الخميس - 19 جمادى الأول 1446 هـ - 21 نوفمبر 2024 م

الغُلوُّ في حقوق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (مسألَةُ العصمَةِ نموذَجًا) الجزء الأول

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

تعدُّ الشيعةُ الإمامية من غلاة الفرق في مسألة العِصمة، حيث حكموا بامتناع جميع الذنوب من الصغائر والكبائر سهوًا وعمدًا من أوّل العمر إلى آخره على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بدعوَى أنَّ ذلك يوجب التنفيرَ عنهم، ويسقط الوثوق بأقوالهم، وقالت المعتزلة أيضًا بنحو قولهم.

«‌وهم ‌قصَدوا ‌تعظيمَ الأنبياء بجهلٍ كما قصدت النصارى تعظيمَ المسيح وأحبارهم ورهبانهم بجهل، فأشركوا بهم واتخذوهم أربابًا من دون الله، وأعرضوا عن اتباعهم فيما أمروهم به ونهوهم عنه، وكذلك الغلاة في العصمة يُعرِضُون عمَّا أُمِروا به من طاعة أمرهم والاقتداء بأفعالهم، إلى ما نُهُوا عنه من الغلو والإشراك بهم، فيتخذونهم أربابًا من دون الله، يستغيثون بهم في مغيبهم وبعد مماتهم وعند قبورهم، ويدخلون فيما حرمه الله تعالى ورسوله من العبادات الشركية التي ضاهَوا بها النصارى»([1]).

وقد اختار جمعٌ من الأشعرية قول الرافضة في العصمة، حتى قيل: إنه هو ما استقرّ عليه مذهبهم، فاستدعى ذلك بحثًا مفصَّلا في أقوال الأشعرية في المسألة، لنُحدِّدَ مواطن الفصل والوصل بين أقوالهم وقول الرافضة.

وسيكون الكلام في مسألتين:

المسألة الأولى: وقت عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

المسألة الثانية: عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الذنوب كبائرها وصغائرها.

المسألة الأولى: وقت عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

أولًا: وقت عصمة الأنبياء عند الأشعرية:

جملةُ ما للأشاعرة في وقت عصمة الأنبياء قولان:

القول الأول: عدم العصمة قبل النبوة:

قال القاضي أبو بكر ابن الطيب الباقلاني (ت 403) في أحكام الأنبياء: «ومن صفته أن يكون منزّهًا عن الكفر بالله، وإصابة الفجور، وكل مسقط سخيف من الذنوب بعد إرساله، فأما لحوق ذلك له قبل الرسالة والنبوة فإنه غير واجب، اللهم إلا أن يمنع من ذلك توقيف فيصار إلى ذلك سمعًا لا عقلًا»([2]).

ونقل أبو القاسم الأنصاري (ت 512) في شرحه على الإرشاد في فصل (في أنه هل يجوز وقوع الذنب للأنبياء أم لا؟ وما الذي يجوز وقوعه منهم؟) عن ابن الباقلاني ما نصه: «اختلف الناس في ذلك، فقالت المعتزلة([3]): لا يجوز وقوع الكبائر منهم، كالكفر فما دونه، لا قبل النبوة ولا بعدها، وأنه لا يجوز أن يكون النبي قبل بعثته إلا على التمسك بالفرائض العقلية، والعمل بشريعة نبي قبله».

وقال ابن الباقلاني: «وقال كثير من أصحابنا وغيرهم: إنه لا يمتنع بعثة من كان كافرًا أو صاحب كبيرة قبل بعثته. ولا شيء عندنا يمنع من ذلك، ولا أُبعِدُ أن تكون خطيئة آدم عليه السلام كبيرةً، وكانت قبل الإرسال، فإنَّه تعالى قال: {‌وَعَصَىٰ ‌ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} [طه: 121]. ولست أُبعِدُ في حكم العقل أن يسلم كافر ثم يبعثه الله تعالى نبيًّا، وذلك فضله يؤتيه من يشاء([4])».

ثم قال القاضي ابن الباقلاني: «ثُمَّ قد صحَّ عند أهل الأخبار والتّواريخ أنّه لم يبعث من أشرك بالله طرفة عين، ولا من كان فاسقًا فاجرًا ظلومًا، وإنّما بعث من كان زكيًّا نقيًّا أمينًا مشهور النّسب، والمرجع في ذلك إلى قضية السّمع، وموجب العقل التّجويز»([5]).

ونحو هذا التقرير قرره ابن خمير السبتي (ت 614) حيث قال في توجيهه لقصة آدم عليه السلام: «آدم عليه السلام لم يكن عندما أكل من الشجرة نبيًّا، والعصمة لا تشترط للنبي إلا بعد ثبوت النبوة له، فمن الناس من ذكر الإجماع على أنه لم يكن نبيًّا عندما أكل من الشجرة، ومنهم من اكتفى بظاهر قوله تعالى: {‌ثُمَّ ‌ٱجتَبَٰهُ ‌رَبُّهُۥ ‌فَتَابَ ‌عَلَيهِ} [طه: 122]»([6]).

ثم قال: «ومعلوم من دين الأمة أنه ما كفر نبيّ قط، ولا جهل الله تعالى، ولا سجد لوثن، ولا أخبر تعالى عن واحد منهم بالكفر، ولا بما دون الكفر من المعاصي قبل النبوة وبعدها، سوى قصة ‌آدم عليه السلام فمن قال بسوى هذا فعليه الدليل ولا دليل»([7]).

ومذهب جمهور الأشاعرة هو ما قرره القاضي: أن وقت وجوب عصمة الأنبياء هو زمان النبوة أما قبلها فهي غير واجبة، وحكى هذا عن جمهورهم الآمدي (ت 631) والرازي (ت 606) ومن تبعه كالشمس الأصفهاني (ت 749) والعضد الإيجي (ت 756).

قال الآمدي: «وأما قبل النبوة: فقد قال القاضي أبو بكر: لا يمتنع عقلًا ولا سمعًا أن يصدر من النبي قبل نبوته معصية، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة، إذ لا دلالة للمعجزة على عصمته فيما قبل ظهورها على يده؛ بل ولا يمتنع عقلًا إرسالُ من أسلم بعد كُفرِه، ووافقه عليه أكثر أصحابنا، وكثير من المعتزلة»([8]).

وقال الرازي: «واختلفت الأمة في وقت وجوب هذه العصمة، فالروافض قالت: إنها من أول الولادة إلى آخر العمر، وقال الأكثرون: هذه العصمة إنما تجب في زمان النبوة، وأما قبل النبوة فهي غير واجبة، وهو قول أكثر أصحابنا، وقول أبي الهذيل العلاف والجبائي»([9]).

وقال أيضا: «واختلفوا فى الوقت الّذي تُعتَبَر فيه العصمة، أما الفضيلية من الخوارج فقد جوزوا بعثة من يعلم الله تعالى منه أنه يكفر([10])، ومنهم‌ من لم يجوز ذلك، ولكن جوَّزَ بعثة من كان كافرًا قبل الرسالة([11])، وهو قول ابن فورك، لكنه زعم أن هذا الجائز لم يقع([12]). ومن الحَشْوية من زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كافرًا قبل البعثة لقوله تعالى:‌ {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]، ولقوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52]، واتفق المُحصِّلُون على فساد ذلك. ومن الناس من طرد هذا الحكم فى الأئمة وقال: كما لا يجوز كون الرسول كافرًا قبل البعثة، لا يجوز أن يكون الإمام أيضا كافرا قبل الإمامة، ولذلك يقدحون فى إمامة الشيخين.

وأما أنه هل يجوز فعل الكبيرة على الأنبياء قبل البعثة؟ فالأكثرون من أهل السنة جوّزوا ذلك مستدلين بأفعال إخوة يوسف، ومنهم من لم يقل به، ولم يقل بنبوتهم.

ثم الذين جوزوا ذلك قالوا: منهم من فعل الكبيرة قبل البعثة. لكنهم إنما جوّزوا ذلك على سبيل الندرة بحيث يتوبون عنه، ويشتهر حالهم فيما بين الخلق بالصلاح، فأما لو أصروا على الكبائر بحيث يصيرون مشهورين بالخلاعة فذلك غير جائز؛ لأن المقصود من بعثتهم يفوت على هذا ذلك التقدير»([13]).

وقال الشمس الأصفهاني بعد أن تابع الرازي في حكاية هذا القول عن أكثر أهل السنة: «والحقُّ أنه يجوز قبل البعثة صدور المعاصي عنهم كبيرةً أو صغيرةً، سهوًا أو قصدًا، لكن على سبيل النُّدرة، يدل على ذلك قصة موسى وإخوة يوسف»([14]).

وقال العضد الإيجي: «وأما قبل الوحي فقال الجمهور: لا يمتنع أن يصدر عنهم كبيرة»([15]). وتبعه على نسبة هذا القول للجمهور اللقاني (ت 1041) في شرحيه للجوهرة([16]).

ويقول الفخر في تفسير سورة يوسف: «السؤال الرابع: أن قولهم: {لَيُوسُفُ ‌وَأَخُوهُ ‌أَحَبُّ ‌إِلَىٰ ‌أَبِينَا ‌مِنَّا} [يوسف: 8] محض الحسد، والحسد من أمهات الكبائر، لا سيما وقد أقدموا على الكذب بسبب ذلك الحسد، وعلى تضييع ذلك الأخ الصالح وإلقائه في ذلّ العبودية وتبعيده عن الأب المشفق، وألقوا أباهم في الحزن الدائم والأسف العظيم، وأقدموا على الكذب، فما بقيت خصلة مذمومة ولا طريقة في الشر والفساد إلا وقد أَتوا بها، وكل ذلك يقدح في العصمة والنبوة.

والجواب: الأمر كما ذكرتم، إلا أن ‌المعتبر ‌عندنا ‌عصمة ‌الأنبياء عليهم السلام في وقت حصول النبوة، وأما قبلها فذلك غير واجب»([17]).

قال شرف الدين ابن التلمساني (ت 658): «ومن خصّ العصمة بزمان النبوّة اتسع عليه تأويل ما وردت به الظواهر، فإن أكثرها محمول على ما قبل النبوّة»([18]).

القول الثاني: امتناع الكبائر على الأنبياء قبل البعثة:

من الأشاعرة من قال بامتناع الكبائر على الأنبياء قبل البعثة، وظاهر كلام ابن الحاجب (ت 646) في عقيدته حكاية الاتفاق على امتناع الكبائر قبل النبوة مطلقًا في العمد والسهو، كما قرره شارح عقيدته ابن زكري التلمساني (ت 900)، وقال: «وهو موافق لظاهر كلام القاضي عياض، وهو الصحيح. وبيانه أن نقول: عدم الامتناع العقلي لا يستلزم عدم الامتناع الشرعي، فقد يكون الشيء ممتنعًا شرعًا غير ممتنع عقلًا، فحينئذٍ من قال من أهل السنة بعدم امتناع الكبيرة قبل النبوءة عقلًا قد يقول بامتناعها شرعًا، ويكون الدليل الشرعي بعد النبوءة دالًا على امتناع الكبيرة قبلها، وكل ما أوهم ذلك يجب تأويله»([19]).

وحكى الرازي أيضًا الإجماع على امتناع ارتكاب النبي للكبيرة قبل النبوّة في كتابه الإشارة([20])، وهذا يخالف ما قرره في سائر كتبه، وقد تقدمت ألفاظُهُ في ذلك.

ونصُّ كلام القاضي عياض (ت 544) الذي أشار إليه ابن زكري هو: «وقد اختُلِف في عِصمتهم من المعاصي قبل النبوة فمنعها قومٌ، وجَوَّزَها آخرون، والصحيح -إن شاء الله- تنزيهُهُم من كل عيب، وعصمتهم من كل ما يوجب الريب»([21]).

واستدلَّ ابن زكري التلمساني في شرح عقيدة ابن الحاجب بكلام القاضي عياض على منع الصغائر عمدًا قبل النبوّة، وفيه: «لما كان حال الأنبياء عليهم السلام قبل نبوءتهم مخالفًا لما بعدها فلا جرم جاز وقوع الصغائر منهم قبل النبوءة في السهو لا في العمد، وهذا هو الأصح عند المصنف (ابن الحاجب)، والصحيح عند القاضي عياض.. ومقابل الأصح في كلام المصنف هو قول أكثر المتكلمين، فإنهم جوّزوا ذلك مطلقًا»([22]).

وقال السعد التفتازاني (ت 792) في ما يتعلق بالكفر: «الأنبياء معصومون عن الكفر قبل الوحي وبعده بالإجماع»([23]). ونقله عنه السنوسي (ت 895) وأقَرَّه([24]).

وقال السعد في ما يتعلق بالكبائر: «وأما قبل الوحي فلا دليل على امتناع صدور الكبيرة، وذهبت المعتزلة إلى امتناعها؛ لأنها توجب النفرة المانعة عن اتباعهم، فتفوت مصلحة البعثة، والحقُّ منعُ ما يوجب النفرة كعُهرِ الأُمَّهَات والفُجُور والصغائر الدالة على الخسة». وذكر شارحه الفرهاري (ت بعد 1239) أن كلامه يحتمل أنه يرى منع الكبائر مطلقًا قبل النبوة([25]).

قال السنوسي: «لو استدلّ على عصمتهم من ذلك بأنه لو وقع منهم شيء مما ذكر قبل النبوءة لنقل ذلك لاعتناء الناس وتوفر دواعيهم على البحث عن جميع أحوالهم ونقلها من حين خرجوا إلى الدنيا إلى أن فارقوا الناس بالممات، ولو وقع أيضًا منهم شيء من ذلك لنبزوا به يومًا ما عندما سمع منهم بعد النبوءة النهي عنه لكان سديدًا»([26]). قال اللقاني: «وفيه نظر؛ إذ يدل على عدم الوقوع، لا على امتناعه الذي هو محل النزاع»([27]). وسيأتي استدلال ابن تيمية (ت 728) بالدليل عينه على عدم التنفير، لا على عدم الوقوع، وذلك في إبطال قول الرافضة.

ثانيًا: وقت عصمة الأنبياء عند الرافضة وإبطال قولهم:

قول جمهور الأشاعرة في هذه المسألة مخالف لقول الرافضة والمعتزلة، فإن الرافضة يوجبون عصمة الأنبياء من أول العمر إلى آخره، وفي ذلك يقول ابن المطهر الحلي (ت 726): «ذهبت الإمامية كافّة إلى أنّ الأنبياء معصومون عن الصّغائر والكبائر، منزّهون عن المعاصي قبل النّبوة وبعدها على سبيل العمد والنسيان، وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدلّ على الخسّة والضعة»([28]).

والرافضة لهم في ذلك مقصد في القدح في إمامة الشيخين رضي الله عنهما.

وقد تقدّم قول الفخر الرازي: «ومن الناس من طرد هذا الحكم -منع بعثة من كان كافرًا قبل الرسالة- وقال: كما لا يجوز كون الرسول كافرًا قبل البعثة لا يجوز أيضًا أن يكون الإمام كافرًا قبل الإمامة، ولذلك يقدحون في إمامة الشيخين»([29]).

وقال ابن بزيزة التونسي (ت 662) مقتفيًا كلام الرازي: «واختلف أهل الملة هل يجب للإمام من العصمة ما يجب للنبي أم لا؟ وجماعة أهل النظر أن العصمة مخصوصة بالأنبياء. واختلف قول المثبتين للعصمة لغير الأنبياء فيمن كان كافرًا قبل الإمامة، فقال بعضهم: إمامته صحيحة، وقالت طائفة: إمامته باطلة، وبذلك قدحوا في إمامة الشيخين الفاضلين رضي الله عنهما وقدس روحهما»([30]).

ويقول ابن تيمية: «وأما ما تقوله الرافضة من أن النبي قبل النبوة وبعدها لا يقع منه خطأ ولا ذنب صغير، وكذلك الأئمة، فهذا مما انفردوا به عن فرق الأمة كلها، وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف. ومن مقصودهم بذلك القدح في إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لكونهما أسلما بعد الكفر، ويدَّعون أن عليا رضي الله عنه لم يزل مؤمنًا، وأنه لم يخطئ، قط ولم يذنب قط، وكذلك تمام الاثني عشر»([31]).

وقال نور الله التستري ثم الهندي الرافضي الملقب بالشهيد (ت 1019) في رده على قول الفضل بن روزبهان الأشعري (ت 707): «وأما الكبائر فمنعه الجمهور من المحققين»: «مردود بأنّ المحققين منهم إنّما منعوا ذلك في زمان نبوّتهم لا قبله، فظهر التّفاوت بين مذهبهم ومذهب الشّيعة تفاوت ما بين الأرض والسّماء، وقد صرّح في المواقف وشرحه بما ذكرناه، حيث وقع فيهما: (لنا على ما هو المختار عندنا وهو أنّ الأنبياء في زمان نبوّتهم معصومون عن الكبائر مطلقا وعن الصغائر عمدا وجوه (الأول)… إلى آخره). والظاهر أنّهم إنّما جوّزوا ذلك على الأنبياء ليدفعوا استبعاد خلافة خلفائهم الثّلاثة مع سبق كفرهم، فكيف يرجع مُحقِّقُوهم عن ذلِك؟!»([32]).

وقال مُبدِيًا حقده على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وظنّي أنّ هذا الاضطراب والاختلاف منهم إنّما هو لأنّهم إذا نظروا إلى علوّ شأن الأنبياء عليهم السلام قالوا بعصمتهم في الجملة، وإذا نظروا إلى حال أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) وأنّه يلزم من عدم العصمة في الواقع عدمُ صلاحيتهم لأن يكونوا خليفة ونائبًا عن رسول الله صلى‌الله ‌عليه ‌وآله ندموا عمّا قالوا أوّلا! وقالوا لحفظ حالهم وخلافتهم: إنّ الأنبياء أيضا ليسوا بمعصومين. ويحتمل أن يكون الاختلاف لاختلاف طبائعهم في الاتّصاف بالحياء عن الخالق والخلائق وعدمه، فتأمّل فإنَّ الفِكْرَ فيهم طَويل!»([33]).

وقد احتجَّ الرافضة والمعتزلة لقولهم بأن تجويز ذلك يؤدي إلى رفع الوثوق بما يبلغه الرسل، فتنتفي بذلك فائدة بعثتهم ويلزم التنفير.

يقول ابن تيمية في جواب هذا الاستدلال: «وأما وجوب كونه ‌قبل ‌أن ‌يبعث نبيًّا لا يخطئ، أو لا يذنب، فليس في النبوة ما يستلزم هذا.

وقول القائل: (لو لم يكن كذلك لم تحصل ثقة فيما يبلغونه عن الله) كذب صريح؛ فإن من آمن وتاب حتى ظهر فضله وصلاحه ونبّأه الله بعد ذلك؛ كما نبأ إخوة يوسف، ونبأ لوطًا، وشعيبًا وغيرَهما، وأيَّدَه الله تعالى بما يدل على نبوته؛ فإنه يوثق فيما يبلغه كما يوثق بمن لم يفعل ذلك، وقد تكون الثقة به أعظم إذا كان بعد الإيمان والتوبة قد صار أفضل من غيره، والله تعالى قد أخبر أنه يبدل السيئات بالحسنات للتائب، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.

ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يصدر منهم ما يدَّعُونه من الإحداث، كانوا من خيار الخلق، وكانوا أفضل من أولادهم الذين ولدوا بعد الإسلام»([34]).

وقال أيضًا: «الله سبحانه إنما يصطفي لرسالته من كان خيار قومه، كما قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]، وقال: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75]. بل قد يبعث النبي من أهل بيت ذي نسب طاهر، كما قال هرقل لأبي سفيان: كيف نسبه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب. قال: وكذلك الرسل تبعث في أنساب قومها([35]). وقد قالوا لشعيب مع استضعافهم له: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود: 91].

ومن نشأ بين قوم مشركين جهال لم يكن عليه منهم نقصٌ ولا بُغض ولا غَضاضة إذا كان على مثل دينهم إذا كان عندهم معروفًا بالصدق والأمانة، وفعلِ ما يعرفون وجوبه، واجتنابِ ما يعرفون قُبحَه، وقد قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]؛ فلم يَكُن هؤلاء مستوجِبِين العذاب قبل الرسالة، وإن كان لا هو ولا هم يعلَمُون ما أُرسِلَ به.

وفرقٌ بين من يرتكب ما عَلِم قبحه وبين من يفعل ما لم يعرف، فإن هذا الثاني لا يذمُّونَه ولا يعيبُونَه عليه، ولا يكون ما فعله مما هم عليه مُنفِّرًا عنه بخلاف الأول؛ ولهذا لم يكن في أنبياء بني إسرائيل من كان معروفًا بشركٍ، فإنهم نشؤوا على شريعة التوراة، وإنما ذكر هذا فيمن كان قبلهم، ولكن هذا الذي ذكره يجيء في إخوة يوسف إذا قيل: إنهم صاروا أنبياء بعد ما فعلوه بيوسف، فوقع منهم ما وقع قبل النبوة.

وأما ما ذكره سبحانه في قصة شعيب والأنبياء فليس في هذا ما يُنفِّر أحدًا عن القبول منهم، وكذلك الصحابة الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد جاهليتهم، وكان فيهم من كان محمود الطريقة قبل الإسلام كأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فإنه لم يزل معروفًا بالصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، لم يكن فيه قبل الإسلام ما يعيبونه به، والجاهلية كانت مشترَكةً فيهم كلهم.

فقد تبين أن ما أخبر عنه قبل النبوة -في القرآن- من أمر الأنبياء ليس فيه ما يُنفِّر أحدًا عن تصديقهم، ولا يوجب طعن قومهم فيهم؛ ولهذا لم يذكر أحد من المشركين هذا قادحًا في نبوتهم، ولو كانوا يرونه عيبًا لعابُوه، ولقَالُوا: أنتم كنتم أيضًا معنا على الحالة المذمومة، ولو ذَكرُوا للرسل هذا، قالوا: كنا كغيرنا لم نعرف ما أوحي به إلينا، بل {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم: 10]، فقالت الرسل: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11].

وقد اتفقوا كلهم على جواز بعثة رسولٍ لم يَعرِف ما جاءتْ به الرُّسُل قبلَه من أمور النبوة والشرائع، ومن لم يقر بهذا الرسول بعد الرسالة فهو كافر، والرسل قبل الوحي قد كانت لا تعلم هذا، فضلًا عن أن تقر به، فعلم أن عدم هذا العلم والإيمان لا يقدح في نبوتهم، بل الله إذا نبَّأَهُم عَلَّمَهم ما لم يكونوا يعلمون، وقد قال تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر: 15]، وقال: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: 2]. فجعل إنذارهم بعبادة الله وحده كإنذارهم بيوم التلاق كلاهما عرفوه بالوحي.

وقد كان إبراهيم الخليل قد ترَبَّى بين قوم كفار ليس فيهم من يوحد الله، وآتاه الله رشده وآتاه من العلم والهدى ما لم يكن فيهم كذلك غيره من الرسل.

وموسى لما أرسله الله إلى فرعون قال له فرعون: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 19-22]»([36]).

وقال: «وقد أخبر الله تعالى أن لوطًا كان من أمة إبراهيم، وممن آمن له، ثم إن الله أرسله، وكذلك يوشع كان من أمة موسى، وكان فتاهُ، ثم إن الله أرسلَه، وكذلك هارون، لكن هارون ويوشع كانا على دين بني إسرائيل ملة إبراهيم، وأما لوط فلم يكن قبل إبراهيم من قومه ملةُ نبي يتَّبِعُها لوط، بل لما بعث الله إبراهيم آمن له.

والرسول الذي ينشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم ثم يبعثه الله فيهم يكون أكمل وأعظم ممن كان من قوم يعرفون النبوة، فإنه يكون تأييد الله له أعظم من جهة تأييده بالعلم والهدى، ومن جهة تأييده بالنصر والقهر، كما كان نوح وإبراهيم؛ ولهذا يضيف الله الأمر إليهما في مثل قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد: 26]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33]»([37]).

وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل بعثته تدل أنه «ما زال محفوظًا محروسًا قبل الوحي وبعده، ولو احتمل جواز ذلك، فبالضرورة ندري أنه كان يأكل من ذبائح قريش قبل الوحي، وكان ذلك على الإباحة، وإنما توصف ذبائحهم بالتحريم بعد نزول الآية، كما أن الخمرة كانت على الإباحة إلى أن نزل تحريمها بالمدينة بعد يوم أحد. والذي لا ريب فيه أنه كان معصومًا قبل الوحي وبعده وقبل التشريع من الزنى قطعًا، ومن الخيانة، والغدر، والكذب، والسكر، والسجود لوثن، والاستقسام بالأزلام، ومن الرذائل، والسَّفَه، وبذاء اللسان، وكشف العورة، فلم يكن يطوف عريانًا، ولا كان يقف يوم عرفة مع قومه بمزدلفة، بل كان يقف بعرفة. وبكل حال، لو بدا منه شيء من ذلك، لما كان عليه تبعة؛ لأنه كان لا يَعرِف، ولكن رتبة الكمال تأبى وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم تسليمًا»([38]).

غير أن ذلك لا يلزم منه أن يكون كل نبي من الأنبياء قد نال رتبة الكمال تلك، وفي ذلك يقول ابن تيمية: «وكان صلى الله عليه وسلم من حين ولد ظهرت فيه علامات الخير، وتغير العالم لمولده، وظهرت أمور كثيرة من دلائل نبوته، لكن هذا الذي جرى له لا يجب أن يكون مثله لكل نبي، فإنه أفضل الأنبياء وسيد ولد آدم، والله سبحانه إذا أهَّلَ عبده لأعلى المنازل والمراتب ربّاهُ على قدر تلك المرتبة والمنزلة.

فلا يلزم إن كان نَبِيٌّ قبل النبوة معصومًا من كبائر الإثم والفواحش صغيرِها وكبيرها أن يكُونَ كلُّ نبيٍّ كذلِك، ولا يلزَمُ إذا كان الله قد بَغَّضَ إليه شرك قومه قبل النبوة أن يكون كل نبيٍّ كذلِك، فما عُرِف من حال نبيِّنَا صلى الله عليه وسلم وفضائلِه لا تُنَاقض ما رُوِيَ من أخبارِ غيرِه إذا كان دون ذلك، ولا يمنع كون ذلك بنبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن الله فضل بعض النبيين على بعض، كما فضَّلَهُم في الشرائع والكتب والأمم، فهذا أصل يجب اعتباره»([39]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) «منهاج السنة النبوية» (2/ 435).

([2]) «هداية المسترشدين» (4/ 463).

([3]) نصبُ الخلافِ في هذه المسألة مع المعتزلة فقط هو المقرَّر في كتب الأشعرية المتأخرين، كما في «شرح المقاصد» للسعد التفتازاني (5/ 51). وقد تعقّب ابنُ تيمية الباقلانيَّ في ذلك، وبيّن أنّ النزاع في وقوع الذنوب من الأنبياء قبل النبوة ليس نزاعًا مع المعتزلة فقط، بل هو نزاع بين أصحاب الحديث وأهل السنة أيضًا. ينظر: «تفسير آيات أشكلت» (1/ 181، 185-186).

([4]) قال أبو القاسم الأنصاري: «وهذا الذي قاله مذهب الأستاذ أبي إسحاق وغيره من الأئمة». ينظر: «شرح الإرشاد» (3/ 258-259).

([5]) «شرح الإرشاد» (3/ 259). ونقله عن الباقلاني ابن الهمام في «المسايرة» كما في شرحها «المسامرة» (ص: 517-518).

([6]) «تنزيه الأنبياء عما نسبه إليهم حثالة الأغبياء» (ص: 67).

([7]) «تنزيه الأنبياء عما نسبه إليهم حثالة الأغبياء» (ص: 73).

([8]) «أبكار الأفكار» (4/ 143). ونحوه في «الإحكام في أصول الأحكام» (1/ 169).

([9]) «الأربعين في أصول الدين» (ص: 320). ونحوه في «لباب الأربعين» للأرموي (ص: 313).

([10]) بين ابن تيمية أن نسبة هذا القول لهم عن طريق اللازم لكونهم يكفّرون بالكبائر. انظر: «منهاج السنة» (2/ 418-419).

([11]) نسبه ابن بزيزة في «الإسعاد شرح الإرشاد» (ص: 537) لبعض الروافض، وهو غريب.

([12]) لم يظهر لي وجه نسبة الرازي هذا القول لابن فورك دون غيره، مع أن القاضي وغيره -كما تقدم كلامه- يقول بذلك. وانظر كلام ابن فورك في «مجرد مقالات الأشعري» (ص: 182) في ما عزاه لأبي الحسن تجده مطابقًا لقول القاضي.

([13]) «محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين» (ص: 527-528). ونقله ابن عرفة في «المختصر الكلامي» (ص: 962).

([14]) «تسديد القواعد شرح تجريد العقائد» (3/ 452).

([15]) «المواقف» (ص: 359).

([16]) «عمدة المريد» (2/ 843)، و«هداية المريد» (1/ 707)، والشرح الأول موسع وهو أصل الثاني.

([17]) «مفاتيح الغيب» (18/ 424)، وانظر بسط ابن خمير السبتي الأشعري للمسألة في «تنزيه الأنبياء عما نسبه إليهم حثالة الأغبياء» (ص: 138-146).

([18]) «شرح معالم أصول الدين» (ص 537).

([19]) «بغية الطالب شرح عقيدة ابن الحاجب» (ص: 372).

([20]) «الإشارة في علم الكلام» (ص: 329).

([21]) «الشفا» (2/ 147). وتتمة كلامه في خصوص نبينا صلى الله عليه وسلم: «فكيف والمسألة تصوُّرُها ‌كالممتنع؛ فإن المعاصي والنواهي إنما تكون بعد تقرر الشرع». قال الحافظ العراقي: «وفيه نظر من حيث إنه كان قبل البعثة أمور معلومة التحريم كالربا وقتل النفس وأخذ مال الغير ونحو ذلك». «الرد على ابن أبي العز الحنفي» ضمن «محنة ابن أبي العز الحنفي» (ص: 349). ونحوه في حاشية المنجور على الشفا (ص: 223). وقال السنوسي: «وقد يجاب بأن المراد ما كانت صورته صورة المعصية التي ثبت أنها معصية بعد مجيء الشرع، كصورة الزنا ونحوها». «كفاية المريد» (ص: 322-323). وانظر أيضًا كلام البكي الكومي التونسي في «تحرير المطالب» (ص: 246)، و«حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي» (3/ 346-347).

([22]) «بغية الطالب شرح عقيدة ابن الحاجب» (ص: 372).

([23]) «النبراس شرح العقائد النسفية» (ص: 604).

([24]) «كفاية المريد» (ص: 322).

([25]) «النبراس شرح العقائد النسفية» (ص: 606).

([26]) «كفاية المريد» (ص: 323).

([27]) «هداية المريد لشرح جوهرة التوحيد» (1/ 702).

([28]) «نهج الحق وكشف الصدق» (ص: 142).

([29]) «محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين» (ص: 527).

([30]) «الإسعاد في شرح الإرشاد» (ص: 538). والظاهر من كلام الرازي أن الخلاف الأخير هو بين الرافضة وغيرهم، وليس خلافًا على قولين بين الرافضة.

([31]) «منهاج السنة النبوية» (2/ 429).

([32]) «إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل» (2/ 208-209).

([33]) «إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل» (2/ 211).

([34]) «منهاج السنة النبوية» (2/ 397).

([35]) أخرجه البخاري (7، 2941)، ومسلم (74).

([36]) «تفسير آيات أشكلت» (1/ 191-196).

([37]) «تفسير آيات أشكلت» (1/ 231-232).

([38]) من كلام الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (1/ 130-131). وانظر: «الرد على ابن أبي العز الحنفي» للحافظ العراقي ضمن «محنة ابن أبي العز الحنفي» (349-351).

([39]) «تفسير آيات أشكلت» (1/ 231-232).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017