السبت - 18 شوّال 1445 هـ - 27 ابريل 2024 م

المحدث المسند نذير حسين الدهلوي “1220-1320هـ”

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

اشتهر الإمام المحدث نذير حسين بلقب “شيخ الكل في الكل” بسبب تفرّغه للتدريس مدة طويلة جدًا تجاوزت سبعين سنة! واقتصر على تدريس القرآن الكريم والسنة والفقه مدة خمسين سنة تقريبًا، وقبل ذلك كان يدرس في غالب العلوم والفنون! وبسبب هذه المدة الطويلة أصبح له طلاب بعشرات الآلاف، ومن دول كثيرة جدًا في شبه القارة الهندية وخارجها([1]).

وكانت ثمرة هذا الجهد الضخم في التدريس -الذي كان يستغرق يومه كاملاً- أن أصبح باعث الدعوة السلفية في ربوع الهند على يد طلبته، الذين أصبحوا أئمة وعلماء الهند، وانتشر علم الحديث في ربوع الأرض لأن الله عز وجل تفضل عليه بإطالة عمره وتسخيره للتدريس، فأصبح مرجع الأسانيد في عصره.

هذه السيرة العطرة والجهد المبارك يجب أن يدفعا الأجيال المعاصرة إلى أن تتعرف عليه وتقتدي به وتجازيه على عطائه بالدعاء والثناء.

نشأته:

هو السيد “محمد” نذير حسين بن جواد علي بن عظمة الله بن إله بخش بن محمد الرضوي الحسيني البِهاري ثم الدِّهْلَوي، وبين المترجَم وبين الحسين بن علي رضي الله عنهما أربع وثلاثون أبًا، وكذلك وخمس وثلاثون أبًا من جهة أمه([2]).

وبهذا يتبين أن الإمام نذير حسين عربي هاشمي من جهة كلا والديه، ومما يغفل عنه الناس أن كثيرًا من سكان بلاد العجم هم من أحفاد الصحابة والتابعين والعرب الذين جاؤوا إلى هذه البلاد للدعوة والجهاد والتجارة، واستوطنوها، وأصبح كثير من أحفادهم وذريتهم من علماء البلاد وأمرائها. وفي أجداده مَن كان مِن سادات الناس كالقائد المعروف أحمد جاجيري، في عهد السلطان العادل قطب الدين أيبك، فهذا هو نسب الإمام وشرف عائلته.

ولد نذير حسين سنة 1220هـ -على الأصح- في قرية “بلتوا”، بالقرب من مدينة سورج كره، بولاية بهار شرقي الهند، وولاية بهار كانت موطنا للعلماء ومنبع حركة الجهاد ضد الإنجليز، كعلماء أسرة صادق فور والشيخ المجاهد البطل ولاية علي([3]).    

لم يعتنِ نذير حسين بالعلم كثيرًا وهو صغير، بل كانت طفولته وفتوته مصروفة لِلَعب والرياضة كركوب الخيل والسباحة في نهر غنغا، فاكتسب صحة قوية وجيدة نفعته في شيخوخته، فبلغ عمره مائة سنة، ولم يمرض كما هو المعتاد في كبار السن، وبقيت معه قوته، وساعدته على التدريس مدة طويلة.

كان والد نذير منزعجًا من حاله، لانصرافه عن التعلم، وتوجهه للعب، وحين بلغ عمره ست عشرة سنة، زار والدُه صديقا له من الكفار البراهمة! وخاطب نذير: ما لي أراك جاهلًا لا تقرأ ولا تكتب، ومُنصرفًا للّعب ومُعْرِضًا عن العلم كأبيك وعائلتك المشهورة بالعلماء؟ ويبدو أن هذا العتاب أثّر في نذير فانقلب حاله وتوجّه للعلم([4]).

فبدأ يقرأ على أبيه، وتعلّم منه الفارسية والعربية، ثم تطلع للدراسة في العلوم والفنون في خارج قريته بعد أن أحب العلم واستنفد ما في قريته منه، ولما كان والده لا يملك الكثير فلم يسمح له بالسفر لطلب العلم وهو صغير لا يملك المال لينفق على نفسه.

بداية الرحلة في طلب العلم:

لكن نذير ذلك الفتى الذي شبّ على اللعب والرياضة والقوة لم يخضع لرأي أبيه، واتفق سرًا مع صديقه في اللعب على الهروب من القرية في ليلة مظلمة للسفر إلى مدينة عظيم آباد (بتنة) وذلك سنة 1237هـ.

هناك ذهب ورفيقَه بشير الدين، الذي سيشتهر بلقب “المولوي مراد علي”([5]) لحارة صادق فور، وبالتحديد لزاوية الشيخ الشاه محمد حسين، خليفة الشيخ البطل ولاية علي، والذي كان من كبار أصحاب الشيخين أحمد عرفان والشاه إسماعيل ورافقهم للجهاد، لكنهم طلبوا منه الذهاب للدعوة في المناطق، ولذلك لم يشهد مأساة بالاكوت، ولكنه قام بحمل الراية بعدهم واستمر في الدعوة والجهاد ونظم أمور الدعوة والدعم والجهاد بشكل دقيق وسري لمدة طويلة.([6])

ومكث نذير حسين ورفيقه بضعة أيام هناك ثم ذهبوا للجامعة الكبرى، التي كانت مهوى طلبة العلم، وهناك تميز نذير حسين بين الطلبة بالجد والاجتهاد، وانتبه له أساتذته ومدير الجامعة فزادوا في رعايته وملاطفته، ومكث هناك ستة أشهر درس فيها القرآن الكريم ومشكاة المصابيح، وأكرمه الله عز وجل بلقاء الشيخ أحمد بن عرفان، والشيخ إسماعيل الدهلوي، والشيخ عبد الحي بن هبة الله البدهانوي([7]).

 وقد جاؤوا للمنطقة وهم في طريقهم للحج، حيث كانوا يتنقلون بين المناطق للدعوة العامة والحث على الحج والجهاد، وقد كان الذهاب للحج يكاد يندثر في الهند بسبب الفتاوى الضالة والتي تدعى أن ركوب البحر فيه مخاطرة مما يبطل وجوب الحج، فكان من وظائف الإصلاح الديني لمدرسة الشاه الدهلوي إعادة حث المسلمين على أداء فريضة الحج([8])، ومكث الشيخين أحمد عرفان والشاه إسماعيل هناك خمسة عشر يوما، ومعلوم أن الشيخين أحمد عرفان وإسماعيل الدهلوي كلّفا من العلامة الشيخ عبد العزيز الدهلوي بالعمل على تكوين جيش للجهاد ضد الإنجليز والسيخ لتأسيس حكم إسلامي جديد يعيد للمسلمين قوتهم ويدافع عن استقلالهم في وجه الغزو السيخي والإنجليزي، وتقرر أن يقود الجيش الشيخ أحمد عرفان ويساعده الشيخ إسماعيل الدهلوي وذلك سنة 1808م، ومن هنا بدأت مسيرتهم في الدعوة والجهاد حتى استشهدا -إن شاء الله- في معركة وادى بلاكوت سنة 1831م([9]).

وقد ترك هذا اللقاء بصمات ضخمة على شخصية الفتى الطموح نذير حسين الذي بلغ من العمر سبع عشرة سنة، وقد دوّن لنا الشيخ نذير أثر ذلك اللقاء والسماع لموعظة الشيخ إسماعيل الدهلوي فقال: “إن الإمام الهمام الشهيد الشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي وعظ فيها يوما موعظة بليغة لم أسمع أحسن وأبلغ منها قط، تأثرت بها القلوب ما لم تتأثر بغيرها، ووقف الناس ساكتين صامتين كأن على رؤوسهم الطير، لا يلتفتون يمينا ولا شمالا، ولا يتأخرون عن مواضعهم الأصلية، ولا يتمايلون إلى أصحابهم الجالسين، واشتاق الناس إلى زيارة بيت الله الحرام وأداء فرائض الحج التي نسخها الفقهاء، ولزمهم أهل صادق فور إلى أن استشهدوا في سبيل الله ونجحوا في الدنيا والآخرة، وتركوا لأخلافهم أسوة حسنة، وأخرجوا المسلمين من ليل طامس وظلام دامس إلى نهار ظاهر ونور باهر”([10]).    

ويبدو أنه قد تكررت لقاءات الفتى نذير مع هؤلاء الأعلام الكبار في بتنة وغيرها حيث قال: “وقد حصل لقائي بالسيد البريلوي –أحمد عرفان- والشاه الشهيد لأول مرة هنا في بتنة”([11]).

وقد تأثر الفتى نذير بالشيخ إسماعيل، الذي كانت له شخصية آسرة وهيبة فهو قد جمع العلم والفصاحة في الخطابة والشجاعة والجهاد، ولكون الفتى نذير سليل أسرة كريمة ذات حسب وسيادة فإن التأثر بالعلم والقيادة والشجاعة والبطولة شيء فطري، ولا شك أن أخبار نشاطاته الدعوية والمعارك التي خاضها ثم استشهاده -إن شاء الله- كانت تنحفر في ذهن الفتى الصاعد نذير حسين.

ويبدو هذا التأثر واضحا من تلقيبه الشاه إسماعيل بالشهيد في النص السابق، ومن تأثير الشاه إسماعيل في الفتى نذير تحبيبه في العلم والمشاركة في الجهاد، لكن لصغر سن نذير -آنذاك- ثم تبدل الأحوال بعد وفاته ورفيقه الشيخ أحمد خان في معركة بلاكوت، اقتصر دوره الجهادي على التأييد والدعم غير المباشر، والتركيز على التعليم والتأسيس لجيل قادم، وإن تسبب ذلك أيضا في التضييق عليه وسجنه من قبل الإنجليز لاحقا كما سنوضحه في موضعه.

 يبدو أن هذا اللقاء مع الشيخ الشاه إسماعيل الدهلوي شوّق الفتى الطموح نذير حسين للرحلة إلى دهلي للتعلم على يد العلامة الأكبر الشاه عبد العزيز الدهلوي عمّ الشاه إسماعيل، وابن الشيخ الكبير ولي الله الدهلوي، الذي يعدّ مجدّد عصره، وباعث النهضة العلمية الإصلاحية في الهند.

الرحلة إلى دهلي:

رحل نذير حسين من بتنة، سنة 1238هـ، عازمًا التوجه إلى دهلي، للدراسة على الشيخ عبد العزيز، وفي الطريق مرّ على عدة مدن منها: غازي فور، التي جلس فيها عدة أشهر يدرس على الشيخ علي جريا كوتي، ثم انطلق فمرّ على مدينة بنارس، ومكث فيها قليلا ولم يدرس فيها على أحد، ثم رحل إلى إله آباد ومكث فيها ثمانية أشهر درس فيها على المولوي السيد زين العابدين، وفي هذه الأثناء توفي الشيخ عبد العزيز الدهلوي في شوال 1239هـ، وفات الفتى الطموح مقصده!

لكن هذا لم يفتّ في عضد نذير حسين، فواصل الدراسة والمطالعة، وبذل في ذلك الكثير من قوته ونشاطه وماله القليل!

فقد سار أحيانا على قدميه وهو يتنقل في طريقه إلى دهلي، وفي مرة باع فرسه بتسع روبيات ليشتري بعض الكتب النادرة، وكان العوز يعوقه أحيانا، ويبدو أنه كان يضطر للعمل لتوفير قوته ومصاريف السفر، ولذلك لم يصل نذير حسين إلى دهلي إلا بعد خمس سنوات، وكان ذلك في سنة 1243هـ([12]).

الوصول إلى دهلي:

وفي ذلك الوقت كان الشيخ إسحاق الدهلوي هو الذي تصدر للتدريس، وخاصة علم الحديث، خلفاً لجده من أمه الشيخ عبد العزيز الدهلوي، الذي كان يطمح الفتى الطموح نذير حسين أن يدركه ويتعلم عليه بعد أن قابل ابنه الشيخ إسماعيل الدهلوي في بتنة، ولكن لم يكن نذير حسين قد استكمل العلوم والكتب التي تؤهله لحضور دروس الشيخ إسحاق الدهلوي، لذلك بدأ الدراسة في دهلي عند بعض العلماء وعند بعض تلامذة الشيخ إسحاق حتى تأهل لحضور حلقة الشيخ إسحاق([13]).

في البداية تلقى العلم على يد الشيخ عبد الخالق الدهلوي في مسجد أورنك أبادي، وكان في هذه المرحلة يدرس -مع العلوم النقلية- علوم الآلة والمعارف العقلية على عدد من العلماء الكبار، والتي انتهى منها بعد ثلاث سنوات ونصف([14])، وبعد مدة أصبح يُدرس في مسجد أورنك أبادي أيضا للطلبة وهو يواصل التعلم عند العلماء([15]).  

عاش الشيخ حياة بسيطة، ولم يتطلع للدنيا وزينتها برغم مقدرته على الحصول عليها، واستمر على ذلك طيلة حياته، فحين زاره المولوي محمد دين البنجابي كان يقدّم له طعامه الخاص مدة ثلاثة أيام، ويبيت جائعا لفقره([16]).

التحاقه بحلقة الشاه إسحاق وزواجه من ابنة شيخه عبد الخالق

وبعد سنتين أو أكثر قليلا التحق الشاب نذير حسين بحلقة الشيخ المحدث المسند إسحاق الدهلوي وذلك تقريباً سنة 45/1246هـ وكان قد بلغ خمسا وعشرين سنة من العمر تقريبا، وستستمر رحلة التعلم على الشيخ إسحاق مدة اثنتي عشرة سنة أو أكثر قليلاً.

وفي بداية التحاقه بحلقة الشيخ إسحاق الدهلوي تزوج الشيخ نذير حسين من ابنه شيخه عبد الخالق الدهلوي الذي لمس فيه النجابة العلمية، وحسن الخلق، ورفعة النسب، وذلك في آخر سنة 1246هـ، وتولى عقد زواجه العلامة إسحاق الدهلوي وأخوه الشيخ محمد يعقوب، مما يدل على تقدير شيوخه له، فهذا زوّجه ابنته وهذا عقد له زواجه([17]).

واستمر يقرأ على العلامة إسحاق الدهلوي حوالي اثنتي عشرة سنة، قرأ عليه فيها بعض كتب التفسير وأمهات كتب الحديث قراءة رواية ودراية وضبط وتحقيق حتى أصبح من أخصّ طلابه وفاق أقرانه ومَن سبقه من طلاب العلامة إسحاق([18]).

حتى “استفاض منه فيوضا كثيرة وأخذ عنه ما لم يأخذه أحد من تلامذته، فبلغ في مراتب الكمال وصار خليفة له”([19])، وكان يقضي ويفتي بحضرة شيخه إسحاق الدهلوي، فكان يسر بذلك، وكان الشاه إسماعيل يطرح عليه الإشكالات على سبيل الامتحان([20]). 

وكان رفاقه في طلب العلم يدركون تفوق الشيخ نذير عليهم بكثرة حفظه ومطالعته وفهمه، ويحبونه ويقدرونه لدماثة أخلاقه وتواضعه الجم([21]).

بماذا تفوق الشيخ نذير حسين على رفاقه؟

كان الشيخ نذير حسين صاحب همَّة عالية في طلب العلم، فبرغم أنه توجه لطلب العلم متأخرًا نسبيًا وعمره ست عشرة سنة، إلا أنه فاق رفاقه وأقرانه، ويتبين ذلك من خلال ما يأتي:

أولا: سعة اطلاعه على مصنفات أهل العلم وامتلاكه مكتبة متميزة

وهذا الاطلاع كان من خلال ما يقتنيه من كتب، أو يطالعه في المكتبات العامة، فهو مِن صغره كان يحب اقتناء الكتب، وقد مرّ معنا أنه باع فرسه وهو فتى بتسع روبيات لشراء بعض الكتب.

ونما معه حب اقتناء الكتب مع التوسع في الدراسة البحث، وكتب الشيخ نذير حسين إلى المولوي السيد عبد العزيز الصمدني في إحدى الرسائل عن مرحلة طلبه للعلم في دهلي: “في تلك الفترة كان شوق مطالعة الكتب عندي شديداً”([22]).

وأصبح عنده مكتبة ضخمة، من طريقين:

الطريق الأول: شراء الكتب، فقد كان لا يسمع بكتاب لم يطالعه إلا وحرص على اقتنائه ولو أرسل رسولا من عنده لمدينة أخرى، بل كان يرسل في طلب الكتب والمخطوطات من دول بعيدة كمصر والشام وبيروت، وقد أنفق مبالغ كثيرة على اقتناء الكتب في مختلف العلوم والفنون، وللأسف أنه فقد مكتبته هذه في ثورة الهند الكبرى سنة 1273هـ، فتحسر عليها كثيرا. ولكن عوّض ذلك من خلال استعانته بالمكتبات الأخرى المختلفة كالمكتبة العزيزية وخزانة الكتب المغولية وخزانة الأمير صديق خان، وغيرها، فكان يستعير منها الكتب النادرة وينسخها بيده، كما كان يفعل من قبل.

الطريق الثاني: ما كان ينسخه من المكتبات العامة بيده، فقد كان كثير التردد من قبل على المكتبة السلطانية بالقلعة الحمراء، مقر حكم ملوك المغول المسلمين في دهلي، وكذلك المكتبة العزيزية.

والمكتبة السلطانية كانت تتجمع فيها الكتب على مدار القرون، منذ بداية دولة الإسلام في الهند، وقد تمكّن الشيخ نذير من الوصول لكل ما في المكتبة ومطالعة ما يريد، سواء بالمكتبة أو استعارته ومطالعته في البيت، وكان للشيخ دفاتر يسجل فيها الفوائد يسميها “كشكول”، وكان ينسخ الكتب النادرة، وكانت قراءة الشيخ قراءة استيعاب وتدقيق. ومما ساعد الشيخ على هذه الحرية الواسعة في الاستفادة من المكتبة علاقته القوية مع ولي عهد السلطان الميرزا فخر الدين([23]).

وبسبب تردده الدائم على المكتبة وانتشار صيته العلمي توثقت علاقته بالسلاطين، وكان السلطان بهادر شاه، آخر ملوك المغول المسلمين ممن يثق بـ “ميان صاحب” العلامة نذير حسين ويتبع فتاواه لأنه يصدر بها عن القرآن والسنة ونهج السلف، ولذلك كان وزراء بهادر شاه يجلّون الشيخ نذير ويحترمونه، لكنه لم يكن يَقبل العمل لديهم أو يَحصل على مكاسب دنيوية لنفسه([24]).

أما المكتبة العزيزية فهي مكتبة الشاه عبد العزيز الدهلوي، وأساسها كتب جده الشاه عبد الرحيم ثم أضاف لها والده الشاه ولي الله الدهلوي ثم أضاف لها الشيخ عبد العزيز الكثير من الكتب فأصبحت مكتبة واسعة ومنظمة، ولاحقا أعان بالمال والي حكومة الإنجليز لجلب الكثير من الكتب من خارج الهند، ولقرب الشيخ نذير من الشاه إسحاق ودراسته عليه مدة طويلة استفاد من المكتبة بشكل كبير وطالع ما فيها من كتب ونوادر ودوّن الفوائد في “كشكولاته”([25]).  

وكان إذا زار مدينة ذهب إلى مكتباتها واستفاد ممّا فيها من كتب لم يطالعها، ويدون الفوائد، وبلغ من تعلقه بالكتب ومطالعتها أنه لما سجنه الإنجليز سنة 1281هـ/ 1865م في راولبندي، لم يتوقف عن مطالعة الكتب حيث طلب من إدارة السجن السماح له بمطالعة خزانة الكتب الإفرنجية([26]).  

واستمر الحرص على اقتناء الكتب النافعة معه طيلة عمره، فقد كتب إلى المولوي محمد الهراتي: “ليكن واضحا عندك أن حاجتي للكتب القديمة لا زالت مستمرة في كل وقت، بغضّ النظر هل هي في فن الرجال، أم الأصول أم التاريخ، إذا كانت متوفرة فأخبرني حتى أرسل إليك جزءا من المبلغ مقدمًا”([27]).

ونتج عن هذه المطالعة الواسعة من صغره باقتناء الكتب وحرصه على التردد الدائم على المكتبات العامة ونسخ نوادر الكتب وتدوين الفوائد في كشكول، أن تَجمّع للشيخ نذير مكتبة ضخمة وفوائد نادرة ومعرفة واسعة، تجمع له عبرها علم غزير فاق به الآخرين، وتبين ذلك في المواقف الفريدة التي وقعت له وكشفت عن عمق مكانته العلمية وحافظته النادرة.

ففي مرة استعان به أحد أصدقائه، وهو النواب قطب الدين، لنصرته في فتوى ضمنها إحدى رسائله حول جواز أكل البومة! حيث اشتكى عليه الخصوم للملك، فطلبه للمساءلة والمناظرة في المسألة مع المشتكى عليه.

فأرسل النواب قطب رسالة عاجلة للشيخ نذير يستنصره، فرد الشيخ نذير: غدًا أحضر، وفعلا جاء الشيخ نذير ومعه عربة عليها ثمانية وعشرين كتابا تؤكد صحة فتوى النواب قطب، ولما علم المشتكى وأنصاره بقدوم ميان صاحب ومعه الكتب لم يحضروا!([28]) وهذا يكشف عن قوة استحضار الشيخ لمواطن هذه المسألة النادرة في بطون الكتب، ثم إنها بين يديه في مكتبته.

ثانياً: استحضار مقولات العلماء وفقههم في هذه الكتب فضـلًا عن النصوص القرآنية والحديثية:

لما اطلع الشيخ نذير على قول الحافظ أحمد السهارنفوري في تعليقاته على صحيح البخاري أن تخصيص الكتاب بخبر الآحاد لا يجوز عند الأحناف. علق عليه “ميان صاحب” الشيخ نذير فقال: “الأحناف قد خصصوا الكتاب بالخبر الواحد في مواضع كثيرة، وعدَّ خمسًا وعشرين موضعًا”!([29]).

بل كان العلامة نذير حسين يستطيع أن يعرف مصادر الكتب ومن أين استمد أصحابها مادتها، فيقول عن نفسه: “إني أعلم كل مصنف مأخذه الأصلي، إلا الشيخ الإمام الشاه ولي الله الدهلوي وحفيده الشيخ الإمام العلامة إسماعيل الشهيد الدهلوي”([30]). 

فهذا الحافظ العلامة محمد بن بارك الله اللكهوي يقول للشيخ نذير عن إحدى المسائل الفقهية أنها وردت في أربعة عشر كتابًا، فيصحح له الشيخ نذير حسين ويقول: هي في أربعين كتابا([31])!

كما أنه يقول عن نفسه مثلاً إنه درس الفتاوى الهندية دراسة فحص وتدقيق، وطالعها كاملة ثلاث مرات حتى حفظ أكثر جزئياتها وكلياتها ووقف على كافة مسائلها([32])!!

و”الذين حضروا مجالسه يعرفون جيدًا كيف أنه كان -في كبر سنه وضعف قوته البدنية- كان يدرس الحديث بطلاقة وسلاسة لمدة ساعات بدون كلل ولا ملل، وقد رأينا بأعيننا في كبر سنه لما كان يحصل نقاش عن حديث من الأحاديث واقتضى المقام ذكر الأحاديث المتعلقة بالموضوع مع ذكر مَن خرّجها كان يسرد الروايات الحديثية ويقول: أخرجوا الحديث الفلاني من الكتاب الفلاني في الباب الفلاني، وأخرجوا الحديث الفلاني من الكتاب الفلاني في الباب الفلاني، وفي خلال دقائق معدودة يسرد الأحاديث المتعلقة بالحديث المناقش فيه”([33]).     

ثالثاً: شده تعمقه وفهمه وفقه للمسائل

ففي شبابه زار العلامة شرف الدين الرامفوري لما سكن دهلي مدة، وكان يعد من العلماء الكبار ورأسهم في مدينة رامفور، لكنه كان على نهج البدعة كما يقول الأمير صديق خان، فلما لقيه الشيخ نذير وهو شاب، وعرف أن الرامفوري يحقق تفسير الجلالين، وزعم أنه صحح أخطاء المؤلفين الإمام جلال الدين المحلّي والإمام جلال الدين السيوطي! فسأله نذير حسين عن قوله تعالى: “يورَث كلالة” من أي باب هو: من المزيد أو المجرد؟ فعجز الرامفروي عن الجواب! وأيقن الشيخ نذير أنه مدّع للعلم.

وبعد مدة اجتمع الشيخ نذير مع الشيخ الرامفروي عند المفتي صدر الدين، فقال له المفتي صدر الدين مداعبًا، وأشار للشيخ نذير: هذا الشاب الثقف اللقن وهابي مشهور، لا تسأل عنه شيئًا، وإن كان لا بد تسأل فاسأل عنه إذا طويت سفرك أقصى مسافتك”([34])، فلقد كان الشيخ نذير حسين يلقى التقدير والاحترام من العلماء في دهلي من شبابه.

وجاء مرة استفتاء لشيخة الشاه إسحاق الدهلوي عن أولاد الزنا، وكانت مسألة صعبة ومعقدة، فطلب الشيخ من طلبته أن يكتبوا الجواب عنها، فلم يكتب أحد سوى الشيخ نذير، وقرأ العلامة إسحاق الدهلوي جواب الشيخ نذير وأعجبه جدًا، وقال: “هذا الولد أشم منه رائحة الوهابية، ذكي جداً”([35])، وعلق ناقل القصة الشيخ المظفربوري صاحب كتاب “الحياة بعد الممات” وهو ترجمة للشيخ نذير بالأردية: “قد لا يفهم صاحب النظر الضيق هذه الكلمات ويحملها على محمل التعريض والقدح، ولكن أصحاب الذوق والفهم يعلمون أن الشيخ أراد تشجيع تلميذه بهذه الكلمة التي في ظاهرها سيئة السمعة عند الكثيرين، ولكن تحمل في طيها الكثير من الدلالات والمعاني المخفية، فأراد تشجيعه بهذه الكلمة على التمسك بالكتاب والسنة، وترك التقليد بطريقة قد لا يحصل المقصود مثلها بكلام ساعات في المدح، وقد سبق قبل فترة وجيزة من الزمن أن زرع مولانا الشهيد إسماعيل بذور التوحيد الخالص واتباع السنة في أرض الهند، وقد اكتسب هو وجماعته لقب الوهابية حسب عادة المقلدين من قديم الزمان”([36]).

وفي هذا إشارة لسلفية الشيخ نذير حسين المبكرة فهو التحق بالعلامة إسحاق وعمره 25 سنة تقريباً، وحين أسند له الشيخ التدريس خلفا له كان عمره 38 سنة، وهذه الحادثة وقعت في هذه الفترة وهو في قوة الشباب، كما أن هذه الحادثة تبين أن تأثير الشاه إسماعيل الدهلوي على الشيخ نذير كان عميقاً بحيث تشرب منه الطريقة السلفية في التوحيد وفي ترك التقليد والتعصب والجمود على المذاهب الفقهية، وهو ما سيكشف عنه الشيخ نذير لاحقًا بكل وضوح في مواقفه وكتبه وتلاميذه.

هذا كله يكشف عن بعض جوانب تميز الشيخ نذير حسين وسعة اطلاعه على مختلف الفنون والعلوم، وحق له أن يبز أقرانه وأن يلقب بـ “ميان صحاب” أي السيد، ويلقب أيضا بـ “شيخ الكل في الكل”، وأن يجعله الشاه إسحاق خليفته.

التدريس خلفا للشاه إسحاق

 ولما قرر الشاه إسماعيل الدهلوي، سنة 1258هـ، الهجرة لمكة بعائلته أجاز الشيخ نذير حسين إجازة عامة وأسند له وظيفة التدريس بدلاً عنه برغم وجود العديد من العلماء، لِما كان يلمسه منه من نبوغ وتفوق وقدرة.

وقد لقي هذا الاختيار رفضًا من بعض الناس بدافع الغيرة والحسد، ولكن سرعان ما تبين للجميع تفوق الشيخ نذير وأنه أهل لهذا المنصب الجليل([37]).

دخل الشيخ نذير الآن في مرحلة جديدة من التدريس، فبعد أن كان يُدرس لبعض الطلبة، أصبح الآن الشيخ نذير حسين يدرس بصفته خليفة عن الشاه إسحاق الدهلوي الذي يعد خاتمة علماء آل الشاه ولي الله الدهلوي، وقد أسند له الشاه هذه المهمة عندما بلغ ثمانية وثلاثين عاماً، وهذا يدل على ذكائه ونبوغه الكبير برغم شبابه.

والشيخ نذير حسين هو أول شخص من غير العائلة يتصدر هذا المجلس ويلقب بـ “صاحب ميان” وهو اللقب الذي توارثه كبار علماء أسرة ولي الله الدهلوي (الشاه ولي الله، الشاه عبد العزيز ابنه، الشاه إسحاق حفيده) والذي يعني السيد([38]).

وبقي الشيخ نذير يدرّس في مسجد أورنك أبادي -كما كان من قبل-، والذي يعد من أكبر وأجمل المساجد في دهلي، لكن الإنجليز قاموا بهدمه لما قضوا على الثورة الكبري سنة 1273هـ، واحتلوا الهند، وأقاموا مكان المسجد محطة دهلي للقطارات، فانتقل الشيخ نذير للتدريس في حارة “حبش خان”([39]).  

وهذه المرحلة من التدريس خلفا للشاه إسحاق تنقسم لقسمين، ما بين سنتي 1258هـ – 1270هـ، حيث كان يدرس فيها الشيخ نذير حسين العلوم كلها، لا سيما الفقه الحنفي الذي كان بارعا فيه، وعلم الأصول، وبقية الكتب الدراسية في كل علم وفن، والمرحلة الثانية اقتصر فيها على تدريس القرآن والحديث والفقه فحسب، وكان ذلك من سنة 1270هـ، واستمر على ذلك حتى وفاته سنة 1320هـ([40]).

ولذلك تمتد مسيرة تدريس العلامة نذير حسين لزهاء خمس وسبعين سنة، حيث درّس بعض الطلبة وهو يدرس على العلماء في دهلي من سنة 1246هـ تقريبا مدة اثنتي عشرة سنة([41])، ولا يعرف ماذا درس في هذه المرحلة ولا من الذي درس عليه، ثم درس من بعد هجرة الشيخ إسحاق وحتى وفاته مدة اثنتين وستين سنة، ولهذا تخرج عليه العديد من الأجيال وعشرات الألوف من الطلبة ومئات العلماء والنوابغ من مختلف البلاد والأقطار.

ثورة الهند سنة 1273هـ/ 1857م والتضييق عليه([42])

في هذه سنة قامت الثورة ضد الاحتلال الإنجليزي، ولكن للأسف لم تنجح هذه الثورة، ويبدو أنها كانت تحتوي على نواقص وأخطاء تسببت في فشلها، ومن ذلك أن “ميان صاحب” أثناء الثورة ذهب للقلعة الحمراء مقر السلطان بهادر شاه، وهناك رأى أبناءَ السلطان في لهو وغفلة، غير مبالين بما يحدث! ولما قابل السلطان أنكر عليه هذا الوضع وقال له: “أتقاتل الإنجليز مع هؤلاء الغافلين، وتتغلب عليهم”! فسكت بهادر شاه.

وفي هذا إشارة لِوَعْيِه العميق بسنن الله عز وجل في الكون، وأن الحرب لا ينتصر فيها البطالون والعابثون، بل يفوز بها من استعد لها وأخذ بالأسباب وتوكل الله عز وجل.

وقد تسببت جرائم الإنجليز وظلمهم الكبير للمسلمين ولأهل الهند بحدوث تجاوزات في الثورة تمثلت بقتل بعض النساء والأطفال الإنجليز، وقد أنكر ذلك الشيخ نذير وقال كلمة مهمة لا تزال تتكرر في واقع المسلمين “كيف يُحفظ أهل هذا البلد وهم يَقتلون النساء والصبيان؟ ولم يجز قتلهن في الإسلام”، ومعالجة الظلم والفساد بظلم وفساد مثله يُبعد نصر الله وتوفيقه للمسلمين المظلومين فهل نعقل ذلك اليوم وفي المستقبل؟

ولذلك لما انتصر الإنجليز انتقموا من المسلمين بوحشية بالغة فقتلوا واعتدوا بشكل عشوائي، وقد اتهم بعض النمامين الشيخ نذير بأنه كان مُحرِّضًا على الثورة ضد الإنجليز، فقُبض عليه وعلى صاحبين معه بعد عدة أشهر من الثورة وكادوا أن يعدموهم، لولا تدخل امرأة انجليزية دافعت عنهم حتى تركوهم، وقد كان الشيخ نذير وجدها في أحد الشوارع مصابة وجريحة، فآواها في بيته وطلب من زوجته رعايتها، وأشرف على علاجها حتى شفيت، ثم بعد ثلاثة شهور رجعت إلى الإنجليز([43]). 

وبسبب أحداث الثورة فقد الشيخ مكتبته، وفقد مسجده الذي كان يدرّس فيه، وانتقل الدرس لمدرسة صغيرة بجوار منزله، وأصبح يعاني من المضايقات والتشديد، لكنه بقي صابرًا محتسبًا ماضيا في نهج التعليم.

ويحدثنا أحد الباحثين عن هذه المدرسة حين زارها فقال: وقد يسَّر الله لي زيارة المدرسة التي كان يدرِّس فيها المترجَم، وهي في دهلي القديمة، تتكون من مبنى متواضع من ثلاثة أدوار ضيقة في وسطها فناء، وأسفلها مسجد صغير كانت دروسه فيه، فتعجبت من البركة التي طرحها الله في هذا الشيخ وتلامذته وذلك المكان المتواضع، وتأثرت لما أخبروني أن بيت هذا الإمام الكبير كان غرفة صغيرة رأيتها تحت الدرج المؤدي للدورين العلويين حيث يسكن الطلاب.

ومن نافلة القول إن المدرسة استمرت في العطاء بعد وفاة الشيخ، وتولى التدريس فيها تلميذه العلامة محمد بشير السهسواني وغيره، وبقيت تنشر السنّة إلى أن حلّت نكبة المسلمين بتقسيم الهند سنة 1366هـ، فأُغلقت المدرسة أسوةً بغيرها، إلى أن أحياها بعض المحتسبين من مدة قريبة، ولكنها ضعيفة الموارد وتحتاج إلى الدعم”([44]).

ويقال إن هذه المدرسة لا تزال قائمة وتحولت إلى “جامعة السيد نذير حسين الدهلوي” في دلهي وتدرّس علوم الكتاب والسنة([45]).

وفعلا لم تمضِ عدة سنوات إلا وقد أعيد اتهامه من قبل بعض المخالفين من القبوريين والمقلدين المتعصبين بأنه من “الوهابية”([46]) الذين يحاربون الإنجليز، فتم القبض عليه سنة 1281هـ، وترحليه وسجنه سنة كاملة في بلدة راولبندي، الواقعة اليوم في البنجاب بباكستان.

ثم أفرج عنه وعاد لبلده ودرْسه وطلابه، ولكن بقي تحت المراقبة، وتعرض بيته للتفتيش، وفي إحدى المرات وجد الإنجليز بين أوراقه خطابا يطلب فيه من أحد الأصدقاء “نخبة الفكر” فظنوا أنها مراسلة سرية مشفرة!   

ولما عُرض الشيخ نذير على القاضي قال “ميان صاحب” بكل جرأة وصراحة: “أتظنون أنه قنبلة أو بندقية”؟ وطلب أن يُرفع الموضوع إلى خبير أوروبي “مستشرق” ليؤكد لكم أنه اسم كتاب في علم الحديث!

فبقاء ميان صاحب يدرّس تحت حكم الإنجليز قريبًا من خمسين سنة (1273 – 1320هـ) لم يكن بدون عقبات ومضايقات وصبر ومصابرة.

زيارته للبنغال:

في سنة 1292ه قام الشيخ نذير بزيارة للبنغال، لتفقد مراكز أهل الحديث فيها وتشجيع طلبته على مواصلة الدعوة السلفية ونشر العلم والتوحيد والسنة في مناطقهم مثل: مرشد آباد، راجشاهي، رنغ بور.([47])

سفره للحج ومحنته هناك:

استمر العلامة نذير حسين يسير في طريقه يدرس للطلبة وينشر التوحيد والسنة ويجابه أهل البدع والمنكرات حتى هدى الله به الكثير من عباده، ولما قرر السفر للحج سنة 1300هـ، وكان عمره 80 سنة، تربص به المعاندون وحاولوا قتله! وألّبوا عليه في أكثر من مكان وهو في طريقه لمكة، لكن الله عز وجل سخر له أنصارًا لحمايته ورعايته وهم طلابه ومحبوه، لكن خصومه لم يتوقفوا بل أرسلوا بعض الناس ليرافقوه في السفينة ويضايقوه، بل حتى في الحج في مكة كانوا يسعون بكل قوة لحصار الشيخ ورفاقه حتى النساء والأطفال منهم ليعانوا الجوع والعطش! ولم يُبقِ هؤلاء المفسدون مُمْكِنًا في التضييق على الشيخ ورفاقه!

وفي مكة اجتمع 400 من رؤساء البدع من علماء الهند القادمين للحج مع أقرانهم من رؤوس البدعة في مكة للتآمر على “ميان صاحب” وتدبير خطة إما لقتله أو حبسه مدى الحياة ليتخلصوا من دعوته وتأثيره البالغ في الهند وما حولها من بلاد.

ومن أجل تنفيذ خطتهم الخبيثة أصدروا بعض الكتب الآثمة المليئة بالكذب والتزوير مثل كتاب “جامع الشواهد في إخراج الوهابيين عن المساجد” وكتاب “انتظام المساجد بإخراج أهل الفتن والمفاسد” والتي ملؤوها بعقائد فاسدة وتهم باطلة لفّقوها للشيخ نذير، واتهموه كذبا وتلفيقا أنه يفتي بجواز أكل شحم الخنزير، وجواز نكاح العمة والخالة وأن الزكاة لا تجب في أموال التجارة.

ثم أقاموا لجنة في مكة من أنصارهم وأتباعهم بزعامة المولوي الكيرانوي الذي كان يكره الشيخ نذير كرها شديدا ويسبّه بكل قوة! وكان من أعضاء اللجنة الحاج إمداد الله المكي ورئيس القبوريين عبد القادر بن فضل رسول البدايوني والشيخ خير الدين والد الشيخ المصلح السلفي الشهير أبي الكلام أزاد([48])!

وكان غرض اللجنة الحقيقي الإفتاء بقتله أو حبسه طيلة العمر، ولذلك اشتكوه لوالي مكة أنه زعيم الوهابية، وأنه إذا دخل مكة للحج ورجع يعد هذا نصرًا وفتحًا للوهابية النجديين الذين كان والي مكة يمنعهم من الحج في ذلك الوقت!

فقبض عليه الوالي وخمسة من أصحابه، وسجنهم ثلاثة أيام، فلما حقق معه وسأله عما نسب له وتبين له كذب الافتراءات وسلامة إجاباته أفرج عنه.

ولكن القوم المفسدين لم ييأسوا ولفّقوا له تهما جديدة فطلبه الوالي وحبسه تسعة أيام حتى تبين بطلان كذبهم عليه، ثم تكرر هذا معه عدة مرات، يطلبه الوالي ويحقق معه، وهو في كل هذا ثابت على معتقده ومنهجه وأنه يتبع القرآن الكريم والسنة الصحيحة ولم يبدل أو يغير([49]). 

وبرغم كل هذا بقي الشيخ يدرّس في مكة ومِنى ويوجه الحجاج وطلبة العلم لما فيه نفعهم بالتزام الكتاب والسنة([50])، وممن درس عليه الحديث في مكة الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي المغربي([51]).

العودة من الحج:

وحين وصل موعد قدومه من الحج احتشد الناس في الميناء لاستقباله حتى ضاق بهم وتساءل البحارة: مَن هذا الذي يستقبله الناس؟ وهذا من فضل الله عز وجل على الشيخ نذير ودعوة الحق وبيان لفشل مؤامرة أهل البدع والضلال، ولكن أهل الضلال لم يكلّوا ولم يملّوا من الافتراء عليه وظلمه في الهند بعد عودته، فصرّحوا بتبديعه وكفره! لكن الله عز وجل ربط على قلبه ولم يلتفت لهم ومضى في دربه وكتب الله له القبول، وعاد الشيخ الثمانيني يواصل مسيرة الدعوة السلفية والتعليم والتوجيه ومحاربة البدع والضلالات، وبقي على ذلك عشرين سنة حتى وفاته رحمه الله عام 1320هـ([52]). 

طريقته في التدريس:

كانت دروسه محبوبة حتى من عامة الناس، حيث كان له مجلس وعظ عام بعد صلاة الفجر مما أثار ضده الحاسدين([53])، وكان الشيخ متواضعا في شأنه كله، ومن ذلك التدريس، فلا يحب أن يتميز عن غيره، فقد كان يجلس على الأرض على حصير، وأمامه مكتب خشبي صغير عليه الكتاب الذي يدرس منه للطلبة، والطلبة حوله وأحدهم يقرأ عليه، ويعلق على ما يرد فيقول للقارئ: امشِ إذا كان الموضع لا إشكال فيه، لكن إذا وصل لموضع يحتاج تقريرا، فإنه يفصّل فيه ويستوعب المسألة ويقرر التقريرات العلمية كأنه بحر يتموج، وإذا لزم إحضار مرجع لمزيد من التحقيق، يقوم الشيخ ويذهب لمكتبة البيت ويُحضر المراجع المطلوبة بنفسه ولا يكلّف بها أحد من الطلبة ولو تكرر الأمر([54]).

وكان يشتغل بالتدريس طيلة يومه صباحًا ومساءً، إلا الأوقات التي لا بد من الراحة فيها، كان يدرس من الصباح حتى الساعة الحادية عشرة، لا يغير جلسته، وتضرب الشمس على وجهه فلا يتذمر، ويواصل التدريس في مختلف الأوضاع والأحوال حرًّا وبردًا، صحة ومرضًا، وفي العسر واليسر، والمنشط والمكره، فلم يترك التدريس حتى أيام الثورة الكبرى في الهند، بل وحتى تحت قصف الإنجليز على دهلي، إذ كان الشيخ الزاهد عبد الغزنوي يقرأ عليه صحيح البخاري والحرب دائرة وسقطت أثناء الدرس قنبلة قرب المسجد فلم يوقف الشيخ الدرس واستمر فيه! لم يوقف الدرس إلا قليلاً عندما سقطت دهلى تحت احتلال الإنجليز وهُدم المسجد الذي يدرس فيه وحرقت مكتبته، ولكن سرعان ما واصل التدريس في مكان آخر.

بل لم يترك التدريس حتى في السجن فقد حفظ القرآن عليه أحد السجناء وشرح له صحيح البخاري كاملاً، برغم أنهم كانوا يهددون الشيخ بالإعدام قريبًا([55])!

وكان العلامة نذير حسين واسع الاطلاع وحافظًا بالغ الحفظ، فكان في تدريسه للطلبة يسرد عليهم من حفظه الصفحات من كتب أهل العلم في التفسير والحديث والفقه، وكان له فهم عجيب لمسائل العلم ودرره وكأنه يوحى إليه! وكان يدرّس الحديث على طريقة المحدثين المتقدمين([56])، ومع كل هذا التقرير والاستيعاب كان يملك مهارة تبسيط المعلومة وحسن توصيلها للطلبة، وأحياناً يمزج التدريس بشيء من الطرافة لكسر الجمود والرتابة([57]).

وكان يبذل جهدًا كبيرًا في التدريس فحديث “إنما الأعمال بالنيات” لا يشرحه في أقل من سبعة وعشرين يومًا! ولا يرى لطالب الحديث أن يتحول عنه قبل ثلاث سنوات، وكل ذلك مع التدريس بالوقار والسكينة والترغيب باتباع السنة والتحذير من البدع.

وكان درسه يتميز بتمييز درجة الأحاديث فينبّه على الأحاديث الضعيفة ويعزو الأحاديث للمصادر الأصلية، وينبّه على أخطاء الكتب المطبوعة، ويلتزم نهج العلماء المجتهدين المُحدِّثين، لا العلماء المقلدين الجامدين، وبرع في التدريس وتقريب العلم للطلبة مع الموسوعية والحافظة المتقنة في مختلف العلوم والفنون([58]).

وفي آخر خمسين سنة من عمره اقتصر على تدريس القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه، وكان يعرض الفقه على الكتاب والسنة كما كان يفعل الشاه ولي الله الدهلوي والمحققون من قبله، فما وافق الكتاب والسنة قبله وما خالفهما ردّه اتباعا لنهج الأئمة المتبعين، كالإمام أبي حنيفة الذي كان يقول: “اتركوا قولي بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم”([59]).

وقد عرضَت عليه ملكة بهوبال أن يتولى القضاء في مملكتها، لكنه رفض ذلك، وبرّر رفضه بأنه سيشغله عن تعليم الطلبة القرآن والسنة، وحدث ذلك حين زارت الملكة دهلي والتقت به مع وزراء دهلي، وفي هذا بيان لمكانته عند أهل المناصب من جهة، وبيان لحرصه على التعليم والدعوة وزهده في الدنيا ومناصبها([60]).

ويبدو أن ميان صاحب لم يقبل أن يتولى القضاء بنفسه، لكن عدد من تلاميذه تولوا مناصب متعددة في مملكة بهوبال خاصة في زمن نفوذ الأمير العلامة صديق حسن خان.

وكان يشتغل بالتعليم غالب وقته، حتى بعد أن تقدم به السن، ففي سنة 1312هـ، وكان قد تجاوز التسعين سنة يقول الشيخ عبد الحي أمين ندوة العلماء عنه: “إني حضرت دروسه سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة وألف، فوجدته إماما جوالا في الحديث والقرآن وحسن العقيدة، ملازما للتدريس ليلا ونهارا، كثير الصلاة والتلاوة والتخشع والبكاء… مداعبا مزاحا ومتواضعا حليما ذا جرأة ونجدة لا يخاف في الله لومة لائم، ورزقه الله سبحانه عمرا طويلا نفع الله بعلومه خلقا كثيرا من أهل العرب والعجم، انتهت إليه رئاسة الحديث في بلاد الهند”([61]).    

وبسبب أن “شهرة دروسه طبقت أطراف الهند، فكان يأتيه الماهرون في مختلف العلوم والفنون مثل الصرف والنحو والمنطق والفلسفة والفقه من أجل مشاهدته واختباره، ولما يطمئنون يدخلون في حلقة تلاميذه”. 

“وكان إلى جانب تدريسه العلمي يربي سلوكيًّا وعمليًّا بسَمْته وهديه، وله قصص ومواقف ذات عبرة، منها ما رواه الكاتب الشهير غلام رسول مهر في كتابه “يوميات رحلة إلى الحجاز”([62]) عن رفيقه الحافظ محمد صدِّيق الملتاني أحد تلامذة المترجَم، قال: “ذات يوم في المساء هطلت أمطارٌ غزيرة، وامتلأت الأسواقُ والشوارع بالمياه، كان الفصلُ فصلَ الشتاء، وكان العالِمُ الجليل قد رجَع إلى بيته بعد صلاة المغرب، إلا أن جميع الطلبة ظلوا في داخل المسجد، ولم يستطيعوا تدبير أمر الطعام، واستمر المطر يَهْطِلُ حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، وسمع مَن في المسجد طَرَقات على باب المسجد، ولما فتحوا الباب وجدوا العالم الجليل ميان نذير حسين واقفًا وقد حمل جميع ما في بيته من طعام حتى لا يموت الطلابُ جوعًا، الله أكبر! أين نجد اليوم مثل هؤلاء العلماء الأجلاء”([63]

وكان مُنظمًا في تدريسه حيث للطلبة سكن وتغذية ومتابعة، فيما يبدو، وسوف يأتي إشارة أوسع لذلك.

مؤلفاته:

برغم علمه الغزير، وعمره الطويل إلا أنه كان مقلاًّ في التأليف، ويبدو أنه رأى أن الانشغال بالتعليم أنفع وأفضل، وفعلا، قد أنتج تعليمه الكثير من العلماء المهرة البارعين في التصنيف، الذين أنتجوا مؤلفات عظيمة ما كنت تظهر ربما لو انشغل ميان صاحب بالتأليف بنفسه عن تأليف هؤلاء العلماء([64]).

قال الشيخ نذير حسين عن فتاواه قبل وفاته بسبع وعشرين سنة: “لو حفظت صور الفتاوي التي كتبت لكانت بحجم الفتاوي العالمكيرية أربع مرات، ولكن لم يفكر أحد بذلك قبل، ولكن الآن السيد شريف حسين -يعنى ابنه- بدأ يحفظ نسخ الفتاوي”([65])، فإذا علمنا أن الفتاوي العالمكيرية والمشهورة بالفتاوي الهندية مطبوعة في ستة مجلدات، وفتاوي الشيخ نذير أربع أضعافها، أي أربعة وعشرون مجلدًا، هذا كان قبل سبع وعشرين سنة من وفاته، فكم كان سيبلغ حجمها بعد ذلك إذًا؟ ومن إخلاص الشيخ وورعه أنه لم يكن يأخذ أجراً على هذه الفتاوي، ويرفض أخذ المال على الفتوى ولو على سبيل الهدية، ويعتبر ذلك نوعًا من الرشوة، وأنه يفتح الباب للتلاعب بالمفتين.

وللأسف أن ابنه السيد شريف توفي بعد ذلك بمدة قصيرة، ويبدو أنه لم يتابع حفظ الفتاوى أحد بعد ذلك.

ويقول تلميذه العلامة شمس الحق العظيم آبادي عن فتاوي شيخه نذير حسين: “أما الفتاوي المتفرقة التي شاعت في البلاد والقرى وانتفع بها خلق الله فكثيرة بين مطوّل ومتوسط ومختصر بالألسنة الثلاث المذكورة (يقصد العربية والأردية والفارسية) يعسر عدّها، وظني لو جمعت لبلغت مجلدات ضخام، وإن سميت فتاواه على نمط رسائل الحافظ السيوطي وجعلت رسائل مستقلة في كل باب، بلغت المائتين”([66]).  

وقد سرد الشيخ محمد إسرائيل الندوي في كتابه “تذكرة الإمام نذير حسين” اسم تسع وعشرين مصنفًا بين كتاب ورسالة ومجموع فتاوي للعلامة نذير حسين، منها([67]):

– معيار الحق، وهو كتاب بالأردية يناقش قضية زعم وجوب التقليد وعدم جواز الاجتهاد في هذا الوقت، وقد طبع عدة مرات ويبلغ 268 صفحة من القطع الكبير، وعمل على تعريبه الشيخ محمد عزير شمس، رحمه الله.

– الدليل المحكم في نفي أثر القَدَم، وهو كتاب بالأردية يناقش كذبة وجود أثر مادي لقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كتبه الشيخ سنة 1266هـ، وقد عرّبه الأستاذ راشد حسن المباركفوري وطبع حديثاً.

– فلاح الولي باتباع النبي، رسالة صغيرة وهي جواب عن سؤال عن طريق الوصول للولاية: هل تكون بالمشقة وإيذاء النفس أو العبادة على الطريقة النبوية؟

– واقعة الفتوى، وهو جواب على حجية التقليد، وكتبه سنة 1297هـ([68]).

– رسالة في إبطال المولد

– تعليقات على صحيح البخاري.

طلابه وتلاميذه:

تميز الشيخ نذير حسين بكثرة تلاميذه حتى بلغوا عشرات الآلاف نتيجة طول سنوات تفرغه للتدريس التي وصلت قريبًا من أربع وسبعين سنة، ومما يؤكد هذا العدد الكبير من طلابه شهادات

بعض خواص الشيخ ومساعديه.

ومَن يُعد من طبقة العلماء النقاد المعروفين من طلاب العلامة نذير حسين، قد يصل عددهم إلى ألف نفس، أما مَن هو أقل قليلا من هذه الطبقة فهؤلاء يصلون لعدة آلاف([69])، ثم يتفاوت الطلبة بين مستكثر ومستقل.

ويقول صاحب كتاب “البشرى بسعادة الدارين” إن عدد طلبة ميان صاحب يصل إلى “مائة ألف أو يزيدون”([70])، وقد سرد تلميذه فضل حسين آخرَ كتابه “الحياة بعد الممات” أسامي خمس مئة عالم من تلامذته، ثم قال: “إن هذا الفهرس مختصر جدًا، لأن عدد تلاميذه بحسب ما قال لي الشيخ تلطف حسين والحافظ محمد حسين لا يقل عن عشرين ألفًا، وعدد الذين استفادوا من دعوته وتأليفه وتأثروا بمنهجه لا يقلّون عن ثمانية ملايين، فإني سألت الشيخ تلطف حسين حينما سافرت إلى دهلي في سنة 1903م فقلت له: إنك لازمتَ المحدث نذير حسين من خمس وعشرين سنة، فهل قيّدت أسماء تلاميذه في الفهرسة؟ فأفاد: إني حين كنت مديرًا لشؤون تغذية الطلاب، قيدت أسماء تلاميذ ثلاثة أعوام، فبلغوا اثني عشر ألفا ثم تركت التقييد لكثرة أشغالي وأعمالي التجارية”([71]).     

وطلابه لم ينحصروا ببلاد الهند، بل “تلامذته ينتشرون في الحجاز ومكة والمدينة المنورة واليمن ونجد والشام والحبشة وأفريقية، وتونس والجزائر، وكابل وغزني وقندهار وبشاور وسمرقند وبلخ وبخارى وداغستان وآسيا كوجك، وإيران ومشهد وخرسان وهراة والصين والكوشين، وفي كل الهند، في كل ولاية، وفي كل مديرية، بل في كثير من القرى والأرياف شرقا وغربا وجنوبا وشمالا”([72]). 

ومن أهم طلاب العلامة نذير حسين([73]) في الهند ممن أصبحوا علماء زمانهم:

– الشيخ أمير حسن السهسواني، كان من كبار علماء عصره، وابنه أمير أحمد.

– الشيخ محمد بن عبد الله الغزنوي، وأولاده محمد وعبد الجبار وعبد الواحد وعبد الله، وله حاشية على تفسير الطبري، وكان له تأثير كبير في أفغانستان.

– الشيخ أبو محمد إبراهيم بن العلي الآروي، أول من دعا لإصلاح المسار التعليمي في الهند وأسس لذلك المدرسة الأحمدية.

– الشيخ محمد بشير السهسواني، الذي تولى رئاسة التعليم في بهوبال بطلب من الأمير العلامة صديق خان.

– الشيخ أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي، المحدث المعروف وصاحب كتاب عون المعبود في شرح سنن أبي داود.

– الشيخ رشد الله شاه بن رشيد السندي، ناشر الحديث خاصة في بلاد السند والمحقق المشهور وصاحب المؤلفات النافعة.

– الشيخ عبد العزيز الرحيم آبادي، من كبار علماء أهل الحديث، وصاحب فكرة تأسيس جمعية أهل الحديث في الهند، له كتاب “هداية المعتدي في قراءة المقتدي” ألّفه بأمر الشيخ نذير حسين([74]).

– الشيخ عبد السلام المباركفوري، المحدث المعروف وأحد أبرز قادة جمعية أهل الحديث، وله كتاب سيرة الإمام البخاري ويعد من أهم الكتب وأولها في بابه.

وغيرهم كثير.

ومن أهم طلبته من علماء العرب([75]):

– الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، الذي رحل للهند ودرس على العلامة نذير حسين في دهلي سنة 1309هـ([76]).

– الشيخ محمد بن ناصر آل مبارك، العالم المربي وشيخ كثير من علماء نجد.

– الشيخ سعد وأخوه الشيخ عبد العزيز بن حمد بن عتيق، من أجلّة علماء نجد.

– الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي، نزيل طنجة وأحد علمائها المبرزين.

– الشيخ علي بن ناصر بن وادي، من علماء نجد، ومن طلابه العلامة المفسر عبد الرحمن السعدي.

– الشيخ فواز بن سابق الفوزان، أحد فضلاء نجد ثم تولى منصب سفير الملك عبد العزيز في دمشق.

وغيرهم من العلماء والفضلاء.

ومن اللطائف هنا أن نذكر أن العلامة تقي الدين الهلالي المغربي هو تلميذ الشيخ عبد الرحمن المباركفوري صاحب كتاب “تحفة الأحوذي”([77]) وهو تلميذ ميان صاحب، كما أن وجيه جدة الشيخ محمد ناصيف -هو أيضا- تلقى السلفية على يد الشيخ أبي محمد إبراهيم الآروي([78]) وهو تلميذ ميان صاحب كذلك، وهذا يكشف لنا عظم الدور وانفساح آفاقه في العالم الذي نتج عن جهود العلامة نذير حسين.

دوره الإصلاحي السلفي المركزي:

مما يوضح دور وموقع ميان صاحب في مسيرة الدعوة السلفية في الهند ما ذكره العلامة السلفي عبد العزيز الميمني الراجكوتي: “ولعل أكثر العلماء يعرفون الشاه ولي الله، وولده الشاه عبد العزيز، ثم شاه إسماعيل الشهيد، يُعرفون بجنوحهم إلى طريقة السلف، من دون التقيد بمذهب من المذاهب، ثم في زمن الثورة الهندية وبعدها زادت هذه الرغبة، ونشأ منهم شاه محمد إسحاق، ثم تلميذه السيد نذير حسين”([79]).

وكان لتيار أهل الحديث مشروع إصلاحي كبير وشامل يسعى لإصلاح عقائد المسلمين وعباداتهم، وإصلاح واقعهم بإقامة دولة تحمى مصالحهم، وقد بدأ هذا المشروع بجهود ولي الله شاه الدهلوي. لكن كان لهزيمة معركة بالاكوت التي قتل فيها الشيخان أحمد عرفان وإسماعيل الدهلوي أثر سلبي على توسع وانتشار تيار أهل الحديث، فـ “بعد مأساة بالاكوت حدث تحول ملموس في المسلمين، فانظم الديوبنديون إلى التصوف الشكلي … وكان هذا الانحطاط قد بدأ بعد عصر الشاه إسحاق، رحمه الله، لكنه ازداد في العصور التالية، ومع ذلك كان البعض متمسكًا بعقيدة التوحيد الصحيحة، ولكن أكثرهم استسلموا أمام القبوريين، وهكذا قضي على القافلة التي نزلت في عرضة بالاكوت لإعلاء كلمة الدين وحماية التوحيد والسنة، والتي التزمت بنشر رسالة الإسلام في ضوء عوامل وأهداف ولي الله شاه التجديدية. وذلك لأنها خافت من البريلوية وفظعت من تهمة “الوهابية” التي وجهت إليها، وهكذا فارقت رفاقها الموحدين وحاولت الصلح مع البريلوية، فاندحرت بعد 6 مايو 1831م، ولم تنسحب من ساحة المعركة فحسب، بل تخلت عن مبادئ الحرية الفكرية ومقاومة الجمود.

وفي السطور الماضية قد ذكرت أهداف حركة الشاه ولي الله على لسانه وبكلماته، والقارئ يستطيع بسهولة أن يحكم بأن الأمانة التي وصلت إلينا من الشاه لم يتم الحفاظ عليها مع كثرة الاحترام والتقدير له.

نعم، إن السيد نذير حسين، رحمه الله، وهو من تلاميذ الشيخ إسحاق، وكذلك تلاميذه قد حافظوا على هذه الحركة وبذلوا الجهود لإحيائها إذ تحولت لحركة سرية خفية يصعب تحقيق أهدافها السياسية”([80])، والأهداف السياسية كانت إعادة الحكم الإسلامي لمناطق المسلمين بالهند من غزو الهندوس والإنجليز. 

وقد كان الشيخ الشاه محمد إسحاق ممن يدعم حركة الجهاد ودولتها الوليدة بالمال والأفراد التي أسسها الشيخين أحمد عرفان والشاه إسماعيل([81])، ويبدو أن الشيخ نذير حسين واصل ذلك الدور وإن كان بشكل غير معلن بسبب ظهور الإنجليز وتمكنهم، ومما يؤكد ذلك أن بعض طلبة الشيخ نذير كان من رؤوس حركة المجاهدين في المناطق التي تضعف فيها قبضة الإنجليز كالشيخ المحدث عبد العزيز الرحيم آبادي.([82])

تيار أهل الحديث ومنه حركة المجاهدين لم تنتهى بمأساة بالاكوت بل استمرت على ضعف وأصبح “العلامة نذير حسين زعيماً لحركة أهل الحديث لجناحها التعليمي والتبليغي والتأليفي، كما كان الشيخ ولاية علي زعيما لجناحها السياسي والجهادي.

وقد تحمل السيد نذير حسين مسؤولية الأمانة العلمية لحركة أهل الحديث التي تركها العلامة محمد إسماعيل الدهلوي وأسرته قبله … وإن عين العلوم الإسلامية السلفية التي فجرها السيد نذير حسين جالسا على مسند أستاذه العلامة الشاه محمد إسحاق الدهلوي، قد استقى منها خلق كثير في أقطار العالم، وقد تخرج على يديه علماء أجلاء لا يحصى عددهم، آخذين مشاعل علوم القرآن والسنة وحاملين لواء دعوة أهل الحديث في جميع أنحاء الهند والبنغال”.([83])

وعن دور مدرسة ميان صاحب يقول الشيخ عبد المعيد بن عبد الجليل: “والواقع ينطق بصراحة أن الذين تعلّموا في مدرسته وتربوا في كنفه العلمي ونهلوا من منهله العلمي تغيروا تمامًا، وأصبحوا متّبعين للسنة غير مقلدين للأئمة، ولم يتم هذا الإصلاح والتربية والتعليم إلا في بلد وفي زمن عمت بلوى القبورية والصوفية الاتحادية والحلولية في أصقاع الهند كلها… في هذا الجو المقمطر بالظلام جلس السيد الدهلوي مفتقرًا إلى الله، مواجهًا أذى كثيرا، رافعًا رأسه رابطًا جأشه، متوكلا على الله للتعليم والتربية، فأنجز أعمالاً ضخمة لم تستطع مثلها الفئات من العلماء الكبار.

لقد منّ الله عليه وأعطي موهبة استطاع بها أن يربي تلاميذه ويجعلهم متجانبين عن تقاليد المجتمع وطقوسه وتكون لهم صياغة جديدة ملؤها الاعتقاد بالله على طريقة السلف واتباع الرسول”([84]). 

أما عن نتائج دوره الإصلاحي المركزي فيقول المؤرخ الشيخ محمد إسحاق بتي: “بسبب جهوده التدريسية عظمت في علماء شبه القارة رغبة ترجمة القرآن الكريم ودواوين الحديث الشريف، وظهرت تفاسير القرآن الكريم وشروح كتب السنة، شيدت المساجد وعمرت، واتجه الناس إلى اتباع السنة، وأسست مدارس في أماكن شتى، وكل هذه الجهود والمساعي إنما تدل على حقيقة أن حضرة السيد نذير حسين الدهلوي هو مجدد عصره، وآثار تجديده بارزة واضحة المعالم في العالم الإسلامي كله وخاصة في شبه القارة الهندية (الهند والباكستان والبنغلاديش)”([85]).

ويقول الشيخ عبد العليم بن عبد العظيم البستوي: “ولا شك أن الشيخ نذير حسين الدهلوي – رحمه الله – هو مجدد السنة النبوية في القارة الهندية وغيرها، فانتشر تلامذته في جميع البقاع حاملين لواء التوحيد والسنة، وعددهم لا يحصى، وعدد مؤلفاتهم لا يحصر، وفتحوا مئات المدارس، وقاموا بحركة إسلامية صحيحة لا يوجد لها نظير إلا نادرا، وإن آثار التوحيد واتباع السنة النبوية التي نراها في القارة الهندية في هذه الأيام في كل ذلك يرجع الفضل إلى هذا الإمام العظيم”([86]). 

أما الشيخ عبد الرحمن الفريوائي فيلخّص لنا مشهد الإصلاح السلفي المركزي الذي قام به العلامتان نذير حسين وصديق خان فيقول: “ابتدأت حركة إحياء السنة في شكلها القوي في أواخر القرن الثالث عشر وتنوّرت بأشعتها بلاد دهلي وبهار وبنكال وجنوب الهند وشمالها وبلاد السند وكجرات ودكن وسرحد وبنجاب، بل تجاوزت إلى البلاد الإسلامية، فكانت مثل تلك الحركة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

وقاد هذه الحركة العلمية والإصلاحية مجددا عصرهما الإمام النواب صديق حسن البوفالي والإمام السيد نذير حسين المحدث الدهلوي. فخدم الأول علوم السنة بالتأليف والنشر وبذل الأموال الطائلة واحتضان العلم والعلماء بكل جد ونشاط، وبكل جود وحماس، وخدم الثاني علوم السنة وإحيائها بتدريس الحديث مدة طويلة تستغرق اثنين وستين عاما، وكانت هذه المدرسة السلفية متأثرة بفكر الإمام إسماعيل الشهيد الواضح النير ومنهجه السلفي القويم الذي كان يهدف إلى دعوة الناس إلى التمسك بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح. وكان شعار أصحاب هذه المدرسة العمل بالحديث وعدم التقيد بالتقليد والاجتناب عن التصوف الشكلي.

وبجهود هذين الإمامين المتضافرة نشطت حركة إحياء السنة نشاطا كبيرا، فكثر المعتنون بعلوم الكتاب والسنة، وكثر دعاتها، وكثرت المؤلفات في علوم السنة، ونشرت كتب السنة بكثرة كاثرة، في عصر انقراض دولة المسلمين الذي بلغت حركة السنة فيه منتهى الضعف”([87]).

حتى قيل إنه بسبب جهوده اعتنق العقيدة السلفية الصحيحة مليونا مسلم في الهند، وتركوا الشركيات والبدع والضلالات([88]).

فضل العلامة نذير حسين في نشر السنة النبوية في الهند وخارجها:

من المعروف أن الهند في القرون الأخيرة كانت هي حاملة راية علم الحديث، وقد بدأ ذلك مع الشيخ ولي الله عبد الرحيم الدهلوي (ت 1176هـ) الذي شرع في تدريس كتب الحديث السبعة ثم واصل أبناؤه عبد العزيز ورفيع الدين وعبد القادر وعبد الغني وبعض طلبته تدريس الحديث، ثم جاء الشاه إسماعيل بن عبد الغني الذي درس على عمه عبد العزيز بعد وفاة أبيه، فردّ على أهل البدع ردا قويا، ودعا للتوحيد والعمل بما في الكتاب والسنة، واجتهد بذلك اجتهادا عظيما، ثم واصل هذا الجهد حفيد عبد العزيز من ابنته الشاه إسحاق([89]) الذي لازمه نذير حسين اثنتي عشرة سنة ثم أصبح خليفته في التدريس، ومكث بعده يدرّس اثنتين وستين سنة، فقام بالأمر بعده من خلال التدريس لكتب الحديث حتى أصبح الإسناد يدور عليه في العصور الأخيرة،  وتخرج علي يده مئات العلماء الذين صنفوا في شرح كتب الحديث المصنفات الجليلة وترجم بعضهم كتب السنة لعدد من اللغات ليعمّ النفع بها فضلا عن تحقيق وطباعة الكثير من المخطوطات الحديثية لما ظهرت المطبعة([90]).

كان للعلامة إسحاق الدهلوي طلبة كثر، بعضهم أكبر سنًّا وأقدم من الشيخ نذير عند الشاه إسحاق، ولهم حلقات علم في دهلي وغيرها، إلا أن انتشار علم الحديث كان عن طريق الشيخ نذير أكثر من هؤلاء المشايخ، يقول الشيخ شاه فضل المرادبادي تلميذ الشاه محمد إسحاق: “المولوي نذير حسين فليقل فيه مَن شاء ما شاء، ولكن فيض الحديث النبوي الذي جرى منه في الناس لم يحصل مثله لأحد”([91]).

يقول تلميذه العلامة شمس الحق العظيم آبادي: “أمَا رأيت كيف أنه أشاع الحديث، وكيف روّج السنن، وما ترى من آثار السنة النبوية إلا أنها من أنوار فيوضاته، وإن كان غيره من النبلاء الفضلاء الأتقياء مشاركًا فيها. ليس في الهند بل ولا قرية إلا بلغت فيضانه، وتلاميذه موجودة فيها يروون الأحاديث، ويروجون السنن، ويطهرون الناس عن اعتقاد الشركيات والبدع والمنكرات والمحدثات”([92]).  

وما أجمل شهادة الأستاذ الكبير عبد الحليم المشهور بـ “شرر” في حق العلامة نذير حسين: “لا يصدق هذا اللقب “المجدد” إلا على شيخ الكل محدث العصر العلامة الشيخ السيد نذير حسين الدهلوي، فبفضل جهوده وبركته عمّ حب الرسول صلى الله عليه وسلم والتمسك بهديه في المجتمع الهندي، وقد سبق أن ترك علماء الهند الاعتناء بالسنة النبوية المشرفة، ولأجل تركهم إياها اندرس كثير من أصول الشريعة حتى وجد التفاوت والنقص في التوحيد، فجهوده رحمه الله أثمرت وأينعت حتى نجد عددًا لا بأس به في كل قرية ومدينة يشتغل بالسنة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم”([93]).  

ولم يقتصر دوره المركزي على نشر السنة النبوية في الهند بل “إنه أبرز من تدور عليهم الأسانيد في العصور المتأخرة من بلاد العرب والعجم” كما يقول د. نادر بن نمر وادي([94]). 

وقد شارك الأمير العلامة صديق حسن خان العلامة نذير حسين الجهد في إشاعة علم الحديث والسلفية، وألّف عددا من الكتب في علم الحديث وسخر إمكانياته في طباعة كتب الحديث المهمة ككتاب فتح الباري ونشرها بين العلماء وطلبة العلم، وكذلك دعم بعض العلماء وبعض طلبة العلامة نذير حسين ليتفرغوا للتدريس والتأليف([95]).  

وقد شهد بفضل علماء الهند في نشر ورعاية علم الحديث كثير من العلماء منهم العلامة رشيد رضا الذي كتب يقول في مقدمة كتاب مفتاح كنوز السنة: “لولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر، لقُضِي عليه بالزوال من أمصار الشرق، فقد ضعُف في مصر والشام، والعراق والحجاز منذ القرن العاشر للهجرة حتى بلغت منتهى الضعف في أوائل هذا القرن الرابع عشر.

وإني لما هاجرت إلى مصر سنة 1315هـ رأيت خطباء مساجد الأزهر وغيره يذكرون الأحاديث في خطبهم غير مخرجة، ومنها الضعيف والمنكر ومثلهم في هذا الوعاظ والمدرسون ومصنفو الكتب، فكنت أنكر ذلك عليهم كما بدأت بإنكار مثله على أهل بلدي طرابلس قبلهم”. 

بل كان لجهود ميان صاحب ومن قبله من شيوخه وعلماء أهل الحديث فضل تأثر أحناف الهند واهتمامهم بعلم الحديث، وفي هذا يقول أحد منصفي الأحناف الشيخ مناظر أحسن الجيلاني: “إن اعتناء أحناف شبه القاره الهندية بالنبعين الأساسين للدين الكتاب والسنة فيه دخل كبير لحركة أهل الحديث ورفض التقليد، وإن لم يترك عامة الناس التقليد إلا أنه قد تحطم سحر التقليد الجامد والاعتماد الأعمى”([96]).

أخلاقه وحسن عشرته لأهله وطلابه وأصدقائه([97])

مما تميز به “ميان صاحب” أخلاقه العالية وتواضعه الشديد وحسن تعامله مع الناس كافة، والقصص في هذا كثيرة جدا، منها:

أن الحافظ عبد المنان الوزير آبادي وكان ضريرًا، ذهب لبيت الخلاء مرة، وكان في طريقه ثور يسد الطريق وهو لا يشعر بذلك، وفجأة أمسك بيده رجل وأخذه للمستراح بعيدا عن الثور، ثم ناوله أحجار للاستنجاء، ولما انتهى أخذ بيده وعاد به للمسجد، ولما سأل الحافظ عبد المنان عن الذي ساعده، قيل له: إنه ميان صاحب بنفسه!

ومرة أخرى كان الحافظ عبد المنان قد سقط نعله فأخذها ميان صاحب وناوله إياها، هكذا بكل عفوية وبساطة.

وكان يحمل حوائجه من السوق على كتفه لمنزله ويرفض مساعدة طلابه له، ويقول: صاحب المال أحقّ بحمله، وفي هذا التزام بتطبيق السنة النبوية عمليًا.

وفي مرة كان الشيخ يمر بقرب محطة القطار، ونزل من القطار شخص يريد الذهاب إلى مدرسة ميان صاحب، وظن هذا الرجل أن الشيخ هو حمال أو عتال في المحطة بسبب تواضعه في ملبسه وهيئته فطلب منه حمل الأغراض والأمتعة فحملها له وأوصله للمدرسة ووضع الأغراض وذهب، وحين سأل الرجل -الذي سيكون لاحقاً العلامة محمد حسين البتالوي- عن الشيخ نذير، قالوا له إن الرجل الذي حمل لك أغراضك وأمتعتك هو بنفسه ميان صاحب([98])!

وقال العلامة شمس الحق العظيم آبادي في بيان حسن أخلاق وتميز ميان صاحب: “لقد منح الله تبارك وتعالى مِن بحر فضله العميم هذا الشيخ العديم المثل بثلاثة أمور لا أعلم أنها في زمانه قد اجتمعت لغيره:

الأول: الاتقاء وخشية الله تعالى، والحلم والصبر والخلق الحسن والزهد والكرم والحياء.

الثاني: سعة التبحر في علم التفسير والحديث والفقه والصرف والنحو على اختلاف فنونها وصنوفها.

الثالث: سعة التلاميذ المدققين والنبلاء المحققين ذوي الفضائل الباهرة”.

ثناء العلماء عليه:

لا يمكن حصر كلمات العلماء في الثناء على ميان صاحب ولكن نورد شيئًا منها.

فها هو العلامة شمس الحق العظيم الآبادي يقول عنه: “ولو حلفت ما بين الركن والمقام أنني ما رأيت بعيني مثله ولا هو رأى مثل نفسه في العلم والعبادة والزهد والصبر والكرم والخلق والحلم ما حنثت، وليس هو بالمعصوم ولكن لم أرَ في معناه مثله”([99]).

وقال عنه العلامة حسين بن محسن الأنصاري اليماني: “الذي أعلمه وأعتقده وأتحققه في مولانا السيد الإمام والفرد الهمام نذير حسين الدهلوي أنه فرد زمانه ومسند وقته وأوانه، ومن أجلّ علماء العصر، بل لا ثاني له في إقليم الهند في علمه وحلمه وتقواه، وأنه من الهادين المرشدين إلى العمل بالكتاب والسنة والمعلمين لها، بل أجلّ علماء هذا العصر المحققين في أرض الهند وأكثرهم تلامذة، وعقيدته موافقة لعقيدة السلف الموافقة للكتاب والسنة”.

أما العلامة الأمير صديق حسن خان فقال عن الشيخ نذير: “شيخ الإسلام ومركز الاستجازة والإجازة، والعالم الخبير حقيقته ومجازه”([100]).

وقال عنه الشيخ سعد بن حمد بن عتيق: “العالم النحرير الذي ليس له في عصره نظير، السيد محمد نذير”([101]).

 “وقال الحافظ محمد صدّيق: إنه كان يصلي خلفه الفجر كل يوم، وكان في نهاية حياته يتلو عادة سورة المرسلات، وحين يأتي إلى قوله تعالى: {فبأي حديث بعده يؤمنون} يتغير صوته فيكون مؤثرًا جدًّا، حتى أن عيني الحافظ تغرورقان بالدموع، وأردف قائلاً: إنه لا يمكن أن يجد مثل هذه اللذة وهو يصلي خلف إمام آخر.

أما العلامة شمس الحق العظيم آبادي فقال فيه: “كان كثير الصلاة والتلاوة والتخشع والبكاء.. ولم أرَ في زمننا من أهل العلم أكثر عبادة منه، وكان يطيل الصلاة جداً، ويمدّ ركوعها وسجودها”([102]).

أسرته([103])

تزوج الشيخ نذير من ابنة شيخه عبد الخالق الدهلوي وأنجب منها ابنًا وبنتًا، وقد ولد ولده السيد شريف سنة 1248هـ، فدرس على أبيه وعلى جده لأمه ونبغ في العلم، وأجازه العلامة الأمير صديق خان والعلامة حسين بن محسن اليماني، وكان يفتي في حضرة أبيه، والشيخ شريف هو الوحيد الذي تعلم على ميان صاحب منذ نعومة أظفاره حتى وفاته، حيث توفي في حياة والده سنة 1304هـ، بعد رجوعه من الحج، عن سبع وخمسين سنة، وكان له ولدان.

وابنة الشيخ تزوجت وأنجبت ثلاث بنات وابنًا، لكنه توفي قبل البلوغ، وكان الشيخ نذير يحب أسرته جداً، بحيث كانوا جميعا يقيمون عنده في بيته حتى يرعاهم ويبقون تحت نظره، ويبدو أن ذلك الحال كان وهم في أول حياتهم.

وكان للشيخ نذير شقيقان أصغر منه هما الشيخ السيد سجاد حسين، والشيخ السيد توسل حسين، كانا من أهل الاستقامة والطاعة، ورافقا الشيخ في غالب أسفاره، وكانت علاقتهم قوية ومثالية، وقد توفيا في حياة الشيخ برغم أنه أكبرهم.

وفاته 

وفي مرض موته خطب خطبة مؤثرة وموعظة جليلة وكأنه يخاطب جمعا كبيرا دون سبب ظاهر!

فلما سأله الممرض عن سبب ذلك؟ أخبره أن الجن قد حضروا وملؤوا البيت وطلبوا منه التذكير والموعظة! وقد كان الجن يحضرون دروسه من قبل واستفادوا منه([104])!    

وقد أوصى أهلَه بكثرة الاستغفار له والصبر على موته، وأمر تلميذه العلامة تلطف حسين العظيم آبادي أن يغسله ويكفنه على السنة النبوية.

وتوفي في 10 رجب 1320هـ، الموافق 13 أكتوبر 1902م، ودفن بجوار قبر ابنه السيد الشريف حسين في مقبرة شيدى فور ببلدة دهلي، رحمه الله وتقبّله.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

[1] – المحدث الشيخ محمد نذير حسين الدهلوي وجهوده في الحديث النبوي تدريسا وتأليفا، د. سيد عبد الماجد الغوري، مجلة الحديث، مركز أبحاث الحديث – ماليزيا، مجلد 9، عدد 18 ديسمبر 2019، ص 395.

[2] – تذكرة الإمام نذير حسين المحدث الدهلوي، محمد إسرائيل الندوي، نشر المدرسة المحمدية، ميوات، ط 1، 1431هـ – 2010 م، ص 23، والدليل المحكم في نفي أثر القدم، تأليف المحدث نذير حسين، ترجمه للعربية وخرّج نصوصه راشد حسن المباركفوري، مكتبة خزانة العلوم ودار الإمام مسلم، ط 1، 1442هـ – 2021م، ص 29، وترجمة له في موقع الألوكة بعنوان: العلامة المحدث السلفي.

[3] – الدليل المحكم، ص 29. العلامة المحدث الهندى محمد نذير حسين الدهلوي، موقع الأعلام والمشاهير في القرن العشرين على شبكة الإنترنت.

[4] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 25.

[5] – الدليل المحكم، ص 30.

[6] – الحركة السلفية في البنغال 1217ه – 1408ه، محمد مصلح الدين بن مولانا شيخ الإسلام، رسالة ماجستر غير منشورة من جامعة الإمام محمد بن سعود، 1412ه، ص 113. إذا هبت ريح الإيمان، ص 191.

[7] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 29.

[8] – إذا هبت ريح الإيمان، أبو الحسن الندوي، مؤسسة الرسالة بيروت، دار القلم الكويت، الطبعة العاشرة 1406ه/1985م، ص 30.

[9] – الحركة السلفية في البنغال، محمد مصلح الدين بن مولانا محمد شيخ الإسلام، رسالة ماجستير غير منشورة، سنة 1412هـ، من جامعة الإمام محمد بن سعود، ص 96 وص 100.

[10] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 30.

[11] – الدليل المحكم، ص 31.

[12] – الدليل المحكم، ص 31، تذكرة الإمام نذير حسين، ص 31.

[13] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 33.

[14] – الدليل المحكم، ص 40، اعتمادا على ترجمة مقتضبة للشيخ نذير لنفسه.

[15] – الدليل المحكم، ص 33، 45، تذكرة الإمام نذير حسين، ص 60.

[16] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي، ص 208.

[17] – غاية المقصود في شرح سنن أبي داود، العلامة محمد شمس الحق العظيم آبادي، 1/53.

[18] – المحدث الشيخ محمد نذير حسين الدهلوي وجهوده في الحديث النبوي، ص 397. العلامة المحدث السلفي محمد نذير حسين الدهلوي، محمد زياد تكلة، موقع الألوكة.

[19] – غاية المقصود، ص 53.

[20] – الدليل المحكم، ص 40، تذكرة الإمام نذير حسين، ص 46 و56.

[21] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 57.

[22] – “مكاتيب نذيرية”، نقلا عن جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية وما كان يتميز به، نذير أحمد عبد الواحد ومحمد أبو الليث الخيرآبادي، مجلة الرسالة، أغسطس 2021/1443، ص 196.

[23] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 196.

[24] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 100، جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 208.

[25] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 197.

[26] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 94. جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 197.

[27] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 198.

[28] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 199.

[29] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 92.

[30] – المصدر السابق، ص 95.

[31] – المصدر السابق، ص 92.

[32] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 89، نقلا عن كتاب الحياة بعد الممات بالأردية ص 69.

[33] – الحياة بعد الموت ص 258 نقلا عن جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 200.

[34] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 89.

[35] – الحياة بعد الممات، ص 55، نقلا عن جهود المحدث نذير حسين الدهلوي، ص 201.

[36] – جهود الشيخ نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 202. وانظر هامش 44 من هذا البحث.

[37] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 48 و59.

[38] – الدليل المحكم، ص 29، تذكرة الإمام نذير حسين، ص 26.

[39] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 60 و96، الدليل المحكم، ص 33 و45.

[40] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 64.

[41] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة، ص 192.

[42] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 105.

[43] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 105.

[44] – العلامة المحدث السلفي، بحث منشور في موقع الألوكة.

[45] – – دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بين مؤيديها ومعارضيها في شبه القارة الهندية، أبو المكرم عبد الجليل، دار السلام بالرياض، الطبعة الثانية 1421ه، ص 35.

[46] – موضوع الوهابية في الهند له تعقيدات خاصة اشترك فيها الإنجليز والمبتدعة لمحاربة أهل الحديث السلفيين، وقد شرحت ذلك في ترجمة العلامة الأمير حسن صديق خان.

[47] – الحركة السلفية في البنغال، ص 127.

[48] – أحمد بن خير الدين المعروف بأبي الكلام آزاد (1305 – 1377هـ/ 1888 – 1958م)، عالم ومصلح سلفي كان خطيبًا بارعًا وله دور كبير في الهند من خلال مقالاته في الصحف والمجلات خاصة مجلته الهلال يضاهي دور العلامتين رشيد رضا ومحب الدين الخطيب، وكان عضوا بحزب المؤتمر ثم أصبح رئيسا له، وتسلم منصب وزير التعليم في الهند عقب الاستقلال، كان يلقب بابن تيمية الهند لشدة تأثره به ونشره لكتبه وتراثه في الهند، وإن شاء الله نتوسع في ترجمته لاحقا.

[49] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 108.

[50] – المحدث محمد نذير حسين الدهلوي وجهوده في الحديث، ص 403. الحركة السلفية في البنغال، ص 127.

[51] – معجم الشيوخ أو رياض الجنة، عبد الحفيظ الفاسي، 2/81.

[52] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 119.

[53] – العلامة المحدث السلفي، محمد زياد تكلة.

[54] – الحياة بعد الموت، ص 55، نقلا عن جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 202.

[55] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 205، 209.

[56] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 62.

[57] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 206.

[58] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 96.

[59] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 86.

[60] – المصدر السابق، ص 122.

[61] – نزهة الخواطر 8/498 نقلا عن تذكرة الإمام نذير حسين، ص 64.

[62] – (ص37 الترجمة العربية، طبع دارة الملك عبد العزيز)

[63] – العلامة المحدث السلفي.

[64] – المحدث محمد نذير حسين الدهلوي وجهوده في الحديث، ص 406.

[65] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 207

[66] – غاية المقصود، ص 58.

[67] – ص 143.

[68] – وقد عرّف ببعض هذه الكتب وبيان موضوعها وذكر ما طبع منها وتفصيل طبعاتها وما دار حولها من جدال ونقاش الأستاذ راشد بن حسن المباركفوري في مقدمة تعريبه وتحقيقه لكتاب الدليل المحكم في نفي أثر القدم، ومنه استفدت هذه التفاصيل عن كتبه.

[69] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 145.

[70] – نقلا عن الدليل المحكم، ص 46.

[71] – جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة، ص 172.

[72] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 210، غاية المقصود، ص 54.

[73] – المحدث الشيخ محمد نذير حسين الدهلوي وجهوده في الحديث، ص 399. دعوة المحدث نذير حسين الدهلوي وأثرها في البلاد العربية، نادر بن نمر وادي، غزة 2020 الطبعة الأولى، ص 17.

[74] – جهود مخلصة، ص 134.

[75] – جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة، عبد الرحمن الفريوائي، إدارة البحوث بالجامعة السلفية، بنارس، الطبعة الثانية 1406هـ، ص 173، جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 402.

[76] – دعوة المحدث نذير حسين الدهلوي وأثرها في البلاد العربية، ص 34.

[77] – جهود مخلصة، ص 180.

[78] – الأستاذ أبو الحسن الندوي الوجه الآخر من كتاباته، صلاح الدين مقبول، دار غراس، الكويت، الطبعة الأولى، 1422هـ، ص 365.

[79] – مقال له ضمن مجموع بحوث وتحقيقات له، جمعها محمد عزير شمس، (1/18)، نقلا عن العلامة المحدث السلفي.

[80] – حركة الانطلاق الفكري وجهود الشاه ولي الله الدهلوي في التجديد، العلامة محمد إسماعيل السلفي، إدارة البحوث بجامعة بنارس، الطبعة الثانية، 1409هـ. وانظر ص 370 من الكتاب نفسه لمزيد من معرفة المشروع الإصلاحي لأهل الحديث وولي الله الدهلوي، وكذلك جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة، ص 88.

[81] – إذا هبت ريح الإيمان، ص 106.

[82] – جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة، ص 134. الحركة السلفية في البنغال، ص 123.

[83] – الحركة السلفية في البنغال، ص 122.

[84] – مقدمة تذكرة الإمام المحدث نذير حسين، ص 7، بتصرف يسير.

[85] – في كتابه دبستان حديث، ص 52، نقلا عن جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 195.

[86] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 195.

[87] – جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة، ص 93.

[88] – دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بين مؤيديها ومعارضيها في شبه القارة الهندية، أبو المكرم عبد الجليل، دار السلام بالرياض، الطبعة الثانية، 1421هـ، ص 35.

[89] – دعوة المحدث نذير حسين الدهلوي وآثارها في البلاد العربية، ص 8.

[90] – أفرد لتلاميذه وجهودهم الحديثية مساحة واسعة د. عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي في كتابه “الحركة السلفية ودورها في إحياء السنة”.

[91] – الحياة بعد الممات، ص 296، نقلا عن جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 193 و 209.

[92] – غاية المقصود، ص 54.

[93] – الدليل المحكم، ص 53.

[94] – دعوة المحدث نذير حسين الدهلوي وآثارها في البلاد العربية، ص 5.

[95] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 65.

[96] – جهود المحدث نذير حسين الدهلوي في خدمة السنة النبوية، ص 194.

[97] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 120.

[98] – البشرى بسعادة الدارين ، محمد أشرف سندهو، ص 60، نقلاً عن ترجمة العلامة محمد حسين البتالوي، لمحمد زياد التكلة، موقع الألوكة.

[99] – غاية المقصود، ص 55.

[100] – الدليل المحكم، ص 49.

[101] – دعوة المحدث نذير حسين الدهلوي وأثرها في البلاد العربية، ص 19.

[102] – العلامة المحدث السلفي.

[103] – الدليل المحكم، ص 66.

[104] – تذكرة الإمام نذير حسين، ص 142.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ […]

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017