ترجمة الشيخ المحدث حسين سليم أسد الداراني رحمه الله
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
اسمه ونسبه:
هو الشيخ المحدث، صاحب التحقيقات النافعة المفيدة: حسين سليم أسد الداراني، نسبة إلى داريّا في الغوطة الغربية قرب دمشق.
مولده ونشأته:
ولد -رحمه الله- في عام1351هـ الموافق لسنة 1932م، في بلدة داريا، وهي أكبر حواضر الغوطة الغربية القريبة من العاصمة دمشق.
وكان والده -رحمه الله- يعمل في تجارة الجملة، يبيع الطحين والسكّر والحبوب في دكّان وسط البلد، وكانت سوريا حينها تخضع للاحتلال الفرنسيّ، وكان والد الشيخ حسين يشارك في دعم المجاهدين بالسلاح، فبحكم عمله كان قد ربطته علاقة قوية مع أصحاب طاحونة البوابة في أول الميدان في دمشق، واتَّفق معهم على أن يرسل طُنْبُرًا [وهي آلة حمل] يجلب أكياس الطحين والحبوب منها كلّ عدة أيام، على أن يضعوا في كل كيس بندقية يوصلها إلى المجاهدين في الغوطة لمقاتلة الفرنسيين، وكانت زوجته -والدة الشيخ حسين – تقوم بمرافقة الطنبر عبر حواجز الفرنسيين التي انتشرت على الطريق حتى توصلها إلى محلّه بسلام.
توفي والد الشيخ وعُمر ابنِه حسين سنتان، فاحتضنته والدته مع أختين تكبره إحداهما بعشر سنين، وتصغره الأخرى بعام واحد.
واستمرّت الطفولة هادئة رتيبة، لتضعه أمّه فيما بعد في بعض كتاتيب البلد التي كان يُعَلِّم بها بعضُ المشايخ، مثل الشيخ التقي الورع عبد اللطيف الأحمر، والشيخ إبراهيم أبو حلمي، والشيخ عبد المجيد العبار، وشيخ من آل حمودة، ولما كان الجامع الكبير قريبا من بيته، وكان الشيخ عبد اللطيف الأحمر إماما له، فقد كان يمرّ ويصطحبه إلى المسجد كلما ذهب إليه؛ مما جعله يألف المسجد ويكثر من ارتياده على غير عادة الشباب آنذاك.
ثم انتقاه معلّم المدرسة الابتدائية من بين طلاب الكُتاب الذي كان فيه ليكون تلميذًا في مدرسته، فأتمّ بها دراسته الابتدائية، ثم الإعدادية والثانوية في دمشق، ثم التحق بالجامعة السورية بقسم اللغة العربية، والتقى فيها بعدد من الأساتذة الذين أثّروا في وعيه وفكره، ومنهم الدكتور صبحي الصالح، والأستاذ سعيد الأفغاني، والأستاذ عمر فروخ، والأستاذ راتب النفاخ، والدكتور مصطفى السباعي، رحمهم الله جميعا.
تخرّجه في الجامعة وعمله بالتدريس:
تخرج في الجامعة مدرسًا للغة العربية، وتنقّل بين محافظات سوريا للعمل في مدارسها، واستقر به المقام في إعدادية (عباس العقاد) في دمشق.
زواجه وأسرته:
في هذه الفترة أيضا (1956م) تزوج برفيقة دربه أم سليم، والتي كانت خير عون له في مسيرته.
وقد رزقه الله من زوجته أم سليم تسعة أولاد: خمسة من الذكور وأربعا من الإناث. أما الذكور فأكبرهم سليم، ثم مأمون، ثم محمد، وبعده حسام، وكلهم درسوا الطب. وأخيرا محمد مرهف الذي درس الهندسة الكهربائية ليلازم أباه فيما بعد، ويشاركه في عدد من الكتب، وتوفى قبله بأربعة أيام.
أما البنات فكنَّ أربعا، كبراهن: هند وهي زوجة صهره عبده كوشك -رحمه الله-، وقد درست اللغة العربية، وأصدرت عدة كتب ثقافية إسلامية، وميسون وخزامى وسوسن، وكلهن كنَّ عونا لوالدهنَّ في المطابقة وقراءة المخطوطات ومراجعة المطبوعات وتقويمها.
نشاطه الدعوي والعلمي:
عرفت مرحلة الستينيات من القرن الماضي بانتشار الأفكار الدخيلة؛ كالإلحاد والشيوعية والتغريب والعلمانية، وقد شارك الشيخ -رحمه الله- في التصدي لهذه الأفكار، وكان هذا النشاط في الجامعة والمدرسة والبلد، وكثرة حواراته وردوده على من يحمل آراء مغايرة في شتى الاتجاهات جعله هدفا لكراهية بعضهم؛ مما عرضه لوشاية أو دسّ أو عداوة، ولهذا تعرض للاعتقال عدة مرات، كانت لا تطول حينما كان يتبين أن وراء الوشاية حاسدًا أو مبغضًا أو عاجزًا عن مجاراته، فأراد بها النيل منه والتشفِّي والانتقام.
كما كان للشيخ دور اجتماعي محمود، فالشيخ يعرف في داريا كواحد من أبرز وجهائها، وله دور بارز في الفعاليات الدينية والثقافية والخيرية، وفي حلّ الخلافات والإصلاح بين الناس.
وأما نشاطه في التصنيف فهو كثير جدًّا، وقد عُرِف عن الشيخ قضاء أوقات طويلة في مكتبة منزله قرب جامع أنس بن مالك، وسط داريا، وهو ما أسهم في كثرة إنتاجه.
مصنفاته وتحقيقاته بحسب الترتيب الزمني:
1- تحقيق (سير أعلام النبلاء): وقد حقق منه المجلد الأول والسادس بمشاركة الشيخ شعيب الأرناؤوط -رحمه الله-، وقد طبعته مؤسسة الرسالة.
2- تحقيق (صحيح ابن حبان): وقد ذكر الشيخ في مقدمة تحقيقه لكتاب (موارد الظمآن) أنه بدأ في تحقيق (صحيح ابن حبان) بالاتفاق مع مؤسسة الرسالة، وبالفعل أصدر منه المجلد الأول والثاني، ثم وقع خلاف بينه وبينهم، وصدر فيما بعد منسوبا إلى الشيخ شعيب الأرناؤوط -رحمهما الله تعالى-.
3- تحقيق (مسند أبي يعلى الموصلي): في ستة عشر مجلدًا، صدر عن دار المأمون للتراث 1404هـ، ودار الثقافة العربية، دمشق 1412هـ.
وقد تعقبه الشيخ الألباني -رحمه الله- في عمله في هذا المسند في عدة مواضع من السلسة الضعيفة([1])، وهذا لا يقلل من جهد الشيخ حسين أسد في إخراج الكتاب.
4- تحقيق (معجم شيوخ أبي يعلى): بالاشتراك مع صهره عبده علي كوشك -رحمه الله-، صدر عن دار المأمون للتراث في مجلد واحد، ودار المعارف، الرياض.
5- تحقيق (موارد الظمآن إلى زوائد بن حبان) للحافظ الإمام نور الدين الهيثمي: صدر عن دار الثقافة العربية في تسع مجلدات، وساعده في إخراجه أيضا الأستاذ عبده علي كوشك -رحمه الله-.
6- تحقيق (ناسخ القرآن ومنسوخه – نواسخ القرآن) للحافظ المفسر ابن الجوزي: في مجلد واحد، دار الثقافة العربية، قدم له بمقدمة وافية.
7- تحقيق (مسند الدارمي): صدر في أربعة مجلدات متوسطة الحجم، عن دار المغني السعودية.
8- تحقيق (كتاب النصيحة في الأدعية الصحيحة) للإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي: صدر عن دار المأمون للتراث.
9- تحقيق (مسند الحميدي): صدر مطبوعا في مجلدين عن دار السقا، كما صدرت له طبعة ثانية في الحجاز، ثم أعاد النظر فيه مع ابنه مرهف، وطبع ثانيا عام 2019م، وكان من آخر أعماله.
10- تحقيق (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) للإمام الحافظ نور الدين الهيثمي: بقي يعمل فيه قرابة العشرين عاما، وصدرت بعض مجلداته عن دار المأمون للتراث، ثم توقف المشروع لتتبناه دار المنهاج، وتخرجه في حلة بهية، وقد صدر في ثلاثة وعشرين مجلدًا كبيرًا.
11- تحقيق (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني): في تسعة مجلدات، صدر عن دار السلام بمصر.
12- تحقيق (الأدب المفرد) للإمام محمد بن إسماعيل البخاري: صدر محققًا بالاشتراك مع ابنه مرهف، في ثلاث مجلدات، عن دار السمان.
13- تحقيق (كتاب بر الوالدين) للإمام محمد بن إسماعيل البخاري: في مجلد واحد، ساعده فيه ابنه مرهف.
14- تحقيق (كتاب الأربعين في شعب الدين) لأبي القاسم علي بن الحسن الصفَّار: ساعده في تحقيقه ابنه مرهف.
15- تحقيق (كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه) لأبي محمد عبد الله بن محمد المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني: ساعده في إخراجه وتحقيقه ابنه مرهف، وصدر عن دار التوحيد للنشر.
هجرته ووفاته رحمه الله:
خرج الشيخ من سوريا عام 2014م بسبب الحرب المشتعلة هناك، ونزل بمدينة برج العرب في الإسكندرية في مصر، وقد تواصل في مصر مع بعض علماء الحديث، فزار الشيخ أبا أسحق الحويني، والشيخ مصطفى العدوي.
وفي عام 2015م تعرض الشيخ لحادث سير، توفي فيه صهره وتلميذه ومساعده الأستاذ عبده علي كوشك رحمه الله، وحصل للشيخ كسور ومضاعفات من الحادث، ولكنه ظل ملازما للتحقيق والكتابة، واستمر في إنتاجه العلمي بعد الحادث.
ثم أصيبت أسرة الشيخ بفيروس كورونا، فتوفيت أولا زوجته (فاطمة عليان) وبعدها بأربعة أيام توفي ولده ومساعده (مرهف حسين أسد)، وبعدها بأربعة أيام الأحد 23 ربيع الأول 1443هـ الموافق 31/ 10/ 2021م توفي الشيخ رحمه الله في مدينة برج العرب بالإسكندرية، وقد ناهز التسعين من عمره.
وصلّي عليه بعد صلاة العصر من يوم الأحد في الجامع العتيق بالمدينة.
وقد نعاه عدد من المشايخ وطلبة العلم، فقال الشيخ أبو أسحق الحويني على صفحته: “أنعى إليكم وإلى الأمة الإسلامية وفاة شيخنا العلامة المحدث السوري المعروف وصاحب التصانيف النافعة حسين سليم أسد.. ماتت زوجته قبل ثمانية أيام، ثم مات ابنه مرهف قبل أربعة أيام، واليوم يموت شيخنا، جميعهم بفيروس كورونا”.
رحم الله الشيخ حسين سليم أسد، وأجزل له المثوبة على ما قدم من خدمة للسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام([2]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) ينظر على سبيل المثال: (4/ 267، 6/ 227، 6/ 555).
([2]) الجزء الشخصي في حياة الشيخ رحمه الله، مقتبس من كلام ولده سليم حسين أسد، وهي منشورة على مواقع متعددة على الشبكة كموقع (منتدى العلماء).