الخميس - 03 جمادى الآخر 1446 هـ - 05 ديسمبر 2024 م

عيسى عليه السلام.. رسولٌ من أولي العزم

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقَـدّمَـــة:

لا يكاد يوجد كتاب أدقُّ وصفًا لتاريخ المسيح عيسى وأمه مريم عليهما السلام من كتاب الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم، فهو ينزل عيسى وأمه مريم عليهما السلام منزلة رفيعة عالية في الدين الإسلامي، وله مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، ففي القرآن تفاصيل نبوته ومفاصل أيامه ومواقع خطاباته ومواجهاته، وفي حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم جملة كبيرة من حياته عليه السلام، وبالتالي امتلأت كتب التفسير والحديث والعقائد وغيرها من التراث الإسلامي بالكلام عن عيسى عليه السلام، ولا يكاد يوجد بين المسلمين من لا يعرف عيسى عليه السلام، ولا يكاد يوجد بينهم من لا يعرف مريم أم عيسى عليهما السلام؛ ذلك أن معرفة عيسى عليه السلام والإيمان بنبوته من أركان الإيمان عند المسلمين، ويتمثل في ركن الإيمان بالرسل، وعيسى هو أقرب الأنبياء إلى محمد صلى الله عليه وسلم في السرد التاريخي الزمني؛ ومن هنا ورد ذكره في كتاب الله تعالى في أكثر من أربعين موضع، وورد على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مائة وثلاث وعشرين حديثًا، وفي نصوص الصحابة في خمس وستين أثرًا([1])، وورد اسم أمه كذلك في أكثر من ثلاثين موضعًا إما مرادفًا لاسمه وإما بغير ترادف، وتفصيل تاريخها قبل المسيح الذي لا يوجد في العهدين القديم والحديث له ذكر، ولم يكتف القرآن ببيان الموقف الحق من عيسى عليه السلف بل فيه مواقف الناس منه، فقد بيَّن غلو الغالين في عيسى حتى رفعوه إلى عالم الخيالات ونقضه، وبيَّن ازدراء الجافين المنتقصين فيه حتى حطوه في درك الفواحش والنجاسات وردَّه، وذكر الموقف الحق من عيسى عليه السلام.

وقد تجلى لك أخي القارئ الكريم هنا أننا في هذه الورقة العلمية نروم بيان منزلة عيسى عليه السلام في الإسلام وأنه نبي من أنبياء الله المرسلين، وأحد أصفيائه وأوليائه المقربين.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

فضل أم المسيح عيسى عليه السلام:

اختص القرآن بذكر تاريخ أم عيسى مريم عليهما السلام من بين سائر الكتب المقدسة، فلا نكاد نجد فيها تفصيلًا لتاريخها وحياتها قبل ميلاد عيسى عليه السلام([2])، مع أن المسلمين يعلمون عنها الكثير؛ إذ ليست شخصية المسيح شخصية عادية في الدين الإسلامي، بل أخبر القرآن أن عيسى عليه السلام ولد في عائلة فاضلة رفيعة امتازت عن غيرها بالتقوى والفضل، واصطفى الله آل بيته كما اصطفى آدم ونوحا، وكانت ولادته معجزة وآية، وكانت حياته مليئة بالآيات والمعجزات الباهرات؛ فإن أم عيسى من أعلام النساء اللاتي خلَّد التاريخ أسماءهن وهي مريم عليها السلام، وقد ورد ذكرها باسمها مرات عديدة في القرآن الكريم، فقد كانت من القانتات التائبات العابدات الراكعات الساجدات، وتلك أوصاف العظمة – سواء في الرجال أو النساء-، وليست تنال بسهولة، فقد كانت مريم عليها السلام من أولئك العظيمات في التعبد والتذلل لله سبحانه حتى رفع الله ذكرها/ فأثنى عليها في كتابه العظيم فقال: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: 42، 43]، فالله سبحانه اختارها لعبادته وخصها بكرامته، وطهر دينها من الريب، وجعلها سيدة نساء عالم زمانها([3]) كما أخبر عليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة))([4])، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم عدها من النساء الكاملات اللاتي كملن ولم يكمل من النساء إلا قليل كما قال: “كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء: إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام”([5]).

ولادة عيسى عليه السلام آية من الآيات:

وقد عقَّب المولى سبحانه وتعالى القول في فضل مريم عليها السلام بقصة ولادة عيسى عليه السلام فقال: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 45 – 47]، فلم تكن قصة وجوده في الدنيا إلا آية من الآيات؛ بل كانت ولادته آية بحد ذاتها، وهو في حياته كان منصورًا ممدودًا إليه حبل المولى سبحانه وتعالى، يمده بالآيات والمعجزات – كما سنفصله -، وأما أمه مريم عليها السلام فكانت ولادة عيسى عليه السلام بالنسبة لها بشارة وهبة من الله سبحانه وتعالى([6])، فقد ولد في بيت لحم من فلسطين، من غير أب، عن طريق النفخ في جيب مريم عليها السلام؛ إظهارًا لقدرة الله تعالى للروم الذين سيطرت عليهم المادية والوثنية([7])، وكانت ولادته معجزة من المعجزات كما أخبر الله عنه: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: 17 – 21]، فأرسل الله إليها جبريل، فخافت منه، فسألت كيف يكون لي ولد ولم أتزوج ولم أكن بغية؟!، فأخبرها الملك أن عيسى علامة وحجة لله على خلقه، ودليل من دلائل عظمته وقدرته سبحانه([8]).

وهذا الذي ذكرناه في قصة ولادة المسيح من القرآن الكريم لا نجد له ذكرًا في أسفار العهد القديم، بينما يفصله العهد الجديد بتطابق كبير مع ما في القرآن، ففي إنجيل لوقا: “فدخل إليها الملاك وقال: سلام لك أيتها المنعم عليها الرب معك، مباركة أنت في النساء.

فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية.

فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم؛ لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيما، وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله کرسي داوود أبيه، ويملك على بيت بعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية.

فقالت للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟!

فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك قوة العلي تظللك، أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله، وهوذا إليصابات نسيبتك هي أيضا حبلى بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا؛ لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله.

 فقالت مريم: هوذا أنا أمة الرب؛ ليكن لي كقولك. فمضى من عندها الملاك”([9]).

البشارات والمنن الإلهية لعيسى عليه السلام منذ الولادة:

فالله سبحانه وتعالى بشرها بخير بشارة حين أخبرها أن وليدها ليس مجرد مولود من المواليد، وإنما هو آية للعالمين؛ حيث يخلقه الله من غير فحل ولا بعل، وينطق في المهد بالحق، وذا منزلة عالية عند الله وشرف وكرامة، يقربه الله يوم القيامة فيسكنه في جواره ويدنيه([10]). ويعلمه الكتاب؛ وهو الخط الذي يخطه بيده، ويعلمه الحكمة؛ وهي السنة التي يوحيها إليه في غير كتاب، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، ولم يكن قبله، ولكن الله أخبر مريم قبل خلق عيسى أنه موحيه إليه، ويجعله رسولا مؤيدًا بالآيات الباهرات والمعجزات والبينات، فيحيي الأموات، ويبرئ من الآفات، وينبئ عن المغيبات([11]).

وهذا كله ثابت في كتاب المسلمين ففيه: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: 45 – 46]، وفيه: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آل عمران: 48 – 50].

لقد كانت هذه البشارات والمنح الإلهية مصحوبة من أول لحظة بالابتلاءات والمحن الربانية، فلا شك في صعوبة الولادة على امرأة محاطة بالرعاية والعناية البشرية ما بين كوادر طبية وأجهزة صحية وغيرها، فكيف والحال أنها ولدت وهي لوحدها، ليس معها حبيب ولا طبيب، وليس ثمة غذاء ولا دواء؛ ولكن كان معها رب الأرض والسماء، وبذلك أصابها الكرب الشديد، والبلاء العظيم، حتى تمنت الموت، بل تمنت العدم بدل الوجود، قال تعالى في القرآن العظيم: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: 22، 23]، ولكن رغم انعدام العناية الطبية والبشرية إلا أنه كانت في كنف الرحمة الإلهية والعناية الربانية، فقد انتقلت بوليدها إلى جانب واعتزلت الناس، مستسلمة لأمر الله تعالى، والله سبحانه لا يخيب من فوَّض إليه أمره، فكان أن بشرها وليدها بأن الله مشرِّفها ورافعُها به، وسائق إليها ماءها وغذاءها ودواءها، فقال تعالى: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 24 – 26]، وأعظم من مصيبة الجوع والعطش المصيبة التي حلت بها، فكيف تخبر البشرية عمَّا حصل لها، ومن من البشر يصدِّقها ويقرِّها بما تقول، ولكن الله سبحانه وتعالى أنقذها من هذه المصيبة أيضا بأن أوحى إليها عدم الكلام إلا الإشارة إلى وليدها عيسى عليه السلام، وبعد هذه النازلة العظيمة انطلقت مريم عليها السلام إلى قومها حاملة وليدها، وحصل ما كانت تخشاه، فقد قامت القيامة عليها، واجتمعوا يستبشعون ويستنكرون، ويرمونها بالتُّهم، ويذكرونها برقي خلق والديها، ورفعة شأن عائلتها، كما قال تعالى: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: 27 – 29]، فما كان من وليدها عيسى عليه السلام إلا أن نطق بالحق و ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 30 – 33].

“عيسى عبد الله ورسوله”([12]):

فقد أخبر القرآن أنه عبد من عباد الله سبحانه وتعالى، وليس هو الله نفسه، ولا ثالث ثلاثة، وليس ثمة علاقة بنوة بينه وبين الله إلا علاقة خلق الله له وتربيته له، ثم طاعة عيسى لربه، ثم كونه نبيًّا من أنبيائه عليه الصلاة والسلام، وليس ابن عاهرة كما يصور التلمود اليهودي، وولد من غير أب، وليس من جندي روماني سفاحا كما يدعون، وكانت ولادته آية باهرة من الآيات، وليست خرافة ولا كذبة كما يصور اليهود([13])، وقد أخبر القرآن أن هذا هو الحق الفاصل في هذا الذي يمترون فيه، فقال: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم: 34 – 37]، يقول الإمام الطبري (310) رحمه الله: “يقول تعالى ذكره: هذا الذي بينت لكم صفته، وأخبرتكم خبره، من أمر الغلام الذي حملته مريم، هو عيسى ابن مريم، وهذه الصفة صفته، وهذا الخبر خبره، وهو (قول الحق) يعني أن هذا الخبر الذي قصصته عليكم قول الحق، والكلام الذي تلوته عليكم قول الله وخبره، لا خبر غيره، الذي يقع فيه الوهم والشك، والزيادة والنقصان، على ما كان يقول الله تعالى ذكره: فقولوا في عيسى أيها الناس، هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود، الذين زعموا أنه لغير رشدة، وأنه كان ساحرا كذابا، ولا ما قالته النصارى، من أنه كان لله ولدا، وإن الله لم يتخذ ولدا، ولا ينبغي ذلك له”([14]).

وهذا البيان الجلي والفصل في القول في أمر عيسى عليه السلام قد يظن الظان أننا نجد مثله في أسفار التوارة الذي يسمى العهد القديم وهو القسم الأول من الكتاب المقدس، ولكن الواقع أنه ليس فيه تصريح واضح بشأن عيسى عليه السلام؛ وإنما هي مجرد إشارات يتعسف النصارى في شرحها وتأويلها؛ لتدل على عيسى عليه السلام، بعكس القرآن الكريم، وأما الأناجيل الأربعة فلا شك في وجود ذكر عيسى فيها، يقول أحمد شلبي: “فالذي يقرأ كتب اليهود لا يجد لعيسى ذكرًا، وهذا مما حدا ببعض الغربيين إلى اعتبار عيسى شخصية خرافية فرضية ليست حقيقية واقعية…”([15]).

وليس هذا القول من شلبي ضربًا من التخمين أو اعتبارًا بشواذ لا يعتبر بهم، بل نجد مثل هذا الطرح عند صاحب قصة الحضارة (ول ديورانت) حيث يتساءل: “هل وجد المسيح حقا؟! أو أن قصة حياة مؤسس المسيحية، وثمرة أحزان البشرية وخيالها، وآمالها أسطورة من الأساطير شبيهة بخرافات كرشنا وأوزريس وأتيس وأونيس وديونيش ومتراس، لقد كان بعض الباحثين يقولون في مجالسهم الخاصة: إن المسيح قد لا يكون له وجود على الإطلاق”([16])

ومهما يكن من أمر فإنه يظهر موقف القرآن وموقف الإسلام من عيسى عليه السلام وكونه عبدًا من عباد الله، وأما نبوته ورسالته فقد كان رسولًا من أولي العزم، فمن السنن الإلهية أن الله سبحانه وتعالى يبعث في البشرية رحمةً بهم مَن يهديهم ويرشدهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى الصراط المستقيم كلما انحرفوا عنه وأدلجوا في غياهب الظلمات ودياجير الفساد والموبقات، وهو ما كان في قوم عيسى عليه السلام فقد أعرضوا عن الله سبحانه ووصاياه وعبادته وتعظيمه، وسعوا وراء الماديات والملذات والشهوات، وطغوا وتجبروا وأفسدوا، فبعثه الله إليهم رسولا “وكانت رسالته إلى بني إسرائيل، مبينا حكم التوراة، ونادبا إلى العمل بها، ومحللا أشياء مما حرم فيها”([17]) كما قال تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [آل عمران: 49 – 50]، وكما ذكرنا سابقًا كانت ولادة عيسى عليه السلام آية باهرة من جملة الآيات الكثيرة التي احتفَّت بحياته، وفيها عبرة لمن اعتبر، ونذير لمن خاف وأبصر، فكيف بك لو سمعت أن طفلًا ولد من غير أب ثم هو في نفس الوقت يدعي أنه رسول من عند رب العالمين، وعنده من صفات الرسل ما عنده، ومعه ما مع عيسى من الآيات والبينات ما أخبر الله به، أفلا نؤمن به؟!

أم كيف لا نؤمن به والنبي محمد صلى الله عليه وسلم أمر بالإيمان به حيث قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل»([18]).

نعم أخبر القرآن أن عيسى عليه السلام قد أمده الله بجملة من الآيات؛ فقد كان يجعل الطين على هيئة طير فينفخ فيه فيكون طيرًا فيطير بإذن الله سبحانه وتعالى، وكان يؤتى إليه بالأعمى ومن به برص في جلده فيدعو لهم فيبرؤون مما بهم بإذن الله تعالى، حتى قيل: إنه كان يجتمع إليه الآلاف من المرضى فيبرؤون بدعائه، بل إن الله أكرمه بإحياء الموتى بدعائه، وكان أيضا ينبئ بالمغيبات التي لا سبيل لأحد من البشر إليها ممن سبيلهم سبيله([19]).

وقد ورد في العهد الجديد هذه المعجزات وغيرها، ومن ذلك على سبيل المثال: “فأتى إليه أبرص يطلب جاثيا وقائلا له: إن أردت تقدر أن تطهرني. فتحنن يسوع ومن يده ولمسه، وقال له: أريد فاطهر، فللوقت وهو يتكلم ذهب عنه البرص وطهر، فانتهزه وأرسله للوقت، وقال له: انظر، لا تقل لأحد شيئا، بل اذهب أر نفسك للكاهن، وقدم عن تطهرك ما أمر به موسی شهادة لهم، وأما هو فخرج وابتدأ ينادي كثيرا، ويذيع الخبر، حتى لم يعد يقدر المسيح أن يدخل مدينة ظاهرا، بل كان خارجا في مواضع خالية، وكان يأتون إليه من كل ناحية”([20]).

وبالإضافة إلى كل ذلك؛ أنزل الله عليه الإنجيل يحمل معه الهداية والنور لبني إسرائيل الذين زاغوا عن سواء السبيل، فيبين لهم ما جهلوا من حكم الله، ويضيء لهم ما أظلم من عمى الجهالة، ويبين لهم حكم الله الذي ارتضاه لعباده المتقين، ويزجرهم عما يكرهه سبحانه.

 وهو في كل ذلك مصدق لما كان قبله من كتب الله التي كان أنزلها على كل أمة أنزل إلى نبيها كتاب للعمل بما أنزل إلى نبيهم في ذلك الكتاب، من تحليل ما حلل، وتحريم ما حرم([21]).

الإنجيل يدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك:

بعد أن أورد القرآن كل تلك المعجزات لعيسى عليه السلام والإنجيل المنزل، أخبر أنه سائر على ما سار عليه رسل الله جميعا، فقد دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهى عن الشرك والتنديد فضلا عن التثليث: ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [آل عمران: 51]، فلما كان الإله الذي أيده بكل تلك الآيات والمعجزات هو ربه ورب قومه ورب الكائنات كلها كان هو المستحق للعبادة، فدعوة الأنبياء كلهم متفقة في هذا الأصل ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، وهو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد))([22])، ومن هنا نجد أن دعوة المسيح كانت إلى ما دعا إليه الأنبياء من قبله ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: 72].

وقد حرر القرآن هذه الكذبة التي تم افتراؤها على المسيح بأنه ادعى الألوهية، أو دعا الناس إلى عبادته من دون الله سبحانه وتعالى، في أجمل حوار وأبلغ صورة؛ حيث قال: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 116 – 118]، فقد تبرأ المسيح عليه السلام من أن يكون هو من دعاهم إلى إشراكه مع الله فيما يختص به من عبادة وتقرب، فرد عيسى عليه السلام بأنه ليس له قول ذلك، وهو عبد من عباده، ومخلوق من مخلوقاته، وأمه مريم عليها السلام أمة من إمائه، فكيف يكون للعبد والأمة ادعاء ربوبية؟ وأخبر أنه إنما أمرهم بتوحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة([23])، وإلى جانب هذا الأصل دعاهم إلى جملة من الأصول كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والبر والإحسان إلى الناس والوالدين خاصة وغيرها من أعمال المعروف، وقد نبَّه القرآن إلى أنهم انحرفوا عما في الإنجيل الحق وابتدعوا أمورًا من عندهم لم يشرعها عيسى عليه السلام، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 27].

رفع الله للمسيح عليه السلام إليه، ونزوله في آخر الزمان مصدقا لمحمد صلى الله عليه وسلم:

لقد أيّدَ الله عيسى عليه السلام بتلك الآيات والبينات الواضحات على نبوته، والتي كان كثير منها تنحو إلى التذكير بقدرة الله سبحانه وتعالى الخارقة والخارجة عن الطبيعة المادية لما بلوا به من الغلو في الماديات؛ فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وكان يبرئ الأكمه، والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ويخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، ومضى بدعوته كذلك، فآمن به من آمن، ولكن على عادة الرسل قام في وجهه بالتكذيب والعناد بعض أصحاب المصالح الخاصة، فقد رفض أرباب اليهود الانقياد لدعوته، وانطلقوا معادين له ومكذبين، بل ورموا أمه بالفاحشة، واتهموه بجملة من التهم، وكادوا له، وحرضوا عليه الحاكم الروماني، وادعوا أنه يريد الملك، حتى أمر بالقبض عليه وصلبه، ولكن الله ألقى شبهه على أحد المنافقين ممن كان معه، فصلبوا هذا المنافق، ورفع الله عيسى عليه السلام إليه تكريمًا له عن هذا الأمر المخزي، فإن الله ناصر رسله([24])، وهذا ما أخبر به القرآن: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 157، 158]، وهذا هو اللائق بنبي الله عيسى عليه السلام، بخلاف ما في الكتاب المقدس عند النصارى، فمن أعظم التناقضات عندهم أنهم جعلوا عيسى عليه السلام ابن الله وذا طبيعة إلهية، ثم يقولون بأنه صلب وشتم وأهين وبصق في وجهه؛ كما في إنجيل متى: “وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب، فأخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية، وجمعوا عليه كل الكتيبة، فعرّوه وألبسوه رداء قرمزيا، وضفروا إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه، وقصبة في يمينه، وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين: السلام يا ملك اليهود، وبصقوا عليه وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه، وبعدما استهزأوا به نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه ومضوا به للصلب، وفيما هم خارجون وجدوا إنسانا قيروانيا اسمه سمعان، فسخروه ليحمل صليبه، ولما أتوا إلى موضع يقال له (جلجثه) وهو المسمى موضع الجمجمة، أعطوه خلا ممزوجا بمرارة ليشرب، ولما ذاق لم يرد أن بشرب، ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكي يتم ما قيل بالنبي اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة، ثم جلسوا يحرسونه هناك، وجعلوا فوق رأسه علّته مكتوبة: هذا هو يسوع ملك اليهود، حينئذ صلب معه لصان واحد عن اليمين وواحد عن اليسار”([25]) .

وفي إنجيل مرقس: ” ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة، وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: إلوي إلوي لما شبقتني؟ الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني؟ فقال قوم من الحاضرين لما سمعوا: هو ذا ينادي إيليا، فركض واحد وملأ إسفنجه خلا وجعلها على نصبه وسقاه قائلا: اتركوا لنر هل يأتي إيليا لينزله”([26])، وكل باطل يكفي تصوره على حقيقته لإدراك بطلانه!

 وقد أخبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام ينزل آخر الزمان ناصرًا حكما عدلًا، منكرًا على المحرفين الذين حرفوا دينه وشرعه وابتدعوا فيه، قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد))([27])، وهناك لن يبق أحد إلا ويؤمن به كما قال تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [سورة النساء: 159].

القرآن يدعو إلى ما دعا إليه إنجيل عيسى عليه السلام:

لما كان النصارى قد انحرفوا عن الحق الذي أكده القرآن في قول المسيح: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [سورة مريم: 30]، يربط القرآن كثيرًا ذكر عيسى عليه السلام بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك والتثليث، وأن الدعوة إلى التوحيد هي دعوة المسيح عيسى عليه السلام، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]، وقال تعالى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ [المائدة: 75]، يقول الإمام الطبري (310) رحمه الله: “وهذا خبر من الله تعالى ذكره احتجاجا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على فرق النصارى في قولهم في المسيح…، ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح، ولكنه ابن مريم، ولدته ولادة الأمهات أبناءهن، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر، وإنما هو لله رسول كسائر رسله…، كانا أهل حاجة إلى ما يغذوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم، فإن من كان كذلك، فغير كائن إلها؛ لأن المحتاج إلى الغذاء قوامه بغيره، وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه، دليل واضح على عجزه، والعاجز لا يكون إلا مربوبا لا ربا”([28]).

وقد نهى المولى سبحانه وتعالى عن الشرك وعن التثليث الذي يعتقده النصارى صراحة في كتابه الكريم حيث قال: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 171، 172]، يقول ابن عطية: “برأ تعالى جهة المسيح عليه السلام من أقوالهم، وخلصه للذي يليق به، فقال ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ…﴾ زيادة في الحجة وتقريب من الأذهان، أي ولا هؤلاء الذين هم في أعلى درجات المخلوقين، لا يستنكفون عن ذلك فكيف سواهم؟”([29]).

النصارى أقرب مودة إلى المسلمين:

أخبر القرآن أن من النصارى أتباع عيسى عليه السلام من هو أقرب مودة إلى أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فهم أبعد عن الكبر والعناد والحقد، وأقرب إلى الرأفة والرحمة، وهم قد آمنوا بكل من سبقهم من الأنبياء كما آمنوا بعيسى عليه السلام، وكذلك المسلمون يؤمنون بكل الأنبياء السابقين ويؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم أيضًا، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [سورة المائدة: 82]، ولهذا يكثر دخول النصارى إلى الإسلام خاصة إذا أبصروا الحق وعلموا أن الإسلام ما جاء إلا بمثل ما جاء به عيسى عليه السلام في الدلائل الدالة على صدقه عليه السلام.

الإنجيل بشَّر بمحمد صلى الله عليه وسلم كما بشر التوراة بعيسى عليه السلام:

 من السمات المشتركة بين أنبياء الله ورسله أنهم يصدق بعضهم بعضًا ويؤمن بعضهم ببعض، ويبشر السابق منهم باللاحق ويصدق اللاحق منهم بالسابق، فموسى عليه السلام قد بشَّر بالمسيح عيسى عليه السلام في التوراة، وورد ذكره فيه، والنبي محمدًا صلى الله عليه وسلم بشر به عيسى عليه السلام في الإنجيل كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [سورة الصف: 6]، ومن آمن بعيسى عليه السلام وبمن قبله من الرسل وصدق به لزمه أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما من دليل يدل على صدق المسيح عليه السلام وإلا ويوجد مثله ما يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بل وأعظم منه، ولا يصح لنا أن نحكم على شيء بالصحة ثم ننفيه عن مثيله، فالتفريق بين المتماثلين باطل وليس من العقل في شيء.

ونختم هذه الورقة بقول يقول ابن تيمية (728) رحمه الله حيث يقول:

“الأنبياء لا يقولون إلا حقا، كما أن المسيح – عليه السلام – لما حكم بكفر من كذبه من اليهود كان كل ما يحتج به اليهود على خلاف ذلك باطلا، فكل ما عارض قول النبي المعصوم فهو باطل، وإن كذبوا محمدا تكذيبا عاما مطلقا، وقالوا: ليس هو نبي أصلا ولا أرسل إلى أحد لا إلى العرب ولا إلى غيرهم بل كان كذابا، امتنع مع هذا أن يصدقوا بنبوة غيره، فإن الطريق الذي يعلم به نبوة موسى وعيسى يعلم به نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم – بطريق الأولى.

فإذا قالوا: علمت نبوة موسى والمسيح بالمعجزات، وعرفت المعجزات بالنقل المتواتر إلينا. قيل لهم: معجزات محمد – صلى الله عليه وسلم – أعظم، وتواترها أبلغ، والكتاب الذي جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم – أكمل، وأمته أفضل، وشرائع دينه أحسن، وموسى جاء بالعدل، وعيسى جاء بتكميلها بالفضل، وهو – صلى الله عليه وسلم – قد جمع في شريعته بين العدل والفضل.

فإن ساغ لقائل أن يقول: هو مع هذا كاذب مفتر. كان على هذا التقدير الباطل غيره أولى أن يقال فيه ذلك.

فيبطل بتكذيبهم محمدا – صلى الله عليه وسلم – جميع ما معهم من النبوات؛ إذ حكم أحد الشيئين حكم مثله، فكيف بما هو أولى منه؟

فلو قال قائل: إن هارون ويوشع وداود وسليمان كانوا أنبياء، وموسى لم يكن نبيا، أو أن داود وسليمان ويوشع كانوا أنبياء، والمسيح لم يكن نبيا، وأشعيا وحبقوق ومليخا وعاموص ودانيال كانوا أنبياء، والمسيح بن مريم لم يكن نبيا؛ كان هذا قولا متناقضا معلوم البطلان، فإن الذين نفى هؤلاء عنهم النبوة أحق بالنبوة وأكمل نبوة ممن أثبتوها له، ودلائل نبوة الأكمل أفضل، فكيف يجوز إثبات النبوة للنبي المفضول دون الفاضل…؟!

ومن قال: إن داود وسليمان ومليخا وعاموص ودانيال كانوا أنبياء، ومحمد بن عبد الله لم يكن نبيا؛ فتناقضه أظهر، وفساد قوله أبين من هذا جميعه، بل وكذلك من قال: إن موسى وعيسى رسولان، والتوراة والإنجيل كتابان منزلان من عند الله، ومحمد ليس برسول، والقرآن لم ينزل من الله؛ فبطلان قوله في غاية الظهور والبيان لمن تدبر ما جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم – وما جاء به من قبله، وتدبر كتابه والكتب التي قبله وآيات نبوته وآيات نبوة هؤلاء وشرائع دينه وشرائع دين هؤلاء”([30])

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر: الآيات والأحاديث والآثار العقدية الواردة في نبي الله عيسى عليه السلام جمعا ودراسة، ابتهاج صالح فيرق، رسالة ماجستير في قسم العقيدة بجامعة أم القرى عام 1434هـ (ص:7).

([2]) ينظر: موقف اليهود والنصارى من المسيح عليه السلام، سارة العبادي (ص:140).

([3]) ينظر: جامع البيان ت شاكر (6/ 393).

([4]) متفق عليه، صحيح البخاري (3432)، ومسلم (2430).

([5]) متفق عليه، صحيح البخاري (3411)، ومسلم (2431).

([6]) جامع البيان (6/ 411).

([7]) تاريخ الرسل والملوك (1/ 593)، تاريخ ابن الوردي (1/ 30)، البداية والنهاية ط إحياء التراث (2/ 89)، تاريخ ابن خلدون (2/ 167).

([8]) ينظر: جامع البيان (18/ 163)، (6/ 418).

([9]) لوقا (1: 26 – 38).

([10]) جامع البيان (6/ 415).

([11]) جامع البيان (6/ 422 وما بعدها).

([12]) متفق عليه، صحيح البخاري (3435)، ومسلم (28).

([13]) موسوعة اليهود للمسيري (14/ 436، بترقيم الشاملة آليا)، وينظر: المحرر الوجيز (4/ 16).

([14]) جامع البيان (18/ 193).

([15]) المسيحية، أحمد شلبي (ص:77).

([16]) قصة الحضارة (3/202).

([17]) المحرر الوجيز (1/ 438).

([18]) متفق عليه، صحيح البخاري (3435)، ومسلم (28).

([19]) ينظر: جامع البيان (6/ 423).

([20]) مرقس (1: 40 – 45).

([21]) ينظر: جامع البيان (10/ 373).

([22]) متفق عليه، صحيح البخاري (3443)، صحيح مسلم (2365).

([23]) جامع البيان (11/ 237).

([24]) تفسير السمعاني (1/ 499).

([25]) متى (27: 26 – 38).

([26]) مرقس (15: 33 – 41).

([27]) متفق عليه، صحيح البخاري (2222)، ومسلم (155).

([28]) جامع البيان (10/ 485).

([29]) المحرر الوجيز (2/ 140) بتصرف.

([30]) الجواب الصحيح (2/ 21).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017