الثلاثاء - 06 رمضان 1444 هـ - 28 مارس 2023 م

العالمانية طاعون العصر | كشف المصطلح وفضح الدلالة (3)

A A

عنوان الكتاب: العالمانية طاعون العصر – كشف المصطلح وفضح الدلالة.

المؤلف: د. سامي عامري.

النشر: مركز تكوين للدراسات والأبحاث، الطبعة الأولى 1438ه/2017م.

حجم الكتاب: (336ص × غلاف).

أول الأسئلة التي تكتنف خلجات المثقف حين يلوح له عنوان هذا الكتاب، لم اختار لفظة العالمانية على عكس الشائع؟

لم يكن ذاك سهوا أو سقطا، ولكن المؤلف أبدع في بحثه وغوصه في غور هذا المصطلح وإبراز أصله الاشتقاقي، وأظهر الانفصال الحاصل بين هذا الفكر وبين العلم التجريبي، وكشف التلبيس الواقع بنسبة هذا الفكر إلى العلم.

ولأن أخوف صور الإلحاد المتفشية في زمننا هي العالمانية!

ضمَّن المؤلف هذا الكتاب في سلسلة الإلحاد في الميزان؛ ذلك أن النتيجة الحتمية للعالمانية التي تلغي أهم ركائز الإله (العبودية) هي ذات النتيجة التي يسعى إلى تحقيقها الفكر الإلحادي (لا إله والحياة مادة).

ففي نهاية الأمر يلتقي الفريقان في غاية واحدة وإن اختلفت الطرق، وتلك الغاية هي إلغاء دور الإله في الحياة الواقعية، وذلك ما لا يُخرج الإنسان من الليس إلى الأيس كما عبر المؤلف؛ لأن القضية الكبرى التي من أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب هو توحيد الله بالعبادة لا مجرد الإقرار بربوبيته، والعالمانية تلغي هذه العبودية اكتفاء بالإقرار بالربوبية.

وإذا تأملت تطاير شرر هذا الفكر، وانتشاره انتشار النار في الهشيم كما تُبيِّن الإحصاءات، وتلوُّن خطابِه وانخداع كثيرٍ بزُخرفه بعد أن كان ظاهر البطلان، وفرضِه على الأمم دون معارضة أو تنقيب، بل دون خيار آخر؛ أيقنت أنه هو الصراع الحقيقي الذي يواجه الإسلام في عصرنا هذا، والأمة أحوج ما تكون إلى من يبين لها حقيقة هذا الفكر وبهرجه وخطورته.

هذا ما حدا بالمؤلف إلى إشهار سيفه لمحاربة هذا الفكر الفتاك، وإبلاج فجر هذا الكتاب الفذّ.

فغاية الكتاب إقامة تصور صحيح عن العالمانية تاريخا ولغة وواقعا، وكشف ما زُوِّقت به زورا وبهتانًا؛ كدعوى أن (العِلْمانية) مشتقة من العلم، أي: التفكير العلمي مقابل التفكير الأسطوري، ودعوى أنها ولدت من رحم صراعات العلم التجريبي مع الكنيسة، ودعوى أنها مجرد فصل الدين عن الدولة، ودعوى أنها لا تعادي الدين وإنما تقرر أن الدين مسألة شخصية، إلى غيرها من المغالطات العالقة في أذهان كثيرين.

ومنهج الكتاب للوصول إلى هذه الغاية: الدراسة التحليلية النقدية لمقولات العالمانية، ووصفها في الواقع الغربي والإسلامي ودراسة تحولاتها تاريخيا مختصرًا، مع تحرير الموقف الشرعي منها.

وقد ذكر المؤلف أهم الدراسات السابقة المتميزة؛ كدراسات المسيري وعمارة وصلاح الصاوي، وجوانب تميزها.

وقد تحلَّى الكتاب بسلاسة الأسلوب مع رونق في العبارة وغزارة في المفردات ورقي في المعاني والتراكيب كما تميز أيضا بالانسجام المنطقي في فصوله ومباحثه.

حيث استعرض في الفصل الأول: الحقيقة النظرية للعالمانيّة.

مفتحا الفصل بأهمية تصحيح المفاهيم وخديعة المصطلحات الدَّخيلة وإشكالياتها.

ولما كان من الصعوبة بمكان أن تظهر حقيقة مصطلح كمصطلح العالمانية الديني الغربي النصراني نشأة؛ وذلك بسبب تلوُّن دلالاته وتشكُّلها حسب تقلبات المجتمعات، وتعدد الأزمنة والأمكنة، واختلاف زوايا النظر عند من عرَّفه، وانحراف معاييرهم بين غلو وجفاء؛ غاص المؤلف في أغواره وقطع مفاوز اللغات المختلفة التي ترعرع فيها بدءا بالإنجليزية ومرورا بالفرنسية وانتهاء بالعربية؛ لكي يتلألأ الحق الغائب وينكشف البهرج الزائف وتكتمل صورة هذا المصطلح.

فدَرَس مصطلح العالمانية وأصل اشتقاقه، هل هو من عَلم أم عالم؟ وبيَّن تاريخ تحريفه المصطلحي؛ انطلاقا من أصله الغربي إلى ميلاده العربي، ثم مناقشة المغالطات الناشئة عن تلك التحريفات؛ كدعوى نشأتها عن الصراع مع العلم التجريبي، مذيلا بتحرير صلتها بالعلم.

وبعد أن انتهى من دراسة المصطلح، ابتدأ بالبحث في دلالتها، وناقش تعريفاته الاصطلاحيّة المعجمية وما فيها من اضطراب، كما بحث تقلب دلالات المصطلح وتغيرها حسب كل مرحلة من مراحله.

ثم رَسَم أشكال العالمانية تاريخيَّا، وقسمها إلى أقسام باعتبارات مختلفة فتارة بالنظر إلى موقفها السلبي من الدين، وتارة بالنظر إلى علاقة الكنيسة بالدولة، وأخرى بالنظر إلى مساحة سلطانها.

واختتم الفصل بدراسة إشكالات أهم التعريفات الرائجة عنها في اللغة العربية، وعقبه بالبحث عن النواة الصلبة للعالمانية مذيلا بالتعريف المختار للعالمانية، وعلاقتها باللائيكية.

ثم ثنَّى البحث بالفصل الثاني: الحقيقة الواقعيّة للعالمانيّة.

واستهله المؤلف بالحديث عن أطلال وبقايا الدمار العالماني في العالم الغربي؛ كقتل الإنسانية وتحويلها إلى أداة استهلاكية مدجَّنة، حيث أصبح العالم بلا معنى ولا قيمة، وأضحت القدسية للمادة والمنفعة فحسب، واستعرَّت (الذئبية الداروينية) في المجتمع البشري، وأُدخل الإنسان في نفق الأنانية الأخلاقية، وذُبحت الأنوثة لتتحول المرأة إلى رجل، ونُعيت الحقيقة المطلقة.

ثم عقبه بتسليط الضوء على آثار العالمانية في العالم العربي من حين وُلوجه مع نابليون، وذكرِ من تدنَّس به من العرب، فلطَّخوا تاريخ الاسلام برَوثها وأبْوالها، وكانوا أول من جهر بالعالمانية، وناهض الإسلام جهارًا، وعَدُّوه تخلُّفا، وازدرى علماءه وأنصاره.

ثم استعرض المؤلف أهم أدوات العلمنة في العالم العربي؛ كالابتعاث، والأنظمة العربية العالمانية، ودعوى القومية العربية.

ولم يُغفل الحديث عن موقف العالمانية من التدين، وذكر بعض آثارها على الدول الحديثة (تونس أنموذجا).

وزاد الكتاب بهاءً أن مؤلفه لم يكتف بالغوص في أغوار مصطلح العالمانية في عصر (العالمانية) فحسب، بل تجاوز ذلك وأماط اللثام عن ماهيته في زمن (ما بعد العالمانية)، حيث دُفن فيها أملُ العالمانية التي كانت تحلم في نهايات القرن العشرين بإعدام الدين؛ ولكن سَرعان ما تراجعت وأيقنت أن التدين ركيزة أساسية في الحقيقة الإنسانية، وركن ركين في بنية المجتمع البشري حين رأوا صعود نجم (الدين) بعد أفوله في عصر العالمانية، كما حرره كثير من فلاسفة الغرب اليوم مثل: (بيتر برجر) و(يورجن هبرماس) و(كزنوفا).

ثم ابتدأ الفصل الثالث: الحقيقة الشرعيّة للعالمانيّة.

وحرر فيه موقف العالمانية من الإسلام ومن أهم ركائزه (التوحيد)، وموقف الإسلام من العالمانية، وينجلي للقارئ وهو يجول في فصول هذا البحث صرامة العالمانية وحدِّيتها مع الإسلام؛ إذ هي في طياتها وحقيقة أمرها دين مناهض لدين الإسلام، ولن تتواءم مع الإسلام حتى يلج الجمل في سم الخياط.

وكان الفصل الرابع عن: الصُّورة الدّعائيّة للعالمانيّة.

باشر فيه المؤلف كشف الزخارف وإزالة الأغشية المطلية على العالمانية؛ كالجدال في أصله الاشتقاقي، أو محاولة فصله عن أصوله الفلسفية، أو تعمية حقيقته بتعريفه ببعض آثاره البَهرجية المنتقاة، أو دعوى تقاطعه مع الدين.

وخصص المبحث الأخير من كتابه لكشف أباطيل المدلسين الملفقين بين الإسلام والعالمانيّة؛ كمن يزعم أن الإسلام عالمانيٌّ في جوهره، أو أنه مجرد رسالة روحية محضة، أو أن دولة الإسلام دولة مدنيّة، أو دعوى ظلم الدين بإقحامه في السياسة، وغيرها.

وختم البحث بذكر خلاصة تحقيقاته وأهم نتائجه، وجعل له ملحقين أولهما في الأخطاء الشائعة في العالمانية مختصرًا، وثانيهما في بيان وسائل مواجهة المشروع العالماني.

أخيرًا، إن استوعبت هذا الكتاب يا طالب الحق زال عن فؤادك الريْن المغشي على (لا إله إلا الله) في هذا العصر، وبان لك زخرف الباطل وبهرج العالمانية، وانكشفت لك الأخطاء الرائجة على عقول كثيرين، فمعرفة ذلك غدت من المهمات في هذا الزمان؛ فحقيق لمبتغي الحق أن يمعن النظر فيه.

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

عرض ونقد لكتاب (نسائِم المعالم – السيرة النبوية من خلال المآثر والأماكن)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بماذا تعبَّدنا الله سبحانه وتعالى؟ هل تعبَّدنا الله سبحانه وتعالى بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما بيَّن من العقائد وشرع من الأحكام ودلَّ إليه من الأخلاق والفضائل، أم تعبَّدنا الله سبحانه وتعالى بتتبُّع كل ما وقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم ووطئت رجلاه الشريفتان ولامس شيئًا من […]

ما بين التقويم القمري والشمسي (هل تراكمت الأخطاء حتى صام المسلمون شهرًا خاطئًا؟)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: الصِّيام أحدُ أركان الإسلام، وهو من محكَمات الدّين، وجاء في فرضه وبيانِه نصوصٌ كثيرة محكمة، فمن أدلَّة وجوب صيام رمضان المحكمة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، ومن الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم: «بُني […]

أولياء الصوفية بين الحقيقة والخرافة السيد البدوي أنموذجًا (596هــ-675هــ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الولاية ضد العداوة، وأصلها المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد. ولكي يفوز العبد بولاية الله لا بد أن يتحقق بالصفات التي وصف الله بها أولياءه، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، فآخر الآية يبين الصفتين في الولي اللتين هما ركيزتان فيه، […]

النقض على الملاحدة في استنادهم إلى التراث العربي في تبرير الشذوذ الجنسي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   إن فعلَ قومِ لوطٍ من أعظمِ الكبائر، وقد أنزلَ الله بقوم لوط عذابًا أليمًا، وجعلَ عالي قريتهم سافِلَها، ولعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاعلها ثلاثًا، كما استحقَّ فاعلها عقوبة شديدة وعذابًا أليمًا. قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ […]

تفصيل ابن تيمية في مصطلح (الجسم) ونحوه من المصطلحات الحادثة “والرد على من زعم أنه توقُّفٌ في تنزيه الله عز وجل”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يَعتبر كثيرٌ من الأشاعرة المعاصرين أن توقف ابن تيميَّة أو تفصيله في مصطلح «الجسم» الذي لم يرد في الكتاب والسنة يعني أنه متردّد أو شاكٌّ في تنزيه الله عز وجل. وهذا التصوُّر منهم غير صحيح لمذهبه رحمه الله، ذلك لأن ابن تيميَّة فصّل في المصطلح الكلامي، وأما الجسم المعروف […]

مكانة ابن تيمية عند السلفيين في منظار الخصوم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لعلَّه من الطبيعيِّ أن يغتاظ خصوم المنهج السلفي من وجود ابن تيمية في طليعة المنافَحين عنهم؛ ذلك أنه عالم متّفق على علو منزلته في العلوم الدينية، فحينما تقف هذه القامة العلمية إلى جانب السلفيين تتصدّر جبهتهم، وتدافع بشراسة عن أصولهم وقواعدهم، فهذا يحقق مكسبًا كبيرًا للسلفيين في معركتهم مع […]

معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه – بين إنصاف أهل السنة وإجحاف أهل البدعة –

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مِن أكبرِ الإشكاليات التي تعانيها الساحةُ الفكرية اليومَ إشكاليةُ التعامل مع أخطاء المسلمين؛ فبينما يُفْرِط بعض الناس في شخصٍ ويرفعونه إلى أعلى عليِّين بل إلى مرتبة النبوّة وإلى الإلهية أحيانًا، ويتعامَون تمامًا عن كلّ زلاته وكأنه لم يخطئ طولَ عمره، وكأنه ليس واحدًا من البشر يعتريه ما يعتري […]

الشيخ أحمد السوركتي 1292- 1362هـ/ 1875 – 1943م

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الشيخ أحمد السوركتي نموذج لوحدة أمة المسلمين على اختلاف بلادهم، فهو السوداني الذي رحل للحجاز لطلب العلم، ثم استقر في مكة للتدريس، ثم هاجر إلى إندونيسيا، وأقام بها -رحمه الله- دعوة إصلاحية سلفية مستمرة لليوم، ومع هذا لا يعرفه كثير من الخاصة فضلاً عن العامة. لمحة عامة: للأسف لا […]

العلامة الرحالة المجاهد بلسانه وقلمه محمد سلطان المعصومي 1297هـ/ 1880م – 1380هـ/ 1960م

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة العلامة المعصومي هو أحد الرموز الغائبة عن أذهان الناس، خاصة أن موطنه الأصلي من بلاد ما وراء النهر([1]). وتاريخ هذه البلاد الإسلامية لا يزال مجهولا لدى كثير من المسلمين، خاصة بعد الاحتلال الشيوعي الروسي لهذه البلاد الإسلامية بداية من سنة 1917، والذي شهد الكثير من الكوارث الدموية على يد […]

الجواب عن معضلة تعاقب الحروف وشبهة عدم وجود سلف لابن تيمية فيها والجواب عن نفي السجزي لتعاقب الحروف

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مسألة تعاقُب الحروف والكلمات هي من المسائل المُخرَّجة على «الفعل الاختياري»، وهذه المسألة ظهرت بعد القرن الرابع الهجري، ولم يتكلم فيها السلف ولا الأئمة، لكن بدأت هذه الشبهة في الظهور لما قالت الأشاعرة محتجين على أهل الحديث: «إن الحروف متعاقبة, يعقب بعضها بعضًا, وكذلك الأصوات، فلو كان […]

شُبهة رجوع ابن خزيمة عن عقيدة أهل الحديث

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة من المعلوم أن من مصادر أهل السنة الرئيسة لتقرير الاعتقاد هو ما دونه أئمة أهل الحديث من كتبٍ ورسائل تقرر اعتقاد السلف الصالح، وكانت ولا تزال هذه الكتب حجر عثرة أمام المخالفين لاعتقاد أهل الحديث قديمًا وحديثًا، فقام الجهمية وغلاة الأشاعرة قديمًا باتهامهم بالتشبيه والتجسيم، وكثير منهم لم يطلعوا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017