الأحد - 20 جمادى الآخر 1446 هـ - 22 ديسمبر 2024 م

قراءة نقديّة في كتاب (الصواعق والرعود) لابن داود الحنبلي (الجزء الأول)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وبعد، فمنذ ظهرت الدعوة السلفية الإصلاحية التي قادها وجدَّدها الشيخ الإمام المصلح محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ) في بلاد نجد وما حولها، انبرى لمواجهتها ومعاداتها كثيرٌ من الخصوم، ممن تربَّوا على التقليد المذموم، وظنّوا اتباع الكتاب والسنة خاصًّا بالإمام المجتهد المعدوم وجودُه منذ قرون.

واشتدَّت المعاداة أكثر بعد أن قيَّض الله لهذه الدعوة السيف والسنان بعد الحجة والبيان، فآزرها الإمام محمد بن سعود (ت 1179هـ)، وحصل الحلف التاريخي (ميثاق الدرعية) بين إمام الدعوة وإمام الدولة سنة (1157هـ) وتأسّست على إثره الدولة السعودية الأولى على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح.

وبعد وفاة محمد بن سعود ولي بعده ابنه: عبد العزيز بن محمد بن سعود الذي حكم الدولة السعودية الأولى بعد وفاة والده سنة 1179هـ إلى وفاته سنة 1218هـ.

وفي عهد هذا الإمام توسَّعت الدولة السعودية جدًّا، ونشطت في الدعوة ومراسلة جميع الأمراء والمشايخ والفقهاء لبيان حقيقة الدعوة، وإقامة الحجج ونفي التّهم الباطلة التي ردّدها خصوم الدعوة وشانئوها.

سبب تأليف الصواعق والرعود:

ومن ذلك الرسالة التي أرسلها الإمام عبد العزيز إلى العلماء والقضاة في الحرمين الشريفين وبلاد مصر والعراق والمغرب وغيرها من الأمصار، في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وتحديدًا في عام 1210هـ أو قبلها بقليل؛ لأن تقريظ ابن فيروز لكتاب ابن داود مؤرخ بالثامن عشر من شهر صفر عام 1210هـ.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “وهذه الرسالة كتبها الإمام عبد العزيز رحمه الله إلى العلماء والقضاة في الحرمين والشام ومصر والعراق، وإلى غيرهم من علماء المشرق والمغرب، أبان فيها دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي الحنبلي رحمه الله… وبين رحمه الله الأمور التي أنكرها الناس على أصحاب هذه الدعوة المباركة، وأوضح أدلتها وكشف الشُّبه التي تعلّق بها عُبَّاد الأنبياء والأولياء، فجاءت -بحمد الله- رسالة كافية شافية في بيان حقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل”([1]).

وكان لهذه الرسالة أثر في العلماء والقضاة، ولذلك انبرى عدد من الخصوم للرد عليها، يقول محمد بن فيروز الإحسائي عن هذه الرسالة: “ثم قام بهذا الأمر الخبيث أخبث الوجود وأعظم الناس غدرًا وأنقضهم للعهود عبد العزيز بن سعود، فشمَّر عن ساعده… ثم إنه عمل عاملٌ رسالة على لسانه، أخذ بعضها من كلام العلماء، فصارت جزء عسل أضيف إليه عشرة أجزاء من الصّبِر، وبعث بها مع الشيخ أحمد بن درويش الكواز لينشرها في أرض الحجاز، فلم ينشرها هناك خوفًا من وبالها، فرجع بها إلى البصرة، فنشرها فيها، ويُذكر لي أنه استحسنها من لم يشمّ من العلم رائحة، ولم يتصل له من مسائله غادية ولا رائحة…”([2]).

ويظهر من الكلام مدى التأثير الذي أحدثته رسالة الإمام عبد العزيز في الأوساط العلمية حينها، وهو ما أزعج الخصوم للرد عليها. فأراد ابن فيروز أن يردّ عليها، ولكنه اكتفى برد ابن داود.

وفي عام 1211هـ كتب محمد بن محمد القادري الشافعي الحلبي رسالة قصيرة في الرد عليها.

وممن ردّ عليها كذلك عبد الله بن داود الزبيري الملقب بعفيف الدين (ت 1225هـ)، كتب كتابًا كبيرًا سماه: (الصواعق والرعود في الردّ على ابن سعود) طبع مؤخرًا في قرابة 600 صفحة.

مكانة ابن داود وكتابه:

ترجم ابن حميد لابن داود ترجمة مختصرة، فقال: “ولد في الزبير، ونشأ بها، فقرأ القرآن وتعلّم، ثم ارتحل إلى الأحساء للأخذ عن علّامتها الشيخ محمد بن فيروز، فلازمه وأخذ عنه، وعن ولده الشيخ عبد الوهاب وغيرهما في الفقه والأصول والفرائض والعربية، ثم عاد إلى الزبير ودرَّس بها وأفتى بها”([3]).

وذكر الشيخ البسام أن ابن داود ولد في بلدة حرمة من سدير، وتعلّم فيها أولا من الشيخ التويجري، ثم ارتحل إلى البصرة ونزلها، ثم إلى الشام، فلقيَ فيها جملةً من العلماء وقرأ عليهم، ثم رحل الأحساء وقرأ على الشيخ محمد بن فيروز، ثم استقر في بلدة الزبير([4]).

وقد احتفى خصومُ الدعوة جدًّا بصدور هذا الكتاب وتأليفه، وبالغوا في الثناء عليه وعلى مؤلّفه، وكلُّ من طالع الكتاب يجزم أنه ثناء مبالغ فيه، لا يستحقّه، فالكتاب كما سنبيّن مشحون بالأخطاء العلمية والمنهجية، ويعتمد على الساقط من الروايات والاستدلالات، فضلا عن السبّ والشتم والطعن في المقاصد والنيات، فضلا عن الافتراءات التي لا يمكن لعاقل أن يصدّقها، وهي تَشين حاكيها ومصدِّقَها، وتدلّ على فساد ذوقه وعقله، فضلا عن ديانته وأمانته، ولا تَشين من رُويت في حقِّه كذبًا وزورًا.

ومع ذلك احتفى به خصوم الدعوة الألدّاء، فقال عنه شيخه ابن فيروز: “ولما ذكرها لي بعض الأصحاب [رسالة الإمام عبد العزيز] أردت أن أبعث من يأتيني بها لأتصدى لإبطالها ومحق افترائها، قدم عليّ بادرة العصر، أعجوبة الدهر، المحرر الأوحد، من استقر على عرش الكمال وتوحّد، من قسم الله له من العلم الشرعي أوفر نصيب… الشيخ الأجل عبد الله بن داود، وإذا هو قد تأمل تلك الرسالة المضِلّة، المبهرَجة المبطلَة بالأدلّة، فرأيته قد سبقني بعمل ما رُمْتُ أن أعمله فيها… فإن الشيخ المذكور -أيده الله تعالى- قد نقضها قاعدة قاعدة…”([5]).

ويظهر من كلام ابن فيروز أنه لم يقرأ بعدُ الرسالة المردود عليها، إذ كان ينتظرها ليبطلها، ومع ذلك ذمّها وبالغ في ذمّها وذمّ صاحبها بقبيح الأوصاف، وهو دليل على خلوه من الإنصاف.

ثم مبالغته في الثناء على ابن داود وكتابه مع ما يظهر في كتابه من ضعف علمي في التحرير والتحقيق وضعف الرواية والدراية دليل آخر على أن الأمر مجرّد دعاية في معركة حامية الوطيس، وليس من البحث العلمي والتجرد للحق كما زعم ابن داود في كتابه.

وكذلك أثنى على الكتاب خصم الدعوة اللدود ابن عفالق، فقال في تقريظه للكتاب: “فقد وقفت على هذا الشرح الذي شرح الصدور بتقريره، وأثلج القلوب وشفى النفوس بتحقيقه وتحريره…”([6]).

وقد سعى خصوم الدعوة الجدُد من الصوفية القبورية في زمننا في بعث هذا الكتاب المقبور، فطبعوه أوّلَ مرة آخر العام المنصرم (1443هـ-2022م) وهلّلوا له جدًّا، وفخّموا من شأنه.

والكتاب ليس فيه جديد، فهو تَكرار لكلام خصوم الدعوة، واتهامها بوصف الخوارج، وذمّ نجد، وتعيير النجديّين بظهور مسيلمة الكذاب على أرضهم، والدفاع عن عبادة القبور والأموات وصرف العبادة لغير الله، بنفس الشبهات والأجوبة التي رددها خصوم الدعوة وفندها أئمة الدعوة في كتبهم.

 

سبب ترويج الكتاب:

ولكن أهمّ ما رُوِّج به هذا الكتابُ حديثًا ولبِّس به على بعض الجهال والمغرورين أمران:

الأول: دعواهم أن الكاتب شاهِد على العصر، وناقل لما عاصره ورآه بعينه، أو سمعه من الثقات.

وقد اعتبر محقق الكتاب([7]) هذه ميزةً في كتاب الصواعق، لا تتوفّر في غيره من الردود التي كان مؤلّفوها في أقطار أخرى، خلافًا للمؤلف الذي لا يبني كتابه على سماع من موافق أو مخالف -بحد تعبير المحقق- بل هو معاين لهم.

وسوف يتّضح -إن شاء الله- بيقين كذبُ هذه الدعوى، وأن المؤلف مجرّد ناقل لما هو معروف من الافتراء على الدعوة من خصومها، دون تحقّق أو تبين أو تثبت.

الثاني: كثرة النقل عن ابن تيمية وابن القيم، حيث أراد المؤلّف إثبات مباينتهما لطريق الدعوة، وقطع الصّلَة بين الدعوة وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله تعالى-.

ولا شكّ أن من يطالع كتب شيخ الإسلام وابن القيم ويكون خبيرًا بها، فإنه يجزم ببطلان هذه الدعوى، وأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كانت -في مجملها ومعظمها- تجديًدا لدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الذي كانت دعوته تجديدًا وإحياءً لمنهج أهل السنة والسلف الصالح في العلم والعمل والسلوك.

ولكن لم يتوفّر لشيخ الإسلام ابن تيمية السلطانُ والدولة كما يسر الله تعالى لدعوة الشيخ محمد -رحمهما الله تعالى-.

وإذا كان خصوم الدعوة جلهم من الأشاعرة والصوفية وممن غلب عليهم التقليد المذموم، ومعلوم مدى مفارقة الشيخين لأصول هذه الطوائف الثلاث، وأن عامة كتبهم في الرد عليهم، وأن ما نالهم من الأذى في حياتهم وبعد مماتهم كان على أيدي متعصّبة الأشاعرة والصوفية، فكيف يُدّعَى موافقة الشيخين لمنهج هؤلاء الأشاعرة والقبورية والصوفية؟!

وسوف يأتي مزيد توضيح لذلك إن شاء الله.

الغرض من هذه الورقة (الجزء الأول):

وليس غرضنا هنا مناقشة كل ما قاله ابن داود في كتابه، وتعقبه كلمة كلمة، فلعل هذا نفعله لاحقًا لإنه يطول جدًّا؛ فإنه -بلا مبالغة- لا تخلو صفحة من صفحات كتابه من جهل وبغي وسوء أدب، مع ضعف في الدراية والرواية، والاستدلال بالأحاديث الموضوعة والمختلقة، فضلا عن الواهي والضعيف من الروايات، ولولا التعصب المقيت لاستحى أي طالب علم من الترويج لمثل هذا الكتاب الذي يشين كاتبه ومصدّقه.

ولكن لعل في هذا مصلحة وفائدة، وهي أن نعرف حقيقة ما كان عليه خصوم الدعوة، حتى لا يتصور أحد أنه قد كان هنالك ما هنالك، ولكن لم يصل إلينا!

والغرض من هذه الورقة مناقشة أمرين:

الأول: هل يصلح ابن داود ليكون شاهدًا عدلا؟

الثاني: مناقشة موقف ابن تيمية وابن القيم من الدعوة في ضوء ما نقله ابن داود.

المبحث الأول: هل يصلح ابن داود أن يكون شاهدًا عدلا؟

لكي تكون شهادة ابن داود مقبولة، فلا بد أن تتوافر فيه عدة صفات، مثل: الإنصاف، والعقل، والعلم، ومعرفته بما يشهد عليه وحقيقته، وألا يظهر منه الكذب.

والكتاب الذي بين أيدينا يبين لنا بجلاء خلوه من هذه الصفات، فلم يكن الرجل منصفًا ولا عدلا في حكمه، بل كان مشحونًا موتورًا مؤَجَّجًا بأجواء الصراع الذي كان سائدًا حينها في الجزيرة العربية.

والبيئة العلمية التي نشأ فيها ابن داود كانت هذه سمتها، فكلّ الردود التي كتبت ضدّ الدعوة امتلأت بمثل هذا السباب والطعن والكذب والافتراءات، حتى ممن كان يشار إليهم بالفقه من شيوخ ابن داود كابن فيروز.

فما صدر من ابن داود لم يكن غريبًا على البيئة التي نشأ فيها، والتي ملأها التعصّب والحنَق الشديد على الدعوة وأئمتها، وبيان ذلك في النقاط الآتية:

أولا: السبّ والشتم وسوء الأدب:

1- يقول ابن فيروز شيخ ابن داود في تقريظه للكتاب: “فإني أذكر في هذه الأوراق شيئًا من نشأة الطاغية المرتاب، المحيي ما اندرس من أباطيل مسيلمة الكذاب، أي: المنسوب إلى المرحوم الشيخ -وأرجو أنه ليس له- بل لعل الشيخ غفل عند مواقعة أمه عن الوارد، فسبقه الشيطان إليها، فكان أبا هذا المارد؛ إذ هو لِعدو الله إبليس أشدُّ الخلق شبهًا له في إبراز الباطل في قالب الحق بأعظم تلبيس…”([8]).

وإذا كان هذا الطعن الفظيع يصدر عن أكبر رؤوسهم في الفقه، وهو يكشف عن مدى الحقد في القلوب، فلك أن تتخيل ما كان عليه التلاميذ.

2- ويصف ابن فيروز عبد العزيز آل سعود صاحب الرسالة المردود عليها بقوله: “أخبث الوجود، وأعظم الناس غدرًا وأنقضهم للعهود”([9]).

3- وفي تقريظ ابن عفالق للكتاب يتكرر نفس السباب والشتم، فيصف ابن سعود صاحب الرسالة بقوله: “الكذاب الكنود، المرهق المكلف -إن شاء الله تعالى- صعود، عبد العزيز بن سعود([10])، لا أسعده الله تعالى ولا ساعَده، وقطع عقبه ودابره وساعِده، ولعمري إن الأليَق والأحرى تسميتُه بابن نحوس المتعوس…”([11]).

وإذا كان هذا كلام شيوخه المقدَّمين، فما بالك بمن دونهم؟!

4- يقول ابن داود: “وأما أنت يا معتوه، فوالله ثم والله ما عرفت أسماء هذه العلوم([12])، فضلا أن تعرف المسميات، ولكن قلة عقلك واتباع شيطانك وهواك سوَّل لك أنه لا يعرف معاني كتاب الله أحد سواك”([13]).

5- يقول ابن داود: “فوالله ثم والله، إن مقالة ابن عبد الوهاب وأتباعه أقبح من مقالة أهل النهروان وأشنع؛ لأن أهل النهروان قد عرفوا بعض شروط التفسير والاجتهاد، وأما هؤلاء فليس عندهم إلا الزور والفجور والعناد والكذب والتدليس والطيش والفساد، وغلب عليهم الجهل وأصمّهم، وأعماهم حب الرياسة وأبهتهم، وامتلأت قلوبهم من الزيغ والحسد، وعمتهم الفتنة حتى جرت منهم مجرى الدم من الجسد…”([14]).

6- ولا يصف في كتابه الشيخ محمد رحمه الله إلا بـ: الكذاب – المارق – الخبيث – الضال – وريث مسيلمة الكذاب – وأنه يطلب ثأر مسيلمة – وكثيرًا ما يلمزه بالكفر – كما سيأتي.

ولا يصف أتباعه إلا بالمارقين أو بالكلاب، وهذا الوصف تكرر كثيرًا في كتابه في عدة مواطن.

7- قوله: “إن الشيخ وأتباعه شرّ من اليهود والنصارى”، ودفاعه عن هذه المقولة والاستدلال عليها([15]).

8- ويقول عن الشيخ محمد رحمه الله: “صفتان أخذتهما عن أهلهما: البهت لليهود، والكذب للمنافقين. فوالله الذي لا إله إلا هو، إن محمد بن عبد الوهاب قائدكم إن شاء الله إلى النار…”([16]).

9- قوله عن صاحب الرسالة: “يا قليل الحياء والمروة، وعديم العقل والفتوة…”([17]).

10- والحقيقة أن تعقب ذلك يطول جدًّا، فهو في كل كتابه يورد فقرة من الرسالة التي يرد عليها، ثم يتبعها بسيل من الشتائم والسباب.

فمثلا: يعلّق على قول ابن سعود: (أهل الأهواء) بقوله: “أراد العلماءَ الذين هم أولياء الله، وسبب ذلك أنهم بيَّنوا عواره، وسفّهوا دعواه، وردّوا تحريفه وانتحاله، وشهّروا كفره وضلاله”.

ويورد بعدها قول ابن سعود: (ولم نتنازع مع العدوّ في سائر المعاصي بأنواعها، ولا المسائل الاجتهادية)، فيقول ابن داود معقِّبًا: “قبَّحك الله يا كذّاب، لأيّ شيء هذا التجسّس والاضطراب، والعدول عن وصفك المعروف والإضراب؟! فما هذا -والله- إلا علامة الجنون والخذلان، وأمارة الكذب والزور والبهتان…”([18]).

وهكذا كلّ الكتاب، لا تخلو فقرة من فقراته من سبّ وتشنيع، لا يصدر من مدّعي الإنصاف، بل الحقد وسوء الأدب يقطر من كلامه وحروفه، فكيف يظنّ به الإنصاف وأنه شاهد عدل على خصومه؟!

11- ومن ذلك تكفير الشيخ وأتباعه صريحًا في مواطن، وتعريضًا في مواطن أخرى.

ففي تقريظ ابن عفالق للكتاب يقول: “وأن ربقة الإسلام من أعناقهم أجمعين محلولة، وأن دمائهم إن لم يرجعوا عن بدعتهم مطلولة، وأن نهب أموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم من الإباحة والحلّ بمكان، إن أصروا على الحكم بالتكفير لمن لا يعرفون إلا توحيدَ الرحمن، وأن ذبائحهم إن أبَوا إلا ذلك أنجسُ من ذبائح عبدة الأصنام، ومناكحتهم لا تحلّ ولا تصح في كل حال لمنابذتهم لأهل الإسلام”([19]).

فانظر كيف كفَّروهم واستحلّوا دماءَهم وسبيَ نسائهم وغنم أموالهم، مع أنهم يشنِّعون عليهم بذلك، وصدق القائل: رمتني بدائها وانسلت.

وقال ابن داود نقلا عن ردّ محمد بن الطيب المغربي قوله: “فلا مرية في خروجه من الدين، وانخراطه في سلك الكافرين”([20]).

والاتهام بالعصمة وادّعاء النبوة وتنقيص النبي صلى الله عليه وسلم هي مناداة على الشيخ بالكفر الصريح الذي لا تأويل فيه.

ثانيًا: الافتراء والكذب على الدعوة وشيوخها:

وهذه سمة عامة كتب خصوم الدعوة في هذه المرحلة، ولم يكن كتاب ابن داود بدعًا من الأمر، ولا آتيًا بجديد، بل كان ناقلا لما قيل، فمن ذلك:

1- اتهام الشيخ بادعاء النبوة: وهذه كانت تهمةً رائجةً في ذلك الزمن، وحام حولها ابن داود، تارة باتهام الشيخ بها مطلقًا، أو بأنه كان يضمِرها، أو أنها كانت دعوى حال.

ففي موضع من كتابه يقول عن الشيخ محمد رحمه الله: “فكيف بهذا المغرور الذي جُبِل على أقبح العصيان، وأشنع الذنوب والطغيان، ولم [يحم] حول حمى العلم، بل حام حول حمى النبوة”([21]).

ويقول في موضع آخر: “ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم وأفضلهم بلا شك ولا ارتياب، ولكن النزاع بيننا وبينك [الخطاب لابن سعود] في تنبِّي محمد بن عبد الوهاب، وقد سمعنا من رجل من هؤلاء المارقين -يقال له: الصويغ- قال: لا فرق، هذا محمد بن عبد الله، وهذا محمد بن عبد الوهاب”([22]).

ويقول في موضع آخر: “وكذلك نبوة ابن عبد الوهاب لم يظهر عليها إلا الظلمة، وكلما مر عليها الزمان كشف أمرها وأظهر فسادها، وتنقطع -إن شاء الله – قريبا”. ثم يستدرك على هذا الغلو والكذب والافتراء بقوله: “وهو إن لم يدَّعِ النبوة بالقول، فقد ادَّعاها بالفعل والقوة”([23]).

ويقول في موضع آخر: “وأما زيارة قبر ابن عبد الوهاب، فالذي نُقِل لنا أن نساء العارض يتردّدون إليه فضلا عن الرجال، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور، لا قبره عليه السلام، فهل تجويزكم ذلك لنسائكم لأنه نبي اليمامة قياسًا على نبي تهامة؟!”([24]).

فانظر هذا الزور والبهتان الذي لا يشك منصف في كذبه!

وهذه الفرية ليست من اختراع ابن داود، بل هو -كما أشرنا من قبل- مجرد ناقل لما كان يردّده خصوم الدعوة حينها، وممن كان يروّج لهذه الفرية ابن عفالق، فقال في رسالته التي ألّفها ردًّا على عثمان بن معمر أمير العيينة آنذاك: “كما ادّعى نزيله مسيلمة بلسان مقاله، وابن عبد الوهاب بلسان حاله”.

ويقول في موضع آخر من هذه الرسالة عن الشيخ محمد أنه ادعى الرسالة.

ويقول في رسالة أخرى ألّفها ردًّا على جواب ابن معمر: “والله، لقد ادّعى النبوة بلسان حاله لا بلسان مقاله، بل زاد على دعوى النبوة، وأقمتموه مقام الرسول”.

ويسوق صاحب كتاب (فصل الخطاب) أحمد بن علي القباني نفسَ الفرية بقوله عن الشيخ: إنه متنبّي نواحي اليمامة.

وكذلك روّج هذه الفرية علوي الحدّاد في كتابه (مصباح الآنام) فقال: “وكان يضمر دعوى النبوة، وتظهر عليه قرائنها بلسان الحال، لا بلسان المقال؛ لئلا تنفر عنه الناس”([25]).

وهذه الفرية تغني حكايتها عن ردّها، وربما راجت قديما بسبب جهل الناس بالدعوة وكثرة التشويه، ولكن لا يمكن قبولها اليوم بحال من الأحوال، وهي تنادي على قائلها بالخزي والعار.

هذا مع أن عقيدة الشيخ التي سطَّرها بنفسه واضحة في نفي ذلك، فيتحدّث في مواطن كثيرة عن أهل الردة الذين صدّقوا مدّعي النبوة، وهذا أحد الأدلة الكبيرة التي يردّ بها الشيخ على دعوى استحالة وقوع الشرك في الأمة، أو على عدم تكفير من قال الشهادة مهما فعل أو قال، فيبطل الشيخ هذه الشبهة بوجوه كثيرة، من أشهرها استدلاله بإجماع الصحابة على تكفير مدعي النبوة([26]).

ويذكر في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم: “شهادتك له أنه رسول الله وأنه خاتم النبيين، وتعلم أنك لو ترفع أحدًا من الصحابة في منزلة النبوة صرتَ كافرًا”([27]).

وليس الغرض الإطالة في ردّ هذه الفرية، ولكن الغرض بيان حال ابن داود، وأنه ليس إلا مروِّجًا لكلام الخصوم بلا علم ولا عدل ولا إنصاف، فكيف تقبل شهادته وحاله ما ذكرنا؟!

2- من الافتراءات التي سوَّد بها ابن داود كتابه: قوله في مفتتح كتابه عن الشيخ محمد رحمه الله: “وأمر بتكفيرهم وقتلهم أجمعين، وذم المؤمنين.. وجزم بتضليل الأمة من نحو ستمائة عام.. وزعم أنه لا يصحّ إسلام إلا على يديه، وأوجب الهجرة إليه…”([28]).

وهذه الفرية كسابقتها، ليست من شهادة ابن داود ولا معاينته، بل هي تكرار لافتراءات الأعداء والخصوم، بألفاظها وحروفها.

وممن كررها في رسالته سليمان بن سحيم، فقال في رسالته التي بعثها إلى علماء الأمصار محرِّضا على الشيخ ومنفِّرًا عن دعوته: “ومنها أنه ثبت أنه يقول: الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء… وأن من لم يوافقه في كل ما قاله ويشهد أن ذلك حقّ يقطع بكفره، ومن وافقه ونحى نحوه، وصدقه في كل ما قاله، قال له: أنت موحّد، ولو كان فاسقا محضًا”([29]).

وممن ردَّدها أيضا زيني دحلان فقال: “وكانوا يصرحون بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة، وأول من صرح بذلك محمد بن عبد الوهاب، فتبعوه على ذلك”([30]).

وقد تولى الشيخ محمد رحمه الله ردَّ هذه الفرية بنفسه، فقال في رده على ابن سحيم: “واللهُ يعلم أن الرجل افترى عليَّ أمورًا لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: إني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء… وجوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم!”([31]).

وقال أيضا: “وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفِّر بالظن والموالاة، أو أكفِّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله”([32]).

وهي فرية مشهورة، وجوابها ظاهر، وليس غرضنا هنا مناقشتها بالتفصيل، ولكن الغرض بيان حال ابن داود، وأنه لم يأت فيها بشيء جديد سوى أكاذيب من سبقه، وأنه لا يختلف عن غيره من خصوم الدعوة الذين عرف عنهم الكذب والدجل، بل هو في الحقيقة ناقل عنهم.

3- ومن أكاذيبه التي نقلها في كتابه: ادعاؤه أن الشيخ يقرّ على نفسه بالعصمة، ولا يثبت الإسلام إلا لمن يقرّ له بالعصمة.

فادّعى هذا الكذّاب أن الشيخ محمدًا رحمه الله قال لأهل نجد: “لا أقبل منكم أبدًا حتى تشهدوا لي بالصدق والعصمة، ولجميع العلماء بالكذب والفرية، وأني لا أنطق عن الهوى، وأن من عاداني فقد زاغ وفي الكفر هوى، وتُجاهدوا معي بالسيف والمال واللسان، وتشهدوا أنّ كلّ من يتبعني يحسن تفسير القرآن”([33]).

فهل يصدّق عاقل -محبًّا كان أم شانئًا- أن الشيخ قال هذا الكلام؟! وهل كانت دعوة الشيخ إلا نهيًا عن تعظيم الصالحين ورفعهم فوق منزلتهم، ونهيا عن التقليد المذموم؟!

ثم أليس هذا الكلام تكفيرًا لقائله؟! وهو في الحقيقة تأكيد لاتهام ادِّعاء النبوة السابق ذكره. نعوذ بالله من الفجور في الخصومة.

4- دعواه أن الشيخ محمد رحمه الله يوالي الرافضة! وهي من أعجب الكذب والبهتان.

فقال هذا المفتري: “وإذا جاؤوك [أي: الرافضة] أكرمتهم غاية الإكرام للمودة التي بينك وبينهم باطنا”([34]).

فإذا كانت باطنة فكيف اطلَّعَ عليها؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!

ثم يحكي أنه اجتمع بعبد العزيز الحصين، فذكر له ما يفعل الروافض عند مشهد الإمام علي من الشرك مثل: يا علي أنت الله، يا علي أنت المعبود، يا علي أنت الموجود، إلى غير ذلك، فلما انتهى إلى الباب سجد له، فقال: “دعهم أنتم شرّ منهم، مع أن بلدنا لا يوجد فيها شيء من جميع الأمور الذي هو ينكر… وهذا دأبه يمدح أهل الأوثان ويترك معائبهم، ويذم أهل الإيمان ويسيء إليهم”([35]).

وهذه الحكاية تدلّ على أن هذا الرجل إما أنه كذاب، أو لا يضبط ما يقال، وغالبًا فيه الأمران، وكلاهما صفتان تقدحان في ما ينقل.

ويكفي في ردّ هذه الفرية قراءة رسالة الشيخ في الردّ على الرافضة ضمن مجموع مؤلفاته، وقد طبعت مفردة بتحقيق الدكتور النهمي، فلتراجع.

5- ومن أكاذيبه التي ذكرها في كتابه: قوله: إنهم يقولون: “لا نأخذ إلا بالقرآن، ولا ندعو إلا للقرآن، ولا نعمل إلا به”([36]).

وادّعى في موضع آخر من كتابه أن الشيخ يقول: لا آخذ إلا بالكتاب، ويكفي عن الإجماع وغيره، وأما الحديث فلا يتعلّمه ولا يعلّمه، بل يكتم كتبه عن أتباعه”([37]).

وأنهم يمنعون من قراءة كتب التفسير، ويحذّرون منها، ويعاقبون من أظهر منها ورقة، هي وجميع كتب أهل العلم من حديث وفقه وغيرها([38]).

وهذا الكلام يتضمن إنكار السنة وإجماع العلماء والقياس، ومعلوم أن هذا كذب لا يقول به الشيخ ولا تلاميذه، فكتبهم مشحونة بالآيات والأحاديث وتفاسير أهل العلم.

6- ومن ذلك: تعقيبه على قول صاحب الرسالة: “وكلام الأئمة الأعلام رضي الله عنهم كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة السلف”.

فيعلق هذا الموتور بقوله: “هذا ترويج وتدليس، وتأليف وتلبيس، وإلا فهو لا يقلد الأئمة ولا غيرهم، بل تارة يدّعي أنه يأخذ من الكتاب فقط، وتارة يقول: إنا لا نأخذ إلا من الكتاب والسنة”([39]). وادعى في موضع آخر أنهم أنكروا التقليد في الأحكام الشرعية الفرعية، وأنكروا على من قلد الأئمة الأربعة([40]).

وادعى أن الشيخ يقول: “إذا علم الرجل معنى لا إله إلا الله فهو المطلوب منه، ولا يلزمه أن يتفقه”([41]).

وادعى هذا الكذاب أن الشيخ قال: “لا يزال الرجل عالمًا ما لم يتعلّم، فإذا تعلم فهو أجهل الجهال، وحكمنا عليه بالكفر والضلال”. وأنه كان يقول: “لو جاء إلينا باليمامة لعلم ما يضره وما ينفعه في عشرة أيام، وكان مجتهدًا يأخذ من الكتاب والسنة”([42]).

فهل مثل هذا الكذب الصراح يوثق بناقله وبعقله وأمانته؟!

إذا كان الشيخ محمد نفسه نفى عن نفسه الاجتهاد فقال: “وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد، فنحن مقلّدون الكتاب والسنة، وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل، رحمهم الله تعالى”([43]).

ويقول في رسالته إلى علماء البلد الحرام: “من محمد بن عبد الوهاب إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام، نصر الله بهم سيد الأنام، وتابعي الأئمة الأعلام؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته… فنحن ولله الحمد متَّبعون لا مبتدعون، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. وحتى من البهتان الذي أشاع الأعداء: أني أدّعي الاجتهاد ولا أتبع الأئمة”([44]).

ويقول أيضا: “وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة، ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها”([45]).

ويقول ابنه عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: “ونحن أيضا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة، ولا نستحقّ مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يدعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صحَّ لنا نصّ جليّ من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصّص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب”([46]).

ومن أعظم ما يرد به على هذا الافتراء أمران:

الأول: أن الشيخ نفسه اختصر الشرح الكبير والإنصاف، وهما من أعظم كتب الفروع في المذهب الحنبلي.

الثاني: الواقع في القضاء والإفتاء والتدريس، فكله كان على المذهب الحنبلي، حتى إنهم لم يكونوا فيه على اختيارات ابن تيمية المشهورة في الطلاق، والتي خالف بها جمهور الفقهاء، فكان أئمة الدعوة في القضاء والإفتاء على مذهب الحنابلة والجمهور.

وكان للدعوة أثر عظيم لا ينكر في إشاعة مجالس العلم وحِلَقه، وبعد ذلك طبع الكتب في شتى فروع الشريعة، بل لا يشكّ منصف أنهم حملة المذهب والقائمون به بعد أن كان المذهب خاملا.

7- ومن افتراءاته: قوله على الشيخ “إنه انهمك في الذنوب والمعاصي من أول أمره”([47]).

وهذه فرية مختلَقَة، والمعروف عن الشيخ الديانة والاستقامة منذ الصغر، ولكن إذا لم تستح فاصنع ما شئت!

8- ومن ذلك قوله: “إن ابن عبد الوهاب يوافق الجهمية في أشياء كثيرة.. وأن شبَهَه بالجهمية أقربُ من شَبَهِه بابن تيمية”([48]).

ولا أدري ما وجه الشبه بالجهمية أصلا؟! إلا أن الرجل من حقده يلقي التهم جزافًا.

9- اتهامه للشيخ والدعوة أنهم يكفّرون بلبس الخاتم، والسبحة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، وعد حلق الرأس، والدعاء بعد الصلاة، وتلقين الميت بعد دفنه، وتقبيل أيدي العلماء وأهل الفضل، والتكفير بالسيادة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وأطال في مسألة التحليق والدخان، وأنهم يقتلون الناس عليهما، ويحرقون بيوتهم بذلك.

وكل ما ذكر هو من الافتراء الذي ردَّه علماء الدعوة، وبيّنوا كذب قائله.

قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: “وأما البحث عن حلق شعر الرأس، وأن بعض البوادي الذين دخلوا في ديننا قاتلوا من لم يحلق رأسه، وقتلوا بسبب الحلق خاصة، وأن من لم يحلق رأسه صار مرتدا؟ فالجواب: أن هذا كذب وافتراء علينا، ولا يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فإن الكفر والردة لا تكون إلا بإنكار ما علم بالضرورة من دين، وليس عدم الحلق منها، بل ولم نقل: إن الحلق مسنون، فضلا عن أن يكون واجبا، فضلا عن أن يكون تركه ردة عن الإسلام”([49]).

ثم قال: “وأما البحث عن التنباك، وقولكم: بلغنا أنكم أفتيتم فيه بأنه من المسكرات، اعتمدنا على قولكم، فعارض بعض الراحلين من عندكم، فقالوا: من شربه بعدما تاب منه فقدِ ارتدَّ وحل دمه وماله. فالجواب: أن من نسب إلينا القول بهذا فقد كذب وافترى؛ بل من قال هذا القول استحق التعزير البليغ الذي يردعه وأمثاله، فإن هذا مخالف للكتاب والسنة، بل لو تاب منه ثم عاد إلى شربه، لم يحكم بكفره وردته، ولو أصر على ذلك إذا لم يستحلَّه، والتكفير بالذنوب مذهب الخوارج الذين مرقوا من الإسلام، واستحلوا دماء المسلمين بالذنوب والمعاصي”([50]).

10- قوله: “نقل لنا من نثق به عن محمد بن عبد الوهاب أنه قال: استخرجت من قصة الحديبيبة سبعًا وعشرين كذبة”([51]).

ومما يُظهر كذب هذا الأفاك أن للشيخ رسالةً لطيفةً في ذكر بعض فوائد صلح الحديبية، استنبط منها مائة وتسعا وثلاثين فائدة. واختصر الشيخ كتاب الزاد لابن القيم، ولا تثبت عنه هذه الكلمة بوجه من الوجوه، بل الشواهد تكذّبها.

11- ومن ذلك ادعاؤه في عدة مواضع من كتابه على الشيخ تنقيص النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قال ذات مرة: عُصَيَّتي هذه أنفعُ من النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه الفرية كسابقاتها، تلقَّفها عن غيره، فقد كانت شائعة، أشاعوها للتنفير عن دعوة الشيخ، وللتوصّل لتكفيره بحجة تنقيص النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ أحمد بن حجر بوطامي: “وهل يصدِّق هذا الافتراء الصريح إلا مختلّ العقل، أو جاهل متأثر بما سمع من أمثال هؤلاء المشايخ الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، وقلَّ نصيبهم من الحياء والعلم والإيمان، وأخذوا يكيلون التُّهَمَ من غير حساب وبلا تفكير. إن هذه التهم الشنيعة لا تليق بأن تنسب إلى أقل مسلم جاهل، فضلًا أن تنسب إلى عالم جليل يدعو إلى الكتاب والسنة.

فيا سبحان الله العظيم! ما أجهل هؤلاء وأجرأهم على الكذب وخلق التهم! وإلا فلو فكروا قليلا فيما يدّعو إليه هذا الشيخ وفيما ينكر على الناس من تلك الضلالات، لعلموا أنه ما كان يدعو إلا إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله، وترك تلك العادات السافلة والعقائد الوثنية الممقوتة، وهل يدعو إلى سنة رسول الله وتحكيمها وهو يبغضها؟!

اللهم إن هذا ظلم وجور لا يقبله العقل الصحيح ولا الذوق السليم”([52]).

وليس الغرض استقصاء كل الأكاذيب والافتراءات التي أوردها ابن داود في كتابه، ففي كل صفحة من كتابه مثل هذه الافتراءات والأكاذيب، فهل مثل هذا يوثق بنقله وما يدَّعيه وعلامات الكذب والزور والحقد ظاهرة جلية في كلامه؟!

ثالثا: من الأسباب التي تبيِّن عدم الوثوق بما ينقل ابن داود: عدم فهمه لكلام مشايخ الدعوة أصلا:

وهذا ظاهر في عدة مواضع، فمن ذلك:

1- نقل عن البربهاري قوله: “والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين يوم القيامة وعلى الصراط، ويخرجهم من جهنم، وما من نبي إلا وله شفاعة، وكذا الصديقون والشهداء والصالحون، ولله بعد ذلك تفضل كثير على من شاء خروجه من النار بعدما أحرقوا وصاروا فحمًا”.

فعقب ابن داود على هذا الكلام بقوله: “انظر أيضا هل كفر البربهاري؛ لأنه لم يشترط في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن بعده المشيئة والإذن، بل ذكره في تفضيله جل جلاله، ولم يذكرها في الشفاعة. نعم على مذهب هذا المارق المشاقق يكفر”([53]).

وهذا يدل على عدم تصوّره أصلا لحقيقة الدعوة، ولا كلام أئمتها، ولا فهمه لكلام البربهاري. فهل نفى البربهاري رحمه الله شرط إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع فيه؟! وهل طلب البربهاري الشفاعة من المخلوق؟! وهل عبَد البربهاري المخلوقَ بحجة أنه يشفع له عند الله تعالى؟! وهل نفى أحد من أئمة الدعوة الشفاعة أو جعل إثباتها من الشرك؟! وما علاقة هذا الكلام بمحل النزاع أصلا؟!

2- ومن ذلك قوله: “وأعجب من ذلك كونه يستدل على تكفير الأمة قاطبة بقول الشيخ تقي الدين: أو جعل بينه وبين الله وسائط. وهو يجعل نفسه من أعظم الوسائط؛ لأنه لا يتم لأحد إسلام إلا على يديه أو يدي من استنابه”([54]).

ومثله قوله في الموضع نفسه: “ومن العجب أن ابن عبد الوهاب يجعل التوبة إلى الشيخ من أعظم المكفرات، ويقول: لا يجوز التقليد. وينسى قوله: لا يصح لأحد إسلام إلا تائبًا على يدي، ومقلدًا لي في كل أقوالي”

وهذا مع ما فيه من الكذب والافتراء، ففيه كذلك من الجهل وسوء فهم كلام العلماء وكلام من يرد عليهم؛ فإنه لا يفرق بين العبادة التي لا تكون إلا لله تعالى، وما يجوز في حق المخلوق. فكلام شيخ الإسلام في نفي الوسائط الشركية هو في نفي عبادتها من دون الله تعالى، لا نفي دلالة الخلق على الله تعالى.

فالأنبياء والرسل وأتباعهم ممن يدعون إلى الله على طريقتهم واسطة بين الله وخلقه في إبلاغ شرعه فقط، لا في التقرب بهم إلى الله ولا في عبادتهم من دون الله تعالى؛ بزعم أنهم يقربون عابدهم إلى الله، كما هي حجة المشركين التي حكاها عنهم القرآن.

وهذا الفرق ظاهر جدًّا، ومعروف عند أئمة الدعوة وطلابها، ولكن ابن داود لم يفهم كلامهم كغالب من أعرض عن الدعوة ممن احتملتهم عصبية الجاهلية على الإعراض عن الحق والهدى بعد مجيئه.

3- ومن ذلك ما حكاه عن شيخهم الأكبر ابن فيروز وأنه قال: “ابن القيم على طريقتهم من أعظم الكافرين؛ لأنه سمى كتابه (إغاثة اللهفان)، فجعله مغيثًا، وهم يقولون: من جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مغيثًا للملهوفين كفر، فكيف من جعل كتابه مغيثًا للملهوفين؟!”([55]).

وإذا كان هذا فهم ابن فيروز، فكيف بمن دونه؟! وإذا كان هذا فهمهم لأهم قضايا الدعوة ومسائلها التي يكثر بيانها، والاستدلال لها، والتصنيف فيها، والجدل حولها، فكيف فهمهم لما هو أدق من ذلك؟!

رابعا: من الأسباب التي توجب ردّ كلام ابن داود: كثرة التحريف للنقول عن أهل العلم:

وقد صنع هذا كثيرًا، خاصّة عند النقل عن الشيخين، فإنه ينقل كلامهما الذي يظنه مؤيدًا لما يقول، ثم يحذف منه ما يبين مقصودهم، أو ما يخالف هواه وبدعتهم الفاسدة.

وسأضرب مثالين فقط؛ لأني سأذكر أمثلة أخرى من ذلك عند الكلام على موقف الشيخين ابن تيمية وابن القيم ومدى مطابقة كلامهما لمنهج الدعوة في جزء مستقل. ولكن غرضي هنا بيان عدم الثقة بما ينقل ابن داود:

1- نقل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله في (كشف الشبهات): “إذا قال لك بعض المشركين: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] وأن الشفاعة حق، أو أن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاما للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه. وهذا جواب جيد سديد”. ثم ذهب يشنّع بقوله: “فواعجبًا من رجل يدّعي التجديد، وهذا عنده جواب سديد!…”([56]).

والظاهر أن ابن داود كان يعتمِد على قلّة الكتب حينها، وعدم انتشار كتب الشيخ، وإلا فإنه لم يكمل جواب الشيخ الذي به يتم المقصود وهو: “فجاوبه بقولك: إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله ذكر أن المشركين يقرّون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] هذا أمر محكَم بيّن لا يقدر أحد أن يغيّر معناه. وما ذكرت لي -أيها المشرك- من القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله. وهذا جواب جيد سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله، فلا تستهن به؛ فإنه كما قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}”([57]).

2- نقل عن ابن القيم قوله: “وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء، والتصنّع للخلق، والحلف بغير الله، وقول الرجل: ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكّل على الله وعليك، ولولا الله وأنت لم يكن كذا، وطلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، والخوف من غير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله، والتوبة للشيخ… -إلى أن قال:- وهذا باب واسع جدًّا، ولو تتبّعنا أنواع الشرك الأصغر في هذا الباب لخرجنا من المقصود”. ثم نقل عن ابن القيم أيضا في (إغاثة اللهفان) قوله: “ومن أنواع الشرك الأصغر النذر لغير الله”([58]).

وهذا كذب وتدليسٌ بغرض التلبيس على الخلق؛ إذ أدخل طلب الحوائج من الموتى في الشرك الأصغر، وليس ذلك في الكلام، بل في كلام ابن القيم وصف طلب الحوائج من الموتى بأنه أصل شرك العالم.

والنقل عن ابن القيم في (المدارج) هذا أصله: “فصل: وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك»، وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكّل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا، وقد يكون هذا شركا أكبر، بحسب قائله ومقصده، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل قال له ما شاء الله وما شئت: «أجعلتَني لله ندا؟! قل: ما شاء الله وحده» وهذا اللفظ أخفّ من غيره من الألفاظ.

ومن أنواع الشرك: سجود المريد للشيخ، فإنه شرك من الساجد والمسجود له، والعجب أنهم يقولون: ليس هذا بسجود، وإنما هو وضع الرأس قدّام الشيخ احتراما وتواضعًا، فيقال لهؤلاء: ولو سميتموه ما سميتموه، فحقيقة السجود وضع الرأس لمن يُسجد له، وكذلك السجود للصنم، وللشمس، وللنجم، وللحجر، كله وضع الرأس قدامه…

ومن أنواعه: التوبة للشيخ، فإنها شرك عظيم، فإن التوبة لا تكون إلا لله، كالصلاة، والصيام، والحج، والنسك، فهي خالص حق الله.

فالتوبة عبادة لا تنبغي إلا لله، كالسجود والصيام.

ومن أنواعه: النذر لغير الله، فإنه شرك، وهو أعظم من الحلف بغير الله، فإذا كان من حلف بغير الله فقد أشرك، فكيف بمن نذر لغير الله؟!

ومن أنواعه: الخوف من غير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله، والإنابة والخضوع والذل لغير الله، وابتغاء الرزق من عند غيره، وحمد غيره على ما أعطى، والغنية بذلك عن حمده سبحانه، والذم والسخط على ما لم يقسمه، ولم يجر به القدر، وإضافة نعَمِه إلى غيره، واعتقاد أن يكون في الكون ما لا يشاؤه.

ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فضلا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها…”([59]).

فانظر كيف أدخل في كلام ابن القيم ما يناقض مقصوده، ليجعل كلامه أقرب لكلامهم.

فهل مثل هذا الذي يزوّر كلام أهل العلم المكتوب والمحفوظ يوثَق بنقلِه وأمانته، أم أنه كان شاهدَ زور ممن شاركوا في تشويه الدعوة والصد عنها؟! وقد ذهب كلامه هباء منثورًا بفضل الله تعالى، وبارك الله تعالى في الدعوة، وآتت أكلها في بقاع الأرض كلها، ﴿فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمكُثُ فِي ٱلأَرضِ﴾ [الرعد: 17].

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) من مقدمة الشيخ للرسالة المطبوعة سنة 1407هـ باسم (الرسالة الدينية في معنى الإلهية).

([2]) من تقريظه لكتاب ابن داود (ص: 31).

([3]) السحب الوابلة (2/ 620).

([4]) علماء نجد (4/ 114-115).

([5]) تقريظ ابن فيروز من مقدمة الصواعق والرعود (ص: 27-32).

([6]) مقدمة الصواعق والرعود (ص: 37).

([7]) المحقّق مجهول، ووضع اسما وهميًّا، وظاهر من صنيعه معاداته للدعوة ورجالها ومبادئها.

([8]) الصواعق والرعود (ص: 27).

([9]) الصواعق والرعود (ص: 31).

([10]) يتحاشى المحقق ذكر عبد العزيز بن سعود لأسباب لا تخفى.

([11]) الصواعق والرعود (ص: 37).

([12]) يقصد علوم اللغة من المجاز والاستعارة والتشبيه والإرداف وغيرها مما ذكره السيوطي في الإتقان.

([13]) الصواعق والرعود (ص: 181).

([14]) الصواعق والرعود (ص: 183).

([15]) انظر: الصواعق والرعود (ص: 230).

([16]) الصواعق والرعود (ص: 308).

([17]) الصواعق والرعود (ص: 526).

([18]) الصواعق والرعود (ص: 232).

([19]) الصواعق والرعود (ص: 37).

([20]) الصواعق والرعود (ص: 190).

([21]) الصواعق والرعود (ص: 93)، وما بين المعقوفين زيادة لا يتم المعنى إلا بها.

([22]) الصواعق والرعود (ص: 251).

([23]) الصواعق والرعود.

([24]) الصواعق والرعود (ص: 330).

([25]) هذه النقول عن ابن عفالق والقباني وعلوي حداد من كتاب (دعاوى المناوئين) للشيخ عبد العزيز بن محمد عبد اللطيف (ص: 81-82).

([26]) انظر مثلا: مجموعة مؤلفات الشيخ (3/ 37، 38)، وانظر: (3/ 42، 43)، وانظر كذلك رسالة كشف الشبهات.

([27]) الدرر السنية (1/ 98).

([28]) الصواعق والرعود (ص: 44).

([29]) فصل الخطاب في الرد على ضلالات محمد بن عبد الوهاب، نقلا عن دعاوى المناوئين (ص: 164).

([30]) الدرر السنية في الرد على الوهابية، زيني دحلان (ص: 42، 43).

([31]) مجموع مؤلفات الشيخ (5/ 11).

([32]) مجموع مؤلفات الشيخ (5/ 25).

([33]) الصواعق والرعود (ص: 111).

([34]) الصواعق والرعود (ص: 51).

([35]) الصواعق والرعود (ص: 51).

([36]) الصواعق والرعود (ص: 55).

([37]) الصواعق والرعود (ص: 124).

([38]) الصواعق والرعود (ص: 124)..

([39]) الصواعق والرعود (ص: 188).

([40]) الصواعق والرعود (ص: 192).

([41]) الصواعق والرعود (ص: 139).

([42]) الصواعق والرعود (ص: 99).

([43]) مجموع مؤلفات الشيخ، رسالته إلى البكبلي (ص: 96).

([44]) الرسائل الشخصية (ص: 40).

([45]) مجموع مؤلفات الشيخ (5/ 107).

([46]) الدرر السنية (1/ 226).

([47]) الصواعق والرعود (ص: 90).

([48]) الصواعق والرعود (ص: 111).

([49]) الدرر السنية (10/ 276).

([50]) الدرر السنية (10/ 276).

([51]) الصواعق والرعود (ص: 535).

([52]) الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه، لأحمد بوطامي (ص: 29).

([53]) الصواعق والرعود (ص: 59).

([54]) الصواعق والرعود (ص: 150).

([55]) الصواعق والرعود (ص: 162) باختصار يسير.

([56]) الصواعق والرعود (ص: 156).

([57]) كشف الشبهات (ص: 17).

([58]) الصواعق والرعود (ص: 150).

([59]) مدارج السالكين (1/ 353) باختصار يسير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017