الثلاثاء - 26 ذو الحجة 1445 هـ - 02 يوليو 2024 م

عرض وتعريف بكتاب: “حقيقَةُ توحيدِ العبادةِ بين شيخ الإسلامِ ابن تيمية والمتكلمينَ والرُّد على حاتم بن عارف العوني”

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المعلومات الفنية للكتاب:

عنوان الكتاب: حقيقَةُ توحيدِ العبادةِ بين شيخ الإسلامِ ابن تيمية والمتكلمينَ والرد على حاتم بن عارف العوني.

اسـم المؤلف: عبد الحق بن ملا حقي التركماني.

الطبعة: الأولى.

سنة الطبع: 1443هـ- 2022م.

عدد الصفحات: (280).

الناشر: دار إيلاف الدولية.

ملحق (1): الاعتقاد في القرآن العظيم بين تديُّن ابن حزم واستخفاف حاتم العوني.

كتبه: الشيخ عبد الحق بن ملا حقي التركماني.

ملحق (2): الردُّ على حاتم العوني في استخفافه بعقيدة سلف الأمَّة في القرآن العظيم.

كتبه: الشيخ مساعد المطرفي.

 قرظ الكتاب عددٌ من المشايخ، ومنهم:

  1. فضيلة الشيخ عاصم القريوتي.
  2. فضيلة الشيخ عماد بدوي مصطفى.
  3. فضيلة الشيخ عبد الله بن صالح العبيلان.
  4. فضيلة الشيخ فهد بن سليمان الفهيد.

 

 

الموضوع العام للكتاب:

         من المعلوم أن الساحة العلمية تشهد نقاشات علمية في عددٍ من القضايا التي تتعلق بـ “توحيد العبادة”، وهذا الكتاب متعلق بهذا التوحيد تقريرا لبعض قضاياه، ومناقشة للشبهات المثارة حوله، ويركز الكتاب على مناقشة الدكتور: حاتم العوني في طرحه لعدد من القضايا المتعلقة بهذا التوحيد.

         وقد كان تركيز المؤلف (عبد الحق التركماني) حول أمرين مهمين هما محل تشغيب المردود عليه في هذا الباب، وهما:

الأول: بيان حقيقة التوحيد عند المتكلمين، وأنه ينحصر في دائرة اعتقاد الربوبية، وأن توحيد العبادة ـ عندهم ـ من الشريعة العملية.

الثاني: إقرار بعض أئمتهم بأن الشريعة قاطعةٌ بأن صرف العبادة لغير الله تعالى من الشرك الأكبر مطلقًا، وأنه لا مناص من الإذعان لهذا الحكم الشرعي.

فباجتماع هذين الأمرين يظهر بوضوح فساد قول المردود عليه ويبطل مقصوده.

         ومن الأمور المهمة التي أبرزها هذا البحث أيضًا: بيان الفَرْق بين طائفة المتكلمين وطائفة الفقهاء، وقد غالط الدكتور العوني في هذا المقام فكان لا بد من التفصيل والتوسع، وقد ظهر ـجليًّاـ الفرقُ بين الطائفتين، وموقفُ عامة علماء الشريعة من المحدثين والفقهاء والقضاء والمفتين من المتكلمين.

         كما ذكر مؤلف الكتاب الضعف العلمي والأثر النفسي في مناقشة هذه القضايا لدى المردود عليه.

العرض التفصيلي للكتاب:

وضع المؤلف كتابه هذا في ثلاثة فصول، وهي على النحو الآتي:

الفصل الأول: التوحيد في القرآن والسنة وانحراف المتكلمين في مفهومه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

         ركز المؤلف في هذا الفصل على إبراز دور شيخ الإسلام رحمه الله في العناية ببيان حقيقة التوحيد والتركيز على أهميته المركزية في حياة الأمة، وأنه القضية الكبرى التي يتحتم على كل فرد من أفرادها العناية بها. فالتوحيد ـ بالمفهوم القرآني السُّني ـ هو القضية الكبرى في جهود ابن تيمية ودعوته وجهاده، يقول المؤلف: “لم يعد البحث في مفهوم التوحيد ـ عند ابن تيمية ـ بحثًا مقتصرًا على إيضاح المراد وشرحه، بل صار منظومة كاملة من العلوم والمعارف؛ تبدأ ببيان حقيقة دعوة الرسل عليهم الصَّلاة والسَّلام لأقوامهم، ومراد الله تعالى من عباده، والعلاقة بين الخالق وعباده، وبين العباد وربِّهم، ومقاصد القرآن ودلائل ألفاظه وأساليبه، وتاريخ الملل والنحل والفرق في الاعتقاد في الإلهيات بدءًا بفلاسفة اليونان، وانتهاء إلى الفلاسفة الإسلاميين، ومقالات من أخذوا عنهم من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وأسباب انحرافهم عن منهاج الوحي والنبوة، وآثار ذلك على فهمهم لحقيقة مراد الله تعالى منهم، إلى غير ذلك من المباحث الاعتقادية والشرعية والتاريخية والنفسية والاجتماعية، وفق رؤية ربَّانية شاملة، ودعوة إصلاحية تجديدية كاملة”([1]).

         وقد ذكر المؤلف أن ابن تيمية قد لخص مادته العلمية الواسعة في هذا المجال تلخيصًا ممتازًا في صفحات يسيرة من كتابه: “العقيدة التدمرية”. لهذا رأى المؤلف أن يسوق كلامه هذا بتمامه، وميَّز فقراته بالعناوين الجانبية، فمما ذكره:

  1. أن توحيد العبادة هو مقصود كلمة التوحيد ومضمونها وإليه دعا جميع الرسل عليهم السلام.
  2. من أنواع الشرك الذي بيَّنه الله تعالى في كتابه: الشرك بالملائكة، والشرك بالأنبياء، والشرك بالكواكب، والشرك بالأصنام.
  3. لا يعتقد المشركون بوجود ربَّين خالقين لهذا الوجود.
  4. الثنوية لم يعتقدوا إثبات ربَّين أو فاعلين متكافئين.
  5. إخبار القرآن بإقرار المشركين بالربوبيَّة.
  6. وجه غلط المتكلمين في مفهوم التوحيد.
  7. توحيد الله في أفعاله مسلَّم به في الجملة، وليس في العالم من ينازع في أصله إلا الملاحدة المنكرون لوجود الخالق الأعظم.
  8. توحيد الله في صفاته انحرف فيه أهل الفلسفة والكلام إلى التعطيل وسلكوا لأجله مسلك التحريف وسمَّوه تأويلًا.
  9. توحيد الله في ذاته انحرف الفلاسفة والمتكلمون فيه أيضًا.
  10. بطلان قول بعض المتكلمين بأن الإلهية هي القدرة على الاختراع.
  11. غاية ما عند المتكلمين إنما هو توحيد الربوبية على انحرافٍ في بعض أصوله وفي الصِّفات.
  12. تحقيق الشهادتين في إخلاص العبودية لله تعالى وتجريد الاتباع لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفيه أصلان: الأصل الأول: توحيد الإلهية. الأصل الثاني: حق الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم.

الفصل الثاني: ردُّ تشغيبات حاتم العوني وأغاليطه على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

         في هذا الفصل رد المؤلف على جملة من آراء الدكتور حاتم في عدد من المسائل، إلا أنه قبل الرد قد نبه على ثلاثة أمور كلية مهمة، وهي:

أولًا: أن كلام ابن تيمية في حق المتكلمين إنما هو في مباحث الاعتقاد، وأصول الدين. قال المؤلف: “إذن؛ إخباره عنهم مقيَّدٌ بهذا القَيْد: “يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر”، “كما هو عادتهم في كتب الكلام”؛ تأكيدًا على أنه في صدد البحث الاعتقادي الكلامي مع المتكلمين، وليس في صدد البحث معهم في أحكام الشريعة العملية، ولكل مقام مقال”([2]).

ثانيًا: النقولات التي نقلها العوني عن “المتكلمين” في تقرير توحيد الإلهية والعبادة؛ إنما هي من كتبهم في التفسير أو شرح الأحاديث، لا من كتبهم في الاعتقاد وأصول الدين. وقد ذكر المؤلف: “أن المتكلمين إذا جاؤوا إلى مفصَّل أحكام الشريعة وتكلموا في معاني الآيات والأحاديث يقررون توحيد الله تعالى في العبادة، فليس هذا موضع الخلاف معهم، ولو أنهم لم يقرُّوا بتوحيد العبادة لما كانوا مسلمين أصلًا، لكن الخلاف معهم في طريقة تقريره وارتباطه بأصل الاعتقاد والدين”([3]).

ثالثًا: يتبيَّن منهج المتكلمين من تصريحهم بجعل توحيد الطلب والقصد والتوجه والطاعة ـ وهو توحيد الألوهية ـ فرعًا لتوحيد الربوبية، وهو المعرفة والتصديق.

أما المسائل التي رد فيها المؤلف على الدكتور حاتم، فهي:

المسألة الأولى: ادعاؤه خطأ ابن تيمية في وصفه المتكلمين بعدم معرفة التوحيد تعصبًا منه، ومجانبة للإنصاف.

الثانية: أن الباحثين المعاصرين ناقضوا ابن تيمية، ونقضوا كلامه؛ فأثبتوا توحيد العبادة في كلام فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية.

الثالثة: أن المتكلمين ـ من الأشاعرة والماتريدية وحتى المعتزلة ـ هم عامة مفسري القرآن وشراح السنة، وقد جنى عليهم ابن تيمية، ووصفهم بعدم معرفة التوحيد، فمن حقِّهم علينا إنصافُهم، والدفاعُ عنهم.

وقد تكلم المؤلف عن هذه المسائل في هذا الفصل عبر ثلاثة مباحث، وهي على النحو الآتي:

المبحث الأول: حقيقة التوحيد عند عامَّة المتكلمين وموقفهم من شرك العبادة

         ذكر المؤلف في هذا المبحث مقدمة مهمة جدًا لفهم منهج الأشاعرة في الكلام عن التوحيد، ثم أثبت أن الفلاسفة الإسلاميين يعتقدون أن العلم الأرسطي الفلسفي قاعدة كلية وضرورة عقلية لا بد من الحكم بها على نصوص الشريعة. قال: “لقد أسس المنهج الفلسفي والكلامي لمذهب جديد في تفسير “التوحيد”، وسلك فيه مسلكًا خارجًا عن سبيل السلف الصالح ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة. هذا التمايز بين الفريقين أشار إليه إمام الشافعية في زمانه شيخ الإسلام أبو العباس أحمدُ بن عمر بن سُريجٍ البغداديُّ (ت: 306) بكلمةٍ جامعةٍ، فقال: “توحيد أهل العلم وجماعةِ المسلمين: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وتوحيد أهل الباطل من المسلمين: الخوضُ في الأَعراض والأجسام؛ وإنما بُعِثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بإنكار ذلك””([4]).

         ثم ذكر المؤلف مسلك ابن تيمية في الرد على أهل الكلام، فقال: “والمقصود هنا: أن ابن تيمية قد أدرك أنه لا يمكن مواجهة هذا التيار الجارف من البدع والانحرافات الاعتقادية والعلمية إلا بخوض غمار المواجهة الشاملة وإن اقتضت التطرُّقَ إلى تفاصيل مقالات الفلاسفة والمتكلمين، والكرَّ عليهم بأسلحتهم وأدواتهم. لهذا جاءت ردود ابن تيمية على المتكلمين نافذة إلى أعماق أصولهم وقواعدهم، كاشفة عن حقيقة اصطلاحاتهم ومقاصدهم، مع التفسير والتعليل، والبسط والتفصيل”([5])، فهذا ونحوه هو الذي أوجب على شيخ الإسلام صرف جُّل همه إلى الأصول، وأن يرد على مقالاتهم بالأجوبة العقلية والنقلية.

         أما فيما يتعلق بحكم ابن تيمية على المتكلمين بأنهم جاهلون بحقيقة التوحيد فإنه لا يمكن أن نعرف صوابه من خطئه إلا بالاطلاع المفصَّل على مفهوم التوحيد عند المتكلمين من مصادرهم الأصلية، وهو ما أراد المؤلف بحثه في هذا المبحث عبر المطالب الآتية:

المطلب الأول: كلام بعض أئمة المتكلمين في تفسير التوحيد:

         ذكر فيه المؤلف نماذج من كلام أئمة الماتريدية والأشاعرة في تعريف التوحيد؛ حيث بين أنهم أخرجوه عن مفهومه الأصلي، وهو: توحيد الله في العبادة والقصد والتوجه.

المطلب الثاني: توحيد العبادة عند المتكلمين من فروع الشريعة العملية لا من أصول الدين الاعتقادية:

         وقد بين فيه المؤلف أن المتكلمين جعلوا توحيد العبادة من أحكام الشريعة العملية الفرعية.

المطلب الثالث: تفسيرهم الإلهية بالربوبية:

         أثبت المؤلف في هذا المطلب أن أئمة الأشاعرة قد فسروا الإلهية بالربوبية، فنقل عن الواحدي (ت: 468)، والغزالي (ت: 505)، والسنوسي (ت: 895) قولهم في معنى الألوهية وأنه على معنى واحد عندهم وهو: استغناء الإله عن كل ما سواه، وافتقار كل ما عداه إليه.

المطلب الرابع: تفسير الإلهية بالقدرة على الاختراع:

         بين المؤلف في هذا المطلب الدقة البالغة التي عرف بها شيخ الإسلام في كلامه، وأنه يتجنب التعميم والإطلاق بغير حق مع مخالفيه، فنقل عن شيخ الإسلام قوله: “وليس المراد بالإله هو القادر على الاختراع، كما ظنَّه من ظنَّه من أئمة المتكلمين، حيث ظنَّ أن الإلهية هي القدرة على الاختراع”. فكلامه هذا صريح بأنه يقصد بعض المتكلمين، لا كلَّهم، فقوله: “من أئمة المتكلمين” يدلُّ على التبعيض؛ خلافًا لما زعمه العونيُّ”([6]).

         ورغم تحفُّظ ابن تيمية وتجنُّبه إطلاق الحكم على المتكلمين كلهم؛ فالذي يظهر من تقليب النظر في كتب المتكلمين أن تفسير الإلهية بالقدرة على الاختراع هو عقيدة عامَّة المتكلمين، لهذا فإننا نجد هذا التفسير ـ أيضًا ـ عند فخرهم الرازي (ت: 606)، وإمامهم السنوسي (ت: 895).

المطلب الخامس: استشكالهم إطلاق لفظ “الإله” على كل معبودٍ:  

         بين المؤلف أن معنى “الإله” واضح جليٌّ في لسان العرب واستعمالات القرآن وعُرف السلف والأئمة المتقدمين، فالإله هو المعبود، سواءً كان إلهًا حقًّا ـ وهو الله، لا إله إلا هو ـ، أم إلهًا وآلهةً باطلة: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62]؛ لكنَّ المتكلمين لما التزموا بمسلكهم في تفسير الإلهية أدَّى بهم ذلك إلى خطأ آخر، وهو استشكال إطلاق لفظ “الإله” أو وصف “الإلهية” على ما يعبده المشركون من الأصنام والأوثان، لأنها جمادات لا فعل لها ولا تأثير؛ فكيف توصف بالإلهية، والإلهية إنما هي عندهم: “القدرة على الاختراع”؟؛ لذلك ذكر المؤلف أن الرازي قد استشكل هذا المعنى، وبين أن الرازي مع أنه يثبت أن “الإله هو المعبود”، فقد أنكره في مواضع أخرى إنكارًا صريحًا، وردَّ على من قال: “إنَّ الإله هو المعبود”. ثم بين أن الرازي قد رجع في معنى “الإله” إلى قولهم الأول وهو: “القادر على الاختراع”([7]).

المطلب السادس: نفي الحكمة والتعليل:

         بين المؤلف أن من أهم أصول العقيدة الفلسفية الكلامية في الله تعالى؛ نفي الحكمة والتعليل في إرادته وخلقه وتدبيره، بدعوى أنها منتفية عنه سبحانه بضرورة العقل؛ لهذا لا يتصورون تعلَّق العبادة بذاته وأسمائه وصفاته، ولا بغاية خلق الجن والإنس، وإن كان إثبات حكمة خلقهم صريحًا في القرآن، لكنهم يتكلفون تأويله على غير وجهه.

المطلب السابع: طريقة المتكلمين في الحكم على الشرك في العبادة:

         يثبت المؤلف في هذا المطلب أن بعض أئمة المتكلمين صرَّحوا بالحكم على صرف العبادة لغير الله تعالى بالشرك والكفر الأكبر مطلقًا، وإن لم يكن معه اعتقاد الربوبية، أي أنهم أبطلوا النتيجة النهائية التي حاول العوني التوصل إليها من خلال سلوكه مسالك المتكلمين في مفهوم الألوهية والربوبية، فظنَّ أن الأخذ بأصولهم في تفسير الألوهية بالربوبية يُبطل الحكم بالشرك على جميع صور صرف العبادة لغير الله تعالى ما لم يقترن بها الإخلال باعتقاد توحيد الربوبية لله عزَّ وجلَّ، وقد ذكر المؤلف نصوصا عن: الرازي، والتفتازاني مع إفادة مهمة للمعلمي، والسنوسيُّ، ومحمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا.

         ثم ختم المؤلف هذا المبحث بقوله: نخلصُ من هذه النقولات الضافية من كتب المتكلمين، ومن الربط بين أصولها، والإشارة إلى مقاصدها؛ إلى أن الخلاف مع المتكلمين في معنى “الإله” في نفس الأمر، وفي حقيقة “العبادة”، وفي “التوحيد” وحقيقته كما بيَّنه الله تعالى في كتابه ودعا إليه رسوله الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد خالف المتكلمون منهج القرآن والسنة في هذه الأصول مخالفة كليَّة، وترتبت على ذلك نتائجُ علميَّة وعمليَّة خطيرةٌ، منها: جعل معنى التوحيد مقتصرًا على الإقرار بالربوبية والخالقية وتوحيد الذات والأفعال، ولزم من هذا إخراج توحيد العبادة العمليِّ من أصل مفهوم التوحيد، وجعله فرعًا مترتبًا عليه بحكم الشريعة.

ومنها: جعل التوحيد ـ بمفهوم المتكلمين ـ هو أول واجب على المكلَّف، واشتراط النظر والاستدلال عليه.

ومنها: إغفال حقيقة دعوة الرسل عليهم الصَّلاة والسَّلام ومنهجهم في إصلاح عقائد الناس وعباداتهم.

ومنها: أن عقيدة هؤلاء المتكلمين الذين فسَّروا التوحيد بالربوبية والخالقية كانت من أهم أسباب انتشار شرك العبادة بين المنتسبين إلى الإسلام.

جميع ما تقدَّم: يدلُّ دلالة قاطعة على صحة تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية لحقيقة التوحيد، وصحة بيانه لأصل انحراف المتكلمين فيه، وصحة حكمه عليهم بأنهم لم يعرفوا حقيقة التوحيد بمعناه القرآني والسنيِّ الصحيح([8]).

المبحث الثاني: لماذا ابن تيمية؟

ذكر المؤلف في هذا المبحث ثلاثة مطالب، وهي:

المطلب الأول: ابن تيمية إمام حجة في نقل العقائد ومقالات الفرق ومعرفة مقاصدها:

         في هذا المطلب بين المؤلف أن تحقيق معنى “التوحيد” وتحديد مفهومه ومراد الله تعالى منه في كتابه، ومراد الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم منه في دعوته من المسائل الاعتقادية الأصلية الكبرى، وليست من المسائل الفرعية أو الدقيقة الغامضة؛ لهذا فرميُ العوني فيها لشيخ الإسلام بالخطأ والغلط والتحامل وعدم الإنصاف للمتكلمين إنما هو طعن صريح في علمه رحمه الله، وفي عقله وفهمه، وفي عدله وإنصافه.

         وقد ساق المؤلف في هذا المطلب جملة من أقوال العلماء في بيان جوانب التميُّز في شخصية شيخ الإسلام رحمه الله العلمية، ومعرفته التامَّة بمقولات الفرق ومقاصدها تأصيلًا وتفريعًا، ودقته في استحضارها ونقلها إجمالًا وتفصيلًا، وقد شهد بهذا جماعة من الذين لقوه وجالسوه وخبروا حاله، منهم:

– الإمام الفقيه ابن دقيق العيد (ت: 702).

– شيخ الشافعية في زمانه العلامة الصدر ابن الوكيل (ت: 716).

– العلامة البارع ابن سيِّد الناس الأندلسيُّ الشافعيُّ (ت: 734).

– العلامة الفقيه ابن الزملكاني الشافعي (ت: 749).

– المؤرخ الأديب خليل بن أَيبك الصفدي (ت: 764).

         ثم ذكر المؤلف بعد هذه النقول من كلام أهل العلم أنَّ مَن لم يتأن في نقد ابن تيمية “سيقع في أمرين قبيحين: أولهما: الغلط على ابن تيمية والبغي عليه بغير حقٍّ. ثانيهما: أنه يجعل نفسه أضحوكة عند أهل العلم والعدل والإنصاف؛ لتهجُّمه على مسائلَ لا يُحكِمُ العلمَ بأصولها وقواعدها ومقاصد أهلها”([9]).

المطلب الثاني: الحضور العلمي والدعوي لابن تيمية في العصر الحديث:

استطرد المؤلف في هذا المطلب في الكلام عن ظاهرة الحضور العلمي لشيخ الإسلام في عصرنا الحاضر وبيَّن أسبابه، ومنها: المكانة الرفيعة لابن تيمية في الإمامة الدينية والعلمية.

ومنها: أن ابن تيمية لم يكتف بتقرير عقيدة السَّلف، وبيان منهاج القرآن والسنة؛ بل قرن ذلك بالردِّ المفصَّل على كل ما خالف تلك العقيدة وذلك المنهاج من مقولات الفلاسفة والمتكلمين وعلى رأسهم الأشاعرة، وتميَّز ـ مع البسط والتفصيل ـ بالشجاعة العلمية، فتجرَّأ عليهم حالَ انتشار مذاهبهم، وقوة أتباعهم، وتكاثر شبهاتهم، وانتصار الدولة لهم.

ومنها: أن انتشار كتب ابن تيمية بالطباعة الحديثة يسَّر لأهل العلم وطلابه الاطلاع على علومه وآرائه، والاستفادة منها في مؤلفاتهم وأبحاثهم، ووجدوا في تحقيقات ابن تيمية وأبحاثه الواسعة المحرَّرة في أصول الدين وفروعه مادَّة علمية زاخرة، تغنيهم عن مراجعة عشرات بل مئات الكتب.

تلك هي الأسباب التي أوجبتْ ـ بفضل الله تعالى وتأييده ـ حضوره العلمي والفكري في عصرنا، وهي الأسباب التي تجعل أهل السنة المعاصرين وغيرهم يرجعون إلى تحريراته وكتاباته، فالرجوع إليه ليس لمجرد التعصب له، أو لتقليده.

المطلب الثالث: لماذا يفزع دعاة الضلالة من جمع كلام العلماء في التوحيد؟!

         خصص المؤلف هذا المطلب للرد على سؤال الدكتور حاتم الذي يقول فيه: “إذن ما معنى الدراسات الكثيرة التي ملؤوا بها الدنيا عن عقيدة فلان وفلان مستخرجين لها من كتبهم في التفسير والشرح والفقه، بل حتى كتب الأدب واللغة؟”، يقصد بذلك الكتب التي عُنيت بإبراز جهود علماء الأمة على اختلاف مذاهبهم وتباعد ديارهم في تعظيم التوحيد ومكافحة مظاهر الشرك والوثنية التي انتشرت في بلاد المسلمين.

         وذكر المؤلف أن في جمع كلام العلماء في توحيد العبادة فوائد عظيمة، علمية ودعوية وإصلاحية، منها:

أولًا: بيان أن الإقرار بهذا الحكم أمرٌ مشترك بين جميع علماء الأمة على اختلاف فرقهم ومذاهبهم وأعصارهم وأمصارهم، لا يخالفهم فيه ـ مخالفة أصلية ـ إلا الفرق الباطنية من الذين ينتسبون إلى الإسلام زورًا وبهتانًا.

ثانيًا: إظهار أن أئمة الدعوة الإصلاحية السلفية من شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الإمام المجدد محمد بن عبد الوهَّاب رحمهما الله لم ينفردوا عن سائر الأئمة والعلماء في باب توحيد العبادة ونفي الشرك، وإنما تميَّزوا ـ هم وأتباعهم ـ بقوة اهتمامهم بهذا الأمر، وببذلهم جهودًا عظيمة في تقريره وبيانه والدعوة إليه والرد على الضالين فيه.

ثالثًا: أن في جمع نصوص أولئك الفقهاء الدالة على تعظيم توحيد العبادة وإنكار الشرك وصوره؛ دعوة حكيمة لعوام المسلمين الذين يثقون في أولئك الفقهاء، ويعظمونهم، ويقلدونهم.

رابعًا: أن جمع تلك النصوص الكثيرة، وتوثيقها وتصنيفها، وجعلها في متناول أيدي القراء؛ يضيف إلى دعوة التوحيد ومكافحة الشرك قوةً في حجتها، وتأثيرًا في حضورها.

المبحث الثالث: بطلان وصف علماء الشريعة بالمتكلمين

المطلب الأول: مغالطة العوني في إطلاق وصف المتكلمين على علماء الشريعة:

بين المؤلف في هذا المطلب خطأ قول العوني: “من الضروري أن أبيِّن خطأ ابن تيمية فيما نسبه إلى المتكلمين، وهذا من باب إنصاف علماء المسلمين، لا ننسى أن المتكلمين هم عامة مفسري القرآن وشراح السنة، من الأشاعرة والماتريدية وحتى المعتزلة” وقد تضمن كلامه هذا إطلاقين باطلين: “الأول: وصف عامة المفسرين والفقهاء بلقب: “المتكلمين”. الثاني: وصف من ذكر أسماءهم على وجه الخصوص بهذا اللقب أيضًا، مع أن أكثرهم ليسوا من “المتكلمين” بل هم من “علماء الشريعة”، أعني: من المفسرين والمحدثين والفقهاء والقضاة، ولم يُعرفوا بالتخصص في “علم الكلام” أو الاشتغال به”([10]).

         ثم بين الفرق بين (المتكلم) و(الأشعري)؛ حيث قال: “(المتكلم) هو صاحب علم وفنٍّ وصنعة وتخصص بـ: “علم الكلام”، وأما (الأشعريُّ) فهو من اعتقد العقيدة الأشعرية، سواء كان متكلِّمًا أو محدِّثًا أو فقيهًا، أو حتى عاميًّا من عوام المسلمين، تلقى العقيدة الأشعرية بالتلقين والتفهيم أو بمجرد التقليد والوراثة”([11]).

المطلب الثاني: مواقف علماء الشريعة من علم الكلام وأهله:

         ذكر المؤلف في هذا المطلب أن “علماء الشريعة” قد أدركوا أن ما يسمى بـ(علم الكلام) قد بثَّ في الأمة شرًّا عظيمًا؛ فقد حوَّل العقائد الإسلامية إلى مادةٍ للجدل والشُّكوك والخصومات، وأدخل على علماء الكلام أنفسِهم ـ وكذلك على كثيرٍ من عوامِّ المسلمين ـ قلقًا وحيرةً واضطرابًا، وفتحَ المجال واسعًا أمام الفرق الضالة لتشكيك المسلمين في مسلَّمات عقيدتهم وشريعتهم، وإشغالهم عمَّا يجب عليهم من حق العبودية لله تعالى والانقياد للشريعة والعمل الصالح النافع لهم في دنياهم وأخراهم، لذلك ذكر المؤلف من تصدى من أهل العلم لعلم الكلام، وجعلهم على ثلاثة مراتب بحسب القوة والضعف:

المرتبة الأولى: هي المرتبة العُليا للعلماء الذين أدركوا مفاسد “علم الكلام” وأضراره على عقائد المسلمين وتدينهم إدراكًا مفصَّلًا، وعرفوا أصوله وقواعده ومقولات أهله معرفةً تامَّةً، وعلموا بما يجبُ عليهم نصرةً لمنهاج القرآن والنبوة، فانتصبوا لإبطال أصول المتكلمين الفاسدة، والرد على عقائدهم ومقولاتهم بأدلة القرآن والسنة من جهة، وبطرقهم العقلية من جهة أخرى، وتحذير خاصة المسلمين وعامتهم من انحرافاتهم وضلالاتهم تفصيلًا لا أجمالًا، ومن أشهر من يمكن ذكره في هذه المرتبة:

– ابن تيمية.

– ابن القيم. وغيرهم.

المرتبة الثانية: هي المرتبة الوسطى، وهي للعلماء الذين أدركوا مفاسد “علم الكلام” وانحرافه عن منهاج السلف الصالح، فتصدوا له بذم علمائه ودعاته، والتحذير من مقولاتهم وكتبهم، ونهي طلاب العلم وعامة المسلمين من الأخذ عنهم، ومن أشهر من يمكن ذكره في هذه المرتبة:

– ابن خُوَيْز مَنْداد (ت: 390 تقريبًا).

– أبو العباس ابن سريج الشافعي (ت: 306).

المرتبة الثالثة: مرتبة الفقهاء الذين كانت معرفتهم بمفاسد الكلام وأضراره معرفةً مجملةً، فتجنَّبوه وابتعدوا عنه، وحذروا منه تحذيرًا مجملًا، وربَّما رخَّصوا في الأخذ بالطريقة الكلامية عند الاضطرار للرد على أهل الإلحاد والزيغ، ومن أشهر من يمكن ذكره في هذه المرتبة:

– الفقيه الشافعي العلامة النووي (ت: 676).

         ثم هاهنا صنفٌ آخر من علماء الشريعة؛ وهم الذين حسَّنوا الظنَّ في المتكلمين، واقتبسوا من علومهم، وإن لم يتفرغوا لدراسة أصولها، والتخصص في فنونها، والتبحر فيها، لكنهم دافعوا عن علم الكلام وأهله، وأثنوا عليه وعليهم، واستحسنوا طريقتهم، بالنظر إلى جهودهم وآثارهم في الرد على الملاحدة والزنادقة والرافضة والمعتزلة، ومن أشهر من يمكن ذكره في هذه المرتبة:

– ابن عساكر (ت: 571).

– ابنه: القاسم (ت: 600).

– أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي (684).

المطلب الثالث: نماذج من مواقف علماء الشريعة من علم الكلام وأهله:

         ذكر المؤلف هنا السبب وراء الانتشار الواسع لمقولات الأشاعرة في كتب التفسير وشروح السنة والفقه وأصوله، “فإن “المذهب الأشعري” صار ـ من غير دستور أو قانون مكتوب ـ مذهبًا رسميًّا للدولة، “بحيث نُسي غيره من المذاهب”، فصار يربَّى عليه الصغير، ويعتزُّ به الكبير، ويحرص على تلقيه المتفقهة حتى لا يحرموا من الوظائف بعد أن صارت أكثر المدارس والأوقاف في يد الأشاعرة”.

         ثم ذكر المؤلف أن انتشار المذهب الأشعري ونفوذ أهله قد أورثهم غرورًا بالغًا “فظنُّوا أن الأخذ بعقائدهم الكلامية أمرٌ مسلَّم به ـ أو يجب أن يكون كذلك ـ عند جميع الفقهاء، حتى بلغ الحال بابن السبكي (ت: 771) إلى جعل هذا الوهم قاعدة في إبطال التعصب المذهبي في الفروع بين أتباع المذاهب الفقهية الأربعة، إذ لِمَ التنافرُ بينهم في الفروع والجميع متَّفق في أصل الاعتقاد على مذهب واحد؟”([12]).

ثم ذَكَر بعد هذه المقدمة نماذج من كلام الفقهاء ومواقفهم من علم الكلام وأهله، ومنهم:

(1) أبو سليمان الخطَّابيُّ (ت: 388).

(2) أبو العباس القرطبي (ت: 656).

(3) أبو عبد الله القرطبي (ت: 671).

(4) محيي الدين النوويُّ (ت: 676).

(5) جلال الدين السيوطي (ت: 911).

المطلب الرابع: تتمة في ردِّ مغالطات العوني:

         أثبت المؤلف في هذا المطلب بأدلة واضحة التفريق بين لقب (المتكلمين) ووصف (الأشعرية)، وبين أنه لم ينكر على العوني وصف أولئك الفقهاء بالأشعرية، بل أنكر عليه تلقيبهم بالمتكلمين. وبين المؤلف أن العلماء قد طبَّقوا هذا التفريق في مسألة علمية من مسائل الفقه؛ “وهي مسألة الوصية، فاختلفوا في دخول المتكلم في “الوصية” للعلماء، إذ المتبادر من هذا الوصف “علماء الشريعة” لا “أهل الكلام””([13]).

         وقد نقل المؤلف في “ذمِّ الكلام وأهله” عن محمد بن يوسف السنوسي نقلًا نفيسًا جدًا ـ وهو من أئمة الأشاعرة ـ يكشف بوضوح عن الشطط الذي أصاب بعض أئمة المتكلمين، الذي يتفاخر بهم الأشاعرة المعاصرون، ويبالغون في تعظيمهم.

الفصل الثالث: بيان غلط حاتم العوني في فهم ما ورد في القرآن الكريم من نفي قوم إبراهيم صلَّى الله عليه وسلَّم السَّمع والنفع والضرَّ عن الأصنام

ذكر المؤلف في هذا الفصل ثلاثة مباحث، وهي على النحو الآتي:

المبحث الأول: الفهم الصحيح لدلالة آيات سورة الشعراء عند علماء التفسير

         ذكر المؤلف في هذا المبحث آيات سورة الشعراء وتحدث عنها، وهي قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)} [الشعراء: 69 – 74]. تكلم المؤلف عن هذه الآيات في مطلبين، وهما:

المطلب الأول: خلاصة تفسير الآيات:

         بين المؤلف في هذا المطلب أن المفهوم من هذا الحوار ونتيجته أن قوم إبراهيم أقرُّوا بأنَّ أصنامهم لا تسمع ولا تنفع ولا تضرُّ، ولكنهم تمادوا في عبادتها بدافع التقليد للآباء، فكان الخلافُ بين إبراهيم وبين قومه في صرف العبادة لها بأي اعتقادٍ كان، ومهما كانت البواعث والمسوِّغات ولو بغير اعتقاد شيءٍ من صفات الربوبية ـ كالسمع والنفع والضر وغيرها ـ في ذلك الغير. فدلَّنا الحقُّ سبحانه بهذا على أن للشرك دوافع وبواعث متعددة ومختلفة، وأن الشرك لا ينقطع بمجرد إبطاله بالحجة العقلية، بل تبقى بواعث النشأة والتربية والتقليد والأهواء والمصالح ـ وغيرها كثير ـ حيَّةً فاعلةً ومؤثرةً.

المطلب الثاني: أقوال المفسرين في مفهوم جواب قوم إبراهيم صلَّى الله عليه وسلَّم:

         ساق المؤلف في هذا المطلب أقوال المفسرين في تفسيرهم لآيات الشعراء، فنقل من أكثر من 24 تفسيرا ثم قال: “وقد نظرت في مئة تفسيرٍ فلم أجد من صرَّح بعكس هذا القول؛ فلا أرى حرجًا في الجزم بإجماع المفسرين ـ متقدميهم ومتأخريهم ـ على هذا التفسير [أي: التفسير الذي سبق نقله في المطلب الأول]”([14]).

المبحث الثاني: شبهات حاتم العوني على المفهوم الصحيح للآية والجواب عليها

المطلب الأول: عرض شبهات المردودعليه:

         في هذا المطلب رد المؤلف على شبهات العوني في تفسيره لهذه الآيات حيث زعم “أنَّ قوم إبراهيم عليه السَّلام كانوا يعتقدون في أصنامهم السَّمع والنَّفع والضر لكنهم حادوا عن الجواب، وغيَّروا الموضوع إلى ذكر تقليد الآباء. هكذا زعم العونيُّ مخالفًا ما اتَّفق عليه العلماء قديمًا وحديثًا، وأورد في تأييد زعمه هذه الشبهات”، وقد أوردها المؤلف، وهي إجمالا في الآتي:

الشبهة الأولى: أنه من الممتنع عقلًا أن يعبد عاقلٌ صنمًا أو وثنًا دون أن يعتقد فيه السمع والنفع والضرَّ.

الشبهة الثانية: أن الإنسان لا يفعل شيئًا إلا لجلب منفعة أو دفع مضرة، فهل يعقل أن المشركين عبدوا الأصنام بدون هذا الدافع وهم يموتون من أجلها، ويدفعون الغالي والنفيس، ثم هم يتصورون أنها جمادات لا تضر ولا تنفع؟

الشبهة الثالثة: أن الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تفرَّد بالقول بأنهم أجابوا بنفي السمع والنفع والضر عنها.

الشبهة الرابعة: ذكر العونيُّ أن فهمَه هو مقتضى دلالة “بل” في هذا السياق، وأورد في ذلك أقوال بعض المفسرين، وحمَّلها ما لا تحتمل، وبتر أحدها.

فهذه أربع شبهاتٍ أوردها العونيُّ في الاحتجاج لرأيه المبتدَع الذي استحدثه، ولا يوجد له أصلٌ عند المفسرين بحسب مؤلف الكتاب([15]).

المطلب الثاني: الرد على شبهات حاتم العوني:

         في هذا المطلب رد المؤلف على جميع الشبهات التي سبق عرضها وناقشها.

المبحث الثالث: بواعث الشرك في العبادة

         هذا المبحث خصه المؤلف في الرد على شبهة يذكرها العوني، وهي: “أن شرك العبادة لا يكون إلا بإخلال بالربوبية”، وقد تناول المؤلف ادعاءه هذا في ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: من بواعث الشرك في العبادة:

         أثبت المؤلف هنا أن بواعث الشرك في العبادة كثيرة جدًا، ذكر منها:

1- اعتقادُ الربوبية في المعبود.

2- اتخاذ المعبود وسيلةً وشفيعًا عند الربِّ، من غير اعتقاد الربوبية فيه.

3- تقليد الآباء والأجداد.

4- الاعتزاز بميراث الآباء، والتعصب للقبيلة والعشيرة، والكبرياء والأنفة عن التنازل عن الأعراف والعوائد، وحرص الرؤساء والمتبوعين على دوام المكاسب الدنيوية التي تحصَّلت لهم بالدين الباطل.

5- مجاملة العشير، وطلب المنافع العاجلة، والإشفاق من التفرق والاختلاف.

6- اتِّباع الهوى.

7- الألفة والمحبة والميل النفسيُّ ميلًا جامحًا حتى يبلغ حدَّ العبادة.

8- الحيرةُ والقلقُ والاضطراب النفسي.

9- المزاج النفسيُّ والفضول وحبُّ التنقل والتجربة، وهذا أخصُّ مما ذُكر في الفقرة السابقة.

المطلب الثاني: بواعثُ الشرك عند العرب في جاهليتها:

         هذا المطلب ملخص من كتاب “الأصنام” لأبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت: 204) في الأسباب التي حملت أهل الجاهلية على الشرك.

المطلب الثالث: بواعث العبادة عند الفخر الرازي:

         ساق المؤلف في هذا المطلب كلاما عن الرازي في عدم انحصار الشرك في اعتقاد الروبية، يقول المؤلف: “في هذه الوجوه التي ذكرها الرازي دليلٌ قاطعٌ على عدم انحصار الشرك في صورة واحدة ـ وهي اعتقاد الربوبية أو بعض خصائصها أو الإخلال بها ـ، أما مناقشة تفاصيل ما ذكره الرازيُّ فخارجة عن مقصود هذا البحث”([16]).

خاتمة:

مما سبق يتبين أن المؤلف حفظه الله قد بين في هذا الكتاب:

1) حقيقة العبادة في الكتاب والسنة.

2) انحرافات المتكلمين والفلاسفة في هذا الباب.

3) بيان أن ردود ابن تيمية كانت نافذة إلى أعماق أصول أهل الكلام وقواعدهم، كاشفة عن حقيقة اصطلاحاتهم ومقاصدهم.

4) بيان أخطاء الدكتور حاتم العوني في هذه القضايا التي تناولها الكتاب.

وصلَّى الله وسلَّم على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1])  (ص: 51).

([2])  (ص: 71).

([3])  (ص: 71).

([4])  (ص: 75).

([5])  (ص: 76).

([6])  (ص: 87).

([7]) ينظر: هذا الكتاب المعرَّف به (ص: 93).

([8]) ينظر: هذا الكتاب المعرَّف به (ص: 112-117).

([9])  (ص: 120).

([10])  (ص: 139).

([11])  (ص: 140).

([12])  (ص: 155).

([13])  (ص: 180).

([14])  (ص: 194).

([15]) ينظر: هذا الكتاب المعرَّف به (ص: 195- 196).

([16])  (ص: 227).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017