بَعث القبورية، والاستراتيجيات السياسية
١/ ٢
يلحظ المتابع أن هناك عملاً جاداً لتنشيط بِدَع القبوريين المخالفة للإسلام الصحيح ، من بناء المساجد على القبور ، ودعاء المقبورين من دون الله تعالى ، وتلفيق الذرائع والتأويلات لهذه البدع المحرمة لإقناع الناس أنها من الدين، فما هو سبب هذا النشاط الجديد ؟
هذا ما سوف أحاول الوصول إليه في هذا المقال .
وأبدأ أولاً بالقول: إن بدعة بناء الأضرحة وتقديسها ظلت ضئيلة الانتشار بين أهل السنة والجماعة حتى نهاية القرن السادس الهجري ، وقليل من الأضرحة بناه أهل السنة قبل ذلك ، والغالب على هذا القليل أنها أضرحة لم تُبْنَ للتقديس وإنما للحزن على المفقود ، كشأن خطوات الشيطان دائماً تبدأ بقصد حسن لتسير بأهلها في طريق مخالفة الشرع الحنيف مثل الضريح الذي بنته أم الخليفة المنتصر لولدها في سامرا سنة٢٨٤ فإنه لم يُبْنَ للتقديس ، وإنما بُنِي لإظهار الحزن ،وبالرغم من أن الدولة العباسية دامت بعد ذلك أربعة قرون وأن الضريح ضم اثنين من خلفاء بني العباس بعد ذلك إلا أنه لم يصبح مقدساً عند أهل السنة ولا عند خلفاء بني العباس.
وأما الذين بدأوا بهذه البدعة وعملوا على نشرها بين المسلمين ، فهم السياسيون من أتباع المذاهب الباطنية التي تزعم الانتساب للتشيع لآل البيت ، فالقرامطة والبويهيون والحمدانيون أول من بدأ ببناء الأضرحة كمزارات مقدسة أبرزها الضريح المنسوب إلى علي بن أبي طالب والذي أُنشئ بعد ثلاثمائة سنة من استشهاده رضي الله عنه دون أي رواية مسندة تعضد سبب اختيار هذا الموقع ، مع أن أبناءه وأحفاده ، بل وأحفاد أحفاده لم يزعموا هذا الزعم ، وذكر الخطيب البغدادي أن الضريح المنسوب لعلي بن أبي طالب إنما هو قبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما ؛ لكن الدافع السياسي وراء إنشاء الأضرحة لا يُبالي بدقة المعلومة ؛ ويمكن اختصار الدافع السياسي لمثل هذا العمل باستقطاب العناصر الشيعية من أبناء الدولة لمناصرتها ، خاصة وأن عدداً من هذه المزارات تنشؤها الدُول بعد ضعفها ، كما حصل مَن نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني[ت٣٣٠]الذي نُصِّب وعمره ثمان سنوات وأحاط به مربون وأوصياء باطنيون أرادوا استغلال فترة حكمه في نشر مذهبهم فأنشأوا باسمه عدداً من الأضرحة ، وهو غير نصر بن أحمد بن أسد الساماني فذلك رجل صالح فيما ذكر المؤرخون [ت٢٧٠]
وكما فعل العُبيديون في إنشاء ضريح للحسين سنة ٥٥٠ أي بعد خمسمائة سنة من موته، لَمَّا ضعفت دولتهم لاجتذاب قلوب المصريين المحبين لآل البيت ،مع أنه لايوجد في ذلك المكان أي أثر للحسين رضي الله عنه ؛ بل الأمر محض كذب وافتراء ، لكنهم زعموا للجهلة أن بطن الأرض للأولياء مثل البحر للسمك ، وأن الحسين سبح في باطن الأرض كما تسبح السمكة في البحر إلى أن استقر في هذا المكان .
وبعد سقوط الدولة الفاطمية تكالب كثير من دعاة المذهب الباطني إلى مصر مُدَّعين الولاية وحقيقة عملهم تكرار الطريقة التي نشأت بها الدولة الفاطمية في المغرب حيث كان الدعاة الباطنيون برئاسة أبي عبد الله الشيعي [ت ٢٩٨]هم من رَوَّج لقدوم المهدي إلى المغرب واستقطبوا أكبر قبائله -قبيلة كُتَامة- للقضاء على جميع الدول السنية في المغرب ، ثم في مصر والشام ؛ فقدم لمصر لهذا الغرض أمثال أبي الفتح الواسطي [ت٦٣٢]وأبي الحسن الشاذلي [ت٦٥٦]وأحمد البدوي [ت٦٧٥]وإبراهيم الدسوقي [ت٦٩٦] وغيرهم ؛ لكنهم رغم كثرتهم لم ينجحوا في إعادة الدولة الفاطمية أو إنشاء أي دولة باطنية في مصر ، وذلك لاختلاف الظروف عما كانت عليه زمن نشأة الفاطميين في المغرب ؛ لكنهم نجحوا في التغلغل داخل المجتمع السني وإظهار أنفسهم كصوفية مستغلين الجهل الشديد الذي صنعه وخلَّفَه الحكم الفاطمي لمصر مدة قاربت الثلاثمائة عام في نشر الخرافات بين المصريين والغلو في أصحاب القبور واستغلال فكرة الكرامة في ملء سِيَر من يزعمون لهم الولاية بدعاوى الكرامات ،حتى لم يعد هناك فرق بين التصوف والمذهب الباطني المنسوب للتشيع إلا عند المُحَدِّثِين والفقهاء الذين لولا وجودهم في الدولة المملوكية لضاعت معالم الدين بالكلية ، لأن المماليك دعموا هذا التصوف الغالي ولاسيما في القبور لأمور عدة ،منها :جهلهم بالدين فهم في بداية الأمر لقطاء تَمَّ جلبهم ظلما وقسراً وعدوانا من بلادهم لدعم أواخر الحكام الأيوبيين ثم استولوا على السلطة وتَحَمَّسَ كثيرٌ منهم للإسلام ، ولهم إنجازات تذكر وتشكر ؛ولكن بقي الغالب عليهم الجهل بأحكام الدين.
ومنها أيضا : اعتماد سياسة صرف سكان البلاد ليس عن الشأن السياسي أو الإداري والمالي وحسب ؛ بل صرف الناس عن كل شيء حتى عن أنفسهم ، وذلك باستغلال الفكر القبوري، الذي إضافةً إلى جبريته يلغي مسؤولية الإنسان عن نفسه ويجعلها في يد المقبور أو سادن القبر أو شيخ الطريقة ، وبذلك يتكون مجتمع خانع ذليل لديه قابلية أو قل : ترحيب بوقوع الظلم عليه واستمراء له ، إضافة إلى ما تُدِرُّه الطُّرُقية من أموال للسدنة وشيوخ الطرق ، الأمر الذي جعل قبور الأولياء المزعومين في العالم الإسلامي كله أكثر من عدد القرى والمدن ، ويُمكن اعتبار صاحب القبر وَلِيا أو شخصية تاريخية تستحق التبرك بها بمجرد ادعاء أحدهم أنه رأى أن هذا قبر النبي فلان أو الصحابي فلان ، ولذلك تكرر وجود أضرحة لشخصية واحدة في أماكن عدة كالحسين رضي الله عنه باسمه قرابة عشرة أضرحة والسيدتان نفيسة ورقية باسمهما أكثر من ضريح ، وهكذا ، ولم تقتصر الأضرحة على مكان الدفن بل لو نُسجت قصة بأن الصحابي فلان مر بهذا المكان فالأمر كاف لبناء مسجد فيه مقام يعبد من دون الله .
وكما قلت كان الحكام والغزاة يجدون فائدة سياسية ومادية ،فسدنة القبور لهم قدرتهم على تطويع الناس للحاكم وصرفهم التام عن كل مشاكله.
وهذا يفسر بشكل واضح خضوع العرب التام في مصر والشام لمجموعات من المماليك قرابة الخمسة قرون مع أن ذلك مخالف للإباء العربي ، لكن خضوع العرب هناك باسم الدين لسدنة القبور هو السر في خضوعهم لمجموعات العبيد تلك المدة الطويلة ، وكذلك هو السبب في ضرب تلك الدول بقوة شديدة كلَّ من يحاول تطهير الدين من عبادة القبور ، فمثلاً: ابنُ تيمية رحمه الله تغاضت دولة المماليك عنه رغم النزاع بينه وبين العلماء وحُكْمِ قاضي المالكية بكفره وقَتْلِه ،ومع هذا كان ابن تيمية يُسجن عدة مرات ويخرج ، وربما كانت الدولة تستثمر النزاع بينه وبين العلماء ؛ لكن حين افتى الشيخ بحرمة شد الرحال إلى المقابر اعتبروه قد تجاوز الحد وتم سجنه حتى مات ، وكان في سجنائه السابقة ربما فَرِح بالسجن لأنه يخلو فيه إلى الكتابة والاطلاع ؛ لكنَّ سَجْنَتَه الأخيرة بسبب حديثه عن حرمة شد الرحال للقبور مُنِع من الكتابة حتى على الجدران باستخدام الفحم إلى أن مات .
كما يفسر قمع الدولة العثمانية لحركات كلٍ من الشيخ البركوي[ت٩٨١] وقاضي زادة[ت١٠٤٥] وغيرهم ؛ وهو السبب الدقيق للحملة العثمانية على الدولة السعودية الأولى ،فسدنة الأضرحة وشيوخ الطرق كان الواحد منهم بمثابة جيش للدولة ، لذلك كان تنبيه أي عالم إلى خطرهم على الدين بمثابة العدوان على الدولة .
ولهذا أيضا لَمَّا قضى علي بك الكبير[ت١١٨٧]على همام الهواري [ت١١٨٣] وأراد استرضاء المصريين وتسكين غضبهم ليتفرغ للخروج على الدولة العثمانية قام بوقف المزارع العظيمة على قبر أحمد البدوي وبنى عليه المسجد الكبير الذي هو موجود اليوم ؛ مع أن عليا هذا ليس متديناً أصلاً ، ويُشكك بعض الباحثين في إسلامه كونَه ابنا لقسيس نصراني من جورجيا .
ويُشابهه في ضعف التدين الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا الذي تقمص في حياته الشخصية الفرنسية وأراد أن تكون مصر قطعة من أوروبا في كل شيء ، ومع ذلك بنى مسجداً على ضريح لص محتال يُزعم له الولاية ،وأوقف على هذا المسجد أربعمائة فدان ، وأصبح القبر والمسجد مزارين للخرافيين يسمى ضريح الشيخ صالح أبي حديد !.
إذن فدعم الفكر القبوري في جميع العالم الإسلامي استراتيجية سياسية بدأت بها الدعوة الباطنية ثم أقتنعت بها القوى السياسية التي ليس لها مؤهلات للبقاء ، واعتمدت عليها في إخضاع الشعوب طيلة التاريخ السياسي للمسلمين.
بَعث القبورية والاستراتيجيات السياسية ، لماذا؟
٢/٢
يلاحظ قارئ التاريخ أنه من بداية انتشار القبورية على يد الباطنية أولاً ثم تلقفها عنهم الصوفية ، والعالم الإسلامي أصبح نهباً لأي قوة غاشمة تريد اجتياحه ففي عام ٤٩٢هـ وهو زمن الحكم الفاطمي في مصر والصراع السلجوقي في الشام استطاع الصليبيون اجتياح قلب العالم الإسلامي من إنطاكيا وحتى الرملة ومن سواحل الشام حتى مدينة الرها في أقل من عام ودون مصاعب تذكر ، ومع بداية القرن السادس الهجري استطاع المغول السيطرة على المشرق الإسلامي كله حتى أسقطوا عاصمة الخلافة عام ٦٥٦هـ ولولا أن الله تعالى أنقذ الأمة بوعي الفقهاء والمحدثين في مصر لربما اجتاح المغول البلاد حتى الوصول إلى المحيط الأطلسي ؛ وفي مطلع العصر الحديث اجتاح الاحتلال الإنجليزي والفرنسي كامل العالم الإسلامي باستثناء السعودية وشمال اليمن دون مقاومة تذكر .
هذا الاقتران بين الأمرين يدلك على أن شيوع بِدَع القبورية تُشَكِّل عاملاً قوياً من عوامل انهزام العالم الإسلامي وخضوعه.
وهذا الأمر قد عرفه المستعمرون ، فعملوا على دعم القبورية ممثلة في الطُّرق الصوفية ، ويكاد يكون هذا الأمر قد أصبح من المعلوم لدى جميع الباحثين لذلك لن نُطيل الحديث فيه ، لكننا نُشير لمن يرغب التزود بعدد من الحقائق في ذلك إلى كتاب “التصوف الإسلامي” لزكي مبارك ، وكتاب “الصوفية والوجه الآخر” للدكتور محمد جميل غازي ليصل إلى نتيجة هي أن القبورية كانت ذراعاً عظيم النفع والتأثير من أذرعة ما يُسمى بالاستعمار .
وفي وقتنا الراهن نجد أن الصفويين الحاكمين في إيران يبنون استراتيجيتهم التوسعية على هذه الحقيقة ، ولذلك فإن دولة الملالي هناك تحارب الطرق الصوفية الشيعية ليس لأن الملالي لا تؤمن بشرك القبور ، وإنما لأن الصوفيين الشيعة يؤمنون بشيخ الطريقة ولا يؤمنون بالولي الفقيه ، فمرجعية الصوفي الشيعي هي إلى شيخ الطريقة وليست للفقهاء وهذا يمثل إضعافاً لسلطتها ، لذلك يحدث بين الفينة والأخرى اعتداءات من الحرس الثوري وأجهزة الأمن على الخانقاءت الصوفية والتي تسمى عند الصوفية العرب الزوايا ، لذلك وهذا أمر مهم أن نعرفه :أن أكثر مشايخ الطرق الصوفية الإيرانيين لاجئون في أوروبا بسبب خوفهم من النظام الصفوي الذي يفتي بكفرهم ، فالحر العاملي[ت١١٠٤]مؤسس نظرية الولي الفقيه له رسالة بعنوان:”التحفة الإثني عشرية في كفر الصوفية”وهناك فتوى رسمية معاصرة لآيتهم فاضل النكراني بتحريم حضور مجالس الذكر الصوفية.
ومع هذا الحذر الشديد من انتشار التصوف الشيعي داخل إيران ، إلا أن الإيرانيين يجدون أن بوابتهم التوسعية في العالم الإسلامي لن تكون إلا عن طريق القبوريين ، وكما أن القبورية دخلت على أهل السنة من طريق الشيعة الباطنية ، فالأمر في هذا التاريخ ينعكس ليدخل التشيع الباطني من طريق الصوفية .
فما إن سقط الرئيس حسني مبارك رحمه الله، وكان بالرغم من كل شيء جبلاً في مواجهة المشروع الإيراني حتى شكلت اثنتا عشرة طريقة صوفية وفداً إلى إيران بالرغم من عدم وجود علاقات طبيعية بين البلدين برئاسة شيخ الطريقة العزمية علاء أبو العزايم الذي أكد في أكثر من لقاء له أن العلاقة بإيران تسهم في الحد من نفوذ الاتجاه السلفي في مصر ، والحقيقة أن الطرق الصوفية كانت تُخترق بشدة من الإيرانيين بعد ثورة ٢٥ياناير بقصد اختراق مصر دينياً وسياسياً وعسكرياً ، وقد شهد بهذا الاختراق محمد الشهاوي شيخ الطريقة الشهاوية البرهامية ، وهو من الصوفية المناهضين للتقارب مع إيران ، فأكد أن الطرق الصوفية تم اختراقها بعد الثورة ، وأن كثيراً من مشايخ الطرق أصبحوا يترددون على إيران ، وأن بعضاً منهم تم اجتذابهم بزواج المتعة ، وبالجملة فحالات التشيع التي تحدث في مصر ، رغم قلتها ، ومبالغة الشيعة في تقدير أعدادها ، تكاد تكون كلها من أبناء الطرق الصوفية .
هذا في مصر ، والأمر كذلك في إفريقيا ، فقد اعتنى ملالي إيران بنشر التشيع باختراق الطرق الصوفية قبل الثورة الإيرانية بعشر سنوات ، وكان من أوائل دُعاتهم رجال أعمال لبنانيون استغلوا أموالهم في دعم الطرق الصوفية ، ومن خلالها تم إنشاء المدارس الإيرانية واستقطاب أبناء الطُرُقيين للدراسة في إيران.
ونشاطُ الإيرانيين والزيارات المتبادلة بينهم وبين مشايخ كثير من الطرق الصوفية لا تخطئها العين في جميع إفريقيا ، وكل ذلك بالرغم من المشاكل السياسية بين إيران وعدد من الدول الإفريقية بسبب إنشائها قوات مسلحة في بعض الدول الإفريقية .
ولم يقتصر دعم القبورية على إيران ، بل إن الأوروبيين والأمريكيين اليوم شديدو الدعم للفكر القبوري عبر الطرق الصوفية في العالم ، وكما قلنا سابقاً بأن الإيرانيين وأعوانهم يبررون نشاطهم بمجابهة المد السلفي ، فكذلك يفعل الأمريكيون وأعوانهم ، فمراكز الأبحاث الأمريكية تؤكد على ضرورة دعم الطرق الصوفية في مواجهة الأصولية الإسلامية ، وهي تقارير باتت مشهورة فلا نحتاج لإثقال المقال بها ، لكننا نُحيل من يطلبها من القراء إلى كتاب :”حين يكون العم سام ناسكاً” للدكتور عبدالله الحَسَّاب ، وهو كتاب بالغ الأهمية في وضع الشواهد لكشف الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع التوجهات الدينية في الشرق الأوسط .
وهذه الاستراتيجيات الأمريكية والتي تتحدث عنها المراكز البحثية لم تعد مجرد دراسات لا أثر لها في الواقع ؛ بل هي دراسات تبعها نشاط كبير على الأرض عبر إنشاء صندوق لدعم بناء الأضرحة في العالم الإسلامي أعلنت عنه وزارة الخارجية الأمريكية في موقعها ،وعبر علاقات خاصة بين السفارات الأمريكية ومشايخ الطرق الصوفية ومؤتمرات ولقاءات لزعماء الطرق وسدنة الأضرحة مع السياسيين الأمريكيين ، وهي أنشطة غزيرة تم رصد قليل منها ، ولكنه قليل يدل على الكثير ، ومن البحوث التي اعتنت برصد هذه التحركات ، بحث بعنوان:”العبور الأمريكي عبر الزاوية الصوفية” نشرته مجلة البيان في عددها ٣١٣ لسنة ١٤٣٤هـ .
وبالطبع ليس المراد من هذا الدعم القضاء على التطرف كما يزعمون ، إذ ثبت أن التطرف صناعة أمريكية إيرانية لضرب السنة وتمكين إيران والمشاريع الصهيونية في المنطقة ، وهذا لم يعد استنتاجات مجردة ، فالجميع يعرف تصريحات الرئيس السابق دونالد ترتب ، وانكشاف بريد هيلاري كلينتون ، وغير ذلك من الشواهد ، وقد جمع كثيراً من الأدلة على ارتباط جماعات التكفير بإيران الباحث العراقي سعيد حازم السويدي في كتابه:”الجماعات المتطرفة وإيران” .
وإنما المراد من دعم القبورية سياسي محض ، وهو تدجين المسلمين بحيث يكونون قابلين لأي عملية تغيير فكري يتوافق مع سياسة الولايات المتحدة في نشر القيم الأمريكية ؛ أو تغيير سياسي بحيث لا تكون الشعوب المسلمة متأثرة بالمنهج السلفي الذي يدعو لمقاومة المحتل الكافر ، وهم أي:الأمريكان يعزون ما وجدوه من مقاومة عراقية لتأثر السنة بالإسلام الصحيح الخالي من البدع ، لذلك عمدوا إلى استئصالهم على يد الجيش الأمريكي وعلى يد الإيرانيين بحجة الداعشية ،ولا زالت عملية الاستئصال مستمرة وآخرها ما عُرِف بأحداث جرف الصخر.
وهُنا لا نقرر أن الغرب أو إيران نجحوا نجاحاً تاماً في جعل القبورية ذراعاً لهم ، فالمتصوفة ليسو على مشرب واحد ، لكن الحقيقة أنهم حققوا عدة نجاحات مهمة وكبيرة ؛ لذلك استغرب من حكومات أكثر الدول العربية المتاهي مع هذا المشروع والتعاون معه ؛ بل العمل ضمنه تحت تصور أنه مشروع لمحاربة التطرف ، والحقيقة أنه مشروع لإقامة تطرف من نوع آخر يجعل الولاء ليس للوطن وإنما لشيخ الطريقة لا يقل خطراً عن الإخوان الذين يجعلون الولاء للجماعة دون الوطن ، ولهذا فإنه في حال نجاح هذا المشروع فلن تجد الأوطان من يدافع عنها في أي مشروع اجتياح صهيوني أو إيراني أو أمريكي لأن الشعار الغالب سيكون هو الشعار الذي رفعه بعض الصوفية القبوريين أثناء الاحتلال الإنجليزي لجنوب اليمن ومصر وغيرها من البلاد العربية وهو قولهم:إذا سلط الله على قوم ظالماً فليس لأحد أن يقاومه أو يتأفف منه لأن ذلك اعتراض على إرادة الله ؛ كما نقله عمر فروخ رحمه الله عنهم .
إذن فدعم القبورية الذي نراه اليوم عبر مؤسسات سياسية وإعلامية ومالية وثقافية في كل العالم الإسلامي هو عبارة عن مشروع سياسي يستفيد منه داعموه المعاصرون كما استفاد منه داعموه الأول ، والاختلاف بين الأمس واليوم أن داعمه اليوم يصب في مشاريع استعمارية أجنبية معادية للإسلام وأوطان المسلمين .
ولا شك أن ضمن هذا المشروع الحملات الحالية من خارج المملكة وخصوصاً من عملاء إيران لإحياء القبور وإعادة بنائها في البقيع ومكة ، والمؤسف أن بعض المغفلين وهم قلائل جداً من المنتسبين للتصوف أو التشيع من السعوديين يشاركون في هذه الدعوات عبر تويتر وفيس بوك بأسماء مستعارة ، وهؤلاء بذور لنباتات سيئة يجب معالجتها .