ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
بسم الله الرحمن الرحيم
هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ في مجلة المشرِق في عددها ٢ للعام ١٩٣٧م بقلم لويس شيخو صاحب المجلة، كما له ترجمة في الأعلام للزركلي (٨/ ٩٩).
وقد كتب هنري لامنس مقاله الذي يعنينا الآنَ في هذه المجلة في عدِدها الخامس من عام ١٩٢٨م، في صفحتها (٣٣٧)، حيث عمل على تشويه الدعوة السلفيّة، ومع ذلك نجد عمله في التشويه هو نفس ما يقوم به أبناء المسلمين حين يرغبون في التشوية. ونحن سننشر هذا المقال مع التعليق عليه بما يكشِف زيفَ الدعاوى، مع التنبيه إلى أنَّ تناقلها بين المسلمين يعني نجاحَ المستشرقين فيما تجشَّموا، والله ينصُر أهلَ الحقّ بإذنه.
د. محمد بن إبراهيم السعيدي
يخال المطالع أنَّ الصحافةَ بعد أن تعِبت من ذكر فظائعِ البلشفيّةِ وحروب الصين شاءت تغييرَ مواضيعها، فظهرت جرائدُنا منذ أكثرَ من شهرٍ متَّحدةً متَّفقةً على أن توعدنا بنكبةٍ جديدةٍ جاعلةً بلادَنا عرضةً لغارة من غارات البدو الهائلة، كما لو لم يكن خطرُ الجراد كافيًا وحده. وكان على الوهابيِّين أن يشنّوا هذه الغارة فيخرجوا من صحاريهم، ويكتسحوا العراق وشرقيَّ الأردن. وكانت جيوشهم على ما ظهر أخذَت تنقضُّ على الكويت من جهة خليج العجم، وأصبحت ألوفهم من جهة البحر الأحمر على بضع كيلومترات من معان والعقبة. وزاد الموقفَ حرجًا ما أكَّدته الصحفُ من أن ابن سعود نادى «بالجهاد». فغدا الشجعان من الناس حيالَ تلك الغيوم المكفهرَّة يستكشفون الأفقَ البعيد، بينما راح المتشائمون يكثرون من التعاليق المختلفة على تلك الأخبار المقلِقة([1]).
ولكن سرعانَ ما تبدَّدت هذه الغيوم! فعلمنا أنَّه لم يدُر قط في خلَد ابن سعود أن ينادي بالجهاد، وأنَّ كلَّ ذلك الوعيد يستمدُّ أصله من غارات شعواء شنَّها البدو على حدود شرقيّ الأردن والعراق. على أنها لم تكن بالبسيطة؛ لأن قوات الإنكليز الهوائية اشتغلت في ردِّها. فأحدثَت ذلك الضجيجَ المتردِّد، إذ ليس من دخان بلا نار!
أمَّا الآن وقد تلاشى ذاك الدخان، فهلمَّ ندرس هؤلاء الوهابيين وما يمثِّلون، ولنجتهد في تخمين قِوى ابن سعود ومِقدار ما عنده من العَدد والعُدد التي أحدثت تلك الضجَّة؛ حتى إذا عادت الأندية المختلفة إلى تحريك تلك الفزَّاعة، عرفنا حق قيمتها، وتحقَّقنا مبلغَها من الإرهاب.
الوهابيون
سنة ١٧٠٣م([2]) ولد في عُيينة من محال نجد رجلٌ اسمه محمد بن عبد الوهاب، فورث منه الوهابيون اسمهم الذي انتشر بين الناس([3]). أما هم فيسمُّون أنفسَهم «مسلمين»، وبلادهم «بلاد المسلمين» كما لو لم يكن للإسلام من وجودٍ خارجَ نجد؛ بل هم يعتبرون سائرَ المسلمين غير الوهابيين كفرةً ومشركين([4]). وكان ابنُ عبد الوهاب مِن أصحاب المذهب الحنبليّ، وهو أضيق مذاهب السنة([5])، فشُغف من صغره بكُتُب ابن تيمية أحد كبار المناضلين([6]) من الحنابلة في الشام (۱۳۲۸م)([7]). ولم يلبث النجدي الشاب أن شعر بضرورة إصلاح الإسلام، وإرجاعه إلى طهارته الأولية. فبدأ بتحريم الكثير من العادات التي دخلت مع الزمن بين المسلمين معتبرًا إياها من البدع. ولم يكتف بمنع القهوة([8]) والتّبغ والموسيقى ولعب القمار وملابس الحرير وحلي الذهب والفضة([9])، بل تجاوزها إلى تحريم زيارة قبور الأنبياء والأولياء، ورفع الزوايا والقبب لتكريمهم، ونذر النذور لهم. حتى إنه لم يستثن من ذلك الصلاة على قبر نبي الإسلام([10]). فكان مشروعه بيانًا شاملًا لكثير من الإصلاحات الدينية والاجتماعية. وقد ساعده في تحقيقه الأمير محمد بن سعود (١٧٦٨م)([11]) من أسلاف سلطان نجد الحالي([12])، فتمكَّن بالعنف تارةً وبالإقناع أخرى من إجراء إصلاحاته في قبائل نجد.
على أنّ الوهابيين لم يلبثوا أن تجاوزوا حدودَهم. فانقضُّوا على العراق أولًا، فخرَّبوا هياكل الشيعيين في النجف وكربلاء([13]). ثم اتجهوا إلى الحجاز في السنتين ١٨٠٣م و١٨٠٤م([14])، فاحتلوا مدن الطائف ومكة والمدينة، وأحدثوا الفظائع العديدةَ من سلب ومذابح، حتى إنهم هدموا جميع ما رفع على قبور الأولياء من المعابد والمزارات، واستصفوا كل ما جُمع من الكنوز في قبر محمد في المدينة([15]). ثم أجبروا علماء مكة ومجمل سكانها على توقيع وثيقة يُقِرون فيها عن أنفسهم بأنهم عاشوا في الكفر حتى ذاك اليوم. وبعد أن ألزموا الحجاج مدة السنين العديدة دفع ضريبة خاصَّة قطعوا طريق الحج بتاتًا([16]). فحرج الموقف إذ ذاك ولم يبق مندوحة عن استعمال السلاح. ولما كانت السلطنة العثمانية في ذاك الأوان أضعفَ من أن تقاومهم عهدت بمحاربتهم إلى محمد علي باشا خـــديوي مصر، فشهر عليهم حربًا دامت نحو ربع قرن، حتى انتصر عليهم بمعاونة أولاده([17]).
ومن ثم ساد السكوت حول الوهابيين، وأخذت الفوضى تفسِد جموعهم حتى قسَّمتهم إلى إمارتين: إمارة شمَّر في الشمال وعاصمتها حائل، وإمارة الجنوب وعاصمتها الرياض. فملكت في الشمال أسرة ابن الرشيد، وفي الجنوب أسرة ابن سعود. وزادت المنافسة بينهما حتى نشبت الحروب العديدة، فسفكت الدماء الكثيرة في تلك الصحاري طوال القرن التاسع عشر([18]).
بلادهم
بلاد الوهابيين نجد التي طالما تغنَّى بها شعراء العرب. وهي صحاري تكثر فيها الواحات. ولا يُعرف عدد سكانها بالتدقيق، ونرى أن أمين الريحاني قد ضاعف هذا العدَد لما ذكر مليونين في نجد وملحقاتها. ويعيش نصف السكان تقريبًا في المدن والقرى وأهمها: الرياض، وهي العاصمة، وعدد سكانها ١٨,٠٠٠، وبريدة: ١٥,٠٠٠، وعنيزة: ۱۰,۰۰۰، وشقرا: ٥,٥٠٠، ومنفوحة: ٥,٠٠٠، وحائل: ٤,٠٠٠، والمجمعة: ٣,٥٠٠، وحريملا: ٢,٥٠٠. وأكثرية السكان في الجنوب مؤلَّفة من سلالة بني تميم وقبائل عنزة، ومن هؤلاء الأسرةُ المالكة المعروفة بآل سعود. أما في الشمال فإن السكان بني شمّر ينتسبون إلى قبائل طي المشهورة([19]).
وفي أطراف تلك البلاد من جهات الشمال والشرق والجنوب فلوات واسعة، فيها كثير من كثبان الرمل تعرف بالنفود، وهي مراع خصبة إذا ما سقط عليها المطر. ووراء هذه النفود تظهر مرتفعات جبل شمّر، وهي منطقة حسنة المناخ، مشهورة في الأدب العربي القديم باسم «جبلي طي». أما في الجنوب فالمناخ شديد الحرّ.
وكلُّ سكان تلك البلاد من المسلمين الوهابيين([20])، لا يهود ولا نصارى بينهم. وهناك كما في بلاد الأفغان يتقيَّدون التقيُّد الدقيق في المحافظة على أحكام الشريعة. فحضور الصلوات اليومية واجب لازم، ولا يزال الاسترقاق جاريًا مجراه، وأكثر خدم ابن سعود من العبيد([21]).
أما أقسام البلاد الإدارية فأهمُّها مناطق القصيم، والجوف في جوار شرقي الأردن، وهو «دومة الجندل» القديمة، وحائل أو شمّر، ويحكمها أمراء يعيِّنهم السلطان. ثم منطقة عارض([22]) وعاصمتها الرياض، ويحكمها مباشرة ملك الوهابيين([23]). وكان النقد المتداول حتى أيامنا المتأخرة الريال القديم المنسوب إلى ماري تريز، ثم المجيدي العثماني، فألغاهما ابن سعود وأوجد نقدًا وطنيًّا وهابيًّا. على أن موارد الموازنة قليلة محدودة، وذلك أن البلاد فقيرة لا تصدر إلا التمر والسمن، وتستورد كلَّ شيء. وفي سنة ١٩١٩م أسَّس ابن سعود جمعية «الإخوان» وهي مؤلفة من فرق عسكرية يشتغل رجالها بالحرب تارة وبالزراعة أخرى([24]). ويؤكد البعض أن باستطاعة السلطان تجنيد ٨٠,٠٠٠ مقاتل([25]). ولكن هل بإمكانه أن يسلِّح هذا الجيش، وأن يتكلَّف النفقات الباهظة التي تجرها الحروب العصرية؟ ثم ينبغي ألا ننسى قوة المخيِّلة البدوية التي تضاعف الأرقام، كما أنها تحوّل بضعة أدغال من العوسج الشائك إلى غابة كثيفة.
ابن سعود
اسم سلطان الوهابيين الحالي عبد العزيز بن عبد الرحمان، وهو التاسع عشر من أمراء آل سعود الوهابيين. وكان منافسه ابن الرشيد قد ظهر عليه وطرده من إمارته، ففر لائذًا بمبارك بن الصباح شيخ الكويت([26]). ولكنه على الرغم من حداثة سنه لم يفتأ يستعدُّ ويعمل حتى رجع ظافرًا فاستعاد النجد الجنوبي، ودخل الرياض عـاصمة آبائه سنة ١٩٠٢م([27]). ولم تزل العداوة تضطرم في صدرَي المنافسين حتى زمن الحرب الكبرى، حيث انضمَّ ابن الرشيد إلى الأتراك، فانحاز ابن سعود إلى الحلفاء([28]). فكافأته إنكلترة بأن جعلت له من سنة ١٩١٥م إلى سنة ١٩٢٤م جُعالة سنوية قدرها ٦٠,٠٠٠ ليرة إنكليزية([29])، واعترفت له بلقب «السلطان» بعد انتصاره على ابن الرشيد سنة ١٩٢١م، إذ دخل عاصمته حائل وذبح عائلته بأسرها([30]). وكان قبل ذلك بسنتين قد اختلف مع الحسين بن علي شريف مكة.
ولا شكَّ في أن شخصية ابن سعود أعظمُ شخصية سياسية في جزيرة العرب في الوقت الحاضر، وهو مهيب الظاهر، طويل القامة، يبلغ مترا و٨٠ سنتيمترا. زاره أمين الريحاني في أواخر سنة ۱۹۲۲م، فوصفه بما يلي([31]): «السلطان عبد العزيز طويل القامة، مفتول الساعد، شديد العصب، متناسق الأعضاء. وهو أسمر اللون، أسود الشعر، ذو لحية خفيفة مستديرة، وشارب يقضبه على الطريقة الوهابية. له من السنين سبع وأربعون؛ وله في التاريخ -تاريخ نجد الحديث- مجد إذا قيس بالأعوام تجاوز السبع والأربعين والمئة. يلبس في الصيف أثوابًا من الكتان بيضاء، وفي الشتاء «قنابيز» من الجوخ تحت عباءة بنية. وينتعل ويتطيّب، ويحمل عصًا من الشوحط([32]) طويلة يستعين بها على الإفصاح عن آرائه، وعلى تشكيل كلماته، إذا صحت الاستعارة وتمكينها. وله في الحديث غيرها من الأعوان. له أنامل طويلة لدنة يشير بها في مواقف البلاغة. وله عينان عسليَّتان تنيران أماكن العطف واللطف ساعة الرضا، وتضرمان في كلامه ساعة الغيظ نار الغضا. وله فم هو كورق الورد في الحالة الأولى، وفي الحالة الثانية كالحديد، يتقلَّص فيشتدّ، فهو إذ ذاك كالنصل حدَّا ومضاء»([33]).
ولم يكن في جزيرة العرب مكان لطامِعَين من طراز الشريف حسين وابن سعود، يطمح كل منهما إلى السيادة على الجزيرة بكاملها. فساءت الحالة بينهما حتى صيف سنة ١٩٢6م، إذ زحف ابن سعود على الحجاز، فاحتلَّ الطائف ومكة. ولم تمض سنة على ذلك حتى كان سيد جدّة، فوضع حدًّا قاصمًا للدولة الشريفية في الحجاز. وكان قد وعد بأنه يرفع مصير الحجاز السياسيّ إلى مؤتمر إسلاميّ تحكيميّ، ولكنه لم ينتظر قرار هذا المؤتمر، بل اتخذ لنفسه لقب: «ملك الحجاز». ثم تناسى وعده أيضًا بأن لا يُلحق الحجاز بنجد، فجمع بين البلدين وسمى نفسه رسميًا: «ملك نجد والحجاز وملحقاتها»([34]). وكان أن احتلاله بلاد الأحساء والعسير الشمالي جعله أقوى أمير في بلاد العرب، فتاخمت أراضيه بلاد العراق وفلسطين وسورية، وانبسطت من البحر الأحمر إلى خليج فارس.
بيد أن هذا التوسُّع السريع أثار قلقَ أمراء العرب، فقامت اليمن تحتجّ على وضع العسير تحت حماية الوهابيين، وهي تدَّعي أن تلك البلاد لها، وتعدّ العدد لاسترجاعها. وقد تنشب حرب يتحقَّق فيها الوهابيون قوة أقرانهم، وتوتَّرت علائق ابن سعود مع مصر منذ حادثة «المحمل» في حج سنة ١٩٢٦م، وهي لم تعترف بعدُ بألقابه الرسمية. وأن تسرّعه في تملك الحجاز وخفره لوعده سوَّد صفحته أمام العالم الإسلاميّ إجمالا، ومسلمي الهند خاصة الذين كانوا حتى ذلك العهد من أخلص مريديه.
وكذلك أثَّر أثرًا سيئًا عدد الوفيات الكبير الذي حصل أثناء حج سنة ١٩27م، وهو ناتج عن عدم الاهتمام بتحقيق الوسائل الصحية. فضلا عن أن تعصُّب الوهابيين يغيظُ البيئات المتنوِّرة في الإسلام، ويُرهق سكان مكة والمدينة. حتى إنه اكتشف ضمن حاشية الملك مؤامرات على حياته([35]).
أما موقفه حيالَ إنكلترة فتعرفه من المعاهدة التي وقَّعها مع هذه الدولـــة في الصيف الماضي. وهي تلغي كلَّ ما سبقها من المعاهدات. وبها تعترف إنكلترة باستقلال الدولة الوهابية استقلالًا تامًّا، وبألقاب ملكِها الرسمية. ولقاء ذلك يتعهَّد ابن سعود ألا يهاجم العراق، ولا الكويت، ولا بلاد عُمان، ولا شرقيّ الأردن، ولا يُغير على من حالف إنكلترة من العرب. ويقبل بأن يؤخِّر إلى وقت آخر المطالبة بحقوقه في معان والعقبة. وهو يطالب بهاتين المنطقتين لزعمه أنهما من الحجاز([36]).
لا مشاحة في أن ابن سعود رجل طمَّاع([37])، ولكن لا مشاحة أيضًا في أنه رجل ذكيٌّ عاقل، وأن جميع من عرفوه عن قرب أو عن بعد متَّفقون على ذلك. فهو يعرف قوته دون شكٍّ، ولكنه يعرف أيضًا حدود هذه القوة. وهو لا يخشى الحرب، ولكنه يعرف أنها غالية الثمن، وأن خزانته فارغة أو عاجزة عن القيام بنفقاتها، وأنه عند أول فشل حربي يرفع جميع أعدائه رؤوسهم ويستعيدون قواهم. وهو يعرف أيضًا أن حظوته لدى العالم الإسلامي تختلف عما كانت عليه منذ ثلاث سنوات، فالقوم لا يعتقدون اليوم بتجرده وإخلاصه. على أن بغضه لأسرة الشريف حسين بن علي لم يكن ليخمد بسقوط كبيرها عن عرش مكة، فابن سعود لا يزال يغتنم الفرص للانتقام من بني هاشم بالهجوم على ولدي الشريف: فيصل ملك العراق، وعبد الله أمیر شرقي الأردن. ولكنه لا يجهل أنه يلاقي في طريقه إنكلترة، وهو مربوط معها بمعاهدة سياسية لم ينشف حبرها بعد([38])…
بقي علينا والحالةُ هذه أن نتساءل: هل نشَّط ابن سعود غارات الوهابي فيصل الدويش، أم لا؟ الجواب في غاية الصعوبة، إذ يجب ألا ننسى أنه من الصعب ضبط البدو الذين لا يتراجعون أمام تجربة الغزو الغرارة([39]).
وعلى كلٍّ فنحن نعتقد استنادًا إلى الأسباب المذكورة أعلاه أن ابن سعود -وهو الرجل السياسي الحكيم- يتردَّد كثيرًا قبل أن يغامر في مشاكلَ كالتي تنسبها الصحف إليه مجانًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) كان ذلك قبل شهر مايو من عام 1928م حيث صدر عدد المجلة في هذا التاريخ الموافق لشهر ذي القعدة من عام 1346هـ، وكان الإخوان -أي: إخوان من أطاع الله- في أوج حركة التمرّد التي قام بها كثير منهم ولم يقم بها الجميع، كما أن الحكومة السعودية (نجد والحجاز) وبريطانيا قد وقَّعتا ميثاقَين: الأول: في العقير وهو اتفاقية حدود بين السعودية والعراق والكويت، والآخر: اتفاقية بحرة، وقد قامت حكومة الحماية البريطانية بمخالفة هاتين المعاهدتين، وذلك ببناء مخفر عسكريّ في منطقة بصية وهي منطقة في جنوب الصحراء العراقية قريبة من الحدود السعودية، وكلا الاتفاقيتين تمنعان الحكومتين من إقامة مباني أو حشد الجنود على الحدود، وكان فيصل الدويش قد بدأ فعليًّا تمرده على الملك عبد العزيز وإن لم يعلِن ذلك، لكنه لم يحضر المؤتمر الذي عقده عبد العزيز سنة ١٣٤7هـ وهو المؤتمر الثاني، وقد حضر المؤتمر الأول الذي أقيم في سنة 1345هـ، لكنه فعل بعده الأفاعيل، وكان المؤتمران قد انتهيا لصالح الملك عبد العزيز، ورجع الكثير من الإخوان إلى جادة الصواب، وبقي منهم فئة أكثرها لم تحضر المؤتمر، وكانت تشنّ الهجوم على جنوب العراق باستمرار، حتى أدبهم الملك عبد العزيز في موقعة السبلة ١٣٤٧هـ، وفي سنة ١٣٤٨هـ أعادوا شنَّ الغارات على الكويت والعراق، ثم شنّ الغارات على نجد، واتجه الملك عبد العزيز إليهم بصحبة جيش كبير، وما زال ذلك الجيش بهم حتى لجؤوا إلى العراق ثم الكويت، ثم سلمتهم الحكومة البريطانية إلى الملك عبد العزيز. فلم يكن الإخوان إذ ذاك أصحابَ ضعف في الدين أو العقل، لكن الحقيقة أنَّ الأطماع السياسية هي من أخذت بكبارهم حتى فعلوا ما فعلوا، والله المستعان. ومن هذا علم أن إخوان من أطاع الله ليسوا هم سبب ما تحقَّق لعبد العزيز من الملك؛ لأنهم سرعان ما هُزموا من أول مواجهة بينهم وبين أنصار الدولة السعودية الذين كانوا أضعافهم، وليسوا معبرين عن الدعوة السلفية؛ لأنهم في خروجهم لم يكونوا يعملون بتعاليمها، وإنما كانوا هم الأقل عددًا والأضعف قناعة بما لديهم، ولذلك تمت هزيمتهم، وأتم الله النعمة على عباده بالنصر عليهم.
([2]) ولد الإمام محمد بن عبد الوهاب سنة 1115هـ.
([3]) لم يرثوا منه سوى أنهم حنابلة وأهل دعوة صحيحة في توحيد الله عز وجل، أما الوهابية فلقبٌ أطلقه عليهم الخصوم من العراق والشام ومصر وتونس والحجاز، ولم يكن لقبًا لهم، وإنما هو لقب لفرقة الوهبية في المغرب العربي، وهي فرقة بائدة من الخوارج الأزارقة.
([4]) هذا الكلام هنا يطلقه هذا النصراني على ما لديه من الجهل بالإسلام وصفته، وما الذي يُدخل فيه وما الذي يُخرج منه، وهي دعوى يفرح بها أمثاله من النصارى والكافرين إذا انطلقت من أفواه المسلمين ويأخذون بها، وقد نفى الشيخ محمد هذا التكفيرَ المزعوم مراتٍ عديدةً، وبيَّن أنه لا يكفّر إلا من أجمع المسلمون على تكفيره، ولكن خصومه ظلّوا على هذا المنهج، وأكثرهم كفَّر الدعوة السلفية بغير مكفِّر، ومن أولئك داود بن جرجس وابن سند وأحمد القباني وإسماعيل التميمي وبعض شيوخ الأزهر في عصر الشيخ، لا سيما من رافقوا الحملة المصرية للقضاء على الدولة السعودية، وهذا لا يُستغرب من دعوات الضلال التي يفرح بها النصارى أمثال هذا الكاتب، فيتبنَّونها ويعلنونها بالرغم من أنهم لا يقولون بالإسلام كله، ولولا أن الحقَّ يضادّه الباطل أينما كان وكيف كان لكان حريًّا بهم أن يعلموا أن الدعوة السلفية تعبّر عن الإسلام الصحيح كما جاء به رسول الله ﷺ، وأن الإسلام الصحيح خير لهم وهم نصارى من البدع والضلالات؛ لأن أهل البدع يتعاملون معهم وفق ما يبتدعونه، ولا شك أن في ابتداعهم بُعْدًا عن العدل والحق فيما يتعلق باليهود والنصارى.
([5]) هذا مما أخذه هذا النصراني ممن حوله من مبتدعة أهلِ السنة، وإلا فالمذهب الحنبليُّ هو أوسع المذاهب الإسلامية، وحسبك بكثرة الأوجه والروايات التي نقلت عن الإمام أحمد رأس المذهب، فإن كان عند الشافعية جديد وقديم وعند الحنفية خلاف أبي حنيفة وصاحبيه، وعند مالك ما اختُلِف في المدوّنات عنه، فإن الإمام أحمد لديه ما أورده المرداوي في كتاب الإنصاف من تعددٍ في الروايات عنه قد لا تجد مثلَه في مذهب آخر وعن إمام آخر، وعليه فلا يمكن لمنصف أن يرمي المذهب الحنبلي بالضيق، إلا أن المذاهب العقدية كالمعتزلة والأشعرية والمتصوفة رموه بهذا الضيق، وهو حقًّا ضَيِّق بما يقولون، فالمعتقَد واحد، ولا يحسن فيه الابتداع والتقوُّل.
([6]) كلمة المناضلين هنا كلمة جيّدة في حقّ ابن تيمية، فقد كان ما قام به رحمه الله نضالًا في وجه البدعة وأهلها أيًّا كانت.
([7]) كانت وفاة ابن تيمية بالتاريخ الهجري سنة 728هـ.
([8]) حسب ما أعلمه أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يذكر القهوة في مؤلَّف له أو رسالة، وما ذاك إلا لأنه يبيحها، ولا يحرِّمها، خاصة أنها كانت في وقته معلومةً في نجد، بل كانت تشرَب في أوقات كثيرة، وذكرها ابن بشر في (عنوان المجد) على أن الإمام عبد العزيز بن محمد كان يبعث بها لمن يُصلّون القيام في المساجد، 1/ 275، كما لم يحرمها تلاميذه، ولم تكن موضع سؤال أصلا.
([9]) هذه الأمور سوى القهوة مما حرمه الله تعالى وحرمه رسوله ﷺ وجميع الفقهاء على تحريمها.
([10]) هذه الأمور مما يتعبَّد الشيخ محمد وأتباع الدعوة ربهم بتحريمها، بل ذلك مصدر فخر لهم، وليس تحريم الزيارة لذات الزيارة، بل تحريم شدّ الرحال إلى القبور وشدّ الرحال إلى قبر نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما ما يقع عند القبور من استغاثة بالمقبور وتوسل به فذلك يُعدّ شركًا بالله، ومن قام به وهو يعلم أنه ليس من الدين أو نصح بكتاب الله وذكِّر ووعظ بكلام رسوله فلم ينتهِ ولم ينشرح بذلك صدره فهو من قامت عليه الحجة، نسأل الله تعالى العافية من ذلك. وأما رفع الزوايا فإن كانت الزاوية دون قبر ولا يفعل فيها ما حرم الله فلا بأس بها، أما إن كانت مبنية على قبر فهي محرمة لما عُرف من تحريم البناء على القبور، وكذلك القباب لا تجوز، وما يكون عندها من البدع حرام كله.
([11]) توفي الإمام محمد بن سعود سنة 1179هـ يوافق 1765م. وما ذكره الكاتب غير موافق للصواب.
([12]) يعني به الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، وآباؤه كلهم أئمة للدولة السعودية ما عدا عبد الله بن محمد بن سعود، فهو ابن الإمام محمد، وأخو الإمام عبد العزيز بن محمد.
([13]) لم يتجاوز السعوديون حدودهم إلا ردًّا على الدولة العثمانية التي بعثت ثويني السعدون إلى القصيم سنة ١٢٠١هـ، وعاد منها بعد أن حدث حادث في العراق، ثم لم يزل ثويني يعاود غزو الدولة السعودية مرة في الأحساء ومرة شرق الأحساء، وفي آخر مرة غزا غزوة جمع لها عددًا كبيرًا من المنتفق وقبائل العراق وبينهم كثير من الشيعة، لكن الله سلط عليه عبدًا له فقتله وذلك سنة 1211هـ؛ عنوان المجد، 1/ 227.
وهذا قد ذكره المعارضون أمثال ابن سند في كتابه عن سيرة الوالي دواد، وفي سنة ١٢١٣هـ سير والي العراق سليمان باشا الوزير علي الكيخيا إلى نجد فلما وصلوا الأحساء حاصرهم سعود بأمر من أبيه فاستسلموا على شروط منها أن يحمي أهل نجد الحجاج، ويحموا هم تجار نجد، ورافقهم سعود إلى أن أدخلهم العراق، وبعد ذلك جاء إلى العراق ثلاثمئة رجل من التجار النجديين فأخذ شيعة النجف بضاعتهم وقتلوهم؛ هنالك طالب عبد العزيز بدية القتلى واسترداد ما نهب منهم، وأبى سليمان باشا ذلك، فجهز الإمام عبد العزيز ولده سعودًا بالجيش وأمره بتولي قيادته واتجه نحو معبد الشيعة في كربلاء فهدمه وهدم الدار على أهلها والحمد لله، عنوان المجد، 1/ 251، وتاريخ المملكة العربية، 1/ 139، الشاهد من ذلك أن الدولة السعودية ليست هي من اقتحم أراضي العراق أولا، بل كانت البداية وكان العدوان من الشيعة ومن سليمان باشا؛ وهكذا الأمر في الحجاز وعسير وبلاد سواحل جنوب البحر الأحمر، لم يبادر السعوديون إلى احتلال أي بلد، ولكن تأتي البداية من هناك ثم ينصر الله هذه الدولة بما تجلبه للناس من الدين وحسن الاعتقاد وما يتحقق على يديها من الأمن والطمأنينة.
([14]) كان ذلك في ١٢١٧هـ و١٢١٨هـ. هذا ولم يحدث سفك دماء من جهة السعوديين، بل حدث أن الشريف غالب أمر بتفجير قصره في الطائف، وحدث إثر ذلك ما يحدث في مثلها من الحروب وسوء ظن أدى إلى كثير من القتل في الطرفين، أما مكة والمدينة فلم يحدث فيهما قتل أبدًا، وحدثت معارك عديدة بدأت من قبل الأشراف في نجد قبل أن تمتد إليهم أيدي السعوديين. انظر: خلاصة الكلام ص: ٢٧٣، وهو مرجع ميال إلى الأشراف وليس للسعوديين.
([15]) هدم جميع المعابد وجميع المزارات هذا أمر صحيح، وهو دين الإسلام الحق الذي لا يُسأل فيه غير الله ولا يُتوجه إلا إليه، وأما الكنوز التي في غرفة قبر محمد ﷺ فقد تم قسمتها -ولله الحمد- على من في المدينة النبوية من الفقراء والمساكين والضعفاء، وهم أولى بها من القبر.
([16]) لم يذكر أحد أن السلفيين طلبوا من الحاج ضريبة، بل حتى أحمد زيني دحلان -وهو خصم الدولة السعودية والدعوة السلفية- لم يذكر هذا، كما لم يمنع السلفيون الحج، وإنما امتنع قائد حج الشام لما طلب منه الإمام سعود أن يأتي على الشرط، وهو ترك الزمر والموسيقى، وكذلك المحمل المصري. انظر: خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام، 294.
([17]) دامت الحروب من سنة 1221هـ حتى ١٢33هـ، أي: اثني عشر عامًا فقط؛ إلا إن أراد حربهم ضد فيصل بن تركي، فقد كانت سنة ١252هـ وهذا فوق الخمسة والعشرين عامًا.
([18]) حكم الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، ثم فيصل بن تركي، ولما توفي كانت الولاية لولده عبد الله، وحصل انتقاض عليه من أخيه سعود، وأدى هذا إلى اختلاف وضعف انتهى بحلول محمد بن رشيد الأمير المنصوب في حائل ليصبح أميرًا لنجد، وكان ذلك سنة ١٣٠٨هـ.
([19]) لم يكن في ذلك الزمن أي عملية إحصاء، وهذه الأرقام هي توقّعات أخذها الكاتب عن أمين الريحاني، وقوله: في الجنوب بنو تميم وفي الشمال شمر كلام غير صحيح؛ ففي الجنوب قبائل كثيرة غير بني تميم، وكذلك في الشمال قبائل غير شمر، والله أعلم بخلقه.
([20]) سكان تلك البلاد من المسلمين أتباع السلف، هكذا ينبغي أن يقال. ومنهج السلف هو التعبير الصحيح عن الإسلام كما كان عليه الرسول ﷺ وكما كان عليه الصحابة والتابعون.
([21]) قام الملك فيصل بن عبد العزيز سنة ١386هـ بتحرير الرق وإعتاق جميع الأرقاء، وانتهى من ذلك الحين ولله الحمد والمنة.
([22]) تنطق بإضافتها لأل، فيقال: العارض.
([23]) هذه التسمية غريبة، بل يطلق عليه الإمام عبد العزيز سلطان نجد، ثم سلطان نجد وملحقاته، ثم ملك المملكة العربية السعودية، وذلك منذ سنة ١٣٥١هـ يوافقه 1932م.
([24]) في سنة ١٩١٩م -وهي الموافقة لسنة 1337هـ- كانت موقعة تربة التي هُزم فها عسكر الحسين بن علي هزيمة ساحقة، وكان الإخوان فرقة قائمة من بعض شيوخ العشائر ومن أطاعهم في ذلك، ولم يطلق عليها عبد العزيز لقب الإخوان بل هو لقب شاع بينهم، وكانوا جميعًا حديثي التدين، كما لم يكونوا فرقة عسكرية، بل هم كسائر فرسان البادية هجانة وخيالة، لم ينضموا إلى أي تدريب عسكري، وكانت فيهم قوة إيمان ويقين، فلم يكونوا يهابون القتل ما دام في سبيل الله، وحدث لدى بعضهم ذلك الانحراف في التفكير بعد ذلك بثمان سنوات نتيجة انحراف تفكير شيوخهم، أما بقيتهم فبقوا يدًا لعبد العزيز حتى أتم الله عليه النعمة، لكنهم تركوا التلقُّب بالإخوان. هذا وما ذكره الكاتب من أنهم كانوا يشتغلون بالزراعة غير صحيح، فقد كان الإخوان بادية، ثم نزلوا الهجر، وهي القرى المخصصة لهم، ولم تكن الزراعة حرفة لأحدهم.
([25]) لم تزد قوة الملك عبد العزيز عن ستة آلاف رجل، وذلك في حصار جدة سنة 1344هـ، فكيف يقال: إن باستطاعته تجنيد ثمانين ألفًا؟! انظر: شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز، 1/ 344.
([26]) كان عبد العزيز صغيرًا في وقت الهزيمة، في حدود الحادية عشرة من عمره، والذي هاجر هو والده، وهو بصحبة والده، وقد تقدم إلى الكويت فاعتذر حاكمها محمد بن صباح إذ ذاك، ثم قضى فترة أشهر بين آل مرة والعجمان، أرسل خلالها إلى قاسم بن ثاني أمير قطر، فرحب به، وأقام في قطر شهرين، ثم اتفقت معه الدولة العثمانية على أن يقيم في الكويت ويتلقى راتبًا سنويًّا من الدولة العثمانية، وأخيرًا كانت إقامته في الكويت، وهي تحت إمارة محمد بن صباح. انظر: شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز، 1/ 66.
([28]) التزم عبد العزيز الحياد في الحرب العامّة، ولم يعلن وقوفه مع الحلفاء ولا مع ألمانيا، وكتب إلى قادة العرب إذ ذاك يطلب منهم الاجتماع لتحديد موقف موحَّد من هذه الحرب، فأما ابن رشيد فأعلن له أنه مع الدولة العثمانية، وأما الحسين فقد أبدى موقفًا إيجابيًّا، فأرسل ولده ليتفاوض مع ممثل الملك عبد العزيز، ولكن في النهاية أبدى عبد الله بن الحسين أنه مع العثمانيين، وهذا خلاف ما فعله والده على الحقيقة، وأما مبارك بن صباح فقد كتب إلى عبد العزيز يدعوه لمفاوضة حاكم الهند البريطاني، ولم يحصل من الملك عبد العزيز أي حركة تدل على وقوفه مع الحلفاء، وبالعكس ففي تلك الأثناء حدثت مفاوضات الصبيحية التي تصالح فيها مع الدولة العثمانية. انظر: شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، 1/ 215.
([29]) تقديم أموال من بريطانيا إلى الملك عبد العزيز أمر صحيح، لكن هذه الأموال لم تكن مكافأة له، فهو في سنة ١٩١٥م كان قد بلغ مبلغًا عظيما في الجزيرة في ظل إهمال بريطانيا له، وقد كان أول رجل من قبل بريطانيا يزوره هو وليم شكسبير سنة 1913م، لكن المال الذي كانت تعطيه بريطانيا لعبد العزيز كان في زعمها حثًّا له على المضي في الحياد، وفي حقيقة الأمر كان عرضا قدمته بريطانيا لما علمت بتقديم فرنسا عرضا قريبًا منه، وكان ذلك سنة ١٩١٤م، وتقدم الإنجليز بعد ذلك بعرضهم، واستمهلهم ابن سعود، ولعله أجاب الإنجليز، وذلك لأنها فائدة كبيرة وهو في حاجة للمال، فكيف إذا كان المال يأتيه دون أن يقدم أي تنازلات؟! انظر كتاب: أخبار نجد، من مجلة لغة العرب البغدادية، تأليف محمد نصيف، تحقيق قاسم الرويس، ص 260، دار جداول، الطبعة الثانية. وكان العرض البريطاني بحسب الجريدة خمسين ألف ليرة.
([30]) لم يذبح عبد العزيز رجلًا واحدًا أو امرأة أو طفلًا في حائل، وكان تسليم حائل بعد حصار دام أقل من شهرين على الشروط التالية: 1- أن يسلم محمد بن طلال أمير حائل نفسه وجميع أسرة آل رشيد، 2- يعفو عبد العزيز عن كل من شارك ابن رشيد في حربه، 3- يعيش آل رشيد بعيدين عن حائل في الرياض معزَّزين مكرمين؛ انظر: شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز، 1/ 255. ولا يزال آل رشيد في الرياض في خير حال.
([31]) أمين الريحاني: ملوك العرب، الجزء الثاني، ص: 49.
([32]) شجرٌ تتَّخذ منه العصيّ، أو نوع من النبت شبيه بالشربان ينبت في نجد الغربية.
([33]) إلى هنا موجود في الطبعة المتداولة من ملوك العرب، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثامنة، 2/ 532، ولعل ما أورده الكاتب من الطبعة الأولى، أو طبعة أخرى.
([34]) أولا: الحمد لله وحده على نعمة تملك عبد العزيز على بلاد الحجاز، فهذا أمر يرى المسلمون محامده حتى يومنا هذا، الأمر الآخر: إن في رسالة الملك عبد العزيز لحافظ وهبة جواب كان عن ذلك، وإليك نص الرسالة: «.. أما العهود المتكررة منا للعالم الإسلامي فلم نخالفها، وقد دعونا العالم الإسلامي دعوات عامة ودعوات خاصة، فلم يصلنا جواب من أحد في تلبية دعوتنا، ومع ذلك إننا على استعداد لقبول أراء العالم الإسلامي في كل شأن له مساس براحة الحجاج والزوار ورفاهيتهم، وإجراء أعمال الخير في الحجاز».
«أما في سرعة النداء بملكيتنا على الحجاز، فكنت أود من صميم قلبي أن لو تأخر ذلك، ولكن ألجئونا إلى ذلك مضطرين، فإن أهل الحجاز قاموا قومة رجل واحد، يلزموننا قبول البيعة، فطلبنا منهم التريث إلى أن يجمع المسلمون أمرهم، فأجابونا: إنك أعطيتنا الحرية في اختيار حُكم لنا، وهذا حق لنا لا يشاركنا فيه أحد، ونحن لا نبغي بك بديلا؛ ومع ذلك توقفت قليلا عن الجواب، فبلغ أهل نجد توقفي، فقامت قيامتهم علي، وأعلموني أن حربهم في الحجاز لم تكن إلا لحفظ استقلال الحجاز، ومنع أي تدخل أجنبي فيه، لتكون كلمة الله هي العليا، وليعمل في هذه الديار بشرع الله ووسنة رسوله، ولتأمين الطرق ومنع الإلحاد في الحجاز، هذا ما وعدتنا إياه، وإن توقفك عن قبول البيعة يجعلنا نعتقد أنك لم تقاتل إلا لأغراض، ولا تسعى لاستقلال الحجاز، وإنك إذا لم تقبل البيعة فقد فعلت معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
«فإزاء هذا الموقف الحرج، الذي يتوقف عليه أمن الحجاز الحاضر، واستقرار الأمر فيه، لم أجد بُدًا من تلبية الدعوة فقبلتُ البيعة متوكلًا على الله».
وإنني لا أزال على عهدي، من رعاية ما للمسلمين من الحقوق المشروعة في هذه الديار المقدسة والله ولي التوفيق.
«ملك الحجاز وسلطان نجد عبد العزيز»
خمسون عاما في جزيرة العرب ص: ١٢٥، طبعة خاصة.
وما ذكره الملك في رسالته لا غبار عليه من جميع الأوجه.
([35]) كل هذه من جنس الإشاعات التي تتردَّد كل سنة وليس لها أساس من الصحة.
([36]) ليس في نصّ المعاهدة أيّ إشارة إلى معان والعقبة. ومعان والعقبة كانتا من مطالب الملك عبد العزيز بالفعل.
([37]) لم يقل أحد ممن أرَّخ للملك عبد العزيز ممن عاصره أنه طماع، بل على العكس من ذلك، قالوا: إنه كريم ومعطاء؛ وأما في فتوحاته وما تيسر له من الملك فلا أعرف فتحًا فتحه الله عليه سواء في نجد أو خارجها كان هو البادئ، أو الغازي الأول، ولكن تمام النعمة عليه وعلى الجزيرة العربية بأسرها أن آتاه الله الملك فيها، فالحمد لله رب العالمين.
([38]) التقى الملك عبد العزيز بالملك فيصل على ظهر البارجة (لوبين) سنة ١٣٤٨هـ أي: سنة ۱۹۲۰م، والملك عبد العزيز في طريقه لإخماد فتنة فيصل الدويش، وانتهت المشكلات بينهما؛ انظر: شبه الجزيرة في عهد عبد العزيز، 2/ 510.
أما عبد الله بن الحسين فقد تمت المصالحة بينهما في بحرة سنة 1343هـ أي: قبل هذا المقال بأربع سنوات تقريبًا، أثناء حصار الملك عبد العزيز لجدة، ومع ذلك شارك عبد الله في دعم ابن رفادة سنة 1351هـ ضد الملك عبد العزيز كما يقوله صاحب كتاب الملك العادل.
([39]) كانت العراق تشتكي من فيصل الدويش، وتزعم أنه يُغير عليها ويقتل أهلها، ولا شك أن هذا حق، ولكن الذي توصل إليه محمد أسد -الصحفي النمساوي الذي اعتنق الإسلام- أن الدعم كان يصل إلى الدويش من الكويت عبر بريطانيا. قلتُ: ولذلك حينما ضيق عليه الملك عبد العزيز لجأ إلى العراق ثم إلى الكويت، وحينما أكد عبد العزيز المطالبة به سلمته بريطانيا هو ومن كان معه إلى الملك عبد العزيز الذي سجنه، وتوفي بعد سنة من دخوله السجن، انظر: شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، 2/ 507.