وثيقة تراثية في خبر محنة ابن تيمية (تتضمَّن إبطالَ ابنِ تيمية لحكمِ ابن مخلوف بحبسه)
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمةً للعالمين، وبعد:
هذا تحقيقٌ لنصٍّ وردت فيه الأجوبة التي أجاب بها شيخ الإسلام ابن تيمية على الحكم القضائيّ بالحبس الذي أصدره قاضي القضاة بالديار المصرية في العهد المملوكي زين الدين ابن مخلوف المالكي.
والشيخ كان قد أشار إلى هذه الأجوبة في عددٍ من المواطن، يقول في أحدها: «فهل يقول أحدٌ من اليهودِ أو النصارى -دعِ المسلمين-: إن هذا حَبسٌ بالشَّرع، فضلا عن أن يقال: شرع محمد بن عبد الله؟! وهذا مما يعلم الصبيان الصغار بالاضطرار من دين الإسلام أنه مخالف لشرع محمد بن عبد الله. وهذا الحاكمُ (ابن مخلوف) هو وذووه دائمًا يقولون: فعلنا ما فعلنا بشرع محمد بن عبد الله، وهذا الحكم مخالف لشرع الله الذي أجمع المسلمون عليه من أكثر من عشرين وجهًا»([1]).
ويقول في موضعٍ آخر: «فكيف وهذا الحكم الذي حكم به مخالف لشريعة الإسلام من بضعة وعشرين وجهًا؟! وعامتها بإجماع المسلمين، والوجوه مكتوبة مع الشرف محمد([2])»([3]).
ويقول في موضع ثالث: «ومن أصرّ على أن هذا الحكم الذي حكم به ابن مخلوف هو حكم شرع محمد فهو بعد قيام الحجة عليه كافِر، فإن صبيان المسلمين يعلمون بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا الحكم لا يرضى به اليهود ولا النصارى، فضلًا عن المسلمين، وذكرتُ له بعضَ الوجوه الذي يعلم بها فساد هذا الحكم، وهي مكتوبة مع الشرف محمد»([4]).
الأصل الخطّي لهذا النص:
جاء هذا النصّ في مجموعٍ تحت عنوان: (ذكرُ ما علَّقَه شيخُ الإسلام أبُو العبَّاس أحمد ابن تيمية رحمه الله جوابًا لما كُتِبَ بهِ وهُوَ في السِّجنِ، وما عَلَّقَه في نقضِ الحُكم لما حُبِس، وردِّ ما كُتِبَ في الكتابِ المُرسَلِ إلى البلاد ينادِي به في أمرِهِ).
وهذا المجموع من محفوظات المكتبة الوطنية بباريس برقم (2104)، وعلى أول صفحاته تملُّك يعود لسنة 1082هـ، وقد نسب مُفهرِسُ المكتبة المخطوطَ إلى القرن السادس عشر الميلادي، وهو يقابل القرن العاشر الهجري.
وقد تضمن في معظمه كتاب (العقود الدرية) لابن عبد الهادي([5])، ثم تلاه النص الذي بين أيدينا، ثم فصل مستلّ من كتاب (الاستقامة) لشيخ الإسلام، وكلها مكتوبة بنفس الخط.
والنص الذي بين أيدينا يقع في ثلاث صفحات ونصف صفحة من المجموع، في كل صفحة ثلاثون سطرًا تقريبًا، ولم يتضمن النصّ أية إشارةٍ تساعد في تعيين صاحبه، ولم أعثر على أية نسخةٍ خطية أخرى له.
ولما رأيت الفائدة متحقِّقة بإذن الله في خدمته ونشره قمتُ بنسخِه، وضبطه، وتوثيقه من رسائل الشيخ والمصادر التاريخية، والله الموفق للصواب.
مضامين هذا النص:
جاءت أجوبة ابن تيمية على حكم ابن مخلوف ضمن سردٍ لأحداث محنة ابن تيمية في مصر، حيث تضمن النصّ الذي بين أيدينا جملةً من الأمور:
أولًا: خبر المجلس الذي عقده ابن مخلوف لمحاكمة ابن تيمية.
ثانيًا: الإشارة إلى المجالس التي عقدت في دمشق لمناظرة ابن تيمية في الواسطية.
ثالثًا: الرجوع إلى خبر المجلس المعقود بمصر، والذي انتهى بحكم ابن مخلوف عليه بالحبس.
رابعًا: الأوجه العشرون التي أبطل بها ابن تيمية حكمَ ابن مخلوف.
خامسًا: موقف القاضي جمال الدين الزواوي من ابن تيمية.
سادسًا: ثناء جملة من علماء الشام على اعتقاد ابن تيمية.
غير أننا لا نجد في هذا النص نقدًا لما ورد في الكتاب الذي ورد على لسان السلطان، كما جاء في العنوان: (وردِّ ما كُتِبَ في الكتابِ المُرسَلِ إلى البلاد ينادِي به في أمرِهِ)، وقد ذكر الشيخ أنه مخالف للشريعة من أمور كثيرة تزيد على عشرة أوجه([6]).
ميزات هذا النص:
امتاز هذ النص بجملة من الأمور:
الأول: الدقة في ما ذكر من أحداث محنة ابن تيمية، حيث ظهر موافقتها لسائر المصادر التاريخية الأصلية الموثوقة التي أرخت لنفس الأحداث، من جهة الترتيب، ومن جهة التفاصيل كالتواريخ والشخوص وغيرها.
الثاني: الدقة في عرض آراء ابن تيمية، بل قد تطابقت كثير من الوجوه التي ذكرت في إبطال حكم ابن مخلوف مع ما ذكره ابن تيمية في رسائله التي كتبها في السجن.
الثالث: التعليقات اللطيفة الدالة على سبرٍ لأغوار تلك المحنة وحقيقتها، خاصة ما ذكره من كيد أعداء ابن تيمية له، وما أحسن ما ختم به حيثُ قالَ: (فأبرَمُوا عليه أمرًا ما كانَ في بالِه، وأبرَم الله لَهُ أمرًا ما كان في بالهِم، وأنجَاهُ اللهُ بفضلِهِ ومِنَّتِه، والله يعفُو عن الجَمِيْع بفضلِهِ وكرَمِه).
الرابع: اختصّت هذه الرسالة دون سائر المصادر التاريخية بذكر ثناء عالمٍ شافعي كبيرٍ مُحقِّقٍ على اعتقادِ شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الإمام علاء الدين ابن العطار رحمه الله تعالى، المعروف بمختصر النووي.
وكذلك جاء في هذه الرسالة ثناء الشيخين محمد بن قوام ومحمد بن إبراهيم الأرموي على الشيخ رحمهم الله جميعًا.
والشيخ محمد بن قوّام كان وثيق الصلة بابن تيمية، وتُحكَى عنه كلمةٌ تُعبِّر عن دور ابن تيمية في إصلاح التصوّف وهي قوله: «ما أسلَمَتْ معارِفُنَا إلا على يدِ ابنِ تيمية»([7])، وذكر ابن كثير في ترجمته أن شيخ الإسلام كان «يُحبُّه كثيرًا»([8])، وعدَّدَ مناقبه وفضائله الكثيرة. وذكره ابن عبد الهادي الصغير في المجانبين للأشعرية في «جمع الجيوش والدساكر»([9]).
أما الشيخ محمد بن إبراهيم الأرموي فهو سلفي المعتقد أيضًا، وله عقيدة مختصرة قرأها عليه شيخ الإسلام([10]).
فهؤلاء الأعلام الثلاثة ممن ناصروا شيخ الإسلام في محنته و(أثنَوا عليه بِكُلِّ وصفٍ جميل، في دينِهِ، وزُهدِه، وعلمِه، وحُسنِ عقيدَتِه السالمة من التَّشبِيه والتعطيلِ، بثناءٍ لم يُثنَ على أحدٍ مثلُه)، كما ورد في هذا النص.
22/جمادى الأولى/1444
نماذج من المخطوط
الورقة الأولى
الورقة الأخيرة
النصّ المحقق:
الحمد لله وحدَه.
ذكرُ ما علَّقَه شيخُ الإسلام أبُو العبَّاس أحمد ابن تيمية رحمه الله جوابًا لما كُتِبَ بهِ وهُوَ في السِّجنِ، وما عَلَّقَه في نقضِ الحُكم لما حُبِس، وردِّ ما كُتِبَ في الكتابِ المُرسَلِ إلى البلاد ينادِي به في أمرِهِ.
فأوَّلُ ذلك الكلامُ على الحُكمِ الذي حَكَم به قاضي القُضَاةِ زينُ الدين بنُ مَخلُوف المالكي، وذلك بعدَ عقدِ المجلسِ المشهُور الذي اجتمعَ فيه أعيانُ الأُمراءِ والدَّولَة وأعيانُ القُضَاة والمفتين وأعيانُ المشايخ من أهلِ الزُّهدِ والعلمِ، وذلك بقلعة الجبل العامرة المحرُوسَة، يومَ الجُمُعة ثالثَ عِشْري رمضان.
وكان سفرُه ثامنَ يوم من الشهر من دمشق([11])، وكان عقْدُ المجلس ثالثَ عِشْري الشهر سنة خمس وسبعمائة([12]).
وقد أُحضر من دمشق بطلبٍ حثيثٍ، فقدم على خيل البريد وهو في الترسيم، حتى أُحضر إلى المجلس المذكور([13]).
وذلك بعد ثلاث مجالس([14]) عُقِدَت بدمشق في القصر الأبلق قُدَّامَ نائب السلطان جمال الدين الأفرم، بحضرة القضاة الأربعة والمفتين والمشايخ الصالحين، وسَلَّمُوا إليه، ووافَقُوه على عقيدَتِه الواسطية.
والمناظرةُ وما جرى فيها من البحوث مذكورٌ في موضعٍ آخرَ([15]).
وقد قُرِّر بمصر أن الشيخ متى حضر ادُّعِيَ عليه بفتاوى كُتِبَت وكلماتٍ نُقِلَت، وثَمَّ من يشهَدُ ببعضها، فإن أقرَّ حُكِم عليه بالقتل، وإن أنكر أُقيمت عليه البينة بما يُوجِبُ القتل عند من يرى ذلك([16]).
وهذا بعد نظرٍ كثيرٍ، ومحاولات كثيرة، وطلبٍ لكلامه، وأُرسِلَ إلى دمشق من يستفتِيه، حتى أُخِذَ خطُّه، وغيرُ ذلك.
فتارة يعزِمُون على مناظرته، وتارة يقولون: ما يُمكِن مناظرته؛ لما بَلَغَهم من سِعَة علمه وقُوَّة جَنانِه، وما اتَّفَق له مع الدمشقيين في تلك المجالس، وموافقتِهم له، وعدمِ ظهور حُجَّتِهم عليه([17])، وغير ذلك.
فآخر ما اتَّفَقُوا على عدم مناظرته، وأنه لا يُمَكَّنُ من كلامٍ ولا جدال، بل يُدَّعَى عليه؛ فَإمَّا الإقرار، وإمَّا إقامةُ البينة، ثُمَّ الحُكم، ولم يهتَدُوا لقسمٍ ثالثٍ.
فلما حضَر ادَّعَى عليهِ القاضي شَمسُ الدين بنُ عَدْلان([18]) أحدُ المفتين ونُوَّابِ القاضي الشافعيِّ المشهور، وله وَصْلَة بالأُمَرَاء وأربابِ الدولة، ولديهِ فضل، وكان فيما ادَّعَى به وقيل عنه أمورٌ بعضُهَا لم يَقُلْهُ الشيخ البَتَّة، بل كذبٌ وبَهْت، وبعضُها قالَه، وفي بعض ما قاله هُو مسائلُ النِّزَاع التي ينازعونَهُ فيها.
وقال له القاضي زينُ الدِّين: أنتَ تقولُ، وتقولُ، وتفعلُ، وتفعلُ.
فحمِدَ الله وأثنى عليه، وهم يُسكِتُونه، ويقولون له: ما أنت في مقام خطبة.
فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدَأ فيه بالحمد لله فهُوَ أجذَم»([19]).
قال: أجِبْ فقط، ولا تتكَلَّم.
فقالَ للقاضي: أنتَ تكلَّمت، وهذا -يعني ابنَ عدلان- تكَلَّم، فأيَّكُما أُجيب؟
فقال القاضي: أَجبْنِي.
فقال: فأنت وحدَك، أوِ القُضَاة كُلُّهم؟
فقال: أنا وحدِي أحكُم.
فقال له: أنت خصمي، فكيف تَحكُم؟
فتأخَّر، وامتنعَ عن الحكم، وبقي يقول: إيش هذا كذا، إيش هذا كذا.
فأُقيم الشيخ ذاهبينَ به.
فقال: رُدُّوني. ثُمَّ رجع، فقال: رضيتُ بأن تحكُمَ، حتى أرى ما تحكُمَ بِه.
فلم يُمكَّن من الجُلُوس والعودة، وغَيَّبُوه، وذهبُوا به إلى السجن([20]).
وفَسَّر الشيخُ مراده بقولِه: (أنتَ خصمي، كيفَ تحكم؟) في مواضع، وأشهرَه في مجالِس، وهو: أنه قال إذا كانت الحُكُومة ليسَتْ في دَمٍ، ولا مَالٍ، ولا عِرْض، بل في مسائل نزاعٍ بين الناس، في أمرِ الربِّ تعالى ودينِه، فليس لأَحدِ المتنازِعين أن يحكُم على الآخر بقولِه؛ كمَن يعتقدُ أنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ، ليس لَهُ أن يَحكُمَ على من يعتقدُ أنه التَّصديق بقولِه، ويقول: حكمتُ عليهِ بكذا.
ثم إنَّ المسائلَ تستَدْعِي خلافًا في تفسير آياتِ القرآن، وتصحيحِ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو تأويلِها؛ كمن يعتقدُ أن تفسيرَ هذه الآية كذا أن يحكم بِبُطلانِ قولِ من خالَفَه فيها، ولا من اعتقَدَ صحَّةَ حديثٍ، أو أنَّ له تأويلًا يخالفُ ما تأوَّلَهُ خصمُه أن يحكم بصحة قوله دون خصمِه.
وهذا نظيرُ من اعتقد تحريمَ الشراب المسكر من غيرِ العنب، وأَنَّ الشُّفعة للجار، وأن الوضوء ينتَقِضُ بمسِّ الذكر باليدِ، وغير ذلك من مسائل النزاع بين الأئمة؛ فليسَ لأحد المُتنازِعَين أن يحكُمَ على الآخر بِبُطلانِ قولِه.
والحَكَم المذكور هو ممن يخالفُ الخصم في بعض المسائل المُدَّعَى بها، وهو يُنَازِعُه فيها، فكيف يحكُمُ عليه بمُجرَّد ذلك؟!
فَلَما حُبِسَ، وقيل له: إن الحاكم حكَم بالحبس بعد ذهابِكَ.
فقال: الحُكم باطلٌ من وجُوه:
أحدُها: أنَّهُ قال للحاكم: أنتَ خصمي، فإن كان خَصمًا له لم يصحَّ الحُكم عليهِ، وإن لم يكُن خصمًا لم يكُن له أن يحكُم عليه إلا في وجهِهِ، ويذكرَ لهُ الشُّهودَ وما شهِدُوا به، فأمَّا بعد أنِ امتنَع من الحُكم عقبَ قولِه: (أنتَ خصمِي)، ثم أقامُوه وغيَّبُوه، ثم حكَم عليه، فهذا الحُكم باطلٌ بإجمَاعِ المُسلِمِين.
الثاني: أن هذا الرَّجُلَ طُلِبَ وأُحضِرَ تحت التَّرسِيْم، والخَصمُ الحاضِرُ الذي ليْسَ بمُمْتَنعٍ لا يُحكَمُ عليه في العقوبات في غيبَتِه بإجماع المسلمين، ولا في الحُقُوق أيضًا، فإِذَا كان الحُكمُ عليه لا يَسُوغ إذا كان حاضرًا غيرَ مُمتَنِعٍ إلا في وَجْهِه بعد أن يُعرَّفَ ما شُهِدَ به عليْهِ، ويُعذَرَ إليه، فكيف يُحكَم في العقوبات بدون هذا بعد أن طُلِبَ وأُحضِرَ؟! وهذا الحكم باطلٌ بإجمَاعِ المُسلِمِين([21]).
الثالث: أنَّ المَحكُوْمَ عليه إذَا شَهِدَ عليه شهودٌ أو ثبَتَ بإقراره بأمرٍ من الحقوق -دع العقوبات- فلا بُدَّ أن يُمَكَّن من الدافع إن كان لهُ قادِح أو دافع، وإذا لم يُمَكَّن من ذلك كان الحُكمُ باطلًا بلا نزاعٍ بينَ المُسلِمِين.
الرابع: أنَّ الخصمَ إذا شهِدَ عليه شهودٌ، إذا قال: لي دافع، وسألَ المُهْلَة الشرعية، وأقلُّ ما يكون ثلاثَ([22]) أيام، إذا كان الحُكمُ في الحقوق، فإذا كان في العقوبات كان الأمرُ أعظمَ.
فكيف إذا كان قد طَلَب الكلامَ والجواب، فأُقيْمَ ولم يُسمَع كلامُه، ولا جَوَابُه، ولا حُجَّتُه، ولا دافِعُه؟! لو كان قد ذَكَرَ له الحجة عليه، مع أنه لم يذكُر له حُجَّةً، ولا حكم علَيْهِ في وجهِهِ بشيءٍ، فهذا باطِلٌ بإجمَاعِ المُسلِمِين.
الخامس: أن الأمور التي ذكرها الحاكم والمُدَّعِي أكثرُها كذبٌ، لا وُجُودَ لشيء منها، والحقُّ منها لم يكن الرجل مُنكِرًا، ولا يتَرَتَّبُ عليه عقوبةٌ بإجمَاعِ المُسلِمِين.
السادس: أن هؤلاء الشُّهُود فيهم من الفُسوق والعداوةِ ما يمنَعُ قَبُول شهادَتِهم، وكان الواجِبُ أن يُمَكَّن المَشهُودُ عليه من بيان ما ذَكَرَه، فإذا لم يُمَكَّن من بيان ذلِك كان الحُكمُ بَاطلًا؛ لعدَمِ وجودِ شَرْطِه، وذلك بإجمَاعِ المُسلِمِين([23]).
الوجه السابع: أن الخصمَ إذا قال للحاكم أو للشاهد: أنتَ خصمِي، فلا يَصِحُّ حُكمُكَ عليَّ، ولا تصِحُّ شهادَتُك عليَّ، يمكَّنُ من بيانِ ما ذكَرَه، فإذا لم يُمَكَّن من بيانِ ذلِكَ كان الحُكم باطلًا لعدمِ وُجُود شرطه، وذلِكَ بإجمَاعِ المُسلِمِين.
الثامن: أنَّهُ قد شهد العدُول الكثيرُون الذين أعظمُ من هؤلاء عددًا وعدالةً بضِدِّ ما شهِدَ به هؤلاء، وشهِدُوا على لفظ الحاكم المنسوب إليه بضدِّ ذلك، فكيف تُقبَل شهادَتُهم والحالةُ هذه؟! وهذا مُعارِضٌ لشهادَتِهم بإجمَاعِ المُسلِمِين([24]).
التاسع: أن هذه الأمورَ الكبارَ التي فيها نزاعٌ بين الأمةِ ليست حقًّا لشخصٍ مُعيَّن؛ لا يجوزُ أن يُجعَل الحاكمُ فيها مُعيَّنًا دُون سائرِ الحُكَّام، فإنَّ الحقَّ فيها لله ولرسُولِه ولجمِيع المؤمنينَ من أهل المذاهبِ الأربعة وغيرِهم.
وإذا أمكَن الحاكمَ المعيَّنَ أن يحكُم فيها كان بمنزلةِ أن يحكُم الحاكمُ المعيَّنُ في الأمور الدِّينِيَّة التي فيها نزاعٌ بين الأُمة، والحقُّ فيها للهِ ولرسُولِه ولجميعِ المسلمين، مثلَ أن يحكُم بأنَّ مَسَّ النساءِ لا ينقُض الوضوءَ، أو ينقُض، وأنَّ البسمَلَةَ لا يجهَرُ بها، أو يجهَرُ بها، وأنَّ الفجر يقنُت فيها أو لا يقنُت، أو يحكم بأن هذا الحديث صحيحٌ أو ضعيفٌ، أو معنى هذه الآية أو هذا الحديثَ كَيْتَ وكَيْتَ، دون كَيْتَ وكَيْتَ، أو أنَّ هذه المسألة التي تنازع فيها الناسُ الحقُّ فيها مع فلانٍ دون فلان، ونحوِ ذلك من مسائل النزاع التي بين الأمة في معاني القرآن والحديث وصحَّتِه وضعفِه([25]).
ومن المعلوم بالاضطِرار من دين الإسلام أنَّ الحُكَّام المنصُوبين للحُكم لا يجوز تفويضُ هذه الأمورِ إلى أحدٍ منهم بعينِه دون الباقين، حتى يحكُمَ بصحة القول الذي يوافقه، وفسادِ القول الذي يخالفه، ومُعادَاة أهله، وذلك باطلٌ بإجمَاعِ المُسلِمِين([26]).
بل لو فُوِّضَ الأمر إلى الحُكَّام جميعِهم لكان فيهِ ما سيُذكَرُ، وهُوَ:
الوجه العاشر: أنَّ الحاكِمَ له أن يحكُم في الأُمُور المُعيَّنَة من الحدودِ والحُقُوق، فأَمَّا الأمورُ الدِّينِيَّة العامَّة التي يشتركُ فيها المسلمون جميعُهُم والحقُّ فيها لله، لا لأحدٍ بعينِه، مثلَ ما تنازعت فيه الأمة من تفسيرِ القرآن ومعانِيه، وصحَّةِ الحديث وضعفِه، وما تنازعتْ فيهِ من العبادَات في صحَّتِها وفسادِها، والاعتقادِات في أصول الدين من مسائل الصِّفاتِ والقدَرِ ونحوِ ذلك؛ فالحاكمُ فيها بمنزلة نُظَرائِه:
- إن كانَ من أهلِ العلمِ؛ اجتمَعَ هُوَ وهُم فيها.
- وإن كان أعلمَ من غيرِه؛كان له مزِيَّةُ الفضيلَةِ.
- وإن كان غيرُه أعلمَ منه وأدينَ؛ كانَ للأعلَم الأدينِ من الكلامِ في هذه المسائل ما ليسَ للحاكِم بولايَتِه. وهذا أيضًا بإجمَاعِ المُسلِمِين.
وذلِكَ أنَّ هذه المسائلَ لا يختَصُّ بها السُّلطانُ، ولا الحاكِمُ، بل يُرجَعُ فيها إلى أهلِ العِلْم والدِّين من كانُوا.
وهذا كما أنَّ الحاكِمَ أو السُّلطَان لا يختَصُّ بالاستِفتَاء، وتفسيرِ القُرآن، وروايةِ الحديث، ولا غيرِ ذلك من العُلُوم، بل إن كانُوا من أهل العلم كانُوا كنُظَرَائِهِم، وإلا كان الكلامُ في ذلك إلى أهلِهِ من أهلِ العلم والدين.
فلا يَتكلَّم في الفتيا، وقراءة القرآن وتفسيره، وروايةِ الحديثِ وتصحيحِه وتفسيره، ولا يَتكَلَّمُ في أُصول الدين وفُرُوعه إلا من كان من أهل العلمِ بذلِك والتقوَى فيه، وإن كان لغيرِهِ من ولايَةِ الحربِ والقِتَال والإمارَةِ والقَضاءِ ما ليسَ لَهُ، وكلُّ هؤلاءِ من أُولِي الأمرِ فيما عندَهُ من الدِّيْن.
قال الله تعالى: {أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59] قالوا: هم العلماءُ ولاةُ الأمر([27]).
الحادي عشر: أنَّ الرَّجُل إذا وجَبَ عليه دعوى في حقٍّ من الحُقوقِ، أو حَدٍّ، وكان في بلدةٍ فيها حاكِمٌ دونَ مسافةِ القصرِ؛ لم يجُزْ حَمْلُه إلى بلدٍ آخرَ بإجمَاعِ المُسلِمِين، ومن المعلُومِ أنَّ الشَّامَ فيها ذلِك.
الوجه الثاني عشر: لو جُوِّزَ ذلك لكان قبلَ أن يأمر بالحُكم في بلدِه، فإذا أُمِرَ بالحُكم في بلدِه، وعُقِدَ مجلسٌ بعد مجلسٍ بعد مجلسٍ([28])، وبُيِّنَ الحقُّ للخاصَّة والعامَّة كان حملُه إلى بلدٍ آخَر غيرَ جائزٍ بإجمَاعِ المُسلِمِين([29]).
الوجه الثالث عشر: أنه إذا حُمِل، وقيل: إنه قدْ ضَلَّ، أو أخطَأ، أو دعا إلى بدعَةٍ، لا بُدَّ أن يُبيَّنَ له ذلك، أو تُزالَ شُبهَتُه، وتقامَ عليه الحُجَّة، فإن أظهَرَ عنادًا عُوقِب، وإلا فقد قَال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
ولهذا اتَّفَق العُلماءُ كُلُّهم على أنَّ أهل البغي لا يجوزُ قتالُهم إلا بعد أن تُزالَ شبهَتُهم، وتُرفَع مظلَمَتُهم، فكيفَ إذا كان كُلٌّ من الطائفتين يقولُ: إن مُخالِفَها هُو البَاغِي الظَّالِم؟!([30]).
الرابع عشر: أن هذهِ القضيَّة قد تبيَّن فيها الحقُّ في المجالس التي عُقِدَت أيضًا بالشَّامِ؛ أنَّهَا مُتَّفقٌ عَلَيها بين السَّلَف، وأئِمَّةِ الخلَف من أهلِ المذاهِب الأربعةِ والمُتكلِّمين وأهلِ الحديث([31])، فإذا كان فيها عُقوبةٌ، كان من خالَفَ هؤلاءِ أحقَّ بالعقوبة ممن وافقَهم.
الوجه الخامس عشر: أنَّ ما تنازعتْ فيه الأئمَّةُ ليس لولاة الأمور أن يفصِلُوه إلا بالكتاب والسنة، لقوله تعالى: {فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ} [النساء: 59]، فأمَّا أن يفصِلُوه بقولِ مُعيَّنٍ حيٍّ أو مَيِّتٍ، فهذا حرامٌ بالإجماع([32]).
الوجه السادس عشر: أنَّ وليَّ الأمر عليه أن يدعُو الناسَ إلى الكتابِ والسُّنَّة، ويحمِلَهم على ذلِك، فإن لم يفعل ذلِك لم يجُز أن يحمِلَهم على غير ذلك، بل يكون في ذلِكَ قد تركَ المأمُور، وفعلَ المحظُور([33]).
السابع عشر: أنه إذا تنازع عليه العلماءُ في الكتابِ والسُّنَّة فإن بَيَّن لهُ أحدٌ الكتابَ والسُّنَّةَ وجبَ عليهِ الأخذُ به، وإلا لم يكُن له أن يأمُرَ طائفةً باتِّبَاع أُخرى، بل يُقرُّهم على ما هُم عليه، إذا لم يتبيَّنِ الحقُّ مع أحدِهِما دونَ الأُخرى.
الثامن عشر: هذا الحاكمُ قد وصَل إليهِ قبلَ الحُكمِ ما ثبَتَ عن الحاكمِ للمَشهُود عليهِ من قولِه: (لم يثبُت عندي على فُلانٍ شيء، ومَن تكَلَّم فيه عزَّرْتُه)([34]).
ووصل إليهِ ما شهدَ بهِ الشهودُ الأعلامُ من أن هذا الحكام([35]) ما زالُوا مُوافِقِين له، غيرَ مُنكِرِين عليه، وهذا يعلَمُه الخاصُّ والعامُّ.
وانفرادُ الواحد والاثنين في مثل هذهِ القضايَا الكبارِ التي تتوَفَّرُ الدَّوَاعي والهِمَمُ على إشاعةِ ما يكونُ فيها بأمرٍ ينفردُون به يدلُّ على كذبِهم باتفاقِ أئمَّةِ السُّنَّة.
ومَعلومٌ أن هذه القضايا اضطربتْ لها الشَّامُ من الخاص والعام، وعلِمَ بها غالبُ الخلق، وتشوَّفَت فيهَا الهمَمُ، فلو جرى ما ذكرَهُ هؤلاءِ من استتابةٍ واسترجاعٍ لكان ذلِكَ من أعظمِ ما تتشوَّفُ له همَمُ الناسِ، الموافِقُ والمُخَالِفُ، كما جرَتِ العادَاتُ في مثل ذلِك.
لا سيَّما والمخالِفُون مُتعلِّقُون بما هو دُون هذا، والموافِقُون إمَّا [يطعنون]([36]) على الحاكِم الذي فعلَ ذلك، أو يقاوِلُونه([37])، أو غير ذلك، ولم يجرِ من هذا شيء، بل ما زالَ الناسُ يذكرُون هذه القضايا، ولا يذكرُون ما ذكره هؤلاء، بل يُكذِّبُونَهم.
فكيفَ إذا كان المُشاهدون لهذه القضيَّةِ والذينَ حضَرُوهَا جَمّ غفير([38])، وأعيانُ العُدُول يتقصَّوْن نقيضَ ما نقَلَ هؤلاء من مُوافَقة القضاةِ وغيرِهم من أعيان العلماء، ويقُولون: إنَّا كُنَّا حاضِرِين، ولم يَجْرِ شيءٌ مما ذكرَهُ هؤلاءِ من الاستتابة([39])، بل يُكذِّبُونَهُم في ذلِك؟!
والحمد لله وحدَهُ، وصلى الله على مُحمَّدٍ، وآلِه وصحبِه، وسلَّم تسليمًا.
فصل
وفي تلك الأيَّام جاءَ بريدِيٌّ من مِصرَ بِكتُبٍ من عند القاضي زينِ الدِّينِ ابنِ مخلُوف المالكيِّ وغيرِه إلى قاضي القُضَاة جمالِ الدين الزواوي المالكي في أمرِ الشَّيخِ، وما هُم فيه، فقال البريديُّ: خُذ هذه الكتبَ من أخيك قاضي القُضَاة زين الدين، وقال: إيش ثبت على ابن تيمية عندَك؟
فقال: والله، ما علمتُ عليهِ إلا خيرًا، تقيُّ الدينِ تقيُّ الدينِ كما سُمِّي، ولو علِمتُ عليهِ ما نقل عليه لجِبْتُه أنا وحكمتُ عليهِ([40]).
وبَقِي بعضُ الناس يقول: يا مولانا، هذا وقتُك في ابن تَيمِيَّة، احكُم عليه!
فقال: اسكُت، إن كنتُ أنا اليوم حاكِم([41])، غدًا يُحكَمُ عليَّ عندَ الله، أين أرُوح من اللهِ إذا خُضتُ في دمِ ابن تَيمِيَّة؟!
فقال البريديّ: إيش أقُول لقاضي القُضاة وللجماعة؟
فقال له: سَلِّم عليهم، وقُل لهم ما سمعتَه في هذا المَجلِس.
فصل
ولمَّا سافَرَ الشيخُ كتَبَ معَهُ جماعةٌ من أعيان المشايخ ممن حضَرَ المجالِسَ الثلاثة، ومَن لم يحضُر، مثلَ الشيخ القدوة محمد بن قوَّام([42])، والشيخ [محمد بن]([43]) إبراهيم بن الأرموي([44])، والشيخ الإمام القدوة علاء الدين بن العطار -مختَصر النَّواوي([45])-، وغيرِهم، وأثنَوا عليه بِكُلِّ وصفٍ جميل، في دينِهِ، وزُهدِه، وعلمِه، وحُسنِ عقيدَتِه السالمة من التَّشبِيه والتعطيلِ، بثناءٍ لم يُثنَ على أحدٍ مثلُه، ووقفَ على ذلِكَ أعيانُ أهلِ مصرَ.
وكان قد أخذَ الشيخُ معه حِمْلين كتُبًا، فيها كلامُ أهل السُّنَّة من السَّلَفِ والخَلَف، وقال: إذا عُقِد المجلس للمناظرة كما عُقِد في الشام قُلنا لهم: ما تقولون في فلان وفلان؟ -من أئمة مذاهبهم-؛ فإذا أثنَوا عليهم طالعنَا كتُبَهم، ناظرنَاهُم بها([46]).
فأبرَمُوا عليه أمرًا ما كانَ في بالِه، وأبرَم الله لَهُ أمرًا ما كان في بالهِم، وأنجَاهُ اللهُ بفضلِهِ ومِنَّتِه، والله يعفُو عن الجَمِيْع بفضلِهِ وكرَمِه.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) «مجموع الفتاوى» (3/ 253-254).
([2]) هو: الشيخ شرف الدين محمد بن بُخَيخ الحرّاني، وهو أحد خواصّ أصحاب شيخ الإسلام الذين رافقوه في سفره إلى مصر لما طُلب من جهة ابن مخلوف. انظر كلام البرزالي في اختصاصه بابن تيمية ونصرته له في «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة» للسخاوي (2/ 479)، وكذلك كلام ابن كثير في «البداية والنهاية» (18/ 237).
([3]) «مجموع الفتاوى» (3/ 269).
([4]) «مجموع الفتاوى» (3/ 236).
([5]) وهي إحدى النسخ الخطية التي اعتمد عليها د. علي العمران في تحقيقه للكتاب، انظر وصفها ونماذج منها في مقدمة «العقود الدرية» (ص: 50-51، 69-71).
([6]) «مجموع الفتاوى» (3/ 241، 244).
([7]) «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (4/ 504).
([8]) «البداية والنهاية» (18/ 184).
([10]) وهي منشورة في العدد (54) من «مجلة الإصلاح الجزائرية» (ص: 49-53). وستنشر في مركز سلف بعناية د. علي العمران.
([11]) انظر: «ذيل مرآة الزمان» لليونيني (2/ 851).
([12]) انظر: «المقتفي» للبرزالي (3/ 306)، و«ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (4/ 511).
([13]) انظر: «نهاية الأرب» للنويري (32/ 71-79)، و«ذيل مرآة الزمان» لليونيني (2/ 849-851)، ففيهما تفصيلٌ عن إصرار خصوم ابن تيمية على حضوره إلى مصر، حتى صدور المرسوم السلطاني بذلك.
([14]) كان المجلس الأول يوم الاثنين (8/ 7/ 705هـ)، والمجلس الثاني يومَ الجمعة (12/ 7/ 705هـ)، والمجلس الثالث يوم الثلاثاء (7/ 8/ 705هـ)
([15]) وثَّقَها شيخ الإسلام بنفسِه في أكثر من مذكرة، هي المصدر التاريخي الأوثق لما جرَى في تلك المجالِس، وفي المطبوع من تراث شيخ الإسلام في التوثيق للمناظرة مذكرتان: الأولى مطوّلة، أثبتها ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (ص: 262-306)، ونشرها ابنُ قاسِم في «مجموع الفتاوى» (3/ 160-193)، والثانية مختصرة، نشرها محمد عزير شمس في «جامع المسائل» (8/ 181-199) عن مخطوطة بخطِّ ابن تيمية، ومع اختصارها ففيها ما ليس في الأولى. وهناك مُذكّرة نشرها الفيومي في «مجموعة الرسائل الكبرى» (1/ 413-421)، وابن قاسم في «مجموع الفتاوى» (3/ 194-201) في أولها أنّها بنقل البِرزالي. وكذلك فإن شقيقَه شرفَ الدين عبد الله وثَّقَ المناظرة في رسالةٍ كتبَهَا لأخيه الشيخ زين الدين عبد الرحمن، ونشرها ابن قاسم في «مجموع الفتاوى» (3/ 202-210).
([16]) قال ابن رجب: «وقال المدعي: أطلب تعزيره على ذلك التعزير البليغ، يشير إلى القتل على مذهب مالك». «ذيل طبقات الحنابلة» (4/ 512).
([17]) قال ابن كثير في خبر المجلس الثاني: «وحضر الشَّيخ صفي الدِّين الهندي، وتكلم مع الشَّيخ تقي الدِّين كلامًا كثيرًا، ولكن ساقيته لاطمت بحرًا» «البداية والنهاية» (18/ 53).
([18]) نصّ دعوى ابن عدلان أن ابن تيمية يقول: «إن الله تكلم بالقرآن بحرفٍ وصوت، وإنه تعالى على العرش بذاته، وإن الله يشار إليه الإشارة الحسية». «الدرة اليتمية في السيرة التيمية» ضمن «تكملة الجامع لسيرة ابن تيمية» (ص: 45-46).
([19]) أخرجه أحمد (8697)، وأبو داود (4840) والنسائي في «الكبرى» (10255) من طرق عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه متصلًا، قال أبو داود: «رواه يونس، وعقيل، وشعيب، وسعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا». ورجح النسائي والدارقطني إرساله. «العلل» (1391).
([20]) ذكر ابن تيمية ما جرى له على وجه مقارب جدًّا للمذكور هنا في رسالة له كتبها في حبسه. «مجموع الفتاوى» (3/ 253، 255-256)، ونحوه ذكره الذهبي في «الدرة اليتمية في السيرة التيمية» ضمن «تكملة الجامع لسيرة ابن تيمية» (ص: 45-46).
([21]) «مجموع الفتاوى» (3/ 254).
([22]) كذا في الأصل، والوجه التأنيث: (ثلاثة).
([23]) «مجموع الفتاوى» (3/ 256).
([24]) «مجموع الفتاوى» (3/ 256-257).
([25]) بعده في الأصل عبارة مقحمة وهي: «من مسائل»، وسبب إقحامها انتقال النظر.
([26]) «مجموع الفتاوى» (3/ 238-239).
([28]) يعني شيخ الإسلام بتلك المجالس الثلاثة: المجالس التي عقدت لمناظرته في الواسطية بدمشق، وقد تقدّم الحديث عنها.
([29]) قال شيخ الإسلام: «لو فُرِض أن هذا الذي حكم فيه مما يسوغ فيه الاجتهاد لم يكن له أن ينقض حكم غيره، فكيف إذا نقض حكم حكام الشام جميعهم بلا شبهة، بل بما يخالف دين المسلمين بإجماع المسلمين؟!». «مجموع الفتاوى» (3/ 269).
([30]) «مجموع الفتاوى» (3/ 240).
([31]) ذكر البرزالي في «المقتفي على الروضتين» (3/ 304) أنه في يوم (26/ 8/ 705هـ) ورد مرسومٌ سلطانيٌّ من القاهرة فيه بيان لنتيجة المجالس المعقودة بشأن العقيدة الواسطية وفيه: «إنَّا كُنَّا رسمنا بعقد مجلسٍ للشيخ تقي الدين، وقد بَلَغَنا ما عُقِد له من المجالِس، وأنَّه على مَذهبِ السَّلَف، وما قصدنا بذلك إلا براءة ساحتِه». وقال الذهبي في «الدرة اليتمية في السيرة التيمية» ضمن «تكملة الجامع لسيرة ابن تيمية» (ص: 45): «ثم وقع الاتفاق على أن هذا معتقدٌ سلفيّ جيِّد، وبعضهم قال ذلك كُرهًا»، وقضية إكراه البعض -لو صحَّت- لا تقدح في ما ذكره الشيخ، وقد بين ذلك بقوله: «ولو زعم زاعم أن حُكَّام الشام مكرهون، ففيهم من يُصرِّح بعدم الإكراه غير واحد، وهؤلاء بمصر كانوا أظهر إكراهًا لما اشتهر عند الناس أنه فعل ذلك لأجل غرض الدولة المتعلق بالملك، وأنه لولا ذلك لتكلم الحكام بأشياء، وهذا ثابت عن حكام مصر». «مجموع الفتاوى» (3/ 269).
([32]) «مجموع الفتاوى» (3/ 239).
([33]) «مجموع الفتاوى» (3/ 239).
([34]) قائل هذه الكلمة هو الشيخ إمام الدين القزويني، وقد قالها عقب ما جرى لشيخ الإسلام بسبب العقيدة الحموية سنة 699هـ. انظر: «مجموع الفتاوى» (3/ 256)، وتنسب أيضًا لأخيه جلال الدين. انظر: «العقود الدرية» لابن عبد الهادي (ص: 257).
([35]) كذا في الأصل، ولعل الصواب: (هؤلاء الحكام)، وهو يعني قضاة الشام.
([36]) في الأصل: (ىطىعون) هكذا بدون ضبط، ولعل الصواب المثبت.
([37]) كذا استظهر الأخ الشيخ مصطفى بن سعيد ايتيم هذه اللفظة، والمعنى: يجادلونه، يقال: قاوله في أمره مقاولةً مثل جادله وزنا ومعنى. ينظر: «المصباح المنير» (ص: 268).
([38]) كذا في الأصل، والوجه النصب: (جمًّا غفيرًا).
([39]) بعده في الأصل كلمة (شيء)، ولا وجه لها.
([40]) نقل شيخ الإسلام كلمة قاضي القضاة الزواوي في تزكيته كما يأتي: «ما بلغني قط أنه استتيب، ولا مُنِعَ من فُتيَا، ولا أُنزِل، ولا كذا ولا كذا، ولا ثبت عليه عندي قطُّ شيء يقدَحُ في دينه». «مجموع الفتاوى» (3/ 257).
([41]) كذا في الأصل، والوجه النصب: (حاكمًا).
([42]) وقد ذكر الشيخ شرف الدين عبد الله ابن تيمية حضوره لمجلس مناظرة الواسطية. «مجموع الفتاوى» (3/ 203).
([44]) ذكر الشيخ شرف الدين عبد الله ابن تيمية حضوره لمجلس مناظرة الواسطية. «مجموع الفتاوى» (3/ 203).
([45]) قال ابن الملقن: «كان يلقب بمختصر النووي -فيما بلغني- لكثرة ملازمته له». «عمدة المحتاج» (1/ 232).
([46]) قال شيخ الإسلام: «وقد أحضرت في الشام أكثر من خمسين كتابًا من كتب الحنفية والمالكية والشافعية وأهل الحديث، والمتكلمين والصوفية، كلُّها توافق ما قلته بألفاظه، وفي ذلك نصوص سلف الأمة وأئمتها». «مجموع الفتاوى» (3/ 217).