الاثنين - 04 ربيع الآخر 1446 هـ - 07 أكتوبر 2024 م

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم الأكل بعد طلوع الفجر وأحله بعد غروب الشمس، وهو الذي حدّد هذه التحديدات ووقَّت مواقيت الصيام والإفطار والصلوات والعبادات، وهو المتفرِّد بهذا الحقّ، ولا حقَّ في ذلك لغيره سبحانه وتعالى، وهذا من كمال توحيد الله في ربوبيته، ومن كمال توحيده في ألوهيته أن يمتثل المسلم لشرعه؛ فإذا سمع قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] امتثل وقال بقول المؤمنين: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51]، ولا يعترض ولا يقحم عقله فيما ليس من مجاله، ولا يعترض بل يعتبر بتفضيل الله سبحانه وتعالى لهذه الفريضة بأنه تولى أجر صاحبها؛ فقال في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»([1])، ويعتبر بأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه فرَض هذه العبادة على الذين من قبلنا كما فرضها علينا كما في الآية الآنفة الذكر، وهنا يتساءل الإنسان:

هل وُجِد الصيام فيما قبل الإسلام؟

وهل تشريع الصيام قبل الإسلام من أجل التقوى كما أخبر الله، أم أن لذلك معاني ومناسبات أخرى؟

وهل الصيام قبل الإسلام كمثله فيه: إمساك عن شهوتي الفرج والبطن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؟

من أجل مناقشة هذا وغيره كانت هذه الورقة؛ فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

هل وُجد الصيام عند مَن قبلنا؟

أجاب المولى الحقّ عن هذا السؤال فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه كما فرضه علينا فرضه وأوجبه على من كان قبلنا من الأمم؛ “فلهم فيه أسوة، ولتجتهد أمة محمد في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك”([2])، وبهذا يتبيَّن لنا أن الصيام من الدين العام، وهذه خصيصة من خصائص الدين الإسلامي أن أصوله الخمسة جميعها موجودة في جميع الشرائع الربانية، فالإسلام العامّ هو دين جميع أنبياء الله ورسله؛ فكل الرسل بعثوا بأصول مشتركة وأعظمها التوحيد، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، ومن ذلك موضوع حديثنا هنا وهو الصيام؛ فجميع الشرائع جاءت بفرض الصيام.

إذن؛ الله سبحانه وتعالى شرع هذه الشعيرة للأمم من قبلنا؛ فكما أنها شعيرة أساسية في الدين الإسلامي فهي كذلك في كافة الشرائع الحقّة؛ فقد كان الصوم ركنًا ركينًا وأساسًا قبل الإسلام، “مارسته شعوب الحضارات القديمة، كما نجده منتشرًا بين القبائل البدائية والمنعزلة، وظلَّ يحتلُّ ركنًا أساسيًّا في الديانات السماوية… ويستطيع الدارس للأديان -قديمها وحديثها- أن يتبين أن الصوم قديم قِدَم الظاهرة الدينية ذاتها([3]).

ولا يلزم من كون الصيام مفروضًا على جميع الأمم أنها متشابهة في مقدار الصوم أو صفته وكيفيته؛ بل الأرجح أن التشبيه في الآية إنما هو في أصل فرض الصوم ووجوبه وفي حكمه دون غيره من التفاصيل؛ فهذا ما دل عليه ظاهر الآية دون غيره من التفاصيل([4])، أضف إلى ذلك ما أخبر الله به سبحانه وتعالى مبينًا هيمنة الدين الإسلامي على ما قبله من الأديان والشرائع، واستقلال التشريع في كل دين عن الدين الآخر وإن اتفقت في الأصول العامة: كما في قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، وكما ثبت في المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد»([5]). ونفهم من هذا الحديث أن الشرائع متفقة في الأصول، فأصول الدين واحدة ولكن الشرائع مختلفة، قال النووي (676هـ) رحمه الله: “قال جمهور العلماء: معنى الحديث: أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة؛ فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف… و«ودينهم واحد» المراد به أصول التوحيد وأصل طاعة الله تعالى وإن اختلفت صفتها”([6]).

صوم من قبلنا في السنة النبوية:

لو سلّطنا الحديث على ما ورد في السنة النبوية -بعد ذاك الأصل المتين الذي تقرر في القرآن وهو فرض الصوم على عامة الأمم قبلنا- وجدنا أن بعض ما شُرع في الدين الإسلامي بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن له أصلًا في الأمم من قبلنا، ومن ذلك:

  • صيام عاشوراء: فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أننا أحق بالأنبياء وبما جاؤوا به من الحق قبلنا، وأن دين الإسلام جامع للفضائل السابقة عليه؛ ومن ذلك ما جاء في المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم»، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه([7]).

وهذا الحديث يؤيد ما ورد في الآية أولا مِن اتفاق الشرائع على مشروعية الصوم وإن اختلفت في صفته وكيفيته، ويؤكد لنا أن اليهودية على وجه الخصوص متفقة مع الإسلام على أصل تشريع الصيام، وأن اليهود ذكروا أن علة هذا الصوم هو شكرُ الله سبحانه وتعالى على أن نجاهم من العذاب المهين الذي كانوا فيه تحت اضطهاد فرعون([8])، وقد عرفت العرب الصوم مع اليهود قبل الإسلام، ووجد فيها صوم عاشوراء كما ثبت في المتفق عليه من حديث عائشة([9]).

  • صيام داود عليه السلام: فقد ورد في المتفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما، ويفطر يوما»، وفي لفظ: «وهو أعدل الصيام»، قلت: إني أطيق أفضل منه يا رسول الله، قال: «لا أفضل من ذلك»([10]).

وقد بوب الإمام البخاري بابين لبيان منزلة صوم دواد:

أولهما: “باب صوم داود عليه السلام”، وأفرد لصيامه باب: “صوم يوم وإفطار يوم”([11]).

وثانيهما: “باب: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوما”([12]).

وإنما “أفرد ترجمة صوم يوم وإفطار يوم بالذكر للتنبيه على أفضليته، وأفرد صيام داود عليه السلام بالذكر للإشارة إلى الاقتداء به” كما يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ) رحمه الله([13])، وقد دل نص الحديث على “ثبوت الأفضلية مطلقا”([14]) لصيام داود عليه السلام، وأنه لا صيام أفضل منه، بل هو أفضل الصيام.

  • أكلة السحور: عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلةُ السحَر»([15]).

والمقصود بهذا الحديث بيان إحدى العلامات الفارقة والمميزة بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، وهو السحور؛ ذلك أنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور([16])، وهذا على خلاف ما كان عليه الأمر أول الإسلام؛ ذلك أن الله فرض عليهم أول الأمر أنهم إذا ناموا أمسكوا وبدؤوا صومهم من الليل، ثم نُسخ ذلك كما في البخاري من حديث البراء رضي الله عنه، قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيِلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]، ففرحوا بها فرحا شديدا، ونزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187]([17]).

الصوم في الشرائع السابقة:

مصداقًا لما أخبر الله سبحانه وتعالى نجد الدلائل الكثيرة تقرِّر ما قرَّره؛ فالدارسون لتاريخ الحضارات القديمة يؤكدون وجود الصوم عندهم، والمتخصصون في تاريخ الأديان ومقارنتها يثبتون ويقررون ما قرره القرآن؛ حيث إن الصوم كان ولا زال عبادة وشريعة أساسية من شرائع الأمم الماضية، ولا يختلف الأمر في ذلك ما بين أمم بدائية أو منعزلة أو ذات حضارة؛ ولا بد من فهم معنى الصوم ليتضح المقصود بهذا التقرير([18]).

فالصوم العام يمكن تعريفه بأنه: التقرب إلى الله بالإمساك عن الملذات الدنيوية مدة معينة([19]).

وهو بهذا التعريف يشمل أنواع الصيام الذي وجد قبل الإسلام بدءًا ممن عرفنا من الأمم البائدة كالبابليين الذين عرفوا الصيام باسم (شيتو) وكانوا يصومون ثلاثين يومًا بالإمساك عن الطعام والشراب من شفق شروق الشمس إلى شفق غروبها، ثم يفطرون على غير اللحوم، إلى عصرنا الحاضر الذي يعتبر الصوم فيه ركنًا ركينًا في الإسلام واليهودية والنصرانية([20]).

ذلك أن من تأمل الصوم في الملل وجد تنوعًا هائلًا واختلافًا بين الصيام فيها؛ فالصوم فيها في الأصل هو للتقرب إلى الإله سواء لجلب نفع أو دفع ضر أو كسرًا لشهوة الإنسان أو استذكارًا لبعض الحوادث أو “استعدادًا للمشاركة في وجبة مقدسة”([21])، وفي بعض الأحيان كان الصوم علاجًا لمشكلة اجتماعية كالتسرع في الحكم القضائي، وأحيانًا للتخلص من مس الجن والسيطرة عليه في أحيان أخرى([22]).

وكما اختلفت في غاية الصوم تختلف الملل في وسائل الصوم ومحدداته فمنها: الإمساك عن بعض الملذات أو كلها؛ كالإمساك عن الأكل والشرب والجماع والعمل وكل ما يشعر به؛ كإشعال الأنوار وتشغيل الأجهزة والكلام وبعض وسائل الترف كلبس الأحذية الجلدية، وقد ذكر القرآن شيئًا من أنواع هذا الإمساك مما هو غير مشروع في الإسلام وهو الصوم عن الكلام، قال تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]؛ حيث كان من المعروف عن العُبّاد وأهل الفضل في بني إسرائيل الصوم بالإمساك عن الطعام والكلام حتى يمسي([23])، ومن أغرب ما في ذلك وجوب صوم الأرملة عن الكلام مدة طويلة جدًّا بعد الوفاة تبلغ سنة كاملة أحيانًا([24]).

ثم هذا الإمساك إما أن يكون نصف يوم، أو يومًا كاملًا بنهاره وليله، أو شطرًا من أحدهما([25]).

وبهذا كله نعلم أن الملل والنحل تباينت تباينًا شديدًا في كيفيات الصوم وملابساته بعد أن اتفق غالبها على فرضه؛ فمن الملل ما “فرضه مخترعوه في ظروف غير ملائمة للإنسان، ولم يكن ذلك منهم تشريعا تقرر عن ارتجال، بل كان للأسف مقصودا فرضه في هذه الأحوال عن روية وتفكير. ومن العقائد ما كان الصيام فيها بعيدا عن الشمول، فقصرت فرضه على نوع دون آخر من الناس، وقسا بعضها ففرضه على الهرم كأنه على نضرة الشباب! وأغربت أخرى فحرمت الغذاء على الإنسان مدى الحياة! وقابلتها ديانة حرمت الصوم كذلك مدى الحياة! صراع عجيب ما قصد إلى علاج الجسد، ولا هدف إلى مران الروح. ولئن دلت قسوة بعض هذه التشاريع على مقدار طاقة الإنسان في تحمل الصيام، فقد أتاحت للإنسان أن يتبين مدى رحمة الله فيما شرع من صوم في الإسلام([26]).

ومن تمام البحث في هذا الموضوع أن نقف على حقيقة الصيام عند أهل الأمم السابقة ونرى مطابقتها مع هذا الذي نقرره؛ وأهم تلك الأمم أهل الكتاب، وإن كان الراجح أن الآية عامّة لم تخصّص أهل الكتاب([27]) إلا أن أهل الكتاب اليهود والنصارى من أوائل من يدخل في هذا العموم، ومن هنا نتمّم البحث بالحديث عن الصوم في هاتين الأمّتين.

الصوم في اليهودية:

يكاد يتّفق الباحثون في الديانة اليهودية اتساع مساحة تشريع الصوم فيها؛ فليس الصوم فيها متعلقًا بتشريعٍ إلهيٍّ لعبادة الله من أجل التقوى ونحوه، بل هو مرتبط غالبًا بأحداث تاريخية([28])، فمن المعلوم أن غالب الدين اليهودي خضع لمحاولات التغيير تبعًا للأزمات التاريخية بدءًا بعصور السبي والشتات وظهور النصرانية والإسلام مما أنتج تغييرات جذرية تسببت في “تقوقع اليهودية على نفسها، وعزلتها عن طريق عدد من الأفكار العنصرية التي تسربت إليها… منها مفهوم الاختيار الإلهي لبني اسرائيل وتخصيص التوحيد، أي: جعله قصرا على اليهود، والسماح للشعوب الأخرى بعبادة آلهة أخرى، وكذلك منع التبشير باليهودية، وجعل الدخول فيها يقوم على أسس عرقية وكذلك أيضا تخصيص الخلاص أي جعله خلاصا يهوديا لا يمتد الى غير اليهود من البشر”([29]).

ومن أهم الشعائر التي اختُرعت وحوِّرت لتكون موقدة لهذه المبادئ العرقية العنصرية الصيام والحج والأعياد اليهودية بمجملها([30])؛ فالصوم والأعياد في اليهودية تكاد تكون مجرد مناسبات وذكريات تاريخية ليس إلا؛ إما مأساة فاتخذوه يوم صوم أو انتصارًا فاتخذوه عيدًا، ولا ترتبط بأيام فضل أو عبادة وتشريع إلهي غالبًا بقدر ما ترتبط بأحداث تاريخية يهودية أراد لها حاخامات اليهود أن تخلد التاريخ اليهودي وأن تجذِّر في النفس اليهودية الانتماء الديني وتحقّق في ذاتها العصبية العرقية اليهودية؛ “فأيام الصيام عند اليهود هي أيام حزن وحداد”([31])، يبكون فيها على الآلام المريرة وحوادث التاريخ الفاجعة والهزائم والخسائر الفادحة التي تعرضوا لها على مر العصور؛ فهم يصومون هذه الأيام يعبِّرون بذلك عن تألمهم لما لحقهم من أهوال ومصائب، ويربطون ذلك بانتظار الخلاص والتفريج عن الشعب اليهودي بظهور المسيح المنتظر وسيطرة الشعب اليهودي على العالم كما يعتقدون؛ وهكذا نجد أن الصوم في اليهودية فرَّغه اليهود من حقيقة استشعار الذل والخضوع لله وعبادته والافتقار إليه والالتجاء إلى حوله وقوته وما تحويه من المعاني الإيمانية الروحية إلى معاني قومية مادية؛ فربطوه بالحزن والحداد والذكريات المأساوية التي حلت بالشعب اليهودي ليس إلا، فأصبحت عبادة تشاؤمية لا غير، وضعيفة الصلة بموسى وشريعته، بل إن كثيرا منها يرجع إلى مناسبات وذكريات تاريخها متأخر عن موسى -عليه السلام- بكثير([32]).

وإنما كان التعبير بكونها غالب الأيام وأنها ضعيفة الصلة بموسى -عليه السلام- وشريعته؛ لأن ثمة صومًا واحدًا فقط يزعمون أنه مذكور في أسفار موسى الخمسة الموجودة في توراة اليهود اليوم، وهو صوم يوم كيبور الذي سنعرِّج عليه بعد أن نؤكد بالأمثلة ما تقرَّر أولًا؛ فبالمثال يتضح المقال:

  1. إذا ما أردنا سبر التاريخ اليهودي وتطلَّعنا لأكبر فاجعة تاريخية حصلت لهم على مر العصور تجلَّت لنا مصيبة السبي البابلي الذي تعرَّض له اليهود في اليوم التاسع من آب([33]) بحسب زعمهم -وهي مصيبة محورية فاصلة فصلت تاريخ اليهود بل ودينهم وافترق ما بعده عما قبله- وقد اتخذه اليهود يوم صوم وحزن وحداد ويوم حقد ونقمة على البشرية جمعاء؛ يقول الدكتور حسن ظاظا: “فاليوم التاسع من شهر آب اليهودي هو أيضًا فرصة لإيقاد نار الكره للبشر جميعًا وصبّ اللعنات… جعلوا منه ذكرى مزدوجة لأحزان وأشجان عظيمة. فهم يقولون: إنه في ذلك اليوم اقتحم بختنصر الكلداني في القرن السادس قبل الميلاد مدينة أورشليم، وأحرقها ودمر هيكل سليمان، وساق اليهود إلى المنفى في أرض بابل وهم أذلة منهزمون مستعبَدون. وقالوا: إنه في ذلك اليوم نفسه من سنة ۷۰ ميلادية اقتحم الروماني تيتوس الهيكل الثاني الذي أقامه عزرا ونحميا ودمّره، وشرّد اليهود من جديد؛ لذلك يعلِنون الحِداد والصوم في هذا اليوم، ويقفون بحائط المبكى يذرفون الدموع؛ لأنهم لم يثأروا ممن ضربوهم وشردوهم، ويجعلون صلواتهم في ذلك اليوم فيضانا من البغضاء والمرارة والكراهية لسائر الناس، ويستمر ذلك حتى الآن”([34]).
  2. صوم اليوم الرابع من تشري، وقد فُرض إحياء لذكرى قتل جداليا بن أحيقام، وكان آخر من تولى من اليهود في القدس؛ حيث كان واليا عليها تحت حكم بختنصر البابلي على من بقي من اليهود في فلسطين بعد السبي([35]).
  3. صوم اليوم السابع عشر من تموز، وقد فُرض إحياء لذكرى بداية مهاجمة الرومان لأورشليم على يد تيتوس وإبادته لها عام 70م، وكذلك ذكرى تحطيم ألواح التوراة وإبطال القربان اليومي صباحًا ومساء، وإحراق التوراة على يد القائد الروماني المدعو بوستهوموس وغيرها من الحوادث والفواجع الأليمة التي يتخذها اليهود أيام حداد([36]).

يقول المسيري: “ثمة أيام صوم عديدة أخرى مرتبطة بأحزان جماعة يسرائيل وردت في كتب العهد القديم الأخرى. ومعظم هذه الأيام مناسبات قومية ومن أهمها التاسع من آب، يوم هدم الهيكل (خراب الهيكل في المُصطلَح الديني) الأول والثاني، والسابع عشر من تموز الذي يصوم فيه اليهود بسبب مجموعة من الكوارث القومية وردت في التلمود، فهو اليوم الذي حطم فيه موسى لوحي الشريعة، وهو اليوم الذي نجح فيه تيتوس في تحطيم حوائط القدس، ودخل فيه نبوختنصر إلى المدينة، وحرق فيه الجنرال السوري إتسونيوموس لفائف الشريعة، وأقام فيه بعض الحاخامات أوثاناً على جبل صهيون. كما يصوم اليهود العاشر من طيبت، وهو اليوم الذي بدأ فيه نبوختنصر حصار القدس. ويصومون كذلك الثالث من تشري، وهو ما يُعرَف باسم «تسوم جداليا» لإحياء ذكرى حاكم فلسطين الذي ذُبح بعد هدم الهيكل”([37]).

ومع أن غالب أيام الصيام هي مجرد فواجع وأحزان تاريخية يهودية يعلنون عليها الحداد، إلا أنه وجد ما شذ عن هذه القاعدة؛ فأهم أيام الصيام عند اليهود هو صوم يوم (كيبور) كما يسمى بالعبرية، ويطلق عليه بالعربية يوم الغفران، ويذكر اليهود أنه يعود إلى أيام موسى، ويعتقدون أنه مفروض بفقرة من فقرات التوراة وهي ما جاء في سفر اللاويين: “ويكون لكم فريضة دهرية أنكم في الشهر السابع في عاشر الشهر تذللون نفوسكم”([38])، وأصلها العبري كان يقصد به الصيام، “واستخدم في نصوص العهد القديم كمصطلح للدلالة عليه”([39])؛ هم يفسرون هذا الإذلال بالصيام، ويعتقدون أنه يعود إلى ذكرى نزول موسى عليه السلام من سيناء للمرة الثانية ومعه لوحا التوراة؛ وبشرهم بمغفرة الله لهم على أشنع خطاياهم التي ارتكبوها وهو الإشراك بالله بعبادة العجل.

واليهود يصومون هذا اليوم كله، وكذلك يوم التاسع من آب؛ لأنهما يعتبران من أهم أيام الصيام؛ فمدة صيامهم أكثر من يوم كامل؛ يبدأ الصوم قبيل غروب شمس يوم التاسع من تشري إلى ما بعد غروبها في اليوم التالي قريبا من خمس وعشرين ساعة، وقيل: سبع وعشرين ساعة، وهذا على عكس مدة الصيام في الأصل حيث يبدأ وقته من الشروق إلى ظهور أول نجوم الليل([40]).

ثم الصوم في اليهودية ليس نوعًا واحدًا من حيث الإمساك، بل هناك أنواع كثيرة؛ فمنها الإمساك عن الكلام، ومنها الإمساك عن نوع من أنواع المفطرات كالأكل والشرب والجماع والتنظف والاغتسال وارتداء الأحذية الجلدية والتطيب والترجُّل والادّهان، أو عن جميع ذلك كما يحصل في صيام يوم كيبور وصيام اليوم التاسع من آب، فهما صيامان متميزان عن غيرهما في اليهودية([41]).

وإذا كان الأمر كذلك نتج هذا السؤال: هل يوم كيبور هو يوم عاشوراء؟

سبق الحديث عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟»، فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم»، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه([42]).

وهذا الحديث يثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد اليهود يعظّمون يوم عاشوراء، ولعله هو يوم كيبور لما يأتي:

  • أنه اليوم العاشر من الشهر الأول من التقويم اليهودي، فهو عاشوراء اليهود.
  • أنه الصوم الوحيد الذي ينسبه اليهود إلى موسى.
  • أنه الصوم الوحيد المعتمد على نص من التوراة كما يعتقد اليهود.
  • أنه من أيام الصيام القلائل التي يصومها اليهود شكرًا على نعمة بحسب اعتقاد اليهود، على عكس عامة أنواع الصيام عندهم فهي أيام حداد.
  • أنه أحد الصيامَين المتفقين مع ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم من صفة صيامهم؛ حيث كان المسلمون أول الأمر يصومون مثل صيامهم من العتمة إلى العتمة([43])، ثم نسخ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر»([44]).

ومهما يكن من أمر فإنها ليست بالخلاف المثمر المنتج عملًا، كما أنه ثبت بالبرهان القاطع -وهو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم- كونُ اليهود كانوا يصومونه، فصامه صلى الله عليه وسلم شكرًا لله على أن نجى موسى عليه السلام.

وبكل ما سبق يتبين لنا أن أصل فرض الصوم الذي أخبر الله به حق ثابت وموجود في اليهودية، ويعتبر حتى يوم الناس هذا من أهم تشريعاتهم، وإن كان اليهود قد أحدثوا بعد موسى وبدلوا وزادوا ونقصوا كثيرًا في تفاصيل تشريعه، وتأثروا بالأمم الوثنية التي جاوروها، فأصبح عامة أنواع الصوم عندهم لا تمت إلى موسى بصلة، ولا ترتبط به بمتن شاذ فضلًا عن سند متصل، وكان لا بد من هذا التنبيه حتى لا يُخيَّل إلى أحد أن كون الصوم محدَثًا موضوعًا من أحبار اليهود أنه دليل على كونه عبادة وثنية لا أصل لها في الوحي الحق المبين.

الصوم في النصرانية:

لقد أخبرنا المولى سبحانه في كتابه الحق أن الصيام فُرض على الأمم من قبلنا كما فُرض علينا، وأخص تلك الأمم اليهودية التي رأينا بوضوح فرضية الصوم فيها، ولا شك أن النصرانية لم تأت بشريعة جديدة ناسخة لليهودية، وإنما جاءت بشريعة مكملة لها مقومة لانحرافاتها، ومن هنا فإن أصل تشريع الصيام ثابت فيها؛ ولذا نجد القساوسة يقررون الصوم بما في (التوراة) العهد القديم([45]) إلى جانب العهد الجديد، وقد ورد ذكر صوم المسيح ومدح الصوم فيها في بعض الأناجيل ومنها:

  • روايته عن المسيح أنه صام أربعين يومًا، ونصه: “فبعد ما صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة جاع أخيرًا”([46]).
  • الحث على الإخلاص في الصوم والتخلق بالأخلاق الحسنة مخالفة لما كان عليه اليهود، ونصه: “ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين؛ فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين، الحق أقول لكم: إنهم استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائمًا”([47]).

وبهذا يتضح لنا أن الصوم وأهميته وكونه من أجل الصالحات واضح في الكتاب المقدس عند النصارى، ويتضح لنا صدق ما أخبر الله به من أنه قد فرض على الأمم كلهم، فإنه وإن كان نص الفرض ليس موجودًا في الكتاب المقدس الذي بأيدي النصارى اليوم، إلا أن أصل الصوم موجود، وتكلم المسيح عن الصيام، وقام به بنفسه، وكذلك القساوسة في الكنائس إنما استمدوا ما شرعوه وما فرعوا عليه من الأحكام بسبب ما وقفوا عليه من وجود أصل الصوم في الأنبياء كلهم؛ ولذا اعتبروه فرضا إلهيا مقدسا، واعترفوا بأنه أقدم وصية إلهية عرفتها البشرية، وأنه ركن أساس من أركان العبادة في دينهم، وحكموا على من ترك الصوم بالخروج من الدين([48]).

ويعرِّف النصارى صيامهم بأنه: “الانقطاع عن الطعام فترة من الزمن، يأكل بعدها الصائم طعامًا خاليًا من الدسم الحيواني”([49]). ومن الملاحظ على هذا التعريف خلوه من تحديد مدة الصوم؛ ذلك أن النصرانية كما جعلت أصل تشريع الصوم للكنيسة تركت أيضًا أمر تحديد وقت الصيام للقساوسة (أب الاعتراف)؛ فهو من يحدد ذلك بحسب حال الشخص، وقد تزيد مدة الصيام في حق من يستحق ذلك كصاحب الإجرام مثلًا([50]).

ويتساءل جمعٌ من الباحثين: أكان هذا الصوم تأثّرًا بالديانات الهندية المؤمنة بالتناسخ والتي تحرِّم اللحم ومشتقات الحيوان؛ لأنها تعتبرها لحوم إخوتها من البشر ممن قلَبهم التناسخ إلى حيوانات، أم أن هذا النوع من الصيام له مصدر آخر؟! لأن هذا الصيام لا أصل له في كتابهم المقدس، لا (التوراة) العهد القديم ولا (الإنجيل) العهد الجديد، وإنما يعتمدون على نصوص عامة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تتقوى لتشرِّع تفاصيل أحكام الصيام([51]).

ومما لا بد منه في فاتحة هذا المبحث التأكيد على عدة أمور:

أولا: الصوم في النصرانية يختلف عند كل طائفة عن الأخرى؛ ذلك أنهم لا يعتمدون في تشريع الصوم على نصوص كتابهم المقدس؛ إذ لا يوجد الأمر به صراحة في العهد الجديد، بل فيه مدحه وذكر أن المسيح صامه فقط.

ثانيًا: يعتبر الصوم عندهم شريعة كنسية تكيِّفها الكنيسة حسب مقتضيات الزمان والمكان؛ أي: يشرِّع صفتها وكيفياتها رجال الكنيسة، وليست (التوراة) العهد القديم ولا (الإنجيل) العهد الجديد الذي بين أيديهم؛ فنتج عن ذلك اختلاف الصوم عند كل طائفة، فلئن كان أكبر إشكاليات الصيام في اليهودية أنه شُرع غالبًا حِدادًا على فواجع ومصائب، فإن من أكبر إشكالياته في النصرانية أنه مرتبط ببابواتهم الذين يمتلكون حق التشريع في دينهم، وبهذا تمايز تشريع كل طائفة عن الأخرى، بل إنه ليس ثمة صوم لازم على جميع النصارى، وإنما يختلف حال كل فرد بحسب إرشاد القس (أب الاعتراف)، وللقساوسة إعفاء من شاؤوا من الصيام بحسب ما تقتضيه المصلحة([52])، وبسبب هذه النقطة لا يلتزم البروتستانت بأي نوع معين من الصيام، وإنما يصوم كل فرد بحسب ما يناسبه ويحتاجه، ولا يعترفون بسلطة الكنيسة كما هو معلوم.

ثالثًا: لا يمتنعون في غالب صيامهم سوى عن الأكل والشرب وحسب.

وبعد هذه التنبيهات ننتقل إلى بيان أهم أنواع الصوم عندهم.

أنواع الصوم في النصرانية:

لقد تنطَّعت الكنيسة الأرثوذكسية في تشريع الصيام تنطُّعًا شديدًا حتى جعلت أغلب أيام العام أيام صيام؛ فعدد أيام الصيام عندهم (266) يومًا في السنة، وهذا على عكس الكاثوليك الذين اقتصروا على الإلزام بالصوم الكبير دون غيره، ومن أهم أنواع الصيام عندهم([53]):

  • أهم أيام الصيام التي شرعتها الكنيسة الأرثوذكسية الصوم الكبير، ويسمى: الصوم المقدس، “وله المكانة الأولى؛ لأن الكنيسة تمارسه تذكارًا لصوم المخلص الذي صامه، وتذكرًا لمراحم الرب الذي أفاضها”([54])، وهم يتفقون في هذا الصوم مع الكاثوليك، والأرجح أن مدته خمس وخمسون يومًا قبل عيد القيامة، ولم تُحدّد بدايته لأنهم أيضا لا يستطيعون تحديد تاريخ بدايته؛ لأن النسيء يحول دون ذلك، ولأنهم يوجبون ابتداءه بيوم الاثنين من أيام الأسبوع، ويكون تحديده بأقرب يوم اثنين إلى الاجتماع الكائن فيما بين اليوم الثاني من (شباط – فبراير) إلى اليوم الثامن من (آذار – مارس) فأي يوم اثنين أقرب إليه فهو رأس ذلك الصوم، ولهم طريقة فلكية معينة في حسابها.
  • صوم الأربعين يومًا، وهي أيام صامها المسيح، ويبدو أن الكنيسة رأت فيما بعد أن تزيد عليهم أيام الصيام، فشرعت صيام أسبوع قبله؛ كي يستعدوا ويسمى: أسبوع الاستعداد، ثم شرعوا صيام أسبوع بعده يسمّى: أسبوع الآلام.
  • صوم الميلاد، ويصومون فيه أيضًا أربعين يومًا قبل عيد ميلاد المسيح، من باب استذكار رحمة الله بالجنس البشري بميلاده، وتاريخه تحديدًا من 25 نوفمبر حتى يوم 6 يناير.
  • صوم العنصرة ويسمى: صوم الرسل؛ ذلك أن الكنيسة بدأت تشريعه وممارسته منذ عصر الرسل، وليس ثمة ضابط ثابت لهذا الصوم من حيث عدد الأيام ولا من حيث ابتداء صيامه؛ وإنما يرتبط أمره بعيد (أحد العنصرة)؛ فإذا وقع مبكرًا زادت أيام الصوم بعكس ما لو تأخر فتقل عدد الأيام، وتنتهي تقريبًا في اليوم الحادي عشر من يوليو.
  • صوم العذراء، ومدته خمسة عشر يومًا، ابتداء في أول مسرى، وآخره عيد انتقال العذراء، ويعلل النصارى لهذا الصوم بأنه ذكرى للسيدة العذراء، وقيل: إنها باشرت هذا الصوم أولًا وعنه أخذت الكنيسة.
  • صوم أهل نينوى، وهم يقولون بأنه تشبُّهٌ بأهل نينوى الذين صاموا حين أنذرهم الله بخراب مدينتهم، وجعلوا مدته ثلاثة أيام تشبيها بالأيام الثلاثة التي قضاها يونس النبي عليه السلام ببطن الحوت.
  • صوم يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع، ويعللون ذلك بأن يوم الأربعاء كانت المؤامرة لصلب المسيح، ويوم الجمعة حصل صلب المسيح، فشرعوا صيامه.

ختامًا:

في نهاية هذا المقال يتبين لنا قول الحق سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، فالصيام فريضة فرضها الله سبحانه علينا وعلى الأمم من قبلنا، والأرجح أنّ التشبيه إنما هو في أصل وجوب الصوم وفرضيته، وهو الواقع في الأمم التي قبل الإسلام حتى يوم الناس هذا، فهو “تشبيه في أصل فرض ماهية الصوم لا في الكيفيات”([55])، وهذا يدفعنا إلى أمور مهمة منها:

  • ضرورة الاهتمام بهذه العبادة الجليلة واستشعار عظمتها والاعتبار بحكمها.
  • استنهاض همم المسلمين لتجشم مصاعب الصيام ومسابقة غيرهم من الأمم.
  • التسهيل على نفوس المسلمين حين تعلم أن الأمم كلها تصوم وفرض عليهم الصيام كما فرض هو عليه الصيام([56]).

وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) أخرجه البخاري (5927)، ومسلم (1151).

([2]) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (1/ 497) بتصرف يسير، وينظر: جامع البيان، الطبري (3/ 410)، معالم التنزيل، البغوي (1/ 195)، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (2/ 274).

([3]) الصوم في اليهودية، محمد الهواري، دار الهاني للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1408هـ-1988م (المقدمة حرف: و، وهي مرقمة بالحروف).

([4]) اختلف السلف في وجه التشبيه في الآية هل هو في الحكم فقط، أم في الميقات، أم في كيفية الإمساك ووقته وغير ذلك، والخلاف في المسألة يسير؛ إذ لا ترتبط بأصل علمي أو عملي. ينظر: جامع البيان، الطبري (3/ 410 وما بعدها)، معالم التنزيل، البغوي (1/ 195 وما بعدها)، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (2/ 274 وما بعدها)، أحكام القرآن، ابن العربي (1/ 86 وما بعدها)، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (1/ 497)، ومن المقالات التي وقفت عليها وناقشت هذا الخلاف: الصيام في الأمم السابقة، محمد إبراهيم الشريف، وهو منشور في موقع الألوكة.

([5]) متفق عليه، أخرجه البخاري (3443)، ومسلم (2365).

([6]) المنهاج (15/ 119). وينظر: فتح الباري لابن حجر (6/ 489).

([7]) متفق عليه، أخرجه البخاري (4108)، ومسلم (1130).

([8]) ينظر: فتح الباري لابن حجر (4/ 247).

([9]) متفق عليه، أخرجه البخاري (2002)، ومسلم (1125). وينظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور (2/ 155).

([10]) متفق عليه، أخرجه البخاري (3418)، ومسلم (1159).

([11]) صحيح البخاري (3/ 40).

([12]) صحيح البخاري (4/ 160).

([13]) فتح الباري، ابن حجر (4/ 225).

([14]) فتح الباري، ابن حجر (4/ 221).

([15]) أخرجه مسلم (1159).

([16]) ينظر: شرح النووي على مسلم (7/ 207).

([17]) صحيح البخاري (1915).

([18]) ينظر: العبادات في الأديان السماوية، عبد الرزاق الموحى، الأوائل للنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى 2001م (ص: 100)، الصوم في اليهودية، محمد الهواري (المقدمة حرف: و، وهي مرقمة بالحروف)، العبادة في الديانة اليهودية، عبد الله بن ناصر القحطاني، رسالة دكتوراه بقسم العقيدة بجامعة أم القرى، غير مطبوعة (ص: 324).

([19]) هذا هو التعريف المقترح للصوم العام بعد التأمل في الصيام في الملل؛ وقد وُجدت تعريفات كثيرة للصوم لكن كثيرا منها اختصَّ بدين من الأديان أو قصر على الجانب الروحي دون الجسدي أو العكس، ومنها:

  1. “الامتناع كليًّا عن الطعام والشراب يومًا واحدًا”، وهو تعريف موسوعة الكتاب المقدس، مجموعة من الباحثين، دار منهل الحياة، بيروت، الطبعة الأولى 1993م (ص: 202). والتركيز فيه على الجانب الحسي، مع ما فيه من ميل إلى تحديد الصيام بما في اليهودية وتحديدا صوم يوم الغفران.
  2. “الإمساك عن الطعام أو مدته” وهو تعريف قاموس الكتاب المقدس، نخبة من الأساتذة المتخصصين واللاهوتيين بإشراف بطرس عبد الملك، دار مكتبة العائلة، القاهرة، الطبعة الرابعة عشرة 2005م (ص: 562).
  3. “تعذيب النفس الإنسانية -سواء للفرد أو الجماعة- كي يستذل كبرياءه ويطلب الرحمة من الرب ويقصد بالصوم الامتناع عن الطعام والشراب”، وهو تعريف موسوعة المصطلحات الدينية، رشاد الشامي (ص: 256)، وتصويره بكونه تعذيبا للنفس فيه ما فيه، بالإضافة إلى أن تقييده بالامتناع عن الطعام والشراب يخرج منه ما فيه الامتناع عن بعضهما ولا يكفي لأن الإمساك يكون عن الجماع وعن بعض الملذات الأخرى في بعض الأديان.
  4. “اسم لترك جميع الأكل وجميع الشرب وقربان النساء مدة مقدرة بالشرع بنية الامتثال لأمر الله أو لقصد التقرب بنذر للتقرب إلى الله”، وهو تعريف التحرير والتنوير، ابن عاشور (2/ 154)، ومثله: “الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية”، وهو تعريف صاحب كتاب الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 2)، وواضح هنا أن تعريفهما للصوم هو بما عند المسلمين؛ فتقييد الوقت ونوع الإمساك لا يتناسب مع الشرائع الأخرى، وهناك تعريفات أخرى كثيرة، وأكثرها يعرّف بما في ملة من الملل دون غيره. وينظر: الصيام من البداية حتى الإسلام، علي الخطيب، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الأولى 1400هـ-1980م (ص: 9).

([20]) ينظر: العبادات في الأديان السماوية، عبد الرزاق الموحى (ص: 28).

([21]) الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 3).

([22]) ينظر: الصيام من البداية حتى الإسلام، علي الخطيب (ص: 59).

([23]) ينظر: جامع البيان، الطبري (18/ 184)، تفسير حدائق الروح والريحان، محمد الهرري، دار طوق النجاة، بيروت، الطبعة الأولى، 1421هـ-2001م (17/ 113). ويرى ابن عاشور أن الأصل في معنى الصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب فقط دون غيرهما، يقول: “وأما إطلاق الصوم على ترك الكلام… فليس إطلاقا للصوم على ترك الكلام ولكن المراد أن الصوم كان يتبعه ترك الكلام على وجه الكمال والفضل” التحرير والتنوير (2/ 155). وهذا خلاف ما يقرره غيره من المفسرين والباحثين. ينظر: الصيام من البداية حتى الإسلام، علي الخطيب (ص: 134 وما بعدها)، الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 10).

([24]) ينظر: الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 10).

([25]) وقد ذكر بعض المفسرين تفاصيل الصيام وأنواعه الموجودة في الأمم السابقة، ينظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور (2/ 157).

([26]) الصيام من البداية حتى الإسلام، علي الخطيب (ص: 10).

([27]) وفي المسألة خلاف بين المفسرين، ينظر: جامع البيان، الطبري (3/ 410 وما بعدها)، معالم التنزيل، البغوي (1/ 195 وما بعدها)، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (2/ 274 وما بعدها)، أحكام القرآن، ابن العربي (ط التراث) (1/ 86 وما بعدها)، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (1/ 497).

([28]) ينظر: العبادات في الأديان السماوية، عبد الرزاق الموحى (ص: 100)، الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 13)، العبادة في الديانة اليهودية، عبد الله بن ناصر القحطاني -رسالة دكتوراه غير مطبوعة- (ص: 324).

([29]) علاقة الإسلام باليهودية – رؤية إسلامية في مصادر التوراة الحالية،  محمد خليفة حسن، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1408هـ 1988م، القاهرة – مصر، الطبعة الأولى (١٢ وما بعدها).

([30]) يورد التلمود المناسبات الدينية جميعها تحت قسم (مُوعِد) بمعنى: الأعياد في التلمود، وهو القسم الثاني من أقسامه أو السدر الثاني من سدوره، ومن اعتمد على هذا الترتيب التلمودي غالبًا ما يذكر الأعياد والصيام والحج معًا متداخلًا بحسب التواريخ والمناسبة؛ ومن هنا دمج كثير من دارسي اليهودية هذه الشرائع تحت مبحث واحد، وغالبًا ما تسمى: الأعياد الدينية، وهو ما يحتاج القارئ المسلم إلى التنبه له حيث تنفصل تلك الشرائع عن بعضهما في دينه وشرعه، فيجعله يضرب صفحًا عن مبحث الأعياد الدينية وهو يبحث عن الصيام أو الحج مثلا مع أنه هو محله وأهم مظانه.

([31]) الفكر الديني اليهودي، حسن ظاظا (ص: 202).

([32]) ينظر: موسوعة اليهود واليهودية، المسيري (5/ 261)، مقال: عن الصيام في سابق الاديان، حسن ظاظا، الفيصل (ع:٢٠٧/ص:5).

([33]) وهو من أشهر التقويم العبري، وأشهر التقويم العبري يؤكد بعض الباحثين أن أسماءها مستعارة من الأمم الأخرى؛ كالحضارة البابلية، وبعضها أسماء للنجوم أو منازلها، ينظر: مقال: اليهود وحساب الزمن، ظاظا، الفيصل (ع:211/ص:9).

([34]) مقال: الدولة الصهيونية والتعصب العنصري، حسن ظاظا، وهو مطبوع ضمن كتاب أبحاث في الفكر اليهودي (ص: 105-106) بتصرف يسير، وينظر: مقال: عن الصيام في سابق الاديان، ظاظا، الفيصل (ع:٢٠٧/ص:٨)، مقال: الضحك اليهودي، حسن ظاظا، الفيصل (ع: 243/ ص: 19)، ومقال: القدس (أورشليم) في التلمود، حسن ظاظا، الفيصل (ع: ٢٤١/ ص: 22).

([35]) ينظر: موسوعة اليهود واليهودية، المسيري (5/214)، العبادات في الأديان السماوية، عبد الرزاق الموحى (ص: 104)، الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 46)، مقال: عن الصيام في سابق الاديان، ظاظا، الفيصل (ع:٢٠٧/ص:7)، العبادة في الديانة اليهودية، عبد الله بن ناصر القحطاني -رسالة دكتوراه غير مطبوعة- (ص: 331).

([36]) ينظر: موسوعة اليهود واليهودية، المسيري (5/214)، العبادات في الأديان السماوية، عبد الرزاق الموحى (ص: 104)، الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 47)، مقال: عن الصيام في سابق الاديان، ظاظا، الفيصل (ع:٢٠٧/ص:7)، العبادة في الديانة اليهودية، عبد الله بن ناصر القحطاني -رسالة دكتوراه غير مطبوعة- (ص: 331).

([37]) موسوعة اليهود واليهودية، المسيري (5/214).

([38]) لا: (16: 29)، وينظر: لا: (23: 27).

([39]) الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 5).

([40]) ينظر: الفكر الديني اليهودي، حسن ظاظا (ص: 202)، العبادات في الأديان السماوية، عبد الرزاق الموحى (ص: 102)، الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 31، 44)، العبادة في الديانة اليهودية، عبد الله بن ناصر القحطاني -رسالة دكتوراه غير مطبوعة- (ص: 328)، الصيام من البداية حتى الإسلام، علي الخطيب (ص: 59، 119).

([41]) ينظر: العبادات في الأديان السماوية، عبد الرزاق الموحى (ص: 107)، الصوم في اليهودية، محمد الهواري (ص: 32، 39)، العبادة في الديانة اليهودية، عبد الله بن ناصر القحطاني -رسالة دكتوراه غير مطبوعة- (ص: 327).

([42]) متفق عليه، أخرجه البخاري (4108)، ومسلم (1130).

([43]) أخرجه البخاري (1915).

([44]) أخرجه مسلم (1159).

([45]) ينظر: الصوم في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، القس شنودة حنا، مكتبة مدارس أحد كنيسة السيدة العذراء، محرم بك إسكندرية، بدون رقم الطبعة، عام 1963م (ص: 27)، ومن أهم النصوص: خر: (34: 28)، تث: (9: 9، 18)، قض: (20: 26)، صم2: (12: 16، 21)، مل1: (19: 8).

([46]) مت: (4: 2)، وينظر: لو: (4: 2).

([47]) مت: (6: 16-18).

([48]) ينظر: اللاهوت المقارن، البابا شنودة الثالث، مطبعة الأنبا رويس (الأوفست) بالعباسية، القاهرة، الطبعة الخامسة 1996م (ص: 109 وما بعدها)، أرثوذكسيتي تراث وعقيدة وحياة، القمص متى مرجان، هارموني للطباعة، بدون رقم الطبعة، عام 2004م، (1/ 110 وما بعدها)، كنيستي الأرثوذكسية ما أجملك، القس بيشوي حلمي، دار نوبار للطباعة، الطبعة الأولى، 2002م (1/ 254).

([49]) الصوم في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، القس شنودة حنا (ص: 7).

([50]) ينظر: الصوم في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، القس شنودة حنا (ص: 7).

([51]) ينظر: الصيام من البداية حتى الإسلام، علي الخطيب (ص: 128 وما بعدها).

([52]) ينظر: الصوم في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، القس شنودة حنا (ص: 7).

([53]) ينظر: الصوم في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، القس شنودة حنا (ص: 21 وما بعدها)، أرثوذكسيتي تراث وعقيدة وحياة، القمص متى مرجان (1/ 111 وما بعدها)، الصيام من البداية حتى الإسلام، علي الخطيب (ص: 157 وما بعدها)، العبادات في الأديان السماوية، عبد الرزاق الموحى (ص: 188 وما بعدها).

([54]) الصوم في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، القس شنودة حنا (ص: 21).

([55]) التحرير والتنوير لابن عاشور (2/ 156).

([56]) ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (2/ 156 وما بعدها).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

آثار الحداثة على العقيدة والأخلاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الفكر الحداثي مذهبٌ غربيّ معاصر دخيل على الإسلام، والحداثة تعني: (محاولة الإنسان المعاصر رفض النَّمطِ الحضاري القائم، والنظامِ المعرفي الموروث، واستبدال نمطٍ جديد مُعَلْمَن تصوغه حصيلةٌ من المذاهب والفلسفات الأوروبية المادية الحديثة به على كافة الأصعدة؛ الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية…)([1]). ومما جاء أيضا في تعريفه: (محاولة […]

الإيمان بالغيب عاصم من وحل المادية (أهمية الإيمان بالغيب في العصر المادي)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعيش إنسان اليوم بين أحد رجلين: رجل تغمره الطمأنينة واليقين، ورجل ترهقه الحيرة والقلق والشكّ؛ نعم هذا هو الحال، ولا يكاد يخرج عن هذا أحد؛ فالأول هو الذي آمن بالغيب وآمن بالله ربا؛ فعرف الحقائق الوجوديّة الكبرى، وأدرك من أين جاء؟ ومن أوجده؟ ولماذا؟ وإلى أين المنتهى؟ بينما […]

مناقشة دعوى الإجماع على منع الخروج عن المذاهب الأربعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن طريقة التعامل مع اختلاف أهل العلم بَيَّنَها الله تعالى بقوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ […]

بدعية المولد .. بين الصوفية والوهابية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الأمور المقرَّرة في دين الإسلام أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإنَّ الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل في العبادات المنع والتوقيف. عَنْ عَلِيٍّ […]

الخرافات وأبواب الابتداع 

[ليس معقولاً، لا نقلاً، ولا عقلاً، إطلاق لفظ «السُّنَّة» على كل شيء لم يذكر فيه نص صريح من القرآن أو السنة، أو سار عليه إجماع الأمة كلها، في مشارق الأرض ومغاربها]. ومصيبة كبرى أن تستمر التهم المعلبة،كوهابي ، وأحد النابتة ، وضال، ومنحرف، ومبتدع وما هو أشنع من ذلك، على كل من ينادي بالتزام سنة […]

ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي

‏‏للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي([1]) اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور علي بن محمد بن ناصر آل حامض الفقيهي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدا بقرية المنجارة التابعة لمحافظة أحد المسارحة، إحدى محافظات منطقة جيزان، عام 1354هـ. نشأته العلمية: نشأ الشيخ في مدينة جيزان […]

مناقشة دعوَى أنّ مشركِي العرب جحدوا الربوبية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اعتَمَد بعضُ الأشاعرةِ في العصور الحديثةِ على مخالفة البدهيات الشرعية، وتوصَّلوا إلى نتائج لم يقل بها سلفُهم من علماء الأشعرية؛ وذلك لأنهم لما نظروا في أدلة ابن تيمية ومنطلقاته الفكرية وعرفوا قوتها وصلابتها، وأن طرد هذه الأصول والتزامَها تهدم ما لديهم من بدعٍ، لم يكن هناك بُدّ من […]

حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية في الإسلام

  إنَّ حريةَ الاعتقاد في الإسلام تميَّزت بتفاصيل كثيرة واضحة، وهي تعني أن كلَّ شخص حرّ في اختيار ما يؤمن به وما يدين به، ولا يجب على أحدٍ أن يُكرهَه على اعتقاده، كما تعني الاحترامَ لحرية الآخرين في اختياراتهم الدينية والمعتقدات الشخصية. موقفُ الإسلام من الحرية الدينية: الأصلُ عدمُ الإجبار على الإسلام، ولا يُكره أحد […]

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

  في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال. […]

الفكر الغنوصي في “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي وموقف فقهاء ومتصوفة الغرب الإسلامي منه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم لا تخفى المكانة التي حظي بها كتاب إحياء علوم الدين عند المتصوفة في المغرب والأندلس، فكتب التراجم والمناقب المتصوفة المغربية المشهورة، شاهدة على حضور معرفي مؤثر ظاهر لهذا الكتاب في تشكيل العقل المتصوف وتوجيه ممارسته، وأول ما يثير الانتباه فيه، هو التأكيد على الأثر المشرقي […]

لماذا أحرق أبو بكر وعمر الأحاديث؟

تمهيد: يلتفُّ بعض فرق المبتدعة حول الحداثيين والعلمانيين، ويلتفُّ العلمانيون ومن نحى نحوهم حول هذه الفرق، ويتقاطع معهم منكرو السنَّة ليجتمعوا كلّهم ضدَّ منهج أهل السنة والجماعة في تثبيت حجية السنة والأخذ بها والعمل بها والذبِّ عنها. وبالرغم من أنّ دوافع هذه الفرق والطوائف قد تختلف، إلا أنها تأخذ من بعضها البعض حتى يطعنوا في […]

هل كان ابن فيروز وغيره أعلم من ابن عبد الوهاب بمنهج ابن تيمية؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يعتمد المخالفون على أن مناوئي الدعوة -من الحنابلة- كانوا معظِّمين لابن تيمية وابن القيم، بل وينتسبون إليهم أيضًا؛ كابن فيروز وابن داود وابن جرجيس، ويعتبرون ذلك دليلًا كافيًا على كونهم على مذهب ابن تيمية، وعلى كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعيدًا عن منهج الشيخين ابن تيمية وابن القيم. […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017