عيد الهلع (الهالوين): أصله، وحكم الاحتفال به
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
فمن المؤسف جدًا أن نرى مظاهر الاحتفال بما يسمى (الهالوين) أو (عيد الرعب والهلع) تنتشر في بلاد المسلمين؛ تقليدًا منهم للكفار والغربيين، دون أدنى إدراك لحقيقة هذا العيد الوثني، الذي ينبذه المسيحيون المحافظون، ويرونه عيدًا وثنيًا شيطانيًا، ومع ذلك يسارع كثير من شباب المسلمين، للتشبه بالغربيين والكفار في مظاهر هذا الاحتفال؛ مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم:” لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: فَمَنْ؟”[1].
ولما كانت النصيحة للمسلمين واجبة، بل جعلها النبي-صلى الله عليه وسلم- هي الدين، كانت هذه المقالة المختصرة، في بيان حقيقة هذا العيد الوثني، وحكم الاحتفال به، ومفاسد هذا الاحتفال.
ما هو (الهالوين)؟
بحسب كثير من الباحثين[2] فإن الهالوين بدأ كمهرجان وثني ينطق باسم “سامهاين” واحتفلت به شعوب “الكلت” (Celtic) أو (السلت) في أيرلندا وبريطانيا وشمال فرنسا، بعامهم الجديد في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) حيث اعتبروا هذا اليوم، هو نهاية الصيف والحصاد، وبداية الشتاء المظلم البارد، حيث ينقسم عندهم العام نصفين، نصف للنور، وهو موسم الصيف، وموسم للظلمة والموت، وهو موسم الشتاء، والذي يبدأ في 1 نوفمبر.
وقد اعتقد الكلت وجود حاجز بين عالم الأحياء وعالم الأموات، وأن هذا الحاجز يزول أو يكاد في ليلة “سامهاين” وهو ما يجعل الحدود بين عالم الأحياء والأموات غير واضحة، فأرواح من رحلوا في العام المنتهي تكون عالقة ولا تغادر إلى العالم الآخر إلا في تلك الليلة، وترجع أشباح الموتى إلى الأرض، وتزور أهلها، لذا وضعوا كراسي فارغة حول الموائد وتركوا أبواب البيوت مفتوحة.
أما الأرواح الشريرة التي يخشون من إيذائها، فقد أشعلوا النيران على قمم التلال لطردها، وارتدوا الأقنعة لكي لا تتعرف عليهم.
وبسبب قدوم الأرواح اعتقد (الكلت) أن هذا يسهل على الكهنة التنبؤ بالغيب وما يحدث في المستقبل، وسؤال الكهنة عن الصحة والزواج والموت، وغيرها من أمور المستقبل والغيب.
وبحلول عام (43) بعد الميلاد، غزا الرومان أراضيهم، وتم دمج مهرجانين من أصل روماني مع الاحتفال التقليدي بسامهاين، حيث كان الرومان يحتفلون في أواخر أكتوبر بذكرى وفاة الموتى، ويحتفلون كذلك بتكريم (بومونا) إله الفاكهة والأشجار الرومانية. وهذا يفسر تقليد التمايل على التفاح الذي يمارس اليوم في الهالوين.
وهذا يدل على الجذور الوثنية الخالصة لهذا العيد، فكيف تسربت إلى المسيحية؟
علاقة الهالوين بالمسيحية:
في 13 مايو 609م، أحدث البابا (بونيفاس الرابع) في روما، عيدا محدثًا لجميع الشهداء المسيحين (عيد الشهداء الكاثوليكي).
وبعدها بقرن تقريبا، قام البابا (غريغوريوس الثالث) بتوسيع المهرجان ليشمل جميع القديسين الذين لم تخصص لهم الكنيسة يوما لذكراهم، وسمي (عيد جميع القديسين) ونقل الاحتفال من 13 مايو إلى 1 نوفمبر؛ ليكون قريبا من احتفالات الوثنيين، على عادة المسيحين في إضفاء مسحة مسيحية على العادات الدينية الوثنية للشعوب غير المسيحية، إرضاءً وتقربا لهم.
وفي عام 1000م أحدثت الكنيسة بدعة أخرى ، فجعلوا يوم 2 نوفمبر عيدًا لتكريم جميع الأرواح، يحتفل فيه المسيحيون بشكل يشبه احتفال شعوب السلت بسمهاين، ربما في محاولة لاستبدال الاحتفال الوثني باحتفال دينيّ مسيحي، فصار احتفالا مقدسا استمر 3 أيام.
اليوم الأول: هو عشية جميع القديسين في 31 أكتوبر، والثاني: هو يوم جميع القديسين، والثالث: هو يوم جميع الأرواح، ومن هنا جاء اسم “عشية ما قبل كل المقدسين” (All Hallows Eve) الذي تحور وصار “هالوين” (Halloween).
وصول الهالوين لأمريكا:
كان البروتستانت، يرون حرمة هذه الاحتفالات المبتدعة، ولذلك كانوا يمنعونها في مستعمراتهم ولكن مع تزايد أعداد المهاجرين الأيرلنديين الفارين من مجاعة البطاطس الأيرلندية إلى أمريكا منتصف القرن التاسع عشر، انتشرت مظاهر الاحتفال بالهالوين في أمريكا.
وقد أصبح هذا العيد هاجسًا مرعبًا لدى الكثير من الأمريكيين، وأصبحت الشرطة الأمريكية تحذر الأسر التي تتواجد بالقرب من أماكن تجمع عبدة الشيطان وتحثهم على الانتباه لأطفالهم وحيواناتهم، ومع اقترابه أصبحت العديد من محلات بيع الحيوانات في أمريكا تعلق البيع، لمنع استخدام تلك الحيوانات تضحيات في طقوس الاحتفال[3].
ومع تنامي ظاهرة العولمة، والتأثير الثقافي العالمي لأمريكا، انتشرت مظاهر الاحتفال بالهالوين على الطريقة الأمريكية، في جميع أنحاء العالم، حتى بدأ للأسف في الانتشار في بعض البلاد الإسلامية والعربية في ظل التقليد الأعمى للغرب الذي ينتشر بين كثير من الشباب.
مظاهر الاحتفال بالهالوين:
يعتبر إشاعة الرعب، من أبرز مظاهر الهالوين، حيث يقوم المحتفلون بارتداء أقنعة مخيفة، أو ارتداء ملابس أشباح، ومصاصي الدماء، أو نشر حكايات الرعب ومشاهدة أفلام الرعب، أو عمل المقالب المخيفة.
وأصل ذلك كما ذكرنا، أن شعوب الكلت كانت تعتقد أن ارتداء هذه الأقنعة يحميهم من شر الأشباح التي تعود للأرض في هذه الليلة، فلا تتعرف عليهم بسبب هذه الأقنعة.
ومن أهم مظاهره كذلك، نحت اليقطين، حيث يقوم المحتفلون بنحت يقطينة ووضع النار بداخلها، حيث تمثل النار سحر الشمس الجيد، وتمثل اليقطين الحصاد، على اعتقاد أن السحر الجيد سيحافظ على الطعام المحصود خلال النصف المظلم[4].
ومن أهم المظاهر كذلك، عادة (مقلب أم حلوى؟) حيث يقوم الأطفال والشباب، بطرق البيوت؛ لطلب الحلوى منهم، أو تهديدهم بإلقاء السحر عليهم. وأصل هذه العادة القبيحة، في عادات الكلت أنهم كانوا يتركون قطعا رمزية من الحصاد للأرواح الشريرة التي يعتقدون رجوعها في هذه الليلة؛ لتكف شرهم عنها.
ويحتفل عبدة الشيطان بهذا اليوم بارتداء الأزياء الشيطانية، والاعتداء على الأطفال والحيوانات لتقديمهم قرابين للشياطين، وتعاطي المخدرات، وممارسة الزنا واللواط تمجيدًا للشيطان[5].
حكم الاحتفال بالهالوين:
لا شك أن الاحتفال بالهالوين محرم، ولا يجوز، وذلك لأسباب كثيرة:
1-أنه يدخل في موالاة الكفار المحرمة.
قال تعالى ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [المائدة: 51] ولا شك أن التشبه بهم من أعظم صور الموالاة، وذلك لأن التشبه بهم في الظاهر يورث مودتهم وموالاتهم في الباطن. فكل آيات النهي عن موالاة الكفار، تكون نهيًا عن التشبه بهم.
قال العلماء: (ومن موالاتهم التشبُّه بهم، وإظهارُ أعيادهم، وهم مأمورون بإخفائها في بلاد المسلمين، فإذا فعلها المسلم معهم، فقد أعانهم على إظهارها)[6].
2- أنه يدخل في التشبه المحرم بالكفار. وقد قال صلى الله عليه وسلم:”من تشبَّهَ بقومٍ فَهوَ منْهم”[7].
ولا شك أن من أعظم صور التشبه بالكفار التشبه بهم في أعيادهم؛ فإن الأعياد من خصائص الأمم، ولذلك لما “قدِمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهُم يومانِ يَلعبونَ فيهِما فقالَ: ما هذانِ اليومانِ ؟قالوا: كنَّا نَلعبُ فيهِما في الجاهليَّةِ فقالَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: قد أبدلَكُمُ اللَّهُ بِهما خيرًا منْهُما: يومَ الأضحى ويومَ الفِطرِ”[8]. وهذا دليل واضح على عدم جواز التشبه بالكفار في أعيادهم.
ويؤكد ذلك قوله تعالى {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67] قال ابن عباس –رضي الله عنهما- أي: عِيدًا[9].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:”الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67] كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقة في الكفر. والموافقة في بعض فروعه: موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه. وأما مبدؤها فأقل أحواله: أن تكون معصية”[10].
وقال الذهبي: (وهذا منكرٌ وبدعةٌ في دين الإسلام، ولا يفعلُ ذلك إلا كل قليل الدين والإيمان، ويدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبَّه بقوم فهو منهم).) [11].
3- قوله تعالى ﴿وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَاما ﴾ [الفرقان: 72]
وقد فسرها مجاهد وعكرمة والربيع بن أنس والضحاك: بأعياد المشركين[12].
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم)[13].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:”وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها، الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك، من العمل الذي هو عمل الزور، لا مجرد شهوده؟”[14].
4- نهي النبي –صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالمشركين في أعيادهم خصوصًا، أو موافقتهم في أعيادهم بأي صورة، وهذا أخص من النهي العام عن مشابهتهم.
وذلك في أحاديث كثيرة، منها الحديث السابق: “قد أبدلَكُمُ اللَّهُ بِهما خيرًا منْهُما: يومَ الأضحى ويومَ الفِطرِ” ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم:”إنَّ لِكلِّ قومٍ عيدًا وَهذا عيدُنا”[15]. وهذا يدل على اختصاص كل أمة بعيدهم. ومنها حديث ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ أنَّ رَجُلًا نذر أن يذبحَ إبِلًا ببَوانةَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “هل كان فيها وَثَنٌ من أوثانِ الجاهِليَّةِ يُعبَدُ؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيدٌ مِن أعيادِهم؟ قالوا: لا. قال: أَوْفِ بنَذْرِك؛ فإنَّه لا وفاءَ لنَذرٍ في معصيةِ اللهِ، ولا فيما لا يملِكُ ابنُ آدَمَ”[16].
وإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهيا عنه، فكيف الموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم؟.
5- أن المسلمين لو ابتدعوا عيدًا محدثا، غير الفطر والأضحى لكان ذلك مذموما وبدعة محرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم “مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ”[17]. ولا شك أن الأعياد من أمر الدين كما سبق، فإذا كان العيد الذي أحدثه المسلمون يكون مذموما، فكيف بما أحدثه الكفار والوثنيون؟!
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى: «إن تخصيص يوم من أيام السنة بخصيصة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً، علاوة على ذلك أنه بدعة في نفسه ومحرم وشرع دين لم يأذن به، والواقع أصدق شاهد، وشهادة الشرع المطهر فوق ذلك وأصدق»[18].
6- أن العلماء أجمعوا على حرمة الاحتفال بأعياد الكفار، ومشاركتهم في شيء من خصائص هذه الأعياد.
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ” لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ ، فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ”[19].وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم؛ فمن يشركهم في العمل أو بعضه أولى بالسخط بلا ريب.
قال ابن القيم رحمه الله:”وكما أنهم لا يجوز لهم إظهاره، فلا يجوز للمسلمين ممالاتهم عليه ولا مساعدتهم ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله. وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم”[20] ثم ذكر جملة من أقوالهم فلتراجع.
7-المفاسد الواقعة في هذا الاحتفال. وهي مما تزيد التحريم؛ فإنه لو كان هذا العيد يخلو منها، لكان محرمًا للوجوه السابقة، فكيف إذا انضافت إليه هذه النفاسد التي لا يشك فيها العقلاء؟َ
فمن هذه المفاسد:
- اعتقاد عودة الأرواح وتأثيرها بالضر والنفع، ولا شك أن هذا من الشرك، وهو مشابه لاعتقاد المشركين في الجن الضر والنفع من دون الله تعالى. وفي كتاب البحر الرائق من كتب الأحناف:”وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا مَنْ قَالَ أَرْوَاحُ الْمَشَايِخِ حَاضِرَةٌ تَعْلَمُ يَكْفُرُ”[21].
- ومن ذلك الخوف من هذه الأرواح وتقديم القرابين لها، وهو من الشرك في العبادة، وهو مطابق لما كان عليه أهل الجاهلية من الخوف من الجن وعبادتهم، كما قال تعالى ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَال مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَال مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقا﴾ [الجن: 6]
- ومن ذلك سؤال الكهنة والعرافين عن علم الغيب، ولا شك في منافاة ذلك للتوحيد، قال تعالى ﴿وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ﴾ [الأنعام: 59].و قال النبي صلى الله عليه وسلم:”مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً”[22].
- ومن ذلك : إلقاء الرعب في نفوس الأطفال والناس، ولا شك في حرمة ذلك، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهم كانوا يسيرون مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فنام رجلٌ منهم فانطلق بعضُهم إلى حبلٍ معه فأخذه ففزِع فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :”لا يحِلُّ لمسلمٍ أن يُروِّعَ مسلمًا”[23]. وقد عدها ابن حجر الهيتمي من كبائر الذنوب[24]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:”مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ”[25]. قال النووي رحمه الله:”فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه وقوله صلى الله عليه وسلم وإن كان أخاه لأبيه وأمه مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا لأن ترويع المسلم حرام بكل حال”[26].
- ومن ذلك : تعويد الأطفال على التسول وسؤال الناس أموالهم، ولا شك في قبح ذلك؛ فإن سؤال الناس أموالهم محرم لغير ضرورة، بل ينبغي تعويد الأولاد على العفة والأدب.
- ومن ذلك : الأثر النفسي الضار من إشاعة الرعب وأفلامه وحكايات الأشباح، خاصة على الأطفال الذين يتأثرون بلا شك من مثل هذه الحكايات.
- ومن ذلك العنف الذي يصاحب هذه الاحتفالات، ففي ثلاثينيات القرن الميلادي الماضي (1930) ومع ضيق الأحوال وقت الكساد الكبير، زادت المقالب والتخريب الذي وصل أحيانا إلى درجة العنف فتحول الهالوين إلى عيد خطر، وفكرت بعض المدن في حظره. بل في هذا العام الحالي (2022) شهدت مدينة في كوريا الجنوبية، حادثا مروعًا بسبب الاحتفال بالهالوين، مات بسببه قرابة 150 شخصا.
- ومن ذلك: إنفاق المال الكثير في غير مصلحة، فوفقًا لموقع شبكة (ABC) الأمريكية، فإن “فالإنفاق على عيد الهالويين خرج عن السيطرة، فالأمريكيون ينفقون 8.8 مليار دولار على الأزياء والديكورات والزينة هذا العام، أي 86 دولارًا لكل شخص يخطط للاحتفال، ويشمل ذلك نصف مليار دولار على الأزياء التي يشتريها الأمريكيون لحيواناتهم الأليفة” فانظر لهذا السفه في الوقت الذي يموت فيه بعض الناس جوعا من قلة الطعام والدواء!
فكيف يسوغ لمسلم بعد ذلك أن يشارك في مثل هذا السفه والدجل المناقض للدين والعقل والذوق والأدب والأعراف؟!
الكنيسة تحرم الاحتفال بالهالوين:
رغم محاولة الكنيسة الكاثوليكية تحويل الاحتفال الوثني لعيد مسيحي ديني، إلا أن الطابع الوثني لاحتفالات الهالوين، صارت هي الغالبة والطاغية، وهو ما جعل رجال الكنائس المختلفة يحرمون ويحذرون أتباعهم من المشاركة في الهالوين.
ففي بيان على الموقع الرسمي (لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس)، للتحذير من الهالوين جاء فيه:”تقيم كنائس الشيطان وغيرها من البدع في الولايات المتحدة الأميركيّة احتفالات كبرى في هذه الليلة بالذات فتتراوح طقوسها بين الاحتفال بتلك الرموز والممارسات وبين عبادات وطقوس شيطانية. لذا من الواجب أن لا نخلط بين هويّتنا المسيحيّة الحقيقيّة وتلك المفاهيم المعادية لها، والتي قامت أصلاً للتشّهير بالمسيحيّة والسخرية منها..
الاشتراك في تلك الاحتفالات الشيطانية يجعلنا مساهمين في عملية الارتداد عن المسيحيّة التي تشهدها الولايات المتحدة الأميريكيّة وأوروبا”[27]. وقريب من هذا البيان الذي نشرته كنيسة الكاثوليك في مصر على موقعها الرسمي للتحذير من الهالوين. ونشرت كثير من المواقع المسيحية تحذير البابا فرنسيس من الهالوين وتحريمه له بقوله :”أي مأساة أشاهد اليوم، ومسيحيونا يحتفلون بعيد الشيطان الهالوين، ماذا حدث لإيماننا؟، إننا نحتضر روحيًا..”
شبهة وجوابها:
يقول البعض أننا نشارك في هذه الاحتفالات بغرض المرح واللعب، ولا نستحضر هذه الطقوس الدينية، ولا ننوي شيئا من ذلك.
والجواب: أن المشابهة المحرمة، تتحقق بنفس الموافقة في الفعل، ولو لم توجد نية المشابهة. ومن أدلة ذلك نهي النبي-صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها[28]، سدًا لذريعة التشبه بالمشركين، مع أن المصلي لا يقصد هذا غالبا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:”كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها، مما يكون كفرا أو معصية بالنية، ينهى المؤمنون عن ظاهره وإن لم يقصدوا به قصد المشركين سدًا للذريعة وحسما للمادة”[29].وذكر أمثلة وشواهد كثيرة على هذا المعنى المهم فراجعه إن شئت.
وقال الحافظ الذهبي: ” فإنْ قال قائلُ: إنَّا لا نقصد التَّشبَّه بهم؟ فيقالُ له: نفس الموافقة والمشاركة لهم في أعيادهم ومواسمهم حرامُ, بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، وقال:(إنَّها تَطلعُ بين قرنْي شيطان, وحينئذ يسجُد لها الكُفارُ) [30]، والمصلي لا يقصدُ ذلك، إذ لو قصده كفر، لكنَّ نفس الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرام”[31].
وصلى الله على نبينا ومحمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
[1] رواه البخاري (3456)
[2] رجعنا في حقيقة هذا العيد لبعض المواقع على الانترنت كموقع (هيستوري)، وموسوعة (بريتانيكا).
[3] ظاهرة عبدة الشيطان: دراسة وتحليل (ص88-89).
[4] يرى بعض الباحثين المسيحين أن نحت اليقطين كان أسلوب سخرية من شعوب السلت من تعظيم المسيحين لرفات قديسيهم، فكان هذا إمعانا في رفض تحريم المسيحية لعيدهم الوثني.
[5] ظاهرة عبدة الشيطان: دراسة وتحليل (ص88-89).
[6] تشبه الخسيس بأهل الخميس.
[7] أخرجه أبو داود (4031) واللفظ له، وأحمد (5114) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(8574)
[8] رواه أبو داود (1134)، والنسائي (1556)، وأحمد (12006) وصصحه الألباني في صحيح أبي داود
[9] تفسير الطبري (16/622)
[10] اقتضاء الصراط المستقيم (1/529)
[11] تشبه الخسيس بأهل الخميس.
[12] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/481).
[13] أخرجه البيهقي في «الكبرى» (9/234).
[14] اقتضاء الصراط المستقيم(1/483)
[15] رواه البخلري (952) ومسلم (892)
[16] رواه أبو داود 2881 وصححه الألباني في الصحيحة (6/874)
[17] رواه البخاري (2697) ومسلم (1718)
[18] فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (3 /107).
[19] رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 392 ط العلمية)
[20] أحكام أهل الذمة (3/1245)
[21] البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري، لابن نجيم (5/ 134)
[22] رواه مسلم(2230)
[23] رواه أبو داود(5004) وصححه الألباني.
[24] الزواجر عن اقتراف الكبائر(2/159)
[25] رواه مسلم(2616)
[26] شرح النووي على مسلم(16/170)
[27] https://www.antiochpatriarchate.org/ar/page/%D9%87%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%8A%D9%8A%D9%86/1531/
[28] أخرج البخاري في “الصحيح”: كتاب مواقيت الصلاة: باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس: 2/58، رقم: 581، عن ابن عباس قال شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب.
[29] اقتضاء الصراط المستقيم(1/238)
[30] أخرجه مسلم في “الصحيح” (1/569 – 571) رقم:832, بعد:294. والمذكور جزء من الحديث.
[31] تشبه الخسيس بأهل الخميس (منشورة في مجلة الحكمة