر إلينا، قيل لهم: معجزات محمد صلى الله عليه وسلم أعظم، وتواترها أبلغ، والكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أكمل، وأمته أفضل، وشرائع دينه أحسن، وموسى جاء بالعدل وعيسى جاء بتكميلها بالفضل، وهو صلى الله عليه وسلم قد جمع في شريعته بين العدل والفضل.

فإن ساغ لقائل أن يقول: هو مع هذا كاذب مفتر، كان على هذا التقدير الباطل غيره أولى أن يقال فيه ذلك. فيبطل بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم جميع ما معهم من النبوات؛ إذ حكم أحد الشيئين حكم مثله، فكيف بما هو أولى منه؟! فلو قال قائل: إن هارون ويوشع وداود وسليمان كانوا أنبياء وموسى لم يكن نبيا، أو إن داود وسليمان ويوشع كانوا أنبياء والمسيح لم يكن نبيا، أو قال ما تقوله السامرة: إن يوشع كان نبيا ومن بعده كداود وسليمان والمسيح لم يكونوا أنبياء، أو قال ما يقوله اليهود: إن داود وسليمان وأشعيا وحبقوق ومليخا وعاموص ودانيال كانوا أنبياء والمسيح ابن مريم لم يكن نبيا؛ كان هذا قولا متناقضا معلوم البطلان، فإن الذين نفى هؤلاء عنهم النبوة أحقّ بالنبوة وأكمل نبوة ممن أثبتوها له، ودلائل نبوة الأكمل أفضل، فكيف يجوز إثبات النبوة للنبي المفضول دون الفاضل؟!”([10]).

 

  1. ووظف ابن تيمية رحمه الله هذه القاعدة أيضا في التعامل مع المتواترات؛ حيث ذكر في نقاشه مع النصارى أنهم إن سلموا بثبوت نبوته بالتواتر المعلوم بالضرورة لكل أحد، فلا يصح منهم أن يزعموا أن نبوته خاصّة بالعرب؛ لأنه كما ثبت بالتواتر نبوته ثبت بالتواتر عموم نبوته وأنه رسول الله للعالمين، فالعلم بأصل النبوة والعلم بنبوتهما كلاهما بلغنا بالتواتر، وكذلك العلم بعموم نبوته صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين الإنس والجن، بل إن هذه القضية من أوضح القضايا في نصوص القرآن الذي هو أوضح النصوص دلالة وبيانًا وفصاحة وبلاغة، ولغته أبلغ اللغات، ولا يصح التسليم بصحة النبوة في أصلها لأنها متواترة ثم ردُّها بدعوى كونها خاصة بالعرب كما يزعم كثير من النصارى، يقول ابن تيمية رحمه الله: “والمقصود: أن المعلوم من حال الرسول صلى الله عليه وسلم علما ضروريا يقينيا متواترا لا يجوز دفعه، فإن العلم بأنه كان يقول: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق معلوم لكل من عرف أخباره صلى الله عليه وسلم سواء صدقه أو كذبه، والعلم بأنه كان يقول إنه رسول الله إلى جميع الناس ممكن قبل أن يعلم أنه نبي أو ليس بنبي، كما أن العلم بنبوته وصدقه ممكن قبل أن يعلم عموم رسالته، فليس العلم بأحدهما موقوفا على الآخر…، والمقصود هنا: الكلام مع هؤلاء بأن العلم بعموم دعوته لجميع الخلق أهل الكتاب وغيرهم هو متواتر معلوم بالاضطرار كالعلم بنفس مبعثه ودعائه الخلق إلى الإيمان به”([11]).
  2. وهذه القضية نفسها وظف فيها ابن تيمية هذه القاعدة أيضا من وجه آخر، فاستدل بإجماع الصحابة والتابعين على أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه مرسل إلى أهل الكتابين، وهذا ثابت، كما أن ما أجمع عليه حواريو المسيح مما ينقلونه عنه ثابت عندهم، فعليهم أن يثبتوا هذا أيضا إن أثبتوا ذلك، فإن كانوا يقرون بما أجمع به المسلمون مما تواتر عن نبيهم فلا يصح منهم أن يزعموا أنه خاص بالعرب وهم مجمعون أنه مرسل إلى الثقلين الإنس والجن، يقول ابن تيمية رحمه الله: “والمقصود في هذا المقام: بيان ما بعث به محمدًا صلى الله عليه وسلم من عموم رسالته، وأنه نفسه الذي أخبر أن الله تعالى أرسله إلى أهل الكتاب وغيرهم…، وجحد محمد صلى الله عليه وسلم، وما تواتر عنه أعظم من جحد أتباع الحواريين المسيح عليه السلام، وإرساله لهم إلى الأمم، ومجيئه بالإنجيل، وجحد مجيء موسى عليه السلام بالتوراة، وجحد أنه كان يسبت؛ فإن النقل عن محمد صلى الله عليه وسلم مدته قريبة، والناقلون عنه أضعاف أضعاف من نقل دين المسيح عنه، وأضعاف أضعاف أضعاف من اتصل به نقل دين موسى عليه السلام، فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما زالوا كثيرين منتشرين في مشارق الأرض ومغاربها، وما زال فيهم من هو ظاهر بالدين منصور على الأعداء، بخلاف بني إسرائيل، فإنهم زال ملكهم في أثناء الأمر لما خرب بيت المقدس الخراب الأول بعد داود عليه السلام ونقص عدد من نقل دينهم حتى قد قيل إنه لم يبق من يحفظ التوراة إلا واحد”([12]).
  3. وفي نفس القضية أيضا عموم دعوة النبي محمد للثقلين وظف ابن تيمية رحمه الله هذه القاعدة من حيث استواء حال المسيح وواقعه مع حال محمد صلى الله عليه وسلم وواقعه في بدء الدعوة، فكل منهما بدأ الدعوة بالأقربين ثم عمّمها، فكما تصرح الأناجيل أن المسيح أفصح عن خصوصية دعوته ببني إسرائيل تبين الأناجيل أيضا أن تلامذته نقلوا عنه تعميم دعوته على الناس كلهم.

فيذكر ابن تيمية تنزّلا على فرض صحة هذه الدعوى أنه ليس لهم الاستدلال بما في بدء دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بالأقربين من عشيرته على خصوصيته بالعرب، وإنما كان هذا الأمر في بدء الدعوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم بدأ الدعوة بالأقربين، ثم من بعدهم، ثم من بعدهم، حتى جهَّز جيشًا يغزو الروم وأمَّر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنه كما هو معروف في السير، تماما كما يزعمون في المسيح إن سلمنا لهم بصحة قصتهم.

مع أن قصة تعميم المسيح بدعوته لم يصرح بها بنفسه، بل يذكرها عنه تلاميذه بعد موته، بعكس حال النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي صرح بعموم دعوته للعالمين، وجاهد وغزا أهل الكتاب، يقول ابن تيمية رحمه الله: “لمحمد في ذلك أسوة بالمسيح عليه السلام؛ فإن المسيح خصّ أولا بالدعوة، ثم عمّ، كما قيل في الإنجيل: ما بعثت وأرسلت إلا لبني إسرائيل. وقال أيضا في الإنجيل: ما بعثت إلا لهذا الشعب الخبيث. ثم عمّ، فقال لتلامذته حين أرسلهم كما في الإنجيل: كما بعثني أبي أبعث بكم، فمن قبلكم فقد قبلني. وقال: أرسلني أبي، وأنا أرسلكم. وقال: كما أفعل أنا بكم، كذلك افعلوا أنتم بعباد الله فسيروا في البلاد، وعمدوا الناس باسم الأب والابن والروح القدس، ولا يكون لأحدكم ثوبان، ولا يحمل معه فضة ولا ذهبا ولا عصا ولا حرابة، ونحو ذلك مما هو في الأناجيل التي بين أيديهم من تخصيص الدعوة ثم تعميمها، وهو صادق في ذلك كله، فكيف يسوغ لهم إنكار ما في الإنجيل عن المسيح نظيره؟! ثم يقال في بيان الحال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم كما بعث المسيح وغيره، وإن كانت رسالته أكمل وأشمل كما نذكر في موضعه، فأمره بتبليغ رسالته بحسب الإمكان إلى طائفة بعد طائفة، وأمر بتبليغ الأقرب منه مكانا ونسبا، ثم بتبليغ طائفة بعد طائفة؛ حتى تبلغ النذارة إلى جميع أهل الأرض، كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] أي: من بلغه القرآن، فكل من بلغه القرآن فقد أنذره محمد صلى الله عليه وسلم”([13]).

  1. وفي ذات القضية وهو عموم دعوة الإسلام لغير العرب وظف هذه القاعدة أيضا في الرد على النصارى الذين زعموا خصوص دعوته مستدلين بأن النبي أرسل بلسان عربي فهو للعرب، فبين ابن تيمية رحمه الله أن المسيح ومحمدًا كلاهما أرسلا بلسان قومه، ودعوة محمد عامّة لغير العرب، ولا إشكال في ذلك، كما أن النصارى يزعمون أن دعوتهم عامة لغير بني إسرائيل، فكون النبي مرسلًا بلغة قومه ليبين لهم ويبلغهم دين الله ثم هم يبلغونه لغيرهم لا يعني أنه مخصص لقومه دون غيرهم، فلا تلازم بين الأمرين، يقول ابن تيمية: “وأما قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] فهو كما قال تعالى، وقوم محمد صلى الله عليه وسلم هم قريش وبلسانهم أرسل، وهو سبحانه لم يقل: (وما أرسلنا من رسول إلا إلى قومه)، بل الرسول يبعثه الله إلى قومه وغير قومه كما تقول النصارى: أنه بعَث المسيح عليه السلام والحواريين إلى غير بني إسرائيل وليسوا من قومه، فكذلك بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى قومه وغير قومه، ولكن إنما يبعث بلسان قومه ليبين لهم، ثم يحصل البيان لغيرهم بتوسّط البيان لهم؛ إما بلغتهم ولسانهم، وإما بالترجمة لهم، ولو لم يتبين لقومه أولا لم يحصل مقصود الرسالة لا لهم ولا لغيرهم”([14]).
  2. وقد وظف هذه القاعدة الرصينة في رده على دعوى النصارى بأن القرآن أقر بعيسى عليه السلام وأثنى على إنجيله، فعلينا أن نسلم بما بين أيديهم من إنجيل وشرع.

فرد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الأمر مماثل لحالهم مع اليهود تمامًا، فإن المسيح عليه السلام قد أقرّ بموسى عليه السلام وأثنى على التوراة، ولا يلزم من ذلك أن يكون اليهود الذين بدّلوا وحرفوا دين موسى مؤمنين غير كافرين، فكذلك الحال مع النصارى الذين بدلوا وحرفوا دين عيسى وغيروا إنجيله، قال ابن تيمية: “فشهادة المسيح والحواريين وكل من آمن بالمسيح للتوراة بأنها حقّ ولموسى بأنه رسول لا يمنع كفر اليهود لكونهم بدّلوا شرع التوراة وكذبوا بالمسيح والإنجيل. فكيف تكون شهادة محمد وأمته للإنجيل بأنه منزل من عند الله وللمسيح بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مانعة من كفر النصارى مع تبديلهم شرع الإنجيل وتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وشرع القرآن؟!… فمن كذب بشيء مما جاءت به الرسل عن الله فهو كافر وإن آمن بأكثر ما جاءت به الرسل”([15]).

  1. ومن تلك القضايا قضية يثيرها النصارى بين الفينة والأخرى وهي دعواهم أن النبي لا بد وأن يبشّر به مَن قبله من الأنبياء، وأنها أدلّ دلائل النبوة، فردَّ ابن تيمية رحمه الله على هذه الشبهة بأنه لا بد من التسوية بين المتماثلين، فصحيح أن المسيح وردت البشارة به في الكتب التي تقدّمت عليه وهو من دلائل نبوته، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مذكور ومبشر به في الكتب التي تقدمت عليه وسبقته، فهما سيان قد بشر بهما من قبلهما من الأنبياء، هذا بالإضافة إلى أن دلائل النبوة ليست محصورة في هذا النوع، بل دلائل النبوة أنواع كثيرة، وليس ثمة نوع منها إلا وقد ورد في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منها الكثير، يقول ابن تيمية رحمه الله: “ومما ينبغي أن يعرف أن الكتب المتقدمة بشرت بالمسيح، كما بشرت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أنذرت بالمسيح الدجال”([16])، وقال في موضع آخر: “ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا من النصارى إنما يعتمدون في النبوات على بشارة الأنبياء بمن يأتي بعدهم فيقولون: المسيح عليه السلام بشرت به الأنبياء قبله، بخلاف محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يبشر به نبي. وجواب هؤلاء من وجهين:

أحدهما: أن يقال: بل البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة أعظم من البشارة بالمسيح، وكما أن اليهود يتأولون البشارة بالمسيح على أنه ليس هو عيسى ابن مريم بل هو آخر ينتظرونه، وهم في الحقيقة إنما ينتظرون المسيح الدجال، فإنه الذي يتبعه اليهود ويخرج معه سبعون ألف مطيلس من يهود أصبهان، ويقتلهم المسلمون معه «حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله»، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أيضا في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ينزل عيسى ابن مريم من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويقتل مسيح الهدى عيسى ابن مريم مسيح الضلالة الأعور الدجال على بضع عشرة خطوة من باب لد»؛ ليتبين للناس أن البشر لا يكون إلها، فيقتل من ادُّعِيَ فيه أنه الله -وهو بريء مما ادُّعِي فيه- من ادَّعى في نفسه أنه الله وهو دجال كذاب، فهكذا البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة، وقد يتأولها بعض أهل الكتاب على غير تأويلها، كما قد بسط في موضع آخر، فإن بسط الكلام في ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب له موضع آخر”([17]).

الخاتمة:

تجلى في نهاية المطاف هذه القاعدة الجليلة التي أعملها ابن تيمية رحمه الله في نقاشه مع الآراء والنحل والمذاهب المختلفة، وتبين لنا نصاعتها وصرامتها في ردّ باطل كثير منهم، ومختصر القول أن مقتضى العقل في المثلين ألا يفرَّق بينهما.

وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) الأشباه والنظائر (ص: 4).

([2]) الأشباه والنظائر (ص: 6).

([3]) الجواب الصحيح (2/ 116).

([4]) الصفدية (2/ 38)، شرح العقيدة الأصفهانية (ص: 42)، جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية -قطعة منه- (ص: 120)، مجموع الفتاوى (17/ 244).

([5]) درء تعارض العقل والنقل (4/ 171). وينظر أيضا: الانتصار لأهل الأثر = نقض المنطق (ص: 336)، مجموع الفتاوى (9/ 75).

([6]) الجواب الصحيح (2/ 21).

([7]) الجواب الصحيح (6/ 338).

([8]) الجواب الصحيح (6/ 327).

([9]) شرح العقيدة الأصفهانية (ص: 42).

([10]) الجواب الصحيح (2/ 22).

([11]) الجواب الصحيح (1/ 371).

([12]) الجواب الصحيح (1/ 368).

([13]) الجواب الصحيح (1/ 381).

([14]) الجواب الصحيح (2/ 70).

([15]) الجواب الصحيح (2/ 383).

([16]) الجواب الصحيح (5/ 250).

([17]) الجواب الصحيح (2/ 30).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017