الجمعة - 01 ربيع الآخر 1446 هـ - 04 أكتوبر 2024 م

معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه – بين إنصاف أهل السنة وإجحاف أهل البدعة –

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

مِن أكبرِ الإشكاليات التي تعانيها الساحةُ الفكرية اليومَ إشكاليةُ التعامل مع أخطاء المسلمين؛ فبينما يُفْرِط بعض الناس في شخصٍ ويرفعونه إلى أعلى عليِّين بل إلى مرتبة النبوّة وإلى الإلهية أحيانًا، ويتعامَون تمامًا عن كلّ زلاته وكأنه لم يخطئ طولَ عمره، وكأنه ليس واحدًا من البشر يعتريه ما يعتري البشر كلّهم، نجد في المقابل من الناس من يُفرِّطون في نفس الشخص وينزلونه أسفل السافلين، فيرمونه في هاوية اتباع الهوى أو مراتع المبتدعة ودركات الفساق حتى يصل عند بعضهم إلى حضيض الكفر وجحيم الزندقة.

ولا شكَّ أن كلا الفريقين يفتقران إلى أصل مهمٍّ من أصول الإسلام وهو: أن المسلم إن زلَّ أو أخطأ فإنما يعامَل بالعدل بحسب خطئه؛ فإن أهل السنة يعلمون الحقَّ ويرحمون الخلق، ويؤكِّدون أهميةَ العدل مع كل أحدٍ في الحكم عليه.

ولا شكّ أن من أهم معايير هذا العدل أن يُنظَر إلى المسلم بمجموع أعماله، وبالموازنة بين حسناته وسيئاته وبين مناقبه ومثالبه، وليس من الحقّ في شيءٍ أن يعمَل فيه بمنطق القائلِ:

وعينُ الرضا عن كلّ عيب كليلة *** وعينُ السخط تبُدي المساويا

بل إنَّ أهل السنة يزنون الإنسانَ بما عنده من حسنات وسيئات وما غلب منها، ويشهدون لصاحب الفضل بفضله، ولصاحب الحق بما عنده من حقّ؛ ولكنهم في نفس الوقت يكشفون ما عنده من أخطاء، ويضعون هذه الأخطاءَ في مواضعها دون تهويل أو تهوين.

وإذا نظرنا بهذا المنظار إلى محلّ بحثنا الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه تأكّدت لنا مكانته ومنزلته، وبانت لنا حقيقته، واتَّضحت معالم حياته، وكُشف لنا ما أخطأ فيه، وتبيَّن لنا حجم خطئه أمام حسناته.

فمن هذا الصحابي؟

وما في ميزانه من المناقب والمثالب؟

وهل كانت أخطاؤه شنيعةً شناعةً تجعلنا نُعرض عن حسناته أو ننزل به إلى مراتع المبتدعة أو دركات الفساق أو حضيض الكفر؟!

هذا ما نروم الجوابَ عنه في هذه الورقة، وبالله التوفيق.

تمهيد:

من الأساليب والحيل الالتفافية التي يستخدمها قاطعو سبلِ الهدى ورافضو الحقّ التظاهرُ بقبول الحقّ والهدى ثم الالتفاف على بِنيةٍ أساسيةٍ ومكوِّنٍ جوهريّ من مكوناته بالنقض والإبطال؛ محاولةً في هدمِ الحق وإطفاء النور الهادي إلى سواء السبيل، فهم {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

ولتتجلَّى لنا تلك الحيلةُ دعونا نستمع إلى هذه المناظرة التي حصلت بين مصباح الدّجى وقُطّاع طُرق الهدى:

جاء بعض اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بكل ثقة أن: «سلوا عما شئتم»؛ رغبة في هدايتهم وإسلامهم، واشترط عليهم إن هو صدق فيما أجابهم أن يصدِّقوه فيما يقول، فقال: «ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه، لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعُني على الإسلام» فوافقوا.

ثم سألوه: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن: أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟

فكرر النبي صلى الله عليه وسلم عهده وميثاقه وأبدى وأعاد ليذكّرهم به، فقال: «عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني؟» فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق.

فألقى عليهم الأجوبة جوابًا جوابًا؛ حتى أَقروا وأُلزموا بما وافقوا عليه، وهنا استخدموا الحيلة الالتفافية الآنفةَ الذكر؛ وذلك بالطعن في سند الأجوبة وإسقاط الرموز والشخصيات المؤثرة في إيصال ذلك الحقّ والهدى، فبحثوا فوجدوا أنّ أفضل ما يفيدهم في ذلك هو الطعن في من يأتي بالوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: أنت الآن تحدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نتابعك أو نفارقك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن وليِّيَ جبريل، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه».

فقالوا بكل وقاحة: فعندها نفارقك، لو كان وليّك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك!

قال: «فما يمنعكم أن تصدقوه؟».

فلم يكن عندهم جواب منطقيّ يردّون به إلا أن قالوا: إنه عدوُّنا!([1]).

فأنزل الله عز وجل: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 97]، “وقد أجمع أهل العلم بالتأويل جميعًا على أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم”([2]).

وكما أن هذه الحيلة المفضوحةَ التي استخدمها اليهود وطعنوا في جبريل بدعواهم أن: “جبريل ينزل بالحرب والقتل والعذاب”([3])، وأنه عدوهم من الملائكة([4])= نجد أن قطاع سبل الهدى استخدموها أيضًا من بعدهم، فقال المنافقون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في حق قُراء الصحابة محاولةً في تشويه صورتهم وإبعاد الناس عنهم: “ما لقُرَّائنا هؤلاء؟! أرغبُنا بطونًا وأكذبُنا ألسنةً، وأجبُننا عند اللقاء!”([5]).

وقال بعض قطاع سبل الهدى في زمن أئمة التابعين تشنيعًا عليهم وتنفيرًا للمسلمين عن الحقّ والهدى الذي حفظوه للأمّة وقطعًا لسند العلم: “اسمعوا؛ فما كلام الحسن وابن سيرين والنخعيِّ والشعبيِّ عندمَا تسمعون إلَّا خِرَقُ حَيضٍ مَطروحة”([6]).

وفي القرن الذي يليه نالوا من أئمّة العلم محاولين قطع الطريق على طلاب الحقّ والهدى، فقال قائلهم: “إنَّ علم الشَّافعيِّ وأبي حنيفة جُملتُه لا يخرج من سراويل امرأةٍ”([7]).

ولقد فطن أئمة السلف لهذه الحيلة الالتفافية اليهوديّة النسب، وأن الطعن في قدوات الأمة وأئمة الهدى ما هو إلا محاولةٌ لقطع الطريق عن الأمة؛ ولذا اتفقت كلمتهم على أن مَن طرقَ باب الحديث عن أخطاء القدوات علنًا جهارًا نهارًا وحاول إسقاطهم لا لشيء إلا مجرد المعلومة، اتفقت كلمتهم على عدم القبول منه بل وزجره؛ وهو ما يظهر جليًّا في موقفهم ممن نال من أحد من الصحابة ولو كان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه؛ ذلك أنه في الحقيقة فتح لباب الطعن في القدوات وأئمة الصحابة، بل وإمام الصحابة ومعلمهم عليه الصلاة والسلام، بل ومحاولة لقطع سند الإسلام واجتثاثه من جذوره، يقول الإمام أحمد رحمه الله عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص: “إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئةُ سوء، ما يبغِض أحد أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله داخِلة سوء”([8]).

وهنا آن الأوان لنستعرض مباحثَ هذه الورقة العلمية:

من معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه؟

هو معاوية بن صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف. فهو من قبيلة قريش، بل من أشرف قبائلها، بل من القبيلة التي ينتمي إليها النبي صلى الله عليه وسلم، ويلتقي نسبه بنسب النبي صلى الله عليه وسلم عند عبد مناف.

معاوية في العهد النبوي:

وإضافة إلى ذلك الشَّرف شرُف بأنه صِهر النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن أخته أمّ حبيبة هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صهر النبي وخال المؤمنين أجمعين.

كما أنه اجتمع لمعاوية رضي الله عنه مع شرف النسب والمصاهرة شرَفُ الصُّحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو من أجلَّاء الصحابة حيث أسلَم قبل فتح مكة وقت عمرة القضاء، وأخفى إسلامه إلى فتح مكة، وقيل: أسلم عام الفتح، أي: العام الثامن([9]).

وبهذا نعلم أن معاوية رضي الله عنه ممن وعدهم الله الحسنى في قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]؛ ذلك أن معاوية رضي الله عنه من مُسلِمَة الفتح، وأيضًا ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل في حُنين والطائف([10]).

وقد حسُن إسلامه بالاتفاق، وشرُف بطول الصحبة؛ فلم يكن معاوية بن أبي سفيان ممن شرف بالصحبة لحظاتٍ وحسب، ولو كانت كذلك لما نزل عن رتبة الصحابة([11])، ولكن الله شرفه بأن استمرَّت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ما يربو على أربعة أعوام.

إذن معاوية ممَّن رَضِيَ الله سبحانه عنهم؛ إذ هو داخل في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]؛ فهو من الذين اتبعوا المهاجرين والأنصار بإحسان([12]).

وإثبات فضل الصُّحبة لمعاوية رضي الله عنه ليس بِدعًا من القول، ولا أمرًا جديدًا حدث بعد الفتن من الغالين فيه والجافين عنه؛ بل هو ثابت من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، أثبته له أئمّة الصحابة رضوان الله عليهم، فقد أخرج البخاري أنّ أحدَ موالي ابن عباس اعترض على معاوية في عبادةٍ من العبادات ظنّ أنه فيها مخالف للسنة، فما كان من حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما إلا أن قال: “دعهُ؛ فإنَّه قد صَحِبَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم”([13]).

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعله من مقرَّبيه الذين استعملهم؛ حيث اختاره ضمن من اختار من الصحابة -رضوان الله عليهم- لكتابة الوحي([14])؛ فكان معاوية كاتبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ويشهد لذلك ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «اذهب فادع لي معاوية»، قال: وكان كاتبَه، فسعيت فأتيتُ معاوية، فقلت: أجِب نبي الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه على حاجة([15]).

أضف إلى ذلك أن الله سبحانه وتعالى أنزل عليه السَّكينة حين أُنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في غزوة حُنين؛ فقد كان ممن شهد هذه الغزوة، وهي التي نزل فيها قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 26]([16])، وأعطاه من غنائم هوازن مائةَ بعير وأربعين أوقية([17]).

وما يمكن أن نجعله شامة في جبين فضائله هو أنه قد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما عند البخاري أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «أولُ جيشٍ من أمتي يغزون البَحر قد أوجبوا»([18])، وقد قادَ معاوية أوَّل حملةٍ بحريةٍ شبَّه الرسول صلَّى اللهُ علَيهِ وسَلَّم قادتَها بالملُوك على الأَسِرَّة، فعن أمِّ حرام رضِيَ اللهُ عَنها مرفوعًا: «ناسٌ من أمتي عُرِضُوا عليَّ غُزاةً في سبيل الله، يركبون ثَبَج هذا البحر، ملوكًا على الأَسِرَّة»([19]).

وخاتمة الشرف في هذا المبحث لمعاوية تشرُّفه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي دعا له بالهداية في نفسه ولغيره فقال: «اللَّهم اجعلْهُ هاديًا مهديًّا واهدِ به»([20])، ودعا له بأن يعلّمه الله الكتاب والحساب وأن يقيَه العذاب فقال: «اللهم علِّم مُعاوِيَة الكتاب والحساب وقِه العذاب»([21]).

وهذا مما ثبت من الفضائل، وكان لا بد من هذا التنبيه -ونحن نتحدّث عن معاوية- أنه قد تجرأ بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع أحاديث في فضل معاوية بعض الغالين المنتسبين إلى السنة حتى يغيظوا الرَّافضة ويحتجّوا عليهم، وفي النقيض من ذلك تعامل الجفاة فتجرؤوا بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعوا أحاديث في ذمّه؛ وهذا ما يجعلنا نرفع معايير التحرّي والدقة في هذا الباب إلى أقصى ما يمكن، وقد استاء من ذلك ابن خلدون قائلًا: “فكثيرًا ما يوجد في كلام المؤرخين أخبار فيها مطاعن وشُبه في حقهم [أي: الصحابة] أكثرها من أهل الأهواء، فلا ينبغي أن تسوَّد بها الصحف”([22]).

وقد تحقق له هذا الذي دعا له به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما سنتحدث عنه في المبحث الآتي.

معاوية في عصر الصحابة:

سبق بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمعاوية بالعلم والهداية، وقد استجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم كما أكَّد ذلك أئمة الصحابة رضوان الله عليهم ممن عرفوا حاله وسبروا أمره ولم تخف عليهم سيرته.

فأما العلم والفقه فيقول أبو الدَّرداء رضي الله عنه فيه وفي فقهِهِ صلاةَ النبي صلى الله عليه وسلم: “ما رأيتُ أحدًا بعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاةً برسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أميرِكُم هذا”؛ والإشارة إلى معاوية رضي الله عنه([23]).

وهذا ابن عباس يذكر له مولاه على وجه الاعتراض على فعل معاوية رضي الله عنهم أجمعين في صلاته، وكأنه يُعرِّض بعدم علمه وعدم فقهه، فيؤكد له ابن عباس بأن معاوية رجل فقيه، دقيق في أقواله وأفعاله، بصير بتصرفاته، لا يرفع رِجلًا ولا يضع أخرى في أمور الشرع إلا عن فقه ودين رضي الله عنهم أجمعين؛ فعن ابن أبي مليكة قال: قِيل لابن عباس: هل لك في أميرِ المؤمنين معاوية، فإنَّه ما أوتَرَ إلَّا بواحدَة! قال: “أصاب؛ إنَّه فقيه”([24])، وفي رواية أخرى: فقال ابن عباس رضي الله عنهما: “أصاب. أيْ بُنيّ، ليس أحدٌ منَّا أعلم من مُعاوية، هي واحدةٌ أو خمسٌ أو سبعٌ إلى أكثر من ذلك، الوترُ ما شاء”([25]).

وإذا كان هذا في علم الفقه فإن الأمر لم يختلف في غيره من العلوم؛ فمثلًا في رواية الحديث النبوي نجد جمعًا من الصحابة قد روى عنه؛ كابن عباس وجرير والنعمان بن بشير، ونجد من التابعين ابن المسيب وعروة بن الزبير وابن سيرين وغيرهم، وهم من هم في تحرِّي الدقة خاصة في رواية كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يحابوا آباءهم وأبناءهم، أفيُحابون معاوية رضي الله عنهم أجمعين؟!([26]).

وكما أوردوا على ابن عباس في فقه معاوية رضي الله عنهم فقد أوردوا عليه في علمه بالحديث؛ فذكروا أن من الأحاديث ما لا يعرفه ولم يروِه إلا معاوية! فقال رضيَ الله عنهما: “ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متَّهمًا”([27]).

وهذا كله في باب العلم الذي دعا له به النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما الهداية فقد أصلح الله به خلقًا من المتخاصمين، وهدى به كثيرًا من المسلمين لما كان يتحلى به من العَقل والحكمة وحسن التدبير، فقد رضيه أبو بكر وعمر وعثمان وليًّا لهم، وكان عمر يتعجّب من دهائه وفطنته([28])، يقول سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه: “ما رأيتُ أحدًا بعد عثمان أقضى بحقٍّ من صاحبِ هذا الباب” والإشارة إلى معاوية([29])، كما أنه إلى جانب الدهاء والحكمة كان يتحلى بمكارم الأخلاق كالسخاء والكرم([30])، بل إنه “كان يضرب المثل بحلم معاوية، وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفا في حلم معاوية”([31]).

وكما استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في عهده فكذلك استعمله خلفاؤه من بعده؛ فقد أمَّره أبو بكر على جيش الإمداد لفتح بلاد الشام التي كان قد سبقه إليها أخوه يزيد بن أبي سفيان([32])، وفي العهد العُمري استعمله عمر على الشام واليًا بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، ولا بد هنا أن نتذكر أن عمر هو الذي عُرف بشدة محاسبته لولاته حتى إنه عزل سعدًا رضي الله عنهم أجمعين([33])، وقد استمر معاوية واليًا على الشام طوال عهد عثمان بن عفان، والصحابة متوافرون ولم يعترض منهم أحد([34]).

يقول ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله: “ومُعاوِيَة ممن حسن إسلامه باتفاق أهل العلم؛ ولهذا ولَّاه عمر بن الخطاب رضِيَ اللهُ عَنه موضعَ أخيه يزيد بن أبي سُفيَان لما مات أخوه يزيد بالشام، وكان يزيد بن أبي سُفيَان من خيارِ الناس، وكان أحد الأمراء الذين بعثهم أبو بكر وعمر لفتح الشام: يزيد بن أبي سُفيَان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، مع أبي عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد، فلما توفي يزيد بن أبي سُفيَان ولَّى عمرُ بن الخطاب مُعاوِيَةَ مكانه، وعمرُ لم يكن تَأخذه في الله لومةُ لائم، وليسَ هو ممَّن يُحابِي في الولاية، ولا كان ممَّن يحب أبا سُفيَان أباه، بل كان من أعظم الناس عداوة لأبيه أبي سُفيَان قبل الإسلام، حتى إنه لما جاء به العباس يوم فتح مكة كان عمر حريصًا على قتله، حتى جرى بينه وبين العباس نوع من المخاشنة بسبب بغض عمر لأبي سُفيَان، فتولية عمر لابنه مُعاوِيَة ليس لها سبب دنيوي، ولولا استحقاقه للإمارة لما أمَّره”([35]).

ويقول الذهبي (ت: 748هـ) رحمه الله: “حسبُك بمن يؤمِّره عمر ثم عثمان على إقليم -وهو ثغر- فيضبطُه، ويقومُ به أتمَّ قيام، ويرضي الناس بسخائِه وحلمه، وإن كان بعضُهم تألَّم مرَّة منه، وكذلكَ فلْيكن الملك، وإن كان غيرُه من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم خيرًا منه بكثير وأفضَل وأصلَح، فهذا الرَّجُل سادَ وساسَ العالم بكمالِ عقله، وفرطِ حلمه، وسعةِ نفسه، وقوَّة دهائِه ورأيه، وله هنَّات وأمور، والله الموعد، وكانَ محبَّبًا إلى رعيَّته، عمل نيابة الشَّام عشرين سنة، والخلافة عشرين سنة، ولم يهجُه أحدٌ في دولتِه، بل دانت له الأُمَم، وحكَم على العرب والعَجم، وكان ملكه على الحَرمين ومصر والشَّام والعراق وخراسان وفارس، والجزيرة واليَمن والمغرب وغير ذلك”([36]).

معاوية في خلافته وإمرته على المسلمين:

لم نتجاوز الحديث عما جرى من فتنة بين الصحابة بقصد التعمية عنه؛ إذ ليس المراد هنا أن نغمض أعيننا عن الفتنة التي حصلت زمن علي بن أبي طالب مع معاوية وأن نحذفه من دواوين التاريخ، فليس ذلك من العقل في شيء، ولكن القصد أن ينظر المرء في مناقبه أولا لننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن خطئه، وهذا من توقير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نص عليه أهل العلم، يقول القاضي عياض (ت: 544هـ) رحمه الله: “ومن توقيره وبرّه صلى الله عليه وسلم توقير أصحابه وبرُّهم ومعرفة حقهم، والاقتداء بهم وحسن الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والإمساك عمَّا شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم، والإضراب عن أخبار المؤرِّخين وجهَلة الرُّواة والمبتدعين القادحة في أحدٍ منهم، وأن يُلتَمس لهم فيما نُقِل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفِتَن أحسنُ التأويلات، ويُخرَّج لهم أصوَبُ المخارج، إذ هُم أهل ذلك، ولا يُذكَر أحدٌ منهم بِسُوء ولا يُغمَص عليه أمرٌ، بل تُذكَر حسناتُهم وفضائلُهم وحميدُ سِيَرهم وُيسكَت عما وراء ذلك”([37]).

ومهما يكن من شيء فإن الحسن بن علي لما رأى أن الأولى حقن الدماء تنازل لمعاوية بالخلافة عام واحد وأربعين للهجرة([38])، فتولى أمرَ المؤمنين و”انعقدت الكلمة على معاوية، واجتمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين كما قدّمنا، فلم يزل مستقلا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدوّ قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو”([39]).

وقد شهد له من عاصر خلافته من الصحابة وأئمة التابعين بأنه كان عاقلًا في دنياه، حاكمًا قويًّا جيدَ السِّياسة، تحبُّه رعيَّته واجتمعُوا عليه، مشهورا بالحلم والكرم والرأي والحزم، وقد تولى إدارة أمور الدولة بنفسه، يسهر على شئون رعيته، ويعرف عنهم كل كبيرة وصغيرة، وأنشأ لها جهازًا لمعرفة أحوال البلاد وما يدور فيها حرصًا على مصالح المسلمين، ولم يكتف بتوكيل الأعمال إلى نوابه ووزرائه على الرغم من أنه أسس الدولة على أكفأ الرجال آنذاك من الصحابة وأبنائهم([40]).

وقد أحسن في زمنه إلى الأكابر من الصحابة وأبنائهم، خاصة بني هاشم، ولم يتخذ ضدَّهم أيَّ إجراء يفسد عليه رعيته؛ فخضع له ملوك العالم، واجتمعت عليه كلمة المسلمين من الصحابة وغيرهم، “فلم يَكن مِن مُلوك المسلمين ملِكٌ خيرٌ من مُعاوِيَة إذا نسبت أيامُه إلى أيام مَن بعده، أما إذا نسبت أيامه إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل”([41])، ومن هنا لا نجد أحدًا من الصحابة ولا من أبنائهم ثار ضد معاوية بعد توليه الخلافة([42]).

فبتولِّيه حَصل الاجتماعُ وقَوِيت الشَّوكة، وامتدَّت بلاد المسلمين شرقًا وغربًا، ولولا الفتنةُ التي جرت بينه وبين عليٍّ وأصحابه لما ذكره أحد إلا بخير.

وقد “بقي خليفة عشرين سنة، لا ينازعه أحد الأمر في الأرض”([43])؛ لما حصل فيها من استتباب الأمن وقوة اجتماع أمر المسلمين، ولدهائه في سياستهم رضي الله عنه؛ وقد بذل جهده واستفرغ وسعه لاستتباب الأمن واستقرار البلاد، وهو ما يتجلى لنا إذا عرفنا أنه من أوائل من توسَّع في الأجهزة الأمنية التي اتخذها في الدولة الإسلامية؛ فهو أول من اتخذ الحرس لحراسته من المعتدين، والحاجب كي لا يدخل عليه من يريد به سوءًا، وأنشأ الشرطة لأمن البلد.

ولما أدرك أن الخطر الأعظم هو محاولة الروم الكرة على المسلمين بعد أن غُلبوا في عهد عمر بن الخطاب عُني باختيار أنجب الرجال وأنسبهم لتأسيس الجيش الإسلامي الذي جاب الأرض وتوسّعت فتوحاته في عشرين سنة قضاها في خلافته؛ فقد امتدت بلاد الإسلام شرقا وغربا؛ فتوغل عقبة بن نافع في إفريقيا وأنشأ معسكره في القيروان، وتوسعت الفتوحات في الهند على يد المهلب بن أبي صفرة، وامتدت الفتوحات إلى بلاد البلقان وبعض جزر اليونان وبلاد ما وراء النهر([44]).

وأما العدو الأهم الذي كافحه معاوية سبع سنوات من خلافته فهو القسطنطينية، ففي عهده واصل ما بدأه النبي صلى الله عليه وسلم من إرسال جيش للروم، ثم أنفذه أبو بكر بإمرة أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي أمّره النبي صلى الله عليه وسلم، ثم واصل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك المشروع النبوي ففتح أهم ممالك الدولة البيزنطية وهي الشام ومصر، وفي عهد معاوية حاول القضاء على عاصمة الدولة البيزنطية، وذلك بفتح القسطنطينية نفسها التي ثبت فضل فاتحيها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأرسل معاوية الجيوش لفتحها أكثر من مرة، يُرسل في بعضها ابنه يزيد؛ رغبة في ذلك الفضل ولكنها لم تفتح، ولا يعني ذلك خسارة المسلمين في تلك المعركة، بل أذاقوا البيزنطيين الذل والخوف والهوان، ووطّدوا هيبة المسلمين في العالم بأسره، وهابهم القاصي والداني، كما أنهم أنزلوا بالروم الخسائر الفادحة.

ومعاوية رضي الله عنه وإن لم ينل فضل فتحها، إلا أنه نال فضيلة أولية غزو البحر من المسلمين؛ ففي خضم حِصاره للقسطنطينية وبذله كلّ سبيل لها وإحاطته بهم من كل جانب وبكل وسيلة أنشأ أول أسطول بحريّ لحصار الروم من جهة البحر؛ وقد شارك به جمع من الصحابة([45])، يقول ابن العماد: “ولي الشام لعمر وعثمان عشرين سنة، وتملكها بعد علي عشرين [أخرى] إلا شهرا، وسار بالرعية سيرة جميلة، وكان من دهاة العرب وحلمائها، يضرب به المثل، وهو أحد كتبة الوحي، وهو الميزان في حب الصحابة، ومفتاح الصحابة([46]).

وهو أول من وضع البريد في الإسلام في خلافته، وأول من اتخذ ديوان الخاتم([47]).

يقول ابن حزم: “ثمَّ مات عليٌّ رضي الله عنه، فبُويع الحسن، ثم سلَّم الأمرَ إلى معاوية، وفي بقايا الصَّحابة من هو أفضل منهما -بلا خلاف- ممن أنفق قبل الفتح وقاتل، فكلُّهم أولهم عن آخرهم بايَعَ معاويةَ ورأى إمامتَه”([48]).

وإبرازا لما أدركه ابن خلدون في عهد معاوية رضي الله عنه من الإنجازات ولما له من الفضل يقول: “وقد كان ينبغي أن تلحق دولة معاوية وأخباره بدول الخلفاء وأخبارهم، فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة… فكان معاوية أول خلفاء المغالبة والعصبية الذين يعبر عنهم أهل الأهواء بالملوك، ويشبهون بعضهم ببعض، وحاشا الله أن يشبَّه معاوية بأحد ممن بعده، فهو من الخلفاء الراشدين”([49]).

هل سبَّ معاوية عليًّا والصحابة؟ وهل أخطأ معاوية؟

هذا السؤال له شقان لا بد من تفصيلهما، ولكن قبل أن نخوض في الجواب عنه لا بد أن نؤكد أن معاوية لم يكن في الفتنة طالبًا الخلافة، وإنما كان يرى أن الأولى هو البدء بمحاكمة قتلة عثمان، واختلف معه في وجهة النظر هذه عليّ بن أبي طالب، فرأى أن الأولى هو استتباب الأمن باستقرار الخليفة ليُنظر في أمر القتلة لاحقًا، يقول ابن حزم: “وأما أمر معاوية رضي الله عنه فبخلاف ذلك، ولم يقاتله علي رضي الله عنه لامتناعه من بيعته؛ لأنه كان يسعه في ذلك ما وسع ابن عمر وغيره، لكن قاتله لامتناعه من إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام، وهو الإمام الواجبة طاعته، فعلي المصيب في هذا، ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة، لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان”([50]).

ويقول ابن حجر الهيتمي: “ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة للإجماع على أحقيتها لعلي كما مر، فلم تهج الفتنة بسببها، وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم، لكون معاوية ابن عمه، فامتنع علي”([51]).

وأما الجواب عن شقي السؤال:

فجواب الشق الأول: أنه لا شك أن “أهل السنة من أشدِّ الناس بغضًا وكراهة لأن يُتعرَّض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بقتال أو سبٍّ، بل هم كلُّهم متَّفقون على أنه أجلُّ قدرًا، وأحقُّ بالإمامة، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيرًا منه، وعليٌّ أفضل ممن هو أفضل من معاوية رضي الله عنه، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرةِ كلُّهم أفضلُ من الذين أسلموا عام الفتح”([52]).

وعلى هذا كان الصحابة كما كان معاوية؛ فلم يكن مُعاوِيَة رضِيَ اللهُ عَنه يشكُّ في فضل علي رضِيَ اللهُ عَنه عليه، كما ذكر ذلك عنه ابن كثير حيث يقول: “وقد وَرَد من غير وجه أنَّ أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على مُعاوِيَة، فقالوا له: هل تُنازع عليًّا أم أنت مِثله؟ فقال: والله، إنِّي لأعلم أنه خيرٌ مني وأفضل، وأحقُّ بالأمرِ منِّي”([53]). ونَقَل ابنُ كثير أيضًا عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: “لما جاء خبرُ قتلِ عليٍّ إلى مُعاوِيَة جعلَ يَبكِي، فقالت له امرأتُه: أتَبكِيه وقد قَاتلته؟! فقال: ويحكِ! إنكِ لا تدرين ما فقد الناس من الفضلِ والفقهِ والعلمِ”([54]).

ولم يثبت قطّ سبُّ مُعاوِيَة لعليٍّ رضِيَ اللهُ عَنهما، يقول القرطبي رحمه الله تعالى: “يبعد على مُعاوِيَة أن يصرِّح بلَعنِه وسبِّه؛ لِما كان مُعاوِيَة موصوفًا به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق، وما يُروى عنه من ذلك فأكثره كذبٌ لا يصحُّ، وأصحُّ ما فيها قولُه لسَعد بنِ أبي وقَّاص: (ما يمنعك أن تسبَّ أبَا تُراب؟) وهذا ليس بتصريح بالسبِّ، وإنما هو سؤالٌ عن سببِ امتناعه ليستخرجَ ما عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك مُعاوِيَة سكت وأذعن، وعرف الحق لمستحقه”([55]).

وهو يشير إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر مُعاوِيَة بن أبي سُفيَان سعدًا فقال: ما منعك أن تسُبَّ أبا التراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثًا قالهنَّ له رسول الله صلَّى اللهُ علَيهِ وسَلَّم فلن أسُبّهُ، لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النَّعم، سمعت رسول الله صلَّى اللهُ علَيهِ وسَلَّم يقول له وخلّفه في مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول الله، خلَّفْتني مع النساء والصبيان؟! فقال له رسول الله صلَّى اللهُ علَيهِ وسَلَّم: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟! إلا أنه لا نبوّة بعدي»، وسمعته يقول يوم خيبر: «لأُعْطينَّ الراية رجلًا يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله»، قال: فتطاولنا لها فقال: «ادع لي عليًّا»، فأُتي به أرْمَد، فبصق في عَيْنه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61] دعا رسول الله صلَّى اللهُ علَيهِ وسَلَّم عليًّا وفاطمة وحسنًا وحُسينًا، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي»([56]).

وجوابه أن يُقال: هذا الحديث لا يفيد أن مُعاوِيَة أمر سعدًا بسبِّ عليّ، وإنما أراد مُعاوِيَةُ أن يستفسرَ عن المانع من سبِّ عليّ، فكشف له سعدٌ عن ذلك، ولم نعلم أن مُعاوِيَةَ عندما سمع ردَّ سعدٍ غضبَ منه ولا عاقَبَه، وسكوتُ مُعاوِيَةَ هو تصويبٌ لرأيِ سعد، ولو كان مُعاوِيَةُ ظالمًا يُجبر الناسَ على سبِّ عليٍّ كما يدّعي الشيعة ومن تابعهم لما سكتَ عن سعدٍ ولأَجبَره على سبِّه، ولكن لم يحدث من ذلك شيءٌ، فعُلم أنه لم يأمر بسبّه ولا رضي بذلك.

قال النووي (ت: 676هـ) رحمه الله شارحًا هذا الحديث: “قول مُعاوِيَة هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدًا بسبِّه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السبِّ، كأنه يقول: هل امتنعت تورعًا أو خوفًا أو غير ذلك؟ فإن كان تورعًا وإجلالًا له عن السبِّ فأنت مصيبٌ محسنٌ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر. ولعل سعدًا قد كان في طائفة يسبّون فلم يسبَّ معهم، وعجزَ عن الإنكار أو أنكر عليهم، فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلًا آخر أنَّ معناه: ما منعك أن تُخطِّئَه في رأيه واجتهاده، وتُظهر للناس حسن رأيِنا واجتهادنا وأنه أَخطأ؟”([57]).

وقال ابن تيمية رحمه الله: “ولم يكن مُعاوِيَة قبل تحكيم الحكمين يدَّعي الأمر لنفسه ولا يتسمَّى بأمير المؤمنين، بل إنَّما ادَّعى ذلك بعد حكم الحكمين، وكان غير واحد من عسكرِ مُعاوِيَة يقول له: لم ذَا؟ تُقاتلُ عليًّا وليس لك سابقته ولا فضله ولا صهره، وهو أولى بالأمر منك؟! فيعترف لهم مُعاوِيَة بذلك، لكن قاتلوا مع مُعاوِيَة لظنِّهم أن عسكر علي فيه ظلمة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان، وأنهم يُقاتلون دفعا لصيالهم، وقتالُ الصَّائل جائز”([58]).

وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضِيَ اللهُ عَنه أن رسول الله صلَّى اللهُ علَيهِ وسَلَّم قال: «تمرق مارقة في فرقة من الناس، فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق»([59])، وهو يدل على أن طائفة مُعاوِيَة معها حقّ، ولكن الأخرى أقرب للحق([60]).

وَمِمَّا سبق يتبين لنا كذب الرواياتِ التي تقول: إن مُعاوِيَة أوصى المغيرة بن شعبة أو غيره بسب علي أو غيره من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

وهنا ينبغي أن نؤكد أنه “لا يصح شيء في ذم معاوية رضي الله عنه، وهناك أباطيل قيلت في حق معاوية رضي الله عنه ويذكرها أهل البدع في كتبهم، ويتولون بعضهم كبر جمعها ونشرها. وقد اشتد نكير السلف رحمهم الله تعالى على من وقع في مسبة معاوية رضي الله عنه بالضرب وبالتعزير والتنكيل به، وبهجره وعدم مجالسته، وبعدم الصلاة خلفه، وبذمه”([61]).

وهذا ينقلنا إلى الشق الثاني من السؤال وهو أن العلماء والأئمة كانوا قد أدركوا خطأ معاوية خاصة وهم يوقنون بحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار»([62]).

وهنا نوقن أن كثيراً من العلماء قدأدركوا خطأ معاوية رضي الله عنه، ولكنهم تعاملوا مع هذا الخطأ بالميزان الحق الصحيح، وهو إنزاله منزلته وبيان أنه خطأ دون غلو ومبالغة في التشنيع، فضلا عن التفسيق والتبديع والتكفير، ولا تعامٍ عن الخطأ أو عدم اعترافٍ به أو حتى إنكارٍ له، يقول النووي رحمه الله: “وأما عليّ رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالإجماع، وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره. وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العُدول الفُضَلاء والصحابة النُّجَباء رضي الله عنه. وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهةٌ اعتقدت تصويبَ أنفسِها بسببها، وكلُّهم عدول رضي الله عنهم ومتأوِّلون في حروبهم وغيرها، ولم يُخرِج شيءٌ من ذلك أحدًا منهم عن العدالة؛ لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محلِّ الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدَهم في مسائلَ من الدماء وغيرها، ولا يلزم من ذلك نقصُ أحد منهم. واعلم أنَّ سبب تلك الحروب أنَّ القضايا كانت مُشتَبِهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادُهم وصاروا ثلاثة أقسام: قسمٌ ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرَف وأن مخالفَه باغٍ، فوجب عليهم نصرتُه وقتالُ الباغي عليه فيما اعتقدوه، ففعلوا ذلك ولم يكن يحلُّ لمن هذه صفتُه التأخّر عن مساعدة إمام العدل في قتال البُغاة في اعتقاده، وقسمٌ عكسُ هؤلاء، ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدتُه وقتالُ الباغي عليه، وقسمٌ ثالث اشتبهت عليهم القضيةُ وتحيَّروا فيها، ولم يظهَر لهم ترجيحُ أحد الطرفين، فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقّهم؛ لأنه لا يحلُّ الإقدام على قتال مسلم.. فكلُّهم معذورون رضي الله عنهم؛ ولهذا اتفق أهل الحق ومن يُعتدُّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين”([63]).

والكلام في معاوية وغيره من الصحابة رضي الله عنهم بيَّن لنا الغزالي (ت: 505هـ) رحمه الله حالَ من يقع فيه حين قال: “واعلم أنك في هذا المقام بين أن تُسيء الظن بمسلم وتطعن عليه وتكون كاذبا، أو تُحسن الظن به وتكفَّ لسانك عن الطعن وأنت مخطئ مثلًا، والخطأ في حسن الظن بالمسلم أسلَم من الصواب بالطعن فيه، فلو سكت إنسانٌ مثلًا عن لعن إبليس أو لعن أبي جهل أو أبي لهب أو مَن شئتَ من الأشرار طول عمره لم يضرّه السكوت، ولو هفا هفوةً بالطعن في مسلم بما هو بريء عند الله تعالى منه فقد تعرَّض للهلاك، بل أكثر ما يعلم في الناس لا يحلّ النطق به لتعظيم الشرع الزجر عن الغيبة، مع أنه إخبار عما هو متحقّق في المغتاب. فمن يلاحظ هذه الفصول ولم يكن في طبعه ميل إلى الفضول آثر ملازمته السكوت وحُسن الظن بكافة المسلمين، وإطلاق اللسان بالثناء على جميع السلف الصالحين. هذا حكم الصحابة عامة”([64]).

معاوية في عيون أئمة السلف:

لئن كان الأمر كما تقرَّر وسبق بيانه فلعل سائلًا هنا يتساءل: هل هذا ما كان عليه أئمة السلف؟ ماذا قال أئمة الهدى في معاوية رضي الله عنه؟ وما موقفهم منه؟ وحُق له السؤال، وقمن بمثله أن يجاب:

لا شك أن أول السلف ومقدَّم الأئمة هم الصحابة، وقد سبق نقل طرفٍ من أقوالهم فيه كابن عباس وغيره.

ثم نجد الإمام قتادة بن دعامة السدوسي (ت: 117هـ) رحمه الله يقول عنه: “لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي”([65]).

وبمثله نص الإمام الزهري (ت: 124هـ) رحمه الله فقال: “عمِل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين، لا يخرم منها شيئا”([66]).

وكان تلاميذ الأعمش (ت: 148هـ) رحمه الله عنده، فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فذكَّرهم بأن عدله لا يلزم منه الانتقاص من معاوية فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟! قالوا: يا أبا محمد، يعني في حلمه؟ قال: لا والله، ألا بل في عدله([67]).

وقال رجل لسفيان الثوري (ت: 161هـ) رحمه الله: بلغنا أنك تبغض عثمان! ففزع، فقال: لا والله، ولا معاوية، رحمهما الله([68]).

وقال ابن المبارك (ت: 181هـ) رحمه الله: “معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزرًا اتهمناه على القوم”([69]).

وسئل المعافى بن عمران (ت: 185هـ) رحمه الله: يا أبا مسعود، أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان؟ فرأيته غضب غضبًا شديدًا وقال: لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد، معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصِهره وأمينه على وحي الله عز وجل([70]).

وسئل الإمام أحمد (ت: 241هـ) رحمه الله: أقول: معاوية خال المؤمنين؟ وابن عمر خال المؤمنين؟ قال: نعم، معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما، وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما، قلت: أقول: معاوية خال المؤمنين؟ قال: نعم([71]). ولما قيل له: إن ثمة من يرفضها، قال: هذا قول سوء رديء، يجانبون هؤلاء القوم، ولا يجالسون، ونبين أمرهم للناس([72]).

وقد عقد له الإمام البخاري (ت: 256هـ) رحمه الله بابًا في صحيحه في كتاب المناقب، فقال: “باب ذكر معاوية بن أبي سفيان”، وأورد فيه مناقبه، وأخرج حديثه([73]).

وأما الإمام مسلم (ت: 261هـ) رحمه الله فقد بيَّن منقبته في حديث: «لا أشبع الله بطنه»([74])؛ ولذا أورده بعد حديث: «فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة، وقربة يقربه بها منه يوم القيامة»([75]).

وقال رجل للإمام أبي زرعة الرازي (ت: 264هـ) رحمه الله: أنا أبغض معاوية، قال: لم؟ قال: لأنه قاتل علي بن أبي طالب، فقال له: إن رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فأيش دخولك أنت بينهما رضي الله عنهم أجمعين([76]).

وقد أفرد الآجري (ت: 360هـ) رحمه الله في فضائل معاوية كتابًا ضمن مباحث كتابه الشريعة سماه: “كتاب فضائل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه”، وافتتحه بقوله: “معاوية رحمه الله كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على وحي الله عز وجل -وهو القرآن- بأمر الله عز وجل، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيه العذاب، ودعا له أن يعلّمه الله الكتاب، ويمكّن له في البلاد، وأن يجعله هاديا مهديًّا… وصاهره النبي صلى الله عليه وسلم بأن تزوج أم حبيبة أخت معاوية رحمة الله عليهما، فصارت أم المؤمنين، وصار هو خال المؤمنين… وهو ممن قال الله عز وجل: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8]، فقد ضمن الله الكريم له أن لا يخزيه؛ لأنه ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم”([77]).

وختامًا: فمهما يكن من أمر، فإننا بعد هذا التتبع وجدنا أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بحر للحسنات والفضائل، شهد له بها الصحابة والتابعون والأئمة من بعدهم، وإن كان قد أخطأ لبشريته فخطؤه مغمور في بحر حسناته، ولسنا نقصد إلى غضّ الطرف عن أخطائه أو الغلو في مدحه، وإنما المقصود هو العدل في طرح سيرته، والله يتولى السرائر.

ولكلِّ هذا كان من السلف من يعتبر الخوض في معاوية بداية الطريق للخوض في أعراض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر: جامع البيان للطبري (2/ 377).

([2]) جامع البيان للطبري (2/ 377) بتصرف.

([3]) ذكره ابن حجر في الفتح من رواية بكير بن شهاب (8/ 166).

([4]) جامع البيان للطبري (2/ 377)، وأصله عند البخاريّ (3329) من قول عبد الله بن سلام ونصُّه: “ذاك عدوُّ اليهود من الملائكة”.

([5]) أخرجه الطبري (14/ 333)، وابن أبي حاتم (6/ 1829)، وصحح الشيخ أحمد شاكر إسناده.

([6]) من وصية عمرو بن عبيد يوصي أصحابَه بالاستماع لخَتَنِه واصل بن عطاء، ويسقط من شأن العلماء. ينظر: الضعفاء، للعقيليِّ (3/ 285).

([7]) قول أحد زعماء المبتدعة، يقوله على سبيل الاستصغار والاحتقار. ينظر: الاعتصام، للشاطبيِّ (2/ 239).

([8]) ينظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (59/ 210).

([9]) في زمن إسلامه خلاف، ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (3/ 120) الإصابة لابن حجر (6/ 120).

([10]) ينظر: جامع البيان للطبري (22/ 395)، مجموع الفتاوى (4/ 459).

([11]) ينظر: صحيح البخاري (5/ 2)، الكفاية للخطيب البغدادي (ص: 51).

([12]) ينظر: مجموع الفتاوى (4/ 461).

([13]) أخرجه البخاري (3764).

([14]) ينظر: صحيح مسلم (2501).

([15]) أخرجه أحمد (3104)، وصححه الذهبي في تاريخ الإسلام (4/ 309). وينظر: الدولة الأموية المفترى عليها.. دراسة الشبهات والرد عليها، لحمدي شاهين (ص: 145 -وما بعدها-).

([16]) ينظر: مجموع الفتاوى (4/ 458).

([17]) ينظر: الاستيعاب لابن عبد البر (3/ 1416)، وأسد الغابة لابن الأثير (5/ 201).

([18]) صحيح البخاري (2924).

([19]) أخرجه البخاري (2788)، ومسلم (1912).

([20]) أخرجه البخاري (2924).

([21]) أخرجه الإمام أحمد (17202)، وصححه بشواهده الألباني في السلسلة الصحيحة (3227).

([22]) ديوان المبتدأ والخبر -ط: إحياء التراث- (2/ 188). وينظر: الموضوعات لابن الجوزي (2/ 15)، سير أعلام النبلاء للذهبي (3/ 128)، الأحاديث النبوية في فضائل معاوية بن أبي سفيان لمحمد الأمين الشنقيطي، الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية لعبد العزيز القرشي الفريهاري الملتاني (ص: 39).

([23]) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 275).

([24]) أخرجه البخاري (3765).

([25]) أخرجه الشافعي كما في مسنده (86)، وعبد الرزاق (4641)، والبيهقي في الكبرى (4794).

([26]) ينظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2497).

([27]) أخرجه الإمام أحمد (16863)، والخلال في السنة (2/ 439). وصححه محققو طبعة الرسالة.

([28]) ينظر: سير أعلام النبلاء (3/ 134 -وما بعدها-).

([29]) ينظر: البداية والنهاية لابن كثير (8/ 142).

([30]) ينظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (8/ 1529)، مكارم الأخلاق للخرائطي (179).

([31]) تاريخ الإسلام للذهبي (2/ 546).

([32]) ينظر: تاريخ الرسل والملوك للطبري (3/ 391)، وسمط النجوم العوالي للعصامي (2/ 3).

([33]) ينظر: البداية والنهاية لابن كثير (8/ 126).

([34]) ينظر: تاريخ الرسل والملوك للطبري (4/ 62)، والبداية والنهاية لابن كثير (7/ 63).

([35]) ينظر: مختصر منهاج السنَّة (١/ ٢٩8).

([36]) سير أعلام النبلاء (3/ 132 -وما بعدها-). وينظر: حلم معاوية لابن أبي الدنيا (ص: 19).

([37]) الشفا (2/ 53).

([38]) ينظر: تاريخ الإسلام للذهبي (4/ 6-7)، البداية والنهاية لابن كثير (8/ 18-21).

([39]) البداية والنهاية لابن كثير (11/ 400).

([40]) ينظر: العالم الإسلامي في العصر الأموي لعبد الشافي محمد عبد اللطيف (ص: 111).

([41]) مختصر منهاج السنَّة (١/ ٢٩٧).

([42]) ينظر: العالم الإسلامي في العصر الأموي لعبد الشافي محمد عبد اللطيف (ص: 108).

([43]) تاريخ الإسلام للذهبي (2/ 545). وينظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: 228).

([44]) ينظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: 233).

([45]) ينظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: 232)، العالم الإسلامي في العصر الأموي لعبد الشافي محمد عبد اللطيف (ص: 113 -وما بعدها-)، الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي لسليمان بن عبد الله السويكت (ص: 430).

([46]) شذرات الذهب (1/ 270).

([47]) ينظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: 233).

([48]) الفصل (4/ 127).

([49]) ديوان المبتدأ والخبر -ط. إحياء التراث- (2/ 188).

([50]) الفصل (4/ 124).

([51]) الصواعق المحرقة (ص: 216). وينظر: فتح الباري لابن حجر (13/ 86)، معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين وكاتب وحي النبي الأمين لشحاتة محمد صقر (ص: 170).

([52]) منهاج السنة النبوية (4/ 396) بتصرف يسير.

([53]) البداية والنهاية (8/ 132).

([54]) المصدر نفسه (8/ 133).

([55]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 278-279).

([56]) صحيح مسلم: باب فضائل علي (2404).

([57]) شرح صحيح مسلم (15/ 175).

([58]) ينظر: مختصر منهاج السنَّة (١/ ٢٩٨).

([59]) صحيح مسلم (1064).

([60]) ينظر: منهاج السنة (4/ 358).

([61]) سل السنان في الذب عن معاوية بن أبي سفيان لسعد السبيعي (ص: 370) بتصرف يسير.

([62]) أخرجه البخاري (447).

([63]) شرح صحيح مسلم (15/ 149).

([64]) الاقتصاد (ص: 131).

([65]) ينظر: السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 438).

([66]) المصدر السابق (2/ 444).

([67]) المصدر السابق (2/ 437).

([68]) المصدر السابق (2/ 446).

([69]) ينظر: البداية والنهاية لابن كثير (11/ 449).

([70]) ينظر: الشريعة للآجري (5/ 2467).

([71]) ينظر: السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 433).

([72]) المصدر السابق (2/ 434).

([73]) صحيح البخاري (5/ 28).

([74]) أخرجه مسلم (2604).

([75]) أخرجه مسلم (2603).

([76]) ينظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (59/ 141).

([77]) الشريعة (5/ 2431).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

آثار الحداثة على العقيدة والأخلاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الفكر الحداثي مذهبٌ غربيّ معاصر دخيل على الإسلام، والحداثة تعني: (محاولة الإنسان المعاصر رفض النَّمطِ الحضاري القائم، والنظامِ المعرفي الموروث، واستبدال نمطٍ جديد مُعَلْمَن تصوغه حصيلةٌ من المذاهب والفلسفات الأوروبية المادية الحديثة به على كافة الأصعدة؛ الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية…)([1]). ومما جاء أيضا في تعريفه: (محاولة […]

الإيمان بالغيب عاصم من وحل المادية (أهمية الإيمان بالغيب في العصر المادي)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعيش إنسان اليوم بين أحد رجلين: رجل تغمره الطمأنينة واليقين، ورجل ترهقه الحيرة والقلق والشكّ؛ نعم هذا هو الحال، ولا يكاد يخرج عن هذا أحد؛ فالأول هو الذي آمن بالغيب وآمن بالله ربا؛ فعرف الحقائق الوجوديّة الكبرى، وأدرك من أين جاء؟ ومن أوجده؟ ولماذا؟ وإلى أين المنتهى؟ بينما […]

مناقشة دعوى الإجماع على منع الخروج عن المذاهب الأربعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن طريقة التعامل مع اختلاف أهل العلم بَيَّنَها الله تعالى بقوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ […]

بدعية المولد .. بين الصوفية والوهابية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الأمور المقرَّرة في دين الإسلام أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإنَّ الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل في العبادات المنع والتوقيف. عَنْ عَلِيٍّ […]

الخرافات وأبواب الابتداع 

[ليس معقولاً، لا نقلاً، ولا عقلاً، إطلاق لفظ «السُّنَّة» على كل شيء لم يذكر فيه نص صريح من القرآن أو السنة، أو سار عليه إجماع الأمة كلها، في مشارق الأرض ومغاربها]. ومصيبة كبرى أن تستمر التهم المعلبة،كوهابي ، وأحد النابتة ، وضال، ومنحرف، ومبتدع وما هو أشنع من ذلك، على كل من ينادي بالتزام سنة […]

ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي

‏‏للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي([1]) اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور علي بن محمد بن ناصر آل حامض الفقيهي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدا بقرية المنجارة التابعة لمحافظة أحد المسارحة، إحدى محافظات منطقة جيزان، عام 1354هـ. نشأته العلمية: نشأ الشيخ في مدينة جيزان […]

مناقشة دعوَى أنّ مشركِي العرب جحدوا الربوبية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اعتَمَد بعضُ الأشاعرةِ في العصور الحديثةِ على مخالفة البدهيات الشرعية، وتوصَّلوا إلى نتائج لم يقل بها سلفُهم من علماء الأشعرية؛ وذلك لأنهم لما نظروا في أدلة ابن تيمية ومنطلقاته الفكرية وعرفوا قوتها وصلابتها، وأن طرد هذه الأصول والتزامَها تهدم ما لديهم من بدعٍ، لم يكن هناك بُدّ من […]

حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية في الإسلام

  إنَّ حريةَ الاعتقاد في الإسلام تميَّزت بتفاصيل كثيرة واضحة، وهي تعني أن كلَّ شخص حرّ في اختيار ما يؤمن به وما يدين به، ولا يجب على أحدٍ أن يُكرهَه على اعتقاده، كما تعني الاحترامَ لحرية الآخرين في اختياراتهم الدينية والمعتقدات الشخصية. موقفُ الإسلام من الحرية الدينية: الأصلُ عدمُ الإجبار على الإسلام، ولا يُكره أحد […]

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

  في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال. […]

الفكر الغنوصي في “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي وموقف فقهاء ومتصوفة الغرب الإسلامي منه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم لا تخفى المكانة التي حظي بها كتاب إحياء علوم الدين عند المتصوفة في المغرب والأندلس، فكتب التراجم والمناقب المتصوفة المغربية المشهورة، شاهدة على حضور معرفي مؤثر ظاهر لهذا الكتاب في تشكيل العقل المتصوف وتوجيه ممارسته، وأول ما يثير الانتباه فيه، هو التأكيد على الأثر المشرقي […]

لماذا أحرق أبو بكر وعمر الأحاديث؟

تمهيد: يلتفُّ بعض فرق المبتدعة حول الحداثيين والعلمانيين، ويلتفُّ العلمانيون ومن نحى نحوهم حول هذه الفرق، ويتقاطع معهم منكرو السنَّة ليجتمعوا كلّهم ضدَّ منهج أهل السنة والجماعة في تثبيت حجية السنة والأخذ بها والعمل بها والذبِّ عنها. وبالرغم من أنّ دوافع هذه الفرق والطوائف قد تختلف، إلا أنها تأخذ من بعضها البعض حتى يطعنوا في […]

هل كان ابن فيروز وغيره أعلم من ابن عبد الوهاب بمنهج ابن تيمية؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يعتمد المخالفون على أن مناوئي الدعوة -من الحنابلة- كانوا معظِّمين لابن تيمية وابن القيم، بل وينتسبون إليهم أيضًا؛ كابن فيروز وابن داود وابن جرجيس، ويعتبرون ذلك دليلًا كافيًا على كونهم على مذهب ابن تيمية، وعلى كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعيدًا عن منهج الشيخين ابن تيمية وابن القيم. […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017