الاثنين - 11 ربيع الآخر 1446 هـ - 14 أكتوبر 2024 م

دفع شبهات الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه الجزء (2) أسباب إكثار أبي هريرة رضي الله عنه من الرواية

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

إن إكثار أبي هريرة من الرواية إذا نظرتَ فيه نظرًا علميًّا منصفًا بعيدًا عن الأهواء أرشدك ذلك إلى أسباب طبيعية وواقعية لكثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه، لا تدلّ بحال على الطعن فيه، بل هي مما يدلّ على فضله ومنقبته رضي الله عنه؛ إذ الإكثار دليل الحفظ لا دليل الكذب -كما قال ابن الوزير([1])-.

وقد كان لإكثار الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه من الرواية أسباب واضحة قد أجاب بها على من اعترض عليه في إكثاره، منها ما يتعلّق بالتلقي، ومنها ما يتعلق بالأداء، ومنها ما يتعلق بهما معًا.

ونحن لا يهمّنا أن تكون هذه الأسباب مقنعةً للمنصّرين والمستشرقين وأذنابهم من الطاعنين ممن في قلوبهم مرض، فإنه لا يكاد يسلم سبب منها من قدحهم واعتراضهم بمحض الهوى، كما سيتبين ذلك، وإنما يهمّنا بيان أنها كانت كافيةً في إزالة الاستنكار لدى من استنكر على أبي هريرة رضي الله عنه كثرة الرواية من أهل القرون الأولى، وهي كافية بإذن الله لكل من أشكل عليه ذلك وكان سليم الصدر على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن تدبّر هذه الأسباب يتبين له أيضًا سقوط دعواهم في أنه لو سُلِّم لأبي هريرة رضي الله عنه بكثرة ما رواه ولم يُقَل بجَرْحِه؛ لدل ذلك على أفضليته على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وسائر كبار الصحابة؛ لأن الإكثار من التحديث والإقلال منه له ملابسات واقعية، ولا يدلّ بمجرده على أفضلية المكثر على المقل في العلم ولا في الذكاء. وسيأتيك شرح ذلك مفصلًا.

 ودونك تلك الأسباب([2]):

السبب الأول: أنه ‌قصَدَ ‌حفظ أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وضبطَ أحواله، لأجل أن يستفيد منها ويفيد الناس، ولأجل هذا كان يُلازِمه ويسأَلُه، وكان أكثرُ الصحابة لا يجترئون على سؤاله إلا عند الضرورة، وقد ثبت أنهم كانوا يسَرّون إذا جاء بعض الأعراب من البدو وأسلموا؛ لأنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم([3])، أما أبو هريرة رضي الله عنه فقد كان فارغًا لطلب العلم، قريبًا لطيفًا، حسن الأخلاق، غيرَ مَهِيب ولا بعيد([4]).

ومن الدلائل على هذا السبب: ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ‌مَنْ ‌أَسْعَدُ ‌النَّاسِ ‌بِشَفَاعَتِكَ ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ -يَا أَبَا هُرَيْرَةَ- أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ»([5]).

وجاء عن أبي بن كعب رضي الله عنه أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جَرِيئًا عَلَى أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ لَا يَسْأَلُهُ عَنْهَا غَيْرُهُ([6]).

السبب الثاني: كان أبو هريرة رضي الله عنه ملازمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار؛ لاشتغال المهاجرين بالتجارة والأنصار ببساتينهم.

قال أبو أحمد الحاكم: (كان من أحفظ أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وألزمهم له صحبة ‌على ‌شبع بطنه، فكانت يده مع يده يدور معه حيث دار إلى أن مات، ولذلك كثر حديثه)([7]).

وقال ابن عبد البر: (وَكَانَ من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار، ‌لاشتغال ‌المهاجرين بالتجارة والأنصار بحوائطهم)([8]).

وقال ابن الوزير في بيانه أسباب كثرة روايته: (أنَّه كان فقيرًا لا مالَ له، ولا أهلَ، وكان يُلازِم النبي صلى الله عليه وسلم على الدوام، ولا يَشْغلُه عنه شاغِلٌ مِن مال ولا أهل ولا تجارة، وربما لازمه لِيأكل معه مما أكل، ولغير ذلك من خدمته ونحوها)([9]).

ويقول المعلمي: (لم يكن في وُسع الصحابة أن يلازموا النبيّ صلى الله عليه وسلم ملازمةً مستمرَّة، وإذ كان أنس وأبو هريرة ملازمين للنبيّ صلى الله عليه وسلم لخدمته فلا بدّ أن يتلقّيا مِن الأحاديث أكثر مما تلقاه المشتغلون بالتجارة والزراعة)([10]).

ويدل على ذلك ما جاء عَنْ ابن شهاب، عن الأعرج، عن ‌أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ! ‌وَاللهُ ‌الْمَوْعِدُ([11])، وَيَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟! وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ملْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ»([12]).

وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد: «وَكُنْتُ أُكْثِرُ مُجَالَسَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْضُرُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا»([13]).

ويذكر ابن قتيبة رحمه الله أن هذا البيان من أبي هريرة رضي الله عنه كان سببًا في إمساك الصحابة رضي الله عنهم عن الإنكار عليه رضي الله عنه كثرةَ حديثه، قال: (وأما طعنه -أي: المبتدع- على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له، فإن أبا هريرة صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوًا من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه، وعمر بعده نحوا من خمسين سنة، وكانت وفاته سنة تسع وخمسين، وفيها توفيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفيت عائشة رضي الله عنها قبلهما بسنة، فلما أتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جِلة أصحابه والسابقين الأولين إليه اتهموه، وأنكروا عليه، وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك؟! ومن سمعه معك؟!.. فلما أخبرهم أبو هريرة بأنه كان ألزمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لخدمته وشبع بطنه، وكان فقيرًا مُعدمًا، وأنه لم يكن ليشغله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الوَدِي، ولا الصفق بالأسواق، يعرّض أنهم كانوا يتصرفون في التجارات ويلزمون الضياع في أكثر الأوقات، وهو ملازم له لا يفارقه، فعرف ما لم يعرفوا، وحفظ ما لم يحفظوا؛ أمسكوا عنه)([14]).

وهذا لما تقدَّم من أن المنع من الإكثار من التحديث معلَّل بخشية الكذب والخطأ والسهو على النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا يخشى ممن لازم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الملازمة الأكيدة كأبي هريرة رضي الله عنه.

ويدل على ذلك ما جاء عن عائشة أنها دعت أبا هريرة فقالت له: يا أبا هريرة، ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم؟! هل سمعت إلا ما سمعنا؟! وهل رأيت إلا ما رأينا؟! قال: يا أماه، إنه كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرآة ‌والمُكْحُلَة، والتصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني والله ما كان يشغلني عنه شيء([15]). وفي رواية إسحاق بن سعيد عن أبيه أنها أجابته بقولها: (لعلَّه)([16]).

في هذا الحديثِ نرى أبا هريرةَ رضي الله عنه يُجيب عائشةَ رضي الله عنها عن تساؤلاتها بما يبدو أنها قد اقتنعت به، إذ لم تردَّ ولم تُعلِّقْ بشيء، لما فيه من صراحة وواقعيَّة يُسلِّم بها ذوو النفوس الكريمة والمقاصد السليمة.

وبهذا يتضح أنها لم تسأل سؤال المعترض، وإنما هو تساؤل أرادت منه الجوابَ عليه، فلمَّا أجابها بما أجابها به عرفت أن عندَه ما ليس عندها، وأنه قد سمِعَ ما لم تسمعه، ورأى ما لم ترَهُ، نظرًا لملازمته التامةِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وانشغالها رضي الله عنها بما تنشغل به النساءُ المتزوِّجاتُ عادةً([17]).

وقد اعترض أبو رية على جواب أبي هريرة رضي الله عنه بأنه جواب لا أدب فيه ولا وقار([18])، يقول المعلمي: (والذي أنكره أبو ريَّة من جواب أبي هريرة عظيم الفائدة للباحث المحقق، وذلك أن أبا هريرة كان شديد التواضع، وقد تقدم أمثلة من ذلك، وعائشةُ معروفة بالصرامة وقوة العارضة، فجوابه يدلّ على قوة إدلاله بصدقه ووثوقه بحفظه، ولو كان عنده أدنى تردّد في صدقه وحفظه لاجتهد في الملاطفة، فإن المريب جبان، وسكوت عائشة بل قولها: «لعله» -أي: لعل الأمر كما ذكرتَ يا أبا هريرة- يدل دلالة واضحة أنه لم يكن عندها ما يقتضي اتهام أبي هريرة.

هذا، وحجة أبي هريرة واضحة، فإن عائشة لم تكن ملازمةً للنبي صلى الله عليه وسلم، بل انفردت عن الرجال بصحبته صلى الله عليه وسلم في الخلوة، وقد انفردت بأحاديث كثيرة تتعلَّق بالخلوة وغيرها، فلم ينكرها عليها أحد، ولم يقل أحدٌ -ولا ينبغي أن يقول-: إن سائر أمهات المؤمنين قد كان لهنّ من الخلوة بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل ما لها، فما بالُ الرواية عنهن قليلة جدًّا بالنسبة إلى رواية عائشة؟!)([19]).

وملازمة أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم شهد له بها الصحابة رضي الله عنهم، ولم يقتصر إثباتها على كلامه هو.

فعَنْ ‌مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ‌طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْيَمَانِيَّ -يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ- أَهُوَ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ؟! نَسْمَعُ مِنْهُ مَا لَا نَسْمَعُ مِنْكُمْ! -أَوْ: يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ!- قَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ عَنْهُ، وَذَاكَ أَنَّهُ كَانَ مِسْكِينًا لَا شَيْءَ لَهُ، ضَيْفًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدُهُ مَعَ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنَّا نَحْنُ أَهْلَ ‌بُيُوتَاتٍ وَغِنًى، وَكُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، لَا أَشُكُّ إِلَّا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَلَا نَجِدُ أَحَدًا فِيهِ خَيْرٌ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ)([20]).

وعَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، الْقِيرَاطُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ»، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَبَا هُرَيْرَةَ، انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى انْطَلَقَ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْشُدُكِ بِاللهِ، أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ»، فَقَالَتْ: اللهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرْسُ الْوَدِيِّ، وَلَا صَفْقٌ بِالْأَسْوَاقِ، إِنِّي إِنَّمَا كُنْتُ أَطْلُبُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً يُعَلِّمُنِيهَا وَأُكْلَةً يُطْعِمُنِيهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ -يَا أَبَا هُرَيْرَةَ- كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ([21]).

وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: إن أبا هريرة يُكثِرُ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عمر: ‌أعيذك ‌بالله أن تكون في شكّ مما يجيء به، ولكنه اجترأ وجَبُنَّا([22]).

وهاتان شهادتان من ابن عمر وطلحة رضي الله عنهما بصدق أبي هريرة رضي الله عنه وضبطه وعدالته يَسقط معهما قول كل من جرحه من أهل البدع والضلال، وفي ذلك يقول الإمام الدارمي بعد أن روى هذين الخبرين عن طلحة وابن عمر رضي الله عنهم: (أفلا يراقب امرؤ ربه، فيكُفَّ لسانه ولا يُكذّب رجلًا أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرمِيَه بالكذب عن غير ثبت ولا صحة؟! وكيف يصح عند هذا المعارض كذبُه وقد ثبَّتَهُ مثلُ طلحة بن عبيد الله وعبد الله بن عمر؟! لو عَضَّ هذا الرجلُ على حجر أو على جمرة حتى تحرق لسانه، كان خيرًا له مما تأول على صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم)([23]).

وأما ما جاء عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقَتل الكلابِ إلا كلبَ صيدٍ أو كلبَ غنمٍ أو ماشيةٍ، فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: أو كلبَ زرعٍ، فقال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعًا([24]). فقد قال أهل العلم في تفسير ذلك: ليس هذا توهينًا لرواية أبي هريرة ولا شكًّا فيها، بل معناه أنه لما كان صاحبَ زرعٍ وحَرْثٍ اعتنى بذلك وحفِظَه وأتقنه، والعادة أن المُبتلى بشيء يُتقنه ما لا يُتقنه غيرُه، ويتعرَّف من أحكامه ما لا يعرفه غيره. ففي هذه الرواية دلالةٌ إذًا على ذكر ابن عمر رضي الله عنهما لفضل أبي هريرة رضي الله عنه. ووجهُ الفضل: عنايتُه بمعرفة أحكام الله تعالى فيما يحتاجُه، لا أنه قصَد لَمْزَه بالإشارة إلى أنه أتى بهذه الزيادة تبريرًا لاتخاذه الكلب لزرعه. ولهذه الزيادةِ شواهدُ عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينفرِدْ بها أبو هريرة رضي الله عنه.

قال ابن عساكر: (قول ابن عمر هذا لم يرد به التهمة لأبي هريرة، وإنما أراد أن أبا هريرة حفظ ذلك لأنه كان صاحب زرع، وصاحب الحاجة أحفظ لها من غيره)([25]).

ثم نقل عن الإمام الخطابي ردّه على (من لم يسدد في قوله، ولحسن الظَّنِّ بسلفِه) نحو ما تقدّم، وما أصدق هذا الوصف الذي ذكره الخطابي على الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه من أهل الأهواء والبدع.

مناقشة دعوى اهتمام أبي هريرة رضي الله عنه بشبع بطنه:

أما قول أبي هريرة رضي الله عنه: (أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ملْءِ بَطْنِي) فيوضحه النووي رحمه الله بقوله: (أي: ألازمه ‌وأقنع ‌بقوتي، ولا أجمع مالًا لذخيرة ولا غيرها، ولا أزيد على قوتي، والمراد: من حيث حصل القوت من الوجوه المباحة، وليس هو من الخدمة بالأجرة)([26]).

وقد استغل الحاقدون قول أبي هريرة رضي الله عنه: (أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ملْءِ بَطْنِي) الذي أعرب فيه عن سبب إكثاره من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل أريحية وتواضع؛ وكان ذلك سببًا مقنعًا لمن تعجب من إكثاره من التحديث من الصحابة؛ استغلوه للطعن في غايته من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم بأقبح ما يكون من سوء الظن. يقول أبو رية تحت عنوان: (سبب صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم): (كان أبو هريرة صريحًا صادقًا في الإبانة عن سبب صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقل: إنه صاحبه للمحبة والهداية كما كان يصاحبه غيره من سائر المسلمين، وإنما قال: إنه قد صاحبه على ملء بطنه)([27]).

يقول المعلمي: (فأبو هريرة لم يتكلم عن إسلامه ولا هجرته ولا صحبته المشتركة بينه وبين غيره من الصحابة، وإنما تكلَّم عن مزيّته وهي لزومه للنبيّ صلى الله عليه وسلم دونهم، ولم يعلِّل هذه المزيّة بزيادة محبته أو زيادة رغبته في الخير أو العلم أو نحو ذلك مما يجعل له فضيلة على إخوانه، وإنما علَّلها على أسلوبه في التواضع بقوله: «على ملء بطني»، فإنه جعل المزية لهم عليه بأنهم أقوياء يسعون في معاشهم وهو مسكين. وهذا والله أدب بالغ تخضع له الأعناق، ولكنّ أبا ريَّة يهتبل تواضع أبي هريرة ويبدل الكلمة ويحرف المعنى، ويركّب العنوانَ على تحريفه، ويحاول صرف الناظر عن التحرِّي والتثبُّت بذكره رواية مسلم؛ ليوهم أنه قد تحرَّى الدقَّة البالغة، ويبني على صنيعه تلك الدعوى الفاجرة)([28]).

السبب الثالث: أنَّه طال عُمُرُه، فإنه تُوفي سنةَ تسع وخمسين في قول جماعة، وأقلُّ ما قيل: إنَّه تُوفي سنة سبع وخمسين، وقد كانت تَقِلُّ الرواية وتكثر بحسب طُولِ المدة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كانت روايةُ عمر أكثرَ مِن رواية أبي بكر([29]).

وقد تقدم قول الحافظ ابن حجر في أسباب كثرة الرواية: (أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم، فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان رضي الله عنهم)، وهذا ما صرّح به أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال: (وَاللهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إِلَى قَوْلِهِ: {الرَّحِيمُ})([30]).

يقول المعلمي: (إنما عاش أبو بكر زمنَ الأدَاء -أداء الرواية- نحو سنتين مشغولًا بتدبير أمور المسلمين، وعاش عمر مدَّة أبي بكر مشغولًا بالوزارة والتجارة، وبعده مشغولًا بتدبير أمور المسلمين. وفي «المستدرك»([31]): أنَّ معاذ بن جبل أوصى أصحابه أن يطلبوا العلم، وسمَّى لهم: أبا الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام. فقال يزيد بن عَميرة: وعند عمر بن الخطاب؟ فقال معاذ: لا تسأله عن شيء، فإنه عنك مشغول. وعاش عثمان وعليّ مشغولَيْنِ بالوزارة وغيرها ثم الخلافة ومصارعة الفتن.

وكان الراغبون في طلب العلم يتهيَّبون هؤلاء ونظراءهم، ويرون أن جميع الصحابة ثقات أُمناء، فيكتفون بمن دون أولئك، وكان هؤلاء الأكابر يرون أنه لا يتحتَّم عليهم التبليغ إلا عندما تدعو الحاجة، ويرون أنه إذا جرى العمل على ذلك فلن يضيع شيء من السنة؛ لأن الصحابة كثير، ومدة بقائهم ستطول، وعروض المناسبات التي تدعو الحاجة فيها إلى التبليغ كثير، وفوق ذلك فقد تكفَّل الله عزّ وجلّ بحفظ شريعته، وكانوا مع ذلك يشدّدون على أنفسهم خشية الغلط، ويرون أنه إذا كان من أحدٍ منهم خطأ وقت وجوب التبليغ فهو معذور قطعًا، بخلاف من حدَّث قبل الحاجة فأخطأ، وكانوا مع ذلك يحبون أن يكفيهم غيرهم، ومع هذا فقد حدَّثوا بأحاديث عديدة، وبلغهم عن بعضهم أنه يكثر من التحديث، فلم يزعموا أنه أتى منكرًا، وإنما حُكي عن بعضهم ما يدل أنه يرى الإكثار خلاف الأَوْلَى)([32]).

السبب الرابع: أنه كان ‌جيد ‌الحفظ قوي الذاكرة، وهذه مزية امتاز بها أفراد من الناس كانوا كثيرين في زمن البداوة وما يقرب منه، إذ كانوا يعتمدون على حفظهم، ومما نقله التاريخ لنا عن اليونان أن كثيرين منهم كرهوا بدعة الكتابة عندما ابتدؤوا يأخذونها، وقالوا: إن الإنسان يتكل على ما يكتب فيضعف حفظه، وإننا نفاخر بحفّاظ أمتنا جميع الأمم، وتاريخهم ثابت محفوظ([33])، قال الإمام الشافعيّ: (أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره)([34])، وقال البخاري مثل ذلك، إلا أنه قال: (عصره) بدل (دهره)([35]).

ومما يدل على حفظه ما جاء عن أبي الزُّعَيْزِعة -كاتب مروان بن الحكم- أن مروان دعا أبا هريرة، قال: (فأقعدني خلف السرير، وجعل يسأله، وجعلت أكتب، حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به، فأقعده وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقَصَ، ولا قَدَّم ولا أَخَّر)([36]).

ونحن نردد مع الإمام الذهبي قولَه في تعليقه على هذه القصة: (هكذا فليكن الحفظ)([37]).

وقد أخبر أبو هريرة رضي الله عنه أنه لم يكن يكتب الحديث، فقال فيما رواه عنه همام بن منبه: (مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ ‌يَكْتُبُ ‌وَلَا ‌أَكْتُبُ)([38]).

وقد ‌يعارضه ‌ما ‌جاء من طريق الحسن بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه قال: حدثت عن أبي هريرة بحديث فأنكره، فقلت: إني قد سمعته منك، قال: (إن كنت سمعته مني فإنه مكتوب عندي)، ‌فأخذ ‌بيدي ‌إلى ‌بيته، فأراني كتابًا من كتبه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد ذلك الحديث فقال: (قد أخبرتك أني إن كنت حدثتك به فهو مكتوب عندي)([39]).

قال ابن عساكر: (ووجه الجمع بين هذه الحكاية والتي قبلها أن أبا هريرة كان لا يكتب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويتَّكِلُ على حفظه لما خصه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من بَسْطِ ردائه كما تقدم، ثم كتب بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما كان حفظه عنه، ولولا أنه كان مكتوبًا عنده لم يمكِنْهُ تقديره بوعاءين وثلاث جرب على ما بيَّنَّا. على أن حكاية ابن منبه أصحُّ إسنادًا من التي بعدها، والله أعلم)([40]).

وقال ابن حجر: (قال ابن عبد البر: حديث همام أصح، ويُمكِنُ الجمعُ بأنه لم يكن يكتب في العهد النبوي ثم كتب بعده([41]). قلتُ: وأقوى من ذلك أنه لا يلزم من وجود الحديث مكتوبًا عنده أن يكون بخَطِّه، وقد ثبت أنه لم يكن يكتب، فتعين أن المكتوب عنده بغير خطه)([42]).

وقد مدَّ أحمد أمين وغيره من صنايع المستشرقين أعناقهم، فعيروا أبا هريرة بأنه لم يكن يكتب، وأن عدم كتابته مظنة الخطأ([43])، وتناسوا أنه ما هو بالوحيد من الصحابة ممن لم يكتبوا الحديث، بل لم يكتب من الصحابة إلا قلة قليلة؛ كعبد الله بن عمرو وعلي بن أبي طالب، وهما لم يكتبا كل ما سمعا. وتجاهلوا أن اعتماد جمهور الصحابة كان على الحفظ كابن عباس وعائشة وأنس وغيرهم من المكثرين، فهل نتشكك في حديث كل الصحابة لأنهم لم يكتبوا؟! سخافةٌ يريدون بها التشكيك في صحة كل الأحاديث المروية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أميّة، لا نكتب ولا نحسب»، لكنهم كانوا أمة الرواية والحفظ([44]).

السبب الخامس: بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بعدم النسيان، ودعاؤه له بالحفظ([45])، كما ثبت في حديث بسط الرداء، وهو ما جاء عن سعيد المقبري عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا فَأَنْسَاهُ، قَالَ: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ»، فَبَسَطْتُ، ‌فَغَرَفَ ‌بِيَدِهِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «ضُمَّهُ» فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا بَعْدُ([46]).

وفي حديث إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه المتقدّم: وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: «لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا»، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا، حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا([47]). وهذه الرواية تقتضي عدم النسيان بتلك المقالة فقط([48]).

قال ابن كثير: (وقد قيل: إن هذا كان خاصًّا بتلك المقالة المعيّنة لم ينس منها شيئًا، بدليل أنه نسي بعض الأحاديث كما هو مصرَّح به في الصحيح، حيث نسي حديث: «لا عدوى ولا طيرة»، مع حديثه: «لا يورد ممرض على مصح»، وقيل: إن هذا كان عامًّا في تلك المقالة وغيرها، والله أعلم)([49]).

وفي رواية سفيان بن عيينة، عن ابن شهاب عند البخاري ومسلم: «فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ»([50]).

وفي رواية سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: «فَمَا ‌نَسِيتُ ‌بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ»([51]).

وقد رجّح ابن حجر هذه الرواية، وعلل ذلك بقوله: (لأن أبا هريرة نبّه على كثرة محفوظه من الحديث، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها). ثم ذكر احتمالًا (أن تكون وقعت له قضيتان؛ فالتي رواها الزهري ‌مختصة ‌بتلك ‌المقالة، والقضية التي رواها سعيد المقبري عامة)([52])، وهذا الاحتمال هو الذي رجحه المعلمي([53]).

مناقشة الطعن في قصة النميرة:

وقد طعن المستشرق اليهودي جولدتسهير في هذه القصة، واقتفى أثره أبو رية، وحاول التشكيك فيها بحجة أن الإمام مسلمًا رواها من طريق مالك عن ابن شهاب ولم يذكرها، وإنما اقتصر على المقطع المتعلق بملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو رية: (ولا ريب أن رواية مالك هي الصحيحة؛ لأن الكلام بعد ذلك مفكّك الأوصال، ولا صلة بينه وبين الذي قبله).

يقول الشيخ محمد أبو شبهة في كشف هذه المحاولة: (محاولة فاشلة تنم عن جهل عميق بمقصد مسلم وطريقة المُحَدِّثِينَ، وعن بغض دفين لأبي هريرة حمله على أن يُحَرِّفَ الكلم عن مواضعه، والذي في صحيح مسلم أن الزُّهْرِي راوي الحديث عن ابن المسيب عن أبي هريرة قد روى عنه الحديث ثلاثة: مالك وسفيان بن عيينة ومعمر، أما مالك فقد اقتصر على كلام أبي هريرة وهو دفاعه عن نفسه وبيان الأسباب التي هيأت الإكثار، وأما سفيان ومعمر فقد ذكرا قصة الثوب ومقالة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فالقصة وردت عن الزُّهْرِي من طريق ابن عيينة ومعمر، وناهيك بهما إمامين جليلين، وكذلك وافق سفيان بن عيينة ومعمر في ذكر القصة إبراهيم بن سعد، وحديثه عند البخاري)([54]).

وقد جاء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه بالحفظ في حديث أخرجه النسائي عن مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: عَلَيْكَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أنا وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَفُلَانٌ فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ يَوْمٍ نَدْعُو اللهَ وَنَذْكُرُ رَبَّنَا خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا، فَسَكَتْنَا فَقَالَ: «عُودُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ»، قَالَ زَيْدٌ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبَيَّ قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِنَا، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لَا يُنْسَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِينَ»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْمًا لَا يُنْسَى، فَقَالَ: «سَبَقَكُمْ بِهَا الْغُلَامُ الدَّوْسِيُّ»([55]).

السبب السادس: أنه تصدى للتحديث عن قصد؛ لأنه كان يحفظ الحديث لأجل أن ينشره، وأكثر الصحابة كانوا ينشرون الحديث عند الحاجة إلى ذكره في حكم، أو فتوى، أو استدلال، والمتصدي للشيء يكون أشدَّ تذكرًا له، ويذكره بمناسبة وبغير مناسبة؛ لأنه يقصد التعليم لذاته، وهذا السبب لازم للسبب الأول من أسباب كثرة حديثه([56]).

يقول شيخ الإسلام رحمه الله في وصف أبي هريرة رضي الله عنه: (حافظُ الأمَّة على الإطلاق، يؤدِّي الحديثَ كما سَمِعه، ويَدْرُسُه بالليل دَرْسًا، فكانت همَّتُه مصروفةً إلى الحفظ وتبليغ ما حَفِظه كما سَمِعه)([57]).

السبب السابع: أنه يحدِّث بما يرويه عن قدماء الصحابة رضي الله عنهم، وليس بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، فلم تقتصر المادة الحديثية التي جمعها أبو هريرة رضي الله عنه وحفظها وكان يبثها في الصحابة والتابعين على ما سمعه بنفسه، إذ كان في ما رواه ما يتعلق بوقائع كانت قبل إسلامه، فكان أبو هريرة رضي الله عنه يتحرى في الراوية عن قدماء الصحابة كأبي بكر وعمر والفضل بن العباس وأبي بن كعب وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، وينقل عنهم ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من مراسيل الصحابة، وهي مقبولة عند الجمهور.

قال ابن قتيبة: (وكان مع هذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وإنما سمعه من الثقة عنده، فحكاه، وكذلك كان ابن عباس يفعل، وغيره من الصحابة، وليس في هذا كذب -بحمد الله- ولا على قائله -إن لم يفهمه السامع- جناح إن شاء الله)([58]).

ويقول المعلمي: (على أن أبا هريرة لحرصه على العلم تلقَّى ممن سبقه إلى الصُّحبة ما عندهم من الأحاديث، فربما رواها عنهم وربما قال فيها: «قال النبيّ صلى الله عليه وسلم…» كما شاركه غيره منهم في مثل هذا الإرسال لكمال وثوق بعضهم ببعض)([59]).

فمن تدبَّر هذه الأسباب لم يستغرب كثرة رواية أبي هريرة، ولم ير استنكار أفراد من أهل عصره لها موجبًا للارتياب في عدالته وصدقه؛ إذ علم أن سبب ذلك الاستنكار عدم الوقوف على هذه الأسباب، وأنهم لما وقفوا على تلك الأسباب أو بعضها أمسكوا عنه، كما تقدم في كلام ابن قتيبة في السبب الثاني.

ويجدر بنا التنبيه بعد عرض هذه الأسباب إلى جملةٍ من الأمور المتعلقة بإكثار أبي هريرة رضي الله عنه من الرواية:

الأمر الأول: أن مجموع ‌ما ‌أخرجه ‌البخاري ‌في ‌صحيحه له 446 حديثًا، بعضُها من سماعه، وبعضُها من روايته عن بعض الصحابة، وهي لو جمعت لأمكن قراءتها في مجلس واحد؛ لأن أكثر الأحاديث النبوية جمل مختصرة، فهل يستكثر عاقل هذا المقدار على مثل أبي هريرة أو من هو دونه حفظًا وحرصًا على تحمل الرواية وأدائها؟!([60]).

ويصدّق ذلك ما جاء عن ‌أَيُّوبَ قال: قَالَ لَنَا ‌عِكْرِمَةُ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْيَاءَ قِصَارٍ حَدَّثَنَا بِهَا ‌أَبُو هُرَيْرَةَ؟ «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ -أَوِ: السِّقَاءِ-، وَأَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي دَارِهِ»([61]).

الأمر الثاني: قِصَرَ مدة صحبة أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم بسبَبِ تأخُّر إسلامه قِصَرٌ نسبي؛ فالقول بأن مدة صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم قصيرة إنما يصح إذا نُسِب إلى مدة غيره من قدماء الصحابة، وإلا فهي قد زادت على أربع سنين، وهي كافية لجمع ما جمعه.

قال السرخسي: (فإن أبا هريرة ممن لا يشك أحد في عدالته وطول صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)([62]). والسرخسي من الحنفية الذين يستند الطاعنون في أبي هريرة إليهم في موقفهم.

الأمر الثالث: تأَخُّر إسلامِ أبي هريرة رضي الله عنه كان أثره حسنًا على نوع مروياته، فهو يروي المحكم لا المنسوخ وما ترك العمل به من الأحكام، وما أحسن قول الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في وصفه: (وإنه لمن أصدق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفظهم عنه، وأرواهم لنواسخ أحاديثه، والأحدث فالأحدث من أمره؛ لأنه أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من ثلاث سنين، بعدما أحكم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أكثر أمر الحدود والفرائض والأحكام)([63]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) العواصم من القواصم (2/ 41).

([2]) نذكرها على وفق ما ذكره الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار (19/ 37-39) في ردّه على بعض المنصّرين، ونتمّم ذلك بما ذكره ابن الوزير اليماني في العواصم والقواصم (2/ 41-43). ومما يجدر ذكره أن أبا رية أغفل تمامًا ما ذكره الشيخ رشيد في الدفاع عن أبي هريرة رضي الله عنه عند كلامه عن كثرة رواية أبي هريرة، مع أنه استكثر به في هذا الموطن وسمّاه الفقيه المحدِّث. أضواء على السنة المحمدية (ص: 174).

([3]) مجلة المنار (19/ 37-38).

([4]) العواصم من القواصم (2/ 42).

([5]) أخرجه البخاري (99، 6570).

([6]) أخرجه أحمد (21261)، والحاكم (6321)، وابن عساكر (67/ 336). وسنده ضعيف.

([7]) ينظر: الإصابة (13/ 42).

([8]) الاستيعاب (4/ 1771).

([9]) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم (2/ 42).

([10]) الأنوار الكاشفة (ص: 140-141).

([11]) مراده: أن الله تعالى يحاسبني ‌إن ‌تعمَّدتُ ‌كذبًا، ويُحاسِب من ظن بي ظنَّ السوء. الفتح.

([12]) أخرجه البخاري (118، 2350، 7354)، ومسلم (2492).

([13]) مسند أحمد (7705).

([14]) تأويل مختلف الحديث (ص: 91-93).

([15]) أخرجه ابن سعد (2/ 364)، والحاكم (6315)، وابن عساكر (67/ 353)، من طرق عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن عائشة. قال الحاكم (3/ 791): (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)، وصححه الذهبي في التلخيص، وجود سنده الحافظ في الإصابة (13/ 51).

([16]) أخرجها ابن عساكر (67/ 353).

([17]) أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه.. دراسة حديثية تاريخية هادفة (ص: 71).

([18]) أضواء على السنة المحمدية (ص: 179).

([19]) الأنوار الكاشفة -ضمن آثار المعلمي- (12/ 231).

([20]) أخرجه الترمذي (3837)، وأبو يعلى (636)، والدارمي في النقض (157)، والحاكم (6327)، وابن عساكر (67/ 357)، ومداره على محمد بن إسحاق. قال الترمذي: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ).

([21]) أخرجه أحمد (4453)، والترمذي (3836)، وعبد الرزاق (6270)، وابن أبي شيبة (11736)، والدارمي في النقض (160)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (748). وجود سنده الحافظ في الإصابة (13/ 51).

([22]) أخرجه الحاكم (6320)، وابن عساكر (67/ 349).

([23]) النقض على المريسي العنيد (ص: 239).

([24]) أخرجه مسلم (1571).

([25]) تاريخ دمشق (67/ 348).

([26]) شرح صحيح مسلم (16/ 53).

([27]) أضواء على السنة المحمدية (ص: 170).

([28]) الأنوار الكاشفة -ضمن آثار المعلمي- (12/ 203).

([29]) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم (2/ 42).

([30]) أخرجه البخاري (7354)، ومسلم (2492).

([31]) (1/ 98).

([32]) الأنوار الكاشفة -ضمن آثار المعلمي- (12/ 194-196).

([33]) مجلة المنار (19/ 38). وانظر في موقع مركز سلف جواب شبهة ضعف ذاكرة أبي هريرة على هذا الرابط: https://salafcenter.org/4387/

([34]) الرسالة (ص: 281)، وينظر: معرفة السنن والآثار للبيهقي (1/ 310)، وتاريخ ابن عساكر (67/ 341).

([35]) نقله الحافظ في الإصابة (7/ 353).

([36]) أخرجه الحاكم (6319) وقال: (صحيح الإسناد)، ومن طريقه ابن عساكر (67/ 340).

([37]) سير أعلام النبلاء (2/ 598).

([38]) أخرجه البخاري (113).

([39]) قال الذهبي في التلخيص: (هذا منكر لا يصح). أخرجه ابن وهب كما في جامع بيان العلم وفضله (422) -ومن طريقه الحاكم (6324) غير أنه ذكر ابن لهيعة بين ابن وهب وبين عبيد الله- وعبد الله بن أحمد في العلل (3807) عن علي بن ثابت الجزري، وابن عساكر (67/ 342) عن حاتم بن إسماعيل، ثلاثتهم (ابن وهب وعلي وحاتم) عن عبيد الله بن أبي جعفر، واختلفوا فيه، فرواه ابن وهب عنه عن الفضل بن حسن بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه، وذكر هذه الرواية الحافظ في الفتح (1/ 434) ولم يذكر عن أبيه، والفضل سمع من أبي هريرة رضي الله عنه كما في التاريخ الكبير للبخاري (9724). ورواه علي بن ثابت وحاتم بن إسماعيل عن عبيد الله عن رابة زوج أم عبيد الله بن أبي جعفر، وهو من أصحاب أبي هريرة، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2356).

([40]) تاريخ دمشق (67/ 342-343).

([41]) لم أجد ابن عبد البر ذكر هذا الجمع في جامع بيان العلم وفضله، والذي قاله في الجامع (1/ 282) في التعليق على الخبر: (هذا خلاف ما تقدم من أول هذا الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لم يكن يكتب وأن عبد الله بن عمرو كتب، وحديثه ذاك أصح في النقل من هذا؛ لأنه أثبت إسنادا عند أهل الحديث، إلا أن الحديثين قد يسوغ التأول في الجمع بينهما). ولم يذكر وجه الجمع، وتقدم عن ابن عساكر نحو ما نقله ابن حجر عن ابن عبد البر.

([42]) فتح الباري (1/ 434).

([43]) انظر: فجر الإسلام (ص: 239) -ط. مؤسسة الهنداوي-.

([44]) ينظر: دفاع عن أبي هريرة رضي الله عنه (ص: 71).

([45]) ينظر: العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم (2/ 42)، مجلة المنار (19/ 38).

([46]) أخرجه البخاري (119، 3648).

([47]) أخرجه البخاري (118، 2350، 7354)، ومسلم (2492).

([48]) فتح الباري (1/ 451). وانظر: الأنوار الكاشفة -ضمن آثار المعلمي- (12/ 271).

([49]) البداية والنهاية (11/ 368).

([50]) أخرجها البخاري (2350) من طريق إبراهيم بن سعد.

([51]) أخرجها مسلم (2493).

([52]) فتح الباري (1/ 451). وقد رجح الطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 356) رواية من روى عن الأعرج اختصاص عدم النسيان بذلك المجلس على رواية سعيد بن المسيب التي فيها الإطلاق؛ بحجة أن أبا هريرة صرح بأن عبد الله بن عمرو أكثر منه حديثًا؛ لأنه يكتب وهو لا يكتب، وهذا يتضمن اعترافه بأنه نسي بعض الأحاديث لعدم كتابته إياها.

([53]) الأنوار الكاشفة -ضمن آثار المعلمي- (12/ 272-273).

([54]) دفاع عن السنة (ص: 161-162). والقصة جاءت أيضًا من طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري (2047) ومسلم (2493).

([55]) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 567) عن محمد بن عقبة السدوسي، والنسائي في الكبرى (5839) والطبراني في الأوسط (1228) من طريق محمد بن إبراهيم بن صدران، والبيهقي في المدخل (431) عن محمد بن أبي بكر المقدمي وإبراهيم بن عرعرة، أربعتهم عن الفضل بن العلاء، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس. واختلفوا فيه وصلًا وإرسالًا، فرواه محمد بن عقبة ومحمد بن أبي بكر المقدمي ولم يذكرا في إسناده: (عن أبيه)، ووصله محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن عرعرة. وأشار إلى هذا الاختلاف البيهقي عقب روايته للحديث (1/ 208). وذكر البخاري الحديث في ترجمة محمد بن قيس المكي، وتردد في كونه الوارد في الحديث أم لا، والذي ذكره المزي في تهذيب الكمال (24/ 93-94) أن الأب قيس المدني، ولم يرو عنه غير ابنه محمد، فهو مجهول العين، ووقع عند البيهقي في المدخل أنه محمد بن قيس بن مخرمة! وقد جَوَّد ابن حجر سند النسائي في الإصابة (13/ 49)، وقال الهيتمي في مجمع الزوائد (9/ 361): (رواه الطبراني في الأوسط، وقيس هذا كان قاصَّ عمر بن عبد العزيز، لم يرو عنه غير ابنه محمد، وبقية رجاله ثقات). وقال الطبراني في الأوسط (2/ 54): (لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل إلا الفضل، ولا يروى عن زيد بن ثابت إلا بهذا الإسناد)، وقال الذهبي في السير (2/ 616): (تفرد به الفضل بن العلاء، وهو صدوق)، قلت: بل تابعه حماد بن شعيب، وأخرجه من طريقه الحاكم (6313) وصححه، غير أن حمادًا ضعيف كما أشار الذهبي نفسُه في التلخيص، وانظر: السلسلة الضعيفة (3848).

([56]) مجلة المنار (19/ 39).

([57]) الانتصار لأهل الأثر (ص: 139).

([58]) تأويل مختلف الحديث (ص: 93). وقد بتر أبو رية في أضواء على السنة المحمدية (ص: 176) هذا النقل، ولم يذكر قوله: (وليس في هذا كذب -بحمد الله-…) إلخ. انظر: الأنوار الكاشفة -ضمن آثار المعلمي- (12/ 227).

([59]) الأنوار الكاشفة (ص: 141).

([60]) مجلة المنار (19/ 40).

([61]) أخرجه البخاري (5627).

([62]) أصول السرخسي (1/ 341).

([63]) النقض على المريسي العنيد (ص: 236).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

آثار الحداثة على العقيدة والأخلاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الفكر الحداثي مذهبٌ غربيّ معاصر دخيل على الإسلام، والحداثة تعني: (محاولة الإنسان المعاصر رفض النَّمطِ الحضاري القائم، والنظامِ المعرفي الموروث، واستبدال نمطٍ جديد مُعَلْمَن تصوغه حصيلةٌ من المذاهب والفلسفات الأوروبية المادية الحديثة به على كافة الأصعدة؛ الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية…)([1]). ومما جاء أيضا في تعريفه: (محاولة […]

الإيمان بالغيب عاصم من وحل المادية (أهمية الإيمان بالغيب في العصر المادي)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعيش إنسان اليوم بين أحد رجلين: رجل تغمره الطمأنينة واليقين، ورجل ترهقه الحيرة والقلق والشكّ؛ نعم هذا هو الحال، ولا يكاد يخرج عن هذا أحد؛ فالأول هو الذي آمن بالغيب وآمن بالله ربا؛ فعرف الحقائق الوجوديّة الكبرى، وأدرك من أين جاء؟ ومن أوجده؟ ولماذا؟ وإلى أين المنتهى؟ بينما […]

مناقشة دعوى الإجماع على منع الخروج عن المذاهب الأربعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن طريقة التعامل مع اختلاف أهل العلم بَيَّنَها الله تعالى بقوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ […]

بدعية المولد .. بين الصوفية والوهابية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الأمور المقرَّرة في دين الإسلام أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإنَّ الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل في العبادات المنع والتوقيف. عَنْ عَلِيٍّ […]

الخرافات وأبواب الابتداع 

[ليس معقولاً، لا نقلاً، ولا عقلاً، إطلاق لفظ «السُّنَّة» على كل شيء لم يذكر فيه نص صريح من القرآن أو السنة، أو سار عليه إجماع الأمة كلها، في مشارق الأرض ومغاربها]. ومصيبة كبرى أن تستمر التهم المعلبة،كوهابي ، وأحد النابتة ، وضال، ومنحرف، ومبتدع وما هو أشنع من ذلك، على كل من ينادي بالتزام سنة […]

ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي

‏‏للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي([1]) اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور علي بن محمد بن ناصر آل حامض الفقيهي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدا بقرية المنجارة التابعة لمحافظة أحد المسارحة، إحدى محافظات منطقة جيزان، عام 1354هـ. نشأته العلمية: نشأ الشيخ في مدينة جيزان […]

مناقشة دعوَى أنّ مشركِي العرب جحدوا الربوبية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اعتَمَد بعضُ الأشاعرةِ في العصور الحديثةِ على مخالفة البدهيات الشرعية، وتوصَّلوا إلى نتائج لم يقل بها سلفُهم من علماء الأشعرية؛ وذلك لأنهم لما نظروا في أدلة ابن تيمية ومنطلقاته الفكرية وعرفوا قوتها وصلابتها، وأن طرد هذه الأصول والتزامَها تهدم ما لديهم من بدعٍ، لم يكن هناك بُدّ من […]

حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية في الإسلام

  إنَّ حريةَ الاعتقاد في الإسلام تميَّزت بتفاصيل كثيرة واضحة، وهي تعني أن كلَّ شخص حرّ في اختيار ما يؤمن به وما يدين به، ولا يجب على أحدٍ أن يُكرهَه على اعتقاده، كما تعني الاحترامَ لحرية الآخرين في اختياراتهم الدينية والمعتقدات الشخصية. موقفُ الإسلام من الحرية الدينية: الأصلُ عدمُ الإجبار على الإسلام، ولا يُكره أحد […]

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

  في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال. […]

الفكر الغنوصي في “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي وموقف فقهاء ومتصوفة الغرب الإسلامي منه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم لا تخفى المكانة التي حظي بها كتاب إحياء علوم الدين عند المتصوفة في المغرب والأندلس، فكتب التراجم والمناقب المتصوفة المغربية المشهورة، شاهدة على حضور معرفي مؤثر ظاهر لهذا الكتاب في تشكيل العقل المتصوف وتوجيه ممارسته، وأول ما يثير الانتباه فيه، هو التأكيد على الأثر المشرقي […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017