أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري (1287هـ / 1868م – 1367هـ /1948م)
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
تمهيد:
عاش أسد البنجاب العلامة ثناء الله الأمرتسري في زمن تسلط الإنجليز على الهند، وبثّ الفتن بين المسلمين، ودعم الفرق الضالة لتشتيت شملهم، فتصدى بكل قوة وذكاء وحكمة لإبطال شبهاتهم ووقاية المسلمين من شباكهم، فكان “المؤلف، الصحفي، المناظر، الداعية، الخطيب، كان سيفًا قاطعًا على القاديانية والبريلوية والمسيحية المحرفة والهندوكية ومنكري السنة وكل الطوائف الكافرة والضالة”([1]).
وساهم في تطوير عمل ودعوة أهل الحديث السلفيين في الهند، حيث كان أول أمين لجمعية أهل الحديث في الهند، التي تأسست سنة 1906م، فجاب الهند طولاً وعرضًا لحماية الدين وتفعيل دور أهل الحديث، وكان له في ذلك بالغ الأثر، كما ساهم في جهود التحرر من العدوان الإنجليزي على الهند حتى بلغت الاستقلال.
قال في وصفه السيد عبد الحي الحسيني: “وكان قوي العارضة، حاد الذهن، قوي البديهة، سريع الجواب، عالي الكعب في المناظرة، له براعة في الرد على الفرق الضالة وإفحام الخصوم، ذلق اللسان، سريع الكتابة، كثير الاشتغال بالتأليف والتحرير، كثير الأسفار للمناظرة والانتصار للعقيدة الإسلامية، وكان أكثر رده على الآرية([2]) والقاديانية، وكان عاملاً بالحديث، نابذًا للتقليد، يذهب مذهب الشيخ ولي الله الدهلوي في الأسماء والصفات، وكان جميلاً وسيمًا، أبيض اللون معتنيًا بصحته وملبسه، محافظًا على الأوقات، مجتهدًا دؤوبًا في العمل، عنده دماثة خلق، ومرونة في الأخلاق، وسعة في المعلومات، وحسن عشرة، ساهم في الحركة السياسية الوطنية، وشارك في المؤتمر الوطني العام، وكان له فضل في تأسيس جمعية العلماء وتقويتها، وفي تأييد ندوة العلماء التي ظل عضوًا فيها طول حياته”([3])، ولهذه الجهود الضخمة لقب: بأسد البنجاب، وأسد الهند، وفاتح قاديان، وابن تيمية الهند([4]).
ولما حصل الانفصال تعرض لنكبةٍ كبيرةٍ فقد فيها ولدَه الوحيد، ومكتبة الفريدة، وبيته، وممتلكاته، ومطبعته، وأمواله، وهاجر إلى باكستان فقيرا بعد غنى، وهو في سن الشيخوخة، ولم يمكث فيها إلا شهورًا قليلة أصيب خلالها بالشلل بسبب الهمّ والغمّ على فقْد ولده ومكتبته فصبر واحتسب ولم يطل مرضه، ومات في المهجر، رحمه الله وتقبله في الصالحين.
عصره والبيئة التي وجد فيها:
ولد ثناء الله سنة 1287هـ، بعد عقد من فشل الثورة الكبرى ضد الاحتلال الإنجليزي مما ساهم في بسط نفوذه على عموم الهند، وقد خصوا المسلمين بمزيد من التنكيل والعدوان بسبب دورهم الأكبر في المقاومة بخلاف الهندوس.
وأيضا كان قد تميز أهل الحديث من مسلمي الهند بمزيد من المقاومة والجهاد ضد الإنجليز مما دعا الإنجليز لإقامة عدة محاكم ظالمة لأهل الحديث – الذين لقبوهم بالوهابية – وأصدرت بحق الآلاف منهم أحكامًا ظالمة جائرة تراوحت من الإعدام إلى السجن المؤبد والنفي في ظروف بالغة السوء والقسوة.
ومع هذا البطش والقسوة لتخويف المسلمين من اتّباع نهج أهل الحديث واعتناق عقيدة التوحيد والولاء والبراء من الكفار والجهاد ضد الاحتلال، لجأ الإنجليز إلى عدة أساليب لتفريق صف المسلمين وتشتيت صفهم ووحدتهم، فدعموا جهود التنصير بين المسلمين لخلخلة صفوفهم من جهة، ودعموا أحد الهندوس المتطرفين ليقود انشقاقا في الهندوكية ويهاجم المسلمين بضراوة مما يفتت صف الهندوس فيما بينهم ويعرقل تعاون المسلمين والهندوس ضد الإنجليز من جهة أخرى، ثم ساهم الاحتلال الإنجليزي في رعاية ظهور القاديانية المرتدة عن الإسلام من جهة أخرى( [5]).
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ساعد هذا المناخ المضطرب الذي تسيطر عليه روح الهزيمة بظهور أحمد خان (مؤسس جامعة عليكرة) الذي اقتنع أن سبيل التحرر والتقدم يكون بتطويع الدين والإسلام للهيمنة الأوربية! وبالمقابل ساهم هذا الحال المائل من الجهل والفوضى بظهور أحمد رضا البريلوي، مؤسس الطريقة البريلوية الصوفية الغالية، وزيادة نشاط منكري السنة النبوية، وفتح المجال للشيعة أيضاً لينهشوا في المسلمين السنة بشبهاتهم وأكاذيبهم.
وكان من خبث الإنجليز أنهم شجعوا على قيام المناظرات بين هذه الطوائف والفرق وبين أهل السنة برغم دعمهم لجهود التنصير ومساعدة هذه الفرق والجماعات الضالة على النشوء، أو فتح المجال لها بنشر أباطيلها ودعاياتها الكاذبة، والغاية من وراء ذلك إشغال سكان الهند بصراعات داخلية تلهيهم عن مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وكأنهم كانوا يرجون فشل المسلمين في مقاومة الإنجليز وفشلهم في التمسك بدينهم([6])، وفي جميع الحالات فالإنجليز هم الفائزون، فإن ترك أهل السنة التصدي لهذه الجهود الضخمة من أهل الباطل سيؤدي إلى خسارة حاضنتهم ومجتمعهم السني! وإن تصدوا لهم انشغلوا عن الإنجليز واحتلالهم!
لكن الله عز وجل يسّر إبطال كيد الإنجليز بتوزع الجهود بين الدفاع عن الدين لدى البعض كالعلامة أبي الوفاء الأمرتسري بالدرجة الأولى مع مساهمته في مقاومة الاحتلال، والبعض الآخر كان دوره الأساس العمل السياسي ومقاومة الاحتلال كالعلامة أبي الكلام آزاد مع جهود دعوية.
في ظل هذه الفوضى الفكرية والمناظرات والجولات الدعوية لنشر الأفكار والدعايات والمزاعم التي تطعن في الإسلام والقرآن الكريم والنبي صلى الله عليهم وسلم وُلد وعاش ثناء الله الأمرتسري، فتفضل الله عز وجل عليه بأن هداه للتوحيد والسنة أولاً، ثم علّمه وفهمه ثانيًا، ثم استعمله في الدفاع عن دينه وكتابه ونبيّه، حتى فاق مَن في عصره وأقرّ له الموافق والمخالف بعلو كعبه في العلم والخلق، وهدمه لكل الأباطيل ونصرة التوحيد والسنة.
عائلته ومولده ونشأته:
ينحدر الشيخ ثناء الله من قبيلة “منتو” المشهورة في كشمير، وهي كانت قبيلة هندوسية تنتمى لطبقة البراهمة المعظمة عند الهندوس، ويُعتقد أن هذه القبيلة دخلت الإسلام في القرن التاسع الهجري على غرار الكثير من القبائل الهندوسية في كشمير وغيرها([7]).
وكانت كشمير دخلت في ظل حكم الإسلام منذ 1326م وبقيت كشمير تحت حكم الإسلام حتى سيطر الكفار عليها سنة 1819م، وبذلك بدأ اضطهاد المسلمين والاعتداء عليهم، ولما سيطر الإنجليز على المنطقة قاموا ببيع كشمير ومَن فيها سنة 1846م بستة ملايين روبية لحاكم غير مسلم!
فزاد في تعدّيه عليهم والتدخل في شؤون دينهم، فرحل أبوه الشيخ محمد خضر جو من كشمير إلى مدينة أمرتسر الهندية البنجابية حوالي سنة 1860م، وكان يعمل في تجارة الصوف، وهناك في أمرتسر وُلد ثناء الله سنة 1287هـ / 1868م، ولذلك نُسب إليها.
يقول الشيخ ثناء الله عن نفسه: “ولدتُ في أمرتسر في ولاية فنجاب، انتقل والدي المسمى خضر جو وعمي المسمى أكرم جو من كشمير من مديرية سرى نجر إسلام آباد إلى أمرتسر، وكانا يأتيان إلى هذه البلدة لتجارة الصوف، وفي الأسر الكشميرية أسرة يقال لها “منتو” وهي فرع من البراهمة، كانا (أي أبي وعمي) من هذه الأسرة”([8]).
نشأ ثناء الله كغيره من الأطفال، فحين بلغ السابعة من عمره وجّهه والده إلى الدراسة والتعلم على عادة زمانهم، وما هي إلا شهور قليلة حتى فقد والده وأصبح يتيمًا ولم يترك له والده شيئًا، فكفله عمه أكرم، ولكنه سرعان ما فقد عمه أيضًا، ورعاه أخوه الأكبر إبراهيم وأمه التي كانت من فضليات النساء، لكنه أيضا فقدها وهو في سن الرابعة عشرة.
يحدثنا الشيخ عن نفسه في هذه المرحلة فيقول: “توفي والدي حينما كنتُ في السابعة من عمري، ثم توفي عمي أيضا، وكان أخي الكبير محمد إبراهيم يمارس عمل الرقاعة-الخياطة- فعلّمني “هذا العمل”، وعندما بلغت الرابعة عشر من عمري توفيت أمي أيضا، وكنا أربعة أنفار من سلالة أبي، ثلاثة إخوة: إبراهيم وإسحاق وثناء الله وأختٌ واحدة”([9]).
كانت طفولة صعبة على ثناء الله حيث فقد والده وعمه مبكرًا، واضطر للعمل مبكرًا والاعتماد على نفسه والتعاون مع أخيه لإعالة أمهما مِن دخلهما المتواضع، ثم فقد حنان الأم ولم يزل فتى، فنشأ عصاميًّا وكأنه يُهيّأ لأمر عظيم في المستقبل.
ورغم هذه الحالة الصعبة إلا أن والدته حرصت على إكمال تعليمه فـ”علّمته القرآن ومبادئ الدين باللغة البنجابية، ثم لما ترعرع تعلم صناعة الشيلان الصوف وحذقها، وصار يشتغل بها، ويصارف نفسه ووالدته بكسبه اليومي الضئيل”([10]).
وهذا الحرص من والدته على تعليمه يؤكد أهمية حسن اختيار الزوجة ومركزية وعي الزوجين بمقصد الزواج وإنشاء الذرية الصالحة، خاصة في ظل الهجمة الإلحادية والعلمانية الشرسة على منظومة الزواج والعفاف والشرف تحت عناوين اتفاقية “سيداو” و”الجندر” التي تزعم أنها تسعى للحفاظ على حقوق النساء والأطفال!
نقطة التحول في حياة ثناء الله:
كانت حياة ثناء الله تمضي بهذه الوتيرة من اليُتم والعوز والعمل في الخياطة، لكنه كان في نفس الوقت ذكيا شغوفا بالتعلم والمعرفة، وقدّر الله عز وجل له حادثة غيّرت مجرى حياته من خياط إلى طالب علم ليتحول لاحقًا لعالم كبير يعمّ نفعه القارة الهندية بل ويتعداها.
ففي يوم من الأيام جاءه عالم من العلماء الصالحين، وجرى حوار بينهما، ثم نصحه بالدراسة وذهب، ولكن بقيت هذه الكلمة ترن في عقله وقلبه حتى قلبت حياته للخير.
يَحكي الشيخ ثناء الله هذه القصة فيقول: “إن واحدا من العلماء جاء يوما إلى الدكان الذي كان يعمل فيه بجبّته الثمينة لإصلاح شيء فيها، فأصلحها الشيخ حسب وعده، ثم جاء العالم المذكور مرة أخرى ليأخذها، وعندما رأى حسن عمله وثقافته ومهارته فرح كثيرا وأشاد به، ثم جرى الكلام حول القضايا الدينية، وفي خلال ذلك وجّه العالم إليه بعض الأسئلة، فأجابه إجابة صحيحة ومعجبة، فتعجب منه وتحير وسأله عن مدى دراسته قائلا: كم دراستك يا بني؟ فرده قائلا: أنا أمّي (غير قارئ) قد أصبت بيتم وحرمت حنان الأبوين من زمان، والآن أنا مدفوع إلى هذه المهنة بحكم الاضطرار… فقال له العالِم: عليك بالجد والسعي في كسب العلم، سوف تفوز وتنجح، وإلاّ فالخسارة عظيمة، لأنك مؤهل لكسب علم الدين، ولو لم تدرس لكنتَ ظالمًا نفسك”([11]).
بقيت هذه الكلمة الطيبة بذرة طيبة تنمو في قلب ثناء الله وعقله، وهذا من بركة النصيحة للمسلمين أن كلمةً عابرة قد تغيّر مسار إنسان أو عائلة أو مجتمع، وها هي هنا تحوّل ثناء الله من غلام يتيم فقير يعمل بالخياطة إلى عالِم مصلح سخّره ربه ليكون حاميا للإسلام والمسلمين، وثواب هذا الخير العميم يصبّ في حسنات عالم مجهول ألقى كلمة صادقة ومضى ولعله لم يعرف ماذا نتج عن كلمته من خير عظيم.
فبدأ ثناء الله يقرأ الكتب الأساسية بالفارسية من هنا وهناك، ثم تيسّر له التعرف على الشيخ أحمد الله الأمرتسري، وكان من علماء أهل الحديث، ويبدو أنه تفرّس فيه الخير، فرعاه واعتنى به، ويحكي لنا ثناء الله عن ذلك فيقول: “أول ما اشتقت إلى الدراسة كنت في الرابعة عشرة من عمري، وبعد قراءة الكتب الابتدائية والفارسية وصلت إلى الشيخ أحمد الله، أحد أغنياء أمرتسر، فكنت أشتغل عنده بالرقاعة والخياطة بجانب تلقي الدروس منه، حتى قرأت “شرح الجامي” و”القطبي”، وكنت أذهب إلى كنائس، فأنتقد على القساوسة والأساقفة ما يقولون في خطبهم وتوجيهاتهم”([12]).
وهنا يتجلى لنا مرة أخرى توفيق الله عز وجل لهذا الطفل اليتيم بشيخٍ من أهل الحديث يرعاه ويؤسسه على التوحيد والسنة، وهي من النعم العظيمة التي كان يعرف قدرها الأئمة السابقون، فها هو أيوب السختياني يقول: “إن من سعادة الحَدَث والأعجميّ أن يوفقهما الله لعالمٍ مِنْ أهل السنة”، ولذلك كم كانت سعادة ثناء الله بهداية الله له لأهل الحديث، حتى أصبح إمامًا كبيرًا منهم يدافع عن عقيدة التوحيد وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دلالة على أهمية عناية العلماء والدعاة بالصغار ورعايتهم وتوجيههم للحق، فمنهم يكون علماء المستقبل.
فدرس ثناء الله على الشيخ أحمد الله في مدرسته “تأييد الإسلام”([13]) مدة ليست بالقليلة عدة كتب في النحو والصرف واللغة العربية، وكان شيخه الأول.
طفولة ثناء الله شكلت له شخصية فريدة مزجت بين العصامية بسبب يتمه، والجرأة والشجاعة وحسن التعامل مع الناس من خلال عمله في دكان الخياطة، وكان يتمتع بذكاءٍ فطري وحرصٍ على التعلم، وحدثت له حادثة ستكون مفصلًا مهمًا في حياته العلمية والدعوية لاحقًا.
فحين كان عمره ست عشرة سنة ألقى أحد القساوسة محاضرة بالقاعة الكبرى لسوق مدينة أمرتسر لبيان صحة عقيدة النصرانية وكون المسيح ابن الله، وسكت الحضور -وفيهم بعض العلماء- ولم يردوا عليه، فحزن ثناء الله ولم يطق السكوت والتسليم لهذا القس بنشر كفره وباطله.
فقام الغلام ثناء الله وتقدم للقس مبتسمًا وطلب منه أن يزيل من ذهنه بعض التساؤلات، فلما رأى القس أنه غلام صغير السن فرح وظن أنه حقق مراده من زعزعة عقيدة الإسلام في قلوب المستمعين، ولكنه تلقى صدمة كبيرة.
فقد قال له ثناء الله: “أيها القسيس تزعم أن عيسى عليه السلام ابن الله، وتُكرر هذا الكلام مرارًا وتكرارًا، وتحاول إثبات البنوة لله سبحانه وتعالى، وتعتقد أن المسيح عيسى عليه السلام ابن الله من غير خجل ولا عار! فأسألك متى تزوج الإله؟ وأين تزوج؟ وما اسم زوجته؟ وهل زوجة الإله حملت به ثم وضعت؟ أم ماذا؟
فبدأ المجلس يسود فيه الهدوء والصمت، وتحيّر القسيس وألقم حجر الصمت وذُهل ولم يجد شيئا يتكلم به، فبهت وفقد رشده، واستمر ثناء الله قائلاً وهو يخاطب القسيس: أيها القسيس لماذا تسيئ إلى الله عز وجل … وفرح المسلمون ووجدوا فيها السرور البالغ فعانقوا الغلام الذكي الشجاع ورحبوا به وشجّعوه”([14]).
ومن هنا بدأت تتبلور لدى ثناء الله الرغبة بالتخصص في خدمة الإسلام وردّ شبهات الكفار والضالين، ورغب بمواصلة التعلم بتعلم علم الحديث، لا علوم الآلة التي هي باب للتفاخر وكسب المال، ومن هذه اللحظة ستبدأ مسيرة جادة من طلب العلم لثناء الله وتستمر معه سنوات طويلة، درس فيها في ثلاث مدارس علمية ذات مناهج متباينة، مما أكسبه علما ومعرفة وخبرة واسعة قلّما تحصلت لغيره.
مسيرة طلب العلم والتخصص:
حتى يحقق ثناء الله غايته في خدمة الدين، وتفنيد شبهات المغرضين، قرر الانتقال للدراسة عند الشيخ الحافظ عبد المنان الوزير أبادي الملقب بـ “أستاذ بنجاب”، وهو أحد أبرز تلاميذ شيخ الكل حسين نذير، يقول ثناء الله: “ثم بعد ذلك حضرت إلى الشيخ الحافظ عبد المنان الوزير آبادي المعروف بأستاذ بنجاب، لدراسة علم الحديث، وكانت حلقته في قيمة الصيت، وكانت له يد طولى في علوم الحديث في ذلك الوقت، فحصلت منه على الإجازة والشهادة في سنة 1307هـ/ 1889م”([15])، حيث درس عليه الحديث النبوي الشريف وعلومه ودرس الكتب المقررة، وأكمل المنهج وأسند عنه وحصل الشهادة([16])، وبذلك كان عمره عند حصوله على أول إجازة وشهادة حوالى إحدى وعشرين سنة.
وفي هذه السنوات الست كان ثناء الله قد تأسس على منهج أهل الحديث وتشرب العقيدة السليمة الصافية وترسخ في قلبه ووجدانه الاتباع التام للوحي الرباني المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية.
ومع ذلك لم تتوقف همة طالب العلم الشاب النشيط ثناء الله عند هذا الحد بل واصل طلب العلم، فرحل إلى مدرسة مظاهر العلوم بمدينة سهارنفور، ودرس فيها وحصل على الشهادة في السنة نفسها، أي 1307هـ([17]).
ومرة أخرى لم يكتفِ الشيخ ثناء الله بما حصل عليه من علم، فرحل للدراسة، لكن هذه المرة ذهب للدراسة في مدرسة دار العلوم المشهورة، مركز الديوبندية القائمة على التعصب للمذهب الحنفي وطرح ما عداه من المذاهب، ومعلوم أن أتباع الشاه ولي الله الدهلوي انقسموا بعد مدة من وفاته إلى أهل الحديث الذين واصلوا منهجه في نبذ التقليد ومحاربة البدع، وبين الديوبندية الذين تقوقعوا على المذهب الحنفي وتعصبوا له.
المهم رحل الشيخ ثناء الله من أمرتسر إلى ديوبند للدراسة في دار العلوم، ودرس على شيخ الهند محمود الحسن، فدرس عليه الحديث والفقه والأصول والمنطق، وغيرها من العلوم، قال الشيخ ثناء: “وشاركت في درس من جماعة طلاب الحديث في دروسهم المعروفة بـ “دورة الحديث” في بلدنا، واستفدت من الفَرْق الذي وجدته بين دروس الأستاذ (عبد المنان) بفنجاب، وبين أساتذة ديوبند في الحديث، وشهادة ديوبند هي موجودة لدي حتى الآن”([18]).
وهناك في ديوبند تميز الشيخ ثناء الله وعُرف بالنقاشات الثرية لشيوخه مع التوقير والاحترام، قال الشيخ ثناء الله: “كنت أُكثر الاعتراض والمناقشة، وأناقش معه (يقصد شيخه محمود الحسن) في موضوع الدرس بالجرأة في كل دروسه، فكان ينفق علي شطرًا كبيرًا من أوقاته لكي يقنعني، وكان يفعل ذلك بكل فرح، وفي أحسن أسلوب دون أن يغضب علي، ولما قصدت الرجوع إلى بيتي بعد التخرج من دار العلوم ديوبند، ذهبتُ إلى الشيخ مولانا محمود حسن للسلام عليه وللقاء الأخير فقال: ثناء الله إن كثيرا من الطلاب من زملائك كانوا يشكون إلي بأنك تعترض كثيرا وتضيع أوقاتنا، فكنت أجيبهم بأن هذا مستحسن عندي، وأحب أن يكون فيكم من يطرح علي السؤال مهما كان السؤال خطأ أو صوابًا، فحسبك أن تفرح، فإن الله إذا منح أحدا شيئا فالناس يحسدونه عليه”([19]).
وقد بقيت علاقة الشيخ ثناء الله بشيخه محمود قوية، فبعد أكثر من ربع قرن كان الإنجليز قد ضيقوا الخناق على الشيخ محمود حسن بسبب محاولته الاستعانة بالخلافة العثمانية لتحرير الهند، مما اضطره للرحيل للحجاز وهناك ألقي القبض عليه ونُفي إلى مالطا، ومكث هناك ما يزيد عن ثلاث سنوات، فما كان من الشيخ أبي الوفاء الأمرتسري وغيره من العلماء والزعماء إلا العمل بكل قوة للإفراج عنه وعودته للهند، لبلده وأهله وطلابه، وذلك بالاتصال بالجهات المعنية، وإرسال البرقيات، وقد تكفل الشيخ أبو الوفاء بكثير من هذه المصاريف من جيبه الخاص حتى تحققت عودة الشيخ محمود حسن للهند سنة 1338هـ([20]).
وفي أثناء دراسته في دار العلوم الديوبندية سافر لدهلي، وقابل العلامة نذير حسين وقال عن ذلك: “توجهت إلى الشيخ شمس العلماء السيد نذير حسين المحدث الدهلوي وقدمت إليه الشهادة المذكورة التي حصلت عليها من الشيخ الحافظ عبد المنان فمنحنى إجازة تدريس الحديث”([21]).
ولم يكتفِ الشيخ ثناء الله بالدراسة على منهج أهل الحديث ومنهج متعصبة الأحناف الديوبونديين، بل جمع لذلك الدراسة على طريقة الصوفية البريلوية المبتدعة، حيث رحل إلى مدينة كانفور للدراسة في مدرسة الفيض العام، حيث درس على يد الشيخ أحمد حسن الكانفوري العلوم النقلية والعقلية، قال الشيخ عن دراسته لدى البريلوية: “عندما تخرجتُ من ديوبند التحقت بمدرسة فيض عام بكانفور، لأن الشيخ الأستاذ أحمد حسن وكان ذائع الصيت والشهرة في تدريس المنطق، وكان عندي رغبة في علم المعقول والمنقول، واستفدت كثيرا من دروس الشيخ أحمد حسن، مع أنه كان يميل إلى البدعة في مسائل العقيدة، ولكن لم يحب أي تقيد وتحزب مع طلابه”([22]).
وتخرج الشيخ ثناء الله منها سنة 1310هـ/ 1893م، بعد أن أتمّ كل متطلبات الدراسة في الهند آنذاك وبلغ ثلاثًا وعشرين سنة.
وكان نص الشهادة: “هذا الرجل الماهر الكامل والعالم الفاضل، الذكي اللوذعي، اللهوف الألمعي المولوي محمد ثناء الله قد غاص على فرائد اللآلئ في ذلك اليم، وقد خاض لطلب فوائد الجواهر في ذلك الخضم”، وقد أقيمت حفلة لتخريج الشيخ وسبعة من زملائه، وفي تلك الحفلة أعلن عن تأسيس ندوة العلماء وحظي الشيخ بعضويتها وبقي على ذلك حتى وفاته([23]).
يقول الشيخ ثناء الله عن تنوع دراسته: ” إني اكتسبت علوم الحديث من عدة علماء منتمين إلى ثلاثة مدارس فكرية، ويختلفون فيما بينهم في الأصول والفروع كالتالي:
- خلص علماء أهل الحديث السلفيين كشيخنا الحافظ عبد المنان الوزير آبادي الذي أتفق معه في العقيدة والفروع.
- خلص علماء الحنفية (الديوبندية) كالشيخ محمود حسن.
- خلص علماء المبتدعة وهم الأحناف البريلويون.
… استفادتي لعلوم الحديث من ثلاث طرق بالتدريس وجميع هذه المدارس الفكرية كانت مختلفة فيما بينها ومتميزة عن الأخرى، وتكونت بذلك عندي ثقافة خاصة”([24]).
وواضح هنا وعي الشيخ بمنهجه العقدي والفقهي، وأنه برغم تتلمذه على غير أهل الحديث إلا أنه كان ينتقى المفيد والنافع، ولم يتخلّ عن ثوابته وأصوله، وكان هذا التنوع أيضا من أسباب تفرد الشيخ أبي الوفاء الأمرتسري وتفوقه على أقرانه.
وفي أثناء دراسته في الفيض العام تعلم الطبّ على يد الشيخ فضل الله الكانفوري وبرع فيه، ولكن لم يعمل به، ورغم انخراطه في التدريس إلا أنه واصل تعلمه حتى حصل سنة 1902م على درجة الشرف الأولى لشهادة الفضيلة (المولوي الفاضل) من جامعة البنجاب، التي تعد أعلى الشهادات في ذلك الزمان وعمره أربع وثلاثون سنة برغم أنه بدأ التعلم فعلياً وهو ابن أربع عشرة سنة، مما يدل على ذكائه وجده واجتهاده([25]).
وهنا تبدأ مرحلة جديدة في حياة الشيخ أبي الوفاء ثناء الله الأمرتسري، وهي مرحلة التدريس والتعليم التي لم تستمر طويلاً.
مسيرة التعليم([26]):
بدأت هذه المرحلة بعد التخرج من مدرسة الفيض العام بكانفور سنة 1310هـ/ 1893م، وعودته لبلده أمرتسر، وهناك طلبه شيخه الأول، مما يدل على دوام صلته بشيوخه وحسن وفائه وحفظه للود والجميل، يقول الشيخ عن نفسه: “حينما علِم أستاذي الأول أحمد الله الأمرتسري عن تكميل دراستي طلبني تلطفا في مدرسة (تأييد الإسلام) بأمرتسر على منصب رئيس مدرسيها، فبعد قبول هذا المنصب كنت أدرس الكتب العربية” ودرّس الشيخ في هذه المدرسة صحيحَ البخاري قريبًا من ست سنوات، حتى سنة 1898م.
ثم يحدثنا عن الانتقال إلى مدينة ومدرسة جديدة فيقول: “بعد الانفصال عن مدرسة تأييد الإسلام، بعد أيام دعيت في سنة 1898م للتدريس في المدرسة الإسلامية بماليركوتله، وتوليتُ رئاسة هيئة التدريس فيها، وبعد مدة رجعت من هنا إلى أمرتسر”، وبقي هناك لمدة سنتين، ثم تخلى عن التعليم والتدريس بالكلية وذلك سنة 1900م.
والسبب أنه شعر أن نطاق نفعه وخدمته للإسلام من خلال تعليم الطلبة محدود جدًّا، وأنه يطمح أن يكون نطاق نفعه وتأثير أكبر من صف تعليمي لعدد من الطلبة!
ولهذا لما كانت شخصية الشيخ ثناء الله تميل للجدال والمناظرة مع القدرة على الإقناع والتوضيح فقد وجد أن تخصصه في هذا الباب أجدى وأكثر فائدة من انشغاله بالتدريس، ولعله يسد ثغرة مكشوفة في الدفاع عن الإسلام أمام خصومه.
وفعلا أثبتت الأيام أن هذه الرؤية وهذا الاختيار كان صائبًا، وأن الشيخ ثناء الله أصبح مرجعية للمسلمين من أهل الحديث والأحناف وغيرهم في صد عدوان الكفار وأهل الضلال، وتحقق على يديه الخير العميم.
وهذه كانت بداية لمرحلة جديدة ستستمر معه لعدة عقود قادمة تتجاوز نصف عمره ويكون له فيها تميز كبير.
أسباب مغادرة التدريس والتفرغ للدعوة:
وسبب هذا التفرغ وترك التدريس أنه مع ممارسته للتعليم، إلا أنّ شغفه من قديم كان في باب الدفاع عن الإسلام ومحاورة خصوم الإسلام وتوعية المسلمين ضد الشبهات والافتراءات عليه، ولذلك مع تدريسه لم يتوانَ عن التصدي لخصوم الإسلام والسنة.
وسبق معنا أن الشيخ ثناء الله وهو في السادسة عشرة اضطر للدخول في نقاش مع أحد القساوسة، واستمر على هذا المنوال في دخول نقاشات مع المنصّرين، ومع توالي السنين زادت هذه الجهود التشكيكية تجاه الإسلام كما زادت الطوائف الضالة التي تسعى لنشر باطلها بين المسلمين.
ومن شغف ثناء الله وهو شاب بمتابعة هذه الأمور: أنه في شبابه ذهب لزيارة المرزا القادياني قبل أن يكشف انحرافه بادعاء النبوة، سجل لنا الشيخ هذه الزيارة فقال: “حياة المرزا منقسمة إلى فترتين -أولهما إلى وقت تأليف كتابه: “البراهين الأحمدية” وثانيها بعد تأليفه- كذلك كان لنا أيضا فترتان بعلاقتي معه إلى تأليف البراهين الأحمدية وبعد تأليفه- أما الفترة الأولى فقد غلب عليّ في هذه الفترة حسن الظن به، وقد بلغ بي الأمر أني اشتقت إلى زيارته في نحو السابعة عشر أو الثامنة عشر من عمري، ومن شدة محبتي له أنني أتيت للقائه من البتاله إلى القاديان وحيدًا مشيا على الأقدام (وُبعد المسافة بين بتالة وقاديان أحد عشر ميلا) والمرزا آنذاك لم يكن إلا مؤلفًا صغيرًا، ولكن لشدة شوقي ووجدي أثرت التعب في لقياه على الراحة. ولكن إن نسيت شيئا فلا أنسى ما رأيته وأنني كل ما تخيلته عنه ذهب أدراج الرياح بعد لقياه… كنتُ جالسا أمام داره في الشمس، إذ جاء المرزا وبدون أن يقرأ علي السلام واجهني بالسؤال من أين جئت؟ وماذا تفعل؟ كنت طالبًا آنذاك واستصحبت صحبة العلماء، فقلت في نفسي كيف هذا الرجل لا يبالي بالسنة؟ وما السبب؟ ولكن غلب عليّ حسن الظن به حتى ذهب مني هذا الخيال”.
لكن اهتمام ثناء الله بالقادياني لم يتوقف رغم هذا الموقف السيئ، ولذلك حين أعلن المرزا عن ادّعاء المسيحية سنة 1891م فإن الشيخ بدأ يتابع كتاباته بدقة “منذ ادعى المرزا المسيحية الموعودة، فالفقير (الأمر تسري) لم يزل متأملا بالدقة نحو ادعائه – المسيحية – فطالعت وقرأت على العموم الكتابات التي حررها أو كتبها عنه معتقدوه كلما تيسر لي الحصول عليها، واستخرتُ الله تعالى وقمت بالمناقشات والمناظرات”([27]).
ومما يلزم توضيحه أن إعجاب الشاب ثناء الله بالقادياني كان قبل تحوله وانحرافه، فقد مرّ القادياني بعدة تحولات حيث كان أول انحراف له بادعاء رتبة المجدد في الإسلام سنة 1884م، ثم ادعى أنه المسيح الموعود سنة 1891م، وبعد ذلك ادّعى أنه المهدي المنتظر سنة 1894م، ثم ادّعى النبوة والرسالة سنة 1901م، ثم زعم اتصافه ببعض الصفات الإلهية([28])، وهذا التبدل في مسيرته دليل دجله وكذبه لأنه خلاف نهج الأنبياء والصالحين من الاستقامة والثبات.
يوضح لنا ثناء الله استمرار شغفه بمعرفة المِلل والفرق بما قاله عن نفسه: “رجعت إلى بلدي البنجاب بعد التخرج من كانفور -1893م-، وعُيّنت مدرساً بمدرسة تأييد الإسلام بمدينة أمرتسر لتدريس الكتب الدراسية النظامية، وكنت أميل إلى البحث والتحقيق، لذا كنت أبحث عن الأوضاع الدينية في البيئة من هنا وهناك، ولقد رأيت أن ألدّ أعداء الدين الإسلامي هما الطائفتان: النصارى والآرية، وكانت حركة القاديانية تولدت في تلك الأيام في المدن المجاورة، وكان أمرها اشتهر في البلاد، وكان يقاوم هذه الفئة الباغية من المسلمين الشيخ أبو سعيد محمد حسين البتالوي، رحمه الله، وكنت أرغب منذ الصغر إلى المناظرات فألتفت إلى قراءة كتب تلك الطوائف المنحرفة دينيا، وأسسهم، وتمكنت من كتبهم بفضل الله تعالى، وخاصة من كتب القاديانية. لعل الله أراد لهذا العبد الضعيف أن يخلف الشيخ محمد حسين البتالوي”([29]).
ولذلك بدأت جهود الشيخ ثناء الله في الرد على أكاذيب القادياني وشبهاته في وقت مبكر، وكان لها تأثير كبير، لدرجة أن المرزا القادياني نفسه كتب مقالا سنة 1894م منزعجًا من العلماء الذين تصدوا له، وخصّ منهم الشيخ محمد حسين البتالوي، والشيخ أحمد الله الأمرتسري، الذي كان لا يزال شابًا! مما يدل على أن جهوده إزاء انحرافات القادياني كانت كثيرة وخطيرة ومزعجة له.
ثم أصدر القادياني نشرة سنة 1900م يطلب فيها النقاش مع علماء المسلمين وعلى رأسهم الشيخ ثناء الله الذي لبّى طلبه، لكن المرزا هرب!
وبعد بضعة أشهر من السنة نفسها تحدى القادياني الشيخ ثناء الله والشيخ بير مهر علي الكوتري بتفسير أربعين آية دون استعانة بالكتب في عشرين صفحة خلال سبع ساعات، ومَن يكون تفسيره أفضل يكون هو المؤيد من الله! فقبل الشيخ ثناء الله والشيخ الكوتري التحدي، ولكن مرة أخرى هرب المرزا([30]).
وفي سنة 1898م وقعت مناظرة بينه وبين أحد زعماء فرقة (الآية سنج) وهي فرقة هندوسية تسعى لإعادة المسلمين للهندوسية! وجرت مناظرة أخرى معهم في السنة التالية 1899م، وصدرت في رسالة بعنوان “التناسخ”([31]).
وفي خضم مجابهة النصارى والقاديانية والآرية ألّف الشيخ ثناء الله سنة 1899م كتابًا بعنوان “الإسلام وأهل الحديث” بطلب من ندوة العلماء لتوضيح أصول أهل الحديث وعقائدهم، ردا على الاتهامات والافتراءات عليهم، مما يشير لتعدد الجبهات التي كان يعمل عليها الشيخ الشاب([32]).
فهذه الجهود القّيمة والضخمة التي قام بها الشيخ ثناء الله وهو يمارس التعليم دفعته لمغادرة التدريس والتفرغ للدعوة العامة لِما لها من نفع كبير يفوق نفع تدريسه لبعض الطلبة، وهي مهمة قد يقوم بها العشرات غيره من المعلمين، فالمناظرات تحتاج إلى سفر وانتقال لمدن أخرى بعيدة مما يعطل التدريس ويضر بالطلبة، خاصة أن التنقل في ذلك الزمن -في أحسن حالاته- كان يتم بالقطار ويستغرق ربما أكثر من يوم للوصول من منطقة إلى أخرى، فضلا عن أنه قد لا تكون هناك رحلات يومية بين المناطق.
وأيضًا تأليف الكتب كان يحتاج الكثير من الجهد والوقت للكتابة في مواضيع متخصصة للرد على الملل والفرق المضادة.
المشروع الإصلاحي للعلامة الأمرتسري الذي استغرق حياته:
مصادر مشروعِه
بيّن الشيخ ثناء الله الأمرتسري مَصادره الإسلامية في مناقشة المِلل والنحل والفرق المضادة فقال: “وقد استفدتُ في هذا الفن من كتب العلماء السابقين – رحمهم الله – وخاصة من العلامة الشوكاني وابن حجر وابن القيم رحمهم الله في الحديث النبوي، والبيهقي والغزالي والحافظ ابن حزم والعلامة عبدالكريم الشهرستاني والحافظ ابن تيمية والشاه ولي الله الدهلوي والإمام الرازي وغيرهم -رحمهم الله- في علم الكلام”([33]).
أما كتب الخصوم فإنه كان يعكف على كتب هذه المِلل والفِرق ونشراتها ومجلاتها، يطالعها ويفهرسها في مذكرات ليستعين بها في الرد عليهم([34])، يقول الشيخ: “بذلتُ الجهد الكبير لجمع الكتب القاديانية والاطلاع عليها، ولأجل هذا قال لي الشيخ مولانا حبيب الرحمن المرحوم عميد المدرسة بديوبند سابقًا، لو جاهدنا ثلاثين سنة في هذا المجال لم نصل إلى معلوماتكم، فقلتُ لعل هذا من حسن ظنكم وتواضعكم”([35])، ويقول عن البهائية: “إننا نثبت في مقالنا هذا أن بهاء الله كان إلها بحسب العقيدة البهائية. لكن القراء يعرفون جيدا أننا لا نقول في أحد شيئا إلا ما ثبت لديهم وبكتاباتهم صراحة، ولا نقول ما نستنبطه من كلامهم، فلذا ينبغي أن ننقل اقتباسات من مجلة (البهائية) … الصادرة في دلهي أكتوبر ونوفمبر 1936م، ص 3″([36]).
وقد جمع الله تعالى للشيخ ثناء الله الذي كان يتقن عدة لغات (العربية والأردية والفارسية والهندية والسنسكريتية والإنجليزية) الاطلاع الواسع والذكاء وحسن الخطابة والإقناع وقوة الذاكرة، حيث حباه الله تعالى بحافظة قوية تفوقت على رؤوس هذه الملل والفرق في معرفة كتبهم المقدسة والمعتمدة، وكان يخرسهم في كتبه ومقالاته والمناظرات بتفوقه في حفظ واستحضار نصوص كتبهم، ومن أمثلة ذلك أنه أخرس اللاهورية -وهم قاديانيون ينكرون أن المرزا يكفّر المسلمين- حين نفوا تكفير ميرزا قاديان للمسلمين، فسرد لهم الشيخ ثناء الله عدة نصوص للميرزا مع التوثيق بالكتاب والصفحة، فلما سمعوا ذلك فروا من المباحثة([37]).
وبذلك يكون العلامة أبو الوفاء سابقًا ورائدًا لأمثال الشيخ أحمد ديدات والدكتور ذاكر نايك اللذين أبهرا العالم بجهودهما الدعوية القائمة على استحضار نصوص المخالفين.
منهج مشروعه الإصلاحي
هذا المشروع الإصلاحي للشيخ الأمرتسري أُسسه واضحة لكل من طالع سيرته أو نتاجه العلمي، ويمكن تلخيص منهجه الإصلاحي في النقاط الآتية:
- اعتماد منهج أهل الحديث السلفيين وعقيدتهم، وقد صرح بذلك مرارًا وألّف كتابه “مذهب أهل الحديث” لتوضيح ذلك، ولما أُعترض عليه بسبب بعض الأخطاء في تفسيره المختصر والفريد للقرآن الكريم المسمى “تفسير القرآن بكلام الرحمن”، قبِل الشيخ بكل ما حكمت به لجنة التحكيم في الهند سنة 1904م وصحّح الأخطاء الأربعة عشر التي أقرت بها لجنة التحكيم من الأربعين المنتقدة، ثم لما تجدد الخلاف سنة 1918م صدر قرار المحكّمين بالنتيجة نفسها، أقرّهم الشيخ ثناء الله، وحتى عندما نُقل الخلاف إلى مكة المكرمة سنة 1926م بتعريب رسالة الانتقادات على الشيخ، وعقد جلسة بحضور السلطان عبد العزيز والعلامة رشيد رضا والعلامة محمد بهجة البيطار والشيخ عبدالله بن بلهيد والشيخ محمد بن عبد اللطيف، فإن الشيخ ثناء الله أعلن تراجعه عمّا جانب الصواب فيه والتزامه نهج السلف([38]). ووقوع أخطاء في جزئيات لا يخدش في عقيدة العلماء المعروفين بنصرة المنهج السلفي في سائر الأبواب.
- الاحتكام للعلم والدليل، وهذا واضح بيّن في كتبه ومقالاته ومناظراته.
- استخدام الأدلة الشرعية والعقلية في إبطال شبهات الخصوم، ونتاجه العلمي قائم على ذلك.
- تحرّي الصدق والدقة في نقل أقوال الخصوم من مصادرهم وتوثيق ذلك، ومتابعة تجدد الطبعات لكتبهم بحيث يتابع تطورات عقائدهم وتناقضها واقتباس بعضها من بعض، حيث كان الشيخ ثناء الله أول من صرح باقتباس مرزا قاديان انحرافاته من البهاء الإيراني مؤسس البهائية([39]).
- الالتزام بالأخلاق الإسلامية الحسنة في الجدال والنقاش وعدم مقابلة السب والكذب بمثله، بل كان الشيخ لا ينشر ردود أنصاره على الخصوم إذا كان فيها سب وشتم ولو كان على جهة المقابلة.
- يحرص على إعلام الجمهور بالحقائق من خلال علنية المناظرات أو نشرها في مقالات أو كتب، لتوسيع دائرة الإفادة.
- التعاون مع جميع المسلمين في الخير، ولذلك كان يستعين به الأحناف الديوبنديين كثيرا في المناظرات مع الخصوم وكان يمثل المسلمين في كثير من المواجهات مع غير المسلمين بحضور كبار العلماء من عدة تيارات.
- الاهتمام بالعمل الجماعي وتأسيس الجمعيات.
مجالات مشروعه الإصلاحي
من يَدرس حياة العلامة أبي الوفاء وسيرته يجد أن مشروعه الإصلاحي تركز في هذه المرحلة الجديدة والأخيرة من حياته على ثلاثة مجالات أساسية، هي:
- خدمة الإسلام والمسلمين، والردّ على المِلل والفِرق المضادة للإسلام والسنة، من خلال كتبه ومقالاته وخطبه ومناظراته وعضويته في عدد من الجمعيات.
- رعاية دعوة أهل الحديث وتنميتها، خاصة من خلال مساهمته في تأسيس جمعية أهل الحديث وتوليه منصب أول أمين عام لها منذ نشأتها في سنة 1903م، وحتى وفاته سنة 1948م.
- مساهمته ومشاركته في العمل الوطني لتحرر الهند من الاحتلال الإنجليزي، بالمشاركة في المؤسسات والأنشطة السياسية المختصة بذلك.
وسائل مشروعه الإصلاحي
أولاً: الكتب والصحف
يمكن القول بأن وسيلة الكتابة عند العلامة أبي الثناء مرّت بمرحلتين، مرحلة قصيرة بدأت بالتركيز على تأليف الرسائل والكتب، ثم مرحلة استخدام الصحافة في الدعوة.
فلو ألقينا نظرة على بواكير تأليفاته بعد التفرغ من التعليم نجد أنها تضم:
- كتاب نور الحق، ضد أكاذيب الآرية الهندوسية على القرآن الكريم، سنة 1900م.
- رسالة الصلوات الأربع، التي بيّن فيها فضل الصلاة الإسلامية على الصلاة في المسيحية والهندوكية والآرية، سنة 1900م.
- كتاب تقابل ثلاثة، الذي عقد فيه مقارنة بين الإسلام والمسيحية والهندوسية، وكشف عن تفوق الإسلام، سنة 1901م.
- رسالة حدوث الدنيا، وهي تسجيل لمناظرة للشيخ مع الآرية حول حدوث العالم وبطلان عقيدة التناسخ التي تؤمن بها الآرية والهندوسية، سنة 1902م.
- رسالة حدوث ويدا، هدم فيها أسس الآرية سنة 1903م.
- وقائع مناظرة ضد الآرية سنة 1903م، وطبعت في نفس السنة([40]).
أما المرحلة الثانية فوجد فيها الشيخ أبو الوفاء أن تأليف الكتب لا يكفي لنشر وخدمة مشروعه الإصلاحي الكبير بالدفاع عن الإسلام ونصرة منهج أهل الحديث، فلا بد من استخدام الصحافة في الدعوة، ولذلك سرعان ما قرر أن ينشئ صحيفة خاصة به يبث فيها أفكاره، ويخدم مشروعه، ويفتح الباب لمن يساهم معه في هذا المشروع الإصلاحي، لِما للصحافة في ذلك الزمن ولليوم من دور بارز في نشر المعارف والعلوم والأفكار وخدمة المصلحين، وقال هو عن ذلك: “حينما اشتدت الحاجة إلى الدعوة والإرشاد، وقصر عمل التأليف عن تلبية حاجات الناس تم إصدار جريدة “أهل الحديث”، التي أخذت على نفسها إصلاح الآراء الخاطئة والردّ على مطاعن غير المسلمين”([41])، خاصة أن أعداء الإسلام كانوا يستغلون الصحف والمجلات لنشر باطلهم بين المسلمين، حيث كانت تصدر في الهند صحف نصرانية مثل المائدة، وقاديانية كالفضل والفاروق، وهندوكية كآرية مسافر، والبريلوية كالفقيه، وللبهائية كالمنادى، وغيرها([42]).
ولذلك في سنة 1903م قام الشيخ بإصدار جريدة أسبوعية بعنوان “أهل الحديث” واستمرت حتى هجرة الشيخ من الهند فرارا من الاضطهاد الهندوسي سنة 1947م.
وعبر صفحات هذه الصحيفة نشر الشيخ ثناء الله آلاف المقالات في رد شبهات الملل والفرق ضد الإسلام، وتوضيح حقيقة الدين والتوحيد والسنة، مع العناية بأخبار الهند والعالم الإسلامي.
وقد تحمّل الشيخ الكثيرَ من الأعباء في سبيل قول كلمة الحق، ففي سنة 1914م فرض الإنجليز عقوبات مالية ضخمة على جريدة أهل الحديث مما عطل صدورها، فلم يرضخ لهم الشيخ أبو الوفاء، بل قام بالالتفاف على القرار بإصدار عددين من الجريدة بعنوان جديد موقت هو “مخزن ثنائي”، ثم أصدر عددين أيضا بعنوان جديد هو “كلدسته ثنائي/ الباقة الثنائية” وصدر منها أربعة أعداد، إلى تمكن الشيخ من تجاوز العقوبات الظالمة من الإنجليز المحتلين، وأصدر عددًا منها لاحقا سنة 1919م بسبب تأخر صدور تصريح جريدة أهل الحديث بسبب تبديل آلات المطبعة! وتكرر ذلك أيضا سنة 1923م، وهذا الإصرار على الصدور برغم العراقيل يؤكد قوة الهمة والعزيمة عند الشيخ ثناء الله وأنه كان يدرك أهمية الإعلام والتوجيه ومركزية المشروع الإصلاحي الذي يضطلع به. ومما يلزم الإشارة إليه حرص الشيخ على رفض أي مساعدة من الإنجليز، فكان يتجنّب الاجتماع بهم إلا في حالات الضرورة حتى لا يقع تحت أي ضغط منهم يخالف المصلحة الإسلامية([43])، ويقدر عدد صفحات جريدة أهل الحديث بـ 35 ألف صفحة بالقطع الكبير ومن الخط الدقيق!([44])
ولما تضخم الخطر القادياني على الإسلام والمسلمين في الهند وشعر الشيخ بأن تخصيص بعض الصفحات في جريدة أهل الحديث لهدم القاديانية غير كافٍ، قام بإصدار جريدة خاصة لمكافحة القاديانية سماها “مرقع قادياني” وصدرت سنة 1907م، وتصدت بقوة للقاديانية، لكن عقب وفاة الكذاب القادياني سنة 1908م توقفت عن الصدور بسبب انتفاء الداعي لها، لكنه أعاد إحياءها سنة 1931م حين تجدد الخطر القادياني واستمرت سنتين حتى 1933م، ثم دمجها الشيخ في جريدة أهل الحديث وزاد عدد صفحاتها([45]).
وجريدة مرقع قادياني كانت خاصة بالمشتركين، وجمع الشيخ أهم مقالاتها وطبعها في كتاب لتعم الفائدة([46])،
وكان الشيخ أصدر جريدة باسم “مسلمان” سنة 1908م لكنها لم تستمر طويلا، وكانت أسبوعية ثم تحولت إلى شهرية، وفي سنة 1910م أوكل الإشراف عليها لأحد تلاميذه إلاّ أنه لم يتمكن من مواصلة العمل فيها فتوقفت عن الصدور سنة 1913م([47]). وكان الغرض الأول منها الرد على النصارى، حيث “إن الشيخ كان يراقب الوضع التبشيري بنظرة دقيقة ويلاحظ مؤامراتهم على الإسلام والمسلمين ووسائلهم المختلفة والمستحدثة للدعوة إلى دينهم، وما تغدق عليهم الحكومة النصرانية من تسهيلات مادية ومعنوية”([48]).
وكان الشيخ إذا تعذر عليه إصدار عدد بسبب سفره لمناظرة أو مؤتمر، كان يضم العدد إلى العدد الذي يليه ويزيد عدد صفحاته والمقالات تلافيًا للنقص الذي حصل، وهذا كله من حرصه وعنايته بتوعية الناس، وحفاظًا على أموال المشتركين.
طبعًا؛ لا بد من استحضار صعوبة الطباعة في ذلك الزمن الذي كانت تُصفّ الحروف فيه يدويًا، وتحتاج إلى مراجعة مباشرة وتصحيح الصف ثم الطباعة، ولم يكن متوفرًا فيه الطباعة والتراسل الإلكتروني كما هو الحاصل اليوم، الأمر الذي يحتاج معه الكاتب والمحرر للبقاء في المطبعة لحين الانتهاء من الطباعة.
تميّزت إدارة الشيخ أبي الوفاء لصحفه، فكان “ترتيبه للمقالات جيداً ومقنعاً، وكان مظهر الجريدة من ناحية الطباعة والكتابة يحرز الإعجاب، والمحافظة على الوقت كانت مضرب المثل، مسؤولياته وارتباطاته كانت كثيرة، ومع ذلك لم يحصل خلل في إصدار الجريدة والإشراف على التحرير والترتيب”.
أما بخصوص كتابته لمقالاته شخصيًّا: “مقالاته كانت مدعمة بالأدلة، وكان يستنبطها من الكتاب والسنة، إنه لم يستند إلى أقوال الناس مهما كانوا إلا إذا كانت هذه الأقوال مؤيدة بالقرآن والحديث، كان يفضّل الإيجاز في المقال، لكن أسلوبه كان ممتعًا، فكان الناس يودون الإطالة في الكتابة، وكان تعامله مع الآخرين في غاية اللين واللطف، وبذلك تملك القلوب وأستأسر الطبائع”، هذه شهادة الدكتور مقتدى الأزهري، وهو الخبير بالصحافة والإعلام بما تولاه من رئاسة عدد من المجلات ولعقود طويلة([49]).
وهذه الصحف التي استمر الشيخ في إصدارها مدة أربع وأربعين سنة تحتوي على أغلب تراث الشيخ، وفيها الكثير من الكنوز والفوائد والتجارب التي لم يُستفد منها للآن، فها هي شبهات المنصّرين والهندوس والقاديانيين والبهائيين والشيعة وغيرهم يتجدد طرحها وبثها على المسلمين، وكثير منها هدمها الشيخ وأبطلها، لكن بقيت حبيسة الأوراق والأرشيف الذي يعلوه الغبار، وهي تحتاج عمّن يبحث عنها ويبرزها ويترجمها للعربية وغيرها من اللغة الأوردية التي أغلب تراثه بها.
وبرغم هذا الجهد الضخم في الكتابة، والمتابعة الدائمة وشبه اليومية للصحف، واصل العلامة الأمرتسري الكتابة والتأليف حتى تجاوز عدد كتبه 130 كتابًا، موزعة على الأصناف التالية:
- 7 كتب في تفسير القرآن.
- 36 كتابًا في الرد على القاديانية.
- 7 كتب في الرد على المسيحية.
- 32 كتابًا في الرد على الآرية.
- 22 في الرد على مبتدعة التقليد والتعصب المذهبي ونصرة مذهب السلف أهل الحديث.
- 22 كتابا في الدعوة والإرشاد والحديث والفقه، ويكون المجموع 136 كتابًا، وبعضهم يزيد عن هذا الرقم([50]).
ويصف الشيخ عبد المجيد السوهدوري طريقة الأمرتسري في الكتابة فيقول: “كانت كتابته مثل خطابته تتسم بالحلاوة واللين والجذب والإقناع والتأثير، وبالخلو من كلمة نابية سوقية، وقد شهد له بذلك معارضوه حينما ألّف كتابه “مقدس رسول” في الرد على من حاول النيل من الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي كتابه “حق بركاش” في الرد على من حاول الطعن في القرآن الكريم.
إن المطلعين على منهج الشيخ الأمرتسري في الكتابة، والملمّين بأسلوبه واستدلاله، يعرفون جيدًا أن الشيخ كان مستمسكًا بالأخلاق الإسلامية، وكان يهدف بكتاباته إلى التأثير بالناس ودفع السيئة بالحسنة، ولذلك كانت كتاباته يقرأها من أحبه ومن عارضه على السواء”([51]).
وقد أثمرت هذه الكتب والمجلات والمقالات في إبطال كثير من الشبهات والمؤامرات، وهداية كثير من الضالين وحماية آلاف المسلمين، فكتابُه “الصحيفة المحبوبية في الرد على الصحيفة الآصفية” الذي هو إبطال لرسالة أرسلها خليفة الميرزا الدجال إلى والي حيدر آباد سنة 1909م لدعوته للقاديانية، وأسلوب استمالة الحكام للدعوات الباطلة لا يزال متبعًا لليوم لأنهم –غالبًا- لا يعرفون بواطن الفرق والملل الباطنية من جهة، ولأن اعتناقهم أو دعمهم لفكر أو تيار يتيح له الانتشار بسرعة ودون معيقات، فردّ عليها الشيخ برسالةٍ أرسلها للوالي نفسه كشف له فيها حقائق القاديانية وردّتها عن الإسلام وكذب وخداع المرزا وخليفته وأتباعه، وكانت نتيجة عرض هذا الكتاب على الوالي والناس فشل محاولة القاديانيين وسدّ الباب في وجوههم، حتى قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري: “وبفضل تأثير هذه الرسالة لم تتجرأ القاديانية على الدخول في حيدر آباد بدكن، فلما أرادت لم تستطع ذلك إلا عن طريق التسلل”([52])، كما أن مجلات الشيخ الأمرتسري ساهمت بظهور وشيوع أسماء كثير من العلماء اللاحقين الذين سيكملون المسيرة من خلال فتح المجال لهم للكتابة على صفحات المجلة كالشيخ عبدالله معمار صاحب كتاب “المذكرة المحمدية” وهو مِن أفضل من كتب عن القاديانية في وقته، وقد جمع فوائد من سبق وزاد عليها، والشيخ عبدالله الثاني والشيخ أبو القاسم البنارسي والشيخ محمد إبراهيم مير السيكالوتي([53]).
يلخص لنا العلامة مقتدى الأزهري هذه الجهود الضخمة للعلامة ثناء الله فيقول: “ولما بلغ الثانية والثلاثين من عمره (أي في سنة 1900م) دخل في الدعوة إلى الله والكتابة والتأليف والمناظرة مع الخصوم، واستمر على ذلك نحو نصف قرن من الزمن قدّم فيه أحسن المؤلفات في التفسير والحديث والدفاع عن الإسلام والرد على الفرق الباطلة، وأسس صحافة إسلامية نافعة، وواصل جهاد اللسان والقلم فلقّبه الناس بـ “أسد بنجاب” و”فاتح قاديان”([54]).
ثانياً: المناظرات:
اشتهر الشيخ ثناء الله الأمرتسري بعقد المناظرات مع أتباع الملل والطوائف المضادة للإسلام، حتى قيل إنه خاض حوالي ألف مناظرة، منها مئتي مناظرة في بلده أمرتسر([55])، وكان الشيخ قد بدأ المناظرات مِن صباه “كان الشيخ في بداية أيام دراسته عند الشيخ أحمد الله الأمرتسري حتى بدأ ينشط في البحث والمناظرة … وكان يجادل مع غير المسلمين فكان يذهب إلى كنائس أمرتسر ويستمع إلى خطب القساوسة، وكان يعترض عليهم اعتراضات لا يستطيعون الرد عليها”([56]).
ويلخّص لنا الشيخ تجربته في المناظرات فيقول: “التفتُّ إلى المناظرات أثناء إقامتي بأمرتسر، وناظرت مع أتباع كل الديانات والفِرق، وكان فضل االله علي كثيرا، وقد حصلت بعض المناظرات وفيها منصفون وكان حكمهم دائما يوافقني والحمد لله”([57]).
ومن أجل هذه المناظرات جال القارة الهندية بأكملها، وكانت تشمل -آنذاك- الهند وباكستان وبنغلادش، وكان السفر يستغرق الكثير من الوقت والجهد والمال، ولعل النص التالي يوضح لنا توزع نشاطات العلامة الأمرتسري: “فلما نرى إلى أيامه نراه جوالا في مدن دكن حيدرآباد وهو يتصدى للرد على القاديانية، فلما توجه إلى الشمال فهو يقاوم الجكرالوية([58])، ولما ألتفت إلى الشرق نراه مبارزا للبريلوية، ولما توجه إلى وسط الهند فهو يفند أباطيل وخزعبلات النصارى، أو يمزق صفوف الشيعة، فقد أمضى -رحمه الله- عمره كله في سبيل الدفاع والذبّ عن دين الله ونصرة قضايا الإسلام والمسلمين”([59]).
وكان الشيخ يتحمل مصاريف التنقل والإقامة كلّها مِن جيبه الخاص، ومن صحته وراحته، وفوق ذلك كان يمكث –أحيانًا- هناك عدة أيام، ويستغل الوقت أيضًا لتقديم محاضرات نافعة ورعاية أنشطة الجمعيات التي يرأسها، أو التي هو عضو فيها، وأهمّها جمعية أهل الحديث.
بل كان بعض الأمراء والسلاطين يأمرون للشيخ –أحيانا- بأعطيات شهرية تقديرًا لجهده، فيتدخل الحاقدون والحاسدون فيتم وقف صرفها، فلا يلتفت الشيخ للمطالبة بها، ويمضي في طريقه الدعوي، ويواصل مسيرته بالإنفاق من جيبه على متطلبات الدعوة وإكرام الدعاة والضيوف ومساعدة المحتاجين من كل الأديان([60]).
ولتفوق الشيخ ثناء الله في المناظرة أصبح محل إجماع بين المسلمين، وأصبح الجميع يستعين به في مناظرة غير المسلمين، فمثلاً في سنة 1904م قام مسلمو مدينة نكينة بالترتيب لمناظرة مع دعاة الآرية الهندوسية ودعوا لها علماء ديوبند كالشيخ محمود الحسن الديوبندي وغيره، ولما سمع المسلمون بوجود الشيخ ثناء الله عندهم طلبوا منه الانضمام للمناظرة، وهنا طلب منه العلماء -كشيخه محمود الحسن- أن يتولى الأمر، ومثّل الآريةَ كاهن ومساعدون له، وكانت مدة المناظرة سبعة أيام. تصدّى الشيخ أبو الوفاء للمهمة، وفعلاً بعد ثلاثة أيام فرّ المساعدون، وصمد الكاهن يومين آخرين، وبذلك انتهت المناظرة قبل يومين من موعدها بنصر الإسلام على يد الشيخ ثناء الله([61]).
وفي أول مناظرة للمسلمين مع أتباع القادياني بعد هلاكه اجتمع مائة من علماء المسلمين من كافة أنحاء الهند في مدينة رامبور سنة 1909م، واتفقوا جميعا على أن يمثلهم الشيخ ثناء الله، وفعلا هُزم ممثل القاديانيين من أول يوم، وهرب في اليوم الثاني، فاستبدلوه بآخر، وتكررت هزيمته، ولم يحضر في اليوم التالي بحجة المرض، ثم غادر هاربا دون أن يخبر حاكم المنطقة الشيعي الذي حاول القاديانيون استمالته، فطلب عقد مناظرة بين المسلمين والقاديانيين، ولكن الله أظهر دينه الحق، حتى أن الحاكم الشيعي أكرم الشيخ مع معرفته بسلفيته ومخالفته للتشيع([62])!
وكانت المناظرات –أحيانًا- يُعيّن لها طاقم من المحكّمين، ويكون حكمهم قطعيًّا، وبعض المناظرات تكون شفوية وبعضها كتابية، والمناظرات التي سجلت وقائعها 78 مناظرة، وكان كثير من الخصوم يفرّون إذا عرفوا أن ممثل المسلمين هو الشيخ ثناء الله([63]).
وأصبح الشيخ ثناء الله أستاذًا وقدوة لكثير من العلماء من بعده في مجال المناظرة والمنافحة عن الإسلام حتى أنّ “المناظرين والمناقشين من العلماء حيث يستعصي عدهم، أما الأقدمون منهم فهم في كثرة كاثرة، والذين جاؤوا من بعدهم ربما يستحيل حصرهم، وهناك عدد هائل منهم يرون في صف طويل في جماعة أهل الحديث. ومن الحق الحقيق أن الله تعالى أكرمهم قاطبة بالنجاح الباهر في كل مناظرة، معظمهم نزلوا في الميدان بعد أن تربوا في أحضان العلامة المجاهد شيخ الإسلام ثناء الله الأمرتسري”([64]).
ومن أهم مناظرات الشيخ ثناء الله تحدّيه للمرزا القادياني بعد نشره قصيدة بعنوان “القصيدة الإعجازية”، ادّعى الدجال أنها مثل القرآن الكريم في الفصاحة والإعجاز! وضمّنها بعض الأبيات في ذم وهجاء الشيخ ثناء الله واعتبره أعظم خصومه، وبرغم أن الكثير من العلماء ردوا على المرزا، لكنه شعر بقوة تأثير مناظرات ثناء الله مع أتباعه حيث كان ينتصر عليهم دوما، وكذلك مقالاته وكتبه التي تجلد ظهر المرزا نفسه ولا يستطيع ردها أو الصمود في مواجهتها، ومن هذه الأبيات قوله عن ثناء الله:
ألا رُبَّ خصمٍ قد رأيتُ جدالَهُ … وما أن رأينا مثله من يزوِّرُ
فأوصيك يا رِدْف الحسين أبا الوفا … أنب واتق الله المحاسِبِ واحذر
ثم قال: طُرِدْنَا لِوَجْهِكَ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِنَا … فَأَنْتَ لَنَا حِبٌّ فَرِيدٌ وَّمُؤْثَرُ
وكان قد نشر هذه القصيدة بعد فشل أتباعه في مناظرة الشيخ ثناء الله، وتحداه فيها أن يكتب مثلها في خمسة أيام وسيعطيه 10 آلاف روبية!
فنشر الشيخ ثناء الله إعلانا في جريدة بيسة اللاهورية يقول فيه: أولاً يجب على المرزا تصحيح الأخطاء التي في القصيدة قبل التحدي بها! ثم ليكن التحدي بالجلوس معًا ركبة إلى ركبة وإنشاء قصيدة في تلك اللحظة، أما أن القادياني لا يعلم كم مكث حتى أخرج هذه القصيدة الركيكة أصلا ثم يقيّد خصمه بخمسة أيام، هذا خلاف العدل.
فلم يتمكن المرزا من الرد على الشيخ ثناء الذي انتظره مدة، ثم نشر مقالاً في تخطئة نحوية وبلاغية وفنية لخمسين بيتًا من هذه القصيدة “الإعجازية”! وقد قلل هذا الهروب من المرزا من مكانته عند أتباعه، فلم يجد إلاّ أن يهرب للأمام من جديد، فأصدر في نهاية سنة 1902م كتابه “إعجاز محمدي” بالقدوم لقاديان محل سكنه وتفنيد دعوى إلهامه من الله تعالى، وأنه سيعطيه 100 روبية عن كل إلهام يبطله، ولو نجح بإبطال كل إلهاماته لاستحق الشيخ ثناء الله 115 ألف روبية!
وزعم الدجال أن الشيخ ثناء الله لن يحضر! وأنه الكاذب الذي سيموت في حياة الصادق، وأنه سيسوّد وجهه بعجزه عن معارضة القصيدة الإعجازية!
وفعلا قبل الشيخ ثناء الله التحدي وذهب لقاديان في بداية شهر 1/1903م، وكان بذلك أول من يذهب لقاديان لمناظرة الدجال، وأرسل رسالة للمرزا أنه وصل بحسب طلبه للنقاش حول إلهاماته علنا أمام الناس، فأسقط في يده وبدأ يحاول فرض شروط تعجيزية مثل: أنه لا يسمح لثناء الله بالتحدث أثناء النقاش ويكتفي بكتابة ما يريد في سطر أو سطرين! وأن لا يعترض في اليوم إلا اعتراضًا واحدًا بحجة أنه جاء بغير موعد!
وتوالت بينهم الرسائل بحيث يواصل الشيخ ثناء الله الضغط عليه ليقبل باللقاء بحسب طلبه وتحديه السابق، ويواصل الدجال التهرب بحجج شتى، وتسبب تهرب الدجال من اللقاء في زيادة تصدّع مكانته بين أتباعه([65])، واكتملت فضيحته بهلاكه سنة 1908م بمرض الكوليرا في حياة الشيخ ثناء الله، وهي الميتة التي جعلها الدجال علامة على الكذب والضلال! ولم تتوقف فضيحته بذلك، بل هلك وهو يخرج النجاسة من فمه! وقبض وهو في المرحاض! وبرغم ذلك لم يلتزم أتباعه بنهج الأنبياء الذين كان يزعم أنه منهم، فالأنبياء يُدفنون حيث يُقبضون، فكان الواجب دفنه في المرحاض! بينما عاش الشيخ ثناء الله بعده أربعين سنة ينشر التوحيد والسنة ويقارع الضالين من أتباع الدجال، والحمد لله رب العالمين([66]).
إن هذه المسيرة الطويلة في مناظرة أعداء الإسلام، التي بدأت من أيام صباه وتكللت بالتوفيق الرباني دوما، جعلت الشيخ السوهدروي، وهو أبزر مَن كتب سيرة الشيخ الأمرتسري يقول: “ويظهر من هذا أن الشيخ -رحمه الله- ما نال هذه المرتبة في المناظرة والمباحثة بالكسب، وإنما هو شيء وهبه الله له، وهذا فضل الله يهبه من يشاء”([67]).
وقال الشيخ إبراهيم مير السيالكوتي ملخّصًا دور العلامة الأمرتسري: “لو تولدت فرقة في الليل ضد الإسلام، لاستطاع الشيخ الأمرتسري أن يرد عليها في صباحه”([68])، وذلك بما حباه الله من علم وذكاء وبصيرة وهمة وإخلاص.
خلاصة: حتى نتصور عظم الجهد الذي قام به العلامة أسد البنجاب وفاتح قاديان في مجال الكتابة والمناظرة فقط، عبر مدة 47 سنة (1900 -1947) لنستحضر الآتي:
إصدار أربعة أعداد من صحفه شهرياً، كتب فيها عدة مقالات وراجع عشرات غيرها.
عقد مناظرتين شهريًّا تقريبًا.
إصدار ثلاثة كتب سنويًا.
هذا بخلاف الدروس اليومية وخطب الجمعة واللقاءات العامة والمؤتمرات والمشاركة في تأسيس الجمعيات والجامعات والنشاط السياسي، وهذا جهد عظيم لا يقوم به إلا مَن وفّقه مولاه واصطفاه ليكون في قافلة المصلحين الربانيين.
ثالثا: العمل الجماعي والمؤسسي:
مما يجب أن يُعلم أن المسلمين في الهند كانوا متقدمين حضاريا على كثير من بقية المسلمين حتى منتصف القرن التاسع عشر، لأن مسلمي الهند كانت لديهم عدة دول وإمارات وسلطنات قوية وغنية ولها امتداد تاريخي، لذلك كان كثير من العلماء لا يزال على صلة ببقايا هذه الإمارات والسلطنات بشكل مباشر كالأمير العلامة صدّيق حسن خان، أو غير مباشر كالعلامة حسين نذير الدهلوي، أما تلاميذه، ومنهم الشيخ ثناء الله، فهؤلاء نشؤوا في وضع الفوضى والتبدل، من زوال آخر بقايا سلطنات الإسلام وهيمنة النصارى الإنجليز، ولكن تربوا على أمجاد الماضي وآمال المستقبل.
وكان من لوازم التطلع لمستقبل عودة قوة الإسلام، إدراك ضرورة العمل الجماعي المنظّم والمؤسسي للوصول لهذه الغاية على الأصعدة كافة، من صعيد حماية دين المسلمين ورعايتهم أو صعيد استرداد حكم الإسلام، أو التحرر من احتلال الإنجليز، وكان الشيخ يدرك ضرورة بذل الجهود المنظمة للدعوة والتعليم([69])، ولذلك شارك في تأسيس العديد من الجمعيات المتنوعة والمدارس والجامعات.
الجمعيات والمؤسسات العلمية والدعوية:
من أهم الجمعيات التي شارك فيها جمعية أهل الحديث، حيث دعا الحافظ عبد الرحيم آبادي علماء أهل الحديث في الهند لمزيد من التعاون والتكامل، وذلك خلال الاجتماع السنوي للمدرسة الأحمدية السلفية بمدينة أره، حيث كان لكثير من علماء أهل الحديث مدارس ومعاهد وجمعيات محلية، وسبق للشيخ الأمرتسري أن نشر مقالاً يقترح فيه إنشاء منظمة كبيرة لعموم مؤسسات أهل الحديث، فنتج عن ذلك تأسيس “مؤتمر جمعية أهل الحديث” سنة 1906م، ثم أصبح اسمها “جمعية أهل الحديث المركزية” عقب استقلال الهند سنة 1947م، ومما يجدر بالعناية هنا ملاحظة هذا الزمن المتقدم لتكوين العلماء السلفيين للجمعيات، وهي القضية التي كانت محل شد وجذب قبل عقود قريبة بحجة أن ذلك مخالف للمنهج السلفي ونوع من الحزبية، وللعلم فإن أول جمعية سلفية تأسست في الهند كانت جمعية غرباء أهل الحديث سنة 1895م([70])!
واختير الشيخ ثناء الله أمينا عاما لها، وكان عمره –آنذاك- 38 سنة، مما يدل على تميزه وتقدير سائر علماء أهل الحديث له وهو في ذلك السن، وقد قام بمهمة تنسيق جهود أهل الحديث للقيام بواجب الدعوة الإسلامية والرد على المبطلين ورعاية المسلمين، وبذَل في ذلك وقته وحياته وصحته وماله ومجلاته ومطابعه، وقد شهد له الجميع بحسن إدارته ونتائجه المباركة([71]).
وفي هذا يقول الشيخ أبو الوفاء عن دور جمعية أهل الحديث: “من واجبات جماعة أهل الحديث في الدعوة:
- رد الكفر والشرك بنوعيه الجليّ والخفي، ورد البدع والتقاليد الدخيلة ومقاومة عبادة الأصنام والقبور.
- تعليم مكارم الأخلاق.
- الدفاع عن الإسلام من هجمات الكفار وأعداء الإسلام الآخرين”([72]).
وقد قامت الجمعية بفروعها وشخصياتها وعلمائها، ومنهم الشيخ، بدور بارز في ذلك عبر دروسهم ومدارسهم وخطبهم ومؤتمراتهم العامة السنوية التي أشرف الشيخ على عقد 24 مؤتمرًا لها في مسيرة قيادته للجمعية([73]).
وكان الشيخ -مع كونه الأمين العام لجمعية أهل الحديث المركزية- يشرف أيضا على جمعيات محلية كجمعيات أهل الحديث في أمرتسر والبنجاب، ويحضر اجتماعات جمعية حماية الإسلام الشهيرة في البنجاب([74]).
وسبق الذكر أن الشيخ الأمرتسري -أثناء جولاته لمناظرة أعداء الإسلام- كان يحاضر ويدرّس في فروع جمعيات أهل الحديث في المدن التي ينزل فيها، ويتابع أمور الدعوة هناك، ومن الأنشطة المهمة لجمعية أهل الحديث التي كان وراءها الشيخ عقد مؤتمرات وحفلات دعوية عامة في قاديان -مركز القاديانيين- وكان لها دور كبير في حماية الإسلام والمسلمين هناك([75]).
وكان العلامة الأمرتسري يدرك عظم جهود أعداء الإسلام وضرورة التعاون في مقاومة الجهود الضخمة التي تشن على الإسلام والمسلمين فيقول: “وقد بلغَت جهود غير المسلمين إلى أقصى ما يتصور، ومن النصارى فقط يشتغل الآن ثلاثمائة وخمسة وعشرين داعية ومبلّغ لنشر عقيدة تأليه المسيح، وتوجد في بنجاب وحدها للبعثة التنصيرية أثاث([76]) قيمتها 9 ملايين روبية ويصرف عائدها على أهداف التنصير.
وانظروا إلى هذه الفئة الضعيفة (القاديانية) قد عيّنت أربعين داعية، إضافة إلى الدعاة الذين عيّنتهم الجماعة اللاهورية”([77]).
ولذلك فإن من أبرز الأمثلة التي توضح وعي أسد البنجاب بأهمية العمل الدعوي المنظم والمؤسسي، قيامه بحملة دعوية منظمة لمعالجة مشكلة ضخمة -آنذاك- وهي ارتداد مئة ألف من المسلمين في منطقة راجبوتانة وانضمامهم للآرية سنة 1922م، حيث أرسل للعلماء والجامعات والمدارس يحثهم على التعاون في التصدي لهذه المصيبة الكبرى، وذلك بإرسال التبرعات، فجمع 20 ألف روبية، وبإرسال الدعاة والبعثات التعليمية، فجمعهم وأجرى لهم مسابقة في الخطابة، فاختار خمسة من الأكْفاء وتولاّهم برعايته العلمية ثم عهد لهم بإدارة الحملة، وصرف لهم رواتب وانضم للحملة ألفٌ من الدعاة من المنطقة، وأرسلهم هناك، ليتصدوا لحملة الآرية التي يقوم بها 5 آلاف داعية من كهنة الهندوس. وفعلا خلال عشرة شهور تم إعادة كل المتحولين إلى الإسلام من جديد وفشلت حملة الآرية([78]).
وكان الشيخ قد انضم، وهو شاب، لندوة العلماء منذ لحظة تأسيسها في حفل تخرجه من مدرسة فيض عام بكانفور سنة 1893م، والتي كان يقودها علماء كبار كالعلامة شبلي النعماني، والتي أسست لاحقا دار العلوم سنة 1898م لإيجاد رابط بين الثقافتين الإسلامية والغربية، وكان يرأس الكثير من حفلات الندوة السنوية، ومنها ترؤسه حفل إصلاح الندوة بين الطلبة والأساتذة سنة 1914م، وبقيت صلته بها حتى وفاته([79]).
وفي سنة 1917م دعا الشيخ الأمرتسري العلماء في الهند من مختلف التوجهات للتعاون والتكامل خاصة أن العالم في طور التبدل مع نهاية الحرب العالمية الأولى، ولم ينجح الشيخ في جمع كلمتهم على قرار، لكنه لم ييأس، واستمر يحاول حتى نجح في سنة 1919م في تأسيس جمعية علماء الهند، وكان اجتماعها الأول عنده في مدينة أمرتسر، وكان يهدف منها إلى تأسيس مرجعية للمسلمين في الهند تعبّر عنهم، لكنها بعد عقود فقدت بوصلتها السياسية وتخلى كثير من العلماء عنها ومنهم الأمرتسري([80]).
وفي سنة 1910م أسس ندوة الصادقين، وأسس اتحاد العلماء([81]).
وفي سنة 1920م كان من المؤيدين والمساهمين في تأسيس الجامعة الملية الإسلامية بدلهي، ضمن حملة مقاطعة المؤسسات التابعة للاحتلال الإنجليزي وإيجاد بدائل عنها([82]).
وقد أسس أحد طلاب الشيخ الأمرتسري، وهو الشيخ محمد إسماعيل، الجامعة المحمدية في سنة 1926م بناءً على نصيحة شيخه أبي الوفاء وتوجيهه([83]).
الجمعيات والمؤسسات السياسية والاقتصادية:
شارك الشيخ ثناء الله في العمل السياسي مبكرًا بما يخدم مصالح المسلمين عامة وأهل الهند خاصة، ومع ذلك حرص على عدم التوغل كثيرًا في العمل السياسي كما فعل غيره من علماء أهل الحديث مثل صديقه العلامة أبي الكلام آزاد، وقد كان هناك توجّه عند علماء أهل الحديث بتقليل النشاط السياسي فترة من الوقت خاصة بعد احتلال الإنجليز لكامل الهند، وتنكيلهم بجماعة المجاهدين الذين غالبيتهم من أهل الحديث، وقد اتخذ الإنجليز من مهاجمة الوهابية في الهند ستارا لمحاربة أهل الحديث وقمعهم ومطاردة علمائهم.
ولذلك كان من جوانب التجديد التي قام بها العلامة أبي الوفاء معاودة تشجيع أهل الحديث خاصةً، والمسلمين عامة، على المشاركة السياسية بحكمة ووعي، ومن أمثلة مشاركته السياسية ما يأتي:
تأييده الخفي لبقايا المجاهدين وتأييد جميع حركات التحرر من الإنجليز، والمشاركة في حفلات واجتماعات الحركات السياسية، ولذات الغاية الْتحق الشيخ بحزب المؤتمر الوطني -تأسس سنة 1885م-، وكان أكبر حزب يقاوم الإنجليز، وفي سنة 1906م تشكلت الرابطة الإسلامية التي جمعت كبار زعماء مسلمي الهند ممن كانت لهم صلة بحزب المؤتمر، وانضم الشيخ للرابطة وشارك فيها بحماس، ثم انضمت جمعية أهل الحديث للرابطة، وبعد الحرب العالمية الثانية خصص الشيخ صفحتين من جريدته “أهل الحديث” لنشر الأخبار السياسية والتعليق عليها([84]).
وفي سنة 1919م حضر الشيخ مؤتمر جمعية الخلافة الأول، وحضر مؤتمر جمعية العلماء سنة 1925م، ومثّل جمعية أهل الحديث سنة 1926م في المؤتمر الإسلامي العام الذي عَقده الملك عبد العزيز في مكة المكرمة، وكان صاحب فكرة إنشاء إدارة خاصة للحج تبنتها الدولة السعودية([85]).
وفي سنة 1909م أسس الشركة المحمدية لتقوية الاقتصاد الإسلامي، مما يدل على سعة أفق الشيخ([86]).
كان الشيخ الأمرتسري شخصية معروفة بين النخب السياسية ويحظى بالتقدير والاحترام، لذلك عَرض عليه حزب المؤتمر رئاسة بلدية أمرتسر، لكنه رفض. ومما يؤكد حضور الشيخ ثناء الله بين الساسة ما كتبته صحيفة (سياست) اللاهورية في بيان دور الشيخ السياسي: “يصعب أن يختص اسم عدا الشيخ ثناء الله مدير جريدة (أهل الحديث) بأمرتسر بالتكلم في الشؤون السياسية، فهو الذي كان ينتقد المواقف في الحفلات السياسية ويبدي رأيه باستقلال وحرية عن تحرير البلاد ويذم السلطة الإنجليزية ونظامها الغاشم وعدوانها السافر”([87]).
وكان له موقف مشهود في الدفاع عن الدعوة السلفية في نجد والدولة السعودية بعد حصول مسألة الحجاز والحرمين بعد دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة سنة 1924م، حيث قام وإخوانه من علماء أهل الحديث وجمعيّتهم بالرد على كثير من الإشاعات والافتراءات التي تحالف مبتدعة الحجاز والهند على بثّها ونشرها، بل وصل الحال ببعض القبوريين للطلب من الإنجليز التدخل في مكة وإخراج الوهابيين منها!
فقام الأمرتسري بالخطابة وعقد الندوات والمؤتمرات وكتابة ونشر المقالات وبرقيات وأخبار تحركات الملك عبد العزيز في جريدة أهل الحديث، وألّف عدة كتب لدحض الأكاذيب وتوضيح الحقائق مثل: كتاب نظرة على مسألة الحجاز، وكتاب موقف الشقيقين محمد وعلي شوكت وجمعية الخلافة من الملك عبد العزيز، وكتاب نظرة على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ولم يكتفِ الشيخ ثناء الله بذلك بل قام بجمع التبرعات من مسلمي الهند وأهل الحديث فيها لصالح الحكومة الإسلامية السنية الناشئة، وكان يذكر قيمة هذه التبرعات في جريدة أهل الحديث([88]).
محاولة اغتياله:
وهذه الجهود الضخمة والمركزية والممتدة للعلامة الأمرتسري أوغرت صدور أهل البدع والضلال ضده بشكل خاص، وضد أهل الحديث والسلفيين بعامة، ذلك أن دعوة التوحيد والسنة ظهرت وقويت في الهند وغيرها من بلاد الإسلام مع دخول الحجاز والحرمين في سيطرة الملك عبد العزيز، الذي منع كثيرا من البدع والمنكرات فيهما، مما أغضب كثيرا من المنتفعين من ذلك والمؤيدين لهذه الآراء، كما أن الإنجليز وغيرهم من أعداء الإسلام وجدوا في بث الإشاعات والتحريض على السلفيين وأهل الحديث وسيلة مناسبة لتمكين احتلالهم واستمرار وامتداد غزوهم لبلاد الإسلام.
وقد لقي الشيخ ثناء الله الكثير من العنت من خصوم التوحيد والسنة، ففي إحدى المرات هوجم بالحجارة وهو على المنصة يلقى درسًا وقاموا بشتمه، فلم يغضب لنفسه بل قال لهم: إني لا أحب الانتقام لنفسي، ولكن أدعو الله لكم بالهداية للتوحيد والسنة، وإن الحجارة لا تمنعني من الدعوة إلى الله تعالى وإلى عقيدة التوحيد طالما روحي في جسدي([89]).
ومن مظاهر هذا العدوان الظالم على أهل الحديث والسلفيين ما حدث من محاولة اغتيال الشيخ الأمرتسري، ففي سنة 1937م عقد القبوريون اجتماعًا في مدينة أمرتسر استمر ثلاثة أيام للتحريض على الوهابيين وشتمهم وذمّهم، بل إن أحد رؤوس المبتدعة بلغ به التجاوز للكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بأن قال “إن من قتل وهابيًا واحدًا فله أجر مائة شهيد”([90]).
وكان نتيجة ذلك أن الشيخ الأمرتسري لما قام بعد ثلاثة أيام من التطاول على أهل الحديث والسلفيين ليدافع عنهم ووصل مسجد “المبارك” قام شخص من المبتدعة يدعى قمر بالهجوم على الشيخ من خلفه وضربه على رأسه بحديدة جرحت رأسه جرحًا بليغًا وأسالت دمه ونقل للمستشفى، وبقي هناك شهرا حتى تجاوز أثر هذه الضربة الغادرة وكان عمره سبعين سنة.
وكان أول كلمة قالها بعد الضربة: “فزت وربّ الكعبة”، وأنشد:
هل أنت إلا أصبع دميت في سبيل الله ما لقيت
أما الجاني فقد هرب، ولم يكن الشيخ يريد تقديم شكوى بحقه، لكن لما انتشر خبر الاعتداء على الشيخ طالب الناس بالقبض على الجاني ومعاقبته، فقبضت عليه الشرطة بعد مدة وحوكم وسجن أربع سنوات، وعلم الشيخ لاحقًا أنه فقير الحال وأن أسرته تعيش أوضاعًا صعبة بسبب سجنه، فما كان من الشيخ إلا أن تكفل بأسرة المعتدى وأصبح يرسل لها نفقة شهرية سرًّا، ولما خرج قمر من السجن وعلم بذلك أيقن صدق الشيخ وصحة طريقته، فتاب وأصبح من أتباع الكتاب والسنة([91]).
وهذا مما يؤشر لأخلاق الشيخ العالية وتسامحه وسعة صدره من جهة، وكرمه وجوده وإنفاقه من جهة أخرى، وهو ما يشهد له به القاصي والداني، وقد أغنى الله عز وجل الشيخ بعد أن كان فقيرا فأصبح عنده دور، وعنده مكتبة شخصية تعدّ من أكبر مكتبات الهند، ومجلات ومطابع ومحلات، لكنه كان يستعين بها في الدعوة والتعليم وإكرام الضيوف، ومن أمثلة كرمه استضافته 400 من العلماء لمدة ثلاثة أيام بكل ما يحتاجون إليه من طعام وشراب ومسكن([92]).
وعقب هذه المحاولة الغادرة لقتله لم ينسَ الشيخ المهمة التي كان ينوى القيام بها وهي الدفاع عن أهل الحديث والعقيدة السلفية في وجه أكاذيب الخصوم وعدوانهم، ولما عجز عن إلقاء المحاضرة والخطابة في الناس بسبب آثار الضربة، ألّف كتابا سماه “شمع التوحيد” عرض فيه العقائد السلفية بأدلتها ورد على افتراءات البريلوية([93]).
وهذه الحادثة هي مثال واحد من أمثلة كثيرة لتعرض علماء التوحيد والسنة والسلفية للأذى والعنت في سبيل هداية الناس، وإنقاذهم من الشرك والبدعة والخرافة في الدنيا والنار والعقاب في الآخرة.
ثمرات هذه الجهود ونتائجها:
بفضل الله عز وجل كان هناك الكثير الكثير من الثمار الطيبة والمباركة لهذه الجهود العلمية والدعوية الكبيرة والمتواصلة لأكثر من نصف قرن، ولعل الثمرة الكبرى التي تلخّص هذه المسيرة المباركة “إعادة ثقة المسلمين بدينهم والاعتزاز بالإسلام، وذلك بأن الشيخ الأمرتسري قام -بتوفيق الله تعالى- بمواجهة جميع الفرق والمذاهب الفاسدة وبمواجهة الديانات الباطلة وردّ عليها ردودًا مفحمة قوية ومقنعة، فأحرز الشيخ الأمرتسري انتصارًا كبيرًا للإسلام والمسلمين، ولله الحمد، وبذلك كان الخصوم يولّون مدبرين”([94]).
فمثلا (مستر درهم بال) كان اسمه عبد الغفور ثم ارتد عن الإسلام وعمره 21 سنة، واعتنق الآرياسماجية الهندوسية، وألف عدة كتب في ذم الإسلام وتأييد الآرية منها كتابه (ترك إسلام)، فقام أبو الوفاء بالرد على كتبه الضالة خاصة بكتابه “ترك إسلام برتك إسلام” (حارس الإسلام لمنع الارتداد عن الإسلام) وتنبأ الشيخ فيه بأنه سيعود للإسلام، وفعلا أثمرت ردود أسد الهند الأمرتسري على درهم بال، فتاب ورجع للإسلام من جديد بعد عدة سنوات، وحرق كتبه السابقة وتسمى بغازي محمود، وصرح بفضل العلامة الأمرتسري عليه وأنه سبب توبته، وقد خدم غازي محمود الإسلام بعد ذلك كثيرًا([95]).
كذلك الحال مع د. عبد الحكيم البتالوي، أحد خواص المرزا القادياني الدجال، الذي حين شاهد عجز المرزا عن الرد على كتب أسد البنجاب وفاتح قاديان التي فضح فيها أكاذيب المرزا وتناقضاته، أعلن توبته وعودته للإسلام سنة 1906م، في حياة الدجال وأصبح له دور في خدمة الإسلام ولله الحمد([96]).
ومن ثمرات هذه الجهود المباركة ما صرح به الشيخ صفي الرحمن المباركفوري: “ولعله هو السبب في قلة العدد الذي وصل إلى الآلاف في عهد الخليفة محمود، والذي كان يعد في عهد المرزا القادياني إلى أربعمائة ألف”([97]).
وإضافة لثمرة عودة آلاف المرتدين للإسلام، فإن جهود الشيخ حمت عشرات الآلاف من الوقوع في الردة، هذه الرسالة التي كتبها أحد الأشخاص الذين استمعوا لخطب الشيخ وكلامه فقال: “كان قدومك إلى كوجرا نواله قدوم ملك الرحمة إلى الناس، فكثير من الناس الذين كانوا على وشك السقوط في قعر الضلالة بهذيان الآلاف وخداعاتهم رجعوا إلى الصراط المستقيم، وكانت أفكاري أيضا بدأت تتغير، فلما سمعت خطابك عرفت كل شيء، والآن لا يستطيع أي تيار مضاد قلع هذه الشجرة التي غرستموها إن شاء الله، وتأهب الآن هنا كل أحد لمقاومة الكذابين، وقد طالعت عدة كتبك وقد عرفت بها حقيقة هؤلاء”([98]).
ومن ثمرات الشيخ المباركة بأن كتبه أصبحت زادًا للمدافعين عن الإسلام في وجه خصومه، فهذا الشيخ عبد الحفيظ خان تصدى للقاديانيين الذي تحدوا المسلمين في مدينة ميرته سنة 1917م، واستند على كتب الشيخ الأمرتسري، فلم يتمكنوا من الصمود أمامه([99]).
ومن ثمراته – برغم أنه لم يتفرغ كثيراً للتعليم المدرسي المنتظم- تتلمذ عليه العديد من علماء ورجالات الإسلام في الهند من خلال معايشته ومتابعة مقالاته ومناظراته وجهوده في الجمعية وفي المؤتمرات([100]).
وكذلك كان له فضل “تنظيم صفوف أهل الحديث من خلال الجمعية المركزية وفروعها المنتشرة في جميع الأقاليم الهندية التي كانت قد قامت بدور مهم في نشر تعليمات الدين الحنيف والسنة والسلفية، وأسهمت في القضاء على البدع والخرافات من خلال الأنشطة الدعوية المتنوعة”([101]).
ثناء العلماء عليه:
وصفه العلامة رشيد رضا في مجلة المنار بأنه “رجل إلهي” وهي جملة مأخوذة من فم رجل دين هندوسي رافق الأمرتسري في القطار ولم يعرفه، وكان ذاهبا لمناظرة المسلمين، وهناك تفاجأ في مكان المناظرة أن المناظِر هو الرجل الذي كان بجواره في القطار، فانسحب من المناظرة وقال لهم: “هذا رجل إلهي”، لأنه عايش الشيخ مدة السفر وكانت طويلة، وبرغم ذلك لم يفتر الشيخ عن ذكر الله والدعاء لحظة([102]).
وقال العلامة سليمان الندوي في وصف أبي الوفاء: “عالم من مشاهير الهند المتحدة، وإمام المناظرة، وخطيب نابغ كريم، وإنه كان ينوب عن المسلمين كافة لخوض المناظرات ضد القاديانية والآرياسماجية والنصرانية في أرجاء شبه القارة الهندية”([103]).
وقال عنه الشيخ إبراهيم مير السيكالوتي: “لهو فخر الأمة والوطن، وإنه قائد الجماعة أهل الحديث السلفية، وليس له مثيل في مهاراته العلمية ومقدرته الدعوية المتعددة الجوانب بشبه القارة الهندية المتحدة، فاعترف الجميع بالغزارة العلمية التي كان يتمتع بها الشيخ الأمرتسري وبقدرته البيانية الفائقة”([104]).
وأوجز الشيخ المجاهد إحسان إلهي ظهير القول بقوله: “وكان الشيخ ثناء الله من أعاظم الرجال”([105]).
أما الشيخ عبدالرؤوف الرحماني فقال في رثاء فاتح قاديان: “لو يجتمع أكابر علماء العالم الإسلامي في مجلس علمي ومست الحاجة إلى البحث والمناقشة مع 1- المسيحية 2- والآرية 3- والسناتن دهرمية (الفرقة الهندوكية) 4- والإلحادية 5- والمادية 6- والقاديانية 7- والشيعة 8- ومنكري السنة 9- والمبتدعة البريلوية، وما إلى ذلك من الفرق في وقت واحد، وتجري المناقشة مع كل فرقة ساعة كاملة على حدة لكل منها المستمرة إلى تسع ساعات، فمن يواجها من علماء الإسلام لا أدري، ولكن في الهند وباكستان ومن برما ولنكا وجزيرة جاوا وسماترا تلبي على مواجهتها شخصية واحدة فحسب، وهي كانت شخصية شيخ الإسلام مولانا ثناء الله الأمرتسري”([106])، هذه هي مكانة أسد البنجاب وفاتح قاديان لدى العلماء والفضلاء، وفي هذه النقول إشارة لعظم هذه المكانة وإلا فالشهادات والثناءات من العلماء والفضلاء بحقه كثيرة جدًا.
مأساة هجرته لباكستان ووفاته
في سنة 1947م -وكان الشيخ قد بلغ 79 عامًا من العمر- شهدت الهند اضطرابات واسعة بعد خروج الإنجليز من الهند، وانقسام الهند لدولتين، الهند وباكستان، وقامت حرب أهلية بين المسلمين والهندوس، وتعرض المسلمون لمجازر ضخمة في مناطقهم حيث قُتل مئات الآلاف وهتكت الأعراض وحرقت منازلهم والمساجد والمدارس، يقول د. عبد المنعم النمر: “إن الجيل الذي عاصر تقسيم الهند لدولتين، يعتبر أتعس جيل سكن الهند وحقا هذا، فقد رأى من الأهوال والمصائب والمناظر والغدر ما لم يره جيل سابق”([107]).
لقد عمّت هذه المجازر مناطق المسلمين حتى وصلت لبلدة الشيخ الأمرتسري في البنجاب قرب الحدود الباكستانية، حيث قام الإرهابيون السيخ هناك بمهاجمة جيرانهم المسلمين وقتلهم بكل بشاعة، لدرجة أنهم كانوا يوقفون قطارات المسلمين الهاربين لباكستان ثم يقتلونهم، حاول الشيخ ومَن معه حفظ الأمن في منطقتهم لكن فشلت جهوده في ذلك هذه المرة، وتشاور مع بعض العلماء واستقر الرأي على الهجرة لباكستان، وقبل يوم من إعلان قيام دولة باكستان تعرض ولد الشيخ الوحيد، وهو المولوي عطاء الله، للقتل وهو يحرس الحي من الإرهابيين والسراقين، الذين رموا قنبلة يدوية على سقف أحد البيوت فسقطت قربه وانفجرت، فأصيب بجرح شديد، ونقله الشيخ وبعض المرافقين للمستشفى لكنه توفي في الطريق، وكان ذلك في رمضان، فتوفي وهو صائم عند العصر.
فأقيمت له فورًا صلاة الجنازة في أحد مساجد أهل الحديث ولم يحضرها إلا عشرة أشخاص فقط بأوامر الشرطة التي كانت تقف متفرجة على مجازر السيخ بحق المسلمين، وعدّت هذه كرامة له بسبب أن آلاف القتلى المسلمين مع الأسف لم يُصلّ عليهم ولم يدفنهم أحد وتُركوا للحرق والكلاب الضالة من هول المجازر التي وقعت عليهم.
وعاد الشيخ لمنزله وأفطر مع أهله على ماء، وبضغط من أصحاب الشيخ تقررت سرعة مغادرة الشيخ لبيته لوقوعه تحت تهديد الإرهابيين السيخ، وفعلا غادر الشيخ وأهله بيتهم وموطنهم الذي قضوا فيه عمرهم مسرعين ولم يأخذوا معهم شيئًا إلا ملابسهم التي يرتدونها و50 روبية كانت في جيب الشيخ أصلا، وترك خلفه دُوره وما فيها من مال ومجوهرات وملابس، ومكتبته الثمينة المليئة بالنفائس والفرائد التي تعرضت للحرق هي والبيت والمطبعة من الإرهابيين الحاقدين بعد نهبهم لما في البيت من أموال وما غلا ثمنه.
وقد حاول العلامة أبو الكلام آزاد الذي كان له نفوذ سياسي في دلهي حماية منزل الشيخ ومكتبته لمعرفته بما فيها وقيمتها التي لا تقدر بثمن، وأرسل من أجل ذلك مبعوثًا خاصًا لهذه المهمة لكنه لم يلحق وكانت المكتبة قد حرقت، وضاع في الحريق أحد كتب الشيخ وهو الجزء الثاني من كتابه التفسير بالرأي.
وكان الشيخ حين غادر بيته في نهاية رمضان سنة 1326هـ/ 1947م، قد نزل في بيت ابنته في لاهور، ولما بلغ خبر الشيخ ثناء الله الشيخ محمد إسماعيل السلفي وبقية إخوانه في جمعية أهل الحديث في بكوجرانواله، سافروا له وعزّوه في مصابه وطلبوا منه الانتقال إليهم، وفعلا ذهب الشيخ عندهم ومكث هناك أربعة أشهر ونصف، ولكن استشهاد ولده الوحيد وحرق مكتبته النادرة أثرت فيه كثيرًا، وأصابته بالحزن الشديد، وجعلته يلزم بيته، ولا يخرج إلا نادرًا، سوى لصلاة الجماعة وطلب الشيخ محمد إسماعيل أن يخطب بهم الجمعة وفعلا قام الشيخ ثناء الله بذلك.
وهنا عاد الشيخ لحياة الفقر مرة أخرى بعد الغنى، ولكنه بقي عزيز النفس صابرًا لا يتأفف ولا يطلب المساعدة واكتفى بالأطعمة المتواضعة، وكان يرقع ثوبه، بل رفض بعض العروض من الحكومة الباكستانية، ورفض أن يأخذ من مال الزكاة تورعًا، وكان يدقق فيما يأتيه من هدية، هل هي زكاة أو صدقة أو لعله مال مغصوب أثناء الفوضى والاضطرابات، فكان يحرص على طيب مطعمه، مع فقره وحاجته، ورغم كل هذا لم يتخلّ الشيخ عن مساعدة الفقراء والمحتاجين بما يستطيع، وكان يقبل من الناس أعطياتهم لكنه لا يأخذها لنفسه بل يعطيها لبعض المحتاجين من المهاجرين.
ثم انتقل إلى مدينة سركودها حيث أعدت له حكومة باكستان منزلا ومطبعة، وباشر الاستعدادات لمعاودة صدور مجلة أهل الحديث حيث بقي -برغم تقدم سنه وهجرته ونكبته في ولده وماله ومكتبته- صاحب همة، عازما على الدعوة والدفاع عن الدين، لكنه سرعان ما أصيب بالفالج في جنبه الأيمن وأثّر فيه كثيراً، وفقد القدرة على السمع والكلام ومعرفة ما حوله، وبذل أهله جهدهم في علاجه، وبعد شهر استعاد بعض القدرة على التعرف وقول كلمة: (الله، الله) بوَهَن، ولم يطل ذلك سوى أيام، ثم توفي رحمه الله وتقبله في الصالحين، وقد بلغ الثمانين من عمره، ودفن في سركودها.
ولما أذاعت إذاعة الباكستان خبر وفاته انهالت برقيات التعزية من كل أنحاء الهند ونشر نعيه ورثاؤه في مئات المقالات والقصائد، وبعد وفاته بثلاثة شهور توفيت زوجته رحمها الله، وبذلك تكون أسرة العلامة ثناء الله رحلت سوية، الابن والأب والأم، ولم تبقَ إلا ابنته([108]).
خاتمة
وبهذا تكون قد طويت صفحة هذا العَلَم الهمام في الدنيا، ولكن بقي أثره المبارك في طلابه وكتبه ومقالاته، وأسأل الله عز وجل أن تكون صحائف حسناته لا تزال سارية، وإن هذه الشخصية الفذة لتستحق أن تكون محل القدوة من شباب التوحيد والسنة في هذا العالم المستعر اليوم بالشبهات والشهوات ضد الإسلام والمسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
[1] – مقال: مواقف رائعة من حياة شيخ الإسلام ثناء الله الأمرتسري، أسعد أعظمي بن محمد أنصاري، مجلة صوت الأمة، ذو الحجة 1431هـ.
[2] – فرقة هندوسية متعصبة تكفّر المسلمين والهندوس أيضا، وتتهم الهندوس بالبدعة وتحريف الديانة البرهمية، ظهرت في القرن التاسع عشر الميلادي بدعم من الإنجليز.
[3] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري وجهوده في مقاومة الأديان والفرق الضالة، عبد اللطيف شيخ عبد الرشيد شيخ، رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1415هـ، ص 164.
[4] – تفسير القرآن بكلام الرحمن، ثناء الله الأمرتسري، مقدمة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، دار السلام، الرياض، ط1، ص 12.
[5] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 14.
[6]– المصدر السابق، ص 976. تفسير القرآن بكلام الرحمن، ص 9.
[7]– الشيخ ثناء الله الأمرتسري وجهوده الدعوية، محمد مرتضى بن عائش محمد، رسالة ماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود 1417هـ، ص 14.
[8] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري: جهوده الدعوية وآثاره العلمية، عبد المبين عبد الخالق الندوي، إدارة البحوث الإسلامية بالجامعة السلفية بنارس، 1437هـ، ص 51.
[9] – المصدر السابق، ص55.
[10] – مقال: استفدت من هؤلاء المؤلفين، عبد الوهاب الدهلوي، مجلة الحج، عدد شعبان 1377هـ.
[11] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 57 بتصرف يسير.
[12] – المصدر السابق، ص 59.
[13] – تفسير القرآن بكلام الرحمن، ثناء الله الأمرتسري، ص 9.
[14] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 27، بتصرف يسير.
[15] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 59.
[16] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 16.
[17] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 62.
[18] – المصدر السابق، ص 63.
[19] – المصدر السابق، ص 63.
[20] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 47.
[21] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، هامش ص 61.
[22] – المصدر السابق، ص 64.
[23] – المصدر السابق، هامش ص 66.
[24] – المصدر السابق، ص 64 بشيء من الاختصار والتصرف اليسير.
[25] – المصدر السابق، عبد المبين الندوي، ص 67، الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 17.
[26] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 68.
[27] – المصدر السابق، عبد المبين الندوي، ص 221.
[28] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 502، جهود الشيخ صفي الرحمن المباركفوري في تقرير العقيدة والدفاع عنها، فدوى ياسين عثمان الصفدي، الجامعة الإسلامية، غزة، رسالة ماجستير 2009م، ص 202 و220.
[29] – مقال: العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وانتصاره للملك عبد العزيز، د. عبد الرحمن الفريوائي، مجلة جامعة الإمام، العدد 24، شوال 1419هـ، ص 93.
[30] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 225.
[31] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 433.
[32] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 347.
[33] – مقال: العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، مجلة جامعة الإمام، العدد 24، شوال 1419هـ، ص 93.
[34] – مقال: استفدت من هؤلاء المؤلفين، عبد الوهاب الدهلوي، مجلة الحج، عدد شعبان 1377 هـ.
[35] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 227.
[36] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 717.
[37] – المصدر السابق، ص 311. الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 25.
[38] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 440.
[39] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 566 و702.
[40] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 163، 178، 179، 181، 182، 191.
[41] – العلامة الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الأمر تسري وجهوده في الرد على الفرق الضالة وإنهاض ثقافة الحوار الحضاري، د. مقتدى الأزهري، تقديم وترتيب راشد حسن المباركفوري، دار المقتبس، ط 1، 2022م، ص 118.
[42] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 153.
[43] – العلامة الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الأمر تسري وجهوده، د. مقتدى الأزهري، ص 123.
[44] – مقال: العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، مجلة جامعة الإمام، العدد 24، شوال 1419هـ، ص 104.
[45] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 374.
[46] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 526.
[47] – المصدر السابق، ص 159.
[48] – المصدر السابق، عبد اللطيف شيخ، ص 325.
[49] – العلامة الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الأمر تسري وجهوده، د. مقتدى الأزهري، ص 121.
[50] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 426، وقريب من هذا الرقم انظر العلامة الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الأمر تسري وجهوده، د. مقتدى الأزهري، ص 114، أما د. عبد الرحمن الفريوائي في مقاله العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، مجلة جامعة الإمام، العدد 24، شوال 1419هـ، ص 105، فيجعل عدد مؤلفاته 178 مؤلفًا لكنه لم يفصل فيها، ووقع خطأ مطبعي حيث جعل الرقم 781 كتابًا! الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 371.
[51] – العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، ص 112.
[52] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 517.
[53] – المصدر السابق، ص 502.
[54] – العلامة الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الأمر تسري وجهوده، د. مقتدى الأزهري، ص 110.
[55] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 148، 432. انظر قائمة ببعض مناظراته في: جمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند، أصغر علي إمام مهدي السلفي، ص 137.
[56] – المصدر السابق، ص 310.
[57] – المصدر السابق، ص 148.
[58] – أتباع عبد الله الجكرالوي من القرآنيين منكري السنة النبوية.
[59] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 310.
[60] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 277.
[61] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 447.
[62] – المصدر السابق، ص 597.
[63] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 364.
[64] – أوليات أهل الحديث في شبه القارة الهندية، العلامة محمد إسحاق بهتي، ترجمة راشد حسن المباركفوري، دار لطائف، ط 1، 2019م، ص 131.
[65] – المصدر السابق، ص 143، الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 579، الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 236.
[66] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسرى، عبد المبين الندوي، ص 251.
[67] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 310.
[68] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 73.
[69] – العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، ص 100.
[70] – الحركة السلفية في البنغال 1217هـ/ 1802م – 1408هـ/ 1988م، محمد مصلح الدين بن مولانا محمد شيخ الإسلام، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1412هـ، ص 174.
[71] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 160. جمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند، أصغر علي إمام مهدي السلفي، ص 148. مجلة البيان عدد 238. الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 350. العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، ص 163. الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 134.
[72] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 160.
[73] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 367.
[74] – العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، ص 124.
[75] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسرى، عبد المبين الندوي، ص 275.
[76] – كذا الأصل! ولعلها آلات أو محلات!
[77] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 160.
[78] – المصدر السابق، ص 469، الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 391.
[79] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 115.
[80] – المصدر السابق، ص 120، الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 351.
[81] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 352.
[82] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 125.
[83] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 87.
[84]– الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 144.
[85]– العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، ص 160، مناصحة الشيخين محمد بن عبد اللطيف ومحمد بن إبراهيم للعالم الهندي أبي الوفاء الأمرتسري رحمهم الله، سليمان الخراشي، دار الثلوثية، ط 1، 1431هـ، ص 30.
[86]– الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 352.
[87]– المصدر السابق، ص 124، الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 150، الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 17.
[88]– العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، ص 132، دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بين مؤيديها ومعارضيها في شبه القارة الهندية، أبو المكرم عبد الجليل، دار السلام، ط 2، 1421هـ، ص 77. الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 858. الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 359.
[89] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 41.
[90] – العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، ص 160.
[91] – المصدر السابق، ص 160، مناصحة الشيخين، ص 30، الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 36، الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 823، مواقف رائعة من حياة شيخ الإسلام ثناء الله الأمرتسري رحمه الله، أسعد أعظمي بن محمد أنصاري.
[92] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 501، الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 40.
[93] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، هامش ص 118.
[94] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 393.
[95] – المصدر السابق، ص 24 و231.
[96] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 516.
[97] – المصدر السابق، ص 613.
[98] – المصدر السابق، ص 620.
[99] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 266.
[100] – انظر أسماء بعض تلاميذه في: الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 81، الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 391.
[101] – العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، ص 163.
[102] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 88.
[103] – الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 62.
[104] – المصدر السابق، ص 63.
[105] – الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 167.
[106] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 518.
[107] – كتابه كفاح المسلمين في تحرير الهند، 253. وللأسف أننا اليوم في منتصف العام 2023م نعيش اعتداءات قتل وتعذيب بشعة متصاعدة ضد المسلمين في الهند من قبل المتطرفين والإرهابيين الهندوس الذين يمسكون بزمام الحكم حاليا في الهند.
[108] – الشيخ العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري، عبد المبين الندوي، ص 498، العلامة أبو الوفاء ثناء الله الأمرتسري ودفاعه عن الإمام المجدد، ص 161. الشيخ ثناء الله الأمرتسري، محمد مرتضى، ص 39 و55، الشيخ أبو الوفاء الأمرتسري، عبد اللطيف شيخ، ص 58 و572.