“الـتـديُّـن والـضميـر: العلاقة والتوظيف والمواءمة” قراءة تحليلية نقدية
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
ملخص البحث:
إن قضية الدِّين والتدين في القرن الحادي والعشرين هي جدلية العالَم اليوم، وحولها دارت الأفكار والتحديات؛ لعِظَم الدور المنوط بهما لتقديم حلول للواقع، وإشكالاته. ومن أبرز القضايا التي ينظر إليها كقسيمٍ للدين أو بديل عنه في الطرح الحداثي والعلماني، مصطلح “الضمير”، فقد جعلوه بديلاً عن التدين، وهذا المسلك التوظيفي للمعاني الشرعية فيما يناقضها قديم، وليس حديثاً، لذا كان دون ذلك توظيفٌ لبعض المواد الشرعية التي تصبُّ في تنمية الوازع الأخلاقي والضمير اليقظ والنفس اللوامة واستفتاء القلب، فوظَّفوا النصوص الواردة في ذلك لتكون جسراً إلى فكرتهم الأم؛ وهي الفصل بين الواقع والدين والتدين، تحت مسمى الضمير، فانعكس ذلك على محاصرة الدين، لتقديم بديل داخلي فردي بدلاً من التدين. وعليه، فإن الإشكالية تنصبّ حول العلاقة بين التدين والضمير، وإلى أي مدى كان الاختلاف بين الرؤية الشرعية والرؤية العلمانية نحوهما، ومحاولة التوظيف، وسبل المواءمة، وهل هناك محددات للعلاقة بينهما، وبقراءة قراءة تحليلية نقدية تقدم الدراسة تحليلاً دقيقاً لواقع الرؤيتين والعلاقة وسبل المواءمة. وإن من أهم النتائج؛ صياغة محددات معيارية واضحة في ضوء الشريعة الإسلامية ومقاصدها للاستفادة من الضمير، بلا مخالفة، بدلاً من الترويج لمصطلح هلامي غير واضح المعالم؛ وإلا فكم من المجرمين والقتلة والسارقين، بل ومروجي المخدرات هم مرتاحو الضمير. فهذه المحددات تجعل “الضمير” متساوقاً مع “الدين”، ويحض التمسك به في واقعنا المعاصر.
الكلمات المفتاحية: التديُّن، الضمير، استفتاء القلب، الحداثة، العلمنة.
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيقول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) } [النساء: 65]. ويقول سبحانه: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [الروم: 29، 30].
فقد كثر الحديث عن مصطلح الدين والتدين في العصر الحديث، وذلك لما استقر من دور الدين في ضبط حياة الناس ومعاملاتهم، ولما له من دور تهذيبي للنفوس، لكن البعض قد اتخذ موقفاً مناهضاً للدين والتدين ليصب ذلك في كفة الإلحاد أو غيرها من التيارات الفكرية الموجودة على الساحة، وكان من ضمن وسائل ذلك: محاصرة الدين، ومحاولة تقديم البديل الداخلي الذي يحمل معنى الوازع الشخصي ويكون من داخل الإنسان، بدلاً من التدين، والدخول في الدين.
وعلى هذا، دارت رحى الصراع الفكري بين مصطلحين؛ مصطلح “التدين”، ومصطلح “الضمير”؛ وقد اتخذت العلاقة بين “التدين” و”الضمير” شكلاً من أشكال التجاذب بين الدّين والَّلادين.
فإن الضمير تنازعه الفريقان؛ فريق شرعي يرى فيه صورة شرعية تمثل حصانة لدين المسلم عن الهوى والزيغ، وفريق آخر يوظِّف هذا المعنى كبديل عن الدين والتدين، والمرجعية الشرعية للحلال والحرام.
والضمير وسط هذا التجاذب؛ كان له حضوره كجزءٍ أساس في المعركة بين التدين والإلحاد، ولا يعني هذا اصطفاف مصطلح “الضمير” إلى حزب موظِّفيه في الفكر الإلحادي، وذلك أن “الضمير” تجاذبه فريقان:
الفريق الأول: استعمله بمعنى الوازع الإيماني والنفس اللوامة التي تردّه عن اقتراف ما لا ينبغي، وهذا الفريق يرى أن الشريعة جاءت بتقرير الوازع والضمير، واستفتاء القلب إذا ارتاب في أمرٍ، فإنه يجد حزازة في نفسه من الإثم، فيعمل ما يمليه عليه ضميره إذا اشتبهت عليه الأمور بلا مرجح، أو أفتاه أحد بجواز أمر يرتاب فيه، فيرجع حينها إلى إيمانه ويقينه ونفسه اللوامة فيترك الحرام، ويتورع عن الشبهات.
والفريق الثاني: استعمله حصاراً لظاهرة الدين والتدين، خاصة في العصر الحديث، فبعض المذاهب الفكرية المعاصرة كالعلمانية والإلحادية والحداثية روجَّت لمصطلح الضمير، سواءً باسم الضمير أو الوازع الشخصي بصفة مطلقة، على أن يكون خارج نطاق الدِّين، مصطحباً معه فكرة إقصاء التدين، وإبعاد تأثير الدين عن الحياة المعاصرة.
فهل سلم لهذا الفريق توظيف فكرة “الضمير” لإقصاء التدين عن الحياة المعاصرة؟ وهل كان التفسير الشرعي للضمير والوازع يحمل حصانة فكرية للمسلم في هذا العصر بحيث يكون ضميره حياً ووازعه مانعاً من اقتراف المحرمات والمخالفات؟ وهل من سبيل للمواءمة بينهما؟
ولا شك أن البحث في هذه القضية جدير بافتراعِ جديد حول قضية التدين في العصر الحديث، خاصة مع كثرة الأفكار وتلاقحها، وتجاذبها، ومع العولمة والتحرر من الإقليمية سهل تداولها في الفضاءات المفتوحة.
مشكلة البحث:
تنصب إشكالية البحث الأولى على توظيف بعض الاتجاهات الفكرية المعاصرة كالحداثة وغيرها للمعاني الشرعية الدالة على إعمال الضمير والوازع واستفتاء القلب فيما يناقض الدين والتدين، والدعوة لجعله مصطلحاً بديلاً عن التدين، ويحاول البحث الكشف عن سبل التوظيف لهذه الفكرة.
أسئلة البحث:
يحاول البحث الإجابة عن عدة تساؤلات:
1- ما حقيقة التدين والضمير، وكيف نشأ مصطلح الضمير؟
2- ما العلاقة بين التدين والضمير خاصة في القرن الحادي والعشرين؟
3- كيف تسنّى للمذاهب الحداثية العلمانية توظيف فكرة الضمير لأفكارهم الهدامة؟
4- ما محددات المواءمة بين التدين والضمير؟
أهداف البحث:
يهدف البحث للوصول إلى:
1- إظهار حقيقة التوظيف الهدام للمعاني الشرعية.
2- إبراز حقيقة الدين والتدين والضمير، وسبب الخلل التوظيفي للمعاني الدينية.
3- إيجاد معيار للمواءمة بين التدين والضمير في ضوء الشريعة ومقاصدها.
أهمية البحث:
1- إبراز الرؤية الشرعية للدين والتدين والضمير.
2- تبيين الرؤية الشرعية للمعاني السابقة ومقارنتها بالرؤية الهدامة وهذا تحقيق للأمن الفكري.
3- كشف التوظيف الهدام لمبحث شرعي منوط به الحفاظ على تديّن المسلم في هذا العصر من الزيغ الفكري، وموقفه من المحرمات والمشتبهات.
منهج البحث:
اقتضت طبيعة هذا البحث سلوك المنهج التحليلي النقدي؛ بتحليل أفكار أصحاب المذاهب الحداثية وغيرهم للتعامل مع الضمير والوازع وغيرها من المصطلحات القريبة، ونقدها في ضوء النصوص الشرعية والمنهجية الأصولية.
الدراسات السابقة:
1- تحرير الضمير والمشاعر الإنسانية من منظور إسلامي، للدكتور أحمد سعيد عزام، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية، بحث محكم. وهذا البحث يتحدث عن الضمير والمشاعر الإنسانية وكيف حرص الإسلام على تحريره من العبودية والاستسلام لغيره، ومنحه حرية الاختيار والإرادة، وكيف يصل الإنسان لحريته الكاملة الشاملة.
فهو يختلف عن فكرة هذه الدراسة، والتي تعنى بالتدين والضمير بين الرؤية الشرعية والرؤية العلمانية والتوظيف العلماني لاستفتاء القلب، وسبل المواءمة بين التدين والضمير.
2- ديانة الضمير الفردي ومصير الإسلام في العصر الحديث، للدكتور محمد الحّداد، وهو كتاب يتحدث عن مستقبل العلمانية والإصلاح الديني في العالم العربي من وجهة نظر حداثية بحتة.
3- ديانة الضمير في العصر الحديث، د. ندى بنت حمزة خياط، وهو بحث محكم يعنى بمفهوم ديانة الضمير في العصر الحديث، وتاريخ نشأتها، وتبلورها في الفكر الغربي، وأثرها على الخطاب العربي المعاصر، ونقدها من رؤية إسلامية.
فهو يختلف عن فكرة هذه الدراسة، والتي تعنى بالتدين والضمير بين الرؤية الشرعية والرؤية العلمانية والتوظيف العلماني للوازع والضمير واستفتاء القلب، والعلاقة بين التدين والضمير، وسبل المواءمة.
مبحث تمهيدي: حقيقة الدين والتدين، والضمير، ونشأة مصطلح الضمير
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حقيقة الدين والتدين.
المطلب الثاني: حقيقة الضمير.
المطلب الثالث: نشأة مصطلح الضمير.
المطلب الأول: حقيقة الدين والتدين:
الدِّين لغةً: يرجع أصل لفظة (دين) إلى الانقياد والذل. والدِّين: الطاعة، ويقال: دان له يدين ديناً، إذا انقاد وطاع. وقوم دِينٌ: أي: مطيعون منقادون([1]).
والدِّين اصطلاحاً: هو ما عليه أهل الشريعة([2]). وقال الكفوي: «وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات، قلبياً كان أو قالبياً، كالاعتقاد والعلم والصلاة»([3]).
والـمُتَدَيِّن: اسم فاعل من ”تديَّن بكذا”: إذا جعله دينه، يقال: دان بكذا: دِيناً وتديَّن به، فهو دَيِّن، ومُتَديِّن([4]).
وفي ضوء ذلك: فإن مصطلح (التديُّن) يستعمل في معنيين:
الأول: اتخاذ الدِّين: فيقال: تديَّن بدين الإسلام: أي: اتخذ الإسلام ديناً له.
الثاني: التمسُّك بالدِّين والتعبَّد به: فهو متديِّن -متفعِّلٌ- أي: متمسِّك بالدِّين ظاهراً وباطناً.
وهذا المعنى الثاني هو المراد هنا.
ومن الشواهد على هذا التقسيم: نصُّ الفقهاء على الكفاءة في الزواج، ومنها: الكفاءة في الدِّين بين الزوجين، فهم ينصون على “الدِّين”، ويذكرون أن معناه: الـتـديُّـن؛ أي: كونه ذا دِين، أي غير فاسق، لا بمعنى الإسلام([5]).
المطلب الثاني: حقيقة الضمير:
ضمير الإنسان: قلبُه وباطنُه، وأضمر في ضميره شيئاً: عزم عليه بقلبه؛ فهو يغيبه في قلبه وصدره([6])، وقال الليث: الضَمِرُ: الشيء الذي تُضمره في ضمير قلبك([7]).
هذا خلاصة ما ذكره علماء اللغة في نقل معنى الضمير، وأما في العصر الحديث؛ فإن الضمير يستعمل في معان تختلف عما هو معهود في اللسان العربي.
الضمير في اصطلاح المعاصرين:
يرجع بعض المعاصرين معنى الضمير إلى كونه: خصوصية العقل في إصدار أحكام معيارية قيمية تلقائية وفورية على القيمة الأخلاقية لبعض الأعمال الفردية المحددة. عندما يُطبق هذا الضمير على أعمال الفاعل المقبلة، فإنه يرتدي رداء (صوت) يأمر أو يمنع، وعندما يقال على الأعمال السالفة، فإنه يترجم بمشاعر سرور (رضى) أو ألم (تأنيبات). وقيل: إن خصوصية الضمير هي الاستحسان أو الاستقباح([8]).
ويعرف بأنه: استعداد نفسي لإدراك الحسن والقبيح من الأفعال، مصَوَّبٌ بالقدرة على إصدار أحكام أخلاقية مباشرة على قيمة بعض الأعمال الفردية([9]).
وصاغ البعض تعريفاً له بأنه: وصف لكلمة تجسد كتلة ومجموعة من المشاعر والأحاسيس والمبادئ والقيم التي تحكم الإنسان وتأسره، ليكون سلوكه جيداً محترماً مع الآخرين يحس بهم ويحافظ على مشاعرهم، ولا يظلمهم ويراعي حقوقهم، أي: يعتبرونه ميزان الحس والوعي عند الإنسان لتمييز الصحيح من الخطأ مع ضبط النفس لفعل الصحيح والابتعاد عن الخطأ([10]).
المطلب الثالث: نشأة مصطلح الضمير:
يعكس مصطلح “الضمير” حمولة فكرية تاريخية، فهو يؤرخ -رغم قلة حروفه- لأوروبا عبر عدة قرون، وقد ارتبط بمجمل مسيرة أوروبا الفكرية في العصور الحديثة، حينما استمر تشكّل الدين حسب ما يستجد ويستحدث في عالم الأفكار الغربية، التي تأثرت بالمكتشفات العلمية المستجدة والعلوم التجريبية المادية وبخاصة علم الفيزياء، وتأثرت كذلك بالتطور المعرفي الكبير الذي حدث في العلوم الإنسانية وكل ما يتصل بها، حيث غدا الإنسان موضوعاً مستقلاً للمعرفة بعد أن كان مجرد باحث عن المعرفة؛ حتى وصلت إلينا هذه الديانة بصورتها الناجزة اليوم في عصر ما بعد الحداثة؛ عصر النسبية وغياب المطلقات، وغياب المرجعية الشاملة، وعصر استحالة التأصيل([11]).
فقد أصبح الآن أهم أداة أو مفهوم في سبيل عَلْمَنة الفكر الأخلاقي، والبعد به عن سلطان الدين؛ فبدلاً من أن يكون مصدر “الأمر” و”الإلزام” هو الوحي والشرع الإلهي والكتب المقدسة، وبدلاً من أن يكون المدار في إدراك “حسن” الفعل الأخلاقي و”خيريته” على الوحي والشرع؛ انتزعت هذه المرجعية، في إطار التخلص من سلطة الدين، كل الدين، وفوضت إلى ذلك “المفهوم” الذاتي الفردي([12])!!
ويبنه هنا إلى أن علمنة “التدين” قد أخذت شكلين:
الشكل الأول: أن يحل الإله في المؤمن ويصبح من الممكن معرفة الإله من خلال حالة شعورية أو تجربة جمالية يخوضها الإنسان، أي: أن يصبح الإله أمراً خاصاً بالقلب والضمير الشخصي الإنساني، وبدلاً من أن يكون التدين إيماناً بالغيب، تستند إليه منظومة أخلاقية تنظم تعامل الإنسان مع بني البشر ومع الطبيعة- يتجلى التدين في التاريخ، ويترجم نفسه إلى طريقة للتعامل مع البشر (المعاملات منفصلة تماماً عن العبادات)، ومع تزايد معدلات العلمنة يتصالح الدين والواقع، ويتماهيان إلى أن يصبح الدين واقعياً يستمد معياريته من الواقع، وقد يصبح التدين على عكس ذلك طريقة لتنظيم العلاقة بين الإنسان وربه فحسب، ولا يركز المؤمن إلا على الجوهر الرباني الواحد، ويغرق في تمارين صوفية محاولاً الالتصاق بالخالق والتوحد معه.
الشكل الثاني: أن يصبح الخالق قوة متجلية في الطبيعة أو في التاريخ، ثم قوة حالة في الطبيعة أو التاريخ، ثم يصبح الخالق نفسه هو الطبيعة وقوانينها والتاريخ وقوانينه، الأمر الذي يعني هيمنة المرجعية المادية النهائية، وهي نقطة الواحدية الكونية المادية الكاملة أو وحدة الوجود، وهي أيضاً النقطة التي يتم الادعاء فيها بأن الإله يُعرف بالعقل وحده، أي: بالخطوات الإجرائية نفسها التي يتم عن طريقها معرفة الدنيا والتحكم فيها، وأن سنن الإله هي سنن الطبيعة وسنن التاريخ، ومن ثم فإن قوانين التاريخ هي العناية الإلهية متجسدة في حركة التاريخ المادية، وعادة ما يأخذ هذا التحول في مراحله الأولى شكل الإصلاح الديني (أو التجديد) الذي يعيد صياغة النسق الديني حتى يتفق والعقل، فتظهر اتجاهات دينية ربوبية ترى إمكان الوصول إلى فكرة الإله من خلال دراسة الطبيعة وقوانينها دون الحاجة إلى وحي، وتظهر فكرة وحدة الأديان، ومن بعدها ما يسمى العبادات الجديدة([13]).
المبحث الأول: العلاقة بين التدين والضمير بين الرؤية الشرعية والرؤية العلمانية
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الرؤية الشرعية للعلاقة بين التدين والضمير.
المطلب الثاني: الرؤية العلمانية للعلاقة بين التدين والضمير.
اختلفت النظرة إلى العلاقة بين التدين والضمير بين الرؤية الشرعية والرؤية العلمانية؛ نظراً لاختلاف المرجعية الفكرية التي تفسر المصطلح، فلكل منهما منهجية ومرجعية تضبط المصطلح وتنقحه مما علق به من أوصاف غير مرغوب فيها، ليوافق اللفظُ المعنى، وتوافق الفكرةُ الواقع.
المطلب الأول: الرؤية الشرعية للعلاقة بين التدين والضمير:
تنطلق الرؤية الشرعية للعلاقة بين التدين والضمير من جعل المسلم على نفسه رقابة داخلية؛ يلزمها بتقوى الله تعالى ومراقبته، ويراعي وازعه الإيماني فيما يعترضه من أمور فيها محرمات أو مشتبهات أو غيرها، وكذلك في أمور الأقضية والحقوق والخصومات، وذلك في ضوء النصوص الشرعية الواردة في ذلك، ومنها:
– قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: «هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بيِّنة، فيجحد المال، فيخاصمهم فيه إلى الحكّام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وهو يعلم أنّه آثِمٌ آكِلٌ حراماً»([14]).
– عن أم سلمة رضي الله عنها، عن النبي r قال: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من النار»([15]).
– عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: «الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشبّهات، لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»([16]).
– حديث النواس بن سمعان الأنصاري t، قال رسول الله r: “البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس“([17]).
– حديث واثلة بن الأسقع t: قال: قلت: يا رسول الله، أفتني عن أمرٍ لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: “استفت نفسك، وإن أفتاك المفتون“([18]).
– سأل رجل رسول الله r، فقال: يا رسول الله، ما يحل لي مما يحرم علي؟ فسكت رسول الله r، فرد عليه ثلاث مراتٍ، كل ذلك يسكت رسول الله r، ثم قال: “أين السائل؟” فقال: أنا يا رسول الله، فقال – ونقر بأصبعه: “ما أنكر قلبك فدعه“([19]).
– عن أبي الحوراء السعدي، قال: قلت للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله r؟ قال: أذكر أني أخذت تمرةً من تمر الصدقة، فألقيتها في فمي، فانتزعها رسول الله r بلعابها، فألقاها في التمر. فقال له رجل ما عليك لو أكل هذه التمرة؟ قال: “إنا لا نأكل الصدقة” قال: وكان يقول: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينةٌ، وإن الكذب ريبةٌ“([20]).
ووجه الإفادة من هذه الأدلة: أن الإطار الشرعي للضمير والوازع محدود بضوابط تُستقى من الأدلة الشرعية حول استفتاء القلب، ومدارُ هذه النصوص أن يكون صاحبها من ذوي العلم ليفرِّق بين الحلال والحرام والمشتبه عليه، والديانة التي تضبط نوازعه إلى الحرام والمشتبهات، وتضبط هواه بضابط الشرع.
وهذه الرؤية الشرعية تقترب من البناء اللغوي، وشواهد اللغة في ذلك أن (الضّمير) بمعنى الـمُضمر، وما تُضمره في نفسك، ويصعب الوقوف عليه، وهو كذلك: استعداد نفسي لإدراك الخبيث والطّيب من الأعمال والأقوال والأفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحسن واستقباح القبيح منها([21]).
وعليه: فالعلاقة بين التدين والضمير بهذه الرؤية: أن الضمير جزء مما دلَّ عليه معنى التدين عند قيام حال الاشتباه ونحوه، وذلك أن التدين ترجَّح سابقاً: التمسك بالدِّين ظاهراً وباطناً؛ فمن التمسك بالدين إعمال الضمير والوازع عند حال الاشتباه فيتورع عن الشبهات ويمتنع عن المحرمات، وكما في الأحاديث السابقة: “ما أنكر قلبك فدعه“، “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك“.
المطلب الثاني: الرؤية العلمانية للعلاقة بين التدين والضمير:
نجد أن الحديث عن الضمير أو الوازع كما يعبر البعض عنه، قد يلتقي ظاهراً مع الفكرة العلمانية عن الضمير أو “ديانة الضمير”؛ فإن أصحاب الاتجاهات العلمانية والحداثية يتبنون فكرة توقُّف الدين عن أن يكون سلطة موجِّهة، أو متحكِّمة في سلوك الناس، وفي حياة المجتمعات، وعليه فإنهم يرون أن الأخلاق باتت في غنى عن فرضية (المشرع الإلهي) ما دام الإنسان ككائن عاقل وإن ظل متناهياً، قادراً على أن يضع لنفسه قوانين عقلانية لفعله، وأن يلزم نفسه بها من دون حاجة إلى توجيه خارجي([22]).
ومما ينبغي ذكره: أن رهان العلمانية على أن تهميش الدين وحصره في النطاق الفردي وجعل التدين شأناً داخلياً في النفس البشرية سيؤدي إلى أفوله واندثاره وكذلك اختفاء مظاهر التدين؛ كل ذلك أوقعها في مشكلات أكبر، فقد صارت هذه الفكرة معول هدم الحرية التي يجعلونها من أهم الحقوق وهي حرية التدين، وأيضاً قد اتضح لهم أن الدين لا يمكن اجتثاثه نهائياً من حياة الناس، بل تعاظم دوره تدريجياً حتى في مجتمعاتهم الغربية بعد إفلاس الحداثة([23]).
فهم بهذا يجعلون الضمير مرشحاً للحلول محل فكرة الدين والرجوع للنص الشرعي؛ لأن حرية الضمير وتحصينها وفرضها بهذا تكون بوابة لتوطين فكرة أن يكون المرء سيد نفسه، ولا سلطان لدين أو قيود أو ضوابط شرعية يتحرك في أطرها.
ويعللون بأن الإنسان بوصفه كائناً عاقلاً، وإن ظل متناهياً وخطاءً، قادر على تمثل القاعدة الأخلاقية والاهتداء إليها بنفسه، بفعل النور الداخلي الذي حباه الله به من دون حاجة إلى توجيه خارجي من أي سلطة زمنية أكانت أم غير زمنية، وهو ما يعني ظهور الضمير بوصفه وازعاً داخلياً لا تكون له قيمة إلا إذا اعترف للفرد بالحق في السيادة الكاملة على نفسه([24]).
فهذه الرؤية بهذا تلتقي مع فكرة العلمانية، حيث يطرحون فكرة الوازع الداخلي وسيادة المرء على نفسه، وحكمه عليها، مما يجعلها مناقضة لفكرة التدين والامتثال للدين الإسلامي، والتسليم لأحكامه على الفرد والمجتمع، وبالتفسير العلماني أو الفلسفي المعاصر نجدها مشبعة بروح العلمانية، ومبني على فكرة إحلاله محل الدين، بل محل الإله، تعالى الله. يقول نصر أبو زيد: «وكأن الشيخ -يقصد ابن عربي- يقول إن قلب المؤمن “كتاب” له قدرة على التشريع بحكم ما كتب الله فيه من “إيمان” من جهة، وبحكم توجيه النبي للمؤمن أن يستفتي قلبه، أي أناهُ الداخلية، قبل أن يستفتي المفتين، بل وبرغم فتوى المفتين، من جهة أخرى، هكذا يضيف ابن عربي لأصول الشريعة قلب المؤمن في موازاة للكتاب، أليس “الإنسان” في النهاية صورة الله؟ وأليس المؤمن هو صورة الكمال الإلهي؟»([25]).
فيلاحظ هنا في كلام نصر أبو زيد ومَن قبله ابن عربي.. أن هذه الفكرة قائمة على أن الإنسان فيه جزء من الألوهية، وأنه يستطيع أن يقرر ويتصرف في أقداره، ويشكل واقعه، ويحكم على ما يشاء.
ويرجع هذا المعتقد إلى فكرتين: الأولى: نابعة من الفلسفة الشرقية التي تجعل الوجود المادي وهم، وليس له وجود خارج الذهن، وبالتالي يمكن تحويره وتشكيله من خلال تعديل الفكر. والثانية: الفلسفة الباطنية التي تجعل الوعي هو الوجود الأول، وهو الإله والحقيقة المطلقة، وكل ما في الوجود ليس إلا تجسيداً لذلك الوعي، فإذا أدرك الإنسان حقيقته الإلهية، التي هي وعي مجرد أمكنه التحكم في الواقع من خلال تحوير الوعي»([26]).
ونجد المفكر محمد الطالبي.. يدعو الإنسان إلى أن يمارس حريته الدينية التي وهبها الله له، وهي: «قدر الإنسان ونداؤه الباطني. فهي تمتزج بفيض الضمير الانعكاسي الذي فجأة غمر الإنسان بروح الله، فحقق من خلال انفجار هائل للشعور بالذات، متميزاً بكرامة إنسانيته، ومن حيث جعل منه كائناً مسؤولاً، أبرزه من دفق الحيّ، متميزاً بكرامة خاصة وبقَدَرٍ يلبي نداءه الباطني»([27]). فهو بهذا يرى أن الحرية الدينية للإنسان التي هي من تمام مسؤوليته موجودة في ضمير الإنسان، وهي مجرد استجابة لندائه الباطني([28]).
بل يجيب الشرفي صراحة عن سؤال أين نجد الدين والحقيقة الدينية؟ فيقول: «نجده في ضمائر المؤمنين. لسنا محتاجين في العصر الحديث إلى مؤسسة دينية مهيكلة على النمط القديم»([29]).
فالعلاقة بينهما بهذا التفسير: التناقض؛ والنقيضان لا يجتمعان.
فالضمير تقوم فكرته عند أصحاب ديانة الضمير على أن يكون سلطة الضمير عليا لتوجيه الإنسان وحضه أو منعه، أو متحكماً في أخلاقه وما يصدر عنه، فهي بهذا تناقض فكرة التدين والتمسك بالدين ظاهراً وباطناً، بأن يكون هو الموجه والمتحكم في سلوك الإنسان.
وهم يقررون: أنه لا بد من أن تربط الأخلاق والوازع بالضمير، بدلاً من الإلزام والترهيب بعقاب الآخرة([30]).
فالدين أصبح في الخطاب الحداثي حالة شعورية فقط أو تجربة جمالية يخوضها الإنسان، أي: أن الله يصبح أمراً خاصاً بالقلب والضمير الشخصي الإنساني، وبدلاً من أن يكون التدين إيماناً بالغيب، تستند إليه منظومة أخلاقية تنظم تعامل الإنسان مع بني البشر ومع الطبيعة يتجلى التدين في التاريخ ويترجم نفسه إلى طريقة للتعامل مع البشر -المعاملات منفصلة تماماً عن العبادات- ومع تزايد معدلات العلمنة يتصالح الدين والواقع، ويتماهيان إلى أن يصبح الدين واقعياً يستمد معياريته من الواقع([31]).
المبحث الثاني: سبل التوظيف العلماني لفكرة “الوازع” و”استفتاء القلب”
يشهد الواقع أن هذا المصطلح -وهو الضمير بالتفسير العلماني- قد شهد توظيفاً له مستفيدين بما يحمله من تقارب من المعنى الشرعي للوازع الإيماني والنفس اللوامة واستفتاء القلب، فكان طرحه بالمعنى العلماني مع بعض الخلفية الشرعية للتلبيس، وللإيهام أن هذا هو المعنى المطلوب، فهو بهذا يدور حول فكرة “علمنة الأخلاق” و”علمنة المعاني الشرعية”، وإلباسها ثوب الشرعية لتنفيقها وترويجها عند البيئات المحافظة التي يخشى من تنكرها لهذا المصطلح الوافد.
وهذا المسلك التوظيفي للمعاني الشرعية فيما يناقضها مسلك قديم، وقد ذكر الشاطبي رحمه الله، طرق أهل البدع في الاستدلال، فقال: «لا تنضبط؛ لأنها سيالة لا تقف عند حدٍّ، وعلى كل وجه يصحُّ لكل زائغ وكافر أن يستدل على زيغه وكفره، حتى ينسب النحلة التي التزمها إلى الشريعة ، فقد رأينا وسمعنا عن بعض الكفار أنه استدل على كفره بآيات القرآن كما استدل بعض النصارى على تشريك عيسى بقوله تعالى: {وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} [النساء: 171]. واستدل على (أن الكفار من) أهل الجنة، بإطلاق قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر} [البقرة: 62]، الآية. واستدل بعض اليهود على تفضيلهم علينا، بقوله سبحانه: {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} [البقرة: 47]… وكذلك كل من اتبع المتشابهات، أو حرف المناطات، أو حمل الآيات ما لا تحمله عند السلف الصالح، أو تمسك بالأحاديث الواهية، أو أخذ الأدلة ببادي الرأي، له أن يستدل على كل فعل أو قول أو اعتقاد وافق غرضه بآية أو حديث لا يفوز بذلك أصلا»([32]).
وينبه هنا إلى حقيقة الوازع: فأصله من الوَزْع، وهو كفُّ النفس عن هواها. والوازع: هو الذي يكف الناس ويمنعهم من الشر، والوازع في الحرب: هو الموكل بالصفوف يزع من تقدم منهم بغير أمره([33]).
ومن سبل التوظيف العلماني لفكرة الوازع واستفتاء القلب:
1- تفريغ المصطلحات الشرعية من معانيها وتوظيفها في معنى عصريٍّ يناقض التدين:
فهم يلجؤون إلى التركيز على الألفاظ الدالة على معاني استفتاء المرء قلبه وإعمال الوازع لتفريغها من محتواها الديني الكامل، واستعمال توظيفها في معنى عصريٍّ يناقض التدين:
ومن ذلك قول بعضهم: «أنا عندما أقرأ لمحمد r: “استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك” بعمق وتنفس هادئ أجد الطريق. إن هذا الحديث طريقك إلى الحق، طريقك إلى الحقيقة. ما أكثر الإفتاء، غزو فضائي. أنا لا أخشى على الناس الرقص والمجون والفجور والأفلام الخليعة .. الخ. لكن أخشى عليهم مفتي يريد أن ينسف الكعبة ليرتب موضوع الاختلاط، أو شيخ يفتي بكفر من رأى بالاختلاط فيثير الفتنة … أو من يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة مرموقة يرى بكفر البرمجة والتنويم والفنون الذاتية الحديثة، أو من يدعو لكراهية البشرية وقتال غير المسلمين .. وأمثالها من الدعوات والفتاوى السخيفة والتي تنم عن ضحالة التفكير وقلة الوعي وأكذوبة الدين الذي هو غطاء للقبلية والعنصرية والشعور بالاضطهاد والمرارة الداخلية والتربية القاسية والفشل الأسري والتأنيب المستمر في الطفولة والأمراض المتكررة، فتاوى جاء بها سيكوباثيون (المرضى النفسانيون) ينفسوا بها ما فيهم! وكل دعوة للكراهية والعنصرية والتفرقة والتكفير والتفسيق والقتل فهي باطلة، وهي يقيناً جانبت الصواب»([34]).
فهذا المقال يستلزم أموراً خطيرة، والذي يعنينا هنا: أنه جعل استفتاء القلب والضمير في مقابل النصوص الشرعية الجزئية التي فيها تشريعات مختلفة، ولسنا بصدد الحديث الآن عن صحة هذه الآراء التي استدل بها أصحابها ونسبوها إلى الدين فهي تحتاج إلى تحليل واقعها والنظر في الأدلة التي استدلوا بها.
لكن الظاهر من هذا.. أن القائل جعل الدين والشريعة مقابلاً للضمير، ثم جعل حديث النبي r مفرَّغاً من معناه وضوابطه، فالأمر باستفتاء القلب موجه لصحابي جليل، إذا اشتبهت عليه أمور الإثم والبر، فإنه يرجع إلى ما يجده فإذا أفتى له مفت بجواز أمر لكنه لم يجد انشراح نفسه فإنه يرجع إلى إيمانه، وكذلك لو أفتى له مفت أو حكم قاض باستحقاقه لشيء هو يعلم من نفسه أنه لا يستحقه فإنه يُعمل فتوى قلبه وضميره، وما يعلمه في حقيقة الأمر.
فاستفتاء القلب ليس بحجَّة مطلقاً، ولا مسوغاً لإحداث عباداتٍ وأعمالاً لم تستند إلى الدَّليل الشَّرعي، وهو بهذا جعل الأمر باستفتاء القلب حجة مطلقاً لا في معرض الكفِّ والانتهاء عن المحرمات والمشتبهات؛ بل للتشريع وإن لم تستند إلى الشَّرع([35]).
2- إهدار السياق المقالي والمقامي الذي جاءت فيه نصوص “استفتاء القلب”:
ونظراً لأن السياق وما يحتف به من القرائن المقالية والمقامية تقدم حصانة لفهم نصوص الوحي، ونجاة من الزيغ والشطط؛ كان من أراد أن يستدل بالحق على معنى باطل -أو يوهم فيه معنى باطلاً- أن يعمد أولاً إلى اختراق السياق؛ كاجتزاء جملة شبه تامة من سياق، معرضاً عن مقيداته السابقة واللاحقة؛ لذا فإننا يمكننا القول إن تجاهل القرائن سواء المقالية والمقامية سبب للشطط والزيغ في فهم الوحي.
ومن أمثلة ذلك: الاستدلال بلفظة “استفت نفسك” على معنى خاطئ؛ يُجعل فيه الضمير بديلاً عن النصوص الشرعية، وتجعل القناعة النفسية محط ارتكاز التدين، لا النصوص الشرعية والأوامر والنواهي المتلقاة من الوحي.
وإذا تأملنا نص الحديث بسياقه استبان الزيغ الطارئ نتيجة اقتطاع السياق:
فعن وابصة بن معبدٍ t، قال: أتيت رسول الله r، وأنا أريد أن لا أدع شيئاً من البر والإثم إلا سألته عنه، وإذا عنده جمعٌ، فذهبت أتخطى الناس، فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله r، إليك يا وابصة، فقلت: أنا وابصة، دعوني أدنو منه، فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه، فقال لي: “ادن يا وابصة، ادن يا وابصة”، فدنوت منه، حتى مست ركبتي ركبته، فقال يا وابصة: “أخبرك ما جئت تسألني عنه أو تسألني”، فقلت: يا رسول الله، فأخبرني، قال: “جئت تسألني عن البر والإثم”، قلت: نعم، فجمع أصابعه الثلاث، فجعل ينكت بها في صدري، ويقول: “يا وابصة استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس”، قال سفيان: “وأفتوك”([36]).
3- تعميم الضمير الشخصي لكل البشر على السواء:
وهذا فيه إشكال كبير فإن ضمير الإنسان ينطق بما يعرفه وما اعتاده، فرب نفس تميل إلى التقوى ونفس تميل إلى الفجور، كما قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8]. فإن تعميم أي معنى ينطق به قلب المرء وعقله وضميره سيوقع في إباحة كل شيء وذوبان معنى الدين، فيكون من توظيف المعاني الصحيحة في مخرجات خاطئة، وهي وإن كانت خارجة من نصوص الوحي أو استمدت بعض دلالتها من الوحي إلا أن الشكل النهائي والمخرج الذي يصل إلى الناس إلحادي مناقضٌ للدين.
وهذا فضلاً أن الضمير الذي يتحدثون عنه متغير يتغير بتغير الزمان، ولا يختلف جوهرياً عن فكرة الأخلاق التي لا علاقة لها بالثوابت، والتي ينحى فيها الإلزام والترهيب بعقاب الآخرة([37]).
فديانة الضمير التي يؤمن بها هؤلاء -أدعياء الحداثة- لا تُبنى على قواعد دينية رصينة ولا على أسس أخلاقية ثابتة، ولهذا لا تتعدى دعواهم أن تكون بلبلة لسان؛ فالضمير قضية هلامية لا تمسك ولا تنضبط. فكم من المجرمين والقتلة والسارقين، بل ومروجي المخدرات هم مرتاحو الضمير، بل ويشعرون بالانسجام وبتمام الرضى بما يقومون به! والضمير أمر متغير من شخص إلى آخر، بل الشخص قد يرضي ضميره أمراً ما اليوم ويشعر معه براحة وسعادة وقد لا يرضي ضميره به غداً. وقد يكون ضمير الإنسان المنفلت عن الدين غير راضٍ، وقد يكون المتدين الأرثوذكسي المحتقن والمنغلق دينياً –بالتعبير العلماني- مرتاح الضمير!([38]).
4- التدعيم ببعض الآراء الشاذة في قضية التحسين والتقبيح العقليين:
ففكرة سلطان الضمير، وأنه لا حاجة إلى الوحي سلطة خارجية، ربما تتقارب شيئاً ما مع القول بأن العقل يحسن ويقبح ولا حاجة إلى النص الشرعي في ذلك، وأن النص ربما يأتي ليدعم ذلك، وهي الرؤية الاعتزالية لقضية التحسين والتقبيح العقليين.
فقد ذهب المعتزلة.. إلى أن الأفعال تنقسم من حيث الإدراك لها إلى أقسام ثلاثة:
القسم الأوَّل: ما يدرك العقل الحسن فيه بضرورة العقل وبديهته، كحسن إنقاذ الغرقى من غير ضرر يلحق المنقذ، وحسن شكر المنعم، وحسن الصدق النافع.
والقسم الثَّاني: ما يدرك العقل الحسن والقبح فيه بالنظر والاستدلال، فهذا محل نظر واجتهاد وتفكر، كحسن الصدق الضار أو قبحه.
والقسم الثَّالث: ما يدرك العقل الحسن والقبح فيه بواسطة السمع المنقول، كحسن الصلاة والحج وسائر العبادات، وقبح الزنا وشرب الخمر.
فيرون أن نظر العقل غير منقطع عن هذا القسم على الإطلاق، بل هو متعلق به تعلقاً كلياً، وإن انقطع عنه في جانب التفصيل. والشرائع عندهم مؤكِّدَة لما قضى به العقل في القسمين الأوَّلين، وهي مظهرة وكاشفة لما لم يستقل العقل بإدراكه في القسم الثَّالث، وليست الشرائع موجبة للحسن والقبح بنفس الأمر؛ إذ الشرع عندهم مُخبِر عن حال المحل، لا أنه منشئ فيه حكماً أو مثبتاً([39]).
المبحث الثالث: محددات المواءمة بين التدين والضمير
في ضوء الشريعة الإسلامية ومقاصدها وفروعها، يمكننا صياغة محددات للاستفادة من الضمير، بلا مخالفة، وجعله من العناصر الداعمة للتدين والتمسك به في واقعنا المعاصر، وهذا انطلاقا من التعامل مع لفظ الضمير كلفظ مجمل محتمل لرؤيتين متغايرتين في المرجعية والهدف المنوط بها، لذا كان التفصيل فما يراد بالضمير، فإن كان متساوقاً مع المعاني الشرعية وخادماً لها فلا مانع من استعماله في إطار المحددات الضابطة له، وإلا فهو مصطلح علماني يراد له إقصاء الدين والحلول محله، فمن هذه المحددات:
أولاً: أن يفسر الضمير بمعنى الوازع الإيماني:
فيفسر الضمير بمعنى الوازع الإيماني ومراقبة الله تعالى؛ فهذا المعنى يحيي الضمائر ويوقظ فيها معنى المراقبة لله تعالى والاحتساب فيما يفعله والأمانة.
وهذه طريقة الوحي في معالجة هذه القضايا، يقول الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [ يونس: 61].
وعن النّوّاس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله r، قال :ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتى الصراط سوران فيهما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً، ولا تتعرجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط فإذا أراد يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه والصراط الإسلام والسوران حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله عز وجل، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم([40]).
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: «تأملنا هذا الحديث، فوجدنا كل ما فيه مكشوفَ المعنى، غير ما فيه من: (واعظ الله في قلب كل مسلم)؛ فإنا احتجنا إلى الوقوف على حقيقته ما هو؟ فنظرنا في ذلك، فوجدنا الواعظ من الآدميين هو الذي ينهى الناس عن الوقوع فيما حرم الله تعالى عليهم؛ فعقلنا بذلك: أن مثله في قلب المسلم: هي حجج الله تعالى التي تنهاه عن الدخول فيما منعه الله عز وجل، وحظره عليه، وإنها هي واعظ الله في قلبه؛ من البصائر التي جعلها الله تعالى فيه، والعلوم التي أودعه الله تعالى إياها؛ فيكون نهيها إياه عن ذلك وزجرها إياه عنه، كنهي غيرها من الناس – الذين في قلوبهم مثلها – إياه عن ذلك»([41]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: «فقد بين في هذا الحديث العظيم – الذي من عرفه انتفع به انتفاعاً بالغاً إن ساعده التوفيق؛ واستغنى به عن علوم كثيرة – أن في قلب كل مؤمن واعظاً، والوعظ هو الأمر والنهي؛ والترغيب والترهيب. وإذا كان القلب معموراً بالتقوى انجلت له الأمور وانكشفت؛ بخلاف القلب الخراب المظلم؛ قال حذيفة بن اليمان: “إن في قلب المؤمن سراجاً يزهر”»([42]).
ثانياً: ألا يكون الضمير بديلاً عن الدين في إثبات الحكم الشرعي:
فقد يستعمل البعض هذا المصطلح ليكون بديلاً عن النصوص الشرعية وتعلمها، بحجة أن الله تعالى وضع ميزاناً في النفس وهو الضمير، فلا يكون الإنسان في حاجة إلى عبادات ومظاهر ولا إلى تعلم الأمور الشرعية، ويتعامل بما يمليه عليه ضميره، فهذا إحلال لمصطلح الضمير محل التدين.
وهذا الشرط مهم جداً، وهو أن الدين لا بديل عنه، مهما زعم أصحابه أنه يشبع حاجة الإنسان عن التدين، فبدون الدين سيصبح الإنسان حائراً تائهاً في الحياة لفقده روحه الحقيقية، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)} [الشورى: 52- 53].
وهذا يجده الإنسان الغربي، فهو تائه في رحلة بحثه عن المعنى لسقوط المعايير، بل يعيش أزمة نفسية ومأساة عميقة تنبع عن احتياجه الشديد لإشباع أشواقه الروحية في واقع غارق في المادية، لذلك يضع لنفسه ديناً جديداً يتماشى مع ماديته، ويلبي حاجته النفسية، دينا شكلياً فردياً لا يختلف في جوهره عن الإلحاد، فإن كان الإلحاد ينكر وجود الله الخالق وصفاته وأفعاله أصلاً فإن ديانة الضمير تستبطن الإيمان بإله داخلي ليس له وجود خارجي، يعني غير مؤثر ولا فاعل في تسيير هذا الكون، فهو إله متصور في الأذهان فقط([43]).
ثالثاً: أن يكون صاحب الضمير على حظ من العلم والفهم يميـز بهما:
وإلا فهو تشريع للهوى والمزاج الشخصي وتنحية للمرجعية الشرعية «وقد نهى الله ورسوله r أن يتخذ الإنسان النفس أو العقل مشرعَين من دون الله»([44]).
رابعاً: أن يكون صاحب الضمير على ديانة وورع:
فإذا لم يكن العبد ورِعاً عن اقتراف الحرام أو القرب منه، ولا شك أن هذا إنما يصح ممن نور الله قلبه بالعلم، وزين جوارحه بالورع، بحيث يجد للشبهة أثراً في قلبه([45])، فإن قلب المؤمن ينظر بنور الله إذا كان قوي الإيمان»([46]).
الخاتمة والتوصيات
بعد نجاز هذه الدراسة المختصرة، أسأل الله تعالى أن تكون محققة المراد، وافية بالموضوع ونافعة، ولعل أبرز ما خلصت إليه من نتائج في النقاط الآتية:
1- أن فكرة جعل الضمير بديلاً عن الدين والتدين لم تُبنَ على قواعد دينية رصينة، ولا على أسس أخلاقية ثابتة؛ فهي مجرد دعوى هلامية لا تنضبط، وبناءٌ على قضية غير واضحة المعالم.
2- أن الرؤية الشرعية للعلاقة بين التدين والضمير تنطلق من كون الضمير جزءاً مما دلَّ عليه معنى التدين عند قيام حال الاشتباه ونحوه؛ فمن التمسك بالدين إعمالُ الضمير والوازع عند حال الاشتباه فيتورع عن الشبهات، وكذلك يمتنع عن المحرمات.
3- أن الرؤية العلمانية للعلاقة بين التدين والضمير تنطلق من كون الضمير سلطة عليا لتوجيه الإنسان وحضه أو منعه، أو متحكماً في أخلاقه وما يصدر عنه، فهي بهذا تناقض فكرة التدين والتمسك بالدين ظاهراً وباطناً، بأن يكون هو الموجه والمتحكم في سلوك الإنسان.
5- من سبل التوظيف تفريغ المصطلحات الشرعية من معانيها وتوظيفها في معنى عصريٍّ يناقض التدين.
6- يمكن صياغة ضوابط معيارية واضحة في ضوء الشريعة الإسلامية ومقاصدها وفروعها، يمكن من خلالها الاستفادة من الضمير، بلا مخالفة، وجعله من العناصر الداعمة للتدين والتمسك به في واقعنا المعاصر.
7- من الضوابط المعيارية للاستفادة من الضمير: ألا يكون الضمير بديلاً عن الدين في إثبات الحكم الشرعي، وأن يفسر الضمير بمعنى الوازع الإيماني.
وأما التوصيات، فمن أبرزها:
1- انتداب فريق من المراكز البحثية، وكذلك الكليات الشرعية بجامعاتنا العربية لدراسة وتحرير المصطلحات المتعلقة بالدِّين والتديُّن، والتأريخ لها.
2- نقد التوظيف الفكري الهدام لمصطلحات التدين، والإيمان والكفر، والمتشابهات، والحلال والحرام، والشريعة، مع إيجاد ضوابط معيارية للاستفادة من المصطلح، بلا مخالفة أو شطط.
3- بثُّ التسليم للوحي والاستعلاء بالإيمان، وذلك بإقامة ندوات وبرامج ومسابقات علمية، وإبراز الصور العملية التطبيقية التي يظهر فيها التسليم للوحي، وحسن التعامل مع الواقع بحكمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) ابن فارس، مقاييس اللغة، 2/ 319.
([2]) الدقيقي، اتفاق المباني وافتراق المعاني، ص192.
([4]) المطلع على ألفاظ المقنع، ص499، ومعجم متن اللغة، 2/ 479.
([5]) ينظر مثلاً: الشرح الكبير للدردير، 2/ 249.
([6]) مقاييس اللغة، 3/ 371، والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 2/ 364.
([8]) موسوعة لالاند الفلسفية، 1/ 212- 213.
([9]) الموسوعة الفلسفية، 1/ 763.
([10]) الصويغ، صحيفة المدينة، ع 18275، 6/5/2013م- 26/6/1434هـ، بعنوان: “النوم والضمير”، وعزام، تحرير الضمير والمشاعر الإنسانية من منظور إسلامي، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية، ص256.
([11]) ينظر: خياط، ديانة الضمير، ص 372.
([12]) ينظر: الكشو، علمنة الأخلاق، ص 3، وأبو زيد، معجم المناهي اللفظية، ص345، 346.
([13]) ينظر: المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، 2/ 121- 123.
([14]) رواه الطبري في تفسيره، (3/277) من طريق علي بن طلحة.
([15]) رواه البخاري في “صحيحه” (كتاب الحيل: باب حدثنا محمد بن كثير)، رقم (6967)، ومسلم في “صحيحه” (كتاب الأقضية: باب الحكم بالظاهر، واللحن بالحجة)، رقم (1713).
([16]) رواه البخاري في “صحيحه” (كتاب الإيمان: باب فضل من استبرأ لدينه وعِرضه)، رقم (52)، ومسلم في “صحيحه” (كتاب المساقاة: باب أخذ الحلال وترك الشبهات)، رقم (1599).
([17]) رواه مسلم في “صحيحه” (كتاب: البر والصلة والآداب، باب تفسير البر والإثم)، رقم (2553).
([18]) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (9/44)، وضعَّف إسناده ابن رجب في “جامع العلوم والحكم” 2/732، وقال ابن حجر في “المطالب العالية” (7/210): “لكن للمتن شواهد مفرقة”.
([19]) رواه ابن المبارك في “الزهد والرقائق”، رقم (824 ، و1162)، وصححه الألباني، في صحيح الجامع رقم (5564).
([20]) رواه أحمد رقم (1723)، والترمذي، رقم (2518).
([22]) ينظر: الكشو، علمنة الأخلاق وظهور مجال الضمير، مجلة تبين، العدد 18، ص 9.
([23]) ينظر: مذكور، التدين في مجتمع ما بعد العلماني، مجلة أنساق ع 1- 2، ص 136.
([24]) الكشو، علمنة الأخلاق، ص 10- 11.
([25]) أبو زيد، هكذا تكلم ابن عربي، ص 221.
([26]) ينظر: الرشيد، حركة العصر الجديد، ص 259 عن: السيف، الأصول الفلسفية لتطوير الذات في التنمية البشرية، 1/ 175.
([27]) الطالبي، أمة الوسط الإسلام وتحديات المعاصرة، ص 44.
([28]) خياط، ديانة الضمير في العصر الحديث، ص 386.
([29]) ينظر: الشرفي، الثورة والحداثة والإسلام، ص 158، وخياط، ديانة الضمير في العصر الحديث، ص 386.
([30]) ينظر: المسيري، العلمانية تحت المجهر، ص 74.
([31]) ينظر: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، 2/ 121.
([33]) ينظر: مقاييس اللغة، 6/ 106، مادة (وزع).
([34]) مقال لصلاح الراشد، عن: السيف، الأصول الفلسفية لتطوير الذات، 2/ 476- 477.
([35]) ينظر عن ضوابط استفتاء القلب: السعيد العيسوي، استفتاء القلب: ضوابطه وأثره في الأحكام، الرياض، دار كنور إشبيليا.
([36]) رواه أحمد في “مسنده” رقم (18001) -وهذا لفظه- ورقم (18006).
([37]) ينظر: المسيري، العلمانية تحت المجهر، ص 74.
([38]) ديانة الضمير في العصر الحديث، ص 398.
([39]) ينظر ابن برهان، الوصول إلى الأصول 1/57-58، والغزالي، المستصفى 1/112-113، وابن تيمية، مجموع الفتاوى 17/198، والطوفي، شرح مختصر الروضة 1/404-405، والشهراني، التحسين والتقبيح العقليان 1/335- 337، والعيسوي، الأثر الكلامي في أصول الفقه، رسالة دكتوراه، ص 165.
([40]) رواه أحمد (17634) وقال محققوه: حديث صحيح.
([41]) الطحاوي، شرح مشكل الآثار 5/ 171.
([42]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 20/ 45.
([43]) ينظر: خياط، ديانة الضمير في العصر الحديث، ص 398- 400.
([44]) شاكر، العمل بالاحتياط في الفقه الإسلامي، ص136.