الخميس - 19 جمادى الأول 1446 هـ - 21 نوفمبر 2024 م

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

مقدّمة المعلِّق

في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها تُطلِعنا على شيء من ثمار المنهج السلفيِّ الذي اختاره قادة المغرب قديمًا، وأدَّى في النهاية إلى رحيل كِلا الدولتين عن الأراضي المغربية.

ونحن هنا نقدِّم بترجمة الشيخ علّال، وهي ترجمة مختصرة لا تُغني عن البحث في سيرته.

فهو علَّال بن عبد الواحد بن عبد السلام بن علّال الفاسي، ولد في مدينة فاس سنة 1328هـ، ونشأ في بيت علمٍ ودينٍ، حيث تعلَّم في المكاتب الوطنيَّة، ثم التحَقَ بجامعة القرويِّين، وعمل أثناء دراسته في جامعة القرويِّين مدرِّسًا في المدرسة الناصريَّة، ثم محاضرًا في الجامعة ذاتها، ودرس على أبرز شيوخها، ومنهم والده وعمُّه، كما درس على أبي شعيب الدُّكالي، وأخذ عنه العقيدةَ السلفيةَ وكرَّه إليه البدعَ، وهما الصِّفتان اللتان لازمتاه طيلةَ حياته. وقد عمل على جهاد المحتلين، فكان داعمًا لمحمد بن عبد الكريم الخطَّابي في ثورته حتى انقضت وتحوَّل إلى المناهضة السِّلمية، ونُفِي أثناء ذلك إلى الجابون بضعَ سنواتٍ، ثم عاد إلى المغرب وبقي في النضال حتى استقلَّت المغرب، ولم يزل في دفاعه عن الإسلام وقضاياه حتى توفِّي سنة 1394هـ.

وقد حضرتُ تلكَ السنةَ صلاةَ الغائب عليه رحمه الله في المسجد الحرام.

 

د. محمد بن إبراهيم السعيدي

 

 

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

الحركة السّلفيّة:

يظهر أنَّ مراكش([1]) مهيَّأةٌ أكثرَ من كلّ بلد إسلامي لقَبول الحركات التي تطالب بالعودة للدين الصحيح والعقيدة السنّيّة، ويبدو أنّ بساطة هذه الدعوة ووضوحَ طابعها يتّفق إلى حدٍّ بعيد مع سذاجة الصوفية المغربية وحبِّ الطبيعة القومية للتأكّد من دقائق الأشياء، ولذلك لم تقم الثورة الوهابية حتى كان لها صدَى استحسانٍ وقَبول في القصر الملكيّ، حيث رحب بمبادئها السلطان مولاي سليمان([2])، ثم كان للشيخ عبد الله السنوسيّ([3]) حظُّ حماية مولاي الحسن الذي مكَّنه من نشر المبادئ السلفية والدعوة إليها، وكان لمحمد عبده([4]) اتصالٌ بعد ذلك بنُخبة من المثقَّفين بالمغرب العربيّ كلِّه، ونحن نعلَم أنه وقعت بينه وبين علمائنا مناقشة في مسألة التوسّل بالأنبياء، وأيَّده الشيخ المهدي الوَزَّاني([5]) في قضية الفتوى الترنسفالية([6])، كما جرت بينه وبين الشيخ إدريس بن عبد الهادي([7]) مراسلة في شأن بعض الكتب السلفية التي كان عبده يريد نشرها.

ولكن هذا كلّه لم يكن له من الأثر ما أحدثه رجوع المصلح الكبير الشيخ أبي شعيب الدُّكالي([8])، فقد عاد وكلُّه رغبةٌ في الدعوة لهذه العقيدة والعمل على نشرها، والتفَّ من حوله جماعة من الشباب النابغ يوزِّعون الكتب التي يطبعها السلفيّون بمصر، ويطوفون معه لقطع الأشجار المتبرَّك بها والأحجار المعتقَد فيها.

وكان لمولاي عبد الحفيظ([9]) فضلٌ كبيرٌ في إظهار هذه المبادئ وتأييدها، خصوصًا بعد أن أخذ بعضُ أدعياء المشيخة يمدّون أيديهم للأجنبي، وقد أصدر جلالتُه رسالة في الرد على التيجانيِّين، كما أمر بإقفال زاوية الكتّانيِّين بعد أن اكتشف مؤامرةَ رئيسها على الدولة وعلى البلاد.

غيرَ أنَّ هذا نفسَه لم يكن إلا مقدمةً أولى للحركة السلفية التي دعا إليها وبثَّها وخرَّج رجالها أستاذُنا العلامة المصلح السيِّد محمد بن العربي العلويّ حفظه الله([10])، فقد كان لهذا الرجل من الجرأة والإقدام والثباتِ ما جعله يلاقي في دعوته نجاحًا كبيرًا وإقبالًا عظيمًا.

وقد دخَل الريفُ في حرب فرنسا([11])، ونحن من حول أستاذنا نعمَل لهذه العقيدة، ونجاهد في نشرها، وما ظهرت خيانة بعض مشايخ الطرُق في هذه الحرب حتى زاد ذلك فينا حماسةً وقوّة([12])، وكانت تجتمع بفاس ثلّةٌ من الشباب حول ابن العربي، وفي الرباط مثلُها حول الشيخ أبي شعيب، وتظهر آثار الثُّلَّتَين في المحاضرات التي يلقونها، والزيارات التي يتبادلونها، والمقالات التي ينشرونها في صحف الجزائر وتونس؛ لأن المغرب لم يكن يَحظى إذ ذاك بجريدة مستقلّة، ولم تمض برهة على هذه الحركة حتى أخذت سلطة الحماية تتخوَّف منها، وتحس بأنها موجَّهة لمقاومة نفوذ أحبابها الطرقيّين، فبدأت تستدعينا للاستنطاق، وتهدِّدنا بالاعتقال، وفعلا ألقت في النهاية القبضَ على صديقنا الأستاذ محمد غازي([13]) الذي كان من أكبر دعاة السلفية ورجالها.

وليس منَ الممكن لمؤرخ الحركة الاستقلالية بالمغرب أن يتجاهل هذه المرحلةَ العظيمةَ ذات الأثر الفعال في تطوير العقلية الشعبية ببلادنا. ومن الحقّ أن نؤكد بأن امتزاج الدعوةِ السلفية بالدعوة الوطنية كان ذا فائدةٍ مزدوجة في المغرب الأقصى على السلفية وعلى الوطنية معًا([14])، ومن الحقِّ أن نؤكِّد أن الأسلوبَ الذي اتُّبع في المغرب أدى إلى نجاح السلفية لدرجة لم تحصل عليها حتى في بلاد محمد عبده وجمال الدين([15]).

ولقد كان في وقتِ ازدهار هذه الحركة يزور المغربَ صديقُنا مسيو ديرمانجيم مؤلف كتاب (حياة محمد) باللغة الفرنسية، فكتب بحثًا عن السلفية وغاياتها واتجاهاتها، وأظهر في كتاباته عطفًا علينَا وتمنِّيًا لنجاح حركتنا. كان هذا سنة ١٩٢٥، وقد رأيتُه بعد ذلك في منزله بباريس سنة ١٩٣٣ بعدما صدر أمر ملكي بمنع مظاهرات بعض الطرقيين، وبعدما أظهر الشعبُ اغتباطه بهذا الأمر الملكيّ، وزين الشوارع والأسواق احتفاءً بالقضاء على عهدٍ خرافي طالما منع العقلَ المغربيَّ من التطور والنفوذ لعمق الأشياء، فأخذ يحدِّثني في الموضوع ويُظهر أسفه على النهاية التي آلت إليها الطرق بالمغرب الأقصى، فاستغربت منه ذلك، وسألته: ألم تكن كتبتَ عنا مُبديًا إعجابَك بحركتنا السلفية؟! فأجابني وهو يبتسِم: لم أكن أظنُّ أنكم ستنجَحون إلى هذا الحدِّ وبمثل هذه السرعة! نعم لقد نجحنا إلى هذا الحدّ، وتجاوزناه بعد أن احتضن الفكرةَ السلفيَّةَ ورعاها وليُّ النعم سيدي محمد بن يوسف([16]) الذي لا يألو جهدًا في مقاومة المشعوِذين والقضاء على الخرافيين.

ولم تكن هذه الحركةُ قاصرةً على الدعوة ضدًّا على الخرافات، بل تجاوزتها لحثِّ الشعب على العلم والدعوة إلى إصلاحٍ شاملٍ ومقاومةِ الجمود في كلّ فروع الحياة.

والذي ينظر في تاريخ الحركات العامّة في الدنيا كلّها يجد أنه لم تقم ثورة مفيدة في بلد ما إلا سبقتها دعوةٌ للرجوع للماضي البعيد؛ ذلك أن هذا الرجوع الذي يظهر في شكلِ تقهقُر إلى الوراء هو نفسُه تحرّر كبير من أشياء كثيرة وضعتها الأجيال العديدة والعصور المختَلفة، والتحرُّر منها هو تخفُّف يسهِّل السير إلى الأمام بخُطى واسعة، وإزالتُها من الطريق يفتح أفقًا عاليًا يَهدي السائرين للغاية الصحيحة التي يجب أن يوجِّهوا أنفسهم إليها([17]).

ولقد كتبت إدارة الشؤون الأهلية في مراكش سنة ١٩٣٩ تقريرًا لمجلس البحر الأبيض المتوسط الذي أسَّسه مسيو بلوم في فرنسا، تؤكِّد فيه العبقرية التي ظهر بها الحزب الوطني المغربي في جمعه بين أحدث الأفكار الثورية وما سمَّته بالسلفية الجديدة التي ظهرت بعد الحرب في العالم العربي([18])، وهي ملاحظة صحيحة ومفيدة، ولذلك لا محيد لنا عن إلقاء نظرة على البرنامج السياسي الذي خرجت به السلفية بعد الحرب الكبرى لما كان له من الأثر في تسيير الآلة التوجيهية للحركة الوطنية بالمغرب الأقصى.

الاتجاه السّياسيّ للسلفية الجديدة:

لئن كانت السلفية في باعثها الحنبليّ ترمي لتطهير الدين من الخرافات التي أُلصقت به والعودةِ إلى روح السنة المطهَّرة، فإنها لا تقصد من وراء ذلك إلا تربيةَ الشخصية الإسلامية على المبادئ التي جاء بها الإسلام بصفته المتكفِّل بصلاح الأمة في دينها ودنياها، وإعدادها لتكونَ لها الخلافة في هذه الأرض التي حكَم الله ألا يَرثِها من عباده إلا الصالحون، وبذلك فهي حركة تتناول نواحيَ المجهود الفرديّ لصلاح المجتمع، وتتطلَّب فتحَ الذهن البشري لقبول ما يُلقى إليه من جديد، وقياسه بمقياس المصلحة العامة لإرجاع المجد العظيم الذي كان للسلف الصالح في حظيرة الإيمان وحظيرة العمل([19])، ولكن هذا الإعداد الفرديّ لا يقصد منه إلا تقوية التضامن بين الجماعة الإسلامية على أساس الإخاء الإسلامي أولًا والإنساني ثانيًا، وذلك ما يستوجب كثيرًا من التسامح مع المخالفين في الوقت الذي يدعو للوقوف صفًّا واحدًا في الدفاع عن الإسلام وعن الأمَم الإسلامية كلّها، والدفاعُ عن الإسلام وأممه يستدعي بالطبع قَبول المبادئ التي تُعطي للفرد حريةَ العقيدة وحريةَ الفكر، وتعطي للأمم الحقَّ في تقرير مصيرها، واختيار النظُم التي تريدها، وحرية العقيدة يستوجِب حرية التألُّب من أجلها والتجمُّع للنضال عنها بالوسائل المشروعة السلميّة، وتقريرُ المصير واختيار النظم يستوجب حريةَ الجماعة في التعبير عن رأيها وإبداء ما تريده من أَشكال الحياة، وكلا الأمرين لا يتمّ إلا بطريق التنظيم الذي جاء به العصرُ من جمعيات وأحزاب ونقابات.

ولكن هذه الحرية يجب أن تتَّفق مع غايات التآخِي بين الأمم الإسلامية ضمن وحدة سياسيّة، وذلك ما وقفَت عنده السلفية زمنًا تتأرجَح بين تنظيم الخلافة على أساس حديث أو تكوين جامعةِ أمم شرقية، وأخيرًا اقتنعت بضرورة القوميّة المبنيّة لا على الروح العنصرية([20]) أو الدينية، ولكن على أساس الروابط الإقليمية، مجنّدة لتبرير ذلك ما عرف في الإسلام من تسامح، وما تدعو إليه وحدَة الدفاع عن جانب من جوانب الجبهة الإسلامية، دون التعرض لما يَرمى به الأجانبُ المسلمين من تعصّبٍ وضيقٍ في الأفق، ومستندة لما فهمه المسلمون من ضرورة حبّ العائلة والعمل لصالحها، دون أن يكون في ذلك ما يتنافى مع الأخوَّة العامة بين أبناء الإسلام.

ولكن هذه القوميّة لا ينبغي أن تضيقَ إلى حدّ أن تحولَ بين التقارب المطلَق بين سائر الشعوب المسلمة والعربية بصفة خاصّة، وإلا أصبحَت عنصريةً تتنافى مع الأصل الأصيل للدين الإسلامي([21]).

ولتسهيل هذا التقارُب يجب أن تتوافقَ أساليبُ الثقافة في وسط المسلمين، وأن يعملَ على جعل اللغة العربية صالحة لأن تكون لسانَ العالم الإسلامي كلّه، وصلة الوصل بين سائر أفراده، وبما أن الدعوةَ لهذا وتيسيره تتطلّب نشراتٍ وصحفًا وتجوّلات خطابيّة يقوم بها الدعاةُ المرشدون لتقريب العقلية الإسلامية والتوحيد بين عناصرها فقد هيّأت كل الوسائل التي يتوقف عليها الإرشاد والتوجيه.

وهي ترى من الواجب ألا يبتعد المسلمون عن القانون المستمَدّ من الشريعة، وللوصول لذلك يجب العملُ على أن يصبحَ منظورًا للفقه الإسلاميّ أصولًا وفروعًا كمادة لتشريع مدني عام، لا أنه هو نفس الشريعة التي لا يمكن أن يقومَ عليها اجتهاد ولا تطوير.

وكل هذه الأشياء لا يمكن أن تتحقَّق في الحكومة المسلِمة إلا إذا خضع هذا الاجتهاد الجديد في التشريع لنوّاب أكفاء ضمنَ مجلس تختاره الأمّة، ويصبحون فيها مكانَ أهل الحل والعقد الأوّلين، ومعنى هذا أنه لا بد منِ اتباع النظام الدستوريّ المبنيّ على حكم الشعب بواسطة من يختارهم مِن نوابه الأكفاء.

غيرَ أنَّ الوصولَ لهذه الوسيلة لا يتحقَّق إلا إذا تحرَّرت البلدانُ الإسلامية من سيطرة الأجنبيّ المادية والمعنويّة، ولذلك فالعمل على الاستقلال شرطٌ أساسيّ لاكتساب الحرية التي لا بدَّ منها لتحمُّل المسؤولية([22]).

وفوق كلّ هذا فالسلفية الجديدة ترفض بالطبع فكرة (لادينية الدولة)، وبذلك تجعل الحكومة الإسلامية حارسًا على الأخلاق والفضيلة في وسط الأمّة، وتطالبها بتهيئة سائر الوسائل التي تسهِّل على الفرد القيام بالواجبات الفرديّة والاجتماعية، وتحمّله عن طريق الاقتداء والمتابعة على السلوك الحسَن في علاقته مع عائلته ومع إخوانه ومع الأجانب عنه.

تلك هي الاتجاهات السياسيةُ التي شغلت السلفيّين فيما بعد الحرب الكبرى، وقد رأينا كيف أنها أخذت قسطًا كبيرًا من كفاحنا الناشئ، ملوَّنة بألوان مختلفة وظروف خاصة، ولكنها لم تنفكَّ في سائر مراحل جهادنا، سواء في الحزب الوطني أو في حزب الاستقلال محطِّ عنايتنا وموضعِ اهتمامنا.

ومهما يكُن مقدار التطوُّر الذي حصل في نظرتنا المدنية للأشياء، ومهما يكُن مقدار النجاح الذي سنحصل عليه في تطبيق برامجنا بعد الاستقلال، فالذي لا شكَّ فيه هو أن السلفيةَ عملت عملَها في تسيير آلتنا النفسيّة وتوجيه تفكيرنا نحو هذا التجدّد المنشود في جميع مظاهر حياتنا، ونحو هذا التحرُّر الذي ظلّ طابع حركتنا، وصوب هذه الوحدة العربية التي لم تزل مطمح آمالنا، ونحو الروح الديموقراطية التي تسيطر علينا.

من السلفية للوطنية:

لقد وجد الشبابُ المغربي في دائرة الحركة السلفيّة ميدانًا لبذل نشاطه وتعويد نفسه على العمل لخدمة الأمّة والتضحية في سبيلها، وهكذا تكوَّنت منه مجموعةٌ بفاس والرباط وتطوان لم تلبث أن أخذَت تتناول الشؤونَ العامةَ بأسلوب غير الأسلوب الأول، وكانت مقاومة المشايخ الذين استفادوا من نظام الحمايةِ، فعملوا لبقائه في مقدّمة ما تقوم به من الأعمال. وسرعانَ ما تأسَّست جماعاتٌ صغيرة لدراسة القضايا القائمة، والعمل على تنوير الرأي العام بأضرارها، وكانت جامعة القرويّين بفاس ملتقَى الطلبة الواردين من كلّ جهة، فكان لزامًا علينا أن نهتمّ بتنويرهم، وبعث الروح السلفيّة والقوميّة في نفوسهم، فقمنا بعدة حركات لإصلاح التعليم الجامعي، والمطالبة بتحسين حالة الطلبة، وتنظيم رحلات وتبادل زيارات بينهم وبين أبناء المعاهِد الأخرى الداخلية، وإقامة حفلات مشتركة مع تلامذة المدرسة الثانوية الإدريسية وقدمائها، ثم أسّست مع ثلة من إخواني مجلَّة شهرية سرّية باسم (أم البنين)([23]) كانت تصدر بانتظام في أربعين صَفحة، وتُكَرَّرُ على (البولي كوبي)([24]) ثم توزَّع على هذه الجماعات السرية بفاس والرباط ومراكش وطنجة وتطوان. وفي الوقت نفسه كنّا على اتّصال بثلَّة من إخواننا الذين ذهبوا لإتمام دراستهم بفرنسا أو بالشرق، حيث أخذوا يعملون في جوّ أصفى وأكثر حريةً من جوِّنا، وقدِ استطاعوا أن يؤسِّسوا بباريس «جمعية طلبة شمال أفريقيا المسلمين بفرنسا» و«جمعية الثقافة العربية»، ويتَّصلوا في العطلة الصيفية بشخصيات من بينها عطوفة الأمير شكيب أرسلان، كما استطاع أصدقاؤنا في القاهرة أن يشاركوا في تأسيس «جمعية الشبان المسلمين» و«جمعية الهداية الإسلامية». وحاولنا نحن في الداخل أن نؤسِّس «جمعية أحباء الطلبة»، وأن نعمل لمساعدة فلسطين، وكانت السلطة دائما تجيبنا بالرفض، وتحول بيننا وبين إنجاز ما نريد، وعلى الرغم من ذلك فقد والينا العملَ لإنشاء عدة مدارس إصلاحية في مراكز مختلفة، كانت النواة التي تلتفّ من حولها فئات عامِلة محلية، ولكن كثيرًا ما كانت السلطة تقفلها أو تعتقل أصحابها، فتنشأ عن ذلك احتجاجات سياسية، ولقد يستغرب القارئ إذا قلت له: إن كلَّ حركة صغيرة أو كبيرة كانت تحتاج لمجهود وتضحية إزاء العناد الفرنسيّ الأسبانيّ، وإذا أخبرته بأن إدارة الأمور الأهلية بفاس هاجت لأنَّ شبانًا عصريّين أسسوا صالون حلاقة على أحدَث طراز بشركة مساهمة ووفقًا لكل ما يقتضيه القانون، فأقفلته وفرضت على حلَّاقه غرامة مالية، وأن الشبان اضطروا لبعث وفد للأمانة العامة ليستطيعوا إقناعها بالعودة لفتح صالون الحلاقة الجديد، وأن إدارة الشؤون الوطنية بتطوان منعت صدورَ روزنامة وطنية أصدرها أخونا داود لأن فيها أبياتًا من شعرِي وشعر بعض أدباء المغرب.

وفي سنة ۱۹۲٥ حاولَت الإدارة الفرنسية أن تستولي على ماء وادي فاس الذي يعتبر ملكًا لسكان المدينة، كما يعتبر كلّ بيت مالكًا للقسط الذي يجري به طبقًا للتقاليد التي تثبتها حجَج شرعية وتاريخية. وكانت الإدارة ترمِي بهذا الاستيلاء إلى تمتّع بعض الشركات الفرنسية باستغلال الماء، فرأى سكان المدينة في ذلك مساسًا بحقّهم وغصبا لملكهم، وقامت مظاهرة كبيرة احتشدت للتعرّضَ على هذا المشروع في إدارة المراقبة البلدية، وقد ألقيتُ في داخل الإدارة خطابًا حماسيًّا كان له وقعٌ حسن في الجمهور المحتشِد، وبعد ذلك وضعت أنا والأستاذ الحاجّ الحسن أبو عياد مذكرة قدمناها لحاكم الناحية الفاسيّة تطالب بسحب مشروع الإدارة، وتتناول حقَّ تمتع الشعب بالحريات العامة التي من جملتها الملكية الخاصة في حدود القانون. وقد وقعت عدّة اجتماعات شعبية بالضريح الإدريسي والقرويين وغيرهما، كنت أنا والحاجّ الحسن من خطبائها وموجّهي أعمالها. وقد انتهت هذه الحركة بظَفر المدينة وسَحب إدارة الأشغال لمشروعها.

كل هذا وغيره كان يسير بنا للعمل السياسيّ المنتظِم، ولكن 16 مايو سنة 1930 هو الذي عَلَّم نقطة البداية في تاريخ الحركة الوطنية الجديدة.

ـــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) يعني بمراكش: دولة المغرب، إذ كانت تعرف بهذا الاسم في فترة الاستعمار، والأصل كما هو معروف أنَّ مراكش إحدى مدن المغرب غير الساحلية، وكانت عاصمة للدولة في عهد المرابطين، وتأسيسها يُعزى إلى أبي بكر بن عمر زعيم المرابطين في حينه، وابن عم زعيمهم اللاحق والأشهر يوسف بن تاشفين الذي اتخذها عاصمةً له.

([2]) سليمان بن محمّد العلويّ سلطان المغرب حتى وفاته عام 1238هـ. انظر: الجيش العرمرم الخماسي (1/ 272). وكان رحمه الله مقتنعًا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأرسل رحمه الله إلى الدولة السعودية وفدًا، وكان من هذا الوفد قصّة تراها في كتاب الجيش العرمرم الخماسي (1/ 272)، وفي كتاب الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى (3/ 223).

([3]) عبد الله بن إدريس بن محمد بن أحمد السنوسي، توفي سنة 1350هـ. كان سلفيًّا، وله جهود وبذل في سبيل تجديد الدعوة في المغرب، وقد وُوجِه كثيرًا، وحصلت بينه وبين علماء عصره كثير من النقاشات والنقد المتبادل. انظر: الإعلام للزركلي.

([4]) محمد بن عبده بن حسن بن خير الله، عالم مصريّ تأثر بالسلفية في عدَد من الأمور المهمّة؛ كدعوته إلى عدم الاستغاثة واللّجوء إلى غير الله تعالى، وعدم التعصب لمذهب من المذاهب الفقهية، وخالف في أمور عدة كنظرته إلى المعجزات وغيرها من الأمور، توفي سنة 1323هـ. تاريخ الأستاذ الإمام (1/ 16).

([5]) محمد المهدي بن محمد الخضر الوزَّاني، فقيه مالكي، له الكواكب النيارة حاشية على شرح ميارة، والمعيار الجديد في أحد عشر مجلدًا في النوازل، توفي سنة 1342هـ. مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/ 1948).

([6]) ترانسفاليا: جزء من دولة رومانيا اليوم، وقد وقع من بعض أهلها سؤال الشيخ محمد عبده عن لبس البرنيطة، وعن أكل ما ذبحه أهل الكتاب بغير تسمية، وعن صلاة الشافعية خلف الحنفية. فأجاب الشيخ بأن البرنيطة إذا لم تكن للتشبه وإنما هي للحاجة والعمل فلا بأس بها، وأن ذبيحة أهل الكتاب جائزة، لا سيما أن السائل ذكر أنهم يذبحون البقر والغنم ولكن لا يذكرون اسم الله، كما ذكر جواز صلاة الشافعي خلف الحنفي والعكس. وقد قامت تلك الفترة على الشيخ محمد عبده وفتواه ضجَّة كبيرة. والفتوى بكاملها لا تخالف المنهج السلفي الذي يرى الدليل فوق المذهب. يراجع: إرشاد الأمة الإسلامية إلى أقوال الأئمة في الفتوى الترانسفالية، عبد الحميد حمروش، 1902م.

([7]) إدريس بن عبد الهادي الشاكري الحسنيّ، من فضلاء علماء المغرب في وقته، وكان من أصهار الملوك، متواضعًا محبًّا لأهل العلم، توفي في المدينة المنورة سنة 1331هـ. معجم الشيوخ المسمى: رياض الجنة أو المدهش المطرب، لعبد الحفيظ الطاهري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان (1/ 116).

([8]) أبو شعيب بن عبد الرحمن بن عبد العزيز الدُّوكالي، تولى الإمامة في الحرم المكّي، ثم درَّس في الأزهر ثم في جامع الزيتونة، ثم عاد إلى المغرب واستقرّ في فاس، وأعلن الثورة على البدع والخرافات والزوايا في عصره، وكان ذلك ابتداء من عام 1328هـ، وقد توفي رحمه الله سنة 1356هـ. انظر كتاب: شيخ الإسلام أبو شعيب الدُّكالي، تأليف د. محمد رياض، ط: الأولى، 2005م.

([9]) هو المولى عبد الحفيظ بن الحسن بن محمد الحسني، كان سلطانَ المغرب وأحد علمائه، سلفيّ المعتقد، له كتب في الردّ على أهل البدع، منها: كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع. خرج من منصبه وتوفّي في باريس سنة 1356هـ. انظر: علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار (1/ 378)، ط: الثانية، مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية.

([10]) هو العلامة محمد بن العربي المدَّغري الغلالي الحسني، ولد سنة 1301هـ أو 1302هـ على اختلافٍ في ذلك، وكان رحمه الله أولَ الأمر طُرُقيًّا حتى اختلط بالشيخ أبي شعيب الدُّكالي بعد عودته إلى المغرب، فتاب من البدع، ولزم مذهب السلف ودعا إليه، كما دعا إلى جهاد المستعمِر وشارك فيه، وكان مع السلطنة العلويّة، وأبى أن يغير المستعمر الحاكم محمّد الخامس بعد نفيه حتى عاد، كانت وفاته سنة 1384هـ رحمه الله. انظر: حياة شيخ الإسلام محمد بن العربي، تأليف حماد القباج، دار ابن الجوزي.

([11]) جبال الريف المغربيّة دخلت في الحرب من سنة 1340هـ حتى سنة 1347هـ مع إسبانيا، ثم انضمَّت إليها فرنسا، وحدثت فيها انتصارات عظيمة للمغاربة، وانتهت بفرض قوة الفرنسيين على أهل الريف، وكان زعيم الحرب آنذاك الأمير عبد الكريم الخطابي رحمه الله.

([12]) كُتب الكثير عن خيانات الطُرُقيّين للجهاد، وسواء أكان في بلاد المغرب الأقصى أم بلاد المغرب عامّة، وكانت الخيانات على يد زعماء الطرق وليس غوغاؤها، ولا سيما الطريقة التيجانية والطريقة الدرقاوية، لكننا هنا نحب أن نضيف أن كلّ من تأثر بالدعوة السلفية من أرباب الطرق قد كانت له يد في قتال المحتلّين من أمثال الأمير عبد القادر الجزائري الذي يُنسب إلى الطريقة القادرية، وقد ألَّف بعض أحفاده كتابًا ينفي عن جدّه الطرقية فيه، والله أعلم، المهمّ أن تأثره بالسلفية في جهاده للفرنسيّين كان واضحًا؛ وكذلك الصوفية السنوسيّة وما صنعته في ليبيا من قتال الإيطاليّين، قد تأثرت بالفكر السلفيّ كثيرًا.

([13]) كان كاتبًا ورئيسًا لتحرير بعض الصحف المغربية، وداعية إلى نبذ البدع والخرافات وطرد المستعمر، انتهت حياته سفيرًا للمغرب في المملكة العربية السعودية.

([14]) حينما تنزل السلفية في بلد يظنونها لا تقرُّ بالوطنية، وهو أمر غير صحيح؛ إذ الوطنية بمعنى تقدير الوطن وإعطائه ما له من الحق لا خلاف فيه بين السلفيين، وإنما تعترض السلفية على الوطنية الأوربيّة التي تجعل الوطن عقيدةً ينزل تحتها الدين، وقد قال محمد العربي: أنا مسلم أولًا، وعربي ثانيًا، وأخدم العرش المغربي ثالثًا.

([15]) محمد عبده وجمال الدين لم يدعوَا إلى السلفية، كما أنهما لم يكونا سلفيَّين بالشكل المطلوب حقًّا، وإنما كانا داعيَين إلى الحرّيّة، وهذه دعوة مشتركة بينهما وبين دعاة العلمانية.

([16]) هو الملك محمد الخامس بن يوسف، توفي سنة 1381هـ.

([17]) لا شكّ أن تعليم الناس أصولَ الدين الصحيحة من عقيدة وأخذ بالكتاب والسنة وعدم اتباع أهل البدع والخرافة في أمورهم كلها واتباع ما أرشد إليه رسول الله ﷺ حتى يفقه الناس، لا شك أن ذلك أولى من الثورة على المستعمِر، إذ إن الثورة على المستعمر في ظلّ أجواء عقديّة فاسدة كالأجواء التي كان يعيشها المغرب سوف تؤدِّي حتمًا إلى انقطاع الثورة بالخيانة وأضرار كبيرة جدًّا على الأنفس والأموال والأعراض والعقول، أما الدين فهو ضائع من الأساس، وذلك كما حدث لثورة الريف، وقبلها ثورة عبد القادر الجزائري، وبعدها ما حدث للمولى عبد الحفيظ، إنما حين يتَّجه المصلحون إلى بناء الإنسان ببناء العقيدة والبعد عن الخرافة، ويأخذون أنفسهم بالاتباع، فعند ذلك تقوم الثورة على المستعمرين إذا كان لها قائد يقودُها، وسوف تكون نتيجتها النجاح حتمًا وإن طالت، لكنها لن تنقطع. أما إذا كان الحاكم مسلمًا فينبغي الإصلاح العقدي، وهو الذي عند حدوثه سيحدِث الله سبحانه أمرًا، وذلك بأن يُلبي الحاكم ما يريده الله منه ثم ما يريده الناس، وليس المقصود أن يتحقَّق مراد كلّ فرد، ولكن المقصود أن يعيشَ الناس وقد توفرَّت لهم مقاصد الشريعة وحاجاتها وتحسيناتها.

([18]) الحزب الوطني لتحقيق المطالب المغربية: حزب أسَّسه علال الفاسي ومن كان معه في الكتلة الوطنية، وذلك سنة 1937م، وهي السنة التي قرَّرت الإدارة الفرنسية نفيَ علال الفاسي إلى الجابون، وبقي هناك حتى عام 1946م. انظر: علال الفاسي ودوره في الحركة الوطنية المغربية، مذكرة مكمِّلة لنيل متطلبات الماجستير، إعداد: الفايز محمد وفرفا عمر (ص: 27) -منشور عبر الشبكة العنكبوتية-.

([19]) ما بعد هذه الفكرة من أفكار قد يُفهم منها حرية الابتداع في الدين، أو حرية المبتدع في اتخاذ البدعة دينًا، لا نشك أن علالًا لا يعنيها، وإن عناها فهو في ظلّ استعمار أجنبيّ صليبيّ، وقد يرى البعض في تلك الظروف أن التناصر خير من الافتراق؛ إذ التناصر يوحِّد الأمة جمعاء ضدَّ هذا المستعمر النصراني الصليبي، والافتراق يجعل الأمة أشتاتًا يقضي المستعمر على بعضهم أولا ثم يبدأ بالآخر، فالمناداة بتلك القيم التي نادى بها علال مناسبة جدًّا لذلك التاريخ ولتلك الظروف، أما في غير تلك الظروف فإنَّ لكل زمن ما يناسبه من اجتهاد، ولا يؤطَّر الخلق على اجتهاد واحد في المسائل التي تختلف باختلاف العصور؛ مثال ذلك إنشاء الأحزاب والدعوة لها، لا ينبغي في دولة إسلامية يحكم حاكمها بالدين ويسمَع الرأي من أهل الرأي، فإن الأحزاب في تلك الدولة إنما هي تفريقٌ للناس وإضعاف لكلمة الحقّ بدعوة الأكثرية إلى الرأي في أمور تكون الأكثرية أضعفَ رأيًا وأقلَّ صوابًا كما يقول الله عز وجل: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾، فسبيل الله عز وجل الذي هو أوضح الواضحات لا نجد -ونحن في عصرنا الذي اختصه الله بالعلم بالظواهر- أن الناس يتبعونه، إلا أن الخواصَّ من الذين آمنوا هم من يهدون الناس إليه، فكيف بما هو أخفى من ذلك كمصالح الحياة وإدارة الناس؟! فلا شكّ عندي أنهم سيكونون أبعدَ عن الحق فيها، وقد لاحظنا في زمننا ما يجري من تفريق الناس إلى أتباع لحزب كذا وأتباع لحزب كذا لاختلاف سياسة الحزبَين، مع أن المفترض القرب إلى الله ورسوله وإلى ما يرضيهما، فيبقى الناس على ذلك، وأمور السياسة يشغل بها السلطان من هم أهل لها؛ أما إن كان الأمر في بلد لا يحكم بالإسلام وأراد قوم من المخلصين الاجتهادَ في إنشاء حزب يكون له دور في مجلس الأمّة أو على الأقل يكون له أثر فيه، فيخفِّف الشر ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فبحسب اجتهادهم في بلادهم، إن علموا أن هذا التخفيف صائر بإذن الله فلا بأس من وضع حزب يُعنى بهذا الأمر، وإن لم يعلموا هذا الأثر وليس منه إلا استخدام الإسلام وسيلة للظهور فليس لهم ذلك. والله تعالى أعلم.

([20]) أما القومية المبنية على روحٍ عنصرية فالظاهر أن مراد علال الفاسي عنصر المكوّن الإسلامي أو الديني؛ أما المكون الشعبي فليس بصالح عند السلفيين كما لا يصلح عند غيرهم، وليس بصالح في المغرب ولا غيره.

([21]) هذا ما جعلنا نظنّ أن مراد علال الفاسي بالعنصرية تلك التي مبناها على الإسلام والدين، وإن كنا لا نوافقه في أسلوب التعبير عنها.

([22]) أهل الحل والعقد يمكن الوصول إليهم دون انتخابات، وذلك أنَّ المهرة في الأمّة من العلماء والقادة وأرباب الفكر والمهندسين وكبار الصناع ظاهرون للناس بارزون بأعيانهم، ويمكن أن يتكوَّن منهم مجالس استشارية جيّدة وتصل بالناس إلى الطريق القويم، بعكس المجالس التي حظّها الانتخاب فقد فشِلت في كلّ دول العالم، وحتى في الدول المتقدّمة نجد أن المجالس النيابية تصدر من القرارات ما من شأنه هلاك الأمة، ولو أن الدول المتقدّمة تتبع مجالسها النيابية لما كانت حصلت من التقدم على ما حصلت عليه.

([23]) أم البنين اسم كان شائعًا في نساء العرب في صدر الإسلام، وقد سمّيت به فاطمة بنت حزام الكلابية، وهي من المقدَّسات عند الشيعة لولادتها لأولاد عليّ الفضل والعباس الذين قُتِلوا مع الحسين رضي الله عنه، ولا نعلم سرَّ اختيار الشيخ علال لاسمها ليكون اسمًا لمدرسته، وهي إن شاء الله من الصالحات، لكن التقديس الذي يفرط فيه الشيعة ليس دينًا، نسأل الله السلامة منه.

([24]) أي: ما كان يعرف ببلادنا بالإستنسل، وهي طريقة قديمة في الطباعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017