تطبيقات قانون الجذب “في ميزان النقد”
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
الإنسانُ في حركةِ العصر الجديد وفي الفِكر الباطني جزءٌ من الإله، فهو ينطوي في أعماقه بالقوة على كلِّ القدرات والملكات التي تتَّصف بها الألوهية، والإنسانُ بحسب هذا المعتقد يستحِقّ كلَّ شيء، ويستطيع أن يحصل على كلّ شيء، بل يستطيع أن يصل إلى الكمال المطلق، لكنه لا يستطيع أن يتبيَّن ذلك لوجود العوائق المادّية، فمتى تخلَّص من تعلّقه بالمادة تعرف على قوته الإلهية الكامنة داخله، واستخدمها في تسخير الكون لخدمته([1]).
والاعتقادُ بالقوة الإلهية الكامنة في الإنسان مستمدٌّ من الديانات الشرقية الباطنية، فيعتقد الهندوس أن في الناس قوةً إلهية، وأنَّ الإنسان هو من يخلق الأفكار والأنظمة، وفي البوذية الإنسانُ يستطيع أن يمشي على الماء ويطير في الهواء ويعلمَ الماضي والمستقبل.
وتحاول حركة العصر الجديد إحياءَ هذه المعتقداتِ بالترويج أنَّ للإنسان قدراتٍ خارقةً وقدرات كامنة حاولوا إخراجها عن طريق ممارسات وتطبيقات وقوانين يُعتقد أنها تحرِّر قوى الإنسان الكامنة من أسر المعتقدات الدينية، وصمّمت لتلك الطقوس قوالب جديدة، ظاهرها يتوافق مع احتياجات الإنسان في العصر الحديث، وباطنها كفرٌ وكهانة وشعوذة في صورة معاصرة.
وقد أصبح اليومَ القولُ بقوى الإنسان وقدراته الكامنة أكثر ما تروج له الدعوات بشتى الوسائل، سواء كان عن طريق الأفلام السينمائية، أو الدعاية الإعلانية، أو الدورات التدريبة تحت عناوين مختلفة مثل: “أطلِق العملاق الذي بداخلك”، “أيقِظ قواك الخفية”، “اصنع مستقبلك بنفسك”، أو عن طريق الاعتقاد بالقوانين الكونية التي يعتقدون أنها تحكُم الكون وتسيِّره من تلقاء نفسها، ويفسّرون نشأة هذه القوانين بأنها انعكاسٌ عن العقل الكلي “المطلق” الذي يعتقدون أن الكون وما فيه فاضَ عنه.
وقد سبق إفرادُ قانونٍ من هذه القوانين -وهو قانون الجذب- بورقة علميَّة، وبيَّنا ما فيه، وهذا القانون له تطبيقاتٌ تتعلَّق به يسمّيها أصحابها قوانين، ويروَّج لها بقوة عن طريق مدربي الفلسفة، ومن هذه القوانين:
1- قانون الاستحقاق الباطني.
2- قانون النية أو قانون القصد والرغبة.
3- قانون الامتنان.
4- قانون الكارما (Karma).
وسنتناول -بحول الله تعالى- في هذه الورقة كلَّ قانون من تلك القوانين بالتوضيح والنقد البيان.
أولا: قانون الاستحقاق الباطني:
يعتقِد أصحاب حركة العصر الجديد أنّ الإنسانَ إذا أراد تحقيقَ ما يتمنى فما عليه إلا أن يشعر أو يعتقد بأنه يستحق ما يتمنى، ويقوم ببعض التمرينات حتى يتحقّق له ما يريد، وأنه حين يشعر أنه لا يستحقّ ما يتمنى فلن يحصل له ما يريد.
يقول صلاح الراشد: “خذها قاعدة: الاستحقاق هو الشعور في الداخل أنك تستحقّ هذا الشيء”([2]).
وتقول منى الغضبان: “كلّ تفصيلة في الدنيا مهما كانت دقيقةً تحدث وفق قانون محكم بمنتهى الدقة، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَىءٍ خَلَقنَاهُ بِقَدَرٍ}، وقدر معناها: مقدار وقانون محكم.. أسميته: قانون الاستحقاق الطاقي.
كل تفصيلة تحدث لك في حياتك كنت أنت مستحقّ لها بحسب طاقتك بمنتهى الدقة وبمنتهى العدل؛ لذا راقب دائمًا ما يحدث لك، تعرّف مقدار الطاقة لديك ونوعيتها.
إذا كنت غير دارس للطاقة يمكنك ببساطة معرفة نوعيّة طاقتك بمتابعتك لنوعية الأمور التي تحدث حولك، لو الخير كثير والسيئ قليل معناها طاقتك الداخلية إيجابية أكثر، والعكس بالعكس، ولا يمكن لما حولك أن يتغيّر حتى يتغيّر ما في نفسك، حتى تتغير طاقتك الداخلية، بتغيير طاقتك الداخلية تدخل نفسك في نطاق استحقاق آخر”([3]).
ويشير صلاح الراشد للعلاقة بين استحقاق الإنسان لما يريد وتجلّي ذلك في الواقع، فيقول كما في صفحته على الفيسبوك: “قانون التجلي -أي: تحقيق الشيء الذي تريد- له أربعة أركان:
١- النية، وهي رغبة أكيدة لما تريده.
٢- الوضوح، وهي رؤية ومتابعة ما تريد.
٣- الاستحقاق، وهو الاعتقاد بأنك تستحق هذا الذي تريد.
٤- الذبذبات العالية المتوافقة مع ما تريد.
لو ضمنت الأربعة ضمنت تحقيق ما تريد، حدّد ما تريد بوضوح، تابع قراءته أو شعوره من وقت لآخر، واشعر بذبذبات عالية من الآن”([4]).
كيف تعرف أن لديك استحقاقًا؟
ثم يبين صلاح الراشد الطريقة التي تعرف هل لديك استحقاق أم لا، فيقول: “انظر إلى عالمك الخارجي، إذا كنت ترى أن عندك نتائجَ سلبية كثيرة في حياتك، هذا دليل على عدم وجود استحقاق داخليّ. لو كان عندك استحقاق داخلي لكنت حقّقت نجاحات وإنجازات، وعلى قدر ما يكون عندك استحقاق في الداخل ينسجم معك الخارج، في العمق أنت تستحقّ أن تكون غنيًّا سعيدًا”([5]).
وعلى هذا فالاستحقاق مرتبط بفلسفة تشكيل الواقع بحسب ما يفكّر به الإنسان ويعتقده، لا بحسب ما يقدِّره الله ويكتبه له، فالإنسان إذَن هو المتصرّف حسب ما يعتقده من استحقاق داخلي، فإن كان يعتقد باستحقاقه أن يكون غنيًّا فلا بد أن يكون غنيًّا، وإن كان لا يشعر باستحقاقه فلن يكون!
ويقول أحمد عمارة([6]) عن قانون الاستحقاق: “لا يمكن أن يأتيك أيّ شيء سلبي طالما حافظت على نطاق استحقاق إيجابي داخلك، لا يمكن، لا يمكن، بل يعتبر ظلم من الله لو أتاك الشيء السلبيّ وأنت في نطاق استحقاق إيجابيّ، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الأمة”([7]).
بطلان قانون الاستحقاق:
وكل ما سبق من مبدأ الاستحقاق مخالفٌ للنصوص الكتاب والسنة، فليس الغنى عن استحقاق ولا الفقر عن استحقاق، فإن الله عز وجل يقول: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا}.
قال ابن كثير: “يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْإِنْسَانِ فِي اعْتِقَادِهِ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ لِيَخْتَبِرَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِكْرَامٌ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 55، 56]. وَكَذَلِكَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ إِذَا ابْتَلَاهُ وَامْتَحَنَهُ وضَيَّق عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ، يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِهَانَةٌ لَهُ، قَالَ اللَّهُ: {كَلَّا} أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ، لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الْمَالَ مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَيُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَالَيْنِ، إِذَا كَانَ غَنِيًّا بِأَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ فَقِيرًا بِأَنْ يَصْبِرَ”([8]).
بل إن الله عز وجل خسف الأرض بمن زعم أنه غنيّ لأنه يستحقّ ذلك، كما فعل الله عز وجل بقارون لما قال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]، أَيْ: أَنَا لَا أَفْتَقِرُ إِلَى مَا تَقُولُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَعْطَانِي هَذَا الْمَالَ لِعِلْمِهِ بِأَنِّي أَسْتَحِقُّهُ، وَلِمَحَبَّتِهِ لِي، فَتَقْدِيرُهُ: إِنَّمَا أُعْطِيتُهُ لِعِلْمِ اللَّهِ فِيَّ أَنِّي أَهْلٌ لَهُ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} [الزُّمَرِ: 49] أَيْ: عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ بِي، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فُصِّلَتْ: 50] أَيْ: هَذَا أَسْتَحِقُّهُ([9])، فقال الله عز وجل مبينًا كيف عاقبه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص: 81].
كذلك ما يروِّج له أصحاب قانون الاستحقاق أن ما يستحقه العبد لا بد أن يحصّله قولٌ باطل؛ لأنه يوجب على الله ما ليس بواجب، والله عز وجل لا يجب عليه إلا ما أوجبه سبحانه على نفسه باختياره سبحانه وتعالى، والقول بخلاف ذلك قولٌ محرم مبتدَع في الإسلام، وهو قول على الله بغير علم، ولقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة والموقف الصحيح منها فقال: “وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدَرية، وهو قول مبتدَع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وأهل السنة متّفقون على أنه سبحانه خالق كلّ شيء ومليكه، وأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئا، ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب، قال: إنه كتب على نفسه، وحرم على نفسه، لا أن العبد نفسَه يستحقّ على الله شيئًا كما يكون للمخلوق على المخلوق؛ فإن الله هو المنعم على العباد بكلّ خير، فهو الخالق لهم، وهو المرسل إليهم الرسل، وهو الميسّر لهم الإيمان والعمل الصالح، ومن توهّم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقّه الأجير على من استأجره فهو جاهل في ذلك”([10]).
كذلك قانون الاستحقاق -فوقَ مخالفته لنصوص الكتاب والسنة- مرتبط بما يسمى: الاعتقاد بالطاقة الكونية الفلسفية، وهي عند رُواد التنمية البشرية “القوة المحركة للكون، وتعني (تشي) بالصينية، و(كي) باليابانية، و(برانا) بالهندية، وهي طاقة الحياة الكونية، وهي عندهم -عياذًا بالله- أساس الحياة فينا، بها تتكوّن وتتحرك النجوم والكواكب والمجرات والقوى الشمسية، وحتى أفكارنا وأحاسيسنا، وهي التي توحّد عناصر جسدنا وتؤمِّن ديمومة الأشياء والمخلوقات”([11]).
فهم يعتقدون أنّ كلَّ شيء في الكون طاقةٌ حتى الأفكار، وهذه الأفكار تنطلق لتشكِّل الواقع وتخلق ما لم يكن من قبل، وهذا ظاهر في التعدّي على مقام الربوبية([12]).
ولكي تعرف أثر مثل هذه البرامج في نشر الإلحاد في بلاد المسلمين؛ ينبغي أن تعرف أن أصل الاعتقاد بفلسفة الطاقة هو العقيدة الطاوية([13])، والعقائد الهندوسية المتمثلة في عقيدة وحدة الوجود، حيث مرّ العالم عندهم بأطوار متعدّدة، فالطور الأول متمثل في الوجود الفوضويّ أو العدم، ثم تولّد من العدم أوّل شكل من أشكال الوجود وهو ما يعرف بالطاقة الكونية، وتسمّى بالصينية: (تشي) كما ذكرنا، وهذه الطاقة انفصلت إلى قطبين هما: (الين) و(اليانغ) في الطاوية، أو ثلاثة أقطاب في الفلسفة الهندية، ثم تكوّنت العناصر الخمسة بعد تفاعل تلك الأقطاب، وظهر هذا الكون للوجود، ويشبه الطاو إلى حدّ كبير نظرية الفيض عند الفلاسفة، أو التسلسل الفيضيّ، فالطاوية تعتبِر الطاو هو الواحد الأزلي الذي تولدت منه ثنائية الين واليانغ، ومنها تولد كل شيء في الوجود([14]).
ثانيًا: قانون النية أو قانون القصد والرغبة:
وهذا القانون هو أحد القوانين الروحانية السبعة عند “ديباك شوبرا”([15]) التي وضعها لتحقيق النمو الروحاني وأسماها: القوانين الروحانية السبعة للنجاح، ويعتقد أن تطبيقها يحقّق للإنسان كلّ شيء يريده؛ لأنها أصل الخلق والإيجاد، فهي بزعمه تدبر الكون وتتحكّم فيه، ويمكن للإنسان من خلالها أن يحقّق ما يريد، يقول شوبرا: “عندما ندرك هذه القوانين ونطبقها في حياتنا فإن أي شيء نريده يمكن أن يكون؛ لأن القوانين نفسها التي تطبقها الطبيعة في الامتثال لإيجاد غابة في الأرض أو مجرة أو نجمة في السماء أو جسد بشري، يمكنها أن تحقق أعمق رغباتنا”([16]).
يخبر قانون الرغبة بأن آلية تحقيق الأهداف والرغبات كامنة في قلب الرغبة نفسها، وضمن الجوهر للهدف بذاته؛ لأن علم الطاقة والقوى المجهولة والكامنة والنقية وغير المرئية هي تمتلك الأهداف والرغبة، وفي الوقت الذي نستنبت هدفًا ما من رحم المجهول، فإن تلك القوى الخفية والطاقات الكامنة تسعى لتحقيق ذلك الهدف([17]).
ومعنى ذلك أن لقصد الإنسان ورغبته قدرةً على تسخير ما في الكون لصالحه، حيث إن الطاقة والمعلومات موجودة في كل مكان، والذي يتحكم بالكون هو الوعي الخالص، وهو يتأثر برغبة الإنسان أو قصده ونيته وإرادته، لاتصال جسد الإنسان بجسد الكون وعدم انفصاله عنه، فعلى الإنسان أن يعرف كيف يستفيد من قصده ورغبته، ويوجه طاقته ليحقق أي شيء يرغب فيه([18]).
وبحسب هذا القانون عند ديباك شوبرا، فإن خطوات تحقيق الأهداف هي:
– عامل التباعد، وذلك يعني أن نترك مسافة بيننا وبين النتيجة المرجوة، وبدون أن نضحّي أو ننسى الهدف الرئيس، وهذا عامل مهمّ جدًّا في الطريق للوصول إلى الهدف، وهو ألّا نكون منشغلين بمدة الوصول بل نكتفي بأننا استنبتنا الهدف في عقلنا الباطن، وعملنا على تنفيذ الأجندة الخاصة لتحقيق الهدف بالتمارين الروحية من تأمل وإعادة تذكر الهدف، عبر الإيحاء المكثف للتصور، ومن ثمّ نعود إلى حياتنا الطبيعية، ونمارس أعمالنا العادية ونترك عقلنا الباطن يقوم بمهمة البرمجة لتحقيق الهدف في الوقت المناسب.
– الإيمان بأن ما لليوم هو لليوم، وما هو للغد فهو للغد، أي: أننا لا نستطيع أن نعيش يوم الغد في هذا اليوم؛ لأن الغد له زمنه الخاص، واليوم يمتلك الزمن الخاصّ به أيضًا، وأن أكون على اطمئنان بأن الغد كما أريده سيكون؛ لأن الغد هو جنين في رحم اليوم، وسوف يبصر النور في موعده.
– الماضي والحاضر والمستقبل ما هي إلّا أشكال للوعي مختلفة، فالماضي عبارة عن الذكريات، والمستقبل عبارة عن التصورات، والحاضر هو فقط الحقيقة الواقعة والقائمة فعلًا، والحاضر كان ماضيًا، وسيكون تصوّرًا في المستقبل، والحاضر فقط هو الذي يمتلك بنية فيزيائية مادية محسوسة، بينما الماضي والمستقبل لا يمتلكان تلك الخاصية المحسوسة التي يملكها الحاضر([19]).
والناظر في هذا القانون يجده يتحكّم في كل شيء، بل هو إحدى القوى الكونية التي لا تقهر عندهم، وهو يقوم بدور الإله، بل هو أعظم من الإله، أو إن شئت قل: هو الإله المتّحد بكل شيء في الكون، فهو الذي يتحكّم في الماضي والحاضر والمستقبل، وهو الحاكم في الكون كما يقرر ذلك شوبرا([20]).
وهكذا لا يتوراى أتباع حركة العصر الجديد عن التصريح بتأليه الإنسان، وأنه إله في المقام الأول، أو إله كامن في دور النشوء والارتقاء([21]).
والإنسان عندهم له قدرات غير محدودة في تشكيل واقعه وأقداره، فإذا استطاع أن يسيطر على أفكاره يمكن أن يشكّل واقعه حسب إرادته، وهذا يرجع إلى الفلسفة الباطنية التي تجعل الوعي هو الوجود الأول، وهو الإله والحقيقة المطلقة، وكل ما في الوجود ليس إلا تجسيدًا لذلك الوعي، فإذا أدرك الإنسان حقيقة الإلهية التي هي وعي مجرد، أمكنه التحكم في الواقع من خلال تحوير الوعي([22]).
قانون النية ووحدة الوجود:
قانون النية هو دعوة صريحة للقول بوحدة الوجود، حيث يعتقد هؤلاء أنه يمكن الارتقاء بالوعي الإنساني حتى تتواصل خلاياه بالطاقة الكونية، فتصبح خلاياه كونية غير منعزلة وغير محدودة، فيدرك عندها الإنسان أن كل ما في الوجود هي مظاهر لشيء واحد.
والإله الذي يريده هؤلاء ليس سوى وجود مطلق لا حقيقة له خارج الذهن، والإنسان عندهم لا يزال في تطور مستمر حتى يصل إلى مرحلة الإلهية، ومجرد تصور هذه الأقوال كاف لإظهار فسادها، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “إنَّ تَصَوُّرَ مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ كَافٍ في بَيَانِ فَسَادِهِ، لَا يَحْتَاجُ مَعَ حُسْنِ التَّصَوُّرِ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الشُّبْهَةُ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ وَقَصْدِهِمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ وَالْمُشْتَرِكَةِ، بَلْ وَهُمْ أَيْضًا لَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَةَ مَا يَقْصِدُونَهُ وَيَقُولُونَهُ؛ وَلِهَذَا يَتَنَاقَضُونَ كَثِيرًا فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنَّمَا يَنْتَحِلُونَ شَيْئًا وَيَقُولُونَهُ أَوْ يَتَّبِعُونَهُ؛ وَلِهَذَا قَدْ افْتَرَقُوا بَيْنَهُمْ عَلَى فِرَقٍ، وَلَا يَهْتَدُونَ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ فِرَقِهِمْ مَعَ اسْتِشْعَارِهِمْ أَنَّهُمْ مُفْتَرِقُونَ. وَلِهَذَا لَمَّا بَيَّنْت لِطَوَائِفَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَرُؤَسَائِهِمْ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ وَسِرَّ مَذْهَبِهِمْ صَارُوا يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، وَلَوْلَا مَا أَقْرنهُ بِذَلِكَ مِنْ الذَّمِّ وَالرَّدِّ لَجَعَلُونِي مِنْ أَئِمَّتِهِمْ وَبَذَلُوا لِي مِنْ طَاعَةِ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مَا يَجلُّ عَنْ الْوَصْفِ، كَمَا تَبْذُلُهُ النَّصَارَى لِرُؤَسَائِهِمْ والْإِسْمَاعِيلِيَّة لِكُبَرَائِهِمْ، وَكَمَا بَذَلَ آلُ فِرْعَوْنَ لِفِرْعَوْنَ. وَكُلُّ مَنْ يَقْبَلُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إمَّا جَاهِلٌ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِمْ، وَإِمَّا ظَالِمٌ يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَفَسَادًا، أَوْ جَامِعٌ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ”([23]).
لذا جعل شيخ الإسلام قول أصحاب وحدة الوجود شرًّا من قول اليهود والنصارى، والحكم عليهم بالكفر أظهر وأبين من الحكم على اليهود والنصارى، فقال: “وَأَقْوَالُ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أَقْوَالِ النَّصَارَى، وَفِيهَا مِنْ التَّنَاقُضِ مِنْ جِنْسِ مَا فِي أَقْوَالِ النَّصَارَى؛ وَلِهَذَا يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ تَارَةً وَبِالِاتِّحَادِ أُخْرَى وَبِالْوَحْدَةِ تَارَةً، فَإِنَّهُ مَذْهَبٌ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا يَلْبِسُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ. فَهَذَا كُلُّهُ كُفْرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِإِجْمَاعِ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِ هَؤُلَاءِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَوْلِهِمْ وَمَعْرِفَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَافِرٌ كَمَنْ يَشُكُّ فِي كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ”([24]).
وهذه الأفكار يروَّج لها في الغرب، فهم عندهم من الخواء الروحي والفراغ الإيماني ما يحملهم على ذلك، لكنه من المؤسف أن تقام لهذه الأفكار دورات، ويروّج لها في بلاد المسلمين مع ما تحمله من دعوة للإلحاد وهدم القيم ونقض الدين، كما تقوم بذلك مريم نور([25]) والمدعو صلاح الراشد عبر مجموعات منظمة أنشأها في مختلف العالم الإسلامي، وأطلق عليها: “سلام جروب” تضمّ مجموعة من الرجال والنساء يلتقون بشكل دوريّ لإرسال النية، ويُدعى للمشاركة في هذه المجموعات.
وللتأكيد على علاقة إرسال النية بوحدة الوجود توصي صاحبة كتاب “تجربة النية” والذي قدم له وأثنى عليه صلاح الراشد([26]) بتمارين إرسال النية ومنها:
– اختيار مكان النية.
– شحذ الطاقة عن طريق التأمل والتنفس، وتصرح المؤلفة أن ذلك مُدرك عند البوذية، وتوصي بالتركيز وترديد مانترا أوم أي: طقوس وترانيم وثنية، والعد بشكل تنازلي أو تصاعدي، والموسيقى والطبل والنقر والدعاء!
– الوصول لذروة الكثافة على الطريقة البوذية بالتركيز في التأمل والحضور في اللحظة.
– تطوير التنبه والاندماج بالآخر بعقد النية على تشكيل رابط تعاطفي مع هدف النية، حتى لو كان هدف النية جمادًا فيمكن الارتباط والاندماج معه.
– تخيل نفسك مع الشخص الذي يتلقى المعالجة شخصًا واحدًا متَّحدًا مع الكون، فلا تشعر بالأنا، وإنما تشعر بالاندماج مع المستهدف بنيتك مع الحقل! ثم قم بصياغة نيتك وصرح عنها، وستشعر بأن النية توَّلتها قوة أعظم! وتذكّر بأن القوة لا تنبع منك وإنما أنت قناة تنقلها([27]).
وهذه هي حقيقة قانون النية: الاتحاد بالكون والوجود، الخالق والمخلوق شيء واحد، فلكي تعمل النية يجب عدم الشعور بالانفصال عن الاتحاد، كي تؤثر النية في شفاء الأجسام من الأمراض، وذلك عندما يريد مرسل النية أن يعالج المرضى، فإن الشفاء يحصل عندما يشعر المعالج أنه واحد مع المرضى، والذي يحصل للمعالجين -مرسلي النية بالشفاء- أنهم عندما يشعرون بالاتحاد معهم يسكنهم الشعور بالحضور النقي، ويفقدون إدراكهم لحدود أجسامهم([28]).
ثالثًا: قانون الامتنان:
قانون الامتنان أو قانون الشكر هو فلسفة روحانية متفرعة عن قانون الجذب، وهو مصطلح شائع عند الباطنية، يقوم على فلسفة الطاقة الكونية الإلحادية، وصورته أن تشكر بعمق وامتنان كل شيء حولك، مقعدك الذي يحملك، جسدك الذي يحرّكك، طعامك الذي يغذيك، الأرض التي تستقر عليها، الشمس التي ترسل لك شعاعها، اشكر، قل: شكرًا أنا ممتنّ للطبيعة التي تمنحني السعادة بجمالها.. ممتن للقلم الذي يكتب أفكاري… وممتن للمرض الذي جعلني أرتاح في سريري… هكذا. وثمرة هذا الامتنان والشكر للكون وتفاصيله أن تصل إلى الكون ذبذبات الامتنان، فتتناغم مع الكون، وترسل لك ذبذبات السعادة والراحة والسكينة، فتعود فتمتن له ويمتن لك في تناغم وحدويّ فريد([29]).
وبعض المدربين يقدّم قانون الامتنان على أنه نوع من أنواع الحمد والشكر، وهذا مع كونه لغويًّا غير صحيح، فيه أيضًا خلل عقدي؛ فالامتنان عند هؤلاء يحمل معانيَ فلسفية تتجاوز الحمد والشكر، والمعنى الحقيقيّ لقانون الامتنان يؤخذ من مصادره الأصلية، أمثال ديباك شوبرا، ولويز هاي صاحبة كتاب “الامتنان أسلوب حياة”، وصلاح الراشد.
تقول لويز هاي: “فالامتنان هو قوة مغناطيسية تجذب إلى الأحداث السعيدة والأشخاص السعداء، وتجذب إلى الإمكانات الخفية في الحياة، فالامتنان هو أحد أهم الأسرار لحياة مليئة بإنجازات وتحقيق الذات”([30]).
ويقول ديباك شوبرا: “الامتنان يجعلك في حالة واحدة مع ذاتك الحقيقية”([31]).
وتقول إحدى المدربات: “الأحجار لها رسالة! تستقبل ذبذبات وتعطي ذبذبات وتفلترها، تنظف ذبذباتنا ونحن ما ندري”، وتعقِّب مدربة أخرى: “ممتنة لكل حجر في العالم”([32]).
وهكذا يصبح الإنسان ممتنًا لكل شيء، ولا يهمّ عندهم أن تمتن للربّ تبارك وتعالى أو تتمنّ لحجر أو شجر أو حتى مرضٍ أو وثن، لا فرق عندهم بين أن تشكر الله أو تشكر الحجر والشجر؛ لأن الأهم أن تمتن ولا يهمّ لمن تمتن.
وعلى قولهم فمن يعبد الوثن والصنم إذا وجد راحة في عبادته يجب عليه أن يمتنّ للوثن والصنم، فالمقصود هو فعل الامتنان، وشكر كلّ شيء، فيشكرون كأس الماء الذي يشربونه، والفراش الذي يقومون منه([33])، وكل صغير وحقير وجماد لا يشعر بهم.
بطلان قانون الامتنان:
وهذا قطعًا يخالف معنى الشكر في الإسلام، فالشكر يكون لربّ هذه الجمادات، أما هي فلا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنّا شيئًا، كما قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42].
الشكر في الإسلام يتحقّق بالقلب واللسان والجوارح؛ فشكر القلب باعتقاده أن النعمة التي حصلت إنما هي من فضل الله، كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]. وشكر اللسان: بالتحدث بنعم الله عليك وإضافتها إليه سبحانه وتعالى كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]. وشكر الجوارح: تسخيرها في طاعة الله عز وجل والابتعاد عما حرم الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سـبأ: 13].
أما شكر الناس فقد حثّنا النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وجعل شكر الناس من شكر الله عز وجل فقال: «مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ»([34])، وأمرنا بمكافأة كل من أسدى إلينا معروفًا ولو بالدعاء، ولو بكلمة: جزاك الله خيرًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ»([35]).
ومن المخالفات العقدية في هذا التطبيق ارتباطه بفلسفة الطاقّة الكونية التي يعبرون بها عن الوجود الكلي المطلق، وهي إحدى صور عقيدة وحدة الوجود الكفرية كما بيّنا آنفًا.
وذلك أنهم يؤكّدون أن الامتنان المطلَق هو التعبير عن الاتحاد بالمطلق أو إدراك وحدة الوجود، وصورته أن تشكر بعمق وامتنان كلّ شيء حولك. وكلما زاد تعبيرنا عن امتناننا لله لنعمه علينا سواء كانت هذه النعم كبيرة أو صغيرة، تعمق تآلفنا مع تلك الذات الإلهية المطلقة، وزاد وعينا بحبه الذي ينعم به علينا([36]). تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرا.
فأصحاب هذا القانون جعلوا الممتنَّ مشاركًا لله في الملك والخلق والتدبير وجلب النفع ودفع الضر، فاشتمل ذلك على الكثير من الشركيات، فهو شرك في الربوبية، وشرك في زعمهم القدرة على جذب القدر، وزعمهم حلول الذات الإلهية في البشر، وقولهم بوحدة الوجود، وربطهم هذا بالطاقة وهي عندهم القوة العظمى -الإله- التي تنبثق من الكلي وتسري في كل الموجودات، وبما أن للإنسان قدرات هائلةً في داخله وبتجربته للامتنان يستطيع التأثير في كل ما حوله في الكون([37]).
رابعًا: قانون الكارما (Karma):
من القوانين التي لها علاقة أيضًا بقانون الجذب قانون الكارما، والكارما هي العمل أو الفعل في اللغة السنسكريتية، والسنسكريتية هي لغة قديمة في الهند، حيث إنها لغة الطقوس لطائفة البوذية والهندوسية والجانية، وهي تستخدم في الهند وجنوب شرق آسيا، وهي مفهوم أخلاقي أساسي في بعض المعتقدات مثل: الهندوسية، والبوذية، والجينية، والسيخية، والطاوية، وهي تؤمن بمبدأ السببية، حيث إن أفعال الفرد الحالية تؤثر على حياته المستقبلية القادمة. والكارما على نوعين: كارما جيدة أو حسنة، وهي التي تأتي نتيجة أفعال الإنسان الخيرة ونواياه الحسنة، والكارما السيئة أو الشريرة، وهي التي تأتي من نوايا الإنسان الخبيثة وأفعاله السيئة. والكارما ترتبط ارتباطا وثيقا في الديانات الهندية بفكرة الولادة الجديدة، أو التناسخ، أي: تناسخ الأرواح.
ونظرية الولادة الجديدة هي تناسخ الأرواح، أو تقمّص الأرواح، وهو معتقد تؤمن به الديانات الهندية، ومعناه: عودة الروح إلى حياة أخرى في جسد آخر، وتعتبر هذه نظرية دينية فلسفية عندهم، تعني: أن الإنسان إن كان صالحًا في واحدة من دورات حياته الحلولية فإنه سيلقى ذلك الجزاء في الدورة الثانية، وإذا كان طالحًا فإنه سيلقى جزاءه في الدورة الثانية، فالكارما أساس عقيدة التناسخ([38]).
وقانون الكارما هو أحد القوانين الروحانية السبعة عند ديباك شوبرا، ويقصد به أن “كل فعل يولد قوة مصدرها الطاقة ترجع إلينا على الشاكلة ذاتها”([39])، وعليه فكل ما يحدث للإنسان هو نتيجة فعل آخر في حياته السابقة، وليس قضاء وقدرًا قد قدره الله له، بل الإنسان هو من يختار قدره ويتصرف فيه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، بحسب أفعاله السابقة في هذه الحياة أو في حياة سابقة.
وهذا يخالف كل ما جاء به الأنبياء والرسل، فإنّ الله عز وجل هو صاحبُ العقاب والثواب على الأعمال والنيّات، أمّا في الديانات والمعتقدات الهنديّة فيعدّ قانون الكارما السببيّ قانونًا أخلاقيًّا طبيعيًّا مستقلًّا، بحيث يكون الجزاء من جنس العمل، ولا يوجد تدخُّل إلهيّ أو أيّ وسيط خارجي للنتيجة المترتبة على الأعمال والنيّات من عقابٍ أو ثواب.
وممن حاول تقريب الكارما للإسلام نايف الجهني في كتابه: “تقنية العلاج بالأخلاق والطاقة الروحية”، والكتاب مليء بالمخالفات العقدية التي تخالف أصول الإيمان، فالمؤلف يصرح فيه أن التأمل الفلسفي يقابل العبادات ثم يجعله سببًا للشفاء، ويصرح أنه يقصد مصطلح الكارما بمعناه الوثني المباشر، والمؤلف يعتقد بتأثير الطاقة الكونية بمعناها الفلسفي على النفس، ويحاول ربط معنى الكارما ببعض آيات القرآن الكريم، وشتان بين هذا وذاك، وفي سياق تحذيره من غيبة القريب والمحبوب يشير إلى عقيدة وحدة الوجود والاتحاد في حقل الكون، ويصرح بذلك تصريحًا شنيعًا، والكتاب مليء بالبدع والكفر والباطل، والعجب أن يقوم مؤلفه بعقد دورات تدريبة في بلاد المسلمين لنشر هذا الباطل كالدورة التي عقدها في مدينة الخبر في السعودية([40]).
مخالفة فلسفة الكارما للعقيدة الإسلامية:
1- القول بالكارما يُلقي باللوم على المصاب في جميع الأحوال، فما أصابه هو بسبب فعل فعله، سواء ذكره أم لم يذكره، وهذه النظرة الجائرة لأسباب البلاء مما عزز الطبَقية المقيتة في المجتمع الهندوسي، فالفقير والمريض والمعاق والوضيع كل منهم مستحقّ لما يصيبه، جانٍ على نفسه مطلقًا، بينما الغنيّ الصحيح صاحب الجاه قد ترقّى في دورة التناسخ بفعل يده.
لذا فإن هذا الاعتقاد يصيب المريض بالهمّ والغمّ، حيث يعاقب على ذنب لا يعرفه ولا يذكره، ولا سبيل إلى التوبة منه([41]).
وأما في الشرع فالأمر ليس كذلك، فما يصيب الإنسان من مصائب قد يكون بذنب ارتكبه بنفسه وعمله بيده، لا بذنب لا يعرفه ولا يذكره، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، كذلك لا يلزم أن يكون ما يصيب الإنسان عقوبة، بل قد يكون تكفيرًا للسيئات ورفعة للدرجات، وقد يكون اختبارًا وامتحانًا، بل إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»([42]).
وعلى العكس قد ترى بعضَ العصاة بل بعض الكفار يتقلّبون في النعيم، على كفرهم ومبارزتهم لله عز وجل بالذنوب والمعاصي ليلَ نهار، فهل هذا جزاء أعمالهم كما يزعم أصحاب فلسفة الكرما؟! أم أن هذا هو الاستدراج الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ»، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]([43]).
2- وفلسفة الكارما مقترنة بالقول بالتناسخ، حيث يقف القائلون بالكارما عاجزين عن تفسير بعض الحالات التي تحدث للبشر، كأمراض الأطفال وابتلاءاتهم، أو سلامة الظالم طيلة حياته، وشقاوة المظلوم طيلة حياته، فقالوا: إن ما يحدث للإنسان الآن إن لم يكن له تفسير مقبول هو نتيجة فعله في حياة سابقة([44])، وهذا هو أصل القول بالتناسخ وحلول الأرواح.
3- فلسفة الكارما تتناقض تناقضًا صريحًا مع عقيدة القضاء والقدر، ففي فلسفتهم: “الكارما هي المعيار الذي يحدد وضع الإنسان من غنى وفقر وحال اجتماعية، ويحدد الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها. فالحياة عبارة عن سراب، تجري أحداثها في شكل سلسلة متواصلة لا نهاية لها إلا إذا استطاع الإنسان أن يتسرّب ويتخلص من هذه الدوامة (الخلاص)، فيعيش في سعادة أبدية لا شقاء معها مع الحقيقة المطلقة وهي الحقيقة الوحيدة (نيرفانا)، وإلا فهو عرضة للتنقل من حياة إلى حياة، ومن مرحلة إلى أخرى، ومن رحلة إلى أخرى (التناسخ)، ويجازى في حياته القادمة وفي رحلته المستقبليّة وفق عمله في رحلته السابقة؛ إن خيرا فخير وإن شرا فشر. فغناك وفقرك وحالتك المادية والاجتماعية وفق فلسفة كارما، وكذا عملُك وكسبك هو ما جعلك تقيم فيما تقيم فيه، فالمعيار هو أنت والضابط عملك، وليس شيئًا خارجيًّا. فأنت من أردت نفسك فقيرًا، وأنت من أردت نفسك غنيًّا، وأنت من أردت نفسك سعيدًا، وأنت من أردت نفسك شقيًّا، كل هذا بحسب فلسفة الكارما، ولا دخل لله عز وجل في ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرا.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) انظر: الدعوات الباطنية إلى السلام في العصر الحديث جذورها الفكرية وتطبيقاتها الروحانية -دراسة عقدية نقدية، أماني بنت محمد صالح (ص: 99).
([2]) برنامج صوتي بعنوان: “خذها قاعدة” صلاح الراشد. https://www.youtube.com/watch?v=
([3]) https://www.facebook.com/monaelghadban369/posts/1600513020246277/
([4]) صفحة صلاح الراشد على فيس بوك. https://www.facebook.com/ssalrashed
([5]) خذها قاعدة، صلاح الراشد. https://www.facebook.com/ssalrashed
([6]) أحمد عمارة هو أحد مشاهير المدربين في التنمية البشرية ولد عام 1977م في مصر، حاصل على بكالوريوس في علم النفس، وعلى دكتوراه من جامعة سيدونا، وهي جامعة متخصصة بعلوم ما وراء الطبيعة وعلم اللاهوت، وتدرّس ما يسمى بالروحانيات غير الموجودة بالأديان، وهي غير معترف بها دوليًّا ولا محليًّا، أنشأ مؤسسة عمارة للاستشارات والتدريب، وأكاديمية أحمد عمارة. وانظر: التعريف به في صفحته على الفيس بوك. https://www.facebook.com/DrAhmedAEmara
([7]) https://www.facebook.com/DrAhmedAEmara
([8]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير -ط: دار طيبة- (8/ 398).
([9]) ينظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (6/ 254).
([10]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم -ط: دار عالم الكتب- (2/ 311).
([11]) طاقة الكون بين يديك، مها نمور (ص: 16). وانظر: الأصول الفلسفية لتطوير الذات في التنمية البشرية (1/ 214).
([12]) ينظر: الأصول الفلسفية لتطوير الذات في التنمية البشرية (1/ 344).
([13]) الطاوية هي: فلسفة وديانة صينية شعبية قديمة، تشكلت عبر مراحل مطوّلة، ويعد (لاوتز) مؤسس الطاوية عند كثير من الباحثين، وإن كان بعضهم يرى أنه شخصية أسطورية. تهتم الطاوية بالطبيعة، وتشترك مع الديانات الصينية في الكثير من المبادئ الفلسفية، وتحاط بالكثير من الغموض، وتعتمد على السِّرية التامة، بحيث لا تفشي أسرارها إلا لخواص الأتباع، ويشبه الطاو إلى حدّ كبير العقل الأول عند الفلاسفة، وكذلك البرهمان عند الهندوس. انظر: الفلسفة الشرقية، محمد غلاب (ص: 224)، وحركة العصر الجديد، د. هيفاء الرشيد (ص: 70).
([14]) انظر: حركة العصر الجديد (ص: 72)، الأصول الفلسفية لتطوير الذات في التنمية البشرية (1/ 217).
([15]) ديباك شوبرا: من مواليد 22 أكتوبر 1946م في نيودلهي، طبيب وكاتب أمريكي، هندي الأصل والمولد، ألّف العديد من الكتب، مؤسس “مركز شوبرا للصحة” في كاليفورنيا عام 1995م. تعمّق في دراسة الطب البديل، وأجرى مسحًا عامًّا على قصور الطب الغربي في معالجة الأمراض. التقى بالأب الروحي لمدرسة المهاريشية المعروفة بالتأمل التجاوزي مهاريشي يوجي، فقرر أن يترك مهنة الطب ويشارك في شركة منتجات المهاريشي للطب البديل التي كانت بداية انطلاقته نحو الشهرة في عالم الطب البديل. انظر: ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
([16]) القوانين الروحانية السبعة للنجاح، ديباك شوبرا -ط: دار العلم للملايين- (ص: 13).
([17]) https://www.magltk.com/seven-spiritual-laws-success-desire/
([18]) القوانين الروحانية السبعة للنجاح (ص: 79).
([19]) magltk.com/seven-spiritual-laws-success-desire/
([20]) حركة العصر الجديد (ص: 297).
([21]) انظر: حركة العصر الجديد (ص: 292).
([22]) حركة العصر الجديد (ص: 295).
([23]) مجموع الفتاوى (2/ 138).
([24]) مجموع الفتاوى (2/ 368).
([25]) مريم نور، ولدت في لبنان أواخر الثلاثينات الميلادية وتنقّلت بين عدة بلدان، تحمل عقائد باطنية وخليطًا من الديانات المختلفة، لها تعليقات مثيرة للجدل مثل قولها: “إن الزواج هو ورقة دعارة شرعية، من يريد أن يتزوج لا يحتاج لمباركة ولورقة”، وقولها: “أهلي لا يتواصلون معي ولا يعترفون بوجودي؛ لأنهم معترضون على فكري؛ لأني لا أميز بين الأديان”. ينظر:
https://www.gerasanews.com/print/ 30364
([26]) يقول صلاح الراشد: “هذا الكتاب نقلة حقيقية لمعنى أن الحياة نية وتركيز نية، إذا أردت أن تفهم كيف تحقِّق ما تريد من الحياة عن طريق النية فهذا الكتاب هو مدخلك لذلك”. مقدمة الراشد للكتاب (ص: 9).
([27]) تجربة النية، لين ماكتاجريت (ص: 293).
([28]) تجربة النية (ص: 125). وانظر: الأصول الفلسفية لتطوير الذات في التنمية البشرية (2/ 504).
([29]) قانون الجذب وتوابعه، جمانه طلال محجوب (ص: 11).
([30]) الامتنان أسلوب حياة (ص: 139).
([31]) تغريدة في حساب المدربة س. ف. وانظر: الأصول الفلسفية لتطوير الذات في التنمية البشرية (1/ 189).
([32]) الأصول الفلسفية لتطوير الذات في التنمية البشرية (1/ 189).
([34]) رواه أحمد (7939)، وأبو داود، كتاب الأدب، بَابٌ فِي شُكْرِ الْمَعْرُوفِ (4811)، والترمذي، أبواب البر والصلة، بَابُ مَا جَاءَ فِي الشُّكْرِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ (1954)، وصححه الألباني في صحيح السنن.
([35]) رواه أحمد (5365)، وأبو داود، كتاب الزكاة، بَابُ عَطِيَّةِ مَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ (1672)، وصححه الألباني في صحيح السنن.
([36]) ينظر: الامتنان (ص: 42).
([37]) https://twitter.com/aymanangry/status/1297844937086717954?lang=ar
([38]) انظر: أديان الهند الكبرى (ص: 61)، وفصول في أديان الهند والبوذية (ص: 182).
([39]) القوانين الروحانية السبعة للنجاح (ص: 47).
([40]) انظر: الأصول الفلسفية لتطوير الذات في التنمية البشرية (1/ 298، 299، 2/ 506).
([41]) حركة العصر الجديد (ص: 306).
([42]) رواه أحمد (1481)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (143).
([43]) رواه أحمد (17311)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (413).