الأربعاء - 22 شوّال 1445 هـ - 01 مايو 2024 م

قَولُ ابن عربي الاتّحاديّ بإيمان فِرْعون وموقفُ العلماء مِنه

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

إن المسلم الموحِّد الذي قرأ القرآن العظيم، وآمن بصدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من أخبار الأمم السابقين، لا يخالجه أدنى تردّد في هلاك فرعون على الكفر بالله تعالى وبنبيه موسى عليه السلام.

ولو قيل لأي مسلم: إن ثمّة من يدافع عن فرعون، ويحشد الأدلة لإثبات موته على الإيمان، لما شكّ في كفره وخروجه عن ملّة الإسلام.

والدفاع عن فرعون أمرٌ في غايةِ العجَب، وأعجب من ذلك أن يكون صدور هذا الدفاع ليس من يهودي ولا من نصراني، وإنما من قوم يدَّعون أنهم خُلاصة أهل الإسلام وخاصَّتُهم، وأنهم أحباب الله تعالى وأولياؤه.

(فسبحان من أعمى بصائر قوم عن الهدى بما كتب عليهم من الشقاء، فجاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالحجة البيضاء، والمنهج القويم، والحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فنبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على كفرٍ شديد، وكلام غير سديد، وأقوال متناقضة، وحجج متعارضة، لا طائل تحتها، ولا معوّل عليها)([1]).

وسيكون الكلام عن هذه المسألة -بإذن الله- في أربعة محاور:

المحور الأول: ثبوت نسبة القول بإيمان فرعون لابن عربي الطائي (ت: 638هـ):

نشأ القول بإيمان فرعون لدى الصوفية الاتحادية على يد شيخهم ابن عربي الملقب لديهم بمحيي الدين، وكان له اختِصَاصٌ بالدفاع عن فرعون، حيث صرح بذلك في أهم كتابين صنفهما وهما (الفتوحات المكية) و(فصوص الحكم)، وأيده في ذلك من سلَّم له قياده من الحمقى، كما قال صاحب (نعمة الذريعة في نصرة الشريعة).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا القول كفرٌ معلوم ‌فساده ‌بالاضطرار من دين الإسلام، لم يسبق ابن عربي إليه -فيما أعلم- أحدٌ من أهل القبلة، بل ولا من اليهود ولا من النصارى؛ بل جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون)([2]).

  • كلامه في (الفتوحات المكية):

يقول فيه في سياق كلامه عن إيمان فرعون: (فصار الموت فيه شهادة خالصة بريئة لم تتخللها معصية، فقبض على أفضل عمل، وهو التلفُّظ بالإيمان، كل ذلك حتى لا يقنط أحد من رحمة الله، والأعمال بالخواتم، فلم يزل الايمان بالله يجول في باطنه وقد حال الطابع الإلهي الذاتي في الخلق بين الكبرياء واللطائف الإنسانية، فلم يدخلها قط كبرياء)([3]).

ويقول: (فقد شهد الله لفرعون بالإيمان، وما كان الله ليشهَدَ لأحدٍ بالصِّدق في توحيدِه إلا ويجازيه به، وبعد إيمانه فما عصى، فقبله الله إن كان قبله طاهرًا، والكافر إذا أسلم وجب عليه أن يغتسل، فكان غرقُه غسلًا له وتطهيرًا)([4]).

ويقول أيضًا: (فآمن فرعون وتذكر وخشي كما أخبر الله، وأثر فيه لين قول موسى وهارون، ووقع الترجي الإلهي كما أخبر، فهذا يدلك على قبول إيمانه؛ لأنه لم ينص إلا على ترجي التذكر والخشية)([5]).

ويقول أيضًا: (فآداب الأولياء آداب الأرواح الملكية، ألا ترى إلى جبريل يأخذ حال البحر فيلقمه في فم فرعون حتى لا يتلفظ بالتوحيد، ويسابقه مسابقة غيرة على جناب الحق مع علمه بأنه قد علم أنه لا إله إلا الله؟! وغلبه فرعون فإنه قال كلمة التوحيد بلسانه كما أخبر الله تعالى عنه في الكتاب العزيز)([6]).

وقد اختصرنا النقل عن ابن عربي في هذه المواضع حتى لا نطوّل بذكر كلامه، فنحتاج إلى الجواب عن شبهاته الواهية التي تمسك بها في ضلالته التي اخترعها، وقد كفانا ذلك العلماء الذين تصدّوا للرد على مقالته ممن سيأتي ذكرهم.

فإن ابن عربي لم يقتصر في تلك المواضع على مجرد القول بإيمان فرعون دون أن يذكر له مستندًا، بل انتصر لذلك بما توهمه أدلة وهي شبهات واهية، وسعى للإجابة عما يستند إليه عامة أهل الإسلام في تقرير كفرِه بتشغيبات وتشكيكات، أخذها عنه من أيده ممن جاء بعده.

  • كلامه في (فصوص الحِكَم):

أما في كتاب (فصوص الحكم) الذي صنّفه ابن عربي بعد (الفتوحات المكية) فإنه صرّح بإيمان فرعون، حيث قال في (فص حكمة علوية في كلمة موسوية): (وكان موسى قُرَّةَ عين لفرعون‏ بالإيمان الذي أعطاه اللَّه عند الغرق، فقبَضَه طاهرًا مُطهَّرًا ليس فيه شي‏ء من الخَبَث؛ لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئًا من الآثام، والإسلام يَجُبُّ ما قبله)([7]).

ثم قال: (ثم إنّا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى اللَّه، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نصٌّ‏ في ذلك يَستنِدُون إليه)([8]).

وهذا النص واضح في قوله بإيمان فرعون، وقد بين دلالة كلامه على ذلك جمع من شرّاح الفصوص، كما سيأتي.

المحور الثاني: تأييد جمع من أتباع ابن عربي له في قوله بإيمان فرعون:

أيّد ابن عربي فيما ذهب إليه جمع من شرّاح (الفصوص)، ودعموا أدلته وشرحوها وزادوا عليها، وأجابوا عما يحتج بها عامة أهل الإسلام في المسألة من إثبات كفر فرعون، ولا يمكننا حصر جميع كلامهم؛ فإن شروح (الفصوص) بين مخطوط ومطبوع تزيد على المئة، فنكتفي بذكر بعض النصوص من الشروح المشهورة.

وقد صنّف جمع في الانتصار لابن عربي في قوله بإيمان فرعون، وأتعبوا أنفسهم في ذلك ليذبوا عن شيخهم ابن عربي، يقول البرزنجي (ت: 1103هـ) في آخر بحثه لهذه المسألة في كتابه (الجاذب الغيبي إلى الجانب الغربي): “هذا، وقد ردّ على الشيخ جماعة -كالبقاعي، وابن المقري، وابن حجر، وعلي القاري الحنفي- هذا القول، وألّفوا فيه رسائل، وقد أيقظ الله لنصرته جمعًا محققين، فأجابوا عن تلك الرسائل، وتمسّكوا في الجواب بأقوى الوسائل، كالعلامة المهايمي الكجراتي، وكالمحقق الجلال الدواني، وكشراح (الفصوص) كالجندي والقيصري والجامي وعبد الله أفندي الرومي، وقد استوفيت جميع ذلك مع التحقيق التام في كتابنا الموسوم بـ: (التأييد والعون للقائلين بإيمان فرعون)”([9]).

وما أحسن قول الإمام العلامة شرف الدين ابن المقري (ت: 837هـ): “وإني لأتعجب من جماعة من أتباع ابن عربي، يُتعِبُون أنفُسَهم في إقامة الدليل على إيمان فرعون، غرضهم بذلك ستر عوار ابن عربي، والرجل غيرُ مبالٍ في هتك أستاره، فإنه يقول: (إن كل كافر يموت على الإيمان إلا من مات فجاءة، أو قتل غفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر)([10])، ولا يخصّ فرعون -كما يزعمون-، وبلغني أن بعض من يتعصب له لما قيل له هذا قال: هذا الذي قاله صحيح، ولكن هو يعتقد أن ذلك لا ينفعهم، مثل ما نفع فرعون إيمانه، فيقال: هذا منه غير صحيح، فإنه استدل على أنه يموت مؤمنًا، ويبعث مؤمنًا بالحديث: (ويحشر على ما كان عليه مات)، مع أن هذا تستُّر ومغالطة، وإلا فهو يعتقد أن الكفر لا أثر له من أصله، فإنه يبيح عبادة الأصنام، ويرى الطاعة في ركوب الآثام”([11]). ثم ذكر من كلامه في (الفتوحات) و(الفصوص) ما يدلّ على ذلك.

فمن الصوفية والمتكلمة الذين أيدوا ابن عربي فيما ذهب إليه:

1- مؤيد الدين الجندي (ت: 691هـ):

وهو أحد شرّاح (الفصوص)، قال في شرح الموضع المتقدّم: “قد تقرر في نفوس العامة من المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى أن فرعون كافر، وأنه من أهل النار، بما ثبت عنه قبل الغرق من المعاداة لنبي الله ولبني إسرائيل، وبما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى}، وبقوله: {مَا عَلِمتُ لَكُم مِّن إِلَهٍ غَيرَي}، وبأفعاله السيئة إذ ذاك، ولكن القرآن أصدق شاهد بإيمانه عند الغرق قبل أن يغرغر، بل حال تمكّنه من النطق بالإيمان، وعلمه بأن النجاة حصر في ذلك)([12]).

2- عبد الرزاق القاشاني (ت: 730هـ):

وهو أحد شرّاح (الفصوص)، قال في شرح الموضع المتقدّم من (الفصوص): (وأما الإيمان الذي بادر إليه فرعون قبل موته فأدركه الغرق وكونه منتفعًا به مقبولًا فهو مما أنكره بعضهم على الشيخ -قدس سره-، وليس بذلك؛ لأن القياس أثبت صحته، كما ذكر)([13]).

3- داود القيصري (ت: 751هـ):

وقال في شرحه -وقد بالغ في الافتراء والكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم-: (فلا يُنكَرُ على الشيخ ما قاله، مع أنه مأمور بهذا القول؛ إذ جميع ما في الكتاب مسطور بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو معذور، كما أن المنكر المغرور معذور)([14]).

4- الملا جامي (ت: 898هـ):

قال الملا جامي في شرحه: (ثم إن هذا القول لما كان تفرد به الشيخ رضي الله عنه بين أئمة الإسلام، مع رسوخ اعتقاد كفر فرعون في النفوس، شنَّع عليه القاصرون وبالغوا في إنكاره، فلا حاجة إلى تلك المبالغة، فإنه لا مبالغة)([15]).

وقد نسب أحمد الصديق الغماري (ت: 1380هـ) كتاب (الجانب الغربي في حل مشكلات ابن عربي) -الذي ترجمه البرزنجي من الفارسية- إلى الملا جامي([16])، وهذه النسبة وهم من الغماري، فإن الكتاب للكازروني من أهل القرن الحادي عشر، وليس للملا جامي.

وكذلك ذكر الغماري أن الملا علي القاري (ت: 1014هـ) -الذي وصفه الغماري بالمغفَّل كعادته في إساءة الأدب- ردّ على الملا جامي([17])، وهذا أيضًا وهم منه، فإن الملا علي القاري ردّ على الرسالة الآتي ذكرها المنسوبة للجلال الدوّاني، لا على الملا جامي.

5- الجلال الدواني (ت: 918هـ):

للجلال الدواني رسالة في الدفاع عن قول ابن عربي والاستدلال عليه، قال الهيتمي (ت: 974هـ) في (التحفة): (وألف فيه مع الاسترواح في أكثره بعض محققي المتأخرين من مشايخ مشايخنا)([18]). وقد ذكر المحَشُّون على (التحفة) أنه قصد بذلك المحقق الجلال الدواني.

وللملا علي القاري رسالة اسمها: (فر العون من مدعي إيمان فرعون)، هي ردٌّ على رسالةِ الجلال الدوّاني هذه، سايره فيها جملةً جملةً، وبين ما في كلامه من الخلل والفساد، ونقض شبهاتِه، وزيّف ظنونه، ووبخه وقرّعه، وكذلك أورد كلام بعض شراح الفصوص -ولعله علي المهايمي- وردّ عليه، ثم نقل بعض فتاوى العلماء بشأن ابن عربي. وسيأتي بعض ما على رسالة القاري من مؤاخذات في المحور الثالث من هذا البحث إن شاء الله.

وهذه الرسالة مشهورة نسبتها للجلال، وممن أثبتها له: ساجقلي زاده (ت: 1145هـ) في رسالته «رد الجلال»، والخادمي (ت: 1176هـ) في «بريقة محمودية» وسيأتي كلامه. لكن قدح في نسبتها: الشهاب الخفاجي (ت: 1069هـ)([19])، وذكر لذلك بعض الأدلة، وتبعه على ذلك الآلوسي وقال: (أتى فيها بما لا يعد شيئًا عند أصاغر الطلبة)([20]).

6- عبد الغني النابلسي (ت: 1143هـ):

قال عبد الغني النابلسي في شرح هذا الموضع: (والحاصل أن المُؤيِّدَات من النصوص لإيمان فرعون كثيرة، وقول المصنف -قدس اللّه سره- هنا: “والأمر فيه إلى اللّه” لا يدل على أنه غير قاطع في حقه بشيء، وأنه متوقف في شأنه، باعتبار ما بعده من قوله: “لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه”، يعني: أنَّا نقُول بتفويض أمر فرعون إلى اللّه تعالى لأجل الذي استقر في النفوس من شقائه، لا باعتبار ما عندنا من ذلك، فإن مسألة إيمان فرعون لا شبهة فيها عند أحد من أهل الكشف والبصيرة؛ لأن أصحاب القلوب المهذبة بالرياضة الشرعية أهل التحقيق والمعرفة الإلهية لا شك عندهم في أمر من الأمور أصلًا ولا شبهة([21])، ولكن هم في تقرير العلم لأهل الظاهر مع ما تفيده الأدلة اللفظية والنصوص الكلامية، ومع الكشف الصحيح والذوق المستقيم في تقدير ذلك لأنفسهم وأمثالهم إن كانوا.

وليس ببعيدٍ أن اللّه تعالى يجعلُ فرعون آية على سعة رحمته وكمال عنايته بمن يشاء من عباده، لا سيما وفي الآية ما يشير إلى ذلك من قوله تعالى: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ} [يونس: 92].

فتنبَّه -يا أخي- لهذه الآية، ولا تكن من الناس الغافلين عنها، فإن فرعون عاش في الدنيا من أوّل عمره فاسقًا فاجرًا كافرًا ضالًّا، وادعى الربوبية مع اللّه، ونازع اللّه تعالى وأنبياءه ورسله، ثم آمن وأسلم فتقبل منه ذلك، وغفر اللّه تعالى له جميع ما عمله من الشر، وأماته طاهرًا مُطهَّرًا)([22]). وأطال في التأمل في (الحِكَم) المدّعاة من القول بإيمان فرعون.

وأيّد هذا القول أيضًا في كتابه (لمعات الأنوار في المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار)([23])، مكررًا شبهات ابن عربي في المسألة.

وفرّع النابلسي على ما ذهب إليه من القول بإيمان فرعون عدمَ جواز لعنه، فقال في شرح (الطريقة المحمدية) عند قول العلامة البركوي في آفات اللسان: (التاسع: اللعن، وهو الطرد والإبعاد من الله، فلا يجوز لشخص معين بطريق الجزم، إلا أن يثبت موته على الكفر، كأبي جهل وفرعون وإبليس..)([24]). قال النابلسي: (وأما فرعون فموته على الكفر مُختَلَفٌ فيه، وللجلال الدواني رسالة في قبول توبة فرعون وموته على الإسلام، فلا قطع بكفره، فلا يجوز لعنه)([25]).

قال الخادمي معلقًا على كلام النابلسي: (والخلاف الذي يشير إليه ما هو ذهب إليه ابن العربي، وتبعه الدواني وأوضحه في رسالة مستقلة، وأيضًا تبعه الجامي في شرح الفصوص بأن إيمان فرعون ليس إيمان يأس، بل برؤية معجزة موسى، حيث رأى حال البحر مع موسى عليه الصلاة والسلام ثم معه فحصل العلم بنبوته وآمن)([26]).

7- محمد بن عبد الرسول البرزنجي (ت: 1103هـ):

صنف في ذلك كتابًا مفردًا بعنوان: (التأييد والعون للقائلين بإيمان فرعون)، ثم لخصه في كتابه: (الجاذب الغيبي إلى الجانب الغربي في حل مشكلات ابن عربي).

وكتاب (الجاذب الغيبي) ترجم فيه المؤلف كتابًا كان قد صنفه رجل يقال له الكازروني بالفارسية سماه: (الجانب الغربي في حل مشكلات ابن عربي)، وأعاد ترتيبته وزاد فيه، وله عدة نسخ خطية([27]).

وقد وقف أحمد الصديق الغماري على نسخة الكتاب وانبهر بما فيه، حيث قال: (أتى فيه بما يبهر العقول)، ووصفه بأنه: (أجاد وأفاد)([28]).

وليس في الكتاب ما يبهر، بل غاية ما فيه أنه أعاد ترتيب شبهات ابن عربي وشراح (الفصوص)، وما حاولوا القدح به في الأدلة القطعية في المسألة.

ومع أن البرزنجي ركب الصَّعب والذلول في الانتصار لابن عربي في هذه المسألة، فلم يكن يقوى على التزام لوازمها، ومن طريف ما نقل في ذلك ما ذكره الزبيدي بقوله: (ولقد حكى لي بعض من أثق به من السادة أن الإمام العلامة الشيخ حسن بن أحمد باغتر الحضرمي حين وفد إلى المدينة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- فاوض مع المذكور في هذه المسألة، وأن عدم إيمانه مما أجمع عليه وطال بينهما الكلام، إلى أن انفصلا من غير مرام. فلما أصبح لقيه فأول ما فاتحه به إلى أن قال له: السلام عليك يا أخا فرعون. فتنغَّصَ السيد جدًّا، وانحرف مزاجه على المذكور، وعرف منه ذلك، وشكاه عند بعض الناس فلاموه، فاعتذر لهم أني ما قلتُ شططًا، هو يقول بإيمان فرعون ويثبته، والمؤمنون إخوة، فلِمَ يتأذى من أُخُوَّة فرعون وهو مؤمنٌ عنده؟! فانقطعوا)([29]).

8- عبد القادر الجزائري (ت: 1300هـ):

مع ما كان للأمير عبد القادر الجزائري من ذكر حسن في جهاد الفرنسيين في الجزائر، فإنه كان مُولَعًا بابن عربي جدًّا، بحيث ذكر وجيه الحجاز محمد نصيف (ت: 1391هـ) أنه سأل السائح التركي ولي هاشم عند عودته من الحج في المحرم سنة 1355هـ عن سبب عدم وجود ما صنفه العلماء في الرد على ابن عربي وأهل نحلته الحلولية والاتحادية من المتصوفة، فقال: قد سعى الأمير السيد عبد القادر الجزائري بجمعها كلها بالشراء والهبة، وطالعها كلها، ثم أحرقها بالنار.

قال الشيخ محمد نصيف: (وقد ألف الأمير عبد القادر كتابًا في التصوف على طريقة ابن عربي. صرح فيه بما كان يلوح به ابن عربي خوفا من سيف الشرع الذي صرع قبله أبو الحسين الحلاج، وقد طبع كتابه بمصر في ثلاثة مجلدات، وسماه: المواقف في الوعظ والإرشاد، وطبع وقفا، ولا حول ولا قوة إلا بالله)([30]).

واسم الكتاب المذكور كاملًا: (المواقف الروحية والفيوضات السُّبُّوحِيَّة)، وفي هذا الكتاب دافع أيضًا عن قول ابن عربي بإيمان فرعون، وانتصر له، ومن عجيب تحريفه للأدلة القطعية على كفر فرعون قوله في تأويل قوله تعالى: {‌فَأَخَذَهُ ‌ٱللَّهُ ‌نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ} [النازعات: 25]، قال: (ولقد أعلمني الحق تعالى أن معناها: أنه جمع لفرعون في الغرق نكال الآخرة والدنيا، فلم يبق عليه بعد الغرق نكال في الآخرة، هكذا ألقي إلي)([31]). وقد صدق في ذلك ولعله من إلقاء الشيطان.

ولعله أدرك شذوذ هذا القول وأن مثله لا يروج على المسلمين، فرمى القائلين بعدم إيمان فرعون بعدم إمعان النظر، وقال: إن الحق لا يعرف بالرجال، وهي كلمة حقّ أراد بها باطل، ثم برر لنفسه إثارته لهذه المسألة بأن فيها إعلامًا بسعة رحمة الله؛ لئلا ييأس اليائس أو يقنط من رحمة الله، وهو تكرار لما قاله شيخ مذهبه ابن عربي([32]).

وقال في موضع آخر: (فرعون عاش ما عاش سعيدًا سيدًا، بل إلها يُعبَد، ولما حضرت وفاته قبضه الله بعد توبته وإيمانه طاهرًا مطهرًا شهيدًا، وهو في الآخرة ملك من ملوك الجنة، وأكثر الناس يأبَون ذلك)([33]).

المحور الثالث: تصدِّي العلماء لقول ابن عربي بإيمان فرعون:

تتابع العلماء منذ ظهور كتب ابن عربي على إنكار مقالاته، ومن تلك المقالات قوله بإيمان فرعون، وردوا عليه، ودحضوا شبهاته، وقد صرّحوا جميعًا بأن قول ابن عربي بإيمان فرعون من نواقض الإسلام.

قال محمد بن يوسف الجندي اليمني (ت: 732هـ): (فإن ابن العربي له معتقد غريب، منه: اعتقاده أن فرعون مات على إسلام محقق، وغير ذلك مما هو مشهور عنه في كتبه، وأنكره أعيان الفقهاء)([34]).

ومن العلماء المنكرين على ابن عربي قوله بإيمان فرعون:

1- شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية (ت: 728هـ):

قال: (ويكفيكَ معرفةً بكفرهم: أنَّ من أخَفِّ أقوالهم أن فرعون مات مُؤمنًا بَريًّا من الذنوب؛ كما قال: “وكان موسى قُرَّة عينٍ لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبَضَه طاهرًا مُطهَّرًا ليس فيه شيء من الخبث؛ لأنه قبَضَه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئًا من الآثام، والإسلام يجب ما قبله”([35]).

وقد عُلِمَ بالاضطرار من دين أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى: أنَّ فرعون من أكفر الخلق بالله، بل لم يَقُص الله في القرآن قِصَّةَ كافرٍ باسمه الخاص أعظم من قصة فرعون، ولا ذكر عن أحد من الكفار من كفره وطغيانه وعُلُوِّه أعظم مما ذكر عن فرعون.

وأخبر عنه وعن قومه أنهم يدخلون أشد العذاب، فإنَّ لفظ آل فرعون كلفظ آل إبراهيم وآل لوط وآل داود وآل أبي أوفى؛ يدخل فيها المضاف باتفاق الناس.

فإذا جاءُوا إلى أعظم عدوٍّ لله من الإنس أو مَنْ هُوَ من أعظم أعدائه فجعلُوه مُصيبًا مُحِقًّا فيما كفَّرَه به الله؛ عُلِم أن ما قالوه أعظم من كفر اليهود والنصارى، فكيف بسائر مقالاتهم؟!)([36]).

وللشيخ رسالة في الرد على من قال بإيمان فرعون، قال فيها: (كفر فرعون وموته كافرًا وكونه من أهل النار هو مما علم بالاضطرار من دين المسلمين، بل ومن دين اليهود والنصارى، فإن أهل الملل الثلاثة متفقون على أنه من أعظم الخلق كفرًا، ولهذا لم يذكر الله تعالى في القرآن قصة كافر كما ذكر قصته في بسطها وتثنيتها، ولا ذكر عن كافر من الكفر أعظم مما ذكر من كفره واجترائه وكونه أشد الناس عذابًا يوم القيامة).

ثم قال: (والمقصود هنا أن هؤلاء الاتحادية من أتباع صاحب (فصوص الحكم) وصاحب (الفتوحات المكية) ونحوهم هم الذين يعظمون فرعون، ويدعون أنه مات مؤمنًا، وأن تغريقه كان بمنزلة غسل الكافر إذا أسلم، ويقولون: ليس في القرآن ما يدل على كفره، ويحتجون على إيمانه بقوله: {حَتَّى إِذَا أَدرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المسلِمِينَ} [يونس: 90])([37]). ثم أجاب الشيخ عن شبهاتهم وبين بطلانها.

وكذلك بين الشيخ بطلان شبهاتهم في رسالة أخرى، وذكر بعض الأدلة على كفر فرعون كقوله تعالى: {‌وَأَتۡبَعۡنَٰهُمۡ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ ٱلۡمَقۡبُوحِينَ} [القصص: 42]. مع تقريره أن (كفر فرعون عند الخاصة والعامة أبين من أن يستدل له بدليل)([38]).

وقال عند قوله تعالى: {‌يَقۡدُمُ ‌قَوۡمَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَأَوۡرَدَهُمُ ٱلنَّارَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡوِرۡدُ ٱلۡمَوۡرُودُ (٩٨) وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِۦ لَعۡنَة وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ بِئۡسَ ٱلرِّفۡدُ ٱلۡمَرۡفُودُ} [هود: 98، 99]: (وما ‌أخلَقَ ‌المحاجَّ عن فرعون أن يكون بهذه المثابة، فإن المرء مع من أحب)([39]).

2- العلامة الإمام المقرئ شمس الدين ابن الجزري (ت: 833هـ):

له فتوى رد فيها على من يدعو لتأويل كلام ابن عربي، وذكر نماذج لكلامه الذي لا يمكن تأويله، منها ما ذكره في هذا الموضع من الفصوص، وهو أن الله تعالى قبض فرعون طاهرًا مطهرًا.. إلخ، وبين معارضته لقوله تعالى: {‌فَأَخَذۡنَٰهُ ‌وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ (٤٠) وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةً يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ (٤١) وَأَتۡبَعۡنَٰهُمۡ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَة وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ ٱلۡمَقۡبُوحِينَ} [القصص: 40-42]([40]).

3- العلامة الإمام الفقيه شرف الدين ابن المقري (ت: 837هـ)، صاحب التصانيف المشهورة في فقه الشافعية:

قال في سياق ردّه على ابن عربي وأتباعه في مسألة إيمان فرعون: (وقد علم بالاضطرار من دين أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى أن فرعون من أكفر الخلق، والله تعالى لم يقصّ عن أحد من الكفار من كفره وطغيانه وغلوه أعظم مما ذكر عن فرعون)([41]). ثم ذكر الأدلة على كفره، وردّ اعتراضات من سمّاهم: (المؤمنين بكلام هذا المحيي للدين بزعمهم) على تلك الآيات البينات، ثم قال: (فهذه مناقب فرعون لعنه الله، قصّها الله في كتابه علينا، فآمنا بها وصدّقنا، وكذَّب بها ابن عربي وحزبه، وزعموا أن فرعون -لعنه الله- على الحق، فحشرهم الله في عصابته، وأدخلهم في زمرته، وهذا دعاء لو سكت كفيته، وهو مطلوبهم.

فالقائل بإسلامه كافر؛ لردّه صرائح الكتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين )([42]).

4- العلامة الفقيه الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني (ت: 855هـ):

قال في الباب الثالث من كتابه (كشف الغطاء عن عقائد الموحدين) الذي خصّه للرد على ابن عربي: (ومن مقالاته أيضًا حُكمُه بإيمان فرعون لعنه الله، وثناؤه عليه… صحح قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى}، ثم جزم بأن فرعون لم يمت إلا طاهرًا مطهرًا من الخبث والآثام، لأنه كان آخر أمره الإسلام، والإسلام يجب ما قبله، ثم عم بهذا الحكم جميع الكافرين المحتضرين، ثم قال: “ليعلم أن ما يقبض أحد من المحتضرين إلا وهو مؤمن، أي: مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية؛ لأن المحتضر لا يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمَّه”، وقال أيضًا: “استقر في نفوس عامة الخلق شقاء فرعون، وما لهم من نصّ في ذلك يستندون إليه”. فاعترف بمخالفة إجماع المسلمين، وركب رأسه في محبة قرناء له في النار، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، فخالف نصوص القرآن في تكفير فرعون وشقائه، وسلك مسلك المباهتة والسفسطة في النصوص؛ أنها ليست نصوصًا على كفره ودخوله النار)([43]). ثم ذكر عددًا من الأدلة التي ينقض بها قوله.

وقال في فتواه في ابن عربي: (واعلم أن حُكْمَه بإيمان فرعون وسعادته فرع من فروع مذهبه، وأنه من أدنى كذبه، فلا ريب في تكفيره وتكفير أهل مذهبه)([44]).

وقال عند قول القاضي عياض (ت: 544هـ): (وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نصَّ الكتاب أو نصَّ حديثٍ مجمعٍ على حمله على ظاهره كتكفيرنا ‌الخوارج بإبطال ‌الرجم): (ومن هذا القبيل قول ابن عربي بإيمان فرعون، وبأنه ليس في القرآن نصٌّ صريحٌ بدخوله النار، ولو لم يكن له مقالة سوى هذه لكَفَتْهُ كفرًا)([45]).

5- الشيخ محمد بن عبد الله بن خليل البلاطنسي الشافعي (ت: 863هـ):

 قال في ضمن الأمور المنكرة في كتاب (الفصوص): (أن فرعون خرج من الدنيا طاهرًا مطهرًا، وقد أنزل الله تعالى فيه آيات يعد عليه فيها مثالبه، ويذكر فيها ما وقع من شبه الكفر والضلال، ولو خرج من الدنيا طاهرًا مطهَّرًا لما عدَّ ذلك عليه؛ لأن الله تعالى يغفر لمن تاب ما قد سلف)([46]).

6- العلامة قاضي الحنفية بالشام في وقته محمد بن عبد الرحمن الحنفي المعروف بابن بريطع (ت: 874هـ):

قال: (ومما خالف فيه المذكور -أعني ابن عربي المنكور- محكم التنزيل وعارض بما لا يحتمله التأويل: قوله في عدوّ الله تعالى وعدوّ رسوله فرعون: إنه من كبار أهل العرفان، وأنه مات على الإيمان، وأنه قبض طاهرًا، ومن الذنوب بريئًا مطهرًا، وأنه مصيب في قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى}، وفي قوله: {مَا عَلِمتُ لَكُم مِّن إِلَهٍ}، إلى أمثال ذلك من الكفريات التي العلم ببطلانها من الضروريات، فهذا الإفك لم يأفكه أفّاك في الأمم الخالية، ولا اجترأ عليه مجترئ في القرون الماضية، قال العلماء: قوله هذا أعظم من كفر اليهود والنصارى)([47]).

7- الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي (ت: 956هـ):

له كتاب (نعمة الذريعة في نصرة الشريعة) قال فيه معلقًا على قوله بإيمان فرعون في (الفصوص): (هذا من جملة قاعدته التي هي: خالِفْ تُعرَف، فإنَّ هذا القول لم يقُلْهُ أحدٌ قبلَه، وقَلَّدَه فيه من ألقى إليه القِيَاد من الحمقى، وهو مخالفٌ للكتاب والسنة وإجماع الأمة)([48]).

وقال في وصفه في موضع آخر: (له اهتمام عظيم بتوجيه أمور ‌فرعون، وليس ذلك إلا لمناسبة بين الأرواح؛ فإنها جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلَفْ، وما تناكر منها اختلَفْ، والمرء مع من أحب)([49]).

وقال في موضع آخر: (مُرَادُه توجيه قول ‌فرعون محاماةً له لما له من النسبة إليه)([50]).

وقد أورد العلامة الحلبي كلام ابن عربي في إيمان فرعون في الموضع المذكور من (الفصوص)، وأجاب عن شبهاته([51]).

مناقشة المنكرين لتكفير من قال بإيمان فرعون:

قول من قدّمناه من العلماء من الشافعية وغيرهم في تكفير من قال بإيمان فرعون فيه ردّ على ما ذهب إليه ابن حجر الهيتمي من أن كفر فرعون ليس من المعلوم بالضرورة، فلا يكفَّر من أنكره([52]). مع أنه حكى في (الزواجر عن اقتراف الكبائر) الإجماع على كفره([53])، وقرر الأدلة على ذلك، وأجاب عن شُبُهات ابن عربي في ذلك([54]).

والهيتمي ممن يعظِّم ابن عربي ويدافع عنه، إلا أنه لم يتابعه في قوله بإيمان فرعون، ويظهر أن تعظيمه له حمله على مثل ما قاله، وإلا فإن العلماء المتقدّمين كلهم نظروا في مستندات ابن عربي وشبهاته واطلعوا عليها، ولم يكن ذلك سببًا لديهم لإضعاف دلالة النصوص على كفر فرعون، وإخراج ذلك من حيز المعلوم من الإسلام بالضرورة الذي يكفر منكرُه.

يقول الهيتمي في فتوى له بشأن ابن عربي: (الشيخ محيي الدين بن عربي -رحمه الله ورضي عنه- إمام جمع بين العلم والعمل كما اتفق على ذلك من يعتد به… وقد ظهر له من الكرامات ما يؤيد ما علم منه في حياته من الزهد والعبارة الخارقين للعادة، ولا يقدح فيها ما صدر عنه مما لا يقبل التأويل، ولا يقتضي التضليل، كقوله بإسلام فرعون؛ لأن هذا لا يقتضي كفرًا، وإنما غايته أنه خطأ في الاجتهاد، وهو غير قادح في صاحبه، إذ كل من العلماء مأخوذ من قوله ومردود إلا المعصومين)([55]).

وقد نحا نحوه الشهاب الآلوسي، فنقل كلامه، وقال في ختام بحثه في هذه المسألة: (وإكفار بعض المنكرين له فيه ضلال، وأيُّ ضلال؟! وظلم عظيم موجب للنكال، فإن له -قدس سره- في ذلك مستندًا كغيره المقابل له وإن اختلفا في القوة والضعف)([56]).

وهذه جرأة في التضليل حمله عليها الدفاع عن ابن عربي، فكيف يقال بتضليل علماء الأمة الذين صرّحوا بتكفير القائل بإيمان فرعون ولوزم التنكيل بهم؟!

ثم إن هؤلاء العلماء من أعلم الناس بمستندات ابن عربي، ومع ذلك حكموا على ما قاله بالكفر؛ لأن تلك المستندات لا اعتبار لها.

وتبع النعمان الآلوسي (ت: 1317هـ) أيضًا الهيتمي وجدّه الشهاب، فقال بعدما حكى مذهب المكفرين ومذهب المانعين: (والحق عندي عدم الإكفار في هذا الباب)([57]).

وقال الشهاب الآلوسي بعد أن نقل عن ابن عربي قوله بإيمان فرعون: (وقد اعترض عليه بذلك غير واحد، وهو عندي ليس بأعظم من قوله -قدس سره- بإيمان قوم نوح عليه السلام وكثير من أضرابهم ونجاتهم يوم القيامة، وقد نص على ذلك في الفصوص، والعجب أنه لم يُكثِر معترضُوه في ذلك كثرتهم في القول بإيمان فرعون)([58]). وتبعه على ما قاله حفيده النعمان الآلوسي([59]).

وإكثارهم على ابن عربي في ذلك لأن كفر فرعون أظهر من كفر غيره، فإنه لم يكفر أحد بالله ويدعي لنفسه الربوبية والألوهية مثل فرعون([60])، وإنما العجب من الآلوسيَّيْن حيث يجعلان الإكثار على ابن عربي محل التعجب، ولا يتعجبان من إكثار ابن عربي من الكفر.

المحور الرابع: مناقشة الاتجاهات التي تنفي نسبة القول بإيمان فرعون لابن عربي:

جميع من قدمنا ذكرهم من المؤيدين لابن عربي في قوله بإيمان فرعون والقائمين عليه المتصدين له اتفقوا على ثبوت نسبة هذا القول إليه، إلا أن بعض الذين يجلّون ابن عربي -وهم أيضًا يقرّون بكفر فرعون- ذهبوا إلى القدح في تلك النسبة؛ ليجمعوا بين تكفير فرعون وإجلال ابن عربي، ولهم في ذلك مستندات، وهذا أوان ذكرها، وذِكرِ ما أُجيب به عنها:

1- مناقشة الاتجاه القائل بأن مذهب ابن عربي هو التوقف في إيمان فرعون لا الجزم به:

لم يجد الناظرون في كتاب (الفتوحات المكية) موضعًا يعارض ما قدَّمنَاه في البند الأول من نصوص ابن عربي في إيمان فرعون إلا قوله عن الخالدين في النار من المجرمين: (وهؤلاء المجرمون أربعُ طوائف كلُّها في النار لا يخرجون منها، وهم المتكبِّرُون على الله، كَفرعون وأمثالِه ممن ادعى الربوبية لنفسه، ونفاها عن الله فقال: {يَا أَيُّهَا الملَأُ مَا عَلِمتُ لَكُم مِّن إِلَهٍ غَيرِي}، وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى}، يريد أنه ما في السماء إله غيري، وكذلك نمرود وغيره)([61]).

وعلى هذا النصّ اعتمد من ينفي نسبة القول بإيمان فرعون لابن عربي.

قال علي المهايمي (ت: 835هـ) بعد ذكره: (ووجه التوفيق بين كلامه من وجوه:

الأول: أن كلام الفتوحات على تقدير عدم إتيانه بالإيمان الذي أتى به عن الغرق.

الثاني: أنه على تقدير عدم قبول ذلك الإيمان على مذهب الجمهور، والمثال الفرضي كافٍ.

الثالث: أن مذهب الشيخ هو مذهب الجمهور، لكنه ها هنا طالب للدليل على عدم قبوله، كما يشعر به كلامه في آخر هذا الفصّ)([62]).

وقال الشعراني (ت: 973هـ): (ومن دعوى المنكر أن الشيخ يقول بقبول إيمان فرعون، وذلك كذب وافتراء على الشيخ، فقد صرح الشيخ في الباب الثاني والستين من الفتوحات بأن فرعون من أهل النار الذين لا يخرجون منها أبد الآبدين، والفتوحات من أواخر مؤلفاته، فإنه فرغ منها قبل موته بنحو ثلاث سنين)([63]).

وقال الملا علي القاري بعد ذكره: (وهذا هو الصواب عند أولي الألباب، والعجيب من بعض شراح الفصوص أنه أوّل هذا الكلام المطابق للنصوص، ومال إلى الضلال المضطرب المقال)([64]).

وقد ذهب القاري بناءً على ذلك إلى القول بأن قول ابن عربي في مسألة فرعون ليس قولًا كفريًّا، فقال في ختام رسالته: (ثم الذي أعتقده أنا أن الشيخ لم يرد إثبات إيمانٍ في فرعون، بدليل ما سبق عنه في (الفتوحات المكية)، وإنما قصد أن الأدلة في كفره ليست قطعية، ولهذا قال في (الفصوص): وأمره إلى الله، وهذا ليس فيه محظور يوجب كفره بلا اشتباه)([65]).

وهذا تناقض عجيب من العلامة القاري، فإنه يقول بكفر من قال بإيمان فرعون لمخالفته للدليل القطعي، ويلزم من ذلك القول بكفر من توقف فيه؛ لأن القائل بكفره والمتوقف فيه كلاهما مخالف للأدلة القطعية على كفره.

وقال الكازروني: (وحيث إن الشيخ -قُدِّسَ سِرُّه- وَكَلَ أمرَ فرعون إلى الله في موضع، وقال بكفره في موضع، وصرح بكونه من أهل النار في موضع: عُلِم أن ما ذكره في باب إيمانِه من قبيل البَحث، لا من قبيل الاعتقاد)([66]).

وقد وصف محمد بن رسول البرزنجي كلام الكازروني بأنه كلام خطابي؛ لأنه ليس في الفتوحات تصريح بكفر فرعون! ثم أجاب عن هذا الموضع بقولِه: (وقوله المار: “كفرعون ونمرود” يحتمل أن يكون معناه: كتكبر فرعون أو كفرعون لو مات على ذلك ولم ينته في آخر عمره، ويدل عليه قوله في (روح القدس) الذي نقلَه في الأصل: “إن استعملت سر الألوهية ولم تستعمل من هذه الأدوية خرجت مع فرعون ونمرود”؛ فإن فرعون استعمل دواء التوحيد والتوبة في آخر عمره، فلم يكن من أهل النار)([67]).

والوجه الذي اختاره البرزنجي في الجمع بين كلام ابن عربي هو الوجه الأول من الوجوه التي ذكرها الكجراتي، وهو الأقرب، وعلى افتراض ضعفه فإن كتاب (الفصوص) متأخر عن كتاب (الفتوحات)، فيكون ما فيه هو المعتمد.

وممن اعتمد على هذا النصّ أيضًا في نفي نسبة القول بإيمان فرعون لابن عربي: طه بن عمر العطار الدمشقي (ت: 1308هـ) في رسالته التي رد بها على العلاء البخاري والمسمّاة: (الفتح المبين في رد الاعتراضات على الشيخ محيي الدين)، حيث إن ابن عربي -بحسب زعمه- ما قال بإيمان فرعون ولا نجاته، وإنما بحث في دليل (القوم) على كفره، فلم يظهر له من الدليل القرآني كفره، قال: (وعلى هذا كان هذا القول -أي: القول بإيمان فرعون- على إطلاقه منسوبًا إلى سيدنا الشيخ مُنكرًا من القول وزورًا)([68]).

ولو سلّمنا أن ابن عربي توقف في إيمان فرعون ولم يقل بإيمانه، فإنه أيضًا قول كفري، فإن مجرد التوقف في شأن فرعون وتجويز كونه مات على الإيمان كفرٌ مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة، كما سيأتيك في نصوص العلماء الأكابر الذين تصدّوا لمقالة ابن عربي الشنيعة هذه.

يقول شيخ الإسلام: (ولهذا كان المسلمون مُتَّفِقين على أن من توَقَّف في كفره وكونه من أهل النار فإنه يجبُ أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرًا مرتدًّا، فضلًا عمَّن يقول: إنه مات مؤمنًا. والشكُّ في كفره أو نفيه أعظمُ منه في كفر أبي لهب ونحوه، وأعظمُ من ذلك في أبي جهل وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث ونحوهم ممن تواتر كفرُهم ولم يذكر باسمه في القرآن، وإنما ذكر ما ذكر من أعمالهم)([69]).

ولو سلمنا كذلك أن ما أبداه ابن عربي في كتبه محض بحث للمسألة، فلا نزاع في أنه فتح الباب لمن بعده لتبنيها والقول بها، من شراح الفصوص وغيرهم إلى وقتنا هذا، ممن مضى كلامهم.

2- مناقشة الاتجاه القائل بأن القول بإيمان فرعون مدسوس في كتب ابن عربي:

من أتباع ابن عربي من ذهب إلى أن القول بإيمان فرعون مدسوس في كتبه، وهذا ما ذهب إليه الشعراني([70]).

وكذلك ذهب الملا علي القاري -وهو من أشد المنكرين على القائلين بإيمان فرعون- إلى نحو ما ذهب إليه الشعراني في قضية الدس، حيث قال عن القول بإيمان فرعون: (وجد في كتب ابن العربي، والمعتمد عند العلماء أن هذا مدخول فيها من الملحد الغبي)([71]).

وإلى هذا ذهب أيضًا الشيخ محمد الحامد الحموي (ت: 1389هـ) من المعاصرين، فقال بعد أن عرض الأدلة على كفر فرعون: (فالقول بنجاة فرعون كفر صريح، وعن هذا أقسم الشيخ الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) بأن هذا القول مدسوس على الشيخ محيي الدين، ومنحول له، ولم يقل به، وهذه هي العقيدة الصحيحة المنجية عند الله تعالى، ورضي الله تعالى عن الشعراني الذي دفع عن القوم، وبيّن أن كثيرًا مما هو في كتبهم دسه الوضاعون فيها، وليس للقوم علم به)([72]).

يقول البرزنجي مجيبًا عن هذه الدعوى: (وقع للشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) أنه حلف بالله أن القول بإيمان فرعون كذب وافتراء على الشيخ -قدس سره-، وأنه دس في كتابه الفصوص والفتوحات، وأن الفتوحات من آخر مؤلفاته.

وهو عجيب منه، وخلاف الواقع، فإن كل من له ذوق في كلام الشيخ يعلم أن هذه كلها عباراته، وأنه على طبق مشربه، وكيف يدس قدر كراس في مواضع عديدة في كلام رجلٍ إمام معروف له تلامذة محققون، علماء أجلاء، مكبون على تصانيفه مطالعةً وقراءةً وإقراءً، كالصدر القونوي وأضرابه.

ثم إن قوله: إن الفتوحات من آخر تآليفه غلط، فقد صرح ربيبه وتلميذه وأعظم خلفائه الشيخ القطب المحقق صدر الدين القونوي في خطبة كتابه (الفكوك) أن الفصوص آخر تصنيفه… وقد نقل عن الفتوحات في الفصوص، فيقول: وذكرنا هذا في الفتوحات، وكأن الشعراوي لما عجز عن توجيه كلامه التجأ إلى الإنكار، وحلف بالله ترخُّصًا بأن في الحلف صون عرض الأولياء الكبار، والله يغفر لنا وله)([73]).

وقال الزبيدي (ت: 1205هـ) متابعًا للبرزنجي: (وممن قال بإيمانه الشيخ محيي الدين بن العربي في مواضع من فتوحاته وفصوصه، لا يستريبُ مُطالِعُهُما أنَّهُ كلامُه، وأنه غير مدسوس عليه… وأنت خبيرٌ بأن كلام الشيخ في فتوحاته وفصوصه إذا جمع يجيء أكثر من عشرة أوراق، ومثل هذا لا يحتمل الدس)([74]).

وقال أنور شاه الكشميري (ت: 1353هـ): (ونُسِب إلى الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى أنَّه اعتبر ‌إيمانَ ‌فِرَعون. قال الشَّعْرَاني: وهذا مدسوسٌ، والشيخُ رحمه الله تعالى بريءٌ منه. قلتُ: بل هو مختارُ الشيخِ رحمه اللَّهُ تعالى وليس بمدسوسٍ، وقد نَقَل بحرُ العلوم في «شرح المثنوي» عباراتٍ عديدةً للشيخ رحمه الله تعالى تدلُّ على هذا المعنى)([75]).

وقال في موضع آخر: (والذي أظن أنه من كلام الشيخ الأكبر وإنْ أنكره الشَّعْراني؛ لأني أَعْرف طريقَه، وأُميِّزُ كلامَه من غيره)([76]).

3- مناقشة الاتجاه القائل بأن ابن عربي لم يقصد فرعون موسى، وإنما قصد بذلك النفس الأمارة مجازًا:

أشار الزبيدي إلى هذا القول([77]). وقال الشهاب الآلوسي في ردّه: (ومن الناس من أوَّل كلام الشيخ المثبتَ لقبول الإيمان بأنَّ المراد بفرعون فيه النفس الأمارة، وبموسى وهارون المأمورين بالقول اللين: موسى الروح، وهارون القلب، وأخذ يقرر الكلام على هذا السَّنَن.

ولا يخفى أن ارتكاب ذلك على ما فيه من التكلف الظاهر الكلف في كلام الشيخ ما يأباه، ولعله خلاف مطمح نظره، ولذلك لم يرتكبه أجلة أصحابه، بل أبقوا كلامه على ظاهره، وهو الظاهر)([78]).

وقد أشار لهذا المسلك وردّه مصطفى كمال الشريف الدمشقي (ت 1317هـ) وردّه، وأتى بمسلك جديد من جنسه غير مشهور، قائم على التفسير الرمزي أيضًا لكلام ابن عربي، وما قاله الآلوسي في هذا المسلك يقال فيه([79]).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) من كلام العلامة ابن المقري الشافعي في سياق إنكاره لقول ابن عربي بإسلام فرعون، وهو من أكابر الشافعية الذين أنكروا على الاتحادية باليمن في وقته غاية الإنكار. نقله السخاوي في «القول المنبي في ترجمة ابن العربي» (2/ 329).

([2]) «مجموع الفتاوى» (2/ 279).

([3]) «الفتوحات المكية» (2/ 276-277).

([4]) «الفتوحات المكية» (2/ 410).

([5]) «الفتوحات المكية» (2/ 411).

([6]) «الفتوحات المكية» (4/ 60).

([7]) «فصوص الحِكَم» (ص: 201).

([8]) «فصوص الحِكَم» (ص: 212).

([9]) «الجاذب الغيبي إلى الجانب الغربي» من مخطوطات مكتبة لا له لي برقم (1352) (ص: 167).

([10]) انظر كلام ابن عربي في ذلك في «الفصوص» مع شرح ملا جامي (ص: 501-502)، وقد نقله ابن المقري مختصرًا بالمعنى.

([11]) نقله السخاوي في «القول المنبي في ترجمة ابن العربي» (2/ 328-329).

([12]) «شرح الجندي على فصوص الحكم» (ص: 637).

([13]) «شرح القاشاني على فصوص الحكم» (ص: 254).

([14]) «مطلع خصوص الكلم في شرح فصوص الحكم» (2/ 1272).

([15]) «شرح الملا جامي على فصوص الحكم» (ص: 480).

([16]) «الجواب المفيد للسائل المستفيد» (ص: 96-97).

([17]) «الجواب المفيد للسائل المستفيد» (ص: 96-97).

([18]) «تحفة المحتاج» -مع حاشية الشرواني- (9/ 88).

([19]) «حاشية الخفاجي على البيضاوي» (5/ 56).

([20]) «روح المعاني» (6/ 175).

([21]) وهذا يدلّ على أن ابن عربي في هذا الموضع جزم بإيمان فرعون، بخلاف ما ذهب إليه علي المهائمي (ت: 835هـ) في شرحه من أن ابن عربي غير جازم بذلك؛ لعدم الدليل القاطع على قبول إيمانه، ولا على عدم قبوله، وأنه إنما قصد بيان انتفاء الدليل على موته كافرًا، لا ثبوت الدليل على إيمانه. انظر: «خصوص النعم في شرح فصوص الحكم» (ص: 631، 670).

([22]) «جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص» (2/ 408).

([23]) (ص: 39-41).

([24]) «الطريقة المحمدية» (ص: 367).

([25]) «الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية» (ص: 102).

([26]) «بريقة محمودية» (3/ 195). وقد تقدّم كلام الملا جامي والإحالة على موضعه.

([27]) وقفت على نسخة منها من مخطوطات مكتبة لا له لي برقم (1352)، واعتمدت عليها في النقل من هذا الكتاب. وقد طبع الكتاب مؤخرًا.

([28]) «الجواب المفيد للسائل المستفيد» (ص: 96-97).

([29]) «إتحاف السادة المتقين» (2/ 246).

([30]) نقله الشيخ عبد الرحمن الوكيل في مقدمة «تنبيه الغبي» (ص: 14-15)، وانظر أيضًا مقدمة الشيخ زهير الشاويش رحمه الله لكتاب «الكلم الطيب» لابن تيمية.

([31]) «المواقف الروحية والفيوضات السبوحية» (1/ 71).

([32]) «المواقف الروحية والفيوضات السبوحية» (1/ 72).

([33]) «المواقف الروحية والفيوضات السبوحية» (2/ 42).

([34]) «السلوك في طبقات العلماء والملوك» (2/ 120).

([35]) «فصوص الحِكَم» (ص: 201).

([36]) «مجموع الفتاوى» (2/ 125). وقد جاء هذا النصّ في جواب فتوى ذكر البقاعي نصوصًا منها في «تنبيه الغبي» (ص: 153)، وذكر أنها جاءت جوابًا لسيف الدين بن بلبان السعودي، وقد نقل تلك الفتوى الفاسي في «العِقْد الثمين» (2/ 163) وما بعدها.

([37]) «جامع الرسائل» (1/ 207).

([38]) «مجموع الفتاوى» (2/ 279).

([39]) «مجموع الفتاوى» (2/ 283).

([40]) نقله السخاوي في «القول المنبي عن ترجمة ابن العربي» (2/ 268).

([41]) نقله السخاوي في «القول المنبي عن ترجمة ابن العربي» (2/ 329).

([42]) نقله السخاوي في «القول المنبي عن ترجمة ابن العربي» (2/ 329-330).

([43]) «كشف الغطاء عن حقائق التوحيد وعقائد الموحدين» (ص: 188-189).

([44]) «كشف الغطاء عن حقائق التوحيد وعقائد الموحدين» (ص: 227). ونقلها السخاوي في «القول المنبي عن ترجمة ابن العربي» (2/ 466).

([45]) «كشف الغطاء عن حقائق التوحيد وعقائد الموحدين» (ص: 245).

([46]) «القول المنبي عن ترجمة ابن العربي» (2/ 383).

([47]) نقله السخاوي في «القول المنبي عن ترجمة ابن العربي» (2/ 400).

([48]) «نعمة الذريعة في نصرة الشريعة» (ص: 184).

([49]) «نعمة الذريعة في نصرة الشريعة» (ص: 189).

([50]) «نعمة الذريعة في نصرة الشريعة» (ص: 198).

([51]) انظر مناقشته لما جاء في الحكمة الموسوية في «نعمة الذريعة في نصرة الشريعة» (ص: 184-209).

([52]) «تحفة المحتاج» (9/ 88).

([53]) وحكايته الإجماع في ذلك فيها ردّ على الشعراني حيث نقل في «اليواقيت والجواهر» (ص: 33) عن شيخ مجهول العين والحال -سمّاه: شيخ الإسلام الخالدي- أن القاضي أبا بكر ابن الباقلاني قوى القول بنجاة فرعون، ودون إثبات ذلك للباقلاني خرط القتاد وصعود السماء. وكذلك سعى المهايمي وتبعه البرزنجي إلى عزو الخلاف إلى بعض المفسرين دون أن يسمي أحدًا منهم، وإلى شعب الإيمان للبيهقي، وكل ذلك لا يثبت، بل في شعب الإيمان نقيض ذلك. ولو سلمنا بثبوت ذلك تسليمًا جدليًّا فإنه لا يقدح في الإجماع المستقرّ على كفر فرعون.

([54]) «الزواجر عن اقتراف الكبائر» (1/ 54-59).

([55]) «الفتاوى الحديثية» (ص: 441).

([56]) «روح المعاني» (6/ 177).

([57]) «جلاء العينين في المحاكمة بين الأحمدين» (ص: 47).

([58]) «روح المعاني» (6/ 175). وقد أقر الآلوسي بأن العلماء لم يغفلوا الإنكار على ابن عربي قوله بإيمان قوم نوح، وإن كانوا في نظره لم يكثروا من ذلك، وقد تقدم كلام ابن المقري وتفطنه لهذه القضية وما كان يخاطب به المدافعين عن ابن عربي. ويقول عبد اللطيف بن بلبان السعودي رحمه الله بعد ذكره بعض المكفرات نقلًا عن أحد علماء الأحناف: (فكيف من اعتقد ذلك في قوم نوح وقوم هود وفرعون، وجعل كل كافر وفاجر وفاسق وعاص عند ربه مرضيًّا، فعلى قائل ذلك ومعتقده اللعنة إن مات على اعتقاد ما وضعه في كتابه المذكور). نقله السخاوي في «القول المنبي».

([59]) «جلاء العينين في المحاكمة بين الأحمدين» (ص: 47).

([60]) «مجموع الفتاوى» (2/ 279).

([61]) «الفتوحات المكية» (1/ 301).

([62]) «خصوص النعم في شرح فصوص الحكم»، نسخة خطية من مكتبة عاطف أفندي برقم (1442) (ص: 392)، وهو في المطبوعة عن دار الكتب العلمية (ص: 631) لكنها طبعة كثيرة التصحيف والتحريف.

([63]) «اليواقيت والجواهر» (ص: 33). وأشار إلى جوابه هذا الشيخ محمد الحامد فيما نقله عنه تلميذه عبد الحميد طهماز في كتابه «الشيخ محمد الحامد» (ص: 167).

([64]) «فر العون من مدعي إيمان فرعون» ضمن «مجموع رسائل الملا علي القاري» (6/ 296).

([65]) «فر العون من مدعي إيمان فرعون» ضمن «مجموع رسائل الملا علي القاري» (6/ 335).

([66]) «الجاذب الغيبي إلى الجانب الغربي» من مخطوطات مكتبة لا له لي برقم (1352) (ص: 146).

([67]) «الجاذب الغيبي إلى الجانب الغربي» من مخطوطات مكتبة لا له لي برقم (1352) (ص: 147).

([68]) «الفتح المبين في رد الاعتراضات على الشيخ محيي الدين» (ص: 66).

([69]) «جامع الرسائل» (1/ 204).

([70]) «اليواقيت والجواهر» (ص: 33).

([71]) «فر العون من مدعي إيمان فرعون» ضمن «مجموع رسائل الملا علي القاري» (6/ 295).

([72]) نقله عنه تلميذه عبد الحميد طهماز في كتابه «الشيخ محمد الحامد» (ص: 167).

([73]) «الجاذب الغيبي إلى الجانب الغربي» من مخطوطات مكتبة لا له لي برقم (1352) (ص: 142-143).

([74]) «إتحاف السادة المتقين» (2/ 245-246).

([75]) «فيض الباري على صحيح البخاري» (3/ 71).

([76]) «فيض الباري على صحيح البخاري» (5/ 284).

([77]) «إتحاف السادة المتقين» (2/ 245).

([78]) «روح المعاني» (6/ 177).

([79]) انظر كلامه ملحقًا بـ«شروح رسالة الشيخ أرسلان» (ص: 267).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

تذكير المسلمين بخطورة القتال في جيوش الكافرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: من المعلومِ أنّ موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين من أعظم أصول الإيمان ولوازمه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ‌وَلِيُّكُمُ ‌ٱللَّهُ ‌وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [المائدة: 55]، وقال تعالى: ﴿‌لَّا ‌يَتَّخِذِ ‌ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةۗ […]

ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ […]

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017