جوانب من حياة العلامة جمال الدين القاسمي
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد، فهذه جوانب، من حياة مصلح كبير، وعالم شهير، تعلم وعلّم، ودعا وصبر، حتى نفع الله به البلاد والعباد، ألا وهو الشيخ جمال الدين القاسمي.
نسبه وولادته:
هو أبو الفرج محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم القاسمي الدمشقي.
والقاسمي: نسبة لجده الشيخ قاسم، الشهير، بالحلاق.
ولد المترجم، ضحوة يوم الإثنين، لثمان خلت من شهر جمادى الأولى، سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، في زقاق المكتبي، ظاهر باب الجابية، بالقرب من قصر الحجاج، في دمشق الشام.
نشأته:
نشأ المترجم، نشأة حسنة صالحة، في كنف والده، وتلقى عنه مبادئ العلوم العربية والشرعية، ولم يكد يكمل الثالثة عشرة حتى حفظ القرآن الكريم، وأتقن الخط العربي، وأقبل على طلب العلم منذ نعومة أظافره، وقد حرص أبوه على أن يعهد به إلى الأئمة الأعلام في كل فن، فدرس على كثير من علماء دمشق في زمانه.
وقد كان بيت القاسمي بيت علم وصلاح، فقد كان جده الشيخ قاسم فقية الشام وصالحها، وكان أبوه، فقيهاً أديباً، وكذلك كان أعمامه: الشيخ عبد الرحمن، والشيخ محمد، والشيخ عبد الغني، وكذلك خاله: الشيخ حسن جبينة، وابن عمه: الشيخ أحمد القاسمي، وفي هذا الجو من حرمة الدين وجلاله كانت حياة المترجم.
صفاته:
كان أبيض اللون، نحيف الجسم، ربعة القد، أقرب إلى القصر منه إلى الطول، غضيض الطرف، كثير الإطراق، خافض الصوت، ثقيل السمع، خفيف الروح، دائم التبسم، واسع الحلم، سليم القلب، نزيه النفس، عف اللسان، عفيف القلم، واسع العلم، جم التواضع، برّاً بالأهل، وفيّاً للإخوان، يأخذ ما صفا، ويدع ما كدر، عائلاً عفيفاً قانعاً، سخياً على ضيق حاله.
مكتبته:
حبب للمترجم، القراءة من صغره، حتى قيل: إنه قرأ واقتنى غالب ما طبع في عصره من كتب، وبيته يحتوي على مكتبة أسسها جده الشيخ قاسم، ووسعها أبوه، ونماها القاسمي بعد وفاة والده حتى تركها وفيها 2000 مجلد، وجعل لها غرفة خاصة، وصنع فهرساً بكتبها.
وتتميز مكتبة آل القاسمي، بتنوعها الواسع، وعدم اقتصارها على الكتب الشرعية، وأوقفها على ذريته وطلبة العلم، ونشر إعلاناً بذلك في الصحف، وهي مفتوحة إلى اليوم للباحثين، فجزى الله أحفاد القاسمي على رعايتهم لوصية ووقف جدهم.
أعماله:
-انتدبته الدولة السورية، للتنقل بين بلدات وقرى سورية؛ لإلقاء الدروس العامة، ظل أربع سنوات، من 1308 إلى 1312.
-تولى الإمامة في أحد المساجد؛ حين طلب بعض الفضلاء، من والده سنة 1303، أن يرسله؛ ليكون إماماً لهم في مسجدهم في الصلوات الخمس، ويقيم الدروس لهم.
-تولى التدريس في مدرسة عبد الله باشا العظم.
-له مشاركات فعالة في الحياة الاجتماعية بدمشق.
-كان يتصدى للبدع والخرافات، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
رحلاته:
رحل إلى المدينة المنورة، والمسجد الأقصى، ولبنان، والأردن، ومصر وغير ذلك من المدن السورية، والبلدان العربية.
زار المدينة النبوية، سنة 1328، مع صهره خليل بك العظم، والتقى فيها بالسيد أحمد البرزنجي -مفتي الشافعية فيها-، وزار فيها مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت، والمكتبة المحمودية، وتمنى لو يتاح له الإقامة في المدينة، نحو عام؛ لينسخ تلك الكتب المهمة الموجودة فيها.
وزار المترجم، مصر، سنة 1321، مع الشيخ عبد الرزاق البيطار، والتقى بالشيخ محمد عبده، فاغتبطا بلقائه، واغتبط بلقائهما، وصارت المكاتبة بعد ذلك متصلة بينه وبينهما.
وزار بعض نواحي سوريا؛ حين كان اختياره، من قبل الوالي العثماني، ضمن عدد من الفضلاء، سنة 1309؛ لإلقاء دروس عامة، في شهر رمضان، فذهب إلى وادي العجم، وسجل يوميات تلك الرحلة في كتاب، بعنوان: “بذل الهمم في موعظة أهل وادي العجم”.
محنته:
بعدما رجع من زيارته لبعض الدول العربية.. اتّهمه وعدداً من أصدقائه، بعضُ الحساد، لدى الوالي العثماني في دمشق، ببعض التهم الباطلة، وهو تأسيس مذهب جديد في الدين، اسمه: المذهب الجمالي، فاستدعي في سنة 1313؛ للتحقيق أمام مفتي دمشق، وقاض من قضاتها، وتشدد المفتي معه، ولم يقبل ما قاله من رد التهمة، وأوقع العقوبة به، ولكن القاضي كان منصفاً عادلاً، فنقل للوالي زيف الادعاء، وبطلان التهمة، فأخلي سبيله، واعتذر إليه والي دمشق، وذلك في حادثة كبيرة، سميت: حادثة المجتهدين، ثم أثبتت براءته.
وحول هذه التهمة، نظم المترجم، هذه الأبيات:
زعم الناس بأن * مذهبي يدعى الجمالي
وإليه حينما أفتي * الورى، أعزو مقالي
لا وعَمر الحق * إني سلفي الانتحالِ
مذهبي ما في * كتاب الله ربى المتعالي
ثم ما صح من * الأخبار لا قيل وقالِ
أقتفي الحق ولا * أرضى بآراء الرجالِ
وأرى التقليد جهلاً * وعمى في كل حالِ
تدريسه:
تفرغ المترجم، للتأليف والإقراء، في حياة والده، وبعد موته، وحادثة تهمته، اعتكف في منزله للتصنيف وإلقاء الدروس الخاصة وتوجه إلى مسجده جامع السنانية، في دمشق القديمة -وهو المسجد الذي كان يؤمه والده وجده من قبله-؛ حيث أقام دروسه العامة، في التفسير، وعلوم الشريعة الإسلامية، والأدب العف.
ودرّس في بعض رحلاته وسفراته، كما أنه درس في صغره؛ حينما طلب بعضهم من أبيه، أن يفتح لهم دروساً، فلبى طائعاً متمكناً.
مؤلفاته:
-السفينة.[1]
-محاسن التأويل.[2]
-دلائل التوحيد.
-ديوان خطب.
-الفتوى في الإسلام.
-إرشاد الخلق إلى العمل بالبرق.
-شرح لقطة العجلان.
-مذاهب الأعراب وفلاسفة الإسلام في الجن.
-موعظة المؤمنين اختصار إحياء علوم الدين.
-تنبيه الطالب إلى معرفة الفرض والواجب.
-جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب.
-إصلاح المساجد من البدع والعوائد.
-تعطير المشام في مآثر دمشق الشام.
-قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث.
-شذرة من السيرة النبوية.
-رسالة الاستئناس لتصحيح أنكحة الناس.
-حياة البخاري.
-الوعظ المطلوب من قوت القلوب.
-رحلتي إلى المدينة المنورة.
-سر الاستغفار عقب الصلوات.
-ثمرة التسارع إلى الحب في الله تعالى وترك التقاطع.
-العقود النظيمة في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه العظيمة، ومحاسن شريعته القويمة.
-رسالة في أوامر من مشايخ الإسلام بالحكم بغير المذهب الحنفي.
-بيت القصيد في ديوان الإمام الوالد السعيد.
-المسح على الجوربين.
-منتخب التوسلات.[3]
-الأوراد المأثورة.[4]
دعوته:
تأثر المترجم، في دعوته، بدعوة محمد عبده، ورشيد رضا، فكان يدعو إلى إصلاح العبادات والمساجد من البدع، وإلى اتخاذ الإسلام منارة توحيد لكل المسلمين، بحيث لا يفرقهم خلاف عقدي أو فقهي، وإلى اتخاذ العربية لغة البلاد.
واحتفظ بشخصيته المسلمة الشرقية العربية، ولم يتأثر بالحضارة الغربية ولا بالمستشرقين، ولم يخدع بذلك كما حصل لبعض أقرانه آنذلك.
وقد شرق وغرب في الدعوة إلى الله على علم وبصيرة، وسعى بكل وكده؛ أن يواصل دعوته، ولكنهم وقفوا بأطرقه.
عقيدته:
نشأ المترجم، ككثير من أهل عصره، على العقيدة الأشعرية، والطريقة النقشبندية، واستمر إلى الثلاثين من عمره –تقريباً-، وذلك عام 1313 وما حولها، فهدي إلى العقد السلفي.
واستمر حياته كلها، ينافح عن السلفية، ويدافع عن أهلها، لا يلوي على شيء، فتارة يطبع الكتب، وأخرى يؤلف في الدفاع عنها، وهكذا حتى لقي ربه غير مبدل ولا محرف.
وإن كانت بقيت عنده أشياء يسيرة ، لا تقدح في سلفيته الثبتة، وعقده المحكم؛ وذلك بسبب نشأته ومشيخته.
وقد أوذي وعودي، في سبيل ذلك، لكنه صبر حتى ظفر.
مشايخه:
-والده الشيخ محمد سعيد قاسم[5].
-الشيخ بكري بن حامد العطار.
_ الشيخ سليم بن ياسين العطار
-الشيخ طاهر الجزائري.[6]
-الشيخ عبد الرزاق البيطار.[7]
-الشيخ سليم البخاري.[8]
-الشيخ عبد الرحمن بن علي شهاب المصري[9].
-الشيخ محمد أفندي محمد مصطفي القرصي.[10]
-الشيخ رشيد أفندي قزيها الشهير بابن سنان.[11]
-الشيخ أحمد الحلواني.[12]
تلاميذة:
-خير الدين الزركلي.[13]
-الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع.[14]
-الأستاذ محب الدين الخطيب.[15]
-الشيخ حامد التقي.[16]
-الشيخ محمد بهجه البيطار.[17]
-الشيخ محمد جميل الشطي.[18]
-الشيخ توفيق البرزة.[19]
-الشيخ عبد الفتاح الإمام.[20]
الثناء عليه:
قال محمد كرد علي: كان القاسمي مثالاً لعلماء السلف، في تعدد معارفه، وإلمامه بكل ما ينبغي علمه للمجتهد، دون أن يشغله ذلك عن التدريس والوعظ واللقاء بالناس … وبينما ترى القاسمي على قدم السلف الصالح، عالماً كبيراً بين الفقهاء، والأصوليين، والمحدثين، والمفسرين، إذا هو من المختصين بالأدب، وبينما تراه يؤلف إذا بك تراه يواظب على التدريس لطلبته، أو وعظه المستمعين في دروسه وخطبه، ومع كل هذه الأعمال، تراه يهش ويبش كل ساعة، ويفسح من وقته شطراً ليغشى مجلسه أخلاؤه وطلاب الفوائد منه.
وقال شكيب أرسلان: كان فى هذه الحقبة الأخيرة جمال دمشق، وجمال القطر الشامى بأسره فى فضله، وسعة علمه، وسماحة الخلق، ورجاحة العقل، ونبالة القصد، وغزارة العلم، والجمع بين العقل والنقل والرواية والفهم … وشفوف حسه، وذكاء نفسه، وكرم أخلاقه، وشرف منازعه، وجمعه بين الشمائل الباهية والمعارف المتناهية.
وقال الشيخ رشيد رضا: “هو علامة الشام، ونادرة الأيام، والمجدد لعلوم الإسلام، محيى السنة بالعلم والعمل والتعليم والتهذيب والتأليف، وأحد حلقات الاتصال بين هدى السلف والارتقاء الذى يقتضيه الزمن.. الفقيه الأصولى المفسر المحدث الأديب المتفنن التقي الأواب الحليم الأواه العفيف النزيه صاحب التصانيف الممتعة والأبحاث المقنعة “
وفاته:
توفي في دمشق، مساء السبت، الثالث والعشرين، من جمادى الأولى، سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وذلك بعد مرض استمر معه عدة أشهر، ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق، وله من العمر تسعة وأربعين عاماً، وكانت جنازته حافلة جداً، ونعاه أهل العلم في دمشق وبيروت ومصر والعراق.
ورثاه كثير من تلامذته وإخوانه، منهم: رشيد رضا، ومحمود الألوسي، وأخوه صلاح الدين القاسمي، وخير الدين الزركلي وغيرهم-رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار-.[21]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
[1] ألفه وعمره ست عشرة سنة، سنة 1299، وهي مجموعة من الفوائد اللطيفة، والمسائل الشريفة.
[2] في اثنا عشر مجلداً، مكث في كتابته، نحو خمسة عشر عاماً، يأخذه في حله وترحاله حتى أنهاه، وأشرف على طباعته/ الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي.
[3] حين وجد أن الناس تتمسك بأوراد للقطب الفلاني والولي العلاني، رغب أن يستبدل لهم ذلك، بأدعية من القرآن، وأدعية الفرج بعد الشدة، وذلك في سنة 1315.
[4] بعد أن جمع “منتخب التوسلات” جمع أوراد الصباح والمساء وما يقال في السَّحر، مما صحح وثبت، وسماها “الأوراد المأثورة” في سنة 1319، وكتب عن ذلك: “وحبذا اليوم الذي نرى فيه، لا ينتشر إلا المأثور، ولا يعتقد إلا الحق، وما ذلك على الله بعزيز”.
[5] قرأ عليه في المختصرات الفقهية والنحوية.
[6] استفاد من صحبته، علماً بحال العصر، ومعرفة بنوادر الكتب وغرائب المسائل.
[7] حضر مجالسه وتأثر به في منهجه السلفي.
[8] صحبه واستفاد منه.
[9] نزيل الشام. قرأ عليه القرآن.
[10] نزيل دمشق، ومن صلحاء الأتراك. أخذ عليه تعلم الكتابة.
[11] قرأ عليه في مقدمات وفنون شتى، من توحيد وصرف ونحو ومنطق وغيرها.
[12] شيخ قراء الشام. جود عليه القرآن، وقرأ عليه ختمة وأكثر، من نصف الأخرى على رواية حفص.
[13] تعرف عليه من كتبه، وخاصة كتابه “دلائل التوحيد”، ثم التقى به واستفاد منه كثيراً.
[14] من علماء نجد، زار دمشق ولازم القاسمي فيها مدة، ودرس عليه، ورغّبه بالعلم.
[15] كان يحضر له في جامع السنانية.
[16] من أقارب القاسمي وأسن طلابه، درس عليه ولازمه 17 سنة، وكان من أعرف الناس بشيخه.
[17] كان من أخص تلاميذه، إن لم يكن أخصهم على الإطلاق.
[18] لازمه واستفاد منه كثيراً، وأصبح مفتي الحنابلة في زمانه.
[19] كان من طلابه المبرزين، وكان المترجم، يستشيره في المسائل والقضايا.
[20] لازمه زماناً، وأصبح من حملة منهجه وفكره الإصلاحي.
[21] للتوسع في ترجمته:
-الأعلام – خير الدين الزركلي.
-جمال الدين القاسمي وعصره – ظافر بن جمال الدين القاسمي.
-من بيوتات العلم بدمشق آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل – محمد بن ناصر العجمي.
– جمال الدين القاسمي أحد علماء الإصلاح الحديث في الشام – نزار أباظة.
– إمام الشام في عصره جمال الدين القاسمي سيرة ذاتية، بقلمه – تحقيق محمد العجمي.
– آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل – محمد العجمي.
– القاسمي وآراؤه الإعتقادية – علي دبدوب.
-مقال للأستاذ محمد زاهد أبوغدة.
-مقال للأستاذ أسامة شحادة، في مجلة البيان.