الاثنين - 27 شوّال 1445 هـ - 06 مايو 2024 م

قراءة تحليليّة لنقد الزمخشريّ للصوفية -الجزء الثاني-

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

شرعنا في الجزء الأول من هذه الورقة العلمية في قراءة تحليلية لما أورده أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت: 538هـ) في تفسير الكشَّاف من ذمّ للصوفية، وذلك بالنظر في كلامه، والنظر في ما أثاره حوله الواقفون عليه من تأييد أو اعتراض.

وفي هذا الجزء نتناول الموضع الثاني الذي شنّ فيه الزمخشري الغارة على الصوفية، ونتناول أيضًا ما نقده به ابن المنيِّر في حاشيته على تفسيره. فنقول وبالله نستعين:

ثانيًا: كلام أبي القاسم الزمخشري عن الصوفية في الموضع الثاني من كتابه:

يقول الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ ‌بِقَوْمٍ ‌يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]: (محبة العباد لربهم طاعتُه وابتغاءُ مرضاته، وأن لا يفعلوا ما يوجب سخطَه وعقابَه، ومحبة اللَّه لعباده أن يثيبهم أحسنَ الثواب على طاعتهم ويعظمهم ويثني عليهم ويرضى عنهم.

وأما ما يعتقده أجهل الناس، وأعداهم للعلم وأهله، وأمقتهم للشرع، وأسوؤُهم طريقة -وإن كانت طريقتهم عند أمثالهم من الجهلة والسفهاء شيئًا- وهم الفرقة المفتعلة المتفعلة من الصوف، وما يدينون به من المحبة والعشق، والتغني على كراسيهم -خربها اللَّه- وفي مراقصهم -عَطَّلَها اللَّه- بأبيات الغزَلِ المقولة في المُردَان الذين يسمّونهم شهداء، وصعقاتهم التي أين عنها صعقة موسى عند دكّ الطور، فتعالى اللَّه عنه علوًّا كبيرًا.

ومن كلماتهم: كما أنه بذاته يحبّهم كذلك يحبّون ذاته، فإنّ الهاء راجعة إلى الذات دون النعوت والصفات.

ومنها: الحبّ شرطه أن تلحقه سكرات المحبّة، فإذا لم يكن ذلك لم تكن فيه حقيقة)([1]).

المحاكمة بين الزمخشري وابن المُنَيِّر في تفسير هذه الآية:

لابن المُنَيِّر السكندري في هذا الموضع تعقّبات على الزمخشري، فلنذكرها مع بيان ما كان الحقّ فيه مع الزمخشري، وما كان الحق فيه مع ابن المُنَيِّر.

التعقب الأوَّل: أن الزمخشري فسّر محبة العباد لله تعالى بخلاف الظاهر:

تعقّب ابن المُنَيِّر الزمخشري في تفسيره محبّة العباد لله تعالى بأنها (طاعته وابتغاء مرضاته، وأن لا يفعلوا ما يوجب سخطه وعقابه) فقال: (لا شكّ أن تفسير محبة العبد للَّه بطاعته له خلاف الظاهر، وهو من المجاز الذي يسمّى فيه المسبّب باسم السبب، والمجاز الذي لا يُعدَلُ إليه عن الحقيقة إلا بعد تعذّرها.

فلنمتحن حقيقة المحبّة لغةً بالقواعد؛ ليُنْظرَ أهيَ ثابتةٌ للعبد متعلّقة باللَّه تعالى أم لا؟

فالمحبة لغة: ميل المتّصف بها إلى أمر مُلِذّ، واللذات الباعثة على المحبة منقسمة إلى:

مُدرَكٍ بالحسّ؛ كلذة الذوق في المطعوم، ولذَّة النظر واللمس في الصُّور المستحسنة، ولذة الشمّ في الأراييح العطرة، ولذة السمع في النغمات الحسنة.

وإلى لذة تدرك بالعقل؛ كلذة الجاه والرياسة والعلوم وما يجري مجراها([2]).

فقد ثبت أن في اللذات الباعثة على المحبة ما لا يدركه إلا العقل دون الحسّ، ثم تتفاوت المحبة ضرورةً بحسبِ تفاوت البواعث عليها، فليس اللذة برياسة الإنسان على أهل قرية كلذته بالرياسة على أقاليم معتبرة.

وإذا تفاوتت المحبة بحسب تفاوت البواعث، فلذات العلوم أيضًا متفاوتة بحسب تفاوت المعلومات، فليس معلومٌ أكملَ ولا أجملَ من المعبود الحق، فاللذَّةُ الحاصلة في معرفته ومعرفة جلاله وكماله تكون أعظم، والمحبة المنبعثة عنها تكون أمكن، وإذا حصلت هذه المحبة بعثت على الطاعات والموافقات.

فقد تَحَصَّلَ من ذلك أن محبة العبد [لربّه سبحانه] ممكنة، بل واقعة من كل مؤمن([3])، فهي من لوازم الإيمان وشروطه، والناس فيها متفاوتون بحسب تفاوت إيمانهم.

وإذا كان كذلك؛ وجب تفسير محبة العبد للَّه بمعناها الحقيقي لغة، وكانت الطاعات والموافقات كالمسبَّب عنها، والمغاير لها.

ألا ترى إلى الأعرابي الذي سأل عن الساعة فقال النبي عليه السلام: «ما أعددت لها؟» قال: ما أعددت لها كبيرَ عمل، ولكن حبّ اللَّه ورسوله، فقال عليه السلام: «أنت مع من أحببتَ»([4]).

فهذا الحديث ناطق بأن المفهوم من المحبة للَّه غير الأعمال والتزام الطاعات؛ لأن الأعرابي نفاها، وأثبت الحبّ، وأقرَّهُ عليه السلام على ذلك)([5]).

ثم قال: (ولا شكّ أن في الناس من أنكر تصوّر محبة العبد للَّه إلا بمعنى طاعته له لا غير، وهو الذي [نحا]([6]) إليه الزمخشري، وقد بيَّنَّا تصوُّرَ ذلك وأوضحناه.

والمعترفون بتصوُّر ذلك وثبوتِه يَنسِبُون المنكرين إلى أنهم جهِلوا فأنكروا، كما أن الصبيَّ يُنكِر على من يعتقد أن وراء اللّعب لذة من جماع أو غيره، والمنهمك في الشهوات والغرام بالنساء يظنّ أن ليس وراء ذلك لذّة من رياسة أو جاه أو شبه ذلك، وكل طائفة تسخر بمن فوقها، وتعتقد أنهم مشغولون في غير شيء. قال الغزالي: والمحبون للَّه يقولون لمن أنكر عليهم ذلك: {إِن ‌تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: 38])([7]).

أقوال السلف والمتكلمين والصوفية في المحبة:

إنّ من أبرز من تصدّى لتقرير قول السلف في تفسير محبّة الله تعالى، وتمييز من وافقهم من الصوفية والمتكلمين ومن خالفهم: شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ)، وتلميذه ابن القيم (ت: 751هـ)، وسنورد شيئًا من كلامهما في ذلك، لينجلّي به موقع كلام الزمخشري، وموقع كلام ابن المُنَيِّر([8]).

قال شيخ الإسلام: (وأما السلف والأئمة وأئمة أهل الحديث وأئمة التصوف وكثير من أهل الكلام والنظر فأقروا بأنه محبوب لذاته، بل لا يستحقّ أن يحبّ لذاته إلا هو. وهذا حقيقة الألوهية، وهو حقيقة ملة إبراهيم، ومن لم يقر بذلك لم يفرق بين الربوبية والإلهية)([9]).

وما ذكره ابن المُنَيِّر في تفسير محبة العباد لله هو قول السلف والأئمة، وإن كان قوله في تفسير محبة الله للعباد هو قول النُّفَاة، وهو يشترك مع الزمخشري في نفيها([10]).

وقال شيخ الإسلام في ذكره أقوال الناس في المحبة: (‌وطائفة لما رأت ما دلّ على أنّ الله يُحِبّ أن يكون محبوبًا من أدلة الكتاب والسنة، الذين غلطوا في مسمى المحبة والإرادة وكلام السلف وشيوخ أهل المعرفة، صاروا يقرّون بأنّه محبوب، لكنّه هو نفسه لا يحبّ شيئًا إلا بمعنى المشيئة، وجميع الأشياء مرادة له فهي محبوبة له. وهذه طريقة كثير من أهل النظر والعبادة والحديث؛ كأبي إسماعيل الأنصاري، وأبي حامد الغزالي، وأبي بكر بن العربي)([11]).

وقال: (ولهذا وافق على هذه المسألة طوائفُ من ‌الصوفية ‌المتكلمين الذين يُنكِرُون أن يكون الله مُحِبًّا في الحقيقة، فأقرُّوا بكونه محبوبًا، ومنعوا كونَه مُحبًّا؛ لأنهم تصوَّفُوا مع ما كانوا عليه من قول أولئك المتكلمة، فأخذوا عن الصوفية مذهبهم في المحبة، وإن كانوا قد يخلطون فيه)([12]).

وقد ذكر شيخ الإسلام أن للناس في محبة الله للعبد ومحبة العبد لله ثلاثة أقوال:

(أحدها: أن الله تعالى يحِبّ ويحَبّ، كما قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، فهو المستحق أن يكون له كمال المحبة دون سواه، وهو سبحانه يحِب ما أمر به، ويحِب عباده المؤمنين، وهذا قول سلف الأمة وأئمتها، وهذا قول أئمة شيوخ المعرفة.

والقول الثاني: أنه يستحِق أن يُحَبّ، لكنه لا يُحِبُّ إلا بمعنى أن يريد، وهذا قول كثير من المتكلمين، ومن وافقهم من الصوفية.

والثالث: أنَّهُ لا يُحِبّ ولا يُحَبُّ، وإنما محبّة العباد له: إرادتهم طاعته، وهذا قول الجهمية، ومن وافقهم من متأخري أهل الكلام ‌سوى الرازي)([13]).

والقول الثالث هو الذي نحا إليه الزمخشري -كما قال ابن المُنَيِّر- وتبعه البيضاوي([14])، وهو قول جمهور المتكلمين.

قال شيخ الإسلام: (وقد أنكر جمهور أولئك المتكلمين أن يكون الله محبوبًا، أو أنّه يُحِبّ شيئًا، أو يُحبّه أحد، وهذا في الحقيقة إنكار لكونه إلهًا معبودًا، فإنَّ الإله هو المألوه الذي يستحقّ أن يؤلَه ويُعبَد، والتألّه والتعبّد يتضمن غاية الحبّ بغاية الذلّ، ولكن غلط كثير من أولئك، فظنّوا أنّ الإلهيّة هي القدرة على الخلق، وأنّ الإله بمعنى الآلِه، وأنّ العباد يألههم الله، لا أنّهم هم يألهون الله؛ كما ذكر ذلك طائفة، منهم الأشعريّ وغيره)([15]).

وقال شيخ الإسلام في قاعدة في المحبّة: (‌فباب ‌محبة ‌الله ضلّ فيه فريقان من الناس: فريق من أهل النظر والكلام والمنتسبين إلى العلم؛ جحدوها وكذبوا بحقيقتها، وفريق من أهل التعبّد والتصوّف والزهد؛ أدخلوا فيها من الاعتقادات والإرادات الفاسدة ما ضاهَوا بها المشركين.

فالأولون يُشبِهُون المستكبرين، وهؤلاء يشبهون المشركين، ولهذا يكون الأول في أشباه اليهود، ويكون الثاني في أشباه النصارى. وقد أمرنا الله تعالى أن نقول: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ})([16]).

فالزمخشري نحا في كلامه في تفسير المحبّة مسلك الفريق الأول، وأصاب في نقده لأصحاب المسلك الثاني لكونهم أدخلوا في المحبة الرقص والزعيق والزئير وغير ذلك مما أنكره.

وقال ابن القيم: (وها هنا اختلفت الطُّرقُ بالنَّاس في علَّة التكليف وحكمته، مع كونه سبحانه لا ينتفِعُ بطاعتهم، ولا تضرُّه معصيتُهم:

‌فسلكت ‌الجبريَّة مسلكها المعروف، وأنَّ ذلك صادرٌ عن محض المشيئة وصِرْف الإرادة، وأنه لا علَّة له ولا ما يحثُّ عليه سوى محض الإرادة.

وسلكت القَدَرِيَّة مسلكها المعروف، وهو أنَّ ذلك استئجارٌ منه لعبيده، لينالوا أجرَهم بالعمل، فيكون ألذَّ من اقتضائهم الثَّوابَ بلا عمل، لما فيه من تكدير المِنَّة)([17]).

ثم قال بعد كلام: (فهذان ‌مسلكان ‌آخران في حُسْن التكليف والأمر والنهي:

أحدهما: يتعلَّق بذاته وصفاته، وأنه أهلٌ لذلك، وأنَّ جماله تعالى وكماله وأسماءه وصفاته تقتضي من عباده غايةَ الحبِّ والذُّلِّ والطَّاعة له.

الثَّاني: متعلِّقٌ بإحسانه وإنعامه، ولا سيَّما مع غِناه عن عباده، وأنه إنما يحسِنُ إليهم رحمةً منه وجودًا وكرمًا، لا لمعاوَضةٍ ولا لاستجلاب منفعةٍ ولا لدفع مضرَّة.

وأيُّ المسلكين سَلَكه العبدُ أوقعَه على محبته وبذلِ الجهد في مرضاته. فأين هذان المسلكان من ذَيْنِك المسلكين؟!

وإنما أُتي القومُ من إنكارهم المحبة، وذلك الذي حَرَمهم من العلم والإيمان ما حَرَمهم، وأوجبَ لهم سلوكَ تلك الطُّرق المسدودة، والله الفتَّاحُ العليم)([18]).

التعقُّب الثاني: أن الزمخشريَّ أنكر إطلاق لفظ العشق على محبة الله تعالى:

وأما التعقب الثاني الذي تعقب به ابن المُنَيِّر الزمخشري فهو في إطلاق العشق على محبة الله تعالى، حيث قال الزمخشري في وصف الصوفية: (وما يدينون به من المحبة والعشق)، فأنكر عليه ابن المُنَيِّر ذلك فقال: (ثم إذا ثبت إجراء محبّة العبد للَّه تعالى على حقيقتها لغة، فالمحبة في اللغة إذا تأكّدت سمّيت عشقًا، فمن تأكّدت محبته للَّه تعالى وظهرت آثار تأكّدها عليه من استيعاب الأوقات في ذكره وطاعته، فلا يمنع أن تسمّى محبته عِشقًا، إذِ العشق ليس إلا المحبة البالغة)([19]).

وقد ذكر شيخ الإسلام تنازعَ الناس في لفظ العِشق، وأنّ مِن أهل التصوّف والكلام مَن أطلق هذا اللفظ في حقّ الله تعالى، وأن طوائف من أهل العلم والدين ذهبوا إلى إنكار ذلك، ولهم في ذلك مأخذان من جهة اللفظ، ومأخذان من جهة المعنى([20]).

أولًا: المأخذ على إطلاق لفظ العشق على الله من جهة اللفظ:

فعلى إطلاق لفظ العشق على الله تعالى بأنه يقال: (عشقتُ الله) أو (الله معشوق لفلان) من جهة اللفظ مأخذان:

المأخذ الأول: أن هذا اللفظ ليس مأثورًا عن السلف، وفيه أثر لا يثبت، وباب الأسماء والصفات يُتَّبَع فيه ‌الألفاظ ‌الشرعية، فلا نُطلِقُ إلا ما يرد به الأثر.

‌والمأخذ الثاني: أن المعروف من استعمال هذا اللفظ في اللغة إنما هو في محبة جنس النكاح، مثل حبّ الإنسان الآدميّ مثله ممن يستمتع به من امرأة أو صبي، فلا يكاد يستعمل هذا اللفظ في محبة الإنسان لولده وأقاربه ووطنه وماله ودينه وعلمه وشجاعته وكرمه وإحسانه ونحو ذلك، بل المشهور من لفظ العشق هو محبة النكاح ومقدماته.

ثم لفظ العشق قد يستعمل في غير ذلك، إما على سبيل التواطؤ، فيكون حقيقة في القدر المشترك، وإما على سبيل المجاز.

لكن استعماله في محبة الله إما أن يفهَم منه أو يوهِم المعنى الفاسد، وهو أن الله يحِبّ ويحَبّ كما تحَبّ صور الآدميين التي نستمتع بمعاشرتها ووطئها، وكما تحَبّ الحور العين التي في الجنة، وهذا المعنى من أعظم الكُفر، وإن كان قد بلغ إلى هذا الكفر الاتحادية والنصارى.

ثانيًا: المأخذ على إطلاق لفظ العشق على الله من جهة المعنى:

أما المأخذ على إطلاق لفظ العشق على الله من جهة المعنى فهو أن العشق هل هو فساد في الحبّ والإرادة أو فساد في الإدراك والمعرفة؟

فقيل: العشق هو ‌الإفراط ‌في ‌الحبّ، حتى يزيد على القصد الواجب، فإذا أفرط كان مذمومًا فاسدًا مُفسدًا للقلب والجسم.

وقيل: إن العشق هو فسادٌ في الإدراك والتخيُّل والمعرفة، فإن العاشق يُخَيَّل له المعشوق على خلاف ما هو به، حتى يُصيبَه ما يُصيبُه من داء العشق، ولو أدركه على الوجه الصحيح لم يبلغ إلى حدّ العشق، وإن حصل له محبة وعلاقة.

فعلى التقدير الأول: فهذا المعنى ممتنع في حقّ الله من الجهتين: من جهة محبته لعباده؛ فإن الله لا يُحِبُّ محبَّةً زيادةً على العدل، ومن جهة محبّة عباده له؛ فمحبَّةُ عباده المؤمنين له ليس لها حدّ تنتهي إليه حتى تكون الزيادةُ إفراطًا وإسرافًا ومجاوزةً للقصد، بل الواجب أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما.

وعلى التقدير الثاني: فهذا المعنى ممتنع في حقّ الله من الجهتين أيضًا، من جهة محبته لعباده؛ فإن الله بكل شيء عليم، وهو سميعٌ بصيرٌ، مُقدَّسٌ مُنزَّهٌ عن كلّ نقصٍ أو خللٍ في سمعه وبصره وعلمه.

ومن جهة محبة عباده له؛ فالمحبون له عبادُه المؤمنون الذين آمنُوا به، وعرَفُوه بما تَعَرَّف به إليهم من أسمائه وآياته، وما قذَفَهُ في قلوبهم من أنوار معرفتِه، فليست محبتهم إياه عن اعتقاد فاسد.

فإذا اتّضح هذا، فإن المؤاخذة على ابن المُنَيِّر ليست في المعنى الذي ذكره لعشق العبد لربه، فلو قيل: إن العشق هو منتهى المحبة أو ‌أقصاها أو هو المحبة الأكيدة، فهذا المعنى حقٌّ من العبد، فإنَّهُ يُحِبُّ ربَّهُ منتهى المحبة وأقصاها، وإنما الإشكال في أن هذا اللفظ (العشق) ليس مأثورًا عن السلف، ويوهم معنى فاسدًا، ولا يمتنع أن يكون في الصوفية الذين صال عليهم الزمخشري في كلامه المتقدّم من يقصد تلك المعاني الفاسدة الموهمة، كقول الاتحادية منهم الذين يقولون: إنه عين الموجودات! وما نكح سوى نفسه! وهو الناكح والمنكوح! تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

التعقب الثالث: أن الزمخشري أطلق ذمَّ الصوفية وآخذ صالحي الصوفية بطالحيهم:

قال ابن المُنَيِّر: (وما أردت بهذا الفصل إلا تخليص الحقّ، و[الانتصاف]([21]) لأحبّاء اللَّه عز وجل من الزمخشري، فإنه خلط في كلامه الغثَّ بالسمين، فأطلق القول كما سمعته بالقدح الفاحش في المتصوّفة من غير تحرٍّ منه، ونسب إليهم ما لا يُعبَأ بمرتكبه، ولا يعدّ في البهائم فضلًا عن خواص البشر.

ولا يلزم من تسمِّي طائفة بهذا الاسم غاصبين له من أهله، ثم ارتكابهم ما نُقل عنهم مما ينافي حال المسمَّين به حقيقة أن يؤاخَذ الصالح بالطالح: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}.

وهذا كما أن علماء الدين قد انتسب إليهم قوم سَمّوا أنفسهم بأهل العدل والتوحيد، ثم خلعوا الربقة فجحدوا صفات اللَّه تعالى وقضاءَه وقدره، وقالوا: إنّ الأمر أُنُف، وجعلوا لأنفسهم شركًا في المخلوقات، وفعلوا وصنعوا، فلا يسوغ لنا أن نقدح في علماء أصول الدين مطلقًا؛ لأنهم قدِ انتسب إليهم من لا حيلةَ لهم في نفيه عن التسمّي بنعتهم، ولا يكلّف اللَّه نفسًا إلا وسعها)([22]).

وفي ما قاله ابن المُنَيِّر ثلاثة أبحاث:

البحث الأول: حال أكثر المتصوفة وما استقرّوا عليه:

إنّ البدعَ التي يتعاطاها المتصوّفة ليست أمرًا هامشيًّا في تاريخ التصوّف([23])، بحيث يقال: إنها تصرفات فردية أو نادرة أو شاذة، بل هي ذائعة شائعة فيهم عبر تاريخهم، صرح بذلك أئمّتهم قبل غيرهم، وفي ذلك يقول أبو حامد الغزالي (ت: 505هـ) رحمه الله: (أكثر ‌متصوِّفة ‌هذه ‌الأعصار لما خلَت بواطنهم عن لطائف الأفكار ودقائق الأعمال، ولم يحصل لهم أنس بالله تعالى وبذكره في الخلوة، وكانوا بطّالين غير محترفين ولا مشغولين، قد ألفوا البطالة واستثقلوا العمل، واستوعروا طريق الكسب، واستلانوا جانب السؤال والكدية، واستطابوا الرباطات المبنية لهم في البلاد، واستسخروا الخدَم المنتصبين للقيام بخدمة القوم، واستخفّوا عقولهم وأديانهم؛ من حيث لم يكن قصدهم من الخدمة إلا الرياء والسمعة وانتشار الصيت واقتناص الأموال بطريق السؤال تعللًا بكثرة الأتباع، فلم يكن لهم في الخانقاهات حكم ناقذ، ولا تأديب للمريدين نافع، ولا حجر عليهم قاهر، فلبسوا المرقعات، واتخذوا في الخانقاهات متنزهات، وربما تلقنوا ألفاظًا مزخرفة من أهل الطامات، فينظرون إلى أنفسهم وقد تشبهوا بالقوم في خرقتهم، وفي سياحتهم، وفي لفظهم وعبارتهم، وفي آداب ظاهرة من سيرتهم، فيظنون بأنفسهم خيرًا، ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ويعتقدون أن كل سوداء تمرة، ويتوهمون أن المشاركة في الظواهر توجب المساهمة في الحقائق، وهيهات! فما أغزر حماقة من لا يميز بين الشحم والورم، فهؤلاء بُغضاء الله، فإن الله تعالى يبغِض الشابّ الفارغ.

ولم يحملهم على السياحة إلا الشباب والفراغ، إلا من سافر لحجّ أو عمرة في غير رياء ولا سمعة، أو سافر لمشاهدة شيخ يقتدِي به في علمه وسيرته، وقد خلت البلاد عنه الآن.

والأمور الدينية كلها قد فسدت وضعُفت إلا التصوف، فإنه قد انمحق بالكلية وبطل؛ لأن العلوم لم تندرس بعد، والعالم وإن كان عالم سوء فإنما فسادُه في سيرته، لا في علمه، فيبقى عالمًا غير عامِل بعلمه، والعمل غير العلم.

وأما التصوف فهو عبارة عن تجرّد القلب لله تعالى، واستحقار ما سوى الله، وحاصله يرجع إلى عمل القلب والجوارح، ومهما فسد العمل فات الأصل)([24]).

هذا حال التصوّف في زمان الغزالي، وأما عن حال التصوّف في أزمنتنا المتأخرة فيقول الشيخ رشيد رضا (ت: 1354هـ): (وأخبرني الأستاذ الشيخ محمد الحسيني أشهر علماء طرابلس لهذا العهد أنه كان مرة في درس الشيخ الخضري الكبير في الجامع الأزهر، فمرَّ بالقرب من الجامع موكب لأهل الطريق بدفوفهم وصنوجهم وضجيجهم، فسكت الشيخ عن تقرير الدرس إلى أن بعدوا وخفّ صوتهم، وقال لتلاميذه: إن جميع طرق الصوفية دخلتها البدع إلا الطريقة النقشبندية والطريقة الدمرداشية اهـ.

ولكنني انتظمتُ بعد سماع هذا القول في سلك الطريقة النقشبندية، فألفيتها لم تخل من البدع، ثم اختبرت الطريقة الدمرداشية فوجدتها كذلك، ولكن بدعهما أهونُ من بدع غيرهما، فليس فيهما معازف ولا ملاهٍ ولا أغانٍ ولا عبادة قبور، ولا أوراد غير ذكر الله تعالى. وقد تكلمت على بدعة الرابطة عند النقشبندية([25])، وبدعة الذكر بالأسماء المفردة عندهم وعند غيرهم من قبل. وأين هي من التيجانية والحلولية والإباحية من الشاذلية الترشيحية وغيرها؟!

فعليك -أيها المسلم- أن لا تقرب أحدًا منهم، وإن لبعض من تفقّه من شيوخهم فائدة في إرشاد العوام إلى الصلاة والصيام وذكر الله، وإن كان بعضه غير مأثور أو مبتدع كالذكر بالأسماء المفردة، وهو هو، وآه آه، فلو اعتصموا بالمأثور لكان خيرًا لهم)([26]).

ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت: 1393هـ) رحمه الله: (صار المعروف في الآونة الأخيرة وأزمنة كثيرة قبلها بالاستقراء أن عامة الذين يدَّعون التصوف في أقطار الدنيا -إلا من شاء الله منهم- دجاجلة يتظاهرون بالدين ليضلّوا العوام الجهلة وضعاف العقول من طلبة العلم؛ ليتخذوا بذلك أتباعًا وخدمًا وأموالًا وجاهًا، وهم بمعزل عن مذهب الصوفية الحق، لا يعملون بكتاب الله ولا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

واستعمارهم لأفكار ضعاف العقول أشدُّ من استعمار كلّ طوائف المستعمرين، فيجب التباعد عنهم، والاعتصام من ضلالتهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولو ظهر على أيديهم بعض الخوارق، ولقد صدق من قال:

إذا رأيت رجلًا يطير … وفوق ماء البحر قد يسير

ولم يقف عند حدودِ الشرع … فإنه مُسْتدرج أو بِدعي

والقول الفصل في ذلك هو قوله تعالى: {لَيسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: 123-125]، فمن كان عمله مخالفًا للشرع -كمتصوّفة آخر الزمان- فهو الضال، ومن كان عمله موافقًا لما جاء به نبينا عليه الصلاة والسلام فهو المهتدي. نرجو الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المؤمنين، وألا يزيغنا ولا يضلنا عن العمل بكتابه وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم التي هي محجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك)([27]).

وعلى هذا، فإن الزمخشري حين أنكر بدعًا شائعة بين الصوفية -كتعبُّد الله تعالى بالرقص والزئير والزعيق- لم ينكر تصرّفات فردية، وإنما أنكر ما هو شائع ذائع لدى الصوفية، وما استقرّ عليه حالهم في عصره، بل زاد حالهم انحدارًا بعده.

وابن المُنَيِّر نفسُه ينكر أنواعًا من بدع الصوفية مما أنكره الزمخشري، وإن كان لا ينسبها لهم، حيث يقول: (وحسبُك في تعيين الأسرار في الدُّعاء اقترانه بالتضرُّع في آية: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55]، وإنَّ دعاءً لا تضرّع فيه ولا خشوع لقليل الجدوى، فكذلك دعاء لا خفية ولا وقار يصحبه، وترى كثيرًا من أهل زمانك يعتمدون الصُّراخ والصِّياح في الدُّعاء، خصوصًا في الجوامع، حتى يعظم اللغط ويشتدّ، وتستدّ المسامع وتستكّ، ويهتزّ الدَّاعي بالناس، ولا يعلم أنه جمع بين بدعتين: رفع الصَّوت في الدُّعاء، وفي المسجد، وربما حصلت للعوام حينئذ رقّة لا تحصل مع خفض الصَّوت، ورعاية سمت الوقار، وسلوك السنة الثابتة بالآثار، وما هي إلا رقة شبيهة بالرِّقة العارضة للنِّساء والأطفال، ليست خارجةً عن صميم الفؤاد؛ لأنها لو كانت من أصل لكانت عند اتّباع السُّنَّة في الدُّعاء وفي خفض الصّوت به أوفر وأوفى وأزكى، فما أكثر التباس الباطل بالحق على عقول كثير من الخلق! اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطلَ باطلًا وارزقنا اجتنابه)([28]).

المبحث الثاني: حول إطلاق ذم الصوفية:

أما الأمر الثاني في كلام ابن المُنَيِّر فهو أن إطلاق ذمّ الصوفية ورد في كلام غير الزمخشري من الأئمة، كالإمام الشافعي (ت: 204هـ)([29])، وهو من العامّ الذي يراد به الخصوص، أما إن أريد به شمولهم جميعًا بالذمّ -وهذا لا تدلّ عليه عبارات الأئمة- فهو من الحيف والجور، إذ فيهم من هو من أهل السنة والاتباع.

قال الإمام البيهقي (ت: 458هـ) معلقًا على قول الشافعي: (ما رأيت صُوفيًّا قطّ إلا مسلِم الخَوَّاص): (وإنما أراد به من دخل في الصوفية واكتفى بالاسم عن المعنى، وبالرسم عن الحقيقة، وقعد عن الكسب، وألقى مؤنته على المسلمين، ولم يبال بهم، ولم يرعَ حقوقهم، ولم يشتغل بعلم ولا عبادة، كما وصفه في موضع آخر). ثم ساق بسنده عن الشافعي قوله: (لا يكون الصوفي صوفيًّا حتى يكون فيه أربع خصال: كَسُولٌ، أَكُولٌ، نؤومٌ، كثير الفضول)، ثم قال: (وإنما أراد به ذمّ من يكون منهم بهذه الصفة، فأمّا من صفا منهم في الصّوفية بصدق التوكل على الله عز وجل، واستعمال آداب الشريعة في معاملته مع الله عز وجل في العبادة، ومعاملته مع الناس في العشرة؛ فقد حُكِيَ عنه أنه عاشرهم وأخذ عنهم). ثم ذكر قوله الشافعي: (صحبت الصوفية عشر سنين، ما استفدت منهم إلا هذين الحرفين: الوقت سيف، ومن العصمة أن لا تقدر)([30]).

يقول شيخ الإسلام في تحقيق في اسم (الصوفية): (وفي المُتَسَمِّيْنَ بذلك من أولياء الله وصَفْوَتِه وخيارِ عبادِه ما لا يُحصى عدّه، كما في أهل الرأي من أهل العلم والإيمان من لا يحصِي عددَه إلا الله)([31]).

وقال: (وقد عُلِمَ أن تصوُّفَ الفلاسفة من أبعد الأمور عن دين الإسلام، وخير منه تصوّف أهل الكلام المحدَث، مع ما فيه من البدع، وخير الصوفية ‌صوفية ‌أهل ‌الحديث([32])، وكل من كان منهم بالسنة أعلم وبها أعمل كان أفضل من غيره، كالفضيل بن عياض، وسهل بن عبد الله التستري، والجنيد بن محمد، وعمرو بن عثمان المكي، وأبو عثمان النيسابوري وأمثالهم فوق ذي النون المصري وصاحبه يوسف بن الحسين الرازي وأبي بكر الشبلي وأمثالهم. وكذلك أبو طالب المكي وأمثاله، كلامه في المقامات خير من كلام أبي حامد في الإحياء، وإن كان عامة كلامه مأخوذًا منه. بل كلام أبي طالب خير من كلام أبي القاسم القشيري صاحب الرسالة)([33]).

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بعد أن أورد فتوى الطرطوشي (ت: 520هـ) في الصوفية: (قد قدمنا في سورة مريم ما يدل على أن بعض الصوفية على الحقّ؛ ولا شك أن منهم ما هو على الطريق المستقيم من العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك عالجوا أمراضَ قلوبهم وحرسوها، وراقبوها وعرفوا أحوالها، وتكلّموا على أحوال القلوب كلامًا مفصّلًا كما هو معلوم، كعبد الرحمن بن عطية، أو ابن أحمد بن عطية، أو ابن عسكر -أعني أبا سليمان الداراني-، وكعون بن عبد الله الذي كان يقال له: حكيم الأمة، وأضرابهما، وكسهل بن عبد الله التستري، وأبي طالب المكي، وأبي عثمان النيسابوري، ويحيى بن معاذ الرازي، والجنيد بن محمد، ومن سار على منوالهم؛ لأنهم عالجوا أمراض أنفسهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يحيدون عن العمل بالكتاب والسنة ظاهرًا وباطنًا، ولم تظهر منهم أشياء تخالف الشرع.

فالحكم بالضلال على جميع الصوفية لا ينبغي ولا يصحّ على إطلاقه، والميزان الفارق بين الحق والباطل في ذلك هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن كان منهم متَّبعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وهديه وسمته -كمن ذكرنا وأمثالهم- فإنهم من جملة العلماء العاملين، ولا يجوز الحكم عليهم بالضلال، وأما من كان على خلاف ذلك فهو الضال)([34]).

البحث الثالث: كيف تحتجون بالزمخشري مع أنه معتزليّ؟

وأما الأمر الثالث في كلام ابن المُنَيِّر فهو إشارته إلى مسلك الزمخشري الاعتزالي، فهنا قد يُقال: كيف يورَد كلام الزمخشري -وهو معتزلي- في هذا المطلب العلمي الاعتقادي الذي يختصّ بتحريره أئمة السنة؟!

وقد أورد الخادميّ إشكالًا على نقل كلام الزمخشري بسبب مسلكه الاعتزالي، وأجاب عنه فقال: (ثم إن الاحتجاج بقول الزمخشري في مثل هذه المطالب لا يخلو عن خفاء! إلا أن يقال: ليس بإثباتٍ استقلاليٍّ وابتدائيٍّ، بل لتأييد ما ثبتَ قبله أو بعده، أو لإقناع الخصوم لا لتحقيق المقام.

ولا يبعد أن يُقَال: إنه أعرف لمعاني القرآن، ويُحتَجُّ بقوله من حيث كونه معنى للقرآن، أو أنه إذا لم يكن مما يتعلق بترويج مذهبه فيُحتَجُّ بقوله كما في رواية الحديث)([35]).

وقال الشيخ حمد بن عتيق (ت: 1301هـ) في رسالته إلى صديق حسن خان (ت: 1307هـ) -رحمهما الله- في وصف الزمخشري: (ومن أبلغ الناس بحثًا في المعاني الزمخشري، وله في تفسيره مواضع حسنة، ولكنه معروف بالاعتزال ونفي الصفات، والتكلف في التأويلات الفاسدة، والحكم على الله بالشريعة الباطلة، مع ما هو عليه من مسبة السلف وذمّهم والتنقص بهم، وفي تفسيره عقارب لا يعرفها إلا الخواص من أهل السنة)([36]).

ويقول الشيخ عبد الرحمن البرّاك معلقًا على كلام الزمخشري في ذمّ الصوفية: (وأما الحامل له للحمل عليهم والسخرية بهم وتسفيههم، فيحتمل أن ذلك منه باعتبار نظر العقل، وللعقل شأن عند المعتزلة، أو باعتبار النظر الشرعي؛ فإن أعمال أولئك المتصوّفة مخالفة لدلالة الشرع، وهي بدع لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو الحامل له كلا النظرين: العقلي والشرعي، وذلك أقرب)([37]).

وأنتَ تجد -أيها القارئ الكريم- كلامًا حسنًا لمن هو أشدُّ ضلالًا من المعتزلة، وهم الرافضة، فإنهم جمعوا إلى بدع المعتزلة في الصفات والقدر بدعتَهم في الإمامة، ومع ذلك تجد لهم -بل لعُتَاتِهِم- في ذمّ الصوفية ما هو حقٌّ وصواب، ومن ذلك: ما قاله ابن المطهّر الحِلِّي (ت: 726هـ) في ردّه على الاتحادية: (فانظروا إلى هؤلاء المشايخ الذين يتبرّكون بمشاهدهم: كيف اعتقادهم في ربهم، وتجويزهم تارة الحلول، وأخرى الاتحاد، وعبادتهم الرقص والتصفيق والغناء؟! وقد عاب الله تعالى على الجاهلية الكفار في ذلك، فقال عز من قائل: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ البَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}، وأي غافل أبلغ من تغفُّل من يتبرك بمن يتعبّد الله بما عاب به الكفار؟! {فَإِنَّهَا لَا تَعمَى الأَبصَارُ وَلَكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.

ولقد شاهدت جماعة من الصوفية في حضرة مولانا الحسين عليه السلام، وقد صلَّوا المغرب سوى شخص واحد منهم، كان جالسا لم يصلِّ، ثم صلَّوا بعد ساعة العشاء سوى ذلك الشخص، فسألتُ بعضهم عن ترك صلاة ذلك الشخص، فقال: وما حاجة هذا إلى الصلاة وقد وصل؟! أيجوز أن يَجعَل بينه وبين الله تعالى حاجبا؟! فقلت: لا، فقال: الصلاة حاجب بين العبد والرب.

فانظر -أيها العاقل- إلى هؤلاء وعقائدهم في الله تعالى كما تقدّم، وعبادتهم ما سبق، واعتذارهم في ترك الصلاة ما مرّ، ومع ذلك فإنهم عندهم الأبدال، فهؤلاء أجهل الجهال)([38]).

فهذا كلام ابن المطهّر في الإنكار على المتصوّفة بدعهَم من القول بالحلول والاتحاد والرقص والتصفيق والغناء والقول بسقوط التكليف؛ مع ما كان هو عليه من ألوان الضلال والابتداع.

فلو قيل: كيف يورَدُ كلام ابن المطهّر وهو رافضيّ، وهو الذي ردّ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة)، وبيّن فساد معتقده وضلال طريقته ومشربه؟!

كان الجواب: أن ذلك ليس بإثباتٍ استقلاليٍّ وابتدائيٍّ، بل لتأييد ما ثبتَ عند أهل السنة من ضلال الاتحادية، أو لإقناع الخصوم ممن لكلام ابن المطهِّر لديهم وزنٌ واعتبار، أو لبيان عدم انفراد أهل السنة بالإنكار لبدع الصوفية، أو أن كلام ابن المطهِّر ليس مما يتعلق بترويج مذهب الرافضة وبدعهم في القدر والصفات والإيمان والصحابة وغير ذلك، فيُحتَجُّ به.

قال الإمام أبو الحسين العمراني (ت: 558هـ) رحمه الله: (وأمَّا موافقة الرافضة فلا يضرُّ؛ إذا صحَّت السُّنَّة فيه)([39]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الذي عليه أئمة الإسلام: أن ما كان مَشروعًا لم يُترَك لمُجرَّد فعل أهل البدع؛ لا الرافضة ولا غيرهم) ([40]).

وقال العلامة الطاهر بن عاشور (ت: 1393هـ) رحمه الله في سياق ذكره لأسباب تأخّر علم الكلام: (اتّخذ المرتابون في العقائد سلاحهم عند الضعف في تأييد مذاهبهم التكفير سلاحًا، والأخذ بلوازم المذاهب، يدفعون بذلك الذين يخشون قوّة جدلهم، أما السلف العلماء فقد كانوا يحبّون أن يسألهم المسترشد أو يجادلهم الضالّ؛ ليزيلوا عنه ما عساه أن يلمَّ به من الشبه، وما كانوا يتحاشون من موافقة بعض الفرق المخالفة متى اتَّحد طريق النظر)([41]).

ومن المسائل العملية التي لم يتحاشَ أئمة أهل السنة من موافقة الرافضة فيها -إذا رأوا الحقَّ فيها-: الجهر بالبسملة، وتسطيح القبر، والتمتّع في الحج، كما ذكره شيخ الإسلام، وكذلك إن جاء عن بعضهم ذمّ بدع الصوفية والاتحادية، فإننا لا نترك ذمّهم بما يستحقّون فيه الذمّ لكون الزمخشري أو ابن المطهّر أو غيره شاركنا فيه، والله تعالى أعلم.

ومن الناس من يسلك في مثل هذا الموطن عكسَ هذا المسلك: فإذا رأى لبعض العلماء كلامًا حسنًا موافقًا لاعتقاد السلف وتقريراتهم في توحيد العبادة، أو في الاتباع، أو في ذم التعصب المذهبي، تجده يُخرِجُه من الفرقة المخالفة التي ثبت انتسابُه إليها، ويجعله من أهل السنة المحضة!

والحقّ أن إيراد كلام الزمخشري في بدَع الصوفية لا ينفي كونَه معتزليًّا، متلبِّسًا ببدعٍ أخرى في القدر والصفات والإيمان وغيرها من المسائل، وهكذا يقال في سائر العلماء من المعتزلة أو الأشاعرة أو الماتريدية الذين يوجَد لهم كلامٌ حَسَن في أبواب من الاعتقاد، فإنّ ذلك بمجرده لا يخرجهم من دائرة الفرقة التي ينتمون إليها.

وهذا آخر ما أردنا التعليق عليه من كلام ابن المُنَيِّر الذي لمز به الزمخشري بانتسابه للمعتزلة الذين سمَّوا أنفسهم كذبًا أهل العدل والتوحيد!

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) الكشاف (1/ 647-648).

([2]) المشهور تقسيم اللذات إلى ثلاثة أقسام: لذات حسية، ولذات خيالية، ولذات عقلية، وقد جعل ابن المنير الخيالية والعقلية قسمًا واحدًا. انظر: ذم لذات الدنيا، للفخر الرازي (ص: 213)، وقاعدة في المحبة، لابن تيمية (ص: 124-125).

([3]) قال ابن القيم: (وما من مؤمن إلا وفي قلبه محبةٌ لله تعالى، وطمأنينة بذكره، وتنعُّمٌ بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوقٌ إلى لقائه، وأنسٌ بقربه، وإن لم يحسّ به لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به، فوجود الشيء غير الإحساس والشعور به. وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه). إغاثة اللهفان (2/ 948).

([4]) أخرجه البخاري (3688، 6171)، ومسلم (2639).

([5]) الانتصاف مما تضمه الكشاف من الاعتزال (1/ 621). وهو كتاب نقد فيه ابن المنيّر عقائد الزمخشري وفقًا لأصول الأشاعرة.

([6]) في الأصل: حاز، والتصويب من نسخة خطية.

([7]) الانتصاف مما تضمه الكشاف من الاعتزال (1/ 622).

([8]) وسيظهر بمطالعة ما سننقله من كلام شيخ الإسلام غلط المستشرق مارشال هودجسون في كتابه مغامرة الإسلام: الضمير والتاريخ في حضارة عالمية (2/ 683) -الذي نُشِرَت ترجمته مؤخرًا- حين قال: (قبل ابن تيمية بالفكرة القائلة: إن الله يصطفي بعض الرجال أولياء له، ولكنه أكد على أن هدف التقدّم الروحي ليس معرفة الله، وإنما عبادته وخدمته على أكمل وجه، وعلى السالك إذًا أن يُقبل، لا على محبة جوهر الله -الذي تستحيل معرفته-، وإنما على محبة أوامره -أي: الشريعة-). فهذا قول جمهور المتكلمين الذي نحا إليه الزمخشري، لا قول ابن تيمية، ولا قول السلف.

([9]) منهاج السنة (3/ 165).

([10]) انظر: عناية القاضي وكفاية الراضي، للشهاب الخفاجي (3/ 254).

([11]) النبوات (1/ 268-269).

([12]) مجموع الفتاوى (10/ 74).

([13]) شرح الأصبهانية -طبعة دار الإمام أحمد، بتحقيق: فوزي بن عبد العزيز الأثري- (ص: 96-97). والرازي في تفسيره (4/ 176-177) يصرح بإثبات محبة العباد لله تعالى في بحث له عند قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، وكنت قد طالعت هذا الموضع من كلام شيخ الإسلام في طبعة دار المنهاج بالرياض بتحقيق د. محمد بن عودة السعوي (ص: 39)، وقد جاءت العبارة الأخيرة فيها: (ومن وافقهم من متأخري أهل الكلام ‌والرازي)، وما زلت مستشكلًا أن يكون شيخ الإسلام ينسب للرازي إنكار محبة العباد لله تعالى، مع ما هو متيقَّن لدى طلبة العلم من سَعة اطلاعه على مقالات الطوائف، كيف والحديث هنا عن الرازي الذي لابن تيمية الدراية الكبيرة بكتبه؟! فكيف يكون شيخ الإسلام -بناء على ما جاء في طبعة دار المنهاج- ينسب إليه عكس مذهبه؟! إلى أن يسَّر الله الاطلاع على ط. دار الإمام أحمد، وفيها إثبات حرف سوى بدلًا من الواو، فتكون العبارة: (ومن وافقهم من متأخري أهل الكلام ‌سوى الرازي)، فانقشع غيم المسألة، وأسفر صبحها، ولله الحمد، وعليه فلا إشكال في ما نسبه ابن تيمية للرازي.

([14]) انظر: عناية القاضي وكفاية الراضي، للشهاب الخفاجي (3/ 254).

([15]) النبوات (1/ 267).

([16]) قاعدة في المحبة (ص: 123).

([17]) مفتاح دار السعادة (2/ 1076).

([18]) مفتاح دار السعادة (2/ 1089-1090).

([19]) الانتصاف مما تضمه الكشاف من الاعتزال (1/ 621).

([20]) كلام شيخ الإسلام في قاعدة في المحبة (ص: 116-122)، وقد أوردناه هنا ملخصًا.

([21]) في الأصل: الانتصاب، والتصويب من نسخة خطية.

([22]) الانتصاف مما تضمه الكشاف من الاعتزال (1/ 622).

([23]) الكتب في بيان ذلك كثيرة، ولا يمكننا حصرها هنا، منها: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارهما على الأمة للدكتور علي بن بخيت الزهراني، وتنبيه الساهي لما في الخرافة من الدواهي لأحمد بن برعود اليمني، ودمعة على التوحيد لمجموعة من الباحثين، وغيرها الكثير.

([24]) إحياء علوم الدين (4/ 347-349).

([25]) انظر: مجلة المنار (11/ 507).

([26]) مجلة المنار (32/ 670).

([27]) أضواء البيان (4/ 625-626).

([28]) الانتصاف (2/ 66).

([29]) كلامه في ذلك كثير، منه ما رواه أبو نعيم في الحلية أنه قال: (‌أُسِّسَ ‌التصوُّف على الكسل).

([30]) مناقب الشافعي (2/ 207-208).

([31]) مجموع الفتاوى (10/ 370).

([32]) قال الحافظ ابن رجب في ترجمة عماد الدين الواسطي: (وألّف تآليف كثيرة فِي الطريقة النبوية، والسلوك الأثري والفقر المحمّدي؛ وَهِيَ من أنفع كتب الصوفية للمريدين، انتفع بها خلق من ‌متصوفة ‌أهل الْحَدِيث ومتعبّديها). ذيل طبقات الحنابلة (4/ 382).

([33]) جامع المسائل (7/ 188-189).

([34]) أضواء البيان (4/ 625).

([35]) بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية (4/ 135).

([36]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (13/ 32).

([37]) نقله الشيخ د. عبد المحسن العسكر في مسامرة الكشاف: بين مراقي تحليله ومهاوي تأويله (ص: 81).

([38]) نهج الحق وكشف الصدق (ص: 58-59).

([39]) البيان شرح المهذب (3/ 109).

([40]) منهاج السنة (4/ 149).

([41]) أليس الصبح بقريب؟! (ص: 181).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

حديث: «جئتكم بالذبح» بين تشنيع الملاحدة واستغلال المتطرفين

الطعنُ في السنة النبوية بتحريفها عن معانيها الصحيحة وباتِّباع ما تشابه منها طعنٌ في النبي صلى الله عليه وسلم وفي سماحة الإسلام وعدله، وخروجٌ عن التسليم الكامل لنصوص الشريعة، وانحرافٌ عن الصراط المستقيم. والطعن في السنة لا يكون فقط بالتشكيك في بعض الأحاديث، أو نفي حجيتها، وإنما أيضا بتحريف معناها إما للطعن أو للاستغلال. ومن […]

تذكير المسلمين بخطورة القتال في جيوش الكافرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: من المعلومِ أنّ موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين من أعظم أصول الإيمان ولوازمه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ‌وَلِيُّكُمُ ‌ٱللَّهُ ‌وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [المائدة: 55]، وقال تعالى: (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ […]

ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ […]

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017