السبت - 11 شوّال 1445 هـ - 20 ابريل 2024 م

أغلالٌ على العقل..التَّقليد بعد ظُهور الدَّليل أنموذجًا

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

 المقدمة:

بلغ من الكبَر عتيًّا وليس ثمت ابن له، تاقت نفسه كثيرًا للولد وما زال يدعو الله ويلحُّ عليه حتى أجاب الله دعاءه ورزقه بغلام حليم، ولما شبَّ الولد، وبلغ معه السعي، وصار معينًا لأبيه، وقرة عينٍ له، رأى الأب رؤيا تخبره: أن يذبح ابنه، وكان ذلك أمرًا من الله عز وجل، فما كان من هذا الأب الشفيق إلا أن يستسلم لأمر الله، فيقول لابنه: {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]

وكان الوالد قد ربّى ولده على الاستسلام لله، والاستجابة لأمره، فما كان منه إلا أن قال: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]

أسلما أمرهما لله، وخضعا لأمره، وأيقنا أن أوامر الله لا تكون إلا لحِكم عظيمة سواء عرفناها أو جهلناها، فأخذ الأب بيد ابنه حتى توارا في مكان بعيد {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] هنا تحقق الاستسلام، وجاء النداء الرباني: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [الصافات: 104، 105].

هذه قصة من القصص العجيبة في الاستسلام لله سبحانه وتعالى وإن كان فيها تضحية بابنٍ أحبه وانتظره طويلًا، وقصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، تنبئك عن مدى اليقين الذي ينبغي على المسلم أن يعيشه تجاه أوامر الله ورسله.

والدين الإسلامي مضمونه هو: الاستسلام لله سبحانه وتعالى، والرضا والاتباع لكل ما أمر به الله ورسوله، وهذا مقتضى العبودية الخالصة؛ ولذا نفى الله الإيمان عمن لم يحصُل هذا المعنى في قلبه، ولم يحقِّقه في نفسه، فقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]

وكان اهتمام السلف بقضية الاستسلام لله، اهتمامًا كبيرًا؛ إذ عليه مدار الدين، “قال الزهري: على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.

وقال بعض السلف: قدَم الإسلام، لا تثبت إلا على قنطرة التسليم”([1])

يقول ابن تيمية -رحمه الله- في قوله تعالى-: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } [النساء: 125]: “فقد أنكر أن يكون دين أحسن من هذا الدين؛ وهو إسلام الوجه لله مع الإحسان، وأخبر أن كل من أسلم وجهه لله وهو محسن، فله أجره عند ربه، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون … وهذان الوصفان -وهما إسلام الوجه لله والإحسان- هما الأصلان المتقدمان، وهما: كون العمل خالصاً لله صواباً، موافقاً للسنة والشريعة، وذلك أن إسلام الوجه لله، هو متضمن للقصد والنية لله”([2]).

فاتباع الدليل، والأخذ به، والاستسلام لمقتضاه، والعمل به.. هو الفارق بين المؤمن الحق وبين غيره.

يقول ابن تيمية -رحمه الله-:”جماع الفرقان بينَ الحقَّ والباطل، والهدى والضَّلال، والرشاد والغي، وطريق السعادة والنَّجاة وطَريق الشَّقاوة والهَلاك: أن يَجعل ما بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه، وبه يحصل الفرقان والهدى والعلم والإيمان، فيصدق بأنَّه حق وصدق وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه فهو باطل”([3]).

ولقد غرست الشريعة هذا الأمر في نفوس الناس، بطرق شتى:

فتارةً بالأمر الصريح بالطاعة، مثل قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20]

وتارة بالاستفهام الإنكاري، مثل قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125]

وتارة بالأمر بالرجوع إلى الرسول والأخذ بما جاء به، فقد جاء في القرآن والسنة، وذلك مثل قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]

وتارة ببيان فضيلة اتباع الرسول والأخذ بما جاء به، مثل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]

وتارة ببيان أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله، مثل قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]

وتارة ببيان عاقبة المخالفة للكتاب والسنة، مثل قوله تعالى:  {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]

والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، والقصد: أن الاستسلام لله، واتباع ما جاء في الكتاب والسنة، وتقديم الدليل على كل رأيٍ أو وجْدٍ أو ذوق أو وهمٍ.. هو مقتضى الاستسلام لله سبحانه وتعالى.

تمهيد:

ابتليت الأمة الإسلامية، ببعض البلايا الفكرية التي جعلتها ترزح تحت أغلال الجمود، وهذه الأغلال قد جعلت العقل الإسلامي ينحط إلى دركات من التخلف، بالرغم من أن الإسلام جاء ممجِّدًا للعقل مادحًا له، فالعقل له مكانة سامية في الدين الإسلامي، بل هو مناط التكليف، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر”([4])، وكل الثلاثة قد غاب عنهم العقل، فغاب عنهم التكليف.

وابن الجوزي -رحمه الله- قد بدأ كتابه “تلبيس إبليس” ببيان نعمة العقل وأهميته في الإسلام، فقال: “فَإِن أعظم النعم عَلَى الإنسان العقل؛ لأنه الآلة فِي معرفة الإله سبحانه، والسبب الذي يتوصل به إِلَى تصديق الرسل”([5])

بل ذمَّ الله سبحانه وتعالى، من لم يُعمل عقله، فقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف: 179]

يقول الطبري -رحمه الله- مبيّناً معنى “لا يفقهون بها”: “فإن معناه: لهؤلاء الذين ذرأهم الله لجهنم، من خلقه قلوب لا يتفكرون بها في آيات الله، ولا يتدبرون بها أدلته على وحدانيته، ولا يعتبرون بها حججه لرسله، فيعلموا توحيد ربهم، ويعرفوا حقيقة نبوة أنبيائهم، فوصفهم ربنا جل ثناؤه، بأنهم: “لا يفقهون بها”؛ لإعراضهم عن الحق وتركهم تدبر صحة [نبوة] الرسل”([6]) .

ومما يدلك على أهمية العقل في الشريعة الإسلامية.. أن الله سبحانه، قد ذكر كلمة “تعقلون” في القرآن، أربعا وعشرين مرة، وهي في باب الندب والحث على إعماله، وذكر كلمة “يعقلون” اثنين وعشرين مرة، وهي في باب ذم عدم إعمال العقل، فجمع الله في كتابه بين الحث على إعمال العقل، وبين ذم عدم إعماله.

ومع أهمية العقل في الدين الإسلامي، إلا هناك من صفَّده بأغلال غير شرعية، وأوثق رباطه، وكبَّله عن انطلاقه في فهم هذه الحياة وفق ما يقرره الله ورسوله، ومن تلك الأغلال:

التقليد مع ظهور الدليل!

وقد تحدثنا عن التقليد المذموم وأنواعه في القرآن([7])، بَيد أن هناك نوع منه هو أخطر الأنواع وأكثرها تفشيًا، وهو مما يغلّ العقل، ويمنعه من التبحر في آيات الله ونصوص رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليكون المسلم حرًّا من قيود التقليد لطائفة أو حزب أو شخص!

ومن المعلوم أنَّ التقليد في الدين جائز لمن لم يستطع الوصول إلى الحكم بنفسه، وليس غرضنا هو المنع من التقليد، وإنما غرضنا في هذه الورقة: أن نبين أنَّ التقليد مقابل الدليل هو من أكثر ما يؤثر على شخصية المسلم، ويجعله إنسانًا متعصبا لآراء معينة دون النظر إلى الدليل، فلخطورته يجمع بين أمرين:

1/ عدم اتباع الدليل، وفي هذا رد لكلام الله ورسوله.

2/ التعصب لآراء قد لا تكون صحيحة، فيبنى عليها ولاءً وبراءً.

وهذا أشدُّ نوع من أنواع التقليد المذموم وأكثره تفشيًّا منذ القِدم حتَّى يومنا هذا، وهو ما ينادي به صراحة بعض المعاصرين ممن يرون أن التمذهب ليس فقط طريقة للتفقه في الدين، وإنما هو الدين كله؛ بحيث لا يجوز الخروج عليه، وإن تبين الدليل وظهر الحق إلا أن تبلغ مبلغ المجتهد المطلق! ومتى لم تكن كذلك وإن كان لك عقل ونظر واجتهاد في المسائل الجزئية، فإنك لا تعتد بقولك واجتهادك، بل تقلّد غيرك وإن كان الدليل المخالف واضحًا كالشمس!

والنصوص الشرعية في هذا الباب كثيرة، وكل النصوص التي تدعو إلى اتباع الدليل تدخل في هذا النوع، ومنها:

أولا: قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]

وهذه آية بينة واضحة، في أنه إن جاء الدليل، فإنه لا يجوز اتباع أحد من الناس والأخذ بقوله، وإنما يجب اتباع الدليل، فجمع الله في هذه الآية بين الأمر باتباع الدليل والنهي عن اتباع الناس إن كانت أقوالهم مخالفة للدليل.

يقول الطبري -رحمه الله-: “قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام: اتبعوا، أيها الناس، ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى، واعملوا بما أمركم به ربكم، ولا تتبعوا شيئا من دونه، يعني: شيئا غير ما أنزل إليكم ربكم. يقول: لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان، فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم”([8]).

ويقول الشوكاني -رحمه الله-: “قوله: “اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم” يعني: الكتاب ومثله السنة … “ولا تتبعوا من دونه أولياء” نهي للأمة عن أن يتبعوا أولياء من دون الله يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله.. أي: لا تتبعوا من دون كتاب الله أولياء تقلدونهم في دينكم كما كان يفعله أهل الجاهلية من طاعة الرؤساء فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم”([9])

فالتقليد المذموم هنا، مقتصر على من يقلد مع تبين الحق والدليل، فيكون الإنسان قد عدل عن حكم الله: “ثم قال تعالى مخاطبًا للعالم: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} أي: اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كل شيء ومليكه، {ولا تتبعوا من دونه أولياء} أي: لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره، فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره”([10]).

وفي هذا يقول السعدي -رحمه الله-: “{وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي: تتولونهم، وتتبعون أهواءهم، وتتركون لأجلها الحق”([11]).

ثانيا: قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]

يتحدث الله سبحانه وتعالى عن اليهود والنصارى، وأنهم اتخذوا علماءهم أربابا ومعبودات، وليس ذلك إلا لأنهم قلدوهم في كل شيء، ولو كان الكتاب مخالفًا لأقوالهم، بل وصل هؤلاء إلى درجة أنَّهم يحللون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله.

يقول الطبري -رحمه الله-: “(أربابا من دون الله)، يعني: سادة لهم من دون الله، يطيعونهم في معاصي الله، فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرمه الله عليهم، ويحرمون ما يحرمونه عليهم مما قد أحله الله لهم”([12]).

ولا شكَّ أن هذه الآية، من أكثر الآيات منعًا عن التقليد وذمًّا له، يقول الشوكاني -رحمه الله-: “ومعنى الآية: أنهم لما أطاعوهم فيما يأمرونهم به وينهونهم عنه، كانوا بمنزلة المتخذين لهم أربابا؛ لأنهم أطاعوهم كما تطاع الأرباب … وفي هذه الآية: ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله، وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدي بقوله ويستنّ بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص، وقامت به حجج الله وبراهينه، ونطقت به كتبه وأنبياؤه، هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله، للقطع بأنهم لم يعبدوهم، بل أطاعوهم، وحرموا ما حرموا، وحللوا ما حللوا، وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة”([13]) فالشوكاني -رحمه الله- يؤكّد على أن المذموم ليس هو مجرد التمذهب، وإنما هو التمذهب بطريقة لا يقبل معها الحق، وإن تبين له، بل يتمسك بقول مقلَّده مهما كان القول شاذًّا ضعيفًا، وهذا ما ابتلي به بعض هذه الأمة.

ثالثا: قوله تعالى، في قصة إبراهيم عليه السلام، حين جاءهم بالبينات الواضحات، قالوا له: {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 53]

فهم كانوا مقلدين لآبائهم، كما يقول الطبري -رحمه الله- في هذه الآية: “قال أبو إبراهيم وقومه، لإبراهيم: وجدنا آباءنا لهذه الأوثان عابدين، فنحن على ملة آبائنا نعبدها كما كانوا يعبدون”([14]).

ويقول ابن كثير -رحمه الله-: “{قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين} لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال”([15]).

 وقد جاءهم إبراهيم عليه السلام، بالحجة والدليل، فقال: { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 72، 73] فكان جوابهم: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74]

قال البغوي -رحمه الله- في بيان أن هذا من التقليد المذموم-: “{قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} معناه: إنها لا تسمع قولا ولا تجلب نفعا، ولا تدفع ضرا، لكن اقتدينا بآبائنا، فيه إبطال التقليد في الدين”([16]).

فهؤلاء قد تبين لهم الدليل، بل قد حاججوا إبراهيم عليه السلام، وعرفوا أن الدليل معه لا معهم، ومع ذلك قلّدوا آباءهم، يقول السعدي -رحمه الله-: “فلجؤوا إلى تقليد آبائهم الضالين، فقالوا: {بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} فتبعناهم على ذلك، وسلكنا سبيلهم، وحافظنا على عاداتهم، فقال لهم إبراهيم: أنتم وآباءكم، كلكم خصوم في الأمر، والكلام مع الجميع واحد”([17]).

رابعا: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } [الأحزاب: 36]

فإذا قضى الله ورسوله أمرًا واختاره لم يكن للمؤمن والمؤمنة، أن يقدموا آراءهم واختياراتهم على قول الله ورسوله، يقول الطبري -رحمه الله-: “يقول تعالى ذكره: لم يكن لمؤمن بالله ورسوله، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما، ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا (فقد ضل ضلالا مبينا) يقول: فقد جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدي والرشاد”([18]).

ويقول الشوكاني -رحمه الله-: “ومعنى الآية: أنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمرا، أن يختار من أمر نفسه ما شاء، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء، ويوقف نفسه على ما قضاه الله عليه واختاره له”([19]).

فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يختار لنفسه شيئا ويقول به مقابل قول الله ورسوله فكيف يأخذ قول غيره ويقلده، فمتى ما وجد النص وجب التوقف عنده والأخذ به.

وقد بين العلماء.. أن هذا التقليد مذموم، بل لا يتسق مع مقاصد الشريعة من الاستسلام لله سبحانه وتعالى والاستجابة لأمره، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: “فكل من عدل عن اتباع الكتاب والسنة وطاعة الله والرسول إلى عادته وعادة أبيه وقومه، فهو من أهل الجاهلية المستحقين للوعيد، وكذلك من تبين له في مسألة من المسائل الحق الذي بعث الله به رسوله، ثم عدل عنه إلى عادته، فهو من أهل الذم والعقاب”([20]).

فالتقليد جائز وسائغ إلى أن يرد الدليل، فمتى ما توفر وجب التوقف عن التقليد واتباع الدليل لمن وصله وفقهه، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: “فمن صار إلى قول، مقلدا لقائله، لم يكن له أن ينكر على من صار إلى القول الآخر مقلدا لقائله، لكن إن كان مع أحدهما حجة شرعية وجب الانقياد للحجج الشرعية إذا ظهرت”([21])

بل نقل ابن تيمية، الإجماع على أن التقليد خلاف الدليل لمن عرفه لا يجوز.

يقول -رحمه الله-: “قد ذمّ الله تعالى في القرآن، من عدل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه وهذا هو التقليد الذي حرمه الله ورسوله، وهو: أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان؛ في سرّه وعلانيته وفي جميع أحواله.

وكل من أمر الله بطاعته من عالم وأمير ووالد وزوج؛ فلأن طاعته طاعة لله، وإلا فإذا أمر بخلاف طاعة الله، فإنه لا طاعة له، وقد يأمر الوالد والزوج بمباح، فيطاع، وكذلك الأمير إذا أمر عالما يعلم أنه معصية لله، والعالم إذا أفتى المستفتي بما لم يعلم المستفتي أنه مخالف لأمر الله، فلا يكون المطيع لهؤلاء عاصيا، وأما إذا علم أنه مخالف لأمر الله، فطاعته في ذلك معصية لله؛ ولهذا نقل غير واحد، الإجماع على أنه لا يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا كان قد اجتهد واستدل وتبين له الحق الذي جاء به الرسول؛ فهنا لا يجوز له تقليد من قال خلاف ذلك، بلا نزاع”([22]).

ويقول -رحمه الله-: “ولهذا؛ اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال وإن كان عاجزا عن إظهار الحق الذي يعلمه”([23]).

أما كثير من دعاة التقليد اليوم، فإنهم يشنعون على الآخرين لمجرد أنهم خالفوا ما قالوه تقليدًا وإن كان الدليل مع الآخر! وقد سئل ابن تيمة -رحمه الله- عن رجل تفقه في مذهب من المذاهب الأربعة، ثم وجد أحاديث صحيحة تعارض مذهبه، فهل يجوز له العمل بالمذهب تاركا الدليل؟ –وهذا عين ما ينادي به بعض المقلدة المعاصرين من ترك الدليل والركون إلى التقليد-، فأجاب -رحمه الله- فقال: “الحمد لله، قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع.. أن الله سبحانه وتعالى، فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان صديق الأمة وأفضلها بعد نبيها، يقول: أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله، فلا طاعة لي عليكم … كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهؤلاء الأئمة الأربعة رضي الله عنهم: قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه وذلك هو الواجب عليهم … وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين))([24])  ولازم ذلك: أن من لم يفقهه الله في الدين، لم يرد به خيرا فيكون التفقه في الدين فرضا … لكن من الناس من قد يعجز عن معرفة الأدلة التفصيلية في جميع أموره، فيسقط عنه ما يعجز عن معرفته لا كل ما يعجز عنه من التفقه ويلزمه ما يقدر عليه … فمن نظر في مسألة تنازع العلماء فيها ورأى مع أحد القولين نصوصا لم يعلم لها معارضا بعد نظر مثله، فهو بين أمرين:

إما أن يتبع قول القائل الآخر لمجرد كونه الإمام الذي اشتغل على مذهبه؛ ومثل هذا ليس بحجة شرعية بل مجرد عادة يعارضها عادة غيره واشتغال على مذهب إمام آخر. وإما أن يتبع القول الذي ترجح في نظره بالنصوص الدالة عليه، وحينئذ فتكون موافقته لإمام يقاوم ذلك الإمام وتبقى النصوص سالمة في حقه عن المعارض بالعمل، فهذا هو الذي يصلح.

وإذا قيل لهذا المستهدي المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلاني؟ كانت هذه معارضة فاسدة؛ لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة ولست أعلم من هذا ولا هذا ولكن نسبة هؤلاء إلى الأئمة كنسبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي ومعاذ ونحوهم إلى الأئمة وغيرهم، فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع؛ وإذا تنازعوا في شيء، ردّوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر، فكذلك موارد النزاع بين الأئمة، وقد ترك الناس قول عمر وابن مسعود في مسألة تيمم الجنب، وأخذوا بقول من هو دونهما كأبي موسى الأشعري وغيره لما احتج بالكتاب والسنة، وتركوا قول عمر في دية الأصابع، وأخذوا بقول معاوية لما كان معه من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “هذه وهذه سواء”… والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله وحده”([25]).

وقد يقول المقلد: إن التنقل من مذهب إلى مذهب، نوع من العبث، والتمذهب هو أقرب طريقة للوصول إلى الحق، والخروج عن المذهب يورث اتباع الهوى؛ لأن الإنسان يبحث عن الرخص في كل مذهب، فيتبعه.

أقول: إن الخروج عن المذهب، يورث اتباع الهوى إن كان الخروج للهوى، وقد أخذتم موقفًا نتفق عليه جميعًا، وهو: بطلان التنقل بين المذاهب لتتبع الرخص، فالعلماء متفقون على عدم جواز تتبع الرخص بهذه الطريقة، وجعلتم ذلك عامًّا في كل خروج عن المذهب!

فنحن لا ننكر التمذهب كطريقة للتفقه، بل وللتدين، ولا ننكر أن الخروج من مذهب لآخر؛ لمجرد اتباع الهوى العبث بالدين، وإنما ننكر تعميم هذه الحالة وتحريم الخروج عن المذهب مطلقًا، لوجود نوع واحد محرم منه!

وهذا يشكل خللًا منهجيًّا في الحكم على المسائل، وطريقة الاستدلال، وقد قال ابن تيمية -رحمه الله- مبينا هذه المسألة وموضحًا لها: “وأصل هذه المسألة أن العامي هل عليه أن يلتزم مذهبا معينا يأخذ بعزائمه ورخصه؟

فيه وجهان لأصحاب أحمد، وهما وجهان لأصحاب الشافعي، والجمهور من هؤلاء وهؤلاء لا يوجبون ذلك، والذين يوجبونه يقولون: إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه ما دام ملتزما له أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام منه.

ولا ريب.. أن التزام المذاهب والخروج عنها، إن كان لغير أمر ديني، مثل: أن يلتزم مذهبا لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه ونحو ذلك، فهذا مما لا يحمد عليه بل يذم عليه في نفس الأمر، ولو كان ما انتقل إليه خيرا مما انتقل عنه.

وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني، مثل أن يتبين رجحان قول على قول، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله، فهو مثاب على ذلك، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر أن لا يعدل عنه ولا يتبع أحدا في مخالفة الله ورسوله، فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال”([26]).

الأصل الذي ينبني عليه ذم هذا التقليد:

والأصل الذي ينبني عليه ذم هذا النوع من التقليد، هو: أن غير النبي صلى الله عليه وسلم، ليس بمعصوم، ولا يؤمن عليه الخطأ، وكلامه ليس بحجة، فإن ظهر الدليل مخالفا لكلامه، فلا شك أن كلامه خاطئ؛ إذ أن الحجة في كلام الله ورسوله، ويقرر هذا ابن القيم -رحمه الله- فيقول: “والمصنفون في السنة، جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله، وبين زلة العالم؛ ليبينوا بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزل ولا بد؛ إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، وينزّل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض وحرموه، وذموا أهله، وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولا بد، فيحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله ويشرعون ما لم يشرع، ولا بد لهم من ذلك؛ إذ كانت العصمة منفية عمن قلدوه، فالخطأ واقع منه ولا بد.

فإذا عرف أنها زلة، لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد”([27]).

وليس ترك التقليد مطلوبا عند مخالفة الدليل فحسب، بل حتى حين يشعر أن الإمام قد زلَّ وأخطاَ، وهذ قد لا يعرفه كل أحد، لكن من عرفه وشعر به فإنه يتوقف عن تقليده حتى يتبين إلا في مسألة يجب له العمل بها الآن، وفي هذا يقول الشاطبي -رحمه الله-: “فيجب إذاً على الناظر في هذا الموضع أمران إذا كان غير مجتهد:

أحدهما: أن لا يتبع العالم إلا من جهة ما هو عالم بالعلم المحتاج إليه من حيث هو طريق إلى استفادة ذلك العلم؛ إذ ليس لصاحبه منه إلا كونه مودعا له، ومأخوذا بأداء تلك الأمانة، حتى إذا علم أو غلب على ظنه أنه مخطئ فيما يلقي، أو تارك لإلقاء تلك الوديعة على ما هي عليه، أو منحرف عن صوبها بوجه من وجوه الانحراف، توقف ولم يصر على الاتباع إلا بعد التبيين؛ إذ ليس كل ما يلقيه العالم يكون حقا على الإطلاق، لإمكان الزلل والخطإ وغلبة الهوى في بعض الأمور، وما أشبه ذلك”([28]).

ثم نبه -رحمه الله- على نقطة قد تشتبه على بعض الناس، وهي: أن بعض الناس قد يظن أنَّ ترك كلام إمامه إن تبين له الحق هو مخالفة للإمام، وبناءً عليه، فإنه لا يتبع الحق من أجل أن لا يخالف إمامه، وهذا خطأ من وجهين:

1/ أنَّ بقاءهم على رأي إمامهم رغم ظهور الدليل الصحيح خوفًا من خلاف أئمتهم، هو في الحقيقة خلاف لله ورسوله، فأي الخلافين أعظم؟!

2/ أن خوفهم هذا، في غير محله، فإنهم إن رجعوا إلى نصوص الكتاب والسنة مخالفين بذلك آراءهم التي تلقوها من أئمتهم، فإنهم لم يخرجوا عن كلام أئمتهم بل رجعوا إليه، فإن الأئمة قد نصوا في مواضع عديدة بألفاظ مختلفة، على أنه إن ورد نصٌّ شرعي يخالف قولهم، فلا اعتبار بقولهم البتة، وإنَّما يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة.

يقول -رحمه الله- مبينًا ذلك-: ” والأمر الثاني: أن لا يصمم على تقليد من تبين له في تقليده الخطأ شرعا؛ وذلك أن العامي ومن جرى مجراه قد يكون متبعا لبعض العلماء ـإما لكونه أرجح من غيره عنده، أو عند أهل قطره، وإما لأنه هو الذي اعتمده أهل قطره في التفقه في مذهبه دون مذهب غيره، وعلى كل تقدير.. فإذا تبين له في بعض مسائل متبوعه، الخطأ والخروج عن صوب العلم الحاكم، فلا يتعصب لمتبوعه بالتمادي على اتباعه فيما ظهر فيه خطؤه؛ لأن تعصبه يؤدي إلى مخالفة الشرع أولا، ثم إلى مخالفة متبوعه، أما خلافه للشرع، فبالعرض، وأما خلافه لمتبوعه، فلخروجه عن شرط الاتباع؛ لأن كل عالم يصرح أو يعرض بأن اتباعه إنما يكون على شرط أنه حاكم بالشريعة لا بغيرها، فإذا ظهر أنه حاكم بخلاف الشريعة، خرج عن شرط متبوعه فلم يكن تابعا له، فتأملوا كيف يخرج عن تقليد متبوعه بالتصميم على تقليده”([29])

وخلاصة القول: أن الدليل متى ما ظهر، وجب اتباعه وترك التقليد، فإن الدين الإسلامي قائم على الدليل من الكتاب والسنة، وليس على الأهواء والآراء والأوهام، فمتى ما صح الدليل وبلغ الإنسان، وجب الأخذ به تاركًا كل قول.

وأخيرًا:

فهذه نصوص صريحة واضحة، في أن الواجب على المسلم، هو أن يتبع الكتاب والسنة، وأن يحرر عقله من جمود التقليد المذموم، وأن يسير إلى الله بدليل واضح من الكتاب والسنة فيما يقدر أن يصل إلى دليله، وكما أن الإنسان إن عرف الطريق الصحيح إلى وجهته التي يريدها، فإنه لا يسلك طريقا آخر خاصة مع فقدان معرفة سلامة هذا الطريق وأمانه؛ فكذلك السائر إلى الله يجب عليه أن يرد جميع أمره إلى الكتاب والسنة، وهو عين إعمال العقل وتخليصه من غلِّ التقليد، وأن يكون الإنسان أسيرًا لطائفة أو شخص واحد لا يخرج عن قوله، بل صرح الأئمة كلهم -الذي ينادى بتقليدهم وإن خالف مذهبهم الدليل-.. أن المطلوب: هو اتباع الدليل، وأنه إن خالف قولُهم كلامَ الله ورسولهن فلا يؤخذ بأقوالهم([30]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(المراجع)

([1]) شرح السنة للبغوي (1/ 171).

([2]) مجموع الفتاوى (28/ 175).

([3]) مجموع الفتاوى (13/ 135- 136).

([4]) أخرجه أبو داود في سننه برقم (4398)، والترمذي في سننه برقم (1423)، والنسائي برقم (3432)، والحديث صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4398).

([5]) تلبيس إبليس (ص: 3).

([6]) تفسير الطبري (13/ 278).

([7]) في ورقة علمية، بعنوان: (الخروج من الهاوية.. نظرة على التقليد المذموم في الدين الإسلامي).

([8]) تفسير الطبري (12/ 297).

([9]) فتح القدير للشوكاني (2/ 214).

([10]) تفسير ابن كثير ت سلامة (3/ 387).

([11]) تفسير السعدي (ص: 283).

([12]) تفسير الطبري (14/ 209).

([13]) فتح القدير للشوكاني (2/ 403).

([14]) تفسير الطبري (18/ 456).

([15]) تفسير ابن كثير (5/ 348).

([16]) تفسير البغوي (6/ 117).

([17]) تفسير السعدي (ص: 593).

([18]) تفسير الطبري (20/ 271).

([19]) فتح القدير للشوكاني (4/ 325).

([20]) مجموع الفتاوى (20/ 225).

([21]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/ 175).

([22]) مجموع الفتاوى (19/ 260- 261).

([23]) مجموع الفتاوى (7/ 71).

([24]) أخرجه البخاري برقم (71)، ومسلم برقم (1037).

([25]) مجموع الفتاوى (20/ 210- 216) مختصرا.

 

([26]) مجموع الفتاوى (20/ 222- 223) مختصرا.

 

([27]) أعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 453- 454).

([28]) الاعتصام للشاطبي (3/ 315).

([29]) الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (3/ 316- 317).

 

([30]) انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (1/ 67)، جامع بيان العلم وفضله (1/ 775)، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (1/102)، أعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 139).

 

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

(وقالوا نحن ابناء الله ) الأصول والعوامل المكوّنة للأخلاق اليهودية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا يكاد يخفى أثر العقيدة على الأخلاق وأثر الفكر على السلوك إلا على من أغمض عينيه دون وهج الشمس منكرًا ضوءه، فهل ثمّة أصول انطلقت منها الأخلاق اليهودية التي يستشنعها البشر أجمع ويستغرب منها ذوو الفطر السليمة؟! كان هذا هو السؤال المتبادر إلى الذهن عند عرض الأخلاق اليهودية […]

مخالفات من واقع الرقى المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره، وفعلها السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. وهي من الأمور المستحبّة التي شرعها الشارع الكريم؛ لدفع شرور جميع المخلوقات كالجن والإنس والسباع والهوام وغيرها. والرقية الشرعية تكون بالقرآن والأدعية والتعويذات الثابتة في السنة […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017