من تاريخ الدولة السعودية الأولى كما رواه الجبرتي في تاريخه – الجزء الثاني
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
الاستعداد لتحرير الحجاز من الوهابيين واحتساب الميزانية:
[سنة 1223هــ المحرم غرته/ 28 فبراير 1808م]: برز القابجي المسمى بيانجي بيك إلى السفر على طريق البر، وخرج الباشا لوداعه.
وهذا القابجي كان حضر بالأوامر بخروج العساكر للبلاد الحجازية، وخلاص البلاد من أيدي الوهابية، وفي مراسيمه التي حضر بها: التأكيد والحث على ذلك؛ فلم يزل الباشا يخادعه ويعده بإنفاذ الأمر ويعرّفه أن هذا الأمر لا يتم بالعجلة، ويحتاج إلى استعداد كبير، وإنشاء مراكب في القلزم، وغير ذلك من الاستعدادات.
وعمل الباشا ديوانًا جمع فيه الدفتردار، والمعلم غالي، والسيد عمر، والمشايخ، وقال لهم: لا يخفاكم أن الحرمين استولى عليها الوهابيون ومشوا أحكامهم بها، وقد وردت علينا الأوامر السلطانية المرة بعد المرة للخروج إليهم ومحاربتهم وجلائهم وطردهم عن الحرمين الشريفين. ولا تخفى عنكم الحوادث والوقائع التي كانت سببًا في التأخير عن المبادرة في امتثال الأوامر، والآن حصل الهدوء، وحضر قابجي باشا بالتأكيد والحث على خروج العساكر وسفرهم. وقد حسبنا المصاريف اللازمة في هذا الوقت فبلغت أربعة وعشرين ألف كيس، فاعملوا رأيكم في تحصيلها؛ فحصل ارتباك واضطراب، وشاع ذلك في الناس، وزاد بهم الوسواس ثم اتفقوا على كتابة (عرضحال) ليصحبه ذلك القابجي معه بصورة نمقوها([1])([2]).
التعليل لانقطاع الحج بمنع الوهابيين حجة واهية، والتحقيق في مسألة استيلاء الوهابيين لما في الحجرة من المجوهرات:
[انتهى عام 1223هـ]: انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي الناس عن الحج.. والحال ليس كذلك، فإنه لم يمنع أحدا يأتي إلى الحج على الطريقة المشروعة، وإنما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع؛ مثل المحمل والطبل والزمر([3]) وحمل الأسلحة، وقد وصل طائفة من حجاج المغاربة، وحجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله، ولم يتعرض لهم أحد بشيء. ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي وانقطع عن أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات والعلائف والصرر التي كانوا يتعيشون منها، خرجوا من أوطانهم بأولادهم ونسائهم، ولم يمكث إلا الذي ليس له إيراد من ذلك، وأتوا إلى مصر والشام، ومنهم من ذهب إلى إسلامبول يتشكون من الوهابي، ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها، من إجراء الأرزاق، واتصال الصلات والنيابات والخدم في الوظائف التي بأسماء رجال الدولة، كالفراشة والكناسة ونحو ذلك، ويذكرون أن الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر والجواهر ونقلها وأخذها، فيرون أن أخذه لذلك من الكبائر العظام([4]).
وهذه الأشياء أرسلها ووضعها سخاف العقول من الأغنياء والملوك والسلاطين الأعاجم وغيرهم؛ إما حرصا على الدنيا وكراهة أن يأخذها من يأتي بعدهم، أو لنوائب الزمان. فتكون مدَّخرة ومحفوظة لوقت الحاجة إليها، فيستعان بها على الجهاد ودفع الأعداء.
فلما تقادمت عليها الأزمنة وتوالت عليها السنين والأعوام الكثيرة -وهي في الزيادة- وارتصدت معنى لا حقيقة، وارتسم في الأذهان حرمة تناولها، وأنها صارت مالا للنبي e؛ فلا يجوز لأحد أخذها ولا إنفاقها والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك، ولم يدخر شيئا من عرض الدنيا في حياته؛ وقد أعطاه الله تعالى الشرف الأعلى، وهو الدعوة إلى الله تعالى والنبوة والكتاب، واختار أن يكون نبيا عبدا، ولم يختر أن يكون نبيا ملكا؛ وثبت في الصحيحين وغيرهما، أنه قال: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا»([5])، وروى الترمذي بسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا. قلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما -أو قال: ثلاثا، أو نحو ذلك- فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك»([6]).
ثم إن كانوا وضعوا هذه الذخائر والجواهر صدقة على الرسول ومحبة فيه فهو فاسد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد… إنما هي أوساخ الناس»([7])، ومنع بني هاشم من تناول الصدقة وحرمها عليهم.
والمراد الانتفاع في حال الحياة لا بعدها، فإن المال أوجده المولى سبحانه وتعالى من أمور الدنيا، لا من أمور الآخرة، قال تعالى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الحديد: 20]. وهو من جملة السبعة التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14].
فهذه السبعة بها تكون الخبائث والقبائح، وليست هي في نفسها أمورا مذمومة، بل قد تكون معينة على الآخرة إذا صرفت في محلها؛ وعن مطرف، عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ: {ألهاكم التكاثر} قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي، فهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟!»([8])، إلى غير ذلك.
ومحبة الرسول بتصديقه واتباع شريعته وسنته، لا بمخالفة أوامره، وكنز المال بحجرته وحرمان مستحقيه من الفقراء والمساكين وباقي الأصناف الثمانية.
وإن قال المُدَّخِر: أكنزها لنوائب الزمان، ليستعان بها على مجاهدة الكفار والمشركين عند الحاجة إليها.
قلنا: قد رأينا شدة احتياج ملوك زماننا، واضطرارهم في مصالحات المتغلبين عليهم من قرانات الإفرنج، وخلو خزائنهم من الأموال التي أفنوها بسوء تدبيرهم وتفاخرهم ورفاهيتهم، فيصالحون المتغلبين بالمقادير العظيمة، بكفالة أحد الفرق من الإفرنج المسالمين لهم، واحتالوا على تحصيل المال من رعاياهم بزيادة المكوس والمصادرات والطلبات والاستيلاء على الأموال بغير حق؛ حتى أفقدوا تجارهم ورعاياهم، ولم يأخذوا من هذه المدخرات شيئًا؛ بل ربما كان عندهم أو عند خونداتهم جوهر نفيس من بقايا المدخرات فيرسلونه هدية إلى الحجرة ولا ينتفعون به في مهماتهم، فضلا عن إعطائه لمستحقه من المحتاجين.
وإذا صار في ذلك المكان لا ينتفع به أحد، إلا ما يختلسه العبيد الخصيون، الذين يقال لهم: أغاوات الحرم؛ والفقراءُ من أولاد الرسول وأهلُ العلم والمحتاجون وأبناءُ السبيل يموتون جوعا، وهذه الذخائر محجور عليها وممنوعون منها، إلى أن حضر الوهابي واستولى على المدينة وأخذ تلك الذخائر؛ فيقال: إنه عبَّى أربعة سحاحير من الجواهر المحلاة بالألماس والياقوت العظيمة القدر؛ ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد، وبدل الشمعة قطعة ألماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام، ونحو مائة سيف قراباتها ملبسة بالذهب الخالص، ومنزل عليها ألماس وياقوت، ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك، وسلاحها من الحديد الموصوف -كل سيف منها لا قيمة له- وعليها دمغات باسم الملوك والخلفاء السالفين وغير ذلك([9]).
وصول المرسوم للأمر بالسفر لتحرير الحجاز:
[سنة 1224هــ المحرم أواخره/ حوالي منتصف مارس 1809م]([10]): حضر قاصد يخبر بوصول قابجي وعلى يده مرسوم: الأمر بالسفر والخروج إلى فتح الحرمين وطرد الوهابية عنهما، وإن يوسف باشا([11]) -الصدر السابق المعروف بالمعدن- تعين بالسفر للحرمين على طريق الشام، وكذلك سليمان باشا والي بغداد متعين أيضا بالسفر من ناحيته على الدرعية([12]).
[سنة 1225هــ ربيع الآخر غرته/ 6 مايو 1810م]: وصلت الأخبار من البلاد الحجازية بنزول سيل عظم حصل منه ضرر كثير، وهدم دورا كثيرة بمكة وجدة، وأتلف كثيرًا من البضائع للتجار.. حكوا أنه هدم بمكة خاصة ستمائة دار، وكان ذلك في شهر صفر([13]).
[جمادى الآخرة 3 منه/ 6 يوليه 1810م]: قلد الباشا ديوان أفندي نظر مهمات الحرمين والتأهب لسفر الحجاز لمحاربة الوهابية، وسكن ببيت قصبة رضوان([14]).
[في أواخره عام 1225هـ/ أواخر يوليه 1810م]: وصلت أخبار من ناحية الشام بأن طائفة من الوهابية جردوا جيشا إلى تلك الجهة، فتوجه يوسف باشا إلى المزيريب وحصن قلعتها، واستعد إليهم بجيش وحاربوهم وطردوهم، ثم اضطربت الأخبار واختلفت الأقوال([15])([16]).
[رجب غرته 1225هـ/ 2 أغسطس 1810م]: وردت الأخبار بورود قزلار آغا من طرف الدولة، وعلى يده أوامر وخلعة، وسيف لمحمد علي باشا، وصحبته أيضا مهمات وآلات ومراكب، ولوازم حروب، لسفر البلاد الحجازية، ومحاربة الوهابية؛ وهو يسمى عيسى آغا، وأنه طلع إلى ثغر إسكندرية([17]).
[3 شعبان/ 3 سبتمبر 1810م]: عمل الباشا ديوانا، وركب ذلك الآغا([18]) من بيت عثمان آغا الوكيل الكائن بدرب الجماميز؛ في موكب وطلع القلعة، وقرأ المرسوم الذي وصل صحبته بالمعنى السابق، وهو الآمر بالخروج إلى الحجاز.
ولبس الباشا الخلعة والسيف بحضرة الجمع، وضربوا مدافع كثيرة عقيب ذلك.
التجهيز للحرب وغلاء الأسعار:
[سنة 1226هــ المحرم غرته/ 26 يناير 1811م]: كان أول المحرم يوم السبت وفيه: أظهر الباشا الاهتمام بأمر الحجاز والتجهيز للسفر، وركب ليلة الجمعة سابعة إلى السويس، وسافر صحبته السيد محمد المحروقي وقام باحتياجاته ولوازمه، فلما وصل إلى السويس حجز الداوات التي وصلت بالمحمل، وسَفَّرَ عدة من المراكب التي أنشأها، ليقبضوا على الداوات والسفن التي بالأساكل وحوزها، واستولى على البن الذي وجده ببندر السويس للتجار؛ فلما وصل خبر ذلك إلى مصر غلا سعر البن، وزاد حتى وصل إلى خمسين ريالا فرانسة، بعد أن كان بستة وثلاثين، عنها اثنا عشر ألف فضة وخمسمائة نصف فضة([19])([20]).
[صفر 2 من المحرم 1226هـ/ 26 فبراير 1811م]: في ثانيه يوم الاثنين حضر الباشا من السويس إلى مصر في سادس ساعة من الليل، فضربوا في صبحها عدة مدافع لحضوره، وقد حضر على هجين بمفرده، ولم يصحبه إلا رجل بدوي على هجين أيضا ليدله على الطريق، وقطع المسافة في إحدى عشرة ساعة. وحضر من كان بصحبته في ثاني يوم، وهم مُجِدُّون السفر، وحضر السيد محمد المحروقي بحمولة في اليوم الثالث، وأخبروا أن الباشا أنزل من ساحل السويس خمسة مراكب من المراكب التي أنشأها باحتياجاتها ولوازمها وعساكرها، ووجههم إلى ناحية اليمن ليقبضوا على ما يجدونه من المراكب، وأن الصناع مجتهدون في العمل في مراكب كبار لحمل الخيول والعساكر واللوازم.
[الاثنين 2 صفر 1226هـ؛ 26 فبراير 1811م] وفيه: قلد الباشا ابنه طوسون باشا صاري عسكر الركب الموجه إلى الحجاز، وأخرجوا جيشهم إلى ناحية قبة العزب، ونصبوا عرضا وخياما. وأظهر الباشا الاجتهاد الزائد والعجلة وعدم التواني، ونوه بتسفير عساكر لناحية الشام، لتمليك يوسف باشا لمحله، وصاري عسكرهم شاهين بك الألفي، ونحو ذلك من الإيهامات([21]). وطلب من المنجمين أن يختاروا وقتًا صالحًا لإلباس ابنه خلعة السفر، فاختاروا له الساعة الرابعة من يوم الجمعة([22])([23]).
[6 ربيع الأول 1226هـ/ 21 مارس 1811م]: عمل الباشا لابنه طوسون باشا([24]) موكبًا عظيمًا؛ ونبهوا في ليلتها على اجتماع العسكر في صبحها، ونزل هو إلى جامع الغورية ليتفرج على الموكب وصحبته حسن باشا، واستعد لذلك السيد المحروقي، وفرش له بالجامع المذكور فروشًا ومراتب ووسائد، فمر الموكب وفي أوله طائفة الدلاة، فلما فرغوا مروا بعشرة مدافع كبار على عربيات، وعربيتين تحملان هونين قنابر، وخلفهم طوائف العسكر الرجالة؛ أرنؤود، وأتراك، وسجمان، وهم كثيرون مختلطون من غير ترتيب مدة طويلة، ثم كبارهم ركبانا بطوائفهم، ثم الوالي والمحتسب وآغا مستحفظان، ثم طوائف صاحب الموكب وخبائبه، وكذا هجنه، ثم الجاويشية والسعادة والملازمون، ثم طوسون باشا وخلفه اتباعه وأغواته، ثم الكتخدا -وهو محمد كتخدا المعروف بالبرديسي وهو الذي كان كتخدا الألفي- وصحبته الخازندار وخلفهم النوبة التركية([25]).
ولما انقضى أمر الموكب دعاه المحروقي إلى منزله؛ فنزل معه من باب السر الذي بالجامع المعروف بالغوري، وصحبته حسن باشا، وتوجهوا إلى بيت المحروقي، وتغدى عنده هو وأتباعه وخواصه، وأحضر له آلات الطرب، واستمر هناك إلى آخر النهار، في حظ وكيف، وقدم له المحروقي تعابي هداية؛ ثم ركب عائدًا لمحله([26]).
وصول العدد الكبير من الجنود:
[ربيع الآخر في أواخره/ النصف الثاني من مايو 1811م] فيه: وصلت عساكر كثيرة من الأرنؤود والأتراك حتى غصت بهم المدينة، فلا يكاد المار يقع بصره إلا عليهم، أمام وخلف، وبداخل الأزقة والعطف؛ وذلك خلاف الذين أقرهم وأبقاهم في الإسكندرية، ومن هو بالجهات والأقاليم القبلية والبحرية، وما يعلم جنود ربك إلا هو.
وفيه: اهتم الباشا بتشهيل العرضي([27]) اهتمامًا زائدًا، وفرض على البلاد جمالًا وأتبانًا وغلالًا([28]).
[غرة جمادى الأولى/ 24 مايو – 22 يونيه 1811م] وفيه: فرضوا فرضة بغال على مياسير الناس وأهل الحرف، بغلة وبغلتين، وثلاثة؛ والذي لم يكن عنده بغلة يُلْزَم بالشراء، أو أنه يدفع ثمنها، كيسا عشرون ألف فضة.
وفيه: انقطع الوارد من الديار الحجازية، وغلا سعر البن حتى وصل إلى مائتين وسبعين نصف فضة كل رطل، وقل وجوده من الأسواق والدكاكين، فلا يوجد إلا مع المشقة، وصنع الناس القهوة من أنواع الحبوب المحمصة؛ كالشعير، والقمح، والفول، وبزر العاقول، وغيره، مخلوطًا مع البن، وبغير خلط([29]).
الاعتداء على ممتلكات الناس أثناء الاستعداد للحرب:
[جمادى الآخرة 20 منه/ 12 يوليه 1811م]: وفي عشرينه خرج الباشا إلى البركة، وطلب الجمال وقوافل العرب، وشهل طائفة من العسكر للسفر إلى السويس؛ فاهتموا بالدخول والخروج من المدينة، وطفقوا يخطفون الحمير والبغال والجمال وكلَّ ما صادفوه من الدواب، ومن وجدوه راكبًا ولو من وجهاء الناس أنزلوه عن دابته وركبوها، فانقبض الناس، وانكمش غالبهم عن الركوب لمصالحهم، وأخفوا حميرهم وبغالهم.
وأقام الباشا ثلاثة أيام جهة البركة، ثم ركب إلى السويس.
وفيه: وردت مراكب وداوات وفيها البن، وذلك باستدعاء الباشا لها من ناحية جدة واليمن؛ لأجل حمل العساكر واللوازم، وانحل سعر البن قليلا([30]).
[شعبان 2 منه/ 22 أغسطس 1811م]: وفي ثانيه سافر ديوان أفندي بمن بقي من العساكر البحرية([31]).
[8 منه/ 28 أغسطس 1811م]: وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر الباشا من السويس، وشرع في تشهيل العساكر البرية([32]).
[15 منه/ 4 سبتمبر 1800م]: وفي خامس عشره خرج الباشا إلى العادلية، واجتهد في تشهيل سفر العساكر البرية اجتهادا كبيرا، وجمع من أهل كل حرفة طائفة، وكذلك من أهل كل صنعة. والذي يعجز عن السفر يخرج عنه بدلا.
وتعين من الفقهاء للسفر الشيخ محمد المهدي من الشافعية، ومن الحنفية السيد أحمد الطحطاوي، وشيخ حنبلي وصل من ناحية الشام([33])([34]).
[رمضان 9 منه/ 27 سبتمبر 1811م]: ارتحل العسكر من الحصوة ونزلوا ببركة الحج([35])([36]).
[12 منه/ 30 سبتمبر 1811م]: ارتحلوا من البركة؛ فكان مدة مكث العرضي من يوم خروج الموكب إلى يوم ارتحالهم من البركة قريبًا من ستة أشهر ونصف([37])، والناس في أمر مريج في كل شيء.
وفيه: خرج السيد المحروقي ليسافر صحبة الركب، وخرج في موكب جليل؛ لأنه هو المشار إليه في رياسة الركب، ولوازمه واحتياجاته، وأمور العربان ومشايخها.
وأوصى الباشا ولده طوسون باشا أمير العسكر بأن لا يفعل شيئًا من الأشياء إلا بمشورته واطلاعه، ولا ينفذ أمرًا من الأمور إلا بعد مراجعته.
وفيه: وردت الأخبار بأن العساكر البحرية ملكوا ينبع البحر، ونهبوا ما كان فيه من ودائع التجار؛ وذلك أنه كان بِمَرْسَاة الينبع عدة مراكب وداوات؛ والشريف غالب أمير مكة يكاتب الباشا ويراسله، ويظهر له النصح والصداقة وخلوص المودة؛ والباشا أيضًا يراسله ويكاتبه، وأرسل له السيد سلامة النجاري والسيد أحمد المنلا الترجمان المحروقي بمراسلات وجوابات مرارًا عديدة، فكانا هما السفيرين بينهما. وأيضًا الشريف في كل كتابة مع كل مرسول يعاهد الباشا ويعاقده ويواعده بنصر عساكره متى وصلت، وينافق للطرفين: الذي هو العثماني والوهابي، ويداهنهما.
أما الوهابي فلخوفه منه وعدم قدرته عليه، فيظهر له الموافقة والامتثال، وأنه معه على العهود التي عاهده عليها من ترك الظلم واجتناب البدع ونحو ذلك.
ويحيل باطنا للعثمانيين لكونه على طريقتهم ومذاهبهم. وتعاقد مع الباشا أنه متى وصلت عساكره قام بنصرتهم، وساعدهم بكليته وجميع همته، وأرسل إلى المراكب الكائنة بمرساة الينبع بأن ينقلوا ما فيها من مال التجار وغيرهم، ويدعوا قلعة الينبع تحت يد وزيره، وترك معه نحو الخمسمائة من عسكره، وأخذ المراكب فأوسقها من بضائعه وبهاره وبنه، وأرسلها إلى السويس لتباع بمصر، ثم توسق بمهمات العسكر البحرية.
فلما وصلت مراكب العسكر البحرية وألقت مراسيها قبالة الينبع احتاجوا إلى الماء، فلم يسعفوهم بالماء، فطلع طائفة من العسكر إلى البر في طلب عين الماء، فمانعهم من عندها مُرَابط. فقاتلوهم وطردوهم ومنعوهم عن الماء، وفي حال رجوعهم رموا عليهم من القلعة المدفع والرصاص، والحال أن الأمر مبهم على الفريقين؛ فعند ذلك استعدت العساكر لمحاربة من بالقلعة واحتاطوا بها، وضربوا عليها القنابر والمدافع، ورَكَّبُوا على سورها سلالم وصَعَدُوا عليها، وتسلقوا على سور القلعة من غير مبالاة بالرصاص النازل عليهم من الكائنين بالقلعة؛ فملكوا القلعة وقتلوا من كان بها؛ ولم ينج منهم إلا الوزير([38]) ومعه ستة أنفار خرجوا هاربين على الخيول.
ونهبوا([39]) كل ما كان بالينبع من الودائع والأموال والأقمشة والبن، وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر، أخذوهن أسرى ويبيعوهن على بعضهم البعض([40]).
ووصل المبشرون بذلك في عشرينه، فضربوا لذلك مدافع من القلعة كثيرة، وعملوا شنكا([41])، وطاف المبشرون على بيوت الأعيان ليأخذوا منهم البقاشيش، وأرسلوا بتلك البشارة شخصا معينا كبيرا إلى إسلامبول يبشرون أهل الدولة وسلطان الإسلام. وكان ذلك أول فتح حصل([42]).
[شوال 16 منه/ 3 نوفمبر 1800م]: وصلت هجانة ومكاتبات من عساكر البر يخبرون بوصولهم إلى بندر المويلح([43]) في اليوم السابع من الشهر. وكان العيد عندهم بمغاير شعيب يوم السبت([44]).
[19 من ذي القعدة/ 5 ديسمبر 1811م]: وفي يوم الخميس تاسع عشره وصلت هجانة على أيديهم مكاتبات خطابا إلى الباشا وغيره. وفيهم الخبر بأن العسكر البري اجتمع مع العسكر البحري، وأخذوا ينبع البر من غير حرب، وأن العربان أتت إليهم أفواجًا، وقابلوا طوسون باشا، وكساهم وخلع عليهم ثم انقطعت الأخبار([45])([46]).
الالتحام بين الجيشين في ينبع البر:
[ذو الحجة 15 منه/ 31 ديسمبر 1811م]: وفي منتصفه وصلت هجانة ومعهم رؤوس قتلى ومكاتبات مؤرخة في منتصف شهر ذي القعدة.. مضمونها: أنهم وصلوا إلى ينبع البر في حادي عشرين شوال، واجتمع هناك العسكران البري والبحري، وأنهم ملكوا قرية ابن جبارة من الوهابية -وتسمى: قرية السويق- وفر ابن جبارة هاربًا. وحضرت عربان كثيرة، وقابلوا ابن الباشا، وأنهم مقيمون وقت تاريخه في منزله الينبع، منتظرين وصول الذخيرة، وعاق المراكب ريح الشتاء المخالف، وأنه ورد عليهم خبر ليلة أربع عشرة شهره بأن جماعة من كبار الوهابية حضروا بنحو سبعة آلاف خيال، وفيهم عبد الله بن سعود وعثمان المضايفي، ومعهم مشاة، وقصدوا أن يدهموا العرضي على حين غفلة. فخرج إليهم شديد شيخ الحويطات ومعه طوائفه ودلاة وعساكر، فوافاهم قبل شروق الشمس، ووقع بينهم القتال، والوهابية تقول: هاه يا مشركون؛ وانجلت الحرب عن هزيمة الوهابية، وغنموا منهم نحو سبعين هجينًا من الهجن الجياد محملة أدوات. وكانت الحرب بينهم مقدار ساعتين؛ هذا ملخص ما ذكروه في الأجوبة التي حضرت([47])([48]).
[25 منه/ 10 يناير 1812م]: وفي يوم الجمعة خامس عشرينه وصلت قافلة من السويس، وحضر فيها جاويش باشا وصحبته مكاتبات، وحضر أيضا السيد أحمد الطحطاوي والشيخ الحنبلي، وأخبروا أن العرضي ارتحل من ينبع البر في سابع عشر ذي القعدة، ووصلوا إلى منزلة الصفراء والجديدة، ونصبوا عرضيهم وخيامهم ووطاقاتهم([49]) بالقرب من الجبال؛ فوجدوا هناك متاريس وأحجارًا، فحاربوا على أول متراس حتى أخذوه، ثم أخذوا متراسًا آخرًا. وصعدت العساكر إلى قلل الجبال، فهالهم كثرة الجيش، وسارت الخيالة في مضيق الجبال.
هذا والحرب قائمة في أعلى الجبال يومًا وليلة، إلى بعد الظهيرة من يوم الأربعاء ثالث القعدة، فما يشعر السفلانيون إلا والعساكر الذين في الأعالي هابطون منهزمون. فانهزموا جميعًا وولوا الأدبار، وتركوا خيامهم وأحمالهم وأثقالهم، وطفقوا ينهبون ويخطفون ما خف عليهم من أمتعة رؤسائهم، فكان القوي منهم يأخذ متاع رفيقه الضعيف، ويأخذ دابته ويركبها، وربما قتله وأخذ دابته.
وساروا طالبين الوصول إلى السفائن بساحل البريكة([50])؛ لأنهم كانوا أعدوا عدة المراكب بساحل البريكة من باب الاحتياط، ووقع في قلوبهم الرعب، واعتقدوا أن القوم في أثرهم، والحال أنه لم يتبعهم أحد؛ لأنهم لا يذهبون خلف المدبر([51])، ولو تبعوهم ما بقي منهم شخص واحد. فكانوا يصرخون على القطائر، فتأتي إليهن القطيرة وهي لا تسع إلا القليل، فيتكاثرون ويتزاحمون على النزول فيها؛ فيصعد منهم الجماعة، ويمنعون البواقي من إخوانهم؛ فإن لم يمتنعوا مانعوهم بالبنادق والرصاص؛ وحتى كانوا من شدة حرصهم وخوفهم واستعجالهم على النزول في القطاير يخوضون في البحر إلى رقابهم، وكأنما العفاريت في أثرهم تريد خطفهم، وكثير من العسكر والخدم لما شاهدوا الازدحام على (أسكلة)([52]) البريكة ذهبوا مشاة إلى ينبع البحر، ووقع التشتيت في الدواب والأحمال والخلائق من الخدم وغيرهم، ورجع طوسون باشا إلى ينبع البحر بعد أن تغيب يومًا عن معسكره، حتى إنهم ظنوا فقده، ورجع أيضًا المحروقي وديوان أفندي، واستقروا بالينبع. وترك المحروقي خيامه بما فيها، فنزل بها طائفة من العسكر المنهزمين، وهم على جهد من التعب والجوع، فوجدوا بها المآكل والحلاوات وأنواع الملبسات والكعك المصنوع بالعجمية والسكر المكرر والغريبات والخشكنانات والمربيات وأنواع الشرابات، فوقعوا عليها أكلًا ونهبًا؛ ولما تحققوا أن العرب لم تتبعهم ولم تأت في أثرهم قاموا على ذلك يومين حتى استوفوا أغراضهم وشبعت بطونهم وارتاحت أبدانهم. ثم لحقوا بإخوانهم؛ فكانوا هم أثبت القوم وأعقلهم، ولو كان على غير قصد منهم فكان مدة إقامة المعسكر والعرضي بينبع البر أربعة وعشرين يومًا.
وأما الخيالة فإنهم اجتمعوا وساروا راجعين إلى المويلح، وقد أجهدهم التعب وعدم الذخيرة والعليق، حتى حكوا أنهم كانوا قبل الواقعة يعلقون على الجمل بنصف قدح قمح مسوس، وكانت علائقهم في كل يوم أربعمائة وخمسين إردبًّا؛ وأما المحروقي فإن كبار العسكر قامت عليه وأسمعوه الكلام القبيح، وكادوا يقتلونه، فنزل في سفينة وخلص منهم وحضر من ناحية القصير، وحضر الكثير من أتباعه وخدمه متفرقين إلى مصر؛ فأما الذين ذهبوا إلى المويلح فهم: تامر كاشف، وحسين بك والي باشا، وآخرون، فأقاموا هناك في انتظار إذن الباشا في رجوعهم إلى مصر أو عدم رجوعهم؛ وأما صالح آغا قوج فإنه عندما نزل السفينة كر راجعا إلى القصير، واستقل برأيه؛ لأنه يرى في نفسه العظمة وأنه الأحق بالرياسة، ويسفه رأي المحروقي وطوسون باشا، ويقول: هؤلاء الصغار كيف يصلحون لتدبير الحروب، ويصرح بمثل هذا الكلام وأزيد منه، وكان هو أول منهزم، وعلم كل ذلك الباشا بمكاتبات ولده طوسون، فحقده في نفسه، وتمم ذلك بسرعة رجوعه إلى القصير، ولم ينتظر إذنًا في الرجوع أو المكث([53]).
ولما حصل ذلك لم يتزلزل الباشا، واستمر على همته في تجهيزه عساكر أخرى. وبرزوا إلى خارج البلدة، وفرض على البلاد جمالا، ذكر أنها من أصل الغرائم والفرض في المستقبل. وكذلك فرض غلالا، فكان المفروض على إقليم الشرقية خاصة اثني عشر ألف إردب بعناية علي كاشف -قابله الله بما يستحق-. وانقضت السنة بحوادثها التي منها هذه الحادثة، وأظنها طويلة الذيل([54]).
الاختلاف في أسباب هزيمة جيش محمد علي باشا:
[سنة 1227هــ المحرم 10 منه/ 25 يناير 1812م]: وصل كثير من كبار العسكر الذين تخلفوا بالمويلح. فحضر منهم حسين بك دالي باشا وغيره، فوصلوا إلى قبة النصر جهة العادلية، ودخلت عساكرهم المدينة شيئًا فشيئًا.. وهم في أسوأ حال من الجوع وتغير الألوان وكآبة المنظر والسحن، ودوابهم وجمالهم في غاية العي.
ويدخلون إلى المدينة في كل يوم ثم دخل أكابرهم إلى بيوتهم.
وقد سخط عليهم الباشا، ومنع أن لا يأتيه منهم أحد ولا يراه. وكأنهم كانوا قادرين على النصرة والغلبة وفرطوا في ذلك. ويلومهم على الانهزام والرجوع([55]).
وطفقوا يتهم بعضهم البعض في الانهزام، فتقول الخيالة: سبب هزيمتنا القرابة، وتقول القرابة بالعكس. ولقد قال لي بعض أكابرهم من الذين يَدَّعُون الصلاح والتورع: أين لنا النصر وأكثر عساكرنا على غير الملة، وفيهم من لا يتدين بدين، ولا ينتحل مذهبا، وصحبتنا صناديق المسكرات، ولا يسمع في عرضينا آذان ولا تقام به فريضة، لا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين، والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون، وينتظمون صفوفًا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائم أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف، فتتقدم طائفة الحرب وتتأخر الأخرى للصلاة؛ وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلًا عن رؤيته. وينادون في معسكرهم: هلموا إلى حرب المشركين، المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط، الشاربين الخمور، التاركين الصلاة، الآكلين الربا، القاتلين الأنفس، المستحلين المحرمات، وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر، فوجدوهم غلفًا غير مختونين. ولما وصولوا بدرا، واستولوا عليها وعلى القرى والخيوف -وبها خيار الناس وبها أهل العلم الصلحاء- نهبوهم، وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم؛ فكانوا يفعلون فيهم ويبيعونهم من بعضهم لبعض ويقولون: هؤلاء الكفار الخوارج؛ حتى اتفق أن بعض أهالي بدر الصلحاء طلب من بعض العسكر زوجته فقال له: حتى تبيت معي هذه الليلة وأعطيها لك من الغد([56]).
[10 محرم 1227هـ/ 25 يناير 1812م] وفيه: خرج العسكر المجرد إلى السويس وكبيرهم بونابرته الخازندار؛ ليذهب لمحافظة الينبع صحبة طوسون باشا([57]).
[صفر 7 منه/ 21 فبراير 1812م]: حضر السيد محمد المحروقي إلى مصر، ووصل من طريق القصير، ثم ركب بحر النيل. ولم يحضر الشيخ المهدي، بل تخلف عنه بقنا وقوص لبعض أغراضه.
وفيه: ألبس الباشا صالح آغا السلحدار خلعة، وجعله سر عسكر التجريدة المتوجهة على طريق البر إلى الحجاز. وكذلك ألبس باقي الكشاف([58])([59]).
لقاء الإمام سعود بملك المغرب:
[ربيع الآخر 4 منه/ 17 إبريل 1812م]: وصل الحجاج المغاربة، ووصل أيضًا مولاي إبراهيم ابن السلطان سليمان سلطان المغرب. وسبب تأخرهم إلى هذا الوقت أنهم أتوا من طريق الشام، وهلك كثير من فقرائهم المشاة. وأخبروا أنهم قضوا مناسكهم وحجوا، وزاروا المدينة وأكرمهم الوهابية إكرامًا زائدًا، وذهبوا ورجعوا من غير طريق العسكر([60])([61]).
[10 ربيع الآخر/ 23 إبريل 1812م]: حضر تامر كاشف ومحو بك وعبد الله آغا -وهم الذين كانوا حضروا إلى المويلح بعد الهزيمة- فأقاموا به مدة، ثم ذهبوا إلى ينبع البحر عند طوسون باشا، ثم حضروا في هذه الأيام باستدعاء الباشا، وكان محو بك في مراكب من مراكب الباشا الكبار التي أنشأها فانكسر على شعب، وهلك من عسكره أشخاص ونجا هو بمن بقي معه. وأخبروا عنه أنه كان أول من تقدم في البحر هو وحسين بك، فقتل من عسكرهما الكثير من دون البقية الذين استعجلوا الفرار([62]).
[أواخر ربيع الآخر/ حوالي منتصف مايو 1812م]: سافر عدة من عسكر المغاربة إلى الينبع. ووصل جملة كبيرة من عسكر الأروام إلى الإسكندرية. فصرف عليهم الباشا علائف، وحضروا إلى مصر، وانتظموا في سلك من بها، ويعين للسفر منهم من يعين([63])([64]).
عسكر الأتراك وعادة خطف النساء والأطفال:
[أوائل جمادى الآخرة 1227هـ]: وفي هذا الشهر وما قبله وردت عساكر كثيرة من الأتراك، وعُينوا للسفر، وخرجوا إلى مخيم العرضي خارج بابي النصر والفتوح، فكانوا يخرجون مساء، ويدخلون في الصباح، ويقع منهم ما يقع من أخذ الدواب وخطف بعض النساء والأولاد كعادتهم([65])([66]).
[جمادى الآخرة غايته / 10 يوليه 1812م]: وفي يوم الخميس غايته وصل صالح قوج بك وسليمان آغا من ناحية الينبع على طريق القصير من الجهة القبلية، وذهبوا إلى دورهم([67]).
مناقشة أسباب الهزيمة:
[3 رجب/ 13 يوليه 1812م]: طلع الجماعة الواصلون إلى القلعة، وسلموا على الباشا.. وخاطره منحرف منهم ومتكور عليهم؛ لأنه طلبهم للحضور مجردين بدون عساكرهم ليتشاور معهم، فحضروا بجملة عساكرهم. وقد كان ثبت عنده أنهم هم الذين كانوا سببًا للهزيمة؛ لمخالفتهم على ابنه، واضطراب رأيهم وتقصيرهم في نفقات العسكر، ومبادرتهم للهرب والهزيمة عند اللقاء، ونزولهم بخاصتهم إلى المراكب، وما حصل بينهم وبين ابنه طوسون باشا من المكاتبات. فلم يزالوا مقيمين في بيوتهم ببولاق ومصر.. والأمر بينهم وبين الباشا على السكوت نحو العشرين يوما، وأمرهم في ارتجاج واضطراب، وعساكرهم مجتمعة حولهم. ثم إن الباشا أمر بقطع خرجهم وعلائفهم فعند ذلك تحققوا منه المقاطعة([68]).
[24 رجب/ 3 أغسطس 1812م]: أرسل إليهم علائفهم المنكسرة -وقدرها ألف وثمانمائة كيس جميعها ريالات فرانسة- وأمر بحملها على الجمال، ووجه إليهم بالسفر. فشرعوا في بيع بلادهم وتعلقاتهم، وضاق ذرعهم وتكدر طبعهم إلى الغاية، وعسر عليهم مفارقة أرض مصر وما صاروا فيه من التنعم والرفاهية والسيادة والإمارة، والتصرف في الأحكام والمساكن العظيمة، والزوجات والسراري والخدم والعبيد والجواري، فإن الأقل منهم له البيتان والثلاثة من بيوت الأمراء ونساؤهم اللاتي قتلت أزواجهن على أيديهم. وظنوا أن البلاد صفت لهم.. حتى إن النساء المترفهات ذوات البيوت والإيرادات والالتزامات صرن يعرضن أنفسهن عليهم ليحتمين فيهم، بعد أن كن يعفنهم ويأنفن من ذكرهم.. فضلا عن قربهم([69]).
[شعبان 20 منه/ 29 أغسطس 1812م]: برزت خيام الباشا إلى خارج باب النصر، وعزم على الخروج والسفر بنفسه إلى الحجاز. وقد اطمأن خاطره عندما سافر الجماعة المذكورون؛ لأنه لما قطع خرجهم ورواتبهم وأمرهم بالسفر جمعوا عساكرهم إليهم وخيولهم، وأخذوا الدور والبيوت ببولاق وسكنوها، وصارت لهم صورة هائلة وكثرت القالة، وتخوّف الباشا منهم وتحذّر، ونبه على خاصته وسفاشيته وغيرهم بالملازمة والمبيت بالقلعة وغير ذلك([70])([71]).
[21 شعبان/ 30 أغسطس 1812م]: اجتمعت العساكر، وانجر المركب من باكر النهار، فكان أولهم طوائف الدلاة ثم العساكر وأكابرهم، وحسن باشا وأخوه عابدين بك، وهو ماشي على أقدامه في طوائفه أمام الباشا، ثم الباشا وكتخدا بك وأعوانهم الصقلية وطوائفهم، وخلفهم (الطبلخانات)، وعند ركوبه من القلعة ضربوا عدة مدافع. فكان مدة مرورهم نحو خمس ساعات. وجروا أمام الموكب ثمانية عشر مدفعا وثلاث قنابر([72])([73]).
استيلاء الأتراك على عقبة الصفراء:
[رمضان 24 منه/ أول أكتوبر 1812م]: وردت هجانة مبشرون باستيلاء الأتراك على عقبة الصفراء([74]) والجديدة من غير حرب، بل بالمخادعة والمصالحة مع العرب، وتدبير شريف مكة، ولم يجدوا بها أحدا من الوهابيين، فعندما وصلت هذه البشارة ضربوا مدافع كثيرة تلك الليلة من القلعة، وظهر فيهم الفرح والسرور([75])([76]).
ندرة الحصول على المياه العذبة وشح الطعام وارتفاع الأسعار:
[شوال 23 منه/ 30 أكتوبر 1812م]: سافر مصطفى بك والي باشا بجميع الدلاة وغيرهم من العسكر إلى الحجاز.
وحصل للناس في هذا الشهر عدة كربات، منها -وهو أعظمها- عدم وجود الماء العذب، وذلك في وقت النيل وجريان الخليج من وسط المدينة، حتى كاد الناس يموتون عطشا؛ وذلك بسبب أخذهم الحمير للسخرة، والرجال لخدمة العسكر المسافرين، وغلو ثمن القرب التي تشترى لنقل الماء، فإن الباشا أخذ جميع القرب الموجودة بالوكالة عند الخليلية، وما كان بغيرها أيضا؛ حتى أرسل إلى القدس والخليل فأحضر جميع ما كان بهما؛ وبلغت الغاية في غلو الأثمان حتى بيعت القربة الواحدة التي كان ثمنها مائة وخمسين نصفا بألف وخمسمائة نصف، يأخذون أيضا الجمال التي تنقل الماء بالروايا إلى الأسبلة والصهاريج وغيرهما من الخليج، فامتنع الجمع عن السراح والخروج، واحتاج العسكر أيضا إلى الماء، فوقفوا بالطرق يرصدون مرور السقائين وغيرهم من الفقراء والذين ينقلون الماء بالبلاليص والجرار على رؤوسهم، فيوجد على كل موردة من الموارد عدة من العسكر وهم واقفون بالأسلحة ينتظرون من يستقي من السقائين أو غيرهم؛ فكان الخدم والنساء والفقراء والبنات والصبيان ينقلون بطول النهار والليل بالأوعية الكبيرة والصغيرة على رؤوسهم بمقدار ما يكفيهم للشرب، وبيعت القربة الواحدة بخمسة عشر نصف فضة وأكثر.
وشح وجود اللحم وغلا في الثمن، زيادة على سعره المستمر، حتى بيع بثمانية عشر نصف فضة كل رطل، هذا إن وجد، والجاموسي الجفيط بأربعة عشر.
وطلبوا للسفر طائفة من القبانية ومن الخبازين ومن أرباب الصنائع والحرف، وشددوا عليهم الطلب في أواخر الشهر، فتغيبوا وهربوا، فسمرت بيوتهم وحوانيتهم، وكذلك الخبازون والفرانون بالطوابين والأفران، حتى عدم الخبز من الأسواق، ولم يجد أصحاب البيوت فرنا يخبزون فيه عجينهم، فمن الناس القادرين على الوقود من يخبز عجينه في داره، أو عند جاره الذي يكون عنده فرن، أو عند بعض الفرانين الذي تكون فرنه بداخل عطفة مستورة خفية، أو ليلا؛ من الخوف من العسس، والمرصدين لهم.
وكذلك عدم وجود التبن بسبب رصد العسكر في الطرق؛ لأخذ ما يأتي به الفلاحون من الأرياف، فيخطفونه قبل وصوله إلى المدينة.
وحصل بسبب هذه الأحوال المذكورة شبكات ومشاجرات وضرب وقتل وتجريح أبدان، ولولا خوف العسكر من الباشا وشدته عليهم -حتى بالقتل إذا وصلت الشكوى إليه- لحصل أكثر من ذلك([77]).
وصول جيش الأتراك المدينة والاستيلاء عليها والاحتفال بذلك:
[ذو القعدة 15 منه/ 20 نوفمبر 1812م]: وصل مبشرون من ناحية الحجاز وهم أتراك على الهجن والخبر عنهم أن عساكرهم وصلوا إلى المدينة المنورة ونزلوا بفنائها([78]).
[10 ذو الحجة/ 15 ديسمبر 1812م]: وردت هجانة من ناحية الحجاز، وعلى يدهم البشائر بالاستيلاء على قلعة المدينة المنورة ونزول المتولي بها على حكمهم، وأن القاصد الذي أتت بشائره وصل إلى السويس وصحبته مفاتيح المدينة. فحصل للباشا بذلك سرور عظيم، وضربوا مدافع وشنكا بعد مدافع العيد، وانتشر المبشرون على بيوت الأعيان لأجل أخد البقاشيش([79])([80]).
[11 ذو الحجة/ 16 ديسمبر 1812م]: وصل القادمون إلى العادلية، فعملوا لقدومهم شنكا عظيما، وضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة، وخارج قبة العزب حيث العرضي المعد للسفر، وأيضا ضربوا بنادق كثيرة متتابعة من جميع الجهات، حتى من أسطحة البيوت الساكنين بها، واستمر ذلك أكثر من ساعتين فلكيتين؛ فكان شيئا مهولا مزعجا. وأشيع في الناس دخول الواصلين في موكب واختلفت رواياتهم.
وخرج الباشا إلى ناحية العادلية، فاصطف الناس على مساطب الدكاكين والسقائف للفرجة؛ فلما كان قريب الغروب دخل طائفة من العسكر، وصحبتهم بعض أشخاص راكبين على الهجن وفي يد أحدهم كيس أخضر، وبيد الآخر كيس أحمر، بداخلهما المكاتبات والمفاتيح؛ وعاد الباشا من ليلته وصعد إلى القلعة. هذا والمدافع والشنك يعمل في كل وقت من الأوقات الخمسة وفي الليل([81]).
[12 ذو الحجة/ 17 ديسمبر 1812م]: شق الآغا والوالي وآغات التبديل وأمامهم المناداة على الناس بتزيين الأسواق وما فيها من الحوانيت والدور ووقود قناديل وتعاليق، ويسهرون ثلاث ليالي بأيامها؛ أولها يوم الخميس وآخرها يوم السبت الذي هو خامس عشر؛ وأخرجوا وطاقات وخياما إلى خارج بابي النصر والفتوح.
وخرج الباشا في ثاني يوم إلى ناحية العادلية -وهو ليلة يوم الزينة- وعملوا حراقات ونفوطا وسواريخ ومدافع من كل ناحية مدة أيام الزينة.
وكتبت البشائر إلى جميع النواحي، وأنعم الباشا بأمريات ومناصب على عشرين شخصا من خواصه، وعين لطيف بك آغات المفتاح للتوجه إلى دار السلطنة بالبشائر والمفاتيح صحبته، وسافر في صبح يوم الزينة على طريق البر، وتعين خلافه أيضا للسفر بالبشائر إلى البلاد الرومية والشامية والأساكل الإسلامية؛ مثل بلاد الأناضول والرومنلي، ورودس وسلانيك، وأزمير وكريت وغيرها([82]).
استيلاء جيش الأتراك على جدة ومكة من غير حرب:
[سنة 1228هــ صفر منه/ 9 فبراير 1813م]: وردت بشائر من البلاد الحجازية باستيلاء العساكر على جدة ومكة من غير حرب. وذلك أنه لما انهزمت الأتراك في العام الماضي ورجعوا على الصورة التي رجعوا عليها مشتتين ومتفرقين، وفيهم من حضر من طريق السويس، ومنهم من أتى من البر، ومنهم من حضر من ناحية القصير، ونفى الباشا من استعجل بالهزيمة والرجوع من غير أمره ويخشى صولته، ويرى في نفسه أنه أحق بالرياسة منه -مثل صالح قوج، وسليمان، وحجو- وأخرجهم من مصر، واستراح منهم، ثم قتل أحمد آغا لاظ؛ جدد ترتيبا آخر.
وعرفه كبراء العرب الذين استمالهم واندرجوا معه وشيخ الحويطات أن الذي حصل لهم إنما هو من العرب الموهبين -وهم عرب حرب- والصفراء([83])، وأنهم مجهودون، والوهابية لا يعطونهم شيئا، ويقولون لهم: قاتلوا عن دينكم وبلادكم؛ فإذا بذلتم لهم الأموال وأغدقتم عليهم بالأنعام والعطاء ارتدوا ورجعوا وصاروا معكم وملكوكم البلاد([84]).
فاجتهد الباشا في جمع الأموال بأي وجه كان، واستأنف الطلب ورتب الأمور، وأشاع الخروج بنفسه ونصب العرضي خارج باب النصر، وذلك في شهر شعبان. وخرج بالموكب كما تقدم وجلس بالصيوان.
وقرر للسفر في المقدمة بونابرته الخازندار، وأعطاه صناديق الأموال والكساوي، ورافق معه عابدين بك ومن يصحبهما، وواظب على الخروج إلى العرضي والرجوع تارة إلى القلعة، وتارة إلى الأزبكية والجيزة وقصر شبرا، ويعمل الرماحة والميدان يومي الخميس والاثنين، والمصاف على طرائق حرب الإفرنج.
وسافر بونابرته في أواخر شعبان واستمر العرضي منصوبا، والطلب كذلك مطلوبا، والعساكر واردة من بلادها على طريق الإسكندرية ودمياط، ويخرج الكثير إلى العرضي، ويستمرون على الدخول إلى المدينة في الصباح لقضاء أشغالهم، والرجوع أخريات النهار، مع تعدي أذاهم للباعة والحمارة وغيرهم.
ولما غدر الباشا بأحمد آغا لاظ وقتله في أواخر رمضان، ولم يبق أحد ممن يخشى سطوته، وسافر عابدين بك في شوال وارتحل بعده بنحو شهر مصطفى بك والي باشا، وصحبته عدة وافرة من العسكر، ثم سافر أيضا يحيى آغا ومعه نحو الخمسمائة وهكذا؛ كل قليل ترحل طائفة بعد أخرى، والعرضي كما هو، وميدان الرماحة كذلك.
ولما وصل بونابرته إلى ينبع البر أخذوا في تأليف العربان واستمالتهم، وذهب إليهم ابن شديد الحويطي([85]) ومن معه، وتقابلوا مع شيخ حرب، ولم يزالوا به حتى وافقهم. وحضروا به إلى بونابرته، فأكرمه وخلع عليه الخلع، وكذلك على من حضر من أكابر العربان، فألبسهم الكساوي والفراوي السمور والشالات الكشميري؛ ففرق عليهم من الكشمير ملء أربع سحاحير، وصب عليهم الأموال، وأعطى لشيخ حرب مائة ألف فرانسة عين. وحضر باقي المشايخ، فخلع عليهم وفرق فيهم، فخص شيخ حرب بمفرده ثمانية عشرة ألف فرانسة، ثم رتب لهم علائف تصرف لهم في كل شهر: لكل شخص خمسة فرانسة، وغرارة بقسماط، وغرارة عدس. فعند ذلك ملكوهم الأرض والذي كان متأمرا بالمدينة من جنسهم استمالوه أيضا، وسلم لهم المدينة. وكل ذلك بمخامرة الشريف غالب أمير مكة وتدبيره وإشاراته، فلما تم ذلك أظهر الشريف غالب أمره، وملكهم مكة والمدينة؛ وكان ابن سعود الوهابي حضر في الموسم وحج، ثم ارتحل إلى الطائف، وبعد رحيله فعل الشريف غالب فعله وسيلقى جزاءه.
ولما وصلت البشائر بذلك في يوم الثلاثاء سابعه ضربوا مدافع كثيرة، ونودي في صبح ذلك بزينة المدينة ومصر وبولاق، فزينوا خمسة أيام: أولها الأربعاء وآخرها الأحد. وقاسى الناس في ليالي هذه الأيام العذاب الأليم من شدة البرد والصقيع وسهر الليل الطويل. وكان ذلك في قوة فصل الشتاء، وكل صاحب حانوت جالس فيها، وبين يديه مجمرة نار يتدفأ، ويصطلي بحرارتها وهو ملتف بالعباءة والأكسية الصوف أو اللحاف؛ وخرج الباشا من ليلة الأربعاء المذكور، ونصبت الخيام وخرجت الجمال المحملة باللوازم من الفرش والأواني وأزيار الماء والبارود لعمل الشنانك والحرائق. وفي كل يوم يعمل مرماح وشنك عظيم مهول بالمدافع وبنادق الرصاص المتواصلة من غير فاصل، مثل الرعود والطبول، من طلوع الشمس إلى قريب الظهر. وفي أول يوم من أيام الرمي أصيب إبراهيم بك ابن الباشا برصاصة في كتفه؛ أصابت شخصا من السواس ونفذت منه إليه وهي باردة، فتعلل بسببها، وخرج بعد يومين في عربة إلى العرضي ثم رجع.
ولما كان يوم الأحد وقت الزوال ركب الباشا وطلع إلى القلعة، وقلعوا خيام الشنك، وحملوا الجمال، ودخلت طوائف العسكر، وأذن للناس بقلع الزينة ونزول التعاليق؛ وكان الناس قد عمروا القناديل، وأشاعوا أنها سبعة أيام، فلما حصل الإذن بالرفع فكأنما نشطوا من عقال، وخلصوا من السجون لما قاسوه من البرد والسهر وتعطيل الأشغال وكساد الصنائع والتكليف بما لا طاقة لهم به، وفيهم من لا يملك قوت عياله، أو تعمير سراجه. فيكلف مع ذلك هذه التكاليف.
وكتب الباشا بالبشائر إلى دار السلطنة وأرسلها صحبة أمين جاويش. وكذلك إلى جميع النواحي وأنعم بالمناصب على خواصه([86]).
استيلاء جيش الأتراك على الطائف:
[22 صفر/ 24 فبراير 1813م]: وردت بشائر بتملكهم الطائف، وهروب المضايفي منها، فعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها ثلاثة أيام في كل وقت آذان. وشرع الباشا في تشهيل ولده إسماعيل باشا بالبشارة ليسافر إلى إسلامبول. وتاريخ تملكها في سادس عشرين المحرم 29 يناير/ 1813([87]).
الاحتفال بتحرير الحرمين من الوهابية:
[25 ربيع الأول/ 28 مارس 1813م]: حضر لطيف آغا راجعا من إسلامبول، وكان قد توجه ببشارة فتح الحرمين، وأخبروا أنه لما وصل إلى قرب دار السلطنة خرج لملاقاته الأعيان، وعند دخوله إلى البلدة عملوا له موكبا عظيما، مشى فيه أعيان الدولة وأكبرها وصحبته عدة مفاتيح، زعموا أنها مفاتيح مكة وجدة والمدينة، وصفوها على صفائح الذهب والفضة، وأمامها البخورات من مجامر الذهب والفضة والعطر والطيب وخلفهم الطبول والزمور، وعملوا لذلك شنكا ومدافع، وأنعم عليه السلطان وأعطاه خلعا وهدايا، وكذلك أكابر الدولة، وأنعم عليه الخنكار([88]) بطوخَين([89])، وصار يقال له: لطيف باشا.
وفيه: وردت الأخبار بقدوم قهوجي باشا، ومعه خلع وأطواق للباشا وعدة أطواخ بولايات لمن يختار تقليده. فاحتفل الباشا به عندما وصلته أخباره وأرسل إلى أمراء الثغور بالإسكندرية ودمياط بالاعتناء بملاقاته عند وروده على ثغر منها([90]).
وصول الجيش إلى مصر:
[7 جمادى الأولى/ 8 مايو 1813م] فيه: وصل إلى مصر عدة كبيرة من العساكر الرومية على طريق دمياط، ونصبوا لهم وطاقا خارج باب النصر، وخرج فيهم نحو الخمسمائة نفر، أرباب صنائع: بنائين ونجارين وخراطين، فأنزلوهم بوكالة بخط الخليفة([91]).
الدعاء للسلطان والاحتفال بتحرير الحرمين:
[25 جمادى الآخرة/ 25 يونيه 1813م] فيه: وصل من الديار الرومية واصل، وعلى يده مرسوم، فقرئ بالمحكمة في يوم الأحد ثامن عشرينه، بحضرة كتخدا بك والقاضي والمشايخ وأكابر الدولة والجم الغفير من الناس، ومضمونه: الأمر للخطباء في المساجد يوم الجمعة على المنابر بأن يقولوا عند الدعاء للسلطان، فيقولوا: السلطان ابن السلطان -بتكرير لفظ السلطان ثلاث مرات- محمود خان، ابن السلطان عبد الحميد خان، ابن السلطان أحمد خان الغازي، خادم الحرمين الشريفين؛ لأنه استحق أن ينعت بهذه النعوت لكون عساكره افتتحت بلاد الحرمين وغزت الخوارج، وأخرجتهم منها؛ لأن المفتي أفتاهم بأنهم كفار؛ لتكفيرهم المسلمين ويجعلونهم مشركين، ولخروجهم على السلطان وقتلهم الأنفس، وإن من قاتلهم مغازيًا ومجاهدًا، وشهيدًا إذا قتل([92]). ولما انقضى المجلس ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة وعملوا شنكا.
واستمر ضربهم المدافع عند كل أذان عشرة أيام، وذلك ونحوه من الخور([93])([94]).
[15 رجب/ 14 يوليه 1813م]: حضر بونابرته الخازندار من الديار الحجازية على طريق القصير([95]).
[في أواخر رجب/ أواخر يوليه 1813م]: سافر قهوجي باشا الذي تقدم ذكر حضوره بالخلع والشلنجات والخناجر بعدما أعطى خدمته مبلغًا من الأكياس، وأصحب معه الباشا هدية عظيمة لصاحب الدولة وأكابرها، وقدره من الذهب العين أربعون ألف دينار، ومن النصفيات -يعني نصف الدينار- ستون ألفًا، ومن فروق البن خمسمائة فرق، ومن السكر المكرر مرتين مائة قنطار، ومن المكرر مرة واحدة مائتي قنطار، ومائتا قدر صيني، الذي يقال له: (أسكي معدن) مملوء بالمربيات وأنواع الشربات الممسك المطيب المختلف الأنواع، ومن الخيول خمسون جوادًا مرختة بالجوهر والنمدكش واللؤلؤ والمرجان، وخمسون حصانا، من غير رخوت وأقمشة هندية كشميري ومقصبات وشاهي ومهترخان في عدة تعابي بقج وبخور عود وعنبر وأشياء أخرى([96])([97]).
[27 رمضان/ 23 سبتمبر 1813م]: ثم إن الباشا شرع في الاهتمام إلى سفر الحجاز وتشهيل المطاليب واللوازم فمن جملة ذلك: أربعون صندوقًا من الصفيح المشمع داخلها بالشمع والمصطكى وبالخشب من خارج، وفوق الخشب جلود البقر المدبوغ ليودع بها ماء النيل المغلي لشربه وشرب خاصته، ومثلها في كل شهر؛ يتقيد بعمل ذلك وغيره السيد المحروقي ويرسله في كل شهر([98]).
رجوع كسوة الكعبة للعثمانيين:
[7 شوال/ 3 أكتوبر 1813م]: أداروا كسوة الكعبة، وكانت مصنوعة من نحو خمس سنوات، ومودوعة في مكان بالمشهد الحسيني، فأخرجوها في مستهل الشهر، وقد توسخت لطول المدة، فحلوها ومسحوها. وكان عليها اسم السلطان مصطفى([99])، فغيروه وكتبوا: السلطان محمود. فاجتمع الناس للفرجة عليها، وكان المباشر لها الريس حسن المحروقي، فركب في موكبها([100])([101]).
القبض على عثمان المضايفي:
[14 شوال/ 10 أكتوبر 1813م]: خرج محمد علي باشا مسافرًا إلى الحجاز، وكان خروجه وقت طلوع الفجر من يوم السبت المذكور إلى بركة الحج. وخرج الأعيان والمشايخ لوداعه بعد طلوع النهار، فأخذوا خاطره ورجعوا آخر النهار، وركب هو متوجهًا إلى السويس بعد مضي ثماني ساعات وربع من النهار، وبرزت الخيالة والسفاشية إلى خارج باب النصر ليذهبوا على طريق البر.
وقبل خروج الباشا بيومين قدمت هجانة مبشرون بالقبض على عثمان المضايفي بناحية الطائف، وكان قد جرد على الطائف فبرز إليه الشريف غالب وصحبته عساكر الأتراك والعربان، فحاربوه وحاربهم، فأصيب جواده فنزل إلى الأرض واختلط بالعسكر، فلم يعرفوه، فخرج من بينهم ومشى، وتباعد عنهم نحو أربع ساعات، فصادفه جماعة من جند الشريف، فقبضوا عليه وأصابته جراحة، وعندما سقط من بين قومه ارتفع الحرب فيما بين الفريقين أخريات النهار. ولما أحضروه إلى الشريف غالب جعل في رقبته الجنزير، والمضايفي هذا زوج أخت الشريف، وخرج عنه وانضمّ إلى الوهابيين، فكان أعظم أعوانهم؛ وهو الذي كان يحارب لهم ويقاتل، ويجمع قبائل العربان ويدعوهم عدة سنين ويوجّه السرايا على المخالفين، ونما أمره واشتهر لذلك ذكره في الأقطار، وهو الذي كان افتتح الطائف وحاربها وحاصرها، وقتل الرجال وسبى([102]) النساء وهدم قبة ابن عباس الغريبة الشكل والوصف. وكان هو المحارب للعسكر مع عربان حرب في العام الماضي بناحية الصفراء والجديدة، وهزمهم وشتت شملهم([103]).
ولما قبضوا عليه أحضروه إلى جدة، واستمر في الترسيم عند الشريف، ليأخذ بذلك وجاهة عند الأتراك الذي هو على ملتهم، ويتحقق لديهم نصحه لهم ومسالمته إياهم، وسيلقى قريبًا منهم جزاء فعله ووبال أمره كما سيتلى عليك بعضه بعد قليل([104]).
[15 ذو القعدة/ 9 نوفمبر 1813م]: وصل المضايفي عثمان صحبة المتسفرين معه إلى الريدانية آخر الليل، وأشيع ذلك، فلما طلعت الشمس ضربوا مدافع من القلعة إعلامًا وسرورًا بوصوله أسيرًا، وركب صالح بك السلحدار في عدة كبيرة وخرجوا لملاقاته وإحضاره، فلما واجهه صالح بك نزع من عنقه الحديد، وأركبه هجينا ودخل به إلى المدينة وأمامه الجاويشية والقواسة الأتراك، وبأيديهم العصي المفضضة وخلفه صالح بك وطوائفه، وطلعوا به إلى القلعة، وأدخله إلى مجلس كتخدا بك وصحبته حسن باشا وطاهر باشا وباقي أعيانهم، ونجيب أفندي قبي كتخدا الباشا ووكيله بباب الدولة، وكان متأخرًا عن السفر ينتظر قدوم المضايفي ليأخذه بصحبته إلى دار السلطنة، فلما دخل عليهم أجلسوه معهم فحدثوه ساعة، وهو يجيبهم من جنس كلامهم بأحسن خطاب وأفصح جواب، وفيه سكون وتؤدة في الخطاب، وظاهر عليه آثار الإمارة والحشمة والنجابة ومعرفة مواقع الكلام، حتى قال الجماعة بعضهم لبعض: يا أسفي على مثل هذا. إذا ذهب إلى إسلامبول يقتلونه، ولم يزل يتحدث معهم حصة، ثم أحضروا الطعام فواكلهم، ثم أخذه كتخدا بك إلى منزله، فأقام عنده مكرما ثلاثا، حتى تمم نجيب أفندي أشغاله فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق، وأنزلوه في السفينة مع نجيب أفندي، ووضعوا في عنقه الجنزير، وانحدروا طالبين الديار الرومية وذلك يوم الاثنين حادي عشرينه([105]).
[أواخره/ النصف الثاني من نوفمبر 1813م]: وصلت أخبار بأن سعودًا([106]) الوهابي أرسل قصادا من طرفه إلى ناحية جدة، فقابلوا طوسون باشا والشريف غالب، خلع عليهم وأخذهم إلى أبيه([107])، فخاطبهم وسألهم عما جاؤوا فيه، فقالوا: الأمير سعود الوهابي يطلب الإفراج عن المضايفي، ويفتديه بمائة ألف فرانسة، وكذلك يريد إجراء الصلح بينه وبينكم وكف القتال، فقال لهم: أنه سافر إلى الدولة، وأما الصلح فلا نأباه بشروط، وهو أن يدفع لنا كل ما صرفناه على العساكر، من أول ابتداء الحرب إلى وقت تاريخه، وأن يأتي بكل ما أخذه واستلمه من الجواهر والذخائر التي كانت بالحجرة الشريفة، وكذلك ثمن ما استهلك منها، وأن يأتي بعد ذلك ويتلاقى معي، وأتعاهد معه ويتم صلحنا بعد ذلك، وإن أبى ذلك ولم يأت فنحن ذاهبون إليه.
فقالوا له: (اكتب جوابا) فقال: لا أكتب جوابا؛ لأنه لم يرسل معكم جوابا، ولا كتابا.. وكما أرسلكم بمجرد كلام فعودوا إليه كذلك.
فلما أصبح الصباح وقت انصرافهم أمر باجتماع العساكر، فاجتمعوا ونصبوا ميدان الحرب والرمي المتتابع من البنادق والمدافع ليشاهد الرسل ذلك ويروه، ويخبروا عنه مرسلهم([108]).
[19 ذو الحجة/ 13 ديسمبر 1813م]: لما حصلت النصرة للعسكر، واستولوا على المدينة وأتوا بمفاتيح زعموا أنها مفاتيح المدينة([109]) تعين لطيف باشا (مملوك الباشا) بها للسفر للديار الرومية بالبشارة للدولة، وأرسلوا صحبته مضيان([110]) الذي كان متأمرا بالمدينة. ولما وصل إلى دار السلطنة ووصلت أخباره احتفل أهل الدولة بشأنه احتفالًا زائدًا، ونزلوا لملاقاته في المركب في مسافة بعيدة، ودخلوا إلى إسلامبول في موكب جليل وأبهة عظيمة إلى الغاية، وسعت أعيان الدولة وعظماؤها بين يديه مشاة وركبانا.
وكان يوم دخوله يوما مشهودا، وقتلوا مضيان المذكور في ذلك اليوم، وعلقوه على باب السراية، وعملوا شنانك ومدافع وأفراحا وولائم. وأنعم السلطان على لطيف المذكور وأعطاه أطواخا، وأرسل إليه أعيان الدولة الهدايا والتحف، ورجع إلى مصر في أبهة زائدة([111]).
القبض على الشريف غالب أمير مكة:
[8 محرّم سنة 1229هــ/ 31 ديسمبر 1813م]: وردت مكاتبات من الديار الحجازية، وفيها الإخبار بأن الباشا قبض على الشريف غالب أمير مكة، وقبض على أولاده الثلاثة وأربعة عبيد طواشية من عبيده، وأرسلهم إلى جدة، وأنزلهم في مركب من مراكبه، وهي واصلة بهم.
والذي وصل بالخبر وصل في مركب صغيرة تسمى: السبحان، سبقتهم في الحضور إلى السويس، وأخبروا أيضا في المكاتبة: أنه لما قبض عليهم أحضر يحيى ابن الشريف سرور، وقلده الإمارة عوضًا عن عمه غالب، وقبضوا أيضا على وزيره الذي بجدة، وأصحبوه معهم، وقلد مكانه في الكمارك شخصا من الأتراك، يسمى: علي الوجاقلي.
فلما وصل الهجان بهذه المكاتبة إلى السيد محمد المحروقي ليلا ركب من وقته إلى كتخدا بك في بيته، وأطلعه على المكاتبات. فلما طلع النهار -نهار يوم الجمعة- ضربوا عدة مدافع من القلعة إعلامًا وسرورًا بذلك([112])([113]).
[الأحد 17 محرم/ 9 يناير 1814م]: وصل السيد غالب -شريف مكة- إلى مصر القديمة، وقد أتت به السفينة من القلزم إلى مرساة ثغر القصير. فتلقاه إبراهيم باشا وحضر صحبته إلى قنا وقوص، ثم ركب النيل بمن معه من أولاده وعبيده والعسكر الواصلون صحبته، وحضر إلى مصر القديمة، فلما وصل الخبر إلى كتخدا بك ضربوا عدة مدافع من القلعة إعلامًا بوصوله وإكرامًا، على حد قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، وركب صالح بك السلحدار وأحمد آغا -أخو كتخدا بك- في طائفة لملاقاته وإحضاره، وهيؤوا له مكانًا بمنزل أحمد آغا -أخو كتخدا بك- بعطفة ابن عبد الله بك بخط السروجية لينزل فيه، وانتظره الكتخدا هناك، وصحبته بونابرته الخازندار ومحمود بك ومحو بك وإبراهيم أغا وآغات الباب والسيد محمد المحروقي، فلما وصل إلى الدار نزل الكتخدا والجماعة ولاقوه عند سلم الركوبة وقبلوا يده.
ولزم الكتخدا بيده تحت إبطه حتى صعد إلى محل الجلوس الذي أعدوه له، واستمر الكتخدا قائما على قدميه حتى أذن له في الجلوس هو وباقي الجماعة، وعرفه الكتخدا على السيد محمد المحروقي، فتقدم وقبل يده([114])، فقام له وسلم عليه، وجلس بحذاء الكتخدا ليترجم عنه في الكلام ويؤانسوه ويطمنوا خاطره.
ثم إن الكتخدا اعتذر له باشتغاله بأحوال الدولة، واستأذنه في الذهاب إلى ديوانه، وعرفه أن أخاه ينوب عنه في الخدمة ولوازمه، فقبل عذره، وقام منصرفًا هو وباقي الجماعة، ما عدا السيد المحروقي ومحمود بك، فإن الكتخدا أمرهما بالتخلف عنده ساعة، فجلسا معه وتغديا صحبته، ومعه أولاده الثلاثة وعبيده، ثم انصرفا إلى منزلهما، ولم يأذن الكتخدا لأحد من الأشياخ أو غيرهم من التجار بالسلام عليه والاجتماع به.
والذي بلغنا في كيفية القبض عليه: أنه لما ذهب الباشا إلى مكة واستمر هو وابنه طوسون باشا مع الشريف غالب على المصادقة والمسالمة والمصافاة، وجدد معه العهود والأيمان في جوف الكعبة بأن لا يخون أحد صاحبه، وكان الباشا يذهب إليه في قلة، وهو الآخر يأتي إليه وإلى ابنه كذلك، واستمروا على ذلك خمسة عشر يومًا من ذي القعدة، دعاه طوسون باشا إليه، فأتى إليه كعادته في قلة، فوجد بالدار عساكر كثيرة، فعندما استقر به المجلس وصل عابدين بك في عدة وافرة، وطلع إلى المجلس فدنا منه، وأخذ الجنبية من حزامه، وقال له: (أنت مطلوب للدولة). فقال: سمعًا وطاعة، ولكن حتى أقضي أشغالي في ظرف ثلاثة أيام وأتوجه. فقال: لا سبيل إلى ذلك والسفينة حاضرة في انتظارك.
فحصل في جماعة الشريف وعبيده رجة، وصعدوا على أبراج سرايته وأرادوا الحرب، فأرسل إليهم الباشا يقول لهم: إن وقع منكم حرب أحرقت البلدة وقتلت أستاذكم. وأرسل لهم أيضا الشريف يكفهم عن ذلك([115])، وكان بها أولاده الثلاثة، فحضر إليهم الشيخ أحمد تركي وهو من خواص الشريف وخدمهم، وقال لهم: لم يكن هناك بأس، وإنما والدكم مطلوب في مشاورة مع الدولة ويعود بالسلامة… وحضرة الباشا يريد أن يقلد كبيركم -نيابة عن أبيه- إلى حين رجوعه.
ولم يزل حتى انخدع كبيرهم لكلامه، وقاموا معه، فذهب بهم إلى محل خلاف الذي به والدهم محتفظا بهم، وفي الوقت أحضر الباشا الشريف يحيى بن سرور -وهو ابن أخي الشريف غالب- وطلع عليه وقلده إمارة مكة، ونودي في البلدة باسمه، وعزل الشريف غالب حسب الأوامر السلطانية، واستمر الشريف غالب أربعة أيام عند طوسون باشا، ثم أركبوه وأصحبوا معه عدة من العسكر، وذهبوا به وبأولاده إلى بندر جدة، وأنزلوهم السفينة، وساروا بها من ناحية القصير من صعيد مصر وحضر كما ذكر([116])([117]).
وصول قافلة الحج صحبة المحمل واستيلاء الباشا على موجودات الشريف:
[نهاية محرم 1227هـ] وفيه: وردت مكاتبات من العقبة فيها الأخبار بوصول قافلة الحج صحبة المحمل وأميرها مصطفى بك والي باشا([118]).
[29 محرم/ 21 يناير 1814م]: وصل كثير من الحجاج الأتراك وغيرهم، وردوا في البحر إلى بندر السويس.
[2 صفر/ 24 يناير 1814م]: وصل مصطفى بك أمير ركب الحجاج إلى مصر، وترك الحجاج بالدار الحمراء، فبات في داره، وأصبح عائدًا إلى البركة، فدخل مع المحمل يوم الأربعاء، ودخل الحجاج، وأتعبهم بحيث أخذ المسافة في أحد وعشرين يومًا.
وسبب حضور المذكور أنه ذهب بعساكره وعساكر الشريف من الطائف إلى ناحية تربة. والمتأمر عليها امرأة، فحاربتهم وانهزم منها شر هزيمة، فحنق عليه الباشا وأمره بالذهاب إلى مصر مع المحمل([119]).
وفيه أيضًا: وصل حريم الشريف غالب، فعينوا له دارًا يسكنها مع حريمه جهة سويقة العزي، فسكنها ومعه أولاده وعليهم المحافظون، واستولى الباشا على موجودات الشريف من نقود وأمتعة وودائع ومخبئات وشرك وتجارات وبن وبهار ونقود بمكة وجدة والهند واليمن؛ شيء لا يعلم قدره إلا الله، وأخرجوا حريمه وجواريه من سرايته([120]) بما عليهن من الثياب، بعدما فتشوهن تفتيشا فاحشا، وهتك حرمته {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] هذا الشريف غالب، انتُزِع من مملكته، وخرج من دولته وسيادته وأمواله وذخائره، وانسل من ذلك كله كالشعرة من العجين، حتى إنه لما ركب وخرج مع العسكر وهم متوجهون به من جدة أخذوا ما في جيوبه؛ فليعتبر من يعتبر وكل الذي وقع له، وما سيقع له بعد من التغريب وغيره، فيما جناه من الظلم ومخالفة الشريعة والطمع في الدنيا وتحصيلها بأي طريق. نسأل الله السلامة وحسن العاقبة([121]).
[9 منه/ 31 يناير 1814م]: وصل حريم الشريف غالب من السويس، فأنزلوهن ببيت السيد المحروقي، وعدتهن خمس؛ إحداهن جارية بيضاء، والأربع حبشيات، ومعهن جواري سود وطواشية، وحضر إليهم سيدهم، وصحبته أحمد أغا أخو الكتخدا بك، وصحبتهم نحو العشرين نفرًا من العسكر، واستمر الجميع مقيمين بمنزل المذكور وهو يجري عليهم النفقات اللائقة بهم والمصاريف، وفصل لهم كساوي من مقصبات وكشمير وتفاصيل هندية([122]).
[14 منه/ 5 فبراير 1814م]: خرج محو بك إلى ناحية الآثار بعساكره ليسافر من ساحل القصير إلى الحجاز باستدعاء الباشا، فاستمر مقيمًا هناك عدة أيام لمخالفة الريح، وارتحل في أواخره([123]).
[ربيع الأول غرته/ 21 فبراير 1814م] فيه: انتقل الشريف غالب بعياله من بيت السيد محمد المحروقي إلى المنزل الذي أعدوه له، وهو بيت لطيف باشا بسويقة العزي، بعدما أصلحوه وبيضوه وأسكنوه به، وعليه اليسق([124]) والعسكر الملازمون لبابه([125]).
[19 ربيع الأول/ 11 مارس 1814م]: حضر الشريف عبد الله ابن الشريف سرور، أرسله الباشا إلى مصر من ناحية القصير منفيًّا من أرض الحجاز، فأنزلوه بمنزل أحمد آغا أخي كتخدا بك محجورًا عليه، ولم يجتمع بعمه ولم يره.
[ربيع الأول 1229هـ]: كثر الطلب للريال الفرانسة بسبب احتياج دار الضرب، وما يُرْسَل إلى الباشا من ذلك، وألزموا التجار بإحضار جملة من ذلك، ويأخذون بدلها قروشا، فوزعوا مقادير على أفرادهم بما يحتمله وجمعوا ما قدروا عليه منها([126]).
[6 ربيع الآخر/ 28 مارس 1814م]: حضر ميمش أغا من ناحية الحجاز، مرسلًا من عند الباشا باستعجال حسن باشا للحضور إلى الحجاز، وكان قبل ذلك بأيام أرسل يطلب سبعة آلاف عسكري وسبعة آلاف كيس، فشرع كتخدا بك في استكتاب أشخاص من أخلاط العالم، ما بين مغاربة وصعايدة وفلاحي القرى، فكان كل من ضاق به الحال في معاشه يذهب ويعرض نفسه فيكتبونه، وإن كان وجيهًا جعله أميرًا على مائة أو مائتين، ويعطيه أكياسًا يفرقها في أنفاره، ويشتري فرسًا وسلاحًا، ويتقلد بسيف وطبنجات، وكذلك أنفاره، ويلبسوه قناطيش ولباسًا مثل لباس العسكر، ويعلق له وزنة بارود تحت إِبطه، ويأخذ على كتفه بندقية، ويمشون أمام كبيرهم مثل الموكب، وفيهم أشخاص من الفعلة الذين يستعملون في شيل التراب والطين في العمائر وبرابرة.
وأرسل الكتخدا إلى الفيوم وغيرها بطلب رجال من مثال ذلك، وجمعوا الكثير من أرباب الصنائع مثل: الخبازين والفرانين والنجارين والحدادين والبياطرة وغيرهم من أرباب الصنائع، ويسحبونهم قهرًا، فأغلق الفرانون مخابزهم، وتعطل خبيز خبز الناس أيامًا.
[ربيع الآخر 1229هـ]: ورد الطلب بحسن باشا، فشرع في تشهيل أحواله ولوازم سفره، ثم حضر ميمش أغا باستعجاله المطلوبات من الأموال وغيرها([127]).
[15 ربيع الآخر/ 6 إبريل 1814م] فيه: أرسلوا جملة أخشاب إلى الحجاز مطلوبة إلى الباشا([128]).
[23 منه/ 14 إبريل 1814م]: سافرت خزينة المال المطلوبة إلى الباشا إلى جهة السويس، وأصحبوا معها عدة كبيرة من عسكر الدلاة لخفارتها، وقدرها ألفان وخمسمائة كيس… جميعها قروش([129]).
[3 جمادي الأولى/ 23 إبريل 1814م]: خرج حسن باشا بعساكره، ونزل بوطاقه وخيامه التي نصبت له بالعادلية قبل خروجه بيومين([130]).
حرب طوسون في تربة، وغلاء شديد بالحرمين:
[4 جمادى الأولى/ 24 إبريل 1814م]: وصلت هجانة من ناحية الحجاز بطلب حسين بك دالي باشا وأخشاب واحتياجات وجمال، والذي أخبر به المخبرون عن الباشا وعساكره أن طوسون باشا وعابدين بك ركبوا بعساكرهم على ناحية تربة التي بها المرأة التي يقال لها: غالية، فوقعت بينهم حروب ثمانية أيام، ثم رجعوا منهزمين ولم يظفروا بطائل، ولأن العربان نفرت طباعهم من الباشا لما حصل منه في حق الشريف من القبض عليه، وهاجر الكثير من الأشراف، وانضموا إلى الأخصام، وتفرقوا في النواحي، ومنهم شخص يقال له: الشريف راجح، فأتى من خلف العسكر وقت قيام الحرب، وحاربهم ونهب الذخيرة والأحمال، وقطع عنهم المدد. وأخبروا أن الجمال قل وجودها عند الباشا، ويشتريها من العربان المسالمين به بأغلى ثمن([131]).
وأخبروا أيضًا: أنه واقع بالحرمين غلاء شديد لقلة الجالب، ولاحتكار الباشا للغلال الواصلة إليه من مصر، فيبيعه حتى على العسكر بأغلى ثمن، مع [التحجير] على المسافرين والحجاج في استصحابهم شيئًا من الحب والدقيق، فيفتشون متاعهم في السويس، ويأخذون ما يجدونه معهم مما يتزودون به في سفرهم من القمح والدقيق، وما يكون معهم من الفرانسة لنفقتهم، وأعطوهم بدلها من القروش([132]).
[15 جمادى الأولى/ 5 مايو 1814م]: وصلت قافلة من السويس وفيها جملة من العسكر المتمرضين ونحو العشرة من كبارهم نفاهم الباشا إلى مصر، وفيهم حجو أوغلي ودالي حسن وعلي آغا درمنلي وترجوا وحسن آغا أرزجنلي ومصطفى ميسوا وأحمد أغا قنبور.
[جمادى الأولى 1229هـ] وفيه أيضًا: خرج عسكر المغاربة ومن معهم من الأجناس المختلفة إلى مصر العتيقة؛ ليذهبوا من ناحية القصير إلى الحجاز. وأما محو بك فإنه لم يزل بقنا لقلة المراكب بالقصير التي تحملهم إلى الحجاز([133]).
[16 جمادى الأولى 1229هـ/ 6 مايو 1814م]: وصلت قافلة، وفيها أنفار من أهل مكة والمدينة وسفار وبضائع تجارة بن وأقمشة وبياض، شيء كثير. وقد أتت إلى جدة من تجارات الشريف غالب، ولم يبلغهم خبر الشريف غالب وما حصل له. فلما حضروا وضع الباشا يده على جميعه، وأرسله إلى مصر. فتولى ذلك السيد محمد المحروقي، وفرقها على التجار بالثمن الذي قدره عليهم وألزمهم ألا يدفعوه إلا فرانسة([134]).
وفي هذا الشهر: وصل الخبر بموت الشيخ سعود كبير الوهابية، وتولى مكانه ابنه عبد الله([135])([136]).
[22 جمادى الآخرة/ 12 مايو 1814م]: برز حسن بك دالي باشا خيامه إلى خارج باب النصر، وخرج هو في ثاني يوم في موكب، ونزل بوطاقه ليتوجه إلى الحجاز على طريق البر([137]).
[10 جمادى الآخرة/ 30 مايو 1814م]: ارتحل حسن باشا من ناحية الشيخ قمر إلى بركة الحج([138]).
وفيه أخبر المخبرون: أن مراكب الموسم وصلت في هذا العام إلى جدة، وكان لها مدة سنين ممتنعة عن الوصول خوفا من جور الشريف غالب، وسماعهم أيضًا بحركات الوهابيين، فلما بلغهم ما وقع للشريف غالب وزواله([139]) وتملك الدولة البلاد، وظنهم فيهم العدل، فاطمأنوا وعبوا متاجرهم وحضروا إلى جدة؛ فجمع الباشا مكوسهم فبلغت أربعة وعشرين لكا، واللك الواحد مائة ألف فرانسة، يقبضها منهم بضائع ونقودًا، وحسب البضائع بأبخس الأثمان، ثم التفت إلى التجار الذين اشتروا البضائع وقال لهم: إني طلبت منكم مرارًا أن تقرضوني المال فادعيتهم الإفلاس، ولما حضر الموسم بادرتم بأخذه، وظهرت أموالكم التي كنتم تبخلون بها؛ فلا بد أن تقرضوني ثلاثمائة ألف فرانسة؛ فصالحوه على مائتي ألف دفعوها له نقودًا وبضائع مشترواتهم، حسبها لهم العشرة ستة، ثم فرض على أهل المدينة ثلاثين ألف فرانسة([140])([141]).
[5 رجب/ 23 يونيه 1814م]: ضربوا عدة مدافع، وأخبروا بوصول بشارة، وأن عساكرهم حاربوا قنفدة([142]) واستولوا عليها، ولم يجدوا بها غير أهلها([143]).
[11 رجب/ 29 يونيه 1814م]: هرب الشريف عبد الله ابن الشريف سرور في وقت الفجرية ولم يشعروا بهروبه إلا بعد الظهر، فلما بلغ كختدا بك الخبر فتكدر لذلك، وأرسل مشايخ الحارات وغيرهم وبث العربان في الجهات، فلما كان ليلة السبت حضروا به في وقت الغروب، وقد حجزوه بحلوان، وأتوا به إلى بيت السيد محمد المحروقي، فأخذه إلى كتخدا بك، فأرسله إلى بيت أخيه أحمد آغا، وفي ذلك الوقت ضيقوا عليه ومنعوه من الخروج والدخول بعد أن كان مطلق السراح، يخرج من بيت أحمد آغا ويذهب إلى بيت عمه الشريف غالب، ويعود وحده، فعند ذلك ضيقوا عليه وعلى عمه أيضًا([144]).
[21 رجب/ 9 يوليه 1814م] وفيه: وصلت القافلة من ناحية السويس، وأخبر الواصلون عن واقعة قنفدة، وما حصل بها بعد دخول العسكر إليها.
وذلك أنهم لما ركبوا عليها برًّا وبحرًا، وكبيرهم محمود بك وزعيم أوغلي وشريف آغا، فوجدوها خالية، فطلعوا إليها وملكوها من غير ممانع ولا مدافع، وليس بها غير أهلها، وهم أناس ضعاف فقتلوهم، وقطعوا آذانهم وأرسلوها إلى مصر ليرسلوها إلى إسلامبول، وعندما علم العربان بمجيء الأتراك خلوا منها ويقال لهم: عرب العسير([145])، وترافعوا عنها، وكبيرهم يسمى: طامي، فلما استقر بها الأتراك ومضى عليهم بها نحو ثمانية أيام رجعوا عليهم وأحاطوا بهم، ومنعوهم الماء، فعند ذلك ركبوا عليهم وحاربوهم،.. فانهزموا وقتل الكثير منهم، ونجا محو بك بنفسه في نحو سبعة أنفار، وكذلك زعيم أوغلي وشريف آغا، فنزلوا في سفينة وهربوا، فغضب الباشا، وقد كان أرسل لهم نجدة من السفاشية الخيالة، فحاربهم العرب ورجعوا منهزمين من ناحية البر، وتواتر هذا الخبر([146])([147]).
[2 شعبان/ 20 يوليه 1814م]: حضر ميمش آغا من الديار الحجازية وعلى يده فرامانات… خطابا لدبوس أوغلي وآخرين يستدعيهم إلى الحضور بعساكرهم. وكان دبوس أوغلي في بلدة البرلس، فتوجه إليه الطلب، وكذلك شرع كتخدا بك في استكتاب عساكر أتراك ومغاربة وعربان وغير ذلك([148]).
[4 شعبان/ 22 يوليه 1814م]: سافر طائفة من العسكر، وأرسل كتخدا بك بمنع الحجاج الواردين من بلاد الروم وغيرهم من النزول إلى السفائن الكائنة بساحل السويس والقصير، وبأن يخلوها لأجل نزول العساكر المسافرين، وبتأخير الحجاج؛ وذلك أنه لما وصلت البشائر إلى الديار الرومية بفتح الحرمين، وخلاص مكة وجدة والطائف والمدينة، ووصول ابن مضيان والمضايفي وغيرهم إلى دار السلطنة، وهروب الوهابيين إلى بلادهم، فعملوا ولائم وأفراحًا وتهاني، وكتبت مراسيم سلطانية إلى بلاد الروملي والأناضول، بالبشائر بالفتح والإذن والترخيص والإطلاق لمن يريد الحج إلى الحرمين، بالأمن والأمان والرفاهية والراحة؛ فتحركت همم مريدي الحج؛ لأن لهم سنين وهم ممتنعون ومتخوفون عن ورود الحج؛ فعند ذلك أقبلوا أفواجًا بحريمهم وأولادهم ومتاعهم، حتى إن كثيرًا من المتصوفين منهم باع داره وتعلقاته، وعزم على الحج والمجاورة بالحرمين بأهله وعياله، ولم يبلغهم استمرار الحروب وما بالحرمين من الغلاء والقحط إلا عند وصولهم إلى ثغر إسكندرية، ولم يتحققوها إلا بمصر؛ فوقعوا في حيرة، ما بين مصدق ومكذب، فمنهم من قصد السفر ولم يرجع عن عزمه، وسلم الأمر لله، ومنهم من تأخر بمصر إلى أن ينكشف له الحال، وقرروا على كل شخص من المسافرين في مراكب السويس عشرين فرانسة، وذلك خلاف أجرة متاعه وما يتزود به في سفره، فإنهم يزنونه بالميزان، وعلى كل آقة قدر معلوم من الدراهم، وأما من يسافر في بحر النيل على جهة القصير في مراكب الباشا فيؤخذ على رأس كل شخص من مصر القديمة إلى ساحل قنا ثلاثون قرشا، ثم عليه أجرة حمله من قنا إلى القصير، ثم أجرة بحر القلزم، إن وجد سفينة حاضرة وإلا تأخر، إما بالقصير أو السويس، حتى يتيسر له النزول، ويقاسي ما يقاسيه في مدة انتظاره، وخصوصًا في الماء وغلو ثمنه ورداءته، ولا يسافر شخص ويتحرك من مصر إلا بإذن كتخدا بك، ويعطيه مرسومًا بالإذن.
وبلغني: أن الذين خرجوا من إسلامبول خاصة بقصد الحج نحو العشرة آلاف، خلاف من وصل من بلاد الرومنلي والأنضول وغيرهما.
وحضر الكثير من أعيانهم، مثل إمام السلطان وغيره، فنزل البعض بمنزل عثمان آغا وكيل دار السعادة سابقًا، والبعض بمنزل السيد محمد المحروقي، وبيت الشيخ السادات، ومنهم من استأجر دورًا في الخانات والوكائل.
الأمر باسترجاع ما أخذ من الشريف غالب:
[شعبان 1229هـ] وفيه: حضر قاصد من باب الدولة وعلى يده مرسوم مضمونه: الأمر باسترجاع ما أخذ من الشريف غالب من المال والذخائر إليه، وكان الباشا أرسل إلى الدولة بسبحتي لؤلؤ عظام من موجودات الشريف، فحضر بهما ذلك القبجي([149])، وردهما إلى الشريف غالب، ثم سافر ذلك القبجي بالأوامر إلى الباشا بالحجاز([150]).
[7 شعبان/ 25 يوليه 1814م]: وصلت هجانة باستعجال العساكر، وتوالى حضور الهجانة لخصوص الاستعجال([151]).
[19 شعبان/ 6 أغسطس 1814م]: أنزلوا الشريف غالب إلى بولاق بحريمه وأولاده وعبيده، وكان قد وصل إلى مصر آغا معين بقصد سفر المذكور إلى سلانيك، فنزل صحبته إلى بولاق، وصالحوه عما أخذ منه من المال وغيره بخمسمائة كيس، فأرادوا دفعها له قروشا، فامتنع قائلًا: إنهم أخذوا مالي ذهبًا مشخصًا وفرانسة؛ فكيف آخذ بدل ذلك نحاسًا لا نفع بها في غير مصر.
فأعطوه مئتي كيس ذهبًا وفرانسة، وتحول بالباقي وكيله مكي الخولاني، ثم زودوه وأعطوه سكرًا وبنًّا وأرزًا وشربات وغير ذلك، فنزل مسافرًا إلى المراكب صحبة المعين.
[وفي يوم الأحد ارتحل طائفة المغاربة الرحالة الموجهين إلى]([152]) الحجاز من ناحية القصير، وبرز ابن باشة طرابلس وصحبته عساكر أيضًا إلى ناحية العادلية، وآخر يقال له: قنجة بك، ومعهم نحو الألف خيال من العرب والمغاربة على طريق البر إلى الحجاز([153]).
[أواخر شعبان 1229هـ/ حوالي منتصف أغسطس 1814م]: وصلت الأخبار بأن الباشا توجه إلى الطائف، وأبقى حسن باشا بمكة([154]).
[4 رمضان/ 20 أغسطس 1814م]: حضر موسى آغا تفكجي باشا من الديار الحجازية، وكان فيمن باشر حرابة قنفذة([155])، ومن جملة من انهزم بها، وهلكت جميع عساكره وخدمه، ورجع إلى مصر وصحبته أربعة أنفار من الخدم([156]).
[10 رمضان/ 26 أغسطس 1814م]: خرجت العساكر المجردة لسفر الحجاز إلى بركة الحج -وهم مغاربة وعربان- وارتحلوا يوم الأحد ثاني عشر([157]).
أخلاق جنود محمّد علي وهم في مصر بين أهلهم:
[15 رمضان/ 13 أغسطس 1814م]: برز دبوس أوغلي خارج باب الفتوح ليسافر بعساكره إلى الحجاز، وكذلك حسن آغا سرششمه، ونصبوا خيامهم واستمروا يخرجون من المدينة ويدخلون غدوًّا وعشيًّا، وهم يأكلون ويشربون جهارًا في نهار رمضان، ويقولون: نحن مسافرون ومجاهدون، ويمرون بالأسواق ويجلسون على المساطب وبأيديهم الأقصاب، ويجوزون بحارات الحسينية على القهاوي في الضحوة فيجدونها مغلوقة، فيسألون عن القهوجي ويطلبونه ليفتح لهم القهوة، ويوقد لهم النار، ويغلي لهم القهوة ويسقيهم، فربما هرب القهوجي واختفى منهم، فيكسرون الباب ويعبثون بآلاته وأوانيه، فما يسعه إلا المجيء وإيقاد النار.
وأشنع من ذلك أنه اجتمع بناحية عرضيهم وخيامهم الجم الكثير من النساء الخواطي والبغايا، ونصبوا لهم خيامًا وأخصاصا، وانضم إليهم بياع البوظة والعرقي والحشاشون والغوزي والرقاصون وأمثال ذلك، وانحشر معهم الكثير من الفساق وأهل الأهواء والعباق من أولاد البلد، فكانوا جمعًا عظيمًا، يأكلون الحشيش ويشربون المسكرات، ويزنون ويلوطون ويشربون الجوزة ويلعبون القمار، جهارًا في نهار رمضان ولياليه، مختلطين مع العساكر، كأنما سقط عن الجميع التكاليف، وخلصوا من الحساب، وسمعت ممن شاهد بعينه محمود بك المهردار الذي هو أعظم أعيانهم، وهو المتولي على قياس الأراضي مع المعلم غالي، وهو جالس في ديوانهم المخصوص بالقرب من سويقة اللالا، وهو يشرب النارجيلة التنباك، ويأتونه بالغداء جهارًا، ويقول: أنا مسافر الشرقية لعمل نظام الأراضي([158]).
[نهاية رمضان/ 15 سبتمبر 1814م]: وصلت هجانة باستعجال العساكر([159]).
[شوال في غرته/ 16 سبتمبر 1814م] في ليلته: قلدوا عبد الله كاشف الدردنلي أميرًا على ركب الحج([160]).
[3 شوال/ 18 سبتمبر 1814م]: خرج دبوس أوغلي في موكب إلى مخيمه، وكذلك حسن آغا سرششمه ليسافر إلى الحجاز([161]).
[11 شوال/ 26 سبتمبر 1814م]: نزلوا بكسوة الكعبة بالطبول والزمور إلى المشهد الحسيني، واجتمع الناس على عادتهم للفرجة([162]).
[17 شوال/ 2 أكتوبر 1814م]: ارتحل دبوس أوغلي وحسن آغا سرششمه ومن معهم من العساكر من منزلهم متوجهين إلى الديار الحجازية([163]).
عادة خروج المحمل:
[24 منه/ 9 أكتوبر 1814م]: عملوا موكبًا لخروج المحمل، واستعد الناس للفرجة على عادتهم، فكان عبارة عن نحو مائة جمل، تحمل روايا الماء والقرب، وعدة من طوائف الدلاة([164]) على رؤوسهم طراطير سود وقلابق، وأمير الحج على شكلهم، وخلفه أرباب الأشاير ببيارقهم وشراميطهم وطبولهم وزمورهم وجوقاتهم، وخلفهم المحمل، فكان مدة مرورهم مع تقطيعهم وعدم نظامهم نحو ساعتين. فأين ما كان يعمل من المواكب بمصر التي يضرب بحسنها وترتيبها ونظامها المثل في الدنيا؟! فسبحان مغير الشؤون والأحوال!
[في شوال]: وفيه خرجت زوجة الباشا الكبيرة -وهي أم أولاده- تريد الحج إلى خارج باب النصر في ثلاثة تخوت. والمتسفر بها بونابارته الخازندار، وقد حضر لوداعها ولدها إبراهيم باشا من الصعيد، وخرج لتشييعها، هو وأخوه إسماعيل باشا، وصحبتهما محرم بك زوج ابنتها حاكم الجيزة، ومصطفى بك دالي باشا ويقال: إنه أخوها؛ وكذلك محمد بك الدفتردار زوج ابنتها أيضًا، وطاهر باشا، وصالح بك السلحدار.
وارتحلت ومن معها في سادس عشرينه إلى بندر السويس.
وفي ذلك اليوم برزت عساكر المغاربة وغيرهم ممن تعسكر، وارتحل أمير الحج من الحصوة إلى البركة([165]).
[27 شوال/ 14 أكتوبر 1814م]: خرجت عساكر كثيرة مجردين للسفر([166]).
[29 شوال/ 14 أكتوبر 1814م]: ارتحل أمير الحج ومن معه من البركة في تاسع ساعة من النهار.
[شوال] وفيه: ورد الخبر من السويس: أن امرأة الباشا لما وصلت إلى هناك وجدت عالَمًا كبيرًا من الحجاج المختلفة الأجناس ممنوعين من نزول المراكب، فصرخوا في وجهها وشكوا إليها تخلفهم، وأن أمير البندر مانعهم من النزول في المراكب، وبذلك يفوتهم الحج الذي تجشموا الأسفار وصرفوا أيضًا الأموال من أجله، وهم في مشقة عظيمة من عدم الماء، ولا يمكنهم الرجوع لعدم من يحملهم، وأن أمير البندر يشتط عليهم في الأجرة، ويأخذ على كل رأس خمسة عشر فرانسة؛ فحلفت أنها لا تنزل إلى المركب حتى ينزل جميع من بالسويس من الحجاج المراكب، ولا يؤخذ منهم إلا القدر الذي جَعَلَتْهُ على كل فرد منهم؛ فكان ما حكمت به هذه الحرمة، صار لها به منقبة حميدة، وذكرا حسنًا، وفرحًا لهؤلاء الخلائق بعد الشدة([167])([168]).
[12 ذي القعدة/ 26 أكتوبر 1814م]: سافر عبد الله ابن الشريف سرور إلى الحجاز باستدعاء من الباشا، فأعطوه أكياسًا، وقضى أشغاله، وخرج مسافرًا([169])([170]).
[20 ذو القعدة/ 3 نوفمبر 1814م]: سافر ابن باشة طرابلس، وسافر معه عسكر المغاربة الخيالة([171]).
[غرّة ذي الحجة]: وورد الخبر أيضًا بصلح الشريف راجح من الباشا، وأنه قابله وأكرمه وأنعم عليه بمائتي كيس، وأخبر أيضًا بأنه تركه الباشا بناحية الكلخة([172]) وهي ما بين الطائف وتربة([173])([174]).
[5 محرم سنة 1230/ 18 ديسمبر 1814م]: وصل نجاب من الحجاز وعلى يده مكاتبات بالأخبار عن الباشا والحجاج بأنهم حجوا ووقفوا بعرفة وقضوا المناسك([175]).
[10 محرم/ 23 ديسمبر 1814م]: وفي عاشره يوم الخميس وصل في ليلته قابجي وعلى يده تقرير للباشا من الحجاز إلى ساحل القصير، فضربوا لذلك مدافع من القلعة([176]).
[24 محرم/ 6 يناير 1815م]: وصلت مكاتبات من الديار الحجازية من عند الباشا وخلافه، مؤرخة في ثالث عشر ذي الحجة، يذكرون فيها أن الباشا بمكة وطوسون باشا ابنه بالمدينة، وحسن باشا وأخاه عابدين بك وخلافهم بالكلخة([177])، ما بين الطائف وتربة([178]).
استيلاء محمد علي على تربة بعد عام من مصابرة أهلها:
[9 ربيع الأول/ 19 فبراير 1815م]: وصلت قافلة طياري من الحجاز، قدم صحبتها السيد عبد الله الأقماعي، ومعها هجانة من الحجاز، وعلى يدهم مكاتبات، وفيها الأخبار والبشرى بنصرة الباشا على العرب، وأنه استولى على تربة وغنم منها جمالًا وغنائم، وأخذ منهم أسرى، فلما وصلت الأخبار بذلك انطلق المبشرون إلى بيوت الأعيان لأخذ البقاشيش، وضربوا في صبحها مدافع كثيرة من القلعة([179])([180]).
[28 ربيع الآخر/ 9 إبريل 1815م]: ضربت مدافع وأشيع الخبر بوصول شخص عسكري بمكاتبات من الباشا وخلافه، والخبر بقدوم الباشا، وانتشرت المبشرون إلى بيوت الأعيان وأصحاب المظاهر على عادتهم لأخذ البقاشيش، فمن قائل: إنه وصل إلى القصر، ومن قائل: إنه نزل إلى السفينة بالبحر، ومنهم من يقول: إنه حضر إلى السويس، ثم اختلفت الروايات، وقالوا: إن الذي وصل إلى السويس حريم الباشا فقط. ثم تبين كذب هذه الأقاويل، وأنها مكاتبات فقط مؤرخة أواخر شهر صفر، يذكرون فيها أن الباشا حصل له نصر، واستولى على ناحية يقال لها: بيشة ورنية، وقتل الكثير من الوهابيين، وأنه عازم على الذهاب إلى ناحية قنفدة، ثم ينزل بعد ذلك إلى البحر ويأتي إلى مصر([181])([182]).
[6 جمادى الأولى/ 16 إبريل 1815م]: ضربت مدافع بعد الظهيرة لورود مكاتبة بأن الباشا استولى على ناحية من النواحي جهة قنفدة([183]).
[18 منه/ 28 إبريل 1815م]: وصل المحمل إلى بركة الحج وصحبته من بقي من رجال الركب مثل خطيب الجبل والصيرفي والمحملية، ووردت مكاتبات بالقبض على طامي الذي جرى منه ما جرى في وقائع قنفدة السابقة وقتله العساكر. فلم يزل راجح الذي اصطلح مع الباشا ينصب له الحبائل حتى صاده. وذلك أنه عمل لابن أخيه مبلغًا من المال إن هو أوقعه في شركه. فعمل له وليمة، ودعاه إلى محله فأتاه آمنًا، فقبض عليه واغتاله طمعًا في المال([184]). وأتوا به إلى عرضي الباشا، فوجهه إلى بندر جدة في الحال، وأنزلوه السفينة، وحضروا به إلى السويس، وعجلوا بحضوره، فلما وصل إلى البركة -والمحمل إذ ذاك بها- خرجت جميع العساكر في ليلة الاثنين حادي عشرينه، وانجروا في صبحها طوائف، وخلفهم المحمل، وبعد مرورهم دخلوا بطامي المذكور وهو راكب على هجين وفي رقبته الحديد، والجنزير مربوط في عنق الهجين، وصورته: رجل شهم عظيم اللحية، وهو لابس عباءة عبداني، ويقرأ وهو راكب([185]). وعملوا في ذلك اليوم شنكا ومدافع، وحضر أيضًا عابدين بك، وتوجه إلى داره في ليلة الاثنين([186]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 235-236).
([2]) لم يكن محمد علي في حاجة إلى العداء مع الدّولة السعوديّة واستهلاك كلّ هذه الدراهم والأرزاق، فمن المعلوم أنّه بعد أن فرغ من الدّولة السعوديّة بعث إبراهيم باشا إلى الشّام فاستولى عليها وإلى الأناضول، وكاد أن يفعل ذلك لولا دول أوروبا التي وقفت دون طموحات محمد عليّ واضطرّته إلى الرجوع؛ لكنّها هيبة أرادها الله لهذا الحاكم، والجدير بالذّكر هنا أنّ ذريّة هذا الرّجل لا تزال الدولة السعوديّة تنفق على من بقي منهم.
([3]) عندما يقول الجبرتي: (إنما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر) بهذا المفهوم السلفي الواعي كان الجبرتي سلفيًّا لا يلتصق بتقاليد المجتمع الالتصاق الذي يمنعه من أن يفتح فكره على ما كان ينادي به أصحاب دعوة التوحيد السلفية، ولم يكن يمنعه من أن يرى الدعوة الإصلاحية على أنها تتمشى وتتفق مع أصول الإسلام في شتى نواحي الإصلاح المطلوب. (محمد أديب غالب).
([4]) يعني موجودات الحجرة النبويّة، ويكفي في الكلام عنها ما ذكره الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرّحمن حيث قال: “وأما التجاسر على حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّه رحمه الله لم يفعل هذا إلا بعد أن أفتاه أهل المدينة من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة والحنبليّة، فاتّفقت فتواهم على أنّه يتعيّن ويجب على وليّ الأمر إخراج المال الذي في الحجرة وصرفه في حاجة أهل المدينة وجيران الحرم، لأنّ المعلوم السلطاني قد مُنِع في تلك السّنة، فاشتدّت الحاجة والضرورة إلى استخراج هذا المال وإنفاقه، ولا حاجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إبقائه في حجرته وكنزه لديه، وقد حرم كنزَ الذّهب والفضّة، وأمر بالإنفاق في سبيل الله، لا سيّما إذا كان المكنوز مُسْتَحقًّا لفقراء المسلمين وذوي الحاجة منهم، كالذي بأيدي الملوك والسلاطين، فلا شكّ أنّ استخراجها على هذا الوجه وصرفها في مصارفها الشرعيّة أحب إلى الله ورسوله من إبقائها واكتنازها، وأيّ فائدة في إبقائها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهلُ المدينة في أشدّ الحاجة والضرورة إليها، وتعظيم الرسول وتوقيره إنما في اتّباع أمره والتزام دينه وهديه، فإن كان عند من أنكر علينا دليل شرعي يقتضي تحريم صرفها في مصالح المسلمين فليذكره لنا. ولم يضع هذا المال أحد من علماء الدّين الذين يُرجَع إليهم، وليس عند هؤلاء إلّا اتباع عادة أسلافهم ومشايخهم”.
([5]) هو في صحيح مسلم (2/ 730).
([7]) هو في صحيح مسلم (2/ 752).
([8]) صحيح مسلم (4/ 2273)، سنن الترمذي (4/ 150).
([9]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 246-250).
([10]) وفي هذه السنة (1224هـ) ذكر ابن بشر أن سعودًا حج مع جميع من شملته مملكته من المسلمين، ودخلوا مكة واعتمروا وحجوا بأمان عظيم لا يحمل فيه سلاح، ثم رحل عنها، ولم يحج أحد من الشام ومصر والعراق وإسطنبول إلا من كان يحج بأمان سعود. (محمد أديب غالب).
([11]) عُيِّن واليًا على الحجاز في هذا العام، ولم يستطع الدخول إلى جدّة لشدّة نفوذ الإمام سعود، وقد عمل صدرًا أعظم للدولة العثمانيّة، ويبدو أنّه توفي هذا العام. مداخل بعض أعلام الجزيرة العربيّة في الأرشيف العثماني (231)، مكتبة الملك عبد العزيز العامّة الرياض، 1425هـ.
([12]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 254).
([13]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 294).
([14]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 304).
([15]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 305-306).
([16]) خرج سعود من الدرعيّة لثلاث ليالٍ خلون من ربيع الثاني عام 1225هـ قاصدًا بعض المعتمرين في بلاد الشّام من البوادي من عنزة وبني صخر، فلمّا وصل إليهم لم يجدهم حيث سبقه النذير، وهم -كما يقول ابن بشر- على الجبل المعروف بطويل الثلج قرب نابلس، وجال سعود في تلك القرى، وأقبل على قصر المزيريب فاعتصم أهله في القصر بعد أن أظهروا خيلهم وطاردهم سعود، فلما اعتصموا بالقصر وأراد المسلمون محاصرتهم أبى عليهم سعود، ورحل عنه ونزل بصرى، ثمّ رجع إلى بلاده ظافرًا. عنوان المجد (1/ 310).
([17]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 306).
([18]) هو الآغا شبرا، وهو رجل أسمر مخصيّ، موفد من قبل الدولة إلى محمد علي، وقد ذكره الجبرتي سابقًا.
([19]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 318-319).
([20]) الداوية من كبار الموظّفين، ومفردها دويدار، وهم كبار الكتّاب في الدّولة. والأساكل أي: أرصفة الموانئ البحريّة. تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل (ص: 110، 16).
([21]) يوسف باشا، ويسمّى: الكنج، تولّى ولاية الشّام وكانت معاملته للسعوديّين طيّبة، وفيها شيء من اللّين، ولذلك اتهمه السّلطان بالخيانة فعزله عن منصبه، وولّى سليمان باشا مكانه، فحاول هذا مقاومة الأمر السلطاني ولكنّه عجز، ففرّ إلى القاهرة عند محمّد علي الذي أوهم النّاس أنّه ذاهب إلى الشام ليخلّص كرسي الباشا في الشام. تاريخ البلاد العربيّة السعوديّة (3/ 66).
([22]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 319).
([23]) لا شكّ أنّ هذه العادة -أي: استعمال المنجّمين- من الأمور المنكرة شرعًا، والتي كان القضاء عليها من ضمن دعوة السعوديّين؛ وليس لخروجهم الساعة الرابعة كما قال المنجّمون أي فائدة، وقد سلّط الله عليهم فهزمهم، وليس ما جاء بعد ذلك من امتحانهم بإسقاط الدّولة السعوديّة أي دلالة على أثر المنجّمين، ولكنّها الأيام التي يداولها الله بين النّاس.
([24]) طوسون أحمد باشا بن محمد علي باشا الكبير حاكم مصر، ولد نحو سنة (1210هــ) ولقد سيره أبوه وهو فتى لم يبلغ العشرين من عمره في الحملة الأولى على حكام الدولة السعودية، فأبحر سنة (1226هــ) من السويس إلى ينبع فامتلكها. وزحف بجنوده على الحشود السلفية فردوه إلى ينبع، ولما علم والده باندحاره أمده بنجدة، فاشتد بها أزره، وتقدم إلى المدينة المنورة، فاحتلها بعد تهديم سورها واستسلام حاميتها، ثم دخل مكة المكرمة بلا مقاومة.
وفي صيف سنة (1228هــ) زحف السعوديون على طوسون باشا وجيشه، فاستولوا على الأراضي التي بين الحرمين الشريفين، ولما بلغ والده انتصارهم سار بنفسه لنجدة ولده، فنزل جدة في 30 شعبان 1228هـ، وبعد أن أقام بمكة المكرمة مدة قصيرة وأدى فريضة الحج عاد إلى مصر، وظل طوسون يقاتل السلفيين إلى أن بلغ بعض المواقع في نجد، ثم اضطر إلى الرجوع إلى المدينة المنورة بسبب قلة المؤن والعتاد، واسترد السعوديون أكثر المواقع التي كان استولى عليها. وعاد إلى مصر بسبب بعض القلاقل، وأقام مدة يسيرة بالإسكندرية حيث فاجأته المنية في 7 ذي القعدة سنة 1231هــ ونقلت جثته إلى القاهرة حيث دفن في مقام الإمام الشافعي، وكان ميالًا للعلم وشجاعًا حازمًا. (محمد أديب غالب).
([25]) ورد في هذا النّص عدد من الوظائف، نشرحه فيما يلي:
آغا مستحفظان، أي: المسؤول عن العسكريّين الاحتياطيّين؛ وأمّا الجارشيّة والسعادة والملازمون فهي مراتب عسكريّة؛ وأما الكتخدا فهو مساعد الرئيس أو مدير مكتبه أو نحو ذلك. انظر: تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدّخيل، تجد كلّ واحد فيما يناسبه.
([26]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 329).
([27]) العرضي يعني المعسكر. تأصيل ما ورد (ص: 150).
([28]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 331).
([29]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 331).
([30]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 332).
([31]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 332).
([32]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 332).
([33]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 332).
([34]) كان اختيار الشيخين بإشارة من طوسون، والشيخ محمد المهدي سمّي بذلك لأنّه انتقل من النصرانيّة إلى الإسلام وهو صغير عند الشيخ الحفني، وقد ترجم له الجبرتي عام وفاته 1230هـ وأسهب في ترجمته والثناء عليه فقال: “الأستاذ الفريد واللوذعي المجيد، الإمام العلّامة، والنحرير الفهّامة، الفقيه النحوي الأصوليّ الجدلي المنطقي…” تاريخ الجبرتي (3/ 497). والحق أنّ إمامًا بهذه الصفات لم يكن ينبغي له أن يتصدّر في مثل هذه الحملة التي ليس لها في حقيقة الأمر مكان من الشّرع، وسوف يشهد الجبرتي على ذلك، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
([35]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 333).
([36]) بركة الحجّ: اسم يطلق على موقع يقال له: بركة الجبّ، وهو من أعمال المطريّة القريبة من القاهرة، يقف فيها الحجّاج كأوّل محطّة، وهي 500 فدّان، وغلتها 3000 دينار كما يقول شرف الدّين بن الجيعان في كتابه: التحفة السنيّة بأسماء البلاد المصريّة (ص: 6).
([37]) كان الاحتفال المقصود في 6 ربيع الأوّل من سنة 26 بعد المائتين وألف.
([38]) ليس ثمة وزير، وإنما هو جابر بن جبارة أحد قوّاد آل مضيان وهو من الأشراف. انظر: عنوان المجد (1/ 322).
([39]) قوله: ونهبوا.. المراد بهم العسكر العثماني، وليس الوزير الفار من القلعة.
([40]) هذه الحالة من السبي -والعياذ بالله- سبي لبنات المسلمين من أهل ينبع، وسوف يأتي ذكر حالات أخرى كذلك، ويستنكرها الجبرتي، هذا ومعهم أهل علم، فكيف يتّهمون دعوة الشيخ محمد بالتكفير وهم هذا فعلهم؟!
([41]) الشنك هو بالتركي شنلك، أي: الاحتفال. تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل (ص: 137).
([42]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 333-334).
([43]) المويلح: قرية على البحر الأحمر خليج العقبة، وبعدها تأتي مغاير شعيب، وهي قرية كذلك لكنّها ليست على البحر، والطّريق يمرّ أولًا بمغاير شعيب ثمّ عيون القصب أو عينونة ثمّ المويلح. رحلة مشعل المحمل، محمد صادق رفعت (ص: 45، 47، 49).
([44]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 335).
([45]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 335).
([46]) في الوثيقة (19) والوثيقة (20) -وهي من وثائق في تاريخ الجزيرة العربيّة في العصر الحديث- وردت قصّة فتح ينبع هذه على لسان محمد علي باشا قريبًا مما هو مذكور، والوثيقتان مؤرختان في 23 رمضان 1226هـ برسالة إلى السّلطان، لكن الباشا زعم حسن ترتيب الجيش وأدائه، ولم يذكر مسألة سبي البنات وتبادلهنّ بين العساكر. انظر: الكتاب (1/ 323) وما بعدها من الفصل الخامس.
([47]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 336).
([48]) يوجد رسائل بتاريخ 5 ذي القعدة تحكي قصص حروب على جابر بن جبارة وابن مضيان قريبة مما ذكر الجبرتي، وهذه الرسائل من محمّد علي إلى السلطنة العثمانيّة؛ من وثائق تاريخ شبه الجزيرة (1/ 342) وما بعدها. وفي حادثة قريبة ذكرها ابن بشر وقائدها مسعود بن مضيان، لكن قتلى السعوديّين اثنان وثلاثون فقط، فالله أعلم إن كان الفريقان يتحدّثان عن أمر واحد، أم أنّ حديث الجبرتي عن معركة، وحديث ابن بشر عن أخرى. ابن بشر (1/ 323).
([49]) الوطاقات جمع وطاق، وهي بالتركيّة: الخيمة العظيمة، وتكون مزيّنة، أو المعسكر المكوّن من خيام. تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل (ص: 198).
([50]) البريكة: ميناء صغير أسفل وادي الصفراء جنوب ينبع وشمال الرايس بقربه.
([51]) يقول فيلكس مانجان: “ولكن الوهابيّين حسبوا انسحاب طوسون مكيدة فلم يتعقّبوه، ولم ينزلوا إلى معسكر المغلوبين إلا في اليوم التالي”. تاريخ الدولة السعودية الأولى (ص: 45). والحقّ أنّ تبرير الجبرتي أنّهم لا يذهبون خلف المدبر هو الكلام الصائب، وهو ما نشاهده في كثير من معاركهم مع خصومهم، فهم لا يتتبعون المدبرين، وهذا شأن من لا يقولون بكفرهم لظهور دعواهم بالإسلام، أما ما يقع منهم من استغاثة بالمقبورين فيعزونها إلى الجهل، ومن كان جاهلًا ليس عنده من يعلمه لا يقع عليه الكفر، وذلك كما قال الإمام محمد بن عبد الوهّاب: إنا لا نكفّر من يعبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والبدوي إذا لم يكن لديه من يعلمه. الدرر السنيّة (1/ 66). وهؤلاء الجيوش كذلك، فكان أتباع الدّعوة يتعاملون معهم وفق ما قضى به الدّين، وهو عدم تتبع المدبر من البغاة؛ أما هؤلاء فإنّهم يعاملون أتباع الدّعوة معاملة الكفرة، فلم تسلم منهم حتى النساء، والعياذ بالله.
([52]) الأسكلة: مأخوذة من الإيطالية، ولها عدّة استخدامات، ومعناها هنا رصيف الميناء. تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل (ص: 165).
([53]) كتب محمّد علي باشا إلى الدولة العثمانيّة يخبرهم بهزيمته في وادي الصفراء، عازيًا سبب ذلك إلى ضخامة جيش الوهّابيّين الذين يبلغون بزعمه مائة وخمسين ألفًا، وعظم غنى الوهابي حيث يقدّم لكلّ فرد من هؤلاء الجنود نصف جنيه فرنسي، ولذلك هو يطلب من السّلطان تكليف سليمان باشا والي الشّام بإرسال جيش من عنده على سبيل المشاركة، أو تبديله بعلي يوسف كنج، ولا شك أنّه كاذب في ذلك، وإنّما هي فرصة استغلها لتزيد الدولة العثمانيّة من عطائها له، فلم يقل أحدٌ بوجود هذا العدد في جزيرة العرب، فضلًا عن أن يكون هذا العدد هو الجيش، وقد جعل ابن بشر الجند ثمانية عشر ألفًا. عنوان المجد (1/ 323). وهو عدد استطاع سعود تحصيله من كلّ ناحية من نواحي الجزيرة العربيّة، ويتبيّن لك ذلك حين تطلع على أسماء شهداء موقعة الصفراء، لتجد أنّهم من مختلف بقاع جزيرة العرب.
ويلاحظ في خطاب محمّد علي للسلطان أنّه سمّى الجنود الأتراك: المسلمين، وسمّى الآخرين بالوهّابيّة، نلاحظ هذا لتسكين أولئك المرجفين الذين يرمون الدولة السعوديّة بالتكفير لكون مؤرخيها يتسمّون بالمسلمين، وهذا ما لا يصح دليلًا. انظر: من وثائق تاريخ الجزيرة (1/ 358)، الوثيقة (29) من الفصل الخامس.
([54]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 336-338).
([55]) كتب محمّد علي إلى المسؤول عن الحريم العثمانيّة أنّه يعرف ما الذي جاء بالعساكر؛ ولكنّه أساء معاملتهم ولم يلقهم، حتى لا ينتقل الانكسار من نفوسهم إلى نفوس الفرسان الذين يريد إرسالهم؛ كما ذكر في رسالته أنّ هؤلاء الجنود المنهزمين هم من أفضل الجنود، ولم يكن سبب هزيمتهم إلا الغرور، ولم يُشر في رسالته إلى عدد القتلى منهم، ولم يذكر سوى أنّهم أربعة آلاف، هذا مع أنّ ابن عبد الشّكور ذكر أنّ القتلى وحدهم أربعة آلاف، وأنّ عدد الجيش أربعة عشر ألفًا. انظر: وثائق تاريخ شبه الجزيرة (1/ 374)، الفصل السادس وثيقة رقم (3)؛ عنوان المجد (1/ 326).
([56]) محمد علي يوصي جنوده بالصلوات الخمس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. من وثائق تاريخ شبه الجزيرة (1/ 371) وثيقة (2) الفصل السادس؛ وقع ذلك فلا أحد من أبناء الجزيرة يذكر هذه الجنود بخير؛ فقد وجد فيهم كل منكر، ولا يوجد منه من يُنكر عليهم، بل حتى مرافقوهم ممَّن لهم كتابات شهدوا عليهم، ولك أن تنظر: فيلكس مانجان في كتابه (تاريخ الدولة السعوديّة) وهو ما سوف نلفتك بنصوص منه لاحقًا إن شاء الله.
وانظر هنا إلى ما يقوله الكابتن نورسترسادلير في وصف أدلائهم: “كان أدلاؤنا بعض الخيّالة العائدين إلى مصر، أمّا الباقون منهم من بدو المغرب المتوجّهين إلى ديارهم، وهم لا يتلقّون أيّ أجر، فهم يعيشون على النهب من خلال غاراتهم، وقد ساقوا معهم ثمار جهودهم، وهي تتألّف من جمال وخيل من جميع الأعمار والحجوم، ومعها النّساء والأطفال والعبيد الذين سلبوهم خلال غاراتهم الحاقدة”. رحلة عبر الجزيرة العربيّة (ص: 119) تأليف نورسترسادلير، ترجمة أنس الرفاعي.
([57]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 341-342).
([58]) الكشاف أو الكاشف تعني: من يقوم بمهمة الاستطلاع العسكرية كما أنها حرفة من يقوم بالكشف على البضائع والسلع ويقيمها. والكشفية منظمة إنسانية رياضية تهذيبية أسسها بادن باول الإنكليزي (1908م) وغايتها تمرين الطلاب الأحداث على احتمال الطوارئ وفاقًا لمقتضيات الدين والآداب العامة. والكشاف هو المنضوي إلى المنظمة الكشفية المذكورة. (محمد أديب غالب).
([59]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 344).
([60]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 345).
([61]) لقاء الأمير إبراهيم بن سليمان ملك المغرب بالإمام سعود ذكره صاحب كتاب الجيش العرمرم الخماسي، فقال: “حدثنا جماعة وافرة ممّن حجّ مع المولى إبراهيم في تلك الحجّة مثل الفقيه العلّامة القاضي السيد محمّد بن إبراهيم الزداغي المراكشي والفقيه الشريف البركة سيدي الأمين بن جعفر الحسني الرتبي والفقيه الموقّت الصادق الأمين السيد عبد الخالق الوديي، حدث كلّ واحد منهم: أنّهم ما رأوا من ذلك السلطان سعود ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنّما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام، ونهي عن المناكر المحرّمة، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت تفعل بها جهارًا بلا إنكار، وذكروا أنّ حاله كحال أحدٍ من النّاس، لا تميّزه عن غيره بزيّ ولا لباس ولا مركوب، وأنّه لما اجتمع بالشّريف الخليفة مولانا إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الشريف، وجلس معه كجلوس هؤلاء المذكورين وغيرهم من خاصّة مولانا إبراهيم، وكان الذي تولى الكلام معه هو القاضي ابن إبراهيم الزداغي، وكان من جملة ما قال لهم: إنّ النّاس يزعمون أنّنا مخالفون للسنّة المحمّديّة، فأيّ شيء رأيتمونا خالفنا فيه السّنة؟ وأي شيء سمعتموه عنّا قبل رؤيتكم لنا؟ فقال له القاضي المذكور: بلغنا أنّكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم بجسميّة المستوي؛ فقال لهم: معاذ الله، إنّما نقول كما قال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة؛ فهل في هذا مخالفة؟ فقالوا له: لا، وبمثل هذا نقول نحن أيضًا؛ ثمّ قال له القاضي: وبلغنا عنكم أنّكم تقولون بعدم حياة النبيّ وإخوانه من الأنبياء عليهم السلام في قبورهم؛ فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة والتسليم عليه، وقال: معاذ الله تعالى، بل نقول: إنّه صلى الله عليه وسلم حيّ في قبره، وكذلك غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء، ثمّ قال له القاضي: وبلغنا أنّكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم وزيارة الأموات قاطبة، مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها؛ فقال له: معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا، وهل منعناكم أنتم منها لما عرفنا أنّكم تعرفون كيفيّتها وآدابها، وإنما نمنع منها العامّة الذين يشركون العبوديّة بالألوهيّة، ويطلبون من الأموات أن تقضى لهم أغراضهم التي لا يقضيها إلا الربوبيّة، وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الموتى، وتذكار مصير الزائر إلى مثل ما صار إليه المزور، ثمّ يدعو له بالمغفرة، ويستشفع به إلى الله تعالى، ويسأل الله المنفرد بالإعطاء والمنع بجاه ذلك الميّت إن كان ممّن يليق أن يستشفع به، هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ولمّا كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سدًّا للذريعة، فأيّ مخالفة للسنّة في هذا القدر”. الجيش العرمر الخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي (1/ 295)، ألفه العلّامة أبو عبد الله محمّد الكنسوسي، تحقيق: أحمد الكنسوسي.
وقد شاع هذا النّص وتناقله المغاربة، إلا أنّ بعضهم زعم أنّ سعودًا إنما أحسن معاملتهم لوجود الأمير إبراهيم، وأن شهادتهم كانت ليحسن سعود ومن معه إلى الحُجّاج، وكلّ ذلك محض هراء.
إلا أنّنا نرى أن النّقل الأخير عن الإمام سعود تضمن خطأ، فإنّ الشفاعة تسأل من الله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبره؛ بل وهو في قبره لا يشرع إلا السلام عليه وعلى صاحبيه، ثمّ يمضي، كما أنّ سؤال الله بجاه فلان محرّم، ولم يعلِّمه النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا من صحابته رضي الله عنهم، وهم كثير، وقد رُوي عنهم من أحاديث الشفاعة وأحاديث الدّعاء وآدابه شيء كثير، ولو كان شيء من ذلك جائزًا لأبانوه. وانظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/ 424).
([62]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 345).
([63]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 346).
([64]) الغالب على القادمين من المغرب أنّهم من مرتزقة البادية، ولم يكونوا يحيطون سلطانهم علمًا بقدومهم، وقد ذكر سادلير في مذكراته أنّ إبراهيم باشا لم يعطِ واحدًا منهم قرشًا، وذلك لأنّهم تعاقدوا مع والده على الذهاب والمغنم. رحلة عبر الجزيرة العربيّة (ص: 119).
([65]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 350).
([66]) بئس الحملة إذا كان هؤلاء جنودها، يخطفون النّساء والأولاد وهم في مصر، فكيف يكون حالهم إذا وضعوا في بلد مثل الجزيرة العربيّة؟!
([67]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 351).
([68]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 351).
([69]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 351).
([70]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 353).
([71]) الحقيقة أنّ هناك ثورة كانت مدبّرة منهم على الباشا، وقد حاولوا استكمالها عن طريق حاكم قنا، ولكن الباشا استدرجه إلى أن قتله، وكان حاكم قنا من الألبان مثل أولئك، واسمه أحمد آغا لاظ. انظر: تاريخ الدولة السعودية الأولى، فيلكس مانجان (ص: 53).
([72]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 353).
([73]) هذه السيرة إخبار بعزم محمّد علي على السّفر إلى الحجاز، ولا تعني السفر فعًلا.
([74]) الصفراء: قرية في واد بهذا الاسم يقع بين المدينة وبدر، يبعد عن المدينة 140 كيلًا. (محمد أديب غالب).
([75]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 353).
([76]) الذي حصل -كما رواه أحمد زيني دحلان- أنّ طوسون بعد هزيمته في الصفراء وانكباب الجيوش عليه من والده وتسيير صناديق الأموال إليه دعا رؤساء القبائل وأغدق عليهم الهبات والرواتب حتى أطمعهم، وهم من تولى نقله إلى المدينة، قال دحلان: “فألبسوهم الفراوي السمور والشالات القشمري، ففرقوا عليهم من الشالات ملء أربع سحاحير، وصبوا عليهم الأموال، وأعطوا شيخ مشايخ حرب مائة ألف ريال فرانسة عينًا، ففرقها على المشايخ، وخصّه هو بمفرده من ذلك بثمانية عشر ألف ريال، ثمّ رتبوا لهم علائق ونقودًا تصرف لهم كلّ شهر، فعند ذلك ملّكوهم الأرض، وصاروا يسعون في خدمتهم، وتقدّمهم إلى أن أدخلوهم المدينة المنوّرة في شهر ذي القعدة من السّنة المذكورة” خلاصة الكلام (ص: 295).
([77]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 357-358).
([78]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 358).
([79]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 359).
([80]) كان في المدينة المنوّرة سبعة آلاف رجل من جند السعوديّين، لكنّهم ابتلوا بالأمراض المؤلمة، وحاصرهم عسكر الترك، فسدوا عنهم منافذ الماء وحفروا السراديب، وغير ذلك من أمور الحصار، ثمّ فتح أهل المدينة الباب لجيش الترك، فذهب الجند إلى القلعة وازدحموا فيها ازدحامًا شديدًا، وتضرّروا بالقتل، إلى أن استسلموا وطلبوا الأمان، فأعطاهم إياه طوسون. عنوان المجد (1/ 329).
وقبضوا على ابن مضيان الذي كان متأمّرًا في المدينة. خلاصة الكلام (ص: 295).
وفي رسالة محمد بن علي للسلطان يخبره فيها عن دخولهم المدينة قريبًا من هذا السرد، ويذكر فيه القبض على ابن مضيان رحمه الله، إلا أنّه ذكر أنّ المقاتلين في القلعة يحسبون أنهّم داخلون في قوله تعالى: {وَلَا تَحسَبَنَّ الذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا…} ولذلك استبسلوا في القتال… وهذا كلام زائف، بل هم -إن شاء الله- داخلون في الآية، فلم يقفوا إلا ضدّ جنود فَسَقَة، وقد رفع الله بهم عن المدينة المآثم، من أمثال عبادة القبور من دون الله تعالى والبدع المغلّظة؛ ومحمّد علي لا يهتمّ بما تمّ على أيديهم، بل ليس ما تمّ على أيديهم عنده أمرًا ذا بال، ولكن همّه إرضاء السلطان وكسب المعركة بأيّ ثمن. من وثائق تاريخ شبه الجزيرة (1/ 449)، الوثيقة (28) من الفصل السادس.
([81]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 360).
([82]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 360).
([83]) كأنّه يعني أنّ الصفراء قبيلة من القبائل، والحقّ أنّها واد كبير، وأهله جزء من حرب، ومنهم الحوازم والأحامدة غيرهم.
([84]) لم يكن ليبيع دينه أمام الدنيا ويُدخل الأغراب إلى بلاده إلا من لم يفقه دينه، ولم يعرف نتائج فعله؛ وبالفعل كان الوهّابيّون يأمرونهم بأن يقاتلوا عن دينهم، ويأخذوا مغانم الدنيا بعد القتال، وفوز الآخرة خير وأبقى، لكنّهم كانوا جهّالًا ضالّين، فجاءهم هذا الأمر من البغي والكدر.
([85]) أحد شيوخ قبيلة الحوطيات المقيمين في الجزيرة العربيّة.
([86]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 396-398).
([87]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 399).
([88]) الخنكار: صفة تشريف للسطان العثماني. تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل (ص: 90).
([89]) الطوخ: علامة من علامات التشريف السلطاني. تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل (ص: 147).
([90]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 402).
([91]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 403).
([92]) أما الخروج على السلطان فقد تقدّم لنا أنّ السلفيّة التي جاء بها محمّد بن عبد الوهّاب لم تنشأ في بلد فيه سلطان، بل نشأت في نجد وهي بلاد كبيرة، وكانت الدّولة العثمانيّة معرِضَة عنها، ولم تبن فيها جدارًا، فضلًا عن أن تردّ سفهاءها وتحفظ عقلاءها، وأما قتال النّاس بحجة كفرهم فما كان من الدّولة العثمانيّة فإنّهم لم يغزوا إقليمًا عثمانيًّا إلا وكان البادئ في الغزو هم العثمانيّون، وقد بيّنا ذلك فيما يتعلّق بالحجاز، فأمّا العراق فقد كان غزو ثويني السعدون وغزو سليمان باشا قبل غزو سعود للعراق؛ هذا عن الدّولة العثمانيّة، أما غزو السعوديّين في داخل نجد فكان منه الغزو الذي يقصد به نشر الدّين، ومنه الغزو الذي يقصد به دعم الدّولة، على أنّهم لم يقاتلوا حتى في داخل نجد إلا من بدأهم بالقتال أو نقض عهده معهم؛ وأمّا كون من قاتلهم شهيدًا إذا قُتل فمن أضاليل الحكّام لعامّة النّاس، وعند الله تعالى اللّقاء.
([93]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 406).
([94]) وصف الجبرتي فعلهم بأنّه من الخور عين العقل والله.
([95]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 406).
([96]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 406).
([97]) هذه الهدايا التي يضعها محمّد علي باشا تحت قدم السلطان، بينما تجده يرسل ابنه إبراهيم ليأخذ الضرائب من أغنياء الصعيد وفقرائه، ويأخذ الضرائب من أهل القاهرة والدلتا، وليست ضرائب عادلة، وإنّما يأخذون كلّ ثمرة البستان ولا يتركون إلا ما يريدون، وكلّ ذلك في زعمهم في سبيل الحرب، والذي طلب الحرب أساسًا تساق إليه الأموال بغير حساب!
([98]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 408).
([99]) مصطفى الرابع (1778-1808م): السلطان العثماني (29) منهم جلس على العرش (1807)، خلع وقتل (1808) فسادت الفوضى في البلاط العثماني وتحدثت الدول الأوروبية التي كانت بالمرصاد في تقسيم تركيا. (محمد أديب غالب).
([100]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 408).
([101]) لم تترك الكعبة المشرفة دون كساء في كلّ عام من الأعوام التي حكم فيها سعود مكّة، بل كان آخر كساء كساها إياه سنة 1227هـ، بالديباج والقبلان الأسود، وجعلوا إزارها وكسوة بابها من الحرير المنسوج بالذهب والفضّة، ومثل ذلك يتمّ في كلّ عام. ولمّا حكمت الدولة السعوديّة في عهد الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله توقّفت مصر سنة 1345 عن إرسال الكسوة، فكساها رحمه الله في الوقت نفسه بكساء من الجوخ الفاخر، وظلّ الأمر كذلك حتى عام 1358 حيث اصطلح البلدان، وعادت كسوة الكعبة إلى مصر، وفي عام 1381 توقّفت مصر عن إرسال الكسوة، فقامت الحكومة السعوديّة بإعداد الكسوة على وجه السرعة، ثمّ استمرّت الكسوة منذ ذلك التاريخ تصنع في المملكة العربيّة السعوديّة.
([102]) هذا من الكذب، مما وضع لتشويه سمعة رجال الدعوة السلفية الذين هم أحرص الناس على التقيد بأوامر الشريعة الإسلامية، فلم يعرف عنهم في جميع مغازيهم أنهم سبوا النساء أو أقروا ذلك ورضوا به.
([103]) يذكر فيلكس مانجان أن طوسون هو من ذهب إلى الطّائف واصطحب معه الشريف غالب. انظر: تاريخ الدولة السعوديّة الأولى (ص: 58).
أمّا قوله: (إنّه الذي افتتح الطائف، وقتل الرّجال وسبى النّساء) فقد قتل في المعارك من الرّجال وقُتِل من رجاله، أما سبي النّساء فكلمة لم يتحقّق الجبرتي منها، وإلا فإنّ العرب في الجزيرة كانوا يتقاتلون لأمر الدنيا، ولم يكونوا يتجرّؤون على أخذ النّساء، وكان عثمان يقاتل للآخرة، ولم يأمره الله بأخذ النّساء، وهي فرية شنيعة، نسأل الله أن يكفي الجبرتي شرّها.
([104]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 409).
([105]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 409-410).
([107]) المقصود أنّ طوسون خلع عليهم وأخذهم إلى أبيه.
([108]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 410-411).
([109]) من البدهي ألا تكون المفاتيح مفاتيح المدينة، وأعتقد أنّهم يرمزون بها للمدينة، وكذلك مفاتيح مكّة ومفاتيح جدّة، فقد أرسلوها إلى إسطنبول، ذهب بها إسماعيل بن محمد علي كما في كتاب: من وثائق تاريخ الجزيرة العربيّة (2/ 42) الفصل الأوّل من سنة 1228هـ.
([110]) هو مسعود بن بدوي بن مضيان الظاهري شيخ الظواهر من قبيلة حرب، وكان واليًا على المدينة المنوّرة، وقد وصفه محمّد علي باشا بالمحروم من الإيمان، فحسبنا الله ونعم الوكيل. وسوف يجد كاتبه مغبّة ما كتب ولا حول ولا قوّة إلا بالله. من وثائق تاريخ الجزيرة (2/ 46) الفصل الأوّل سنة 1228هـ.
([111]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 411).
([112]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 438-439).
([113]) لم يقبض الباشا على الشريف غالب، بل كان يوقّره ويُقبّل يده، وقد أنزله الشريف في منزل جيّد بالشاميّة، وأنزل ابنه طوسون في منزل آخر، وكان محمّد علي يزور الباشا ولا يصطحب معه كثيرًا من الأتباع تعظيمًا له. ويبدو أنّه كان في حرج من تنفيذ أمر السّلطان بالقبض عليه، فعمل مكيدة وهي أنّ ابنه طوسون أظهر مغاضبته، وسافر إلى جدّة، وعمل الشريف غالب بطلب من طوسون عمل المصلح، فاستجاب محمّد عليّ، وهناك أخبر الشريف طوسون برضا والده، وحين عاد قدم الشريف عليه ليأخذه إلى أبيه، فأكرمه وأخلى المجلس إلّا منه ومن الشّريف، وهناك أخبر بأنّه مقبوض عليه، وعُمل بنحو هذه المكيدة للقبض على أولاده، وتمّ ذلك ورُحِّلوا إلى مصر.
([114]) أي: أنّ المحروقي تقدّم وقبّل يد الشّريف.
([115]) لم يرد في كتب التّاريخ التي اطلعت عليها أنّ الشريف خرج من سجنه بعد أن دخل فيه، ولكن إن صحّت القصّة فلعلّ الشريف أرسل لهم من كفهم، ولا إخال قصّة تهديد حاشية محمد علي إلا ضربًا من مبالغة بعضهم، لا سيّما وأولاده الثلاثة قد سجنوا معه.
([116]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 442-443).
([117]) خيانة الشّريف غالب للدّولة السعوديّة ثابتة، ولكن خيانته للدّولة العثمانيّة محلّ شك، وهو الذي دعاهم إلى مكّة وجدّة والطّائف، وعمل معهم من الأمور الممكنة له ما يستطيعه، وشكّ الدولة العثمانيّة فيه إنّما هو جريٌ على عادتهم في عدم تقدير عملائهم، وهو تقليد توارثوه، فلم يُعهد عنهم تبجيل مَن هذا شأنه، ولكن العجب يأتيك من غالب نفسه، فإن الإمام سعودًا لم يرفع عنه أيًّا من خصائصه سوى ما حرّمه الإسلام، فكان واليًا على مكّة كما هو في عهد العثمانيّين بل أعز، ولم تتعرّض الدولة السعوديّة لأملاكه وجميع ما له فيه اختصاص، ولكن يبدو أنّ في القلب ضعفًا عظيمًا، والله المستعان.
([118]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 446).
([119]) غالية من قبيلة البقوم، ولا تكاد تجد كاتبًا غربيًّا عن الدّعوة الإسلاميّة إلا كتب عنها، وكذلك الجبرتي، وقلّما تجد من الكتّاب النجديين من أشار إليها، والحقّ أنّها لم تكن أميرة الجيش ولا أميرة البقوم، وإنّما كانت تاجرة تمدّ القوّات بما عندها، وكان لديها من الإيمان والعزيمة ما تفيضه على الجنود، فكانوا يتأثّرون بها، ولم تكن فوق ذلك، رحمها الله.
أمّا مصطفى فإنّه سافر بالعساكر إلى تربة، وفزعت فرقة من أهل بيشة إليها لنصرة أهلها، فكان بهم كسر جنود مصطفى وهزيمته التي أنكرها عليه الباشا. عنوان المجد (1/ 334).
([120]) من سرايته، أي: من قصره.
([121]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 447-448).
([122]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 448-449).
([123]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 449).
([124]) اليسق هو: القواس الذي يحمي القناصل والسفراء ونحوهم. تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل (ص: 201).
([125]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 449).
([126]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 451).
([127]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 451-452).
([128]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 452).
([129]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 453).
([130]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 453).
([131]) كان سعود قد جدّد سور تربة بشكل يستطيع مقاومة الغزاة، كما أن الدّعم من بيشة وعسير كان منتظمًا، ومعنويات الجنود المسلمين كانت عالية جدًّا، وكانت غالية مصدر مال ومصدر تحميس أيضًا، لكنّها لم تكن كل شيء كما توحي بذلك كتابات الغربيّين ومن نحا نحوهم، وقد كانت الغزوة الأخرى لطوسون تجاه تربة فردّ الله كيده، وقد أظهر محمّد علي باشا أنّ من أسباب ذلك نقص الجمال، والواقع أنّها لم تكن سببًا، فالنّصر صبر ساعة، لكنّه ظلّ يحشد النّاس ويكثر من الشكاية حتى وقع أمر الله. انظر: عنوان المجد (1/ 339)، حكّام مكّة (ص: 257).
([132]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 453-454).
([133]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 454).
([134]) هذا هو الشطط، كيف يلزمهم بدفع الفرانسة وهم أخذوها منهم؟! لقد عانى المصريون في ذلك معاناة شديدة، لم تبق منهم تاجرًا ولا عاميًّا إلا وسلقته.
([135]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 455).
([136]) هو الإمام سعود ابن الإمام عبد العزيز ابن الإمام محمّد بن سعود، ولد سنة 1165هـ، وطلب العلم عند الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب، وأصبح من علماء زمانه، وتقام له الدروس المنتظمة في سوق الدرعيّة وفي مسجده، تولّى الحكم بعد وفاة والده سنة 1218هـ، وكان في حياة والده قائدًا مظفّرًا فتح الله على يده كثيرًا من أصقاع الجزيرة العربيّة، وبعد وفاة والده ظلّ قائدًا مظفّرًا وعالمًا مقدّمًا، وكان مشهورًا بالفصاحة والبلاغة، والأدب والتواضع للفقراء، كما كان كريمًا باذلًا سخيًّا، وله في ذلك القصص العجيبة، وتوفي في أحد عشر من جمادى الأولى سنة 1229هـ.
([137]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 457).
([138]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 457).
([139]) في طبعة الجيل: خوفًا من جور الشريف وزواله؛ ولما كانت العبارة مشكلة رجعت إلى طبعة شمويل موريه، فوجدت النّص المكتوب فنقلته (4/ 244).
([140]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 461).
([141]) كي تعرف مستوى ما وقع على تجّار الموسم وعلى تجّار جدّة وعلى أهل المدينة قم بضرب قيمة الريال الفرانسي، أو مستوى الريال الفرانسي من الفضّة 28 غرام بعدد الريالات، لتجد أنّ ثمانية وعشرين غرامًا من الفضّة تعادل قيمتها مائة ريال تقريبًا، فإذا ضربتها في مائة ألف ريال يأتي لك عشرة ملايين ريال، وهي الضريبة التي رتبها الباشا على أهل الموسم، وعشرين مليونًا قيمة القرض القسري الذي أخذه على تجّار جدّة، وثلاثة ملايين على سكّان المدينة. وإذا علمت أنّ الاقتصاد في ذلك الوقت لم يكن شيئًا بالنسبة لنا اليوم أدركت حجم ما تعرض له أهل جدّة وتجارها والمتعاملين معها من الظلم والجور، فليت شعري ما الذي علّقهم بهؤلاء الظلمة؟!
([142]) القنفذة مدينة على البحر الأحمر، كانت ميناء، وتبعد عن مكّة ما يزيد على الأربعمائة كيلومتر.
([143]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 461).
([144]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 462).
([145]) الصواب عسير بدون تعريف، وطامي بن شعيب من مشايخ عسير، ومن كبار المؤازرين لآل سعود، وكبار قوادهم رحمه الله، قتل شهيدًا، وسيأتي ذكره في أخبار جمادي الأولى من سنة 1230هـ.
([146]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 463).
([147]) يروي جيرالد دي غوري في كتابه “حّكام مكّة” أنّ الأتراك فروا إلى السفن في البحر، فأدركهم الوهابيّون وسيوفهم في أفواههم، وقتلوا منهم ما استطاعوا، وكانت بطولة أتباع الدولة السعودية مما تستحقّ الثناء. حكّام مكّة (ص: 259).
([148]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 463).
([149]) القبجي أو القابجي هو: بوّاب الديوان السلطاني في الدّولة العثمانيّة، وهم هكذا يرسلونهم في المهمّات. تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل (ص: 162).
([150]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 463-465).
([151]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 465).
([152]) ليست في طبعة دار الجيل، وزيادتها من طبعة موريه (4/ 247).
([153]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 465).
([154]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 465).
([155]) جميل تعبير الجبرتي بقوله: حرابة قنفذة، فهي محاربة لله ورسوله وسعي في الفساد في الأرض. فهو وصف مطابق لما حصل، وهذا على عكس عبد الرحمن الرفاعي في كتابه عن محمّد علي، فإنّه نسب ما تسبّب به محمد علي إلى المصريّين وجمّل كلّ ما ذكر، ومع أنّه نقل عن الجبرتي فلم ينقل استياء الجبرتي، ولم ينقل ما حلّ بالمصريّين من الثبور، وكأن حركة محمّد علي حركة تصحيحيّة، وليست حركة تدمير وإلغاء.
([156]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 466).
([157]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 466).
([158]) هذه أخلاق جنود محمّد علي وهم في مصر بين أهلهم، فكيف إذا اغتربوا وحال البحر بينهم وبين أهلهم، بل هكذا تسمع إدارتهم بهم وتعلم حالهم ثمّ لا يكون منها أي تغيير.
([159]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 466-467).
([160]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 467).
([161]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 467).
([162]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 467).
([163]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 467).
([164]) الدلاة: طائفة من الجنود توضع في مقدّمة الجيوش العثمانيّة. تأصيل ما ورد في كتاب الجبرتي من الدّخيل (ص: 104).
([165]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 467-468).
([166]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 468).
([167]) رحم الله هذه المرأة وأحسن إليها بقدر ما قدمت من عون لهؤلاء الحجاج المساكين الذين كانوا مطمعًا للابتزاز من الحكام. (محمد أديب غالب).
([168]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 468-469).
([169]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 469).
([170]) كان ذلك بشفاعة أخيه يحيى له.
([171]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 469).
([172]) الصواب: كلاخ، ويقال: كليخ، موضع معروف قديمًا، وكان يوصف رمانه بالجودة، وهو الآن قرية.
([173]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 470).
([174]) راجح الشنبري، كان نقم على محمّد علي نفسِه لغالب بن مساعد، فلما أرضي بالمال رضي.
([175]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 471).
([176]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 471).
([178]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 473).
([179]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 474).
([180]) نعم، أخذ محمّد علي تربة، لكن بعد قرابة العام من مصابرة أهل تربة ومن انضمّ إليهم من أتباع الدّعوة من نجد والحجاز، وقد حدثت العديد من المعارك، أكثرها انتصر فيه أتباع الدّولة السعوديّة، حتى إنّ محمد علي طلب المصالحة من فيصل بن عبد الله، فقال له:
لا أصلح الله منّا من يصالحكم حتى يصالح ذئب المعز راعيها
وكان لبخروش بن علاس الأمير الزهراني وقعات مشهورات، وانتهى الأمر بقتله، قيل: في معركة بسل، وقيل: بعدها، لكن الشاهد من ذلك أنّ المسلمين بذلوا المجهود، وتحقيق النصر من عند الله تعالى. انظر: المقامات، للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل شيخ (ص: 117).
([181]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 476).
([182]) بعد انتصار محمّد علي على فيصل بن سعود في معركة بسل اتجه إلى تربة فأخذها، ثّم إلى الخرمة فأخذها، ثم إلى تبالة ثم بيشة، ثم صعد الجبل وأخذ خميس مشيط ثم عسير، وطاردت قواته طامي المتحمي إلى أن قبضت عليه، ولم يحصل إلا وقائع معدودة، ولم تكن بالعسيرة على الجيش التركي، أما الخرمة فقد أرسل لها راجحًا الشريف، فدخلها ودمّر ثغورها وبيوتها وأشعل فيها النيران. انظر: عنوان المجد (1/ 372).
([183]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 476).
([184]) كان طامي متجهًا إلى حصن في تهامة يقال له: مسلية، وكان حسن بن خالد في صبيا، فدعاه إليه فاستجاب، وقبض عليه في بيت حسن بن خالد. عنوان المجد (1/ 375).
قلت: وليس حسن بن خالد ابن عمّ لطامي، وإنما هو عالم سلفي له مؤلفات شريفة، وابن بشر ذكر أنّ حسن بن خالد هو من سلَّمه، وقد يكون ذلك، فكلّ ابن آدم خطّاء، وقد يكون الترك أدركوا وجود طامي عند حسن، فذهبوا إليه وقبضوا على الأخير، والله أعلم.
وقول الجبرتي: “اغتاله” هي إما خطأ أو لا يقصد معناها على الحقيقة، بل قتلوه بالإذن، واغتالوه أي: قبضوا عليه غيلة.
([185]) هو الأمير الشهم الشجاع الباسل صاحب الديانة والتقوى والنجابة، طامي بن شعيب أبو نقطة المتحمي، من قبيلة ربيعة. تولى إمارة عسير بعد مقتل ابن عمّه الأمير عبد الوهّاب في حرب بينه وبين حمود شريف تهامة، فتولّى الإمارة بعده بأمر سعود بن عبد العزيز، بقي فيها حتى استشهاده، وكان قائمًا بالأمر خير قيام، ولعلّ خاتمته تشهد بذلك.
([186]) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 476-477).