الحقيقة المحمدية عند الصوفية ..عرض ونقد (الجزء الثاني)
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
عرضنا في الجزء الأول من هذا البحث الحقيقة المحمدية عند الصوفية، وما تضمنه هذا المصطلح، ونقلنا أقوال أئمة الصوفية من كتبهم التي تدل على صحة ما نسبناه إليهم.
وفي هذا الجزء نتناول نقد هذه النظرية عند الصوفية، وذلك من خلال:
أولا: نقد المصادر التي استقى منها الصوفية هذه النظرية.
ثانيا: نقد الأسس الفاسدة التي بنيت عليها هذه النظرية.
ثالثا: نقد الأدلة الشرعية التي استندوا عليها في تمرير هذه العقيدة الفاسدة.
رابعا: بيان الآثار الخطيرة المترتبة على هذه النظرية.
وفيما يلي تفصيل هذه النقاط:
أولا: نقد المصادر التي استقى منها الصوفية هذه النظرية:
حينما تسمع هذا الكلام العجيب في ترتيب الوجود ومراتبه الأربعين، والمبدِع الأول الذي فاضت منه جميع الموجودات، فإن الإنسان يتساءل: من أين أتى الصوفية بمثل هذا الكلام العجيب؟ وهو لا وجود له في كتاب ولا سنة، وهو من الغيب الذي لم يُطلع الله تعالى أحدًا عليه، كما قال تعالى: ﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ [الكهف: 51]، فكيف اطَّلع الصوفيّة على هذا الغيب الذي لم يطالعوه ولم يخبرهم الله تعالى به؟!
يجيب ابن عربي عن ذلك بقوله: “وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي، منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه”([1]).
والحقيقة أن دعوى الكشف غير مقبولة في مثل هذا الترتيب الذي تواطأ عليه الصوفية على اختلاف عصورهم، كما بينّا من قبل، مما يدل على أن هناك مصادر أخرى أثرت في تصوراتهم، وبنوا عليها عقائدهم، ثم روَّجوها بين الناس باسم الكشف؛ لتلقى رواجًا بين الصوفية. ومن هذه المصادر:
- الفلسفة الأفلاطونية الحديثة: وهي “تسمية حديثة لآراء مجموعة من الفلاسفة والمفكرين الملاحدة تمتد من 250 ق.م حتى 550م وهذه الآراء تحاول إعطاء تفسير للكون والإنسان والحياة لتلبية طموح الإنسان من النواحي الدينية والأخلاقية والعقلية. وهي تختلف اختلافًا جوهريًّا عن آراء أفلاطون اليوناني؛ إذ إنها تؤمن بإله مفارق للكون، وهذا الإله يفيض عنه الكون والوجود كله بما فيه من مخلوقات. والأفلاطونية الجديدة أثّرت كثيرًا -في طور أحدث- بأفكار بعض الفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا وغيره، ولا تزال تؤثر في كثير من الطرق الصوفية في العالم الإسلامي”([2]).
ومن ذلك تأثيرها في قضية النور المحمدي أو الحقيقة المحمدية، التي هي العقل الفعال عند أفلوطين، وهو المبدِع الأول الذي وجدت منه جميع الموجودات.
وهذه شهادات المتخصصين في التصوف من المنتسبين له ومن المستشرقين:
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي وهو يذكر المصادر التي أسهمت في تكوين التصوف الفلسفي: “ولا نبالغ إذا قلنا: إنه لا تكاد مسألة من مسائل التصوف الإسلامي الفلسفي أو نظرية من نظرياته تخلو من أثر للفلسفة الأفلاطونية الجديدة. فنظريات الصوفية في خلق العالم والفيض أو الصدور عن الواحد الحق، وكلامهم في النفس والعقل والقلب والكشف والمعرفة والشهود، وفي العالم العلوي والعالم المحسوس وفي الإنسان الكامل، كلها مطبوعة بطابع هذه الفلسفة ومستند إليها”([3]).
ويقول المستشرق دافيد سانتلانا: “إن الوجود عند الإسكندريين قد انحصر في أصل واحد وهو: العقل الفائض من العلة الأولى، وما يفيض من العقل من مراتب الموجودات. فالكل أنوار عقلية، أي: قوى إلهية انعكست ببعضها عن البعض، يتناقص نورها -أي: قوتها- شيئا فشيئا، بقدر ما تباعدت عن المنبع الأول… وقريب من ذلك ما يوجد في المتصوفين من علماء الإسلام وحكماء الإشراق من الفلاسفة”([4]).
ويقول المستشرق هانز هينرش شيدر: “وفي هذا الغنوص الإسلامي صارت فكرة الإنسان الكامل -بوصفه قدرة كونية- الفكرة الرئيسة… وفيه تتلاقى صورة الإنسان الأول في الغنوص مع التصورات العليا في علمي ما بعد الطبيعة والنفس الأفلاطونيين المحدَثين”([5]).
ومن النصوص التي تبين هذا التأثير ما جاء في كتاب (أثولوجيا أرسطاطاليس) وهو كما يقول هانز: “أهم كتاب لإبلاغ الأفلاطونية المحدثة إلى العرب… والذي ترجمه حوالي سنة (840م = 226هـ) عبد المسيح بن عبد الله ناعمة الحمصي إلى العربية، على أساس ترجمة سريانية -لم تحفظ لنا- لأجزاء من (تساعات) أفلوطين”([6]). جاء في هذا الكتاب الحديث عن الإنسان الأول بكلام مشابه لتصور الصوفية عن الحقيقة المحمدية: “من أراد أن يرى الإنسان الحق الأول فينبغي أن يكون خيرًا فاضلًا، وأن يكون له حواس قوية، لا تنحبس عند إشراق الأنوار الساطعة عليها. وذلك أن الإنسان الأول نور ساطع في جميع الحالات الإنسانية، إلا أنها فيه بنوع أفضل وأشرف وأقوى”([7]).
ويقول الدكتور عبد الرحمن بدوي متحدثًا عن كتاب (أثولوجيا أرسطو) وتأثيره على الصوفية: “وفيه نظريات الفيض والواحد التي ستلعب دورًا خطيرًا في التصوف الإسلامي، خصوصًا عند السهروردي -المقتول- وابن عربي، وفيه أيضا نظرية الكلمة أو اللوغوس”([8]).
ويقول الدكتور عبد القادر محمود: “إذا نظرنا في مذاهب الفيض الأفلوطيني نجد أن الله والعقل الأول والنفس الكلية والمادة غير المصورة والنفوس الجزئية، كل أولئك عبارة عن مراتب الوجود الأفلوطينية، وهذا ما نجده في مدرسة ابن عربي في الحقيقة المحمدية أول فيض من الذات الإلهية، ثم بقية الفيوضات في جميع الموجودات… حتى المصطلحات… الحقيقة وحقيقة الحقائق، والعلة والمعلول، والوحدة والكثرة… كل هذا يعود إلى أصوله الأفلوطينية التي تعود هي الأخرى إلى الغنوص الشرقي والغربي المؤول في الفلسفات اليهودية والمسيحية اللاهوتية”([9]).
- النصرانية: وقد كان تأثير النصرانية على الصوفية في مسألة الحقيقة المحمدية واضحًا؛ في الألفاظ والاصطلاحات، وفي المضمون والأفكار.
فألفاظ الناسوت واللاهوت المستخدمة في شرح الحقيقة المحمدية -كما سبق في كلام الحلاج وابن الفارض وغيرهما- ليست ألفاظًا إسلامية أو عربية، وإنما هي ألفاظ مقتبسة من كلام النصارى وتعبيرهم عن حقيقة المسيح الذي امتزج فيه اللاهوت بالناسوت.
وكذلك مسألة الكلمة التي كانت في الأزل قبل جميع الموجودات هي بنفسها النور المحمدي والحقيقة المحمدية.
اقرأ النص الآتي في إنجيل يوحنا، وقارن بينه وبين ما ذكره الصوفية عن النور المحمدي؛ حتى تدرك مدى هذا الأثر الذي نتحدث عنه:
“1 فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. 2 هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. 3 كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. 4 فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، 5 وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ. 6 كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. 7 هذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ، لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. 8 لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. 9 كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. 10 كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. 11 إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. 12 وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. 13 اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ”([10]).
فالكلمة كانت في البدء، وهي نظير العقل الأول الفعال عند الأفلاطونية، وهذه الكلمة كان بها كل شيء، وبغيرها لا وجود لشيء، وهذه الكلمة هي التي تنير العالم والموجودات، كل بحسب استعداده وقابليته. وهذا مطابق تمامًا لما سبق ذكره عن الصوفية في النور المحمدي.
وهذه شهادات المتخصصين في ذلك:
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي: “وليست نظرية الصوفية فيما يسمونه النور المحمدي (أو الحقيقة المحمدية) -الذي يقولون: إنه كان في القدم قبل أن يخلق الله العالم، وأنه بواسطته ومن أجله خلق الله العالم- سوى صورة من صور النظرية المسيحية في المسيح الذي يطلقون عليه اسم (الكلمة) ويقولون: إنها كانت في الأزل مع الله، وأنه بواسطتها ومن أجلها خلق الله العالم”([11]).
ويقول المستشرق المتخصص في التصوف نيكلسون: “النور المحمدي عندهم [أي: الصوفية] هو الروح الإلهي الذي نفخ الله منه آدم، أو هو شيء أشبه بالعقل الذي قال به أفلوطين، وعدَّه أولَ الفيوضات التي صدرت عن (الواحد الحق)، أو هو أشبه بالكلمة الإلهية التي ذكر بعض الغنوصيين المسيحيين أنها تظهر بصورة الأنبياء، وأنها مصدر الوحي”([12]).
- العقائد الإسماعيلية الباطنية: وقد كان لهذه الطائفة الباطنية تأثير كبير على طوائف من المسلمين، خاصة الصوفية([13])، فقد عملوا على نشر الفلسفة بينهم في قوالب إسلامية، فعظمت الفتنة بهم، حتى تسربت حقيقة أقوالهم بين طوائف لا ينتمون لهم، بل ربما كانوا يكفّرونهم.
فهذا الغزالي رغم أنه كفَّر الفلاسفة إلا أنه تأثر بكثير من أفكارهم، والتي لم يتمكن من التخلص منها بالكلية، كما قال ابن العربي وهو من أخص تلاميذه ومعظِّميه: “شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلسفة، ثم أراد أن يخرج منها، فما قدر”([14]).
ومن الكتب المهمة التي كان لها تأثير كبير: (رسائل إخوان الصفا)، وهي رسائل فلسفية كتبها أناس منتسبون لهذه الطائفة، وإن كانوا لا يُعرفون جميعًا بأعيانهم، وقد كُتبت زمن دولة بني بويه لما ظهر مذهب الإسماعيلية الباطنية. ويمكن اعتبار هدفها الأساس السعي لتقريب الفلسفة اليونانية لجمهور المسلمين.
وفي ذلك يقول أبو حيان التوحيدي: “وكانت هذه العصابة قد تألفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهبًا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله، وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة الاجتهادية اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال”([15]).
والغرض المقصود: أن العقائد الإسماعيلية كان لها تأثير كبير على مسألة الحقيقة المحمدية، فهؤلاء الإسماعيلية الباطنية هم من غلاة المعطلة نفاة النقيضين، لا يثبتون لله وجودًا ولا عدمًا ولا حياة ولا موتًا، ولا يقولون: سميع ولا ليس بسميع، ولا حي ولا ميت، ولا قدير ولا عاجز([16])، فجعلوه معطلا عن الصفة ونقيضها، وشبهوه بالممتنعات، فهم أسوأ ممن شبهه بالجمادات أو المعدومات، فهم شر طوائف المعطلة.
ولمّا كان هذا تصورهم عن وجود الله تعالى جعلوا وجوده في غيره، فجعلوه في التعين الأول الذي هو الإمام الناطق عندهم، والذي سرت حقيقته أو حلت في الأئمة المعصومين عند الشيعة، الذين يناظرهم الأقطاب أو الإنسان الكامل عند الصوفية([17]).
ومن هنا جاءت فكرة الحلول أو الاتحاد خاصة عند المتعبدين والمتزهِّدة، فإن الإنسان مفطور على التوجه والتعبد لمألوه حقيقي موجود، والإله الذي يتصوره المعطلة لا يمكن للقلب أن يتوجه إليه بالعبادة، ولذلك غلب الحلول أو الاتحاد على كثير من المتصوفة، لما أنكروا علو الله على عرشه ومباينته لخلقه، فإنه لما ظهرت بدعة الجهمية نفاة العلو صار بعضهم يقول: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، وصار بعضهم يقول: هو هذا العالم حالّ فيه أو هو عينه متحد به، والأول شاع بين النظار والمتكلمين، والثاني شاع بين المتعبدين والزهاد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأصل ضلال هؤلاء: أنهم لم يعرفوا مباينة الله لمخلوقاته وعلوه عليها، وعلموا أنه موجود، فظنوا أن وجوده لا يخرج عن وجودها، بمنزلة من رأى شعاع الشمس فظن أنه الشمس نفسها. ولما ظهرت الجهمية -المنكرة لمباينة الله وعلوه على خلقه- افترق الناس في هذا الباب على أربعة أقوال: فالسلف والأئمة يقولون: إن الله فوق سماواته مستو على عرشه بائن من خلقه… والقول الثاني: قول معطلة الجهمية ونفاتهم وهم الذين يقولون: لا هو داخل العالم ولا خارجه ولا مباين له ولا محايث له… والقول الثالث: قول حلولية الجهمية الذين يقولون: إنه بذاته في كل مكان… وهؤلاء القائلون بالحلول والاتحاد [من الصوفية] من جنس هؤلاء، فإن الحلول أغلب على عباد الجهمية وصوفيتهم وعامتهم، والنفي والتعطيل أغلب على نظارهم ومتكلميهم، كما قيل: متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئا، ومتصوفة الجهمية يعبدون كل شيء؛ وذلك لأن العبادة تتضمن الطلب والقصد والإرادة والمحبة، وهذا لا يتعلق بمعدوم؛ فإن القلب يطلب موجودًا، فإذا لم يطلب ما فوق العالم طَلَبَ ما هو فيه”([18]).
ودونك هذه النصوص من كتب الإسماعيلية الباطنية تؤكد ما ذكرنا:
جاء في إحدى رسائل إخوان الصفا: “إن الله تعالى لما كان تام الوجود كامل الفضائل، عالمًا بالكائنات قبل كونها، قادرًا على إيجادها متى شاء، لم يكن من الحكمة أن يحبس تلك الفضائل في ذاته، فلا يجود بها ولا يفيضها. فإذا بواجب الحكمة أفاض الجود والفضائل منه، كما يفيض من عين الشمس النورُ والضياء، ودام ذلك الفيضُ منه متصلًا متواترًا غير منقطع، فيسمى أول ذلك الفيض العقل الفعال، وهو جوهر بسيط روحاني، نور محض، في غاية التمام والكمال والفضائل، وفيه صور جميع الأشياء، كما تكون في فكر العالم صور المعلومات. وفاض من العقل الفعال فيض آخر دونه في الرتبة يسمى العقل المنفعل، وهي النفس الكلية…”([19]).
يقول الشيخ إحسان إلهي ظهير: “ثم إن الإسماعيلية بعد نفي الأسماء والصفات عن الله تبارك وتعالى مع كونه لا موجودًا ولا معدومًا، احتاجوا إلى أن يخترعوا أو يختلقوا آلهة أخرى لإطلاق الأسماء والصفات التي ورد ذكرها في القرآن والسنة عليهم”.
ثم نقل من كتبهم ما يبين ذلك، ومن ذلك قولهم: “إن جميع صفات الشرف والجلالة، وما يعبر به في جميع اللغات من الإشارات بنعوت الإلهية فإنها واقعة على العقل الأول”([20]).
وقال الداعي الإسماعيلي محمد بن علي الصوري:
فكل ما يجري على اللسان … من سائر الأفكار والأديان
وسائر الأسماء والصفات … للمبدع الأول لا للذات([21])
وقد أطلق الإسماعيلية على هذا المبدع الأول اسم: السابق، أو العقل الكلي، أو الموجود الأول، ويماثله في العالم السفلي: الناطق، كما يماثل العقل الثاني أو التالي: الأساس.
وقد قالوا: بأن “سيدنا محمدًا القائم في دار الطبيعة مقام الإبداع الأول في عالمه، ووصيه الحال منه محل اللوح المحفوظ من قلمه”([22]).
“وبناء على ذلك كل الأسماء والصفات التي أطلقت على الموجود الأول أو العقل الكلي أو السابق أو التالي هي للناطق والأساس ومن قام مقامهما من الأئمة في العالم السفلي، وحتى اسم الجلالة يقع عليه؛ لأن خصائص العقل الأول جعلت للإمام”([23]).
ولا شك أن هذه الأفكار تسربت للصوفية مع بعض التغييرات في الأسماء، فبدلًا من جعل هذه الخصائص الإلهية للأئمة جعلها الصوفية للأقطاب والأولياء.
ومن المعلوم أن كثيرًا من رموز التصوف اتصلوا بهذه الفرق بدرجات متفاوتة، فالغزالي مثلا كما سبق كان قد تشبع بأفكارهم، ولم يتمكن من التخلص منها بالكلية، بل بقيت أفكار الفلاسفة ونظرياتهم في الكشف والفيوضات لها تأثير في كلامه.
وقد بين ابن خلدون في تاريخه أثر الإسماعيلية وعقائدها على التصوف ورجاله، فقال: “ثمّ إنّ هؤلاء المتأخّرين من المتصوّفة المتكلّمين في الكشف وفيما وراء الحسّ توغّلوا في ذلك، فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كما أشرنا إليه، وملؤوا الصّحف منه، مثل الهرويّ في كتاب المقامات له وغيره، وتبعهم ابن العربيّ وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض والنّجم الإسرائيليّ في قصائدهم. وكان سلفهم مخالطين للإسماعيليّة المتأخّرين من الرّافضة الدّائنين أيضا بالحلول وإلهيّة الأئمّة مذهبا لم يعرف لأوّلهم، فأشرب كلّ واحد من الفريقين مذهب الآخر، واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم، وظهر في كلام المتصوّفة القول بالقطب ومعناه رأس العارفين، يزعمون أنّه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتّى يقبضه الله، ثمّ يورّث مقامه لآخر من أهل العرفان… وهذا كلام لا تقوم عليه حجّة عقليّة، ولا دليل شرعيّ، وإنّما هو من أنواع الخطابة، وهو بعينه ما تقوله الرّافضة ودانوا به. ثمّ قالوا بترتيب وجود الأبدال بعد هذا القطب كما قاله الشّيعة في النّقباء، حتّى إنّهم لمّا أسندوا لباس خرقة التّصوّف؛ ليجعلوه أصلًا لطريقتهم ونحلتهم، رفعوه إلى عليّ رضي الله عنه وهو من هذا المعنى أيضا، وإلّا فعليّ رضي الله عنه لم يختصّ من بين الصّحابة بتخلية ولا طريقة في لباس ولا حال”.
ثم بين سبب هذا التشابه والتقارب في نظره فقال: “والّذي يظهر أنّ المتصوّفة بالعراق لمّا ظهرت الإسماعيليّة من الشيعة، وظهر كلامهم في الإمامة وما يرجع إليها ما هو معروف، فاقتبسوا من ذلك الموازنة بين الظاهر والباطن، وجعلوا الإمامة لسياسة الخلف في الانقياد إلى الشرع، وأفردوه بذلك أن لا يقع اختلاف كما تقرّر في الشّرع. ثمّ جعلوا القطب لتعليم المعرفة باللَّه لأنّه رأس العارفين، وأفردوه بذلك تشبيها بالإمام في الظاهر، وأن يكون على وزانه في الباطن، وسمّوه قطبا لمدار المعرفة عليه، وجعلوا الأبدال كالنقباء مبالغة في التشبيه فتأمّل ذلك.
يشهد لذلك من كلام هؤلاء المتصوّفة في أمر الفاطميّ وما شحنوا كتبهم في ذلك ممّا ليس لسلف المتصوّفة فيه كلام بنفي أو إثبات، وإنّما هو مأخوذ من كلام الشّيعة والرّافضة ومذاهبهم في كتبهم”([24]).
وهذا ما قاله أيضا الدكتور أبو العلا عفيفي في تعليقه على الفصّ السابع والعشرين (فصّ حكمة فردية في كلمة محمدية) من فصوص ابن عربي، فقال: “شاع من أوائل عهد الإسلام القول بأزلية محمد عليه السلام، أو بعبارة أدق بأزلية (النور المحمدي). وهو قول ظهر بين الشيعة أولًا، ولم يلبث أهل السنة أن أخذوا به، واستند الكل في دعواهم إلى أحاديث يظهر أن أكثرها موضوع، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أول الناس في الخلق»، ومنها: «أول ما خلق الله نوري»، ومنها: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين»([25]) وغير ذلك من الأحاديث التي استنتجوا منها أنه كان لمحمد عليه السلام وجود قبل وجود الخلق، وقبل وجوده الزماني في صورة النبي المرسل، وأن هذا الوجود قديم غير حادث، وعبروا عنه بالنور المحمدي.
وقد أفاضت الشيعة في وصف هذا النور المحمدي، فقالوا: إنه ينتقل في الزمان من جيل إلى جيل، وأنه هو الذي ظهر بصورة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء، ثم ظهر أخيرا بصورة خاتم النبيين محمد عليه السلام. وبهذا أرجعوا جميع الأنبياء من آدم إلى محمد، وكذلك ورثة محمد إلى أصل واحد…
نجد لكل هذا الكلام نظيرا في كتب ابن عربي فيما يسميه: الكلمة المحمدية أو الحقيقة المحمدية أو النور المحمدي. فهو لا يقصد بالكلمة المحمدية في هذا الفص محمدًا الرسول، وإنما يقصد الحقيقة المحمدية التي يعتبرها أكمل مجلى خلقي ظهر فيه الحق، بل يعتبره الإنسان الكامل والخليفة الكامل بأخص معانيه”([26]).
- التأثير الفارسي الزرادشتي:
من المعلوم أن كثيرًا من مشايخ الصوفية كانوا من بلاد فارس وما تلاها، وقد دخل كثير منهم الإسلام وبقيت فيه بعض آثار الجاهلية القديمة والعقائد البالية الشائعة عندهم.
يقول الدكتور محمد مصطفى حلمي مبينًا مصادر (نظرية القطب) أو (الحقيقة المحمدية) عند ابن الفارض: “نستطيع أن نرد ما قاله ابن الفارض في قدم الروح المحمدي وجمعيته، وما قالته الإسماعيلية في قدم العقل الأول وكليته، وما قاله الحلاج في سبق وجود النور المحمدي، وما قاله كليمان الإسكندري في وجود نبي واحد على الحقيقة إلى مصدر زرادشتي هو أقدم عهدًا من هذه الأفكار كلها، فقد ورد في أحد كتب الديانة الزرادشتية وهو (زندافستا) أن الصفي والولي والكلمة الذكية، كل أولئك كان قبل أن تكون السماء والماء والأرض والأنعام والأشجار والنار. وهذا يعني أن (هرمز) -وهو إله الخير في هذه الديانة- لم يخلق الأشياء الروحية والمادية التي يتألف منها الكون خلقًا مباشرًا، وإنما هو قد خلقها بواسطة الكلمة الإلهية”([27]).
وممن أكد ذلك أيضا المستشرق هانز هينرش شيدر في بحثه (نظرية الإسلام الكامل عند المسلمين) والتي ترجمها ونقلها الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه (الإنسان الكامل في الإسلام).
وبهذا نكون قد بينا أن هذه النظرية مستقاة في أغلبها من مصادر وثنية غير إسلامية، ومع ذلك فقد حاول الصوفية أن يضفوا عليها دليلا إسلاميًّا، وهذا ما نناقشه في المحور التالي.
ثانيا: نقد الأسس الفاسدة التي بنيت عليها هذه النظرية:
- لم يقدّم الصوفية على كلامهم في مراتب الوجود ولا الحقيقة المحمدية التي هي أول تعين أي دليل يمكن الاعتماد عليه، وإن المرء ليتعجب كيف لأناس أكرمهم الله بالوحي يتشبهون بالأمم الوثنية التي لم تعرف نور الوحي، فجعلت تهذي وتهرف وتتكلم بالخرص والتخمين! كما قال تعالى: ﴿وَمَا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـئًا﴾ [النجم: 28].
وقد كان ابن عربي صريحًا حينما ذكر أنه لا دليل على ما ذكر سوى (الكشف) مع أن هذا في الحقيقة تعمية على منشأ هذه الأقوال ومصدرها، وأنهم اقتبسوها من مصادر غير إسلامية، ثم كسوها ألقابًا إسلامية لتجد رواجًا بين المسلمين.
ولذلك يكفي في إبطال هذا الكلام -ولو لم يكن مناقضًا للكتاب والسنة- أنه لا دليل عليه، وأنه قول على الله بغير علم، وأنه كذب وخرص وتخمين؛ فكيف إذا كان مع ذلك مناقضًا لصريح الكتاب والسنة؟!
- فالقرآن والسنة دلّا على ثبوت الأسماء الحسنى والصفات العلى الدالة على جميع معاني الكمال لله سبحانه وتعالى.
قال تعالى ﴿وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَٰئِهِۦ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180]، ولا يتسع المقام لذكر الآيات والأحاديث في هذا الباب.
وقد استفاض كلام أئمة السلف في الرد على المعطلة الجهمية والنفاة. وقد علمتَ أن التعطيل هو أصل الفساد في هذا الباب، فقولهم: إن الله تعالى لما أراد أن يرى ذاته خلق الحقيقة المحمدية؛ ليرى فيها نفسه، أو ليراه خلقه فيه قولٌ باطل؛ لأنه تعالى قد تجلى لخلقه بآياته الآفاقية والنفسية التي يتعرفون بها على ربهم سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ﴾ [فصلت: 53]، وقال تعالى: ﴿وَفِي ٱلْأَرْضِ ءَايَٰتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 20، 21].
والقرآن مملوء بذكر آيات الله تعالى الدالة على الإيمان بالله تعالى، ومعرفته بأسمائه وصفاته حق المعرفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ردًّا على من يقول: إن الله اشتاق أن يرى ذاته المقدسة فخلق من نوره آدم، وجعله كالمرآة ينظر إلى ذاته المقدسة فيها، وإني أنا ذلك النور وآدم المرآة: “فهذا الكلام -مع ما فيه من الكفر والإلحاد- متناقض؛ وذلك أن الله سبحانه يرى نفسه كما يسمع كلام نفسه، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد مخلوق لله قال لأصحابه: «إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من بين يدي»([28])، فإذا كان المخلوق قد يرى ما خلفه -وهو أبلغ من رؤية نفسه- فالخالق تعالى كيف لا يرى نفسه؟! وأيضا فإن شوقه إلى رؤية نفسه حتى خلق آدم يقتضي أنه لم يكن في الأزل يرى نفسه حتى خلق آدم… وقوله: (فخلق من نوره آدم وجعله كالمرآة وأنا ذلك النور وآدم هو المرآة) يقتضي أن يكون آدم مخلوقا من المسيح، وهذا نقيض الواقع؛ فإن آدم خُلق قبل المسيح، والمسيح خُلق من مريم، ومريم من ذرية آدم، فكيف يكون آدم مخلوقًا من ذريته؟!
وإن قيل: المسيح هو نور الله، فهذا القول -وإن كان من جنس قول النصارى- فهو شر من قول النصارى؛ فإن النصارى يقولون: إن المسيح هو الناسوت واللاهوت الذي هو الكلمة هي جوهر الابن، وهم يقولون: اتحاد اللاهوت والناسوت متجدد حين خلق بدن المسيح، لا يقولون: إن آدم خلق من المسيح إذ المسيح عندهم اسم اللاهوت والناسوت جميعا، وذلك يمتنع أن يخلق منه آدم.
وأيضا فهم لا يقولون: إن آدم خلق من لاهوت المسيح.
وأيضا فقول القائل: إن آدم خلق من نور الله الذي هو المسيح؛ إن أراد به نوره الذي هو صفة لله فذاك ليس هو المسيح الذي هو قائم بنفسه؛ إذ يمتنع أن يكون القائم بنفسه صفة لغيره. وإن أراد بنوره ما هو نور منفصل عنه، فمعلوم أن المسيح لم يكن شيئًا موجودًا منفصلا قبل خلق آدم.
فامتنع على كل تقدير أن يكون آدمُ مخلوقًا من نور الله الذي هو المسيح”([29]).
- والقرآن ذكر أن آدم عليه السلام هو أول مخلوق من البشر، وأن الله تعالى خلقه من طين، ونفخ فيه من روحه. و(من) هنا لابتداء الغاية، وليست للتبعيض، كما قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾ [الجاثية: 13]، أي: مبدأ خلقها من عند الله تعالى. فمعنى ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ [الحجر: 29] أي: روح من الأرواح التي خلقها الله تعالى، وأضافها إلى نفسه إضافة تشريف.
وأصحاب الحقيقة المحمدية يزعمون أن النور المحمدي هو أول مخلوق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وُجِد قبل أبيه وتقدم عليه. وهذا مناقض للعقل والشرع.
- والقرآن الكريم أكد على بشرية النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والرسل، وأنهم امتازوا بالوحي من عند الله تعالى، قال تعالى: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِۦ﴾ [إبراهيم: 11]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ﴾ [الكهف: 110]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ فَٱسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ﴾ [فصلت: 6].
وهذا لا يعني عدم وجود خصائص للرسول، ولكنها تكون استثناء من هذا الأصل، يتوقف على الدليل الصحيح المخصص لهذا العموم.
ويترتب على بشريته أنه صلى الله عليه وسلم مخلوق من طين، مولود من أبوين كسائر الخلق. وليس في هذا أدنى تنقيص لمقامه الشريف، بل كمال شرفه صلى الله عليه وسلم هو في تكميله مراتب العبودية لله تبارك وتعالى. ولذلك وصفه ربه بمقام العبودية في أشرف مقاماته كمقام الإسراء، ومقام التحدي، ومقام الدعوة إلى الله.
وأما قوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَٰبٌ مُّبِينٌ﴾ [المائدة: 15]، فالمقصود به النور المعنوي، قال ابن جرير: “يعني بالنور محمدا صلى الله عليه وسلم، الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبين الحق”([30]).
ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ»([31]). وهذا صريح جدًّا في التفريق بين خلق الملائكة من نور، وخلق آدم وبنيه من الطين كما ورد في القرآن.
- والقرآن كذلك صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الكتاب ولا الإيمان ولا الوحي قبل مجيء جبريل عليه السلام بهذا الوحي.
قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَٰبُ وَلَا ٱلْإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِۦ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِۦ مِن كِتَٰبٍ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ ءَايَٰتٌ بَيِّنَٰتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِـَٔايَٰتِنَا إِلَّا ٱلظَّٰلِمُونَ * وَقَالُواْ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَٰتٌ مِّن رَّبِّهِۦ قُلْ إِنَّمَا ٱلْآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [العنكبوت: 48-50].
فلم يكن عنده علم بالكتاب ولا الوحي، ولم يكن قارئًا، بل كان صلى الله عليه وسلم أميًّا -وهو غير القارئ-، وآيات القرآن من عند الله تعالى، وليست من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يملك تنزيلها، بل تنزل بأمر الله تعالى.
وهؤلاء الضالون يقولون بأن الحقيقة المحمدية هي منبع العلم الباطن، ومنها يتعلم جميع الأنبياء والملائكة والأولياء، فجعلوا جبريل متعلمًا من النبي صلى الله عليه وسلم خلاف صريح القرآن القائل: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ﴾ [النجم: 3-5]، فالمعلم هو جبريل، وهو الذي يسمع الوحي من الله تعالى، وينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم، كما تضافرت على ذلك الدلائل من الكتاب والسنة والإجماع.
- والقرآن والسنة دلا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أول مخلوق:
أما القرآن فقد ذكر أن آدم هو أبو البشر وأول مخلوق من البشر، وكذلك دلت السنة على ذلك كما في حديث الشفاعة وفيه: «يَأْتُونَ آدَمَ عليه السَّلَامُ فيَقولونَ له: أنْتَ أبو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ»([32]).
وأما أول المخلوقات من الأشياء فقد ثبت في السنة من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ أولَ ما خلق اللهُ القلمُ، فقال لهُ: اكتبْ، قال: ربِّ وماذا أكتبُ؟ قال: اكتُبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ»([33]).
وأهل العلم مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم أو النور المحمدي أو الحقيقة المحمدية ليس هو أول مخلوق، فإنهم مختلفون في أول مخلوق على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه القلم، والثاني: أنه العرش، والثالث: أنه الماء([34]). وهذا إجماع منهم على بطلان ما سوى ذلك من الأقوال الشاذة.
وليس الغرض هنا الترجيح بين هذه الأقوال الثلاثة، ولكن بيان إجماع أهل العلم على بطلان القول بأن أول مخلوق هو النور المحمدي أو الحقيقة المحمدية.
- والقرآن الكريم والسنة المطهرة نهيا عن الغلو وشدَّدا في ذلك، وحذرانا من الوقوع فيما وقعت فيه الأمم السابقة، من الغلو في الأنبياء والرسل، وتأليه الأحبار والرهبان والأنبياء والرسل؛ مضاهاة منهم للأمم الكافرة التي نقلوا منها هذه الوثنيات كما سبق بيانه من تأثير الوثنيات اليونانية والفارسية على الديانات.
قال تعالى: ﴿يَٰأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَىٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَٰثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ سُبْحَٰنَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا * لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا ٱلْمَلَٰئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 171، 172].
وقال تعالى: ﴿مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ ٱلطَّعَامَ ٱنظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلْآيَٰتِ ثُمَّ ٱنظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ * قُلْ يَٰأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُواْ أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاءِ ٱلسَّبِيلِ﴾ [المائدة: 75-77].
وقال تعالى: ﴿وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَٰهِهِمْ يُضَٰهِـُٔونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * ٱتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ إِلَٰهًا وَٰحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَٰنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 30، 31].
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»([35]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيُّها النَّاسُ، إيَّاكم والغُلوَّ في الدِّينِ؛ فإنَّهُ أهْلَكَ من كانَ قبلَكُمُ الغلوُّ في الدِّينِ»([36]).
ولما قال رجل للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما شاء اللهُ وشئتَ قال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «أجعلتني للهِ عدلًا؟! بل ما شاء اللهُ وحدَهُ»([37]).
والنصوص في التحذير من الغلو في الصالحين ورفعهم فوق منزلتهم وصرف شيء من العبادة لهم أو اتخاذ قبورهم مساجد أو السجود لهم أو شد الرحال لقبورهم أو اتخاذ قبورهم عيدًا كثيرة مشهورة معلومة. وهي تناقض الصورة التي يصورها الصوفية عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ما يسمونه بالحقيقة المحمدية.
فكما سبق، فإن هذه الحقيقة المحمدية التي تتمثل في النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء والأقطاب من بعده أضافوا لها كل خصائص الربوبية والقهر والتصريف وتدبير الأمر.
ومن اختراعات الصوفية في ذلك ما سموه: (ديوان الأولياء)، يحكم فيه القطب الأكبر ومعه الأقطاب الصغرى بما يشاء في هذا الوجود([38]).
فبناء على الحقيقة المحمدية صار كثير من الصوفية يعتقدون في أنفسهم مقام القطبية، الوارث للحقيقة المحمدية، التي هي منبع العلم، ومفيض التصرف والقدرة.
وقد نقلنا من قبل أبيات ابن الفارض التي يصف نفسه فيها بأوصاف الربوبية والعياذ بالله، وقول الشبلي عن نفسه: “أنا رسول الله”([39])، ومشهور قول الحلاج عن نفسه: “أنا الحق”([40]).
وقد نقل الشعراني في كتابه (طبقات الأولياء) كثيرًا جدًّا من مثل هذه الدعاوى العريضة التي ينسبها الصوفية لأنفسهم؛ باعتبارهم الحقيقة المحمدية في باطنهم.
ومن ذلك ما نقله عن الدسوقي (ت: 676هـ) -أحد الأقطاب الأربعة عند الصوفية الذين يدبرون أمور العالم- أنه قال عن نفسه: “أَنا مُوْسَى عليه السلام فِي مُنَاجَاتِهِ، وَأَنا عَلِيٌّ فِي حَمْلاتِهِ، أَنا كلُّ وَلِيٍّ فِي الأَرْض، خَلعْتُهُ بيَدَيَّ، أَلبَسُ مِنْهُمْ مَنْ شِئْتُ. أَنا فِي السَّمَاءِ شَاهَدْتُ رَبِّي، وَعَلى الكرْسِيِّ خَاطبْتهُ. أَنا بيَدَيَّ أَبوَابُ النّارِ غلقتهَا، وَبيَدَيَّ جَنَّة الفِرْدَوْس فتَحْتُهَا، مَنْ زَارَنِي أَسْكنْتُهُ جَنَّة الفِرْدَوْس”.
ثمَّ قالَ: “وَقدْ كنْتُ أَنا وَأَوْلِيَاءُ اللهِ تَعَالىَ أَشْيَاخًا فِي الأَزَل، بَينَ يَدَي قدِيمِ الأَزَل، وَبَينَ يَدَي رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَنِي أَنْ أَخْلعَ عَلى جَمِيعِ الأَوْلِيَاءِ بيَدَيَّ، فخلعْتُ عَليْهمْ بيَدَيَّ، وَقالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا إبْرَاهِيْمُ، أَنتَ نقِيْبٌ عَليْهمْ»”([41]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حاكيا هذا الغلو في الأولياء عند الصوفية: “قال بعضهم: إن الولي يعطى قول (كن)، وقال بعضهم: إنه لا يمتنع على الولي فعل ممكن كما لا يمتنع على الله تعالى فعل محال. وهذا قاله ابن عربي والذين اتبعوه. قالوا: إن الممتنع لذاته مقدور عليه، ليس عندهم ما يقال: إنه غير مقدور عليه للولي حتى ولا الجمع بين الضدين ولا غير ذلك. وزاد ابن عربي: أن الولي لا يعزب عن قدرته شيء من الممكنات. والذي لا يعزب عن قدرته شيء من الممكنات هو الله وحده. فهذا تصريح منهم بأن الولي مثل الله إن لم يكن هو الله.
وصرح بعضهم بأنه يعلم كل ما يعلمه الله، ويقدر على كل ما يقدر الله عليه. وادعوا أن هذا كان للنبي، ثم انتقل إلى الحسن بن علي، ثم من الحسن إلى ذريته واحدا بعد واحد. حتى انتهى ذلك إلى أبي الحسن الشاذلي ثم إلى ابنه. خاطبني بذلك: من هو من أكابر أصحابهم. وحدثني الثقة من أعيانهم أنهم يقولون: إن محمدا هو الله”([42]).
وهذا الغلو كله ناشئ عن هذه العقيدة الفاسدة في الحقيقة المحمدية، بل إنهم رتبوا على وجود هذا النور المحمدي في سائر الأولياء على تفاوت مراتبهم مسألة التمسح بالقبور والاستشفاء بها والتبرك بها، بزعم طلب هذا النور المحمدي والانتفاع به.
ومن تأمل صيغ الصلوات الصوفية وجدها تدور -في أغلبها- حول مسألة الحقيقة المحمدية، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بصفات الغلو، بل بصفات الربوبية والألوهية والأزلية، وأنه أصل الموجودات وأولها ومنبعها وممدها.
وكذلك قصائد المديح -ومن أشهرها البردة- أغلبها قائم على وصفه بأوصاف الحقيقة المحمدية، ومن ذلك قول البوصيري في أبياته المشهورة:
فإنّ مِنْ جُودِك الدنيا وضَرتها … ومِنْ عُلومِك علمُ اللوحِ والقلمِ
وقوله:
وكَيفَ تَدْعو إلى الدُّنيا ضَرورةُ منْ … لولاه لم تَخرُجِ الدُّنيا من العَدمِ
وقوله:
وكلُّ آيٍ أَتَى الرُّسْلُ الكِرامُ بها … فإنَّما اتَّصلتْ مِن نُورِه بِهِمِ.
وقوله:
فاقَ النَّبيِّينِ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ … ولم يُدانوه في عِلمٍ ولا كَرمِ
وكُلُّهم مِن رَسولِ اللهِ مُلتمِسٌ … غَرفًا مِنَ البَحرِ أَوْ رَشفًا مِن الدِّيَمِ
فكل هذه الأبيات الممتلئة غلوًّا هي في الحقيقة تعبير عن هذه الحقيقة المحمدية التي تناقض تماما أوامر القرآن الصريحة في النهي عن الغلو.
- والقرآن الكريم يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا يعلم الغيب.
وأصحاب الحقيقة المحمدية يقولون: بأن النور المحمدي هو المتصرف في الكون، وممدّ الموجودات بالحياة والقدرة على التصرف، على نقيض ما ذكر القرآن.
قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 188].
وقال تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 128، 129].
فنفى ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم، واختص بها نفسه سبحانه وتعالى.
والصوفية يجعلون للأولياء والأقطاب جميع خصائص الربوبية، وجميع حقوق الألوهية، باعتبارهم واسطة بين الله والخلق.
فالحقيقة المحمدية هي البرزخ بين الحق والخلق، والخلق لا يصلون إلى الله إلا بواسطة الأولياء والأقطاب، وعلى هذا بنوا شركهم في باب الدعاء والعبادة والاستشفاع بالأولياء بعبادتهم من دون الله تعالى بزعم الشفاعة، كما حكى القرآن عن المشركين.
- والقرآن الكريم يخبرنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات في نص صريح واضح: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ [الزمر: 30]، وقال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَٰبِكُمْ﴾ [آل عمران: 144].
ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر رضي الله عنه خطيبًا في المسلمين قائلا: “أما بعد: فمَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فإنَّ مُحَمَّدًا قدْ مَاتَ، ومَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ”([43]).
وبعد موته صلى الله عليه وسلم لم يدَّع أحد من الصحابة أنه الوارث للنور المحمدي، أو أنه رسول الله كما قال الشبلي عن نفسه، ولا أنه التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة كما يدعي الصوفية.
والصوفية يزعمون كل ذلك، حتى إنهم يستنكرون قول: إن النبي صلى الله عليه وسلم مات، ويرونه من سوء الأدب؛ وذلك لأنهم يعتقدون أن الذي انتقل -كما يقولون- هو الجسد (الناسوت كما عبّر الحلاج)، أما الحقيقة المحمدية فهي باقية، وتتمثل في الأقطاب من بعده.
وعامة مشايخ الصوفية بين رجلين: إما مدعٍ لمقام القطبانية والتحقق بالحقيقة المحمدية، أو مدع للقيا النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأنه يستمد منه العلم الوهبي، حتى قال قائلهم: “ولا يكمل العبد في مقام العرفان حتى يصير يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً ومشافهة”([44]).
وفي الجملة فإن الصورة التي يرسمها الصوفية عن الأولياء والأقطاب وُراث الحقيقة المحمدية مخالفةٌ تمامًا للصورة التي بينها لنا القرآن وأتت بها السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي أكدت على بشريته ونهت عن الغلو فيه كما سبق بيانه.
ثالثا: نقد الأدلة الشرعية التي استندوا عليها في تمرير هذه العقيدة الفاسدة:
حاول الصوفية أن يستدلوا على هذا الباطل ببعض النصوص الشرعية التي قد توهم صحة هذا المعتقد الفاسد، فمن ذلك:
- عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ»([45]).
والجواب: أن المقصود: كتبت نبيًّا وقُدِّر ذلك، لا أنه وقع عينا؛ فإنه صلى الله عليه وسلم نُبِّئ عند الأربعين، ولم يكن قبلها نبيًّا ولا عنده علم بالكتاب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وقوله صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ»، وفي لفظ: «كُتِبت نبيًّا» كقوله صلى الله عليه وسلم: «إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته»([46])، فإن الله خلق جسد آدم، وقبل نفخ الروح فيه كتب وأظهر ما سيكون من ذريته، فكتب نبوة محمد وأظهرها… فهذا ونحوه فيه علم الله بالأشياء قبل كونها، وكتابته إياها، وإخباره بها، وذلك غير وجود أعيانها؛ لأنها لا توجد أعيانها حتى تخلق، ومن لم يفرّق بين ثبوت الشيء في العلم والكلام والكتاب وبين حقيقته في الخارج وكذلك بين الوجود العلمي والعيني عظم جهله وضلاله”([47]).
- ومن ذلك حديث: «خلق اللهُ آدمَ على صُورتِه»([48]).
والجواب: أن الحديث لا يحمل في معناه شيئا مما ذهب إليه ابن عربي وإخوانه من الزنادقة من كون آدم هو التعين الأول للذات الإلهية، بل معناه عند من يجعل الضمير مضافًا إلى الله تعالى أن الله تعالى جعل آدم سميعًا بصيرًا وغيرها من الصفات المشتركة بين الذات الإلهية والإنسان، وهو اشتراك في أصل المعنى الموجود في الذهن (المشترك المعنوي) لا في الحقيقة الخارجة، فقد قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “لفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله اختصت به، مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه، واستوائه على العرش، ونحو ذلك”([49]).
ومن أهل العلم من جعل الضمير في قوله: (صورته) مضافًا إلى المخلوق، وأصحاب هذا القول منهم من جعله راجعًا لآدم، ومنهم من جعله راجعًا للمضروب. والأول -أي: إضافته إلى الله- هو قول أكثر السلف، بل ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لم “يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى”([50]).
والغرض المقصود: أنه ليس أحد من أهل العلم فهِم منه أن آدم هو مجلى الأسماء الحسنى، وأول تعين للحقيقة المحمدية.
- حديث: «أولُ ما خلق اللهُ العقلَ».
وهو حديث مكذوب باطل، حكم عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بالوضع في مواضع كثيرة من كتبه([51])، وابن القيم([52]) وابن الجوزي([53]) وغيرهم من أهل العلم.
- حديث: «كُنْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ نُورًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ، فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ قَسَمَ ذَلِكَ النُّورَ جُزْأيْنِ، فَجُزْءٌ أَنَا، وَجُزْءٌ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ»([54]).
والجواب: أن هذا الحديث وإن أخرجه أحمد إلا أنه حديث موضوع مكذوب لا أصل له، ففي سنده: الحسن بن علي العدوي، قال فيه ابن عدي: “يضع الحديث، وَيَسْرِقُ الحديث ويلزقه على قوم آخرين، ويحدث عن قوم لا يعرفون، وَهو متهم فيهم”([55]). وقال فيه الدارقطني: “وضع أسانيد ومتونا”([56]). وقال عنه ابن الجوزي: “كَانَ كذابا أفاكا وضاعا”([57]).
- ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله، فقال «هو نور نبيك يا جابر»([58]).
والجواب: أنه حديث موضوع، والمشهور منه أوله، وكل من اطلع عليه بكماله يجزم بكذبه ووضعه، وأنه وضعه الكذابون لتصحيح عقائد الباطنية.
والحديث بكماله: أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله، فقال: «هو نور نبيك يا جابر، خلقه الله، ثم خلق منه كل خير، وخلق بعده كل شر، فحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام: فخلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام: فخلق القلم من قسم، والروح من قسم، والجنة من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء: فخلق الملائكة من جزء، وخلق الشمس من جزء، وخلق القمر والكواكب من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء: فخلق العقل من جزء، والحلم والعلم من جزء، والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة، ثم نظر إليه فترشح ذلك النور عرقا، فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفا، وأربعة آلاف قطرة فخلق الله تعالى من كل قطرة روح نبي أو رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة».
والحديث موضوع باتفاق أئمة الحديث، بل كتب فيه الشيخ الصوفي عبد الله بن الصديق الغماري رسالة في إثبات وضعه سماها: (مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر)، بين فيها أنه حديث موضوع مكذوب لا أصل له في شيء من كتب السنة أصلا. وأمارات الوضع ظاهرة عليه، يجزم كل عارف بالسنة بذلك.
والحقيقة أن الصوفية لا يعتمدون على شيء من الكتاب والسنة في مثل هذه الأمور، وإنما مبنى عقائدهم على الكشف وكلام المشايخ وأذواقهم ومواجيدهم، وأغلبهم لا يدري أن هؤلاء المشايخ مقتبسون لكلام الفلاسفة من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
ونحن نعلم أن كثيرًا من الصوفية يرددون حديث جابر، أو يقولون بأن أول المخلوقات هو نور النبي صلى الله عليه وسلم، بل ويستمعون لقصائد ابن الفارض وأمثاله، ويكونون معظمين له ولابن عربي وأمثالهما من الزنادقة، دون أن يتحققوا بعقائدهم، ويظنون أنهم يقصدون بها معاني قريبة من الشرع، أو يعتقدون أن لها تأويلا حسنًا وإن كانوا لا يجزمون بذلك.
وهذا بلا شك من الجهل والغفلة العظيمة، فإنه لا يُعظِّم أمثال هؤلاء إلا زنديق مثلهم، أو جاهل ومغفل لا يتفطن لحقيقة أقوالهم.
رابعًا: الآثار الخطيرة المترتبة على هذه النظرية:
إضافة لجميع ما سبق، فإن للحقيقة المحمدية آثارًا عقدية في غاية الخطورة، وهي نفس آثار عقيدة وحدة الوجود، فإذا كانت حقيقة النبي صلى الله عليه وسلم سارية في جميع الموجودات، وهذه الحقيقة هي نفسها الحقيقة الإلهية أو الذات في التعين الأول، فهذا يعني أن جميع الموجودات هي مظاهر لهذه الحقيقة، وهذا يعني تصحيح عبادة الأوثان، وتصحيح ملل الكفر، ووحدة الأديان، واستحلال المحرمات، وبطلان الشريعة بالكلية، وبطلان الفرق بين المؤمن والكافر، وإبطال الجهاد والبراءة من الكفار، ومن الطبيعي بعد كل ذلك إبطال عذاب النار، وانقلاب عذابها لعذوبة ونعيم. وغير ذلك من هذه الزندقات والكفريات.
وقد يتصور البعض أن الصوفية لم يلتزموا بهذا اللازم، ولكن الواقع المؤسف أن غلاتهم ومحققيهم التزموا ذلك، فصححوا ملل الكفر، وقالوا بإيمان فرعون وإبليس وقوم نوح، ودافعوا عنهم دفاعًا مريبًا، وقالوا بكل هذه العقائد الفاسدة المناقضة للإسلام بل ولليهودية والنصرانية، ولذلك صرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن هؤلاء أخبث من اليهود والنصارى وأكفر منهم، وصدق رحمه الله في ذلك، ففساد عقائدهم أعظم من فساد عقائد اليهود والنصارى([59]). نسأل الله العافية.
خاتمة:
تناولتْ هذه الورقة -بفضل الله تعالى- بيانَ معنى الحقيقة المحمدية عند الصوفية، ومرادفاتها عندهم، مثل: الإنسان الكامل، والنور المحمدي، والوارث المحمدي، وغيرها من المرادفات الكثيرة.
وبيّنت مفاسد هذه العقيدة، ومنافاتها للمعلوم من الدين بالضرورة، وأنها من أخطر عقائد التصوف الفلسفي، وهي فرع على عقيدة وحدة الوجود.
وبينت كذلك روافدَ هذه العقيدة من الفلسفات الهندية واليونانية والعقائد النصرانية، وكيف تسرّبت هذه العقيدة إلى الصوفية عبر الباطنية الذين أدخلوا فلسفة الأوائل إلى المسلمين عبر غطاء التصوف.
وبينت كذلك فسادَ الأدلة الشرعية التي اعتمد عليها المتصوفة للقول بالحقيقة المحمدية، وأن عامتها إما كذب صريح، أو محرف تحريفا باطلا من جنس تحريفات الباطنية الزنادقة.
والله المستعان، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) فصوص الحكم (ص: 49) -ت: أبو العلا عفيفي-.
([2]) الموسوعة الميسرة في الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (2/ 793).
([3]) بحث منشور للدكتور أبو العلا عفيفي، في مجلة الرسالة (196/ 105). بعنوان: التصوف الفلسفي.
([4]) المذاهب اليونانية الفلسفية في العالم الإسلامي، تحقيق: محمد جلال شرف (ص: 99-100)، دار النهضة العربية – بيروت.
([5]) ينظر: منشور ضمن كتاب الإنسان الكامل في الإسلام، لعبد الرحمن بدوي (ص: 43).
([8]) تاريخ التصوف الإسلامي (ص: 41).
([9]) الفلسفة الصوفية في الإسلام (ص: 31-32). ولمزيد من البيان لأثر الأفلاطونية المحدثة على العرب وعقائد المسلمين انظر: أفلوطين عند العرب لعبد الرحمن بدوي، والأفلاطونية المحدثة له أيضا، ونشأة الفكر الفلسفي في الإسلام لعلي سامي النشار، والحقيقة المحمدية أم الفلسفة الأفلوطينية للشيخ عايض الدوسري.
([10]) إنجيل يوحنا (الإصحاح الأول: 1- 6).
([11]) بحث منشور في مجلة الرسالة، بعنوان: التصوف الفلسفي (196/ 106).
([12]) في التصوف الإسلامي وتاريخه (ص: 159).
([13]) لمزيد من الاطلاع على جوانب تأثر التصوف بالتشيع يراجع كتاب: التصوف.. المنشأ والمصادر، لإحسان إلهي ظهير، فصل: (التصوف والتشيع) (ص: 137-260).
([14]) ينظر: نقض المنطق (ص: 95)، والرد على الشاذلي (ص: 85)، ودرء التعارض (1/ 5).
([15]) بحث للأستاذ أديب عباسي بعنوان: (من هم إخوان الصفا؟)، منشور في مجلة الرسالة (34/ 17). وانظر في بيان حقيقة إخوان الصفا: موجز دائرة المعارف الإسلامية (2/ 563).
([16]) انظر: مجموع الفتاوى (3/ 7-8).
([17]) لبيان عقائد الإسماعيلية وأثرها في عقيدة الحقيقة المحمدية ينظر: الإسماعيلية تاريخ وعقائد لإحسان إلهي ظهير (ص: 273-319).
([18]) مجموع الفتاوى (2/ 297-298).
([19]) الرسالة الثانية والثلاثون (3/ 196-197). نقلا عن الإسماعيلية تاريخ وعقائد، لإحسان إلهي ظهير.
([20]) رسالة المبدأ والمعاد من (رسالة إسماعيلي) (ص: 101).
([21]) القصيدة الصورية (ص: 24).
([22]) مجموعة مسائل من أربعة كتب إسماعيلية (ص: 31).
([23]) مقدمة راحة العقل، لمصطفى غالب الإسماعيلي (ص: 40). نقلا عن الإسماعيلية تاريخ وعقائد (ص: 287).
([24]) تاريخ ابن خلدون (1/ 619).
([25]) الحديث بهذا اللفظ باطل، ولكنه صح بلفظ آخر وسوف يأتي لاحقا.
([26]) فصوص الحكم، بتعليق الدكتور عفيفي (ص: 319-320).
([27]) ابن الفارض والحب الإلهي (ص: 380).
([29]) مجموع الفتاوى (2/ 316-318).
([32]) أخرجه البخاري (4712)، ومسلم (194).
([33]) أخرجه أبو داود (4700)، والترمذي (2155)، وصححه الألباني.
([34]) انظر في مسألة أول مخلوق: الصفدية لابن تيمية (2/ 79)، ورسالة العرش للذهبي (ص: 312)، والبداية والنهاية لابن كثير (1/ 11-14)، وفتح الباري لابن حجر (6/ 289).
([36]) أخرجه ابن ماجه (3029)، وصححه الألباني.
([37]) أخرجه أحمد (1839)، وصححه أحمد شاكر.
([38]) انظر: هذه هي الصوفية، عبد الرحمن الوكيل (ص: 131).
([39]) ينظر: الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر للجيلي (2/ 74-75).
([40]) ينظر: تاريخ الطبري (11/ 204)، والفَرق بين الفِرق (ص 247)، والتبصير في الدين (ص 133)، وفضائح الباطنية (ص 109).
([41]) طبقات الأولياء (1/ 157).
([42]) مجموع الفتاوى (14/ 364-365).
([44]) رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم لعمر بن سعيد الفوتي (1/ 199). وقد ادعى كثير من الصوفية ذلك، ونقل الشعراني في طبقاته عن كثير من المشايخ ذلك، انظر مثلا: (2/ 69 -70). ولمزيد من النقول في ذلك راجع كتاب: أصول بلا أصول للدكتور محمد المقدم (ص: 127- 165).
([46]) أخرجه أحمد (17150). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1546).
([47]) مجموع الفتاوى (18/ 370).
([48]) أخرجه البخاري (6227)، ومسلم (2841).
([49]) بيان تلبيس الجهمية (3/ 396).
([50]) نقض التأسيس (3/ 2020). وممن ذهب للقول بأنه راجع للمخلوق ابنُ خزيمة، انظر: التوحيد (1/ 81).
([51]) مثلا: الصفدية (2/ 80)، ومجموع الفتاوى (27/ 242).
([54]) أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (985).
([55]) الكامل في الضعفاء (3/ 195).
([56]) سؤالات حمزة السهمي (254).
([58]) أورده العجلوني في كشف الخفاء (827). ونسبه لمصنف عبد الرزاق وليس في المطبوع، ولعله في الجزء الساقط منه.
([59]) لمزيد من الاطلاع على أقوال أهل التصوف في مسألة وحدة الأديان وروافدها عندهم. انظر: وحدة الأديان عند الصوفية، للدكتور لطف الله خوجة.