السبت - 21 محرّم 1446 هـ - 27 يوليو 2024 م

البحث في مدى صحة نِسْبة ابن عُبيْدان البعلبكي الحنبلي (734) إلى القول بوحدة الوجود

A A

 

  • من ابن عُبيْدان البعلبكي الحنبلي؟

الشيخ عبد الرحمن بن محمود بن عُبيْدان البعلبكي الحنبلي رحمه الله هو أحد أصحاب شيخ الإسلام ابن تيمية القدماء، من الذين سماهم الشيخ عماد الدين الواسطي في رسالته (التذكرة والاعتبار والانتصار للأبرار) وحلَّاه فيها بقوله: (السيد الأخ، الفقيه العالم النبيل، الفاضل فخر المحصلين، زين الدين، عبد الرحمن بن محمود بن عُبيْدان البعلبكي)([1]).

وقال الإمام الذهبي: (عبد الرحمن بن محمود بن عُبيْدان، الإمام المفتي زين الدين البعلي مؤلف كتاب “المطلع في الأحكام”([2]). سمع من التاج عبد الخالق والزكي المعري، وولي مشيخة الصدرية واشتغل، توفي في صفر سنة أربع وثلاثين وسبع مائة وقد قارب ستين سنة. وكان عالِمًا عاملًا مُتألِّهًا)([3]).

وقال الحافظُ ابنُ رجب الحنبلي: (عبد الرحمن بن محمود بن عبيد البعلي، الفقيه الزاهد العارف، زين الدين أبو الفرج: ولد سنة خمس وسبعين وستمائة، وسمع الحديث، وتفقه على الشيخ تقي الدين وغيره، وبرع وأفتى، وكان إمامًا، عارفًا بالفقه وغوامضه، والأصول والحديث، والعربية والتصوف، زاهدًا، عابدًا، ورعًا، مُتألِّهًا، ربَّانيًّا، صحب الشيخ عماد الدين الواسطي، وتخرج به في السلوك، ويذكر له أحوال وكرامات، ويقال: إنه كان يطلع على ليلة القدر كل سنة…

وكان أكثر إقامة الشيخ زين الدين بدمشق، يعيد بالمدارس، ويتصدّى للاشتغال والإفادة وإقراء الحديث والفقه وأصوله، وانتفع به جماعة، وتخرجوا به، منهم: الإمام العلامة عز الدين حمزة ابن شيخ السلامية وغيره.

وسافر مرة إلى حماة، واجتمع بقاضيها الشيخ شرف الدين بن البارزي. وكان إمامًا متقنًا، ذا قدم راسخ في السلوك، فبلغني عن ابن البارزي أنه كان بعد ذلك يثني على الشيخ زين الدين ثناء كثيرًا، ويذكر أنه لم ير مثله، هذا أو نحوه.

وصَنَّفَ كتابًا في الأحكام على أبواب “المُقنِع” سماه: “المطلع”، وشرح قطعة من أول “المقنع”، وجمع “زوائد المحرر على المقنع”، وله كلام في التصوف، وحدّث بشيء من مصنفاته.

توفي في منتصف صفر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ببعلبك، وشيّعه عامة أهل البلد، وحمل على الرؤوس، ودفن بمقبرة باب سطحان، رحمه الله تعالى)([4]).

وقال الإمام ابنُ كثير الدمشقي في ترجمته: (الشيخ الإمام العالم الزاهد زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن محمود بن عُبيْدان البعلبكي الحنبلي، أحد فضلاء الحنابلة، ومن صنف في الحديث والفقه والتصوف وأعمال القلوب وغير ذلك، كان فاضلا له أعمال كثيرة…

وكانت وفاته في نصف صفر ببعلبك، ودفن بباب سطحا، ولم يُكمِل الستين، وصُلِّيَ عليه بدمشق صلاة الغائب، وعلى القاضي الزرعي معًا)([5]).

وقال الحافظ ابن حجر في ترجمته: (عبد الرحمن بن محمود بن محمد بن ‌عبيدان ‌الحنبلي البعلي زين الدين، أحد فضلاء الحنابلة، مات في نصف صفر سنة 734 ببعلبك، ولم يُكمِل الستِّين، وهو أخو شمس الدين محمد الآتي ذكره)([6]). وقال في ترجمة أخيه محمد: (محمد بن محمود بن محمد بن ‌عبيدان بن عبد الباقي ‌الحنبلي البعلي شمس الدين، سَمِعَ من أحمد بن أبي الخير جزء ابن عرفة، وَحَدَّث، وكان يلقن القرآن بمسجد الحنابلة، مات في ثاني عشري المحرم سنة 741)([7]). ومنه يُؤخَذُ أنَّ ابن عُبَيْدَان ينتمي لأسرة علمية.

  • دعوى نسبة ابن عُبيْدان الحنبلي للقول بوحدة الوجود:

بحسب مصادر ترجمة ابن عُبَيْدَان والكتب التي تناولت إنتاجه العلمي فإن أول من نسبه إلى القول بوحدة الوجود هو الشيخ عبد القادر بن بدران، حيث قال عند حديثه عن كتب الأحكام التي صنفها الحنابلة: (ومما اطلعنا عليه من كتب الأحكام لأصحابنا كتاب “المطالع”([8])، ويقال له: “مطالع ابن عُبيْدان”، جمع وتأليف الشيخ عبد الرحمن بن محمود بن عُبيْدان البعلبكي الحنبلي، ولد سنة خمس وسبعين وستمائة، وتوفي سنة أربعين وسبعمائة، وكان عارفًا بالفقه وغوامضه والأصول والحديث والعربية، ولازم شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه، لكنه مال في آخر أمره إلى القول بوحدة الوجود، واختلَّ عقلُه، حتى توفاه الله تعالى. وكتابه هذا في مجلد، جمعه من الكتب الستة، ورمز فيه إلى الحديث الصحيح والحسن، ورتبه على أبواب “المُقنِع”)([9]).

وكما ترى؛ فإن الشيخ ابن بدران لم يذكر لما نسبه لابن عُبَيْدَان من وحدة الوجود مُستَنَدًا ولا دليلًا، وهذا كافٍ في ردّ دعوَاه؛ لأن ذلك خلاف الأصل، فالأصل في علماء المسلمين -لا سيما من عرف بحسن الاعتقاد والتلمذة على أئمة السنة- أن لا تصدر عنهم مثل تلك الأقوال الرديئة والاعتقادات الفاسدة.

غير أنني سأذكر ما يمكن أن يُستَند إليه في تلك الدعوى، مما هو مذكور في ترجمة ابن عُبَيْدَان، ثم أبين أنه لا يصحّ الاستناد إليه.

  • خَبَر محنة الشيخ ابن عُبيْدان الحنبلي بدمشق سنة 718هـ:

وقعت هذه المحنة في نفس السنة التي بدأ فيها استدعاء ابن تيمية للقضاء بسبب قوله في مسألة الطلاق([10])، والتي أدّت في النهاية إلى اعتقاله، فليس غريبًا أن تكون عاقِبَتُها منع ابن عُبَيْدَان من الفتوى وعقود الأنكحة.

وأما سبب هذه المحنة: فقد كان وشايةً وإفشاء سرٍّ من بعض أصحاب ابن عبيدان؛ قال مؤرخ الشام عَلَمُ الدين البرزالي في حوادث سنة 718هـ: (وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي الحجة -21 / 12 / 718هـ- عُقِدَ مجلس بدار السعادة، حضره القضاة والفقهاء، وأُحضر الفقيه زين الدين عبد الرحمن بن عُبيْدان البعلبكي الحنبلي، وأُحضر خطُّه بأنه: رأى الحق سبحانه، وشاهد الملكوت الأعلى، ورأى الفردوس، ورفع إلى فوق العرش، وسمع الخطاب، وقيل له: قد وهبتك حال الشيخ عبد القادر([11])، فوَضَعَهُ عليه، وأنه سقاه ثلاثة أشربة مختلفة الألوان، وأنه قعد بين يدي الله عز وجل مع محمد وإبراهيم وموسى وعيسى والخضر صلى الله عليه وسلم، وقيل له: إن هذا مكان ما تجاوزه ولي قط، وقيل له: إنك تبقى قُطْبًا عشرين سنة، وذكر أشياء أخر.

فاعترف أنه خطّه، فأُنكِرَ ذلك عليه، فبَادَرَ وجَدَّدَ إسلامه، وحكم قاضي القضاة الشافعي بحقن دمه، وأمر بتعزيره، فعُزِّرَ في البلد، وحُبِسَ أيامًا، ثم أُخرج، وكان قد أذن له في الفتوى وعقود الأنكحة، فمنع من ذلك)([12]).

وأورد ابنُ كثير خبرَ محنة ابن عُبيْدان على هذا النحو: (وفي يوم الثلاثاء صبيحة هذا الدرس أُحضر الفقيه زين الدين بن عُبيْدان الحنبلي من بعلبك، وحوقِق على منام رآه، زعم أنه رآه بين النائم واليقظان، وفيه تخليط وتخبيطٌ، وكلام كثير لا يصدر عن مستقيم المزاج، كان كتبه بخطِّه، وأرسله إلى بعض أصحابه، فاستسلمه القاضي الشافعيّ، وحَقَنَ دَمَهُ، وعَزَّرَه، ونودي عليه في البلد، ومنع من الفتوى وعقود الأنكحة، ثم أطلق)([13]).

وقال في ترجمته: (وقد وقعت له كائنة في أيام الظاهر([14]) أنه أصيب في عقله، أو زوال فكره، أو قد عمل على الرياضة؛ فاحترق باطنه من الجوع، فرأى خيالات لا حقيقة لها، فاعتقد أنها أمر خارجي، وإنما هو خيال فكري فاسد)([15]).

وقال ابن رجب في ترجمته: (وقد نالته مرة محنة بسبب حال حصل له، اطلع عليه بعض أصحابه، فأشاع ذلك عنه، وأظهر به خَطَّه، فعُقد له مجلس بدار السعادة بدمشق سنة ثمان عشرة، حضره القضاة والفقهاء، وأحضروا خَطَّهُ بأنَّه رأى الحق سبحانه وتعالى، وشاهد الملكوت الأعلى، ورأى الفردوس، ورفع إلى فوق العرش، وسمع الخطاب، وقيل له: قد وهبتك حال الشيخ عبد القادر، وأن الله تعالى أخذ شيئا كالرداء من عبد القادر فوضعه عليه، وأنه سقاه ثلاثة أشربة مختلفة الألوان، وأنه قعد بين يدي الله تعالى مع محمد وإبراهيم وموسى وعيسى والخضر عليهم السلام، وقيل له: هذا مكان ما يجاوزه ولي قط. وقيل له: إنك تبقى قطبًا عشرين سنة، وذكر أشياء أُخَر.

فاعترف أنه خطه، فأنكر ذلك عليه، فبادر وجدد إسلامه، وحكم الحاكم بحَقْنِ دَمِه، وأمَرَ بتأدِيبه، وحُبِسَ أيامًا، ثم أُخرِج، ومُنِعَ من الفتوى، وعقود الأنكحة.

ثم بان له غلطه، وأن هذا لم يكن له وجود في الخارج، وإنما هي أخيلة وشواهد، وأنوار قلبيَّة، لا أمور خارجية.

وشيخه الواسطي مع سائر أئمة الطريق أهل الاستقامة وصوفية أهل الحديث يقررون ذلك، ويحذّرون من الغلط فيه، كما زلّ في ذلك طوائف من أكابر الصوفية)([16]).

وقد نقل كلامَ الحافظ ابن رجب ابنُ العماد الحنبلي([17]) في ترجمة ابن عُبَيْدَان، وحذف منه خبر محنته! وقد يكون ذلك لما رآه في هذا الخبر من قدحٍ في أحد علماء مذهبه الحنبلي، كما حذف كلام أبي شامة المقدسيّ في لمزه في مسلك الإمام الموفق الاعتقادي في ترجمته([18])، على أن ابن العماد أثبت في تاريخه من بدع الصوفية ما يخالف اعتقاد أهل السنة، وقد نبه لها الشيخ عبد القادر الأرنؤوط رحمه الله في تعليقه على الكتاب، كما في ترجمة الشبلي([19])، وترجمة البدوي([20])، وغيرها.

  • بيان عدم صحة الاستناد إلى محنة ابن عُبيْدان في نسبته إلى القول بوحدة الوجود:

يظهر مما تقدّم أن جميع ما نُسِبَ لابن عُبَيْدَان كان رؤيا منامية، وهذا ما بَيَّنَهُ ابنُ كثير بقوله: (وحوقِق على منام رآه).

ويؤخذ مما ذكره ابن كثير وابن رجب أن سبب الإنكار على الشيخ ابن عُبيْدان هو ما فُهِم منه من اعتقاده أن ما رآه في المنام هو كذلك في الخارج، أو في نفس الأمر، وأنه فعلًا كان يعتقد ذلك، ثم رجع عنه.

ففرق بين أمرين:

الأول: المؤاخذة بنفس رؤيا الله في المنام، فهذا لا يمكن؛ لأنه ليس بمقدور المكلّف أن يضبط ما يراه في منامه، وإذا كان كذلك فلا يؤاخذ عليه.

والثاني: أن يعتقد أن ما رآه هو كذلك في نفس الأمر، فهذا ما لا يجوز، ويؤاخذ عليه.

ومع ذلك فلا يقال: إن رؤية الله تعالى في المنام أضغاث أحلام، فإن هذا قول الجهمية([21])، فإن كل من رأى الله في المنام يراه بحسب اعتقاده فيه في اليقظة.

يقول شيخ الإسلام: (الإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه، فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام؛ فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلًا، ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه، فإن كان إيمانه واعتقاده حقًّا أُتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس.

قال بعض المشايخ: إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابًا بينه وبين الله.

وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم، وما أظن عاقلًا ينكر ذلك، فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه؛ إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره.

وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم، إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام؛ ولكن لعلهم قالوا: لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام، فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نَفَوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤيةً صحيحة، كسائر ما يرى في المنام، فهذا مما يقوله المتجهمة، وهو باطلٌ مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها؛ بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم.

وليس في رؤية الله في المنام نقصٌ ولا عيبٌ يتعَلَّقُ به سُبحَانه وتعالى، وإنما ذلك بحسب حال الرائي، وصحة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه.

وقول من يقول: ما خطر بالبال أو دار في الخيال فالله بخلافه، ونحوُ ذلك إذا حُمِل على مثل هذا كان محملًا صحيحًا، فلا نعتقد أنَّ ما تخيَّلَهُ الإنسان في منامه أو يقظته من الصور، أن الله في نفسه مثل ذلك، فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك، بل نفس الجن والملائكة، لا يتصورها الإنسان ويتخيلها على حقيقتها، بل هي على خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه مناسبًا مشابهًا لها؛ فالله تعالى أجَلُّ وأعظَم)([22]).

والاستناد إلى محنة ابن عُبيْدان في نسبته إلى القول بوحدة الوجود كما نسبه إليه ابن بدران مردودٌ من وجهين:

الأول: أن ما نُسِب إليه فيها لا يدل على قوله بوحدة الوجود، أو ميله له، وإنما نُسِبَ إلى قولٍ فاسد، ينكِرُه مشايخ الطريق كالشيخ عماد الدين الواسطي وغيره، وليست الأقوال المستنكرة عند الصوفية محصورةً في القول بوحدة الوجود، وقد تقدّم بيان وجه الإنكار على ابن عُبيْدان في كلام ابن كثير وابن رجب، وليس وَجهُ الإنكَار عليه أنه كان قائلًا بوحدة الوجود.

قال ابن كثير: (أو قد عمل على الرياضة؛ فاحترق باطنه من الجوع، فرأى خيالات لا حقيقة لها، فاعتقد أنها أمر خارجي، وإنما هو خيال فكري فاسد).

وهذه الخلوات البدعية مما ينكر على الصوفية، كما جاء في ترجمة نجم الدين الكبرى: (قال ابن هلالة: جلست عنده في الخلوة مرارا، وشاهدت أمورا عجيبة، وسمعت من يخاطبني بأشياء حسنة). علّق الذهبي بقوله: (لا وجود لمن خاطبك في خلوتك مع جوعك المفرط، بل هو سماع كلام في الدماغ الذي قد طاش وفاش وبقي قرعة، كما يتمّ للمبرسم والمغمور بالحمى والمجنون، فاجزم بهذا، واعبد الله بالسنن الثابتة؛ تفلح)([23]).

قال ابن رجب: (ثم بان له غلطه، وأن هذا لم يكن له وجود في الخارج، وإنما هي أخيلة وشواهد وأنوار قلبيَّة، لا أمور خارجية. وشيخه الواسطي مع سائر أئمة الطريق أهل الاستقامة، وصوفية أهل الحديث يقررون ذلك، ويحذرون من الغلط فيه، كما زل في ذلك طوائف من أكابر الصوفية).

الثاني: لو سلمنا أنه قال بوحدة الوجود في تلك الواقعة، فقد تبرأ مما نُسِب إليه، وعاد عنه، والله أعلم.

أما دعوى اختلال عقله حتى الممات في كلام ابن بدران، فمردودة من وجهين:

الأول: أن تلك الواقعة لا ينسب له فيها اختلال العقل، وقد وصف ابن رجب ما رآه بأنه (أخيلة وشواهد وأنوار قلبية).

والثاني: أنه لو أخذنا بوصف ابن كثير لما جرى له بأنه (أصيب في عقله)، فقد بين ابن رجب أنه (بان له غلطه، وأن هذا لم يكن له وجود في الخارج)، ولم يكن ذلك اختلالًا عقليًّا حتى الممات.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) التذكرة -ضمن العقود الدرية- (ص: 309)، و-ضمن الجامع لسيرة ابن تيمية- (ص: 111).

([2]) له نسخة في الظاهرية، انظر: معجم المؤلفين (5/ 194)، وقد حُقِّقَ الكتاب قديمًا في رسائل علمية.

([3]) المعجم المختص (ص: 140-141).

([4]) ذيل طبقات الحنابلة (5/ 50-52).

([5]) البداية والنهاية (18/ 368-369).

([6]) الدرر الكامنة (3/ 139).

([7]) الدرر الكامنة (6/ 3).

([8]) كذا في المطبوع من المدخل، ولم أجده لغيره، وهو لا يناسب السجع في عنوان الكتاب، فإن عنوانه: المطلع في الأحكام على أبواب المقنع.

([9]) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (ص: 468)، وقد تابعه الشيخ صالح بن عبد العزيز آل عثيمين النجدي صاحب تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة (2/ 1045) في ترجمة ابن عبيدان، والشيخ بكر أبو زيد في التحول المذهبي -ضمن النظائر- (ص: 129).

([10]) ينظر: المقتفي على الروضتين (4/ 316).

([11]) يعني: الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى.

([12]) المقتفي على الروضتين (4/ 347).

([13]) البداية والنهاية (18/ 181).

([14]) هذا غير صحيح، فقد كانت الواقعة سنة 718ه، والسلطان إذ ذاك هو الناصر محمد بن قلاوون.

([15]) البداية والنهاية (18/ 369).

([16]) ذيل طبقات الحنابلة (5/ 51).

([17]) شذرات الذهب (8/ 187-188).

([18]) شذرات الذهب (7/ 51-54)، وقارنه بما في المذيل على الروضتين في ترجمة ابن قدامة.

([19]) شذرات الذهب (4/ 190).

([20]) شذرات الذهب (7/ 603).

([21]) وقد ذكر جون هوفر في كتابه: ابن تيمية.. حياته وعصره (ص: 172) اعتقاد ابن تيمية بجواز رؤية الله في المنام كدليل على رفض ابن تيمية النزعة اللاهوتية غير التجسيمية! وقرنه برؤية الله تعالى في الآخرة، وهذا يدل أن النزعة اللاهوتية غير التجسمية)التي يتحدث عنها جون هوفر هي التجهّم المحض.

([22]) بيان تلبيس الجهمية (1/ 326-327).

([23]) سير أعلام النبلاء (22/ 112).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

التداخل العقدي بين الطوائف المنحرفة – الشيعة والصوفية أنموذجًا –

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أولًا: المد الشيعي في بلاد أهل السنة: من أخطر الفتن التي ابتُليت بها هذه الأمة: فتنةُ الشيعة الرافضة، الذين بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، الذين يشهد التاريخ قديمًا وحديثًا بفسادهم وزيغهم وضلالهم، الذين ما سنحت لهم فرصة إلا وكانت أسلحتهم موجَّهة إلى أجساد أهل السنة، يستحلّون […]

الحجاب.. شبهات علمانية، عرض ونقاش

  الهجوم على الحجاب قديم متجدِّد، ولا يفتأ العلمانيون والليبراليون من شحذ أقلامهم دائما في الصحف والمواقع والمنتديات الثقافية للكتابة عن الحجاب وحوله، سالبين بذلك حتى أبسط الحقوق التي ينادون بها، وهي الحرية. فالمسلمة التي تلتزم بحجابها دائما عندهم في موطن الرَّيب، أو أنها مضطهَدة، مسلوبة الحقوق والإرادة، ولا يرون تقدُّما علميًّا أو فكريًّا أو […]

الدِّيوان الصوفي.. نظريةٌ بدعيةٌ وخرافةٌ صوفيةٌ

ما الديوان الصوفي؟ يصوِّر الفكر الصوفي أن لهم مجلسًا يطلَق عليه اسم: (الديوان الصوفي)، وهذا المجلس النيابي تمثَّل فيه أقطار الدنيا من النخبِ الممتازة من الصوفية، وهو حكومةٌ باطنيةٌ خفيَّة يرونَ أن عليها يتوقَّفُ نظام العالم، ويتخيَّلون انعقاده في غار حراء خارج مكة، وفي أماكن أخرى أحيانًا؛ ليدير العالم من خلال قراراته، ويجتمع فيه سائر […]

المنهج النبوي في معالجة المواقف الانفعالية عند الأزمات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إنَّ الأزمات والفتن النازلة بالمسلمين تدفع بعض الغيورين إلى اتخاذ مواقف انفعالية وردود أفعال غير منضبطة بالشرع، ومن ذلك إصدار الأحكام والاتهامات تحت وطأة الغضب والحمية الدينية. ومعلوم أن لهذه المواقف آثارا سلبية منها: أنها تؤثر على تماسك المجتمع المسلم ووحدته، لا سيما في أوقات الشدة والفتنة واختلاف الآراء […]

المحرم وعاشوراء.. شبهات ونقاش

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: هذا الدين العظيم يجعل الإنسان دائمًا مرتبطًا بالله سبحانه وتعالى، فلا يخرج الإنسان من عبادة إلَّا ويتعلَّق بعبادة أخرى؛ لتكون حياته كلُّها كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]، فلا يكاد […]

فتاوى الدكتور علي جمعة المثيرة للجدل – في ميزان الشرع-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: في الآونة الأخيرة اشتهرت بعض الفتاوى للدكتور علي جمعة، التي يظهر مخالفتُها للكتاب والسنة ولعمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين، كما أنها مخالفة لما أجمع عليه علماء الأمة في كل عصر. ولا يخفى ما للدكتور من مكانة رسمية، وما قد ينجرّ عنها من تأثير في كثير من المسلمين، […]

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017