الجمعة - 19 رمضان 1445 هـ - 29 مارس 2024 م

الوعيُ السِّياسي لدى الصَّحابة .. (اجتماع سقيفة بني ساعدة أنموذجًا)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

من البدهيات التاريخيَّة القول بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنشأ دولة إسلامية عريقة لا زالت تقف شامخةً بحضارتها في هذه الأرض، وليس الأمر قاصرًا على أنَّه فقط أنشأ دولة ذات سيادة مستقلة، بل كان هو عليه الصلاة والسلام رئيسًا وحاكمًا عليها، فالنبي صلى الله عليه وسلم بجانب سلطته الدينية -أعني كونه موحى إليه من الله ورسولًا إلى البشرية كلها- كان يدير دولة متكاملة.

ومن شواهد سياسةِ النبي صلى الله عليه وسلم لدَولتِه أنَّه كان يخاطب الرؤساء ويرسل للملوك بأنَّهم إن آمنوا يجعل لهم ما تحت أيديهم، ومن ذلك مثلًا رسالته إلى هوذة بن علي شيخ اليمامة قال فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هوذة بن عليّ: سلام على من اتَّبع الهدى. واعلم أنَّ ديني سيظهر إلى منتهى الخفِّ والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك»([1]). ومن ذلك أيضا كتابه إلى عمير ذي مرَّان بهمدان([2]). ومن شواهد ذلك أيضًا أنَّه عليه الصلاة والسلام كان يعيّن نوابًا على قرى وبلاد كثيرة، كما استعمل قيس الأرحبي([3]).

وهذه الشواهد وغيرها تثبت أنَّ نبوته صلى الله عليه وسلم تؤسِّس له استحقاق إمامة الدولة، وتحقِّق له الشرعية التي يمارس بها ذلك الحق، والشواهد كثيرة وغنيَّة جدًّا([4]).

وهذا يدل على أنَّ ممارسة السياسة والفقه فيها كما أنَّها لم تكن الهاجس الأول، كذلك لم تكن مغفلة من قِبَل هذه الدولة الناشئة، وما دام أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مارس هذا الأمر فلا شكَّ أنَّ هذا ممَّا يؤثّر في صحابته الكرام، ويجعلهم واعين له، وهو ما تحقّق فيهم فيما بعد.

ولا شكَّ أنَّ موضوع سياسة الشعوب موضوع يشغل بال الأمم كلها، وقد رافق هذا الموضوع مسيرة البشرية كلها لأنه يتعلق بالأمة بمجموعها لا بالأفراد، وبحسن التعامل بها تزدهر الحضارات.

والصحابة الكرام الذين بهم أسَّس النبي صلى الله عليه وسلم الدولة لم يكونوا رجال علم ودين وحفظ فحسب، بل كانوا على قدرٍ من الوعي السياسي الذي كان نتيجة العمل السياسي للدولة التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم، وتنامى بمرور الزمن مع الاحتكاك المعرفي والسياسي مع الدول المجاورة.

وفي الأيام الأخيرة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم جهز جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه، إلا أنَّه مرض فانتظر النَّاس ليروا ماذا يحصل بالنَّبي صلى الله عليه وسلم، وفي يوم من الأيام حضرت الصلاة وأذن لها إلا أنَّ المرض قد اشتد عليه صلى الله عليه وسلم، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»([5])، وهذا القول من النَّبي صلى الله عليه وسلم وفي هذه الحالة فيه دلالة -وليست مجرَّد إشارة- على أفضليَّة أبي بكر رضي الله عنه وأحقيته بالخلافة من بعده، فإذا كان يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في أمر ديني فمن باب أولى أن يكون أجدر بتولي أمور الدنيا وسياسة الدولة. ويؤكد على ذلك تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قيل له: إنَّ أبا بكر رجل أسيف، إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنَّكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس»([6])، وهذا تأكيد مرة بعد المرة على أحقيته بالخلافة، والشاهد من هذا أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد توفّي وقد بذر البذور السياسيّة لأول اجتماع سياسي أقامه المسلمون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الاجتماع الذي حصل في سقيفة بني ساعدة.

وهذا الاجتماع يعدّ من أهمِّ الاجتماعات التي حصلت في عهد الصحابة؛ بل ألقى بظلاله على التاريخ كلِّه، وقد تبين فيه بجلاء قيمة الوعي السياسي الموجود لدى الصحابة، وأنَّ هؤلاء الذين اجتمعوا من أماكن متعددة وقبائل مختلفة جمعهم هذا الدِّين، فغير حتى من طبيعة تفكيرهم، وما قام به الصحابة في سقيفة بني ساعدة شاهد لا يمحى يشهد للوعي السياسي الذي كان يتمتع به الصحابة الكرام، وفي هذه الورقة سنحاول أن نستجلي بعض هذا الوعي ونبينه من خلال مواقفهم في سقيفة بني ساعدة.

أولا: الاهتمام بأمر الخلافة والمبادرة بنصب الإمام:

بعد التَّيقن من وفاة النبي صلى الله عليه وسلَّم كانَ الصحابة أمام محكٍّ سياسي خطير، فقد غاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان يدير شؤون الدولة، ويسنده الوحي الإلهي في تنفيذ هذه المهمة، وبعد غيابه انتبه الصحابة مباشرةً إلى أهمية أن يكون هناك خليفة لتسيير أمور الدولة الناشئة، خاصَّة وأن هذه الدولة ليست ذات قبيلة واحدة، ولا عرق واحد، ولم تنشأ بأناس ذوي خلفية دينية واحدة، وإن كان الدين الواحد هو الذي جمعهم بعد أن تركوا أديانهم.

ومن تيقُّظِهم لهذا الأمر الذي هو في غاية الأهمية أنهم انحازوا إلى رؤسائهم وكبارهم، يقول ابن إسحاق: “ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، واعتزل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة، وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر، وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل”([7])، ولم يقف الأمر عند الانحياز بل خاضوا في الأمر، وذهب المهاجرون إلى الأنصار، وتحاوروا واختلفوا وتناقشوا حتى تمت البيعة كما سيأتي بيانه.

وهذا الانحياز يكشف عن تفكير مبكِّر بمآل الدولة وصيرورتها ونظام الحكم فيها([8])، وليس بالضرورة أن يكون المراد من كل الصحابة بهذا الانحياز والاجتماع هو حفظ مكتسبات الدولة التي أنشأها النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحابة بشر وقد اختلفوا في هذا الأمر كأي اختلاف آخر كما سيأتي بيانه، كما أنَّه ليس شرطًا أن يكون هذا الانحياز لا يراد به القبيلة؛ بل انحياز الأنصار إلى سعد بن عبادة في السقيفة، والمهاجرين إلى أبي بكر سلوك طبيعي؛ لأنَّ السلوك الاجتماعي تجاه الأزمات يقتضي أن تلتفَّ كل جماعة حول قيادتها.

والشَّاهد من بيان هذا هو أنَّ الوعي السياسي كان حاضرًا لديهم في مثل هذه الظروف، وفطنوا لأهمية الأمر، وانتبهوا له، وحرصوا عليه، وتسابقوا إلى تثبيت أوتاد الحكم والخلافة لتسيير أمور الدولة([9])، وخوفهم ليس على جيلهم فحسب، بل كان وعيهم السياسي يحتِّم عليهم أن يفكروا بمستقبل الأمة، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لأنه إن جرى اليوم إمامان جرى غدًا إمامان، ولا يجوز أن يكون الإسلام إلا واحدا)([10])، ومثله قول الأنصار للمهاجرين: (والله، ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، وما أحد من خلق الله تعالى أحب إلينا ولا أعز علينا ولا أرضى عندنا منكم، ونحن نشفق ممَّا بعد اليوم)([11]). وهذا تفكيرٌ مبكر بمصير الأمَّة كلها، فلم يكن تفكيرهم محصورًا بوقتهم الراهن.

وممَّا ينبئك عن وعيهم بالموضوع وأهميته عندهم أن الاجتماع كان مباشرة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتأخروا في ذلك؛ خاصة وأنَّ الخطر محدق من كل جانب، والدولة ناشئة، ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم نظام حكم بوزرائه وأمرائه بحيث يكون كل شيء مستقرًّا، فماذا لو كان هناك غزو مفاجئ؟ من يجهِّز الصفوف، ويعد العدة، ويقود الجيش، ويرد الخطر؟

ومسيلمة قد ظهر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وادَّعى النبوة وله أتباع، وليس ببعيد عن المدينة، بل هو في الجزيرة، إضافة إلى وجود المنافقين داخل المدينة، وبإمكانهم أن يخرجوا رجلًا منهم ليبايعوه، ووجود اليهود وإمكانية نقضهم للعهد؛ خاصة وأنَّ هذا الفعل قد صدر منهم سابقا، كما أنَّه لو لم يسارعوا في هذا الأمر كان يمكن لكل قبيلة ممن هي خارج المدينة أن تختار زعيمًا لها دون أن يخضعوا للدولة الواحدة، وهو ما حدث من بعض القبائل رغم المبادة في اختيار الخليفة فكيف لو تأخروا؟!

فهذه السرعة في اختيار الخليفة والاهتمام بأمر الخلافة تُحسب للصحابة الكرام لا عليهم، وهو أحد الشواهد المهمة على الوعي السياسي لدى الصحابة.

ثانيًا: عدم الالتفات إلى ما يعكِّر على الاجتماع:

بعد أن انحاز الأنصار إلى سعد بن عبادة، والمهاجرون إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وبدأ الحديث عن الخلافة والحكم في السقيفة، وصل الخبر إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهما عند النبي صلى الله عليه وسلم، يقول ابن شهاب: “أقبل رجل فقرع الباب ونادى عمر بن الخطاب، فقال عمر: إنا مشاغيل، فما حاجتك؟ قال الرجل: إنه لا بد لك من القيام وسترجع إن شاء الله تعالى، فقام إليه عمر فقال له: إن هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ومعهم سعد بن عبادة وناس من أشرافهم، يقولون: منَّا أمير ومن المهاجرين أمير، وقد خشيت أن تهيج فتنة، فانظر -يا عمر- واذكر لإخوانك واحتالوا حيلتكم فإنِّي أنظر إلى باب فتنة إن لم يغلقه الله عز وجل، ففزع عمر وراعه ذلك، ثم خرج هو وأبو بكر مسرعَين إلى بني ساعدة وتركا نفرًا من المهاجرين فيهم علي بن أبي طالب والفضل بن العباس، وهم أقاربه وهم ولوا شأنه وغسله وتكفينه، وانطلق أبو بكر وعمر فلقيا أبا عبيدة، فانطلقوا جميعًا حتى دخلوا سقيفة بني ساعدة”([12]).

وبينما هم ذاهبون إلى سقيفة بني ساعدة لقوا رجلين، فأمراهم بأن يقضوا أمرهم بينهم، وأن لا يلتفتوا لأمر الأنصار، وكانت بديهة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووعيه السياسي هنا حاضرا، فامتنع عن هذا الرأي؛ بل أصرَّ على الذهاب إلى السقيفة ويسمع من الأنصار، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وإنَّه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنَّ عليًّا والزبير ومن معهما تخلّفوا عنَّا في بيت فاطمة، وتخلفت عنا الأنصار بأسرها، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقيَنا رجلان صالحان قد شهدا بدرًا، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، قالا: فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم، فقلنا: والله لنأتينهم”([13]).

وهذا الفعل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه مهمّ جدّا، ينبئ عن فقه سياسي لديه؛ لأن الانصياع لمثل هذا الأمر لو حصل كان سيؤدي إلى نتائج خطيرة، من الشقاق والنزاع والانحياز بالسلطة وإقامة أكثر من إمام في دولة واحدة.

ثالثًا: عدم الانحياز بالسلطة:

من أكثر الشَّواهد التي تدل على الوعي السياسي عند الصحابة أنَّ كل طائفة منهم لم تنحز بالسلطة، مع أنَّهم كان يمكنهم ذلك.

فقد كان الأنصار مجتمعين في سقيفة بني ساعدة، بل كان زعيمهم المختار حاضرًا، فلم يكن هناك نزاع حوله وهو سعد بن عبادة رضي الله عنه، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجلٌ مزمِّل، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة)([14])، وكان الأنصار بموقف يمكنهم أن يختاروا أميرهم ويجعلوه الخليفة، وقد طرحوا هذا الأمر وتحدث به سعد بن عبادة ووافقه الأنصار كما يقول الطبري رحمه الله: “لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: نولي هذا الأمر بعد محمد عليه الصلاة والسلام سعد بن عبادة، وأخرجوا سعدًا إليهم وهو مريض، فلما اجتمعوا قال لابنه أو بعض بني عمه: إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي، ولكن تلق مني قولي فأسمِعْهموه، فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله، فيرفع صوته فيسمع أصحابه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيله من العرب، إنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، وكان ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله، ولا أن يُعِزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيمًا عموا به، حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة، وخصَّكم بالنعمة، فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والإعزاز له ولدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوِّه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعًا وكرهًا، وأعطى البعيد المقادة صاغرًا داخرًا، حتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله وهو عنكم راض، وبكم قرير عين، استبِدّوا بهذا الأمر فإنه لكم دون الناس. فأجابوه بأجمعهم: أن قد وفّقت في الرأي، وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، ونوليك هذا الأمر، فإنَّك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا”( [15]).

لكنهم مع هذا الاجتماع لم ينحازوا بالسلطة، وكان يمكنهم ذلك، وممَّا يدل على ذلك أن سعد بن عبادة رضي الله عنه حين طرح هذا الرأي عارضه بعض الأنصار وطرحوا خيارات أخرى، يقول الطَّبري رحمه الله: “ثمَّ إنَّهم ترادّوا الكلام بينهم، فقالوا: فإن أبت مهاجرة قريش فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأوَّلون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعده؟! فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذًا: منا أمير ومنكم أمير”([16]). فالأنصار لم يكن يمنعهم مانعٌ من أن يولّوا سعدًا قبل أن يأتي المهاجرون، فهو مرشَّحهم الوحيد، ومع ذلك لم يبرموا أمرًا حتى وصل وفد المهاجرين، فاجتماع الأنصار كان أقرب ما يكون إلى تدارس الموقف بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم والإعداد لعملية تنصيب الخليفة بعده([17]).

والذي كان من الأنصار من عدم انحيازهم للسُّلطة دون موافقة الآخرين كان أيضًا من المهاجرين، فقد كانوا منحازين إلى أبي بكر رضي الله عنه، وأثناء ذهابهم إلى السقيفة لقيهم رجلان فنصحاهم بالرُّجوع وإمضاء أمر المهاجرين وحدهم ومع ذلك لم يفعلوا كما مرَّ بنا.

وحصول هذا الأمر -وهو انحياز أحد الأطراف إلى السلطة- كان سيهدّد أركان الدولة الإسلامية بلا شك؛ لكنَّ الصحابة الكرام كانوا واعين بهذا الأمر، فلم ينحازوا إليها حتى اجتمعوا كلهم ليكون الأمر بالتداول والشورى.

فإن قيل: اجتماع الأنصار وحدهم دليل على انحيازهم بالسلطة، وكلام سعد بن عبادة رضي الله عنه دليلٌ على ذلك. نقول:

أولًا: مجرد الاجتماع لا يعني الانحياز إلى السلطة كما بينا، خاصة وأن الأمر لم يكن إجماعًا، فقد اختلف من اختلف كما سبق.

ثانيًا: حتى لو أجمع الأنصار على أن يكون الخليفة منهم فإن هذا هو الموقف الطبيعي للأنصار، فهم أهل البلد قبل قدوم النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهم من استقبلوا المهاجرين حين ضُيِّق عليهم، وليس من العرف أن يكون المهاجرون هم سادة المنطقة التي هاجروا إليها، فكان التفكير الطبيعي البشري يقضي أن يكون الأمر إلى واحد من الأنصار، خاصة وأنه لا أحد يدري هل سيبقى المهاجرون في المدينة أم يرجعون إلى مكة المكرمة؛ لأن مكة أصبحت بلدة إسلامية، وما كان يبقيهم في المدينة -وهو النبي صلى الله عليه وسلم- قد توفي، وهذا ما جال في ذهن الأنصار رضي الله عنهم، وكان سعد يريد الإمارة لنفسه وهو حق طبيعي له قبل أن يسمع من أبي بكر وعمر أقوالهما وأدلتهما، ومع ذلك فإنهم لم يقدموا على الأمر حتى جاء المهاجرون، ولما جاؤوا وغلبوهم بالحجة والأدلة أذعنوا للأمر.

وخلاصة الأمر أنَّ عدم الانحياز للسلطة من الطرفين شاهدٌ على الوعي السياسي الذي تمتّع به الصحابة رضوان الله عليهم، وأنَّهم أدركوا مغبة اختيار الخليفة دون استشارة، ولذلك حتى بعد اجتماع الأنصار لم يكن هناك إجماع منهم، وبقوا على ذلك حتى جاء وفد المهاجرين.

رابعًا: حضور مبدأ الشورى بينهم:

الشُّورى من مبادئ الإسلام، وقد أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، وقد دعا إليها القرآن وبين أنها يجب أن تكون موجودة بين المسلمين، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38].

وفي أول اجتماعٍ سياسي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كانت الشورى حاضرة بين الصَّحابة حتى يصلوا إلى اختيار الحاكم، فبعد عدم رضا الصحابة الانحياز بالسلطة بدأ النقاش والحديث والأخذ والرد، ويتحدث وفد الأنصار ويرد عليهم وفد المهاجرين، ويصل الأمر إلى الاختلاف في أحقية الخلافة لطرف دون الآخر؛ لكن كل ذلك ضمن إطار الشورى، وكتُب التاريخ حفظت لنا ما دار بين المهاجرين والأنصار في ذلك الاجتماع، ومن يقرأ تلك الحوارات سيخرج حتمًا بأمور منها:

  • أنَّ الصحابة الكرام تمتعوا بقدر عالٍ من قبول الرأي الآخر، حتى في مسألة عظيمة كمسألة الخلافة والإمام.
  • أنَّ الحوارات التي حصلت نجد فيها ردًّا لبعضهم البعض في الأحقية؛ لكن هذه الأصوات كلها خبتت لمجرد ورود الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأدلة التي استند إليها المهاجرون ممثلًا في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلم يكن المراد هو مجرد الوصول إلى الخلافة، وإلا كان بالإمكان أن لا يقبلوا ما طرحه المهاجرون؛ بل كان الأمر مع وجود الخلافات داخلًا في إطار الشورى وإقناع كل طرف للآخر.
  • أن الصحابة فطنوا إلى أنهم يجب أن ينهوا هذا الأمر الآن ولا يؤجلوه، وبادر بذلك بعض الصحابة.

ومجمل ما دار هناك من نقاشات هو أنَّ الأنصار ادعوا أن لهم الأحقية في أن يكون الخليفة منهم وقدَّموا أدلتهم على ذلك، والمهاجرين ادعوا أنَّ الأحقية لهم في أن يكون الخليفة منهم وقدموا أدلتهم على ذلك، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يحكي ما حصل هناك: (فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة، قال: وإذا بين أظهرهم رجل مزمل، قال: قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع، فقام رجل منهم، فحمد الله، وقال: أما بعد، فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم -يا معشر قريش- رهط نبينا، وقد دفت إلينا من قومكم دافة)([18]).

فلمَّا قال الأنصاري ذلك أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يتكلم، فمنعه أبو بكر، ثم تكلم هو فقال: (أمَّا بعد، يا معشر الأنصار، فإنكم لا تذكرون منكم فضلًا إلا وأنتم له أهل، وإنَّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وهم أوسط العرب دارًا ونسبًا)([19]).

فبدأ الكلام خزيمة بن ثابت، فاعترض عليه أسيد بن حضير وسجّل موقفًا مشرفًا تجاه إخوانه المهاجرين، وتبعه بشير بن سعد الأنصاري وعويم بن ساعدة الأنصاري، وطلب معن بن عدي الإنصاف والتريث، فتكلم ثابت بن قيس، ثم تحدث أبو بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين([20]).

والكلام في هذا اللقاء كان متداولًا بين الطرفين، والمطّلع على ذلك الحوار يجد أن كتب التاريخ قد اختلفت في حكاية الحوار طولًا وقصرًا، وإجمالًا وتفصيلًا، وسيأتي ذكر بعض ذلك الحوار في النقاط الآتية، لكنَّنا نؤكد هنا من خلال مجموع تلك الروايات أنَّ النقاش كان هو الجو السائد وإن صاحبت ذلك حدة ومطالبة، فتلك طبيعة البشر، وطبيعة الموقف الذي هم فيه، وترك المجال للشورى في مثل هذه المواقف وإبداء الرأي مصحوبًا بالأدلة هو الحل الأمثل الذي جنَّب جيل الصحابة في أول محكٍّ سياسي كارثة الانقسام والتفرق، بل لم يصل الأمر إلى اختيار خليفة ومبايعته من مجموع الصحابة إلا بالشورى التي حضَّ عليها القرآن، ولو كان الأمر مجرد تحزبات سياسية أو قبلية لما انتهى بتلك الطريقة الجميلة في الإذعان للحق كما سيأتي بيانه([21]).

خامسًا: الاعتراف بالفضل وعدم غمط الحق:

بعد أن حضر الصَّحابة إلى محل عقد الاجتماع وهو سقيفة بني ساعدة، وبدأ النقاش والحوار حول انتقال الحكم إلى خليفة جديد، وأدلى كل فريق بدلوه، ظهر هناك أمر قلَّ أن تجده في الأحزاب السياسة على مرِّ التاريخ، بل قلَّ أن تجده في مثل هذا الموقف إلا في جيل الصحابة، وهو أن كل فريق وطائفة تعترف بالحق الذي مع الطائفة الأخرى، ومثل هذا التَّصرف في وقت انتقال السلطة واختيار إمام يرينا كيف كانت تربية الوحي لذلك الجيل الذي تربى على الحق والاعتراف به وإعطاء كل ذي حق حقه وعدم غمط الناس.

وقد بدأ الأنصار الكلام، وكان موقفهم ما بين طلبٍ للحق وطلب أمير من الأنصار وآخر من المهاجرين، وخوف بعضهم من أن يستأثر المهاجرون بالخلافة، وفي خضم ذلك كله كان الإنصاف حاضرًا، فاعترفوا للمهاجرين بفضلهم، بل اعترف بعضهم بأحقيتهم للخلافة، وكان أول ما بُدئ من الكلام أن قام رجل فقال: (أما بعد، فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم -يا معشر قريش- رهط نبينا، وقد دفت إلينا من قومكم دافة)([22]). ولَمَّا احتدَّ النقاش، وأدلى كل فريق بدلوه، قام أسيد بن حضير الأنصاري وكان مقبول القول عند الأنصار وأهل الطَّاعة فيهم، فقال: (يا معشر الأنصار، إنه قد عظمت نعمة الله عليكم إذ سمَّاكم الأنصار وجعل إليكم الهجرة، وفيكم قبض الرسول محمد عليه السلام، فاجعلوا ذلك لله، وإنَّ هذا الأمر في قريش دونكم، فمن قدموه فقدموه، ومن أخروه فأخروه)، فوثب إليه نفر من الأنصار فأغلظوا له القول وسكتوه فسكت([23]).

وبمثل هذا الموقف كان بشير بن سعد الأنصاري فقال: (يا معشر الأنصار، إنَّما أنتم بقريش وقريش بكم، ولو كان ما تدعون حقًّا لما أعرض عليكم فيه، فإن قلتم بأنَّا آوينا ونصرنا، فما أعطاهم الله خير مما أعطيتم، فلا تكونوا كالذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار)([24]). وكان يرى أنَّ الإمامة تكون لقريش وليس للأنصار، يقول رضي الله عنه: (يا معشر الأنصار، إنَّا والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا، فما ينبغي لنا أن نستطيل على النَّاس بذلك، ولا نبتغي به من الدنيا عرضًا، فإنَّ الله ولي المنة علينا بذلك، ألا إن محمدًا صلى الله عليه وسلم من قريش، وقومه أحق به وأولى، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدًا، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم)([25]).

ثم قام من بعده عويم بن ساعدة الأنصاري فقال: (يا معشر الأنصار، إنَّكم أول من قاتل عن الدين، فلا تكونوا أول من قاتل أهله عليه، فإن الخلافة لا تكون إلا لأهل النبوة، فاجعلوها حيث جعلها الله عز وجل، فإن لهم دعوة النبي إبراهيم عليه السلام)([26]).

ثم قام معن بن عدي الأنصاري فقال: (يا معشر الأنصار، إن كان هذا الأمر لكم من دون قريش فخبروهم بذلك حتى يبايعوكم عليه، فإن كان لهم من دونكم فسلموه إليهم، فوالله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صلَّى بنا أبو بكر رضي الله عنه، فعلمنا أنَّه قد رضيه لنا؛ لأن الصلاة عماد الدين)([27]).

ولم يكن هذا موقف أفراد من الأنصار، فبغض النظر عن قضية الإمامة كان الأنصار موقفهم واضحًا من المهاجرين وأنهم محل عزة وكرامة، يقول الطبري رحمه الله: “فقالت الأنصار: والله، ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، وما أحد من خلق الله تعالى أحب إلينا ولا أعز علينا ولا أرضى عندنا منكم”([28]).

أمَّا موقف المهاجرين -وعلى رأسهم أبو بكر رضي الله عنه- فقد كان أيضًا موقف اعتراف بفضل الأنصار، وقد بينه أبو بكر أفضل بيان في ذلك الموقف، يقول رضي الله عنه بعد أن ذكر الأنصار فضائلَهم: (أما بعد؛ يا معشر الأنصار، فإنَّكم لا تذكرون منكم فضلًا إلا وأنتم له أهل)([29])، وقال أيضًا: (وأنتم -يا معشر الأنصار- من لا ينكر فضلهم في الدين، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصارًا لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلة أزواجه وأصحابه، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحدٌ بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تفتاتون بمشورة، ولا نقضي دونكم الأمور)([30]).

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يتحدث عن موقف أبي بكر رضي الله عنه: (فتكلم أبو بكر، فلم يترك شيئًا نزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره، وقال: لقد علمتم أنَّ رسول الله قال: «لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا سلكت وادي الأنصار»([31])، ولقد علمت -يا سعد- أن رسول الله قال وأنت قاعد: «قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم»([32]) قال: فقال سعد: صدقت، فنحن الوزراء وأنتم الأمراء)([33]).

ولمَّا وقف ثابت بن قيس الأنصاري فمدح الأنصار، وبيَّن فضلهم واستقبالهم للمهاجرين، وقول الله فيهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]، رد عليه أبو بكر الصديق فقال: (يا ثابت، أنتم لعمري كما وصفت به قومك، لا يدفعهم عن ذلك دافع)([34]).

ولم يكن هذا موقف أبي بكر وحده، بل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لقد علمت العرب قاطبة أنَّكم أنصار الله، وأنصار رسوله محمد عليه السلام، وأنتم إخواننا في الإسلام، وشركاؤنا في الدين، ووالله ما كنَّا قط في خير ولا شر إلا وكنتم معنا فيه، وأنتم أحب الناس إلينا، وأكرم الخلق علينا، وأنتم المؤثرون على أنفسهم في الخصاصة، ووالله ما زلتم تؤثرون إخوانكم من المهاجرين بأموالكم منذ كنتم، وقد يجب عليكم أن لا يكون اختلاف هذه الأمة وانتقاضها على أيديكم، وأخرى فإنه ليس ينبغي لكم أن تحسدوا إخوانكم على خير ساقه الله عز وجل إليهم)([35]).

والأخبار في ذلك كثيرة، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وهذه الشواهد تؤكد على اعتراف كل واحد من الفريقين للآخر بفضله، وهو أمر قلَّ أن يحدث في مثل هذه المواقف، وهو ينبئ عن وعي كبير لدى الصحابة الكرام، فمهما تكن المسألة المتنازع فيها يبقى الاعتراف بفضل الآخر خلقًا جليلًا.

سادسًا: عدم الاستشراف للسلطة:

رغم حصول الخلاف بين الصحابة في من يتولى الخلافة، إلَّا أنَّ كثيرًا من الصحابة لم يستشرفوا للسلطة، وأبو بكر رضي الله عنه حين نافح عن أحقية المهاجرين بالخلافة لم يكن ذلك بناء على عصبية أو قبليَّة، أو لأنَّه أراد الخلافة لنفسه، ويؤكد هذا أنَّه قدَّم غيره لها ولم يتقدَّم هو، ففي صحيح البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه لما ذهب إلى سقيفة بني ساعدة، وعرض عليه أن يكون من المهاجرين أمير ومن الأنصار أمير قال: (لا، ولكنا الأمراء، وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارًا، وأعربهم أحسابًا، فبايعوا عمر، أو أبا عبيدة بن الجراح”([36])، وقد قال عمر رضي الله عنه: (ابسط يدك -يا أبا بكر- فلأبايعك)، فقال أبو بكر: (بل أنت يا عمر، فأنت أقوى لها مني)، قال: وكان عمر أشد الرجلين، قال: وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها([37]).

يقول ابن تيمية رحمه الله وهو يبين أنَّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن ممن طلب الخلافة لنفسه: “من المعلوم المتواتر عند الخاصة والعامة الذي لم يختلف فيه أهل العلم بالمنقولات والسير أن أبا بكر رضي الله عنه لم يطلب الخلافة لا برغبة ولا برهبة، لا بذل فيها ما يرغب الناس به، ولا شهر عليهم سيفًا يرهبهم به، ولا كانت له قبيلة ولا أموال تنصره وتقيمه في ذلك كما جرت عادة الملوك أن أقاربهم ومواليهم يعاونونهم، ولا طلبها أيضًا بلسانه، ولا قال: بايعوني، بل أمر بمبايعة عمر وأبي عبيدة”([38]).

وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن مستشرفًا لها، فإنه حين عرض ذلك أبو بكر رضي الله عنه قال: (ولم أكره شيئًا مما قاله غيرها، كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسوّل لي نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن)([39]).

ومدافعة السلطة وعدم الاستشراف لها يعد شاهدا آخر للوعي السياسي لدى الصحابة؛ إذ إن الأهم عندهم ليس هو شخص الخليفة، وإنما تحقيق شروط الإمامة وعدم خروجها عن أهلها.

سابعًا: الاستناد إلى المحكمات:

أكثر ما يؤكِّد لنا الوعي السياسي لدى الصحابة الطَّريقة التي أنهوا بها أول اجتماع سياسي بعد انقطاع الوحي، فقد اشتدَّ النزاع، وتباينت الآراء، فتحاكموا إلى المحكمات، فهي التي ينبغي أن تفصل بين كل النزاعات السياسية في الأمة، فإن التنازع لا يمكن أن ينتهي إلا بالاستناد إلى أمر متفق عليه بين الطرفين، وهذا هو الذي أعمله الصحابة في مثل هذا الموقف.

فبعد أن خرج سعد بن عبادة رضي الله عنه كمرشح من الأنصار، ثم وصل وفد المهاجرين وفي مقدمتهم أبو بكر رضي الله عنه، طُرحت عدَّة آراء يمكن أن يكون الحل من بينها، وتتلخَّص في ثلاثة:

الرأي الأول: أن يكون الخليفة من الأنصار ممثلًا في سعد بن عبادة رضي الله عنه، وقد طرح الأنصار هذا الرأي بقوَّة قبل أن يقدم وفد المهاجرين، ويعتقد الأنصار أنهم أحق بالخلافة، وهذه قناعة لم تنشأ من فراغ، كما أنها لم تكن رغبة دنيوية فحسب، بل لها أسبابها الشرعية التي استندوا إليها وبنوا عليها رأيهم وقناعتهم، ومن ذلك:

1- أنَّهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان يلاقي العذاب والنَّكال من كفار قريش، وبعد أن رفضه أهل الطائف، فقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة ولم يستطع أن يفعل فيها كما فعل في المدينة؛ سواء في نشر الدعوة، أو في إقامة الدولة، وهذا سبب واضح وجلي، واستند إليه كبار الأنصار، بل استند إليه سعد بن عبادة رضي الله عنه حين اجتمع إليه الأنصار فقال: (يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إن محمدًا صلى الله عليه وسلم لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلا رجالٌ قليل، وكان ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله، ولا أن يُعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيمًا عموا به، حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة، وخصَّكم بالنعمة، فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعًا وكرهًا، وأعطى البعيد المقادة صاغرًا داخرًا، حتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله وهو عنكم راض، وبكم قرير عين، استبدوا بهذا الأمر فإنه لكم دون الناس، فأجابوه بأجمعهم: أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، ونوليك هذا الأمر، فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا)([40]).

وإلى هذا أيضًا استند ثابت بن قيس فقال: (يا معشر المهاجرين، لقد علمتم وعلمنا أن الله تبارك وتعالى بعث نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وكان في بدء أمره مقيمًا بمكة على الأذى والتكذيب، لا يأمره الله عز وجل إلا بالكفِّ والصفح الجميل، ثم أمره بعد ذلك بالهجرة، وكتب عليه القتال، ونقله من داره، فكنَّا أنصاره، وكانت أرضنا مهاجره وقراره، ثم إنكم قدمتم علينا فقاسمناكم الأموال، وكفيناكم الأعمال، وأنزلناكم الديار، وآثرناكم بالمرافق، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام)([41]).

وما قاله حق، فقد بايع قادتهم ونقباؤهم بيعتي العقبة، واستقبلوا رسول الله صلى الله عليم وسلم والمهاجرين، وليس هذا الكلام بغريب ولا خطأ، فقد قاله لهم النَّبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: «أما والله لو شئتم لقلتم فلصدَقتم وصُدِّقتم، أتيتنا مكذبًا فصدقناك، ومخذولًا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلًا فآسيناك»([42])، فهم حين استندوا إليه استندوا إلى ركن شديد.

2- أنَّهم قد مدحهم الله سبحانه في كتابه فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]، وبهذه الآية استدل ثابت بن قيس رضي الله عنه فقال: (ونحن الذين أنزل الله تعالى فينا: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، وغيرها في كتاب الله عز وجل ما لا ينكره لنا منكر)([43]).

3- أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ذكر للأنصار فضائل عديدة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّ الأنصار سلكوا واديًا أو شعبًا لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرًا من الأنصار»([44])، وقد عقد البخاري رحمه الله بابًا كاملًا في مناقب الأنصار، فكونهم ذوي فضل يؤهلهم للخلافة، وإلى هذا استند ثابت بن قيس رضي الله عنه فقال: (فإنَّكم قد علمتم ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينا من الفضائل الشريفة)([45]).

الرأي الثاني: أن يكون في الخلافة أمير من المهاجرين وأمير من الأنصار، وقد عرض بعض الأنصار هذا الرأي، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول: يا معشر المهاجرين، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلًا منكم قرن معه رجلًا منَّا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان: أحدهما منكم، والآخر منا)([46]). وهذا الرأي طرحه أيضًا الحباب بن المنذر رضي الله عنه حين عُرض أن يكون الخليفة من المهاجرين، فقال: (لا والله لا نفعل، منَّا أمير، ومنكم أمير)([47]).

لكن هذا الرأي سرعان ما انطفأ بعد أن قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (سيفان في غمد واحد؛ إذا لا يصلحان)([48])، وأشار بذلك إلى عدم صلاحية حاكمين لدولة واحدة لما يؤدي إلى التنازع، ولذا حين أورد البيهقي هذا الأثر عنون له بقوله: “لا يصلح إمامان في عصر واحد”([49]).

الرأي الثالث: أن يكون الخليفة من المهاجرين، وهذا الرأي هو الذي طرحه أبو بكر وعمر وبعض الأنصار رضي الله عنهم أجمعين، وقد استندوا في قولهم إلى مستندات شرعية وعرفية عديدة، من أهمها:

1- الاستدلال بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الأمر في قريش»، وفي ذلك عدة أحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام: «الأئمة من قريش»([50])، وإلى هذا استند أبو بكر رضي الله عنه فقال: ولقد علمت -يا سعد- أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: «قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم»([51])، قال: فقال سعد: صدقت، فنحن الوزراء وأنتم الأمراء([52]).

2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يصلِّي بالنَّاس حين مرض، ورأى في ذلك بعض الصحابة دلالة واضحة على أحقية أبي بكر الصديق بالخلافة، وإلى هذا استند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟! فأيكم تطيب نفسه أن يتقدَّم أبا بكر؟!) فقالت الأنصار: (نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر)([53])، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر بن الخطاب: أنشدتكم الله؛ هل تعلمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟! قالوا: اللهم نعم. قال: فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقالوا: كلنا لا تطيب نفسه، ونستغفر الله)([54]).

وبهذا أيضًا استدل الأنصاري معن بن عدي رضي الله عنه فقال: (يا معشر الأنصار، إن كان هذا الأمر لكم من دون قريش فخبروهم بذلك حتى يبايعوكم عليه، فإن كان لهم من دونكم فسلموه إليهم، فوالله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صلى بنا أبو بكر رضي الله عنه، فعلمنا أنه قد رضيه لنا؛ لأن الصلاة عماد الدين)([55]).

3- الاستدلال بأسبقية المهاجرين إلى الإسلام وبيان فضلهم، وبهذا استدل أبو بكر رضي الله عنه فقال: (بعث الله نبيَّه بالهدى ودين الحق، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلى الإسلام، فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعا إليه، فكنَّا -معشر المهاجرين- أوَّل الناس إسلامًا، ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه، ونحن أهل الخلافة)([56])، وقال أيضًا رضي الله عنه: (إنَّ الله بعث محمدًا رسولًا إلى خلقه، وشهيدًا على أمته، ليعبدوا الله ويوحدوه وهم يعبدون من دونه آلهة شتى… فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه، والإيمان به، والمؤاساة له، والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم، وتكذيبهم إياهم، وكل النَّاس لهم مخالف، فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم، وإجماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم”([57]).

وبهذا استدلَّ المهاجرون أيضًا، فقالوا: (لقد علمتم -يا معشر الأنصار- أن أول من عبد الله على وجه الأرض وآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم أولياؤه وعشيرته، وهم أحقُّ الناس من بعده بهذا الأمر، فلا ينازعهم في ذلك إلا ظالمٌ معتد، وأنتم -يا معشر الأنصار- فلسنا ننكر فضلكم ولا سبقكم في الإسلام، سمَّاكم الله أنصار الدين، وجعل إليكم الهجرة، فليس أحد بعد المهاجرين الأولين أعز علينا منكم، ونحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولا تفتاتون بمشورة، ولا تقضى دونكم الأمور”([58]).

ولمَّا قام ثابت بن قيس الأنصاري فبين فضيلة المهاجرين قال له أبو بكر رضي الله عنه: (يا ثابت، أنتم -لعمري- كما وصفت به قومك، لا يدفعهم عن ذلك دافع، ونحن الذين أنزل الله عز وجل فينا: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]، وقد أكرمكم الله أن تكونوا الصادقين لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119])([59]).

وقد استدل بذلك بعض الأنصار أيضًا فقال بشير بن سعد الأنصاري: (يا معشر الأنصار، إنَّما أنتم بقريش وقريش بكم، ولو كان ما تدعون حقًّا لما أعرض عليكم فيه، فإن قلتم بأنا آوينا ونصرنا، فما أعطاهم الله خير مما أعطيتم، فلا تكونوا كالذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار”([60]).

4- أنَّ قريشًا أوسط الناس أنسابًا في العرب، قال أبو بكر رضي الله عنه: (وأوسط الناس أنسابًا في العرب، ولدتنا العرب كلها، فليس منهم قبيلة إلا لقريش فيها ولادة، ولن تصلح إلا لرجل من قريش؛ هم أصبح الناس وجوهًا، وأسلطهم ألسنة، وأفضلهم قولًا، فالنَّاس لقريش تبع، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، وأنتم -يا معاشر الأنصار- إخواننا في كتاب الله، وشركاؤنا في دين الله تعالى، وأحبُّ الناس إلينا، وأنتم الذين آووا ونصروا، وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله تعالى، والتسليم لفضيلة إخوانكم من المهاجرين، وأحق الناس أن لا تحسدوهم على خير آتاهم الله إياه”([61]).

5- أنَّ الناس لا يعرفون هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وهذا دليلٌ عرفي من أبي بكر رضي الله عنه، فإنَّ المطلوب هو أن يجتمع الناس على رجل يرضونه، قال أبو بكر رضي الله عنه: (أما بعد؛ يا معشر الأنصار، فإنكم لا تذكرون منكم فضلا إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وهم أوسط العرب دارا ونسبا)([62]).

ومع تعدد الآراء والاتجاهات كان لحضور المحكمات الدور الأبرز في إنهاء الأمر، فكون الأئمة من قريش، وكون النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر رضي الله عنه كانت من أقوى الأدلة التي اعتمد عليها المهاجرون في بيان أحقيتهم بالخلافة، فأضعَف ذلك حجةَ الأنصار؛ ولذا بمجرد ما سنحت فرصة مبايعة أبي بكر رضي الله عنه وبدأ البعض بذلك بايعه الأنصار أيضًا.

والشاهد أن هذا الحوار والشورى الذي تم في هذا المجلس شهد وعيًا سياسيا من الصحابة، وهذا المجلس الذي عقد لأهم مسألة تهم عامة المسلمين قد انتهوا منها دون إراقة قطر دم واحدة.

مع قولنا بأن الخلافات التي حصلت كان منها خلافات شديدة، وفي بعضها حدة وشدة، بل وتلاسن من بعض الصحابة، ومع ذلك فانتهاء الأمور بهذه الطريقة في مسألة مثل هذه ما كان ليكون إلا للفقه والوعي السياسي الذي تمتع به الصحابة.

ثامنًا: استباق الفتنة:

ليس من السهل على أيِّ مجتمع أن يستبق الفتنة ويضبط الأمور قبل أن تخرج عن السيطرة، وهذا ما فعله بعض الصحابة الكبير بوعيهم وإدراكهم لمآلات الأمور، فأمور الحكم إن خرجت عن الانضباط تصعب السيطرة عليها، وأكبر خطر يهدد أي أمة هو حدوث انشقاق كبير في صفوفها.

وكان أول من استبق الفتنة في هذه القضية ذلك الرجل الذي جاء يخبر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما باجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وقد علَّل هو سبب مجيئه فقال: (إن هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ومعهم سعد بن عبادة وناس من أشرافهم يقولون: منا أمير ومن المهاجرين أمير، وقد خشيت أن تهيج فتنة، فانظر -يا عمر- واذكر لإخوانك واحتالوا حيلتكم؛ فإني أنظر إلى باب فتنة إن لم يغلقه الله عز وجل([63]). وهو ينبئ عن تفكير مبكر بمآلات الدولة الإسلامية إن وقع الاختلاف أو الانحياز بالسلطة دون الآخرين.

ومن أسرع من تفطن لهذه الفتنة وخاف من وقوعها واستبقها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه رغم احتكام الطرفين إلى أدلة شرعية وعرفية، إلا أن طبيعة الموقف حتمت بعض الشدة في طرح الرأي وتقبله، بل وكثر اللغط واختلطت الأصوات، وفي تلك اللحظات الحاسمة فطن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقرب وقوع اختلاف وفتنة، فاستبق ذلك كله بمبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقال له: (ابسط يدك)، فبسط يده فبايعه، وقد بيَّن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سبب ذلك فقال: (فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته)([64]).

فكان خوف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووعيه بالمرحلة التي هم فيها هو الدافع له لهذا الاستباق، ويتضح من نصٍّ آخر أن دافعه هو الحفاظ على مكتسبات الدولة، والحرص على الأمة وتجنيبها الشقاق والنزاع، فترك مثل هذا الأمر بعد هذا الاختلاف إلى أيام أخرى سيدع المجال مفتوحًا لغيرهم للدخول فيه، وعمر رضي الله عنه يدرك جيدًا وضع المدينة وما بها من أخطار، سواء كان من المنافقين أو اليهود، ففطن لكل ذلك وبايع أبا بكر رضي الله عنه، ثم تابعه المهاجرون والأنصار، يقول عمر رضي الله عنه: (أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أرفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة؛ فإما نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فساد)([65]).

فإن قيل: فعلى هذا لم تكن البيعة عن قناعة!

نقول: ومن الذي كان يستطيع أن يجبر الأنصار على البيعة؟

وقد سبق ذكر عدد من الصحابة الذين اعترفوا بأفضلية المهاجرين واستحقاقهم للخلافة، وكثير منهم أقر للحق بعد أن سمع استدلالات المهاجرين، وعلى رأسها استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الصلاة.

واستباق الفتنة والخوف من وقوعها كان حاضرا أيضًا في وعي أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقبول أبي بكر الصديق رضي الله عنه للبيعة كان أحد أهدافه إخماد هذه الفتنة حتى لا يثور لهبها فتحرق هذه الدولة التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن رافع الطائي -رفيق أبي بكر الصديق في غزوة ذات السلاسل- قال: (وسألته عمَّا قيل في بيعتهم، فقال وهو يحدثه عمَّا تقاولت به الأنصار وما كلمهم به، وما كلم به عمر بن الخطاب الأنصار، وما ذكرهم به من إمامته إياهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: فبايعوني لذلك وقبلتها منهم، وتخوفت أن تكون فتنة بعدها ردة)([66]). قال ابن كثير رحمه الله: “ومعنى هذا أنه رضي الله عنه إنما قبل الإمامة تخوفا أن تقع فتنة أربى من تركه قبولها رضي الله عنه وأرضاه([67]).

والشاهد أنَّ الأمر قد حُسم في أول اجتهاد سياسي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في سويعات، وخرج الصحابة من أعقد اللحظات السياسية للإسلام دون أن تراق قطرة دم واحدة، فكان لهذا الاجتماع أثره البالغ لأن يسيح هذا الدين العظيم في أرجاء المعمورة، وأن تتغلغل دلالات القرآن وبراهينه في أعماق الحضارات الأخرى؛ لأن الصحابة استطاعوا في أحلك الظروف أن يظهروا وعيًا سياسيا عاليا حافظوا به على حضارتهم.

تاسعًا: الإقرار وعدم النزاع:

بعد أن استبق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أي فتنة وخوف، وبايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وبعد أن سطعت الدلالات الواضحة على أحقية أبي بكر بالخلافة: أقرَّ مجموع الناس ودخلوا في بيعته، فبايعه المهاجرون والأنصار، حتى وصفت تلك البيعة بأنَّها أحسن بيعة([68]).

وهكذا انقضت تلك الليلة بتلك البيعة، فلمَّا أصبح النَّاس أتمَّ المهاجرون والأنصار البيعة، يقول ابن كثير رحمه الله: “فلما كان الغد صبيحة يوم الثلاثاء اجتمع النَّاس في المسجد، فتممت البيعة من المهاجرين والأنصار قاطبة”([69]).

والمطَّلع على الروايات التي تحدثت عن هذه الحادثة وما بعدها يدرك أنَّ عددًا من الصحابة لم يبايعوا أبا بكر في ذلك اليوم، بل بايعوه فيما بعد، وليس غرضنا تحرير مسألة عدم مبايعة بعض الصحابة -كعلي بن أبي طالب وسعد بن عبادة والزبير رضي الله عنهم- فلذلك مقامات أخر؛ لكننا نشير هنا إلى أنه لا يتوجب أن يكون هناك إجماع من كل الناس حتى تتم البيعة، فتخلّف بعض الأفراد لا ينقض البيعة، مع أن بعض من لم يدخل البيعة لم يعارضها، وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله: “وأما أبو بكر فتخلف عن بيعته سعد؛ لأنهم كانوا قد عينوه للإمارة فبقي في نفسه ما يبقى في نفوس البشر، ولكن هو مع هذا رضي الله عنه لم يعارض، ولم يدفع حقا ولا أعان على باطل”([70]).

ويؤكِّد ابن تيمية رحمه الله على أنَّ تخلف بعض الأفراد لا يضر، إذ لو اعتبر ذلك لم يكد ينعقد إجماع! يقول رحمه الله: “ولا ريب أنَّ الإجماع المعتبر في الإمامة لا يضر فيه تخلف الواحد والاثنين والطائفة القليلة، فإنَّه لو اعتبر ذلك لم يكد ينعقد إجماع على إمامة”([71])، وقال أيضًا: “لو فرض خلاف هؤلاء الذين ذكرهم وبقدرهم مرتين لم يقدح ذلك في ثبوت الخلافة، فإنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور الذين يقام بهم الأمر بحيث يمكن أن يقام بهم مقاصد الإمامة”([72]). والشاهد أن الصحابة كلهم بايعوه إلا بضعة نفر، وهذا لا يؤثر في البيعة.

وفي بيان أنَّ مجموع المهاجرين والأنصار قد بايعوا إلا بضعة نفر يقول ابن تيمية رحمه الله: “ولا قال أحد من الصحابة: إنَّ غير أبي بكر من المهاجرين أحق بالخلافة منه، ولم ينازع أحد في خلافته إلا بعض الأنصار طمعًا في أن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير، وهذا ممَّا ثبت بالنصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بطلانه، ثم الأنصار جميعهم بايعوا أبا بكر إلا سعد بن عبادة لكونه هو الذي كان يطلب الولاية”([73]).

ويشيد ابن تيمية رحمه الله بأنَّ هذا الاتفاق وقع دون أن تراق قطرة دم، وبين أن ما وقع من حوارات قبل البيعة رد فيه بعضهم على بعض، وقد مرَّ بنا كيف أن المهاجرين والأنصار قد عرفوا لبعضهم حقوقهم وفضلهم، يقول ابن تيمية رحمه الله: “فإنه -ولله الحمد- لم يسلّ سيف على خلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، ولا كان بين المسلمين في زمنهم نزاع في الإمامة، فضلا عن السيف، ولا كان بينهم سيف مسلول على شيء من الدين. والأنصار تكلم بعضهم بكلام أنكره عليهم أفاضلهم، كأسيد بن حضير وعباد بن بشر وغيرهما ممن هو أفضل من سعد بن عبادة نفسا وبيتا. وإنما نازع سعد بن عبادة والحباب بن المنذر وطائفة قليلة، ثم رجع هؤلاء وبايعوا الصديق، ولم يعرف أنه تخلف منهم إلا سعد بن عبادة”([74]).

فهذه أول واقعة سياسية في عصر الصحابة تنبئ بالوعي الذي تمتعوا به حتى استطاعوا أن ينهوا هذا الأمر بأقل ما يمكن من الأضرار، وفي أسرع ما يمكن.

عاشرًا: فضل الأنصار في عدم التمسك بالحكم:

ممَّا يُحفظ للأنصار أنَّهم لم يتمسكوا بالحكم، بل رجعوا إلى الأدلة وأخذوا بها وخضعوا لها، وعوامل كون الخليفة من الأنصار كانت قوية، فالدار دارهم، وهم مجتمعون على رجل لا متفرقون، والمهاجرون ضيوف عندهم، وقد اجتمعوا قبل المهاجرين، لكنهم تداولوا الأمر في سقيفة بني ساعدة ثم استقر رأيهم رضي الله عنهم على أن يكون الأمر في القرشيين؛ وذلك للأدلة التي أظهرها المهاجرون، فخضعوا للدليل، ولأن بقية العرب لن يقبلوا بحكم غير قريش التي يسلمون لها بالعزة والشرف والقيادة، فقبل الأنصار ذلك، وسلموا بأن يكونوا الوزراء، وهذا من صدق إيمانهم وكمال حرصهم على دين الله، إذ قبلوا بأن يحكم مدينتهم غيرهم فداء لدين ربهم([75])، وهذه فضيلة ومنقبة تحسب للأنصار.

يقول ابن التين رحمه الله مبينا عدم تمسك الأنصار بآرائهم، ورجعوهم إلى الحق بعد ظهوره: “إنما قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير على ما عرفوه من عادة العرب أن لا يتأمر على القبيلة إلا من يكون منها، فلما سمعوا حديث «الأئمة من قريش» رجعوا عن ذلك وأذعنوا”([76]).

حادي عشر: اختلافٌ بوعي:

ليس الأمر أنَّ الصحابة الكرام لم يختلفوا في ذلك الموقف العظيم، بل اختلفوا اختلافًا شديدًا، وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، وأثناء الحوار الذي دار بين المهاجرين والأنصار قال الحباب بن المنذر: (يا معشر الأنصار، املكوا عليكم أمركم، فإنَّ الناس في فيئكم وفي ظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز والثروة، وأولو العدد والمنعة والتجربة، ذوو البأس والنجدة، وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وينتقض عليكم أمركم، فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم، فمنَّا أمير ومنهم أمير)([77])، بل وصل الأمر إلى أن يقول أحدهم: (أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، أما والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة)([78])، وروايات أخرى عديدة تبين شدة الموقف وما عاناه الصحابة من موقف عصيب وهم يحلون عقدة أول أمر سياسي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المطلع على هذه الحقبة وما حصل فيها، والناظر في الأمر بعين العقل والإنصاف يدرك أن جملة من الأمور التي حصلت وتفجرت في ذلك الموقف وما بعده جزءٌ لا يتجزَّأ من تركيبة المجتمع نفسه، فلم تكن النقاشات بصورة مسالمة تمامًا؛ لأنها متطلبات المرحلة، فالنزاع هنا على سياسة دولة بأكملها، فكان هذا الأمر طبيعيا بالنظر إلى معطيين: أوّلهما: طبيعة الحادثة، والثاني: طبيعة المجتمع.

كما أن الطبيعة البشرية لها دور، خاصة في عدم البيعة، وقد أشار إلى هذا ابن تيمية رحمه الله فقال: “وأما أبو بكر فتخلف عن بيعته سعد؛ لأنَّهم كانوا قد عينوه للإمارة، فبقي في نفسه ما يبقى في نفوس البشر، ولكن هو مع هذا رضي الله عنه لم يعارض، ولم يدفع حقا ولا أعان على باطل”([79])، وبين أن سعدًا وإن كان صالحًا لكنه ليس بمعصوم، فموقفه موقف اجتهادي، يقول رحمه الله: “وسعد، وإن كان رجلا صالحا، فليس هو معصوما، بل له ذنوب يغفرها الله، وقد عرف المسلمون بعضها، وهو من أهل الجنة السابقين الأولين من الأنصار، رضي الله عنهم وأرضاهم”([80])، ويقول الذهبي رحمه الله: “كان ملكا شريفا مطاعا، وقد التفَّت عليه الأنصار يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعوه، وكان موعوكا، حتى أقبل أبو بكر والجماعة، فردوهم عن رأيهم، فما طاب لسعد”([81]).

وصفوة القول أن النزاع والاختلاف والحدة كانت موجودة، ولم يكن تداول السلطة في هذا الاجتماع خاليًا مما يكدّره، بل تجاوز إلى بعض مظاهر الشدة والتَّلاسن، غير أنه يجب التأكيد على أنَّه كان فرديًّا ومحدودًا، وتمَّ امتصاصه بفعل عوامل متعددة، من أهمها الوعي الذي كان حاضرًا عند الصحابة الكرام، مع التَّأكيد أيضًا على أن بعض هذه الضغوطات التي تبدو فيها مظاهر الحدة هي طبيعية جدا في كثير من فترات التحول السياسي، بل وغيره من التحولات الاجتماعية والحضارية، كما أن مفهوم الحدة والشدة يختلف جزء منه من مجتمع إلى مجتمع.

وأخيرًا:

خلصنا من خلال هذا السَّرد والتَّأمل إلى أنَّ الوعي السياسي كان حاضرًا عند الصحابة، وبه استطاعوا أن ينهوا أول محكٍّ سياسي واجهوه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ويدلنا على وعيهم السياسي أمور عديدة، منها:

أولًا: أنَّهم اهتموا بانتقال السلطة من وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يؤجلوا الموضوع، خاصة وأنه لم يكن هناك وريث منصوص عليه، فاهتماهم بالأمر يدل على حضور هذا الوعي لديهم.

ثانيًا: حين أراد الصحابة الاجتماع لم يلتفتوا إلى أي أمر قد يعوقهم عن الاجتماع والاستماع إلى جميع الأطراف.

ثالثًا: من أهم الشواهد وأعظمها على الوعي السياسي للصحابة أنهم لم ينحازوا بالسلطة مع إمكانية ذلك.

رابعًا: كان تداول الأمر بين الصحابة بالشورى، يحتدُّ أحيانا ويخفت أحيانا أخرى.

خامسًا: بيعة أبي بكر رضي الله عنه لم يكن بإجماع كل الصحابة كما بينَّا، ولم يكن الأمر بحاجة إلى إجماع كامل، وخروج أفراد من هذه البيعة أو تأجيلها لا يعد خرقًا للبيعة التي تمت بمشاركة مجموع الصحابة.

سادسًا: لم يخل الاجتماع من حدة وعنف لفظي، لكن يحسب للصحابة تداركهم للأمر واحتواؤهم له.

سابعًا: استند الصحابة في اختلافهم إلى أمور محكمة، وخضعوا للدليل حين ورد.

ثامنًا: ممَّا يدل على أن الخلاف لم يكن كبيرًا بين المهاجرين والأنصار أن الاجتماع والتداول واختلاف الآراء وإحضار الأدلة والبيعة كلها تمت في بضع ساعات.

تاسعًا: استبق بعض الصحابة الفتنة بفطنتهم ووعيهم، فمنع من وقوع أمرٍ عظيم كاد أن يودي بأمة الإسلام.

عاشرًا: يظهر من خلال هذا العرض فضل الصحابة عامة، وفضل الأنصار خاصة؛ لخضوعهم للحق، وتركهم منازعة الأمر أهله.

ويُنبَّه إلى أنَّ المقصد من الورقة ليس هو القول بأنه لم يحصل نزاعٌ أو شدَّة من بعض الأطراف على بعض، فالصحابة بشر، والموضوع عسيرٌ وكبيرٌ يتعلق بالأمة الإسلاميَّة كلِّها، فلا ندَّعي المثاليَّة، ولا ننفي طبيعتهم البشريَّة، وقد حصل أخذٌ وردٌّ وشدَّةٌ ولينٌ وعرضٌ للآراء ونقدٌ لها، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ في مثل هذه المواقف، ولا يمكن أن يكون بغير ذلك، لكن هذا يدلُّ أيضًا على وعيهم السياسي؛ خاصة وأنهم لم يسفكوا دمًا، وانتهت القضية في ساعات قليلة.

ويظهر من خلال هذا كله مستوى النضج السياسي الذي ترك الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه، ومقدار الإمكانيات السياسية التي تمتع بها جيل الصحابة، والتي مكنتهم بعد ذلك من وضع قدم في الأندلس وأخرى في الصين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر: عيون الأثر لابن سيد الناس (2/ 338)، ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (ص: 156).

([2]) ينظر: المعجم الكبير للطبراني (107)، ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (ص: 231).

([3]) ينظر: مسند أبي يعلى (912)، ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (ص: 233).

([4]) ينظر مقال بعنوان: الشرعية السياسية للنبي صلى الله عليه وسلم، للدكتور سلطان العميري على الرابط: http://www.saaid.net/arabic/524.htm

([5]) أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).

([6]) أخرجه البخاري (678).

([7]) سيرة ابن هشام (2/ 656).

([8]) انظر: الطاعة السياسية في الفكر الإسلامي: النص والاجتهاد والممارسة، لهاني عبادي (ص: 29).

([9]) انظر: الإسلام والتطور السياسي في عصر النبوة والخلفاء الراشدين، لمحمد عادل عبد العزيز (ص: 79).

([10]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 39).

([11]) ينظر: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء لأبي الربيع الحميري (2/ 54)، وسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للشامي (12/ 313)، والرياض النضرة في مناقب العشرة (1/ 236).

([12]) ينظر: صحيح ابن حبان (414)، والرياض النضرة في مناقب العشرة (1/ 235-236).

([13]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 205)، والسنن الكبرى للبيهقي (16/ 507)، والبداية والنهاية (8/ 83).

([14]) صحيح البخاري (6830)، البداية والنهاية (8/ 83).

([15]) تاريخ الطبري (3/ 218).

([16]) تاريخ الطبري (3/ 218-219).

([17]) انظر: الإسلام والتطور السياسي في عصر النبوة والخلفاء الراشدين (ص: 83).

([18]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 205).

([19]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 205-206).

([20]) انظر: الردة للواقدي (ص: 32-38)، والكامل لابن الأثير (2/ 189).

([21]) انظر: النظام السياسي للدولة الإسلامية للدكتور محمد سليم العواد (ص: 70).

([22]) تاريخ الطبري (3/ 205). وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (16/ 508).

([23]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 33).

([24]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 33-34).

([25]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 221).

([26]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 34).

([27]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 34-35).

([28]) الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء لأبي الربيع الحميري (2/ 54)، وسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للشامي (12/ 313)، والرياض النضرة في مناقب العشرة (1/ 236).

([29]) تاريخ الطبري (3/ 205)، وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (16/ 508).

([30]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 220).

([31]) أخرجه البخاري (4334)، ومسلم (1059).

([32]) أخرجه الإمام أحمد (18)، قال عنه شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره.

([33]) تاريخ الطبري (3/ 203)، وانظر: السيرة النبوية لابن كثير (4/ 491).

([34]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 36).

([35]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 39-40).

([36]) صحيح البخاري (3668).

([37]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 203).

([38]) منهاج السنة النبوية (7/ 449).

([39]) انظر: سيرة ابن هشام (2/ 659)، والسنن الكبرى للبيهقي (16/ 508-509)، والمنتظم في تاريخ الأمم لابن الجوزي (4/ 65)، وتاريخ الإسلام (3/ 16)، السيرة النبوية لابن كثير (4/ 488).

([40]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 218).

([41]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 35).

([42]) أخرجه الإمام أحمد (11730).

([43]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 35).

([44]) أخرجه البخاري (3779).

([45]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 36).

([46]) أخرجه الإمام أحمد (21617)، قال عنه شعيب الأرناؤوط: “إسناده صحيح على شرط مسلم؛.

([47]) أخرجه البخاري (3669).

([48]) أخرجه النسائي في الكبرى (6/ 396)، والبيهقي في الكبرى (16/ 518).

([49]) السنن الكبرى (16/ 518).

([50]) أخرجه الإمام أحمد (12307)، قال عنه شعيب الأرناؤوط: “حديث صحيح بطرقه وشواهده”.

([51]) أخرجه الإمام أحمد (18).

([52]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 203).

([53]) أخرجه الإمام أحمد (133)، قال عنه شعيب الأرناؤوط: “إسناده حسن”.

([54]) ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 970-971).

([55]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 34-35).

([56]) السنن الكبرى للبيهقي (11923)، والرياض النضرة في مناقب العشرة (1/ 236).

([57]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 219-220).

([58]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 37).

([59]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 36).

([60]) ينظر: كتاب الردة للواقدي (ص: 33-34).

([61]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 205)، والرياض النضرة في مناقب العشرة (1/ 236).

([62]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 205).

([63]) ينظر: صحيح ابن حبان (414)، والرياض النضرة في مناقب العشرة (1/ 235-236).

([64]) أخرجه البخاري (6830)، وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (16/ 509)، وسيرة ابن هشام (2/ 660)، وتاريخ الطبري (3/ 206).

([65]) البداية والنهاية (5/ 267).

([66]) السيرة النبوية لابن كثير (4/ 491)، وقد قال عن سند الرواية: “وهذا إسناد جيد قوي”.

([67]) السيرة النبوية (4/ 492).

([68]) انظر: أسد الغابة (3/ 328).

([69]) البداية والنهاية (5/ 268).

([70]) منهاج السنة النبوية (1/ 536-537).

([71]) منهاج السنة النبوية (8/ 335).

([72]) منهاج السنة النبوية (8/ 336).

([73]) منهاج السنة النبوية (1/ 518).

([74]) منهاج السنة النبوية (6/ 324-325) باختصار.

([75]) انظر: فقه السياسة على منهاج النبوة لمحمد بن السيد بن حسن الخزرجي (ص: 49).

([76]) ينظر: فتح الباري لابن حجر (7/ 32).

([77]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 220).

([78]) ينظر: تاريخ الطبري (3/ 220-221).

([79]) منهاج السنة النبوية (1/ 536-537).

([80]) منهاج السنة النبوية (6/ 326).

([81]) سير أعلام النبلاء (1/ 276).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

(وقالوا نحن ابناء الله ) الأصول والعوامل المكوّنة للأخلاق اليهودية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا يكاد يخفى أثر العقيدة على الأخلاق وأثر الفكر على السلوك إلا على من أغمض عينيه دون وهج الشمس منكرًا ضوءه، فهل ثمّة أصول انطلقت منها الأخلاق اليهودية التي يستشنعها البشر أجمع ويستغرب منها ذوو الفطر السليمة؟! كان هذا هو السؤال المتبادر إلى الذهن عند عرض الأخلاق اليهودية […]

مخالفات من واقع الرقى المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره، وفعلها السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. وهي من الأمور المستحبّة التي شرعها الشارع الكريم؛ لدفع شرور جميع المخلوقات كالجن والإنس والسباع والهوام وغيرها. والرقية الشرعية تكون بالقرآن والأدعية والتعويذات الثابتة في السنة […]

هل الإيمان بالمُعجِزات يُؤَدي إلى تحطيم العَقْل والمنطق؟

  هذه الشُّبْهةُ مما استنَد إليه مُنكِرو المُعجِزات منذ القديم، وقد أَرَّخ مَقالَتهم تلك ابنُ خطيب الريّ في كتابه (المطالب العالية من العلم الإلهي)، فعقد فصلًا في (حكاية شبهات من يقول: القول بخرق العادات محال)، وذكر أن الفلاسفة أطبقوا على إنكار خوارق العادات، وأما المعتزلة فكلامهم في هذا الباب مضطرب، فتارة يجوّزون خوارق العادات، وأخرى […]

دعاوى المابعدية ومُتكلِّمة التيميَّة ..حول التراث التيمي وشروح المعاصرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: في السنوات الأخيرة الماضية وإزاء الانفتاح الحاصل على منصات التواصل الاجتماعي والتلاقح الفكري بين المدارس أُفرِز ما يُمكن أن نسمِّيه حراكًا معرفيًّا يقوم على التنقيح وعدم الجمود والتقليد، أبان هذا الحراك عن جانبه الإيجابي من نهضة علمية ونموّ معرفي أدى إلى انشغال الشباب بالعلوم الشرعية والتأصيل المدرسي وعلوم […]

وثيقة تراثية في خبر محنة ابن تيمية (تتضمَّن إبطالَ ابنِ تيمية لحكمِ ابن مخلوف بحبسه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمةً للعالمين، وبعد: هذا تحقيقٌ لنصٍّ وردت فيه الأجوبة التي أجاب بها شيخ الإسلام ابن تيمية على الحكم القضائيّ بالحبس الذي أصدره قاضي القضاة بالديار المصرية في العهد المملوكي زين الدين ابن مخلوف المالكي. والشيخ كان قد أشار إلى هذه […]

ترجمة الشيخ المسند إعزاز الحق ابن الشيخ مظهر الحق(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ إعزاز الحق ابن الشيخ مظهر الحق بن سفر علي بن أكبر علي المكي. ويعُرف بمولوي إعزاز الحق. مولده ونشأته: ولد رحمه الله في عام 1365هـ في قرية (ميرانغلوا)، من إقليم أراكان غرب بورما. وقد نشأ يتيمًا، فقد توفي والده وهو في الخامسة من عمره، فنشأ […]

عرض وتعريف بكتاب: “قاعدة إلزام المخالف بنظير ما فرّ منه أو أشد.. دراسة عقدية”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المعلومات الفنية للكتاب: عنوان الكتاب: (قاعدة إلزام المخالف بنظير ما فرّ منه أو أشد.. دراسة عقدية). اسـم المؤلف: الدكتور سلطان بن علي الفيفي. الطبعة: الأولى. سنة الطبع: 1445هـ- 2024م. عدد الصفحات: (503) صفحة، في مجلد واحد. الناشر: مسك للنشر والتوزيع – الأردن. أصل الكتاب: رسالة علمية تقدَّم بها المؤلف […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017