الأربعاء - 20 ذو الحجة 1445 هـ - 26 يونيو 2024 م

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها الأمة.

يقول الإمام أبو سليمان الخطّابي رحمه الله تعالى: (انشقاق القمر آيةٌ عظيمةٌ ‌لا ‌يَكاد ‌يعدِلُها شئٌ من آيات الأنبياء صلوات الله عليهم، وذلك أنَّه أمرٌ ظهَرَ في ملكوت السماء، خارج عن جملة طباع ما في العالم المُركَّب من الطبائع الأربع، فيُطمَعَ في نيله بحيلة وعلاج، وتأليف وتركيب، ونحوها من الأمور التي يتعاطاها المحتالون، ويتصنَّع لها المُتكلفون؛ فلذلك صار الخطب فيه أعظم، والبرهان به أظهر وأبهر)([1]).

وقال الحافظ أبو عبد الله الحاكم في المستدرك: (وهذا حديثٌ لا يُستَغنَى فيه عن مُتابَعة الصحابة بعضهم لبعض لمُغايظة أهلِ الإلحاد، فإنَّهُ أوَّلُ آيات الشريعة)([2]).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فقد ذكر الله انشقاق القمر، وبين أن الله فعله، وأخبر به لحكمتين عظيمتين:

أحدهما: كونه من آيات النبوة، لما سأله المشركون آية، فأراهم انشقاق القمر.

والثانية: أنه دلالة على جواز انشقاق الفلك، وأن ذلك دليل على ما أخبرت به الأنبياء من انشقاق السماوات، ولهذا قال تعالىٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ  وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ  وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ  وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزۡدَجَرٌ  حِكۡمَةُۢ بَٰلِغَةٞۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ  فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ  خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ  [القمر: 1-7].  

فذكر اقتراب الساعة، وانشقاق القمر، وجعل الآية في انشقاق القمر دون الشمس وسائر الكواكب؛ لأنه أقرب إلى الأرض من الشمس والنجوم، وكان الانشقاق فيه دون سائر أجزاء الفلك؛ إذ هو الجسم المستنير الذي يظهر فيه الانشقاق لكل من يراه ظهورًا لا يتمارى فيه، وأنه – نفسه – إذا قبل الانشقاق؛ فقبول محله أولى بذلك)([3]).

وقد أنكر وقوع انشقاق القمر آيةً لنبينا صلى الله عليه وسلم: الفلاسفة([4]) واليهود والنصارى، وأنكرها من الفرق الإسلامية: بعضُ شُيوخ القدرية المعتزلة كالنظّام والجاحظ، وتتابعت الردود عليهم من سائر الطوائف، بل من المعتزلة أنفسهم.

قال القاضي عبد الجبار بعد أن أورد شبهات النظّام وردّها: (فلا يجب أن تكذب هذه الآية العظيمة التي نطق القرآن بها بمثل هذه الشبهة)([5]).

وقال القاضي عياض بعد أن قرر ثبوت هذه الآية لنبينا صلى الله عليه وسلم: (ولا يُوهِن عزمَنا خلاف أخرق منحل عرى الدين، ولا يُلتفت إلى سخافة مبتدع يلقي الشك على قلوب ضعفاء المؤمنين، بل نرغم بهذا أنفَه، وننبِذُ بالعراء سُخفَه)([6]).

وفي العصر الحديث بسبب شيوع النزعة العلموية كان لهذه الآية العظيمة المتواترة نصيبٌ من اعتراض من أثّرت فيه تلك النزعة، فأحيوا هذه المقالة المُندَرِسة من جديد.

ومن أشهر السجالات التي جرت في مطلع القرن العشرين الميلادي في هذه المسألة: ما كتبه الأستاذ أحمد زكي باشا من مقالات صحفية في إنكار انشقاق القمر، وقد مال لرأيه الشيخ محمد رشيد رضا في (مجلة المنار)([7]).

وقد ردّ على دعاوي منكري انشقاق القمر الشيخ محمود ياسين الدمشقي في مجلة (الهداية الإسلامية)، ورد عليهم أيضًا الشيخ مصطفى صبري التوقادي في كتابه (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين)، ورد أيضًا عبد الله القصيمي – قبل انحرافه- على دعاويهم([8]).

ومن نظر في الشبهات التي أثيرت في هذا العصر حول انشقاق القمر سيَجِدُها مُستمَدَّةً من الشبهات المُتقدِّمَة لمنكريه من المعتزلة.

أما الدراسات الاستشراقية فنجد فيها استهتارًا بآية انشقاق القمر، بتصويرها في قالب الخرافة، كما في مقالة المستشرق الفرنسي مكسيم رودينسون  (القمر عند العرب وفي الإسلام)([9]).

وقد اعتمد رودينسون في كلامه حول آية انشقاق القمر على ما يجده عنها في الكتب التي تباع في مكتبات مصر، دون تمييز بين الصحيح المتواتر وبين الموضوع والواهي، كالقول بأن القمر دخل في جيب النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من كمه، وقد نبه العلماء أن هذا لا أصل له([10]).

كما أن رودينسون سَوَّى بين معجزة انشقاق القمر التي أكرم الله تعالى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين ما ينسبه المتصوّفة من خرافات للأولياء، كقول بعضهم: إن أحد الأولياء استدعى القمر من السماء، وأمره أن يقف على ذراعه، ثم أعاده إلى مكانه المعتاد عندما أجهده التعب!([11]).

فهذا مما يذكره المستشرقون في كلامهم عن انشقاق القمر، وأنت ترى ما فيه من استسهال في التعامل مع المصادر، واختلال في المعايير.

ومن  الاعترافات الواردة في ورقة رودنسون ما نقله عن بعض أساقف النصارى: أن الوثائق الأصلية للرسل تدل على أن القمر لا يمكن شقه ولا تقسيمه، وفي هذا ردٌّ على من ادعى من الحداثيين العرب أن معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم ليست إلا صدىً مضخمًا من المعجزات المنسوبة للأنبياء السابقين، كما يقول عبد المجيد الشرفي([12]).

وسيكون كلامنا في هذه الورقة في مناقشة أبرز الشبهات التي استند إليها منكرو هذه الآية، وبالله التوفيق.

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر:

أولًا: جواب الاعتراضات المتعلقة بدلالة الآية على انشقاق القمر:

‌قال الله تعالى:ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ  وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ  وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ  وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزۡدَجَرٌ  حِكۡمَةُۢ بَٰلِغَةٞۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ   [القمر: 1-5].

هذه الآيات نصٌّ في انشقاق القمر، أو ظاهرة فيه على أقل تقدير، ومن ينظر في اعتراضات المنكرين لانشقاق القمر سيجد أنهم يذهبون إلى تأويلها تأويلًا مُتعسِّفًا مخالفًا لإجماع المفسرين، ولأصول الاستدلال، فحرفوا دلالتها تحريفين باطلين:

التحريف الأول: الزعم بأن انشقاق القمر المذكور هو انشقاق يكون في المستقبل، قبل يوم القيامة، لا انشقاق حدث في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.

وهو تأويل منقول عن الجاحظ والنظام والأصم والكعبي من المعتزلة، وهؤلاء لا يُحتَفل بأقوالهم.

ومنسوب لبعض مفسري السلف وهما: عطاء الخراساني والحسن البصري، ونسبه الحافظ ابن حجر إلى بعض أهل العلم من القدماء([13])، فلعله قصدهما.

وهو منسوب للإمام الحَلِيمي صاحب (المنهاج في شعب الإيمان)، وسيأتي شرح قوله.

وقد أخذ بهذا القول بعض المعاصرين أيضًا مثل الأديب أحمد زكي باشا، بل إن المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون اعتمد عليه([14]).   

التحريف الثاني: الزعم بأن انشقاق القمر هو كناية عن ظهور الحق ووضوحه، وهذا التأويل ذكره أبو العبّاس القرطبي ولم يعزُه لأحد، ثم تبنّاه بعض المعاصرين مثل الشيخ محمد رشيد رضا.

قال أبو العباس القرطبي: (وقد تأوَّل من أنكر وقوع انشقاق القمر من الإسلاميين قوله تعالى: {وَانشَقَّ القَمَرُ} بمعنى: ينشق في القيامة، وممن حكي عنه هذا التأويل: الحسن البصري.

وتأوَّل غيرُه (انشق): تحقق الأمر ووضح، وقال آخر: انشقَّ الظلامُ عنه بطلوعه.

قلتُ: وهذه تحريفاتٌ، لا تأويلات)([15]).

وبطلان كل من هذين التحريفين يتبين بمنافاته لمجموعة من قواعد الاستدلال المقررة، مثل قاعدة النظر في ألفاظ الوحي وفق سياقها وتراكيبها، والنظر في موارد استعمال اللفظ في اللسان العربي، وجمع النصوص الواردة في الباب.

  • بطلان التحريف الأول للآية:

أما بطلان التحريف الأول، وهو تأويل (انشق) بـ(سينشق) فيتبين من وجوه:

الوجه الأول: مخالفته للسياق: إننا إذا نظرنا في سياق الآية نجد ما يمنع القول بأن المراد بها الانشقاق قبل يوم القيامة، لأن الله تعالى قال في الآية الموالية لها: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2]، ولقوّة هذا الوجه اقتصر عليه أبو القاسم الزمخشري في كشافه حيث قال: (وعن بعض الناس أن معناه: ينشق يوم القيامة، وقوله: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}يَردُّه، وكفى به رادًّا)([16]).

وقد تتابع العلماء على إبطال هذا التحريف بمخالفته للسياق، لذا قال ابن قتيبة رحمه الله: (فإن كان القمر لم ينشق في ذلك الوقت، وكان مراده: سينشق القمر فيما بعد، فما معنى قوله: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} بعقب هذا الكلام؟!

أليس فيه دليل على أن قوما رأوه منشقًّا فقالوا: هذا سحر مستمر من سحره، وحيلة من حِيَلِه كما قد كانوا يقولون في غير ذلك من أعلامه صلى الله عليه وسلم)([17]).

وقال السمعاني في إبطال هذا التأويل: (ولأن الله تعالى قال: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}: وهذا دليلٌ على أنهم قد رأوها)([18]).

وقال الباقلاني: (وكيف يجوز أن يريد بقوله: ‌{وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] أنه سينشق، ويقول مع ذلك: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2]، وهم لم يروا ذلك ولا كان؟ ومن حق المرئي أن لا يكون إلا موجودًا)([19]).

وقال أبو القاسم الأنصاري: (وقد أنكر النظّام والجاحظ وجماعة من شيوخ القدرية انشقاق القمر، وقالوا: معناه: سينشق، كقوله تعالى: {‌أَتَىٰٓ ‌أَمۡرُ ‌ٱللَّهِ} [النحل:1]، معناه: سيأتي.

وظاهر القرآن وكثرة الروايات على وقوعه يدل على بطلان قولهم، وكذلك قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:2] دالٌّ على أنه قد مضى)([20])

وقال الواحدي: (وما عليه أهل العلم أن تأويله: أن القمر ينشق يوم القيامة. والأمر بين في اللفظ وإجماع أهل العلم، لأن قوله: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2] يدل على أن هذا كان في الدنيا، لا في القيامة، قال المفسرون: لما انشق القمر، قال المشركون: سحرنا محمد)([21]).

وقال ابن حجر بعد عرضه هذا القول: (‌والذي ‌ذهب ‌إليه ‌الجمهور أصح، كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما، ويؤيِّدُه قوله تعالى بعد ذلك: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} وقوع انشقاقه، لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة.

وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا، تبيَّنَ وقوعُ الانشقاق، وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر)([22]).

الوجه الثاني: أن العرب لا تستعمل في قرب انشقاق القمر هذا التركيب: (اقتربت الساعة وانشق القمر)، إذ لو أرادوا ذلك لقالوا: (اقتربت الساعة وانشقاق القمر).

يقول الباقلاني: (ولا وجه لتأويل من تأول ذلك منهم على أنه أراد بقوله: {‌وَٱنشَقَّ ‌ٱلۡقَمَرُ} التقريب لانشقاقه وأنه سينشق، لأنه لو كان ذلك كذلك لم يستعمل فيه لفظ الخبر عن وقوع الانشقاق، بل كان يجب أن يقال: اقتربت الساعة وانشقاق القمر، حتى يكون خبرًا عن قرب انشقاقه.

هذا هو موجب اللسان، لأنه لا يجوز أن يقول القائل: اقتربت عافية زيدٍ ونهض وقام، وهو يريد نهوضه وقيامه، وإنما يجب أن يقال: اقتربت عافيته ونهوضه وقيامه، فلما قال الله سبحانه: {ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ}كان ذلك خبرًا عن وقوع الانشقاق، وبطل تأويلهم)([23]).

الوجه الثالث: أنه تأويل بلا دليل: فإن دلالة الفعل الماضي لا تفيد وقوعه في المستقبل، فتأويله بأنه سيقع عند حلول الساعة مخالف لصراحة صيغة الماضي([24])

وصرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معنى مرجوح إنما يصح بدليل، فيكون صرف لفظ الفعل الماضي إلى الدلالة على معنى الفعل المستقبل يحتاج إلى دليل، كما حملنا الماضي في قوله تعالى: {أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ}[النحل:1] بدليل الحس والشرع.

يقول أبو المظفر السمعاني: (قولُه: إن معنَاه سينشَقُّ القمر. قُلنَا: هذا عُدُولٌ عن ظاهر الآية، ولا يجُوز إلا بدليلٍ قاطع)([25]).

ويقول ابن الجوزي: ({وَانْشَقَّ}: لفظ ماض، وحَملُ لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تنقله ودليل)([26]).  

الوجه الرابع: مخالفته للسنة: فنحن إذا جمعنا الأحاديث الواردة في خبر انشقاق القمر، نجد هذا التفسير على خلافها، قال الطحاوي بعد أن خرج الروايات فيها عن الصحابة رضي الله عنهم: (ولا نعلم روي عن أحد من أهل العلم في ذلك غير الذي روي عنهم فيه، وهم القدوة والحجة الذين لا يخرج عنهم إلا جاهل، ولا يرغَبُ عمَّا كانوا عليه إلا خاسِر)([27])

ولو كان ثمّة احتمال لدلالة الآية على أن المراد الانشقاق في المستقبل، فإن ذلك الاحتمال تردّه تلك الأحاديث، ولذلك قال القاضي عياض: (أما ‌انشقاق القمر فالقرآن نص بوقوعه، وأخبر عن وجوده، ولا يُعدَل عن ظاهر إلا بدليل، وجاء برفع احتمالِه صحيحُ الأخبار من طرق كثيرة)([28]).

الوجه الخامس: أن إعمال قاعدة جمع النصوص الواردة في الباب، يفيد أيضًا في كشف وهاء هذا التأويل من جهةٍ أخرى، وهو أنه لم يرد في شيء من السنة الإخبار بانشقاق للقمر يكون من علامات الساعة المستقبلية لا الماضية، وفي ذلك يقول الباقلاني: (ومما يدل على بطلان هذا التأويل أنه لو كان المراد بقوله: {‌وَٱنشَقَّ القمر} الخبر عن اقتراب انشقاقه لوجب أن يكون من آيات الساعة انشقاق القمر، ولوجب أن يُوقَفَ عليه السلام عليه، وأن ينقل ذلك، ويعلم من أخباره، كما علم أن خروج الدابة والدخان وطلوع الشمس من مغربها من آيات الساعة)([29]).

وهذا ملحظٌ مهمٌّ أيضًا في إبطال هذا التأويل، ولهذا كان السلف يفرقون بين ما مضى وما سيأتي من أشراط الساعة، ويجعلون انشقاق القمر مما مضى، كما جاء عن عبد الله بن مسعود قال: (خمس قد مَضين: الدُّخان، واللِّزام، والبَطْشة، والقمر، والرُّوم)([30]).

الوجه السادس: مخالفته للإجماع: إننا إذا جمعنا نصوص السلف من رواة هذا الحديث وغيرهم في تفسير هذه الآية نجد هذا القول مخالفًا لقول عامَّتهم.

قال الطحاوي بعد أن ردّ هذا التأويل: (ونعوذ بالله من خلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخروج عن مذاهبهم، فإن ذلك كالاستكبار عن كتاب الله، ومن استكبر عن كتاب الله، وعن مذاهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم فيه كان حريًّا أن يمنعه الله فهمه)([31]).

وقال ابن الجوزي بعد أن ذكر هذا التأويل وبيّن ضعفه بما تقدّم: (وهذا القول الشاذُّ لا يُقاوم الإجماع)([32]).

وقال الواحدي بعد أن بين ثبوت دلالة الآية على انشقاق القمر: (وجميع المفسرين على هذا، إلا ما روى عثمان بن عطاء، عن أبيه، أنه قال: معناه: سينشق القمر، والعلماء كلهم على خلافه)([33]).

وقال ابن عطية: (وهذا ضعيفٌ، الأُمَّةُ على خلافِه)([34]).

وقال الأبياري: (أما المصير إلى أن معنى الآية: (سينشق القمر)، فخلاف مذهب أهل السنة. وقد روى الانشقاق طائفة من الصحابة، كابن مسعود وابن عمر وغيرهما)([35]).

وقال أبو حيان الأندلسي: (والأمة مجمعة على خلاف من زعم أن قوله: ‌وانشق ‌القمر معناه: أنه ينشق يوم القيامة)([36]).

وقال السمين الحلبي: (هذا ماضٍ على حقيقتِه وهو قولُ عامَّةِ المسلمين، إلا من لا يُلتَفَتُ إلى قولِه)([37]).

وقال الزركشي بعد أن أورد هذا التأويل: (وقد خالف هذا القول جمهور الناس، فإنهم مجمعون على أن المراد بها معجزة النبي صلى الله عليه وسلم)([38]).

بل إن من مفسري الإمامية من أقرّ بمخالفة هذا التفسير للإجماع حيث قرر ذلك الطبرسي بقوله في تفسير هذه الآية: (وقد روى حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصحابة، منهم عبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر، وابن عباس، وجبير بن مطعم، وعبد الله بن عمر، وعليه جماعة المفسرين.

إلا ما روي عن عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال: معناه وسينشق القمر. وروي ذلك عن الحسن، وأنكره أيضًا البلخي.  

وهذا لا يصح لأن المسلمين أجمعوا على ذلك، فلا يعتد بخلاف من خالف فيه، ولأن اشتهاره بين الصحابة يمنع من القول بخلافه)([39]).

  • بطلان التحريف الثاني للآية:

أما التحريف الثاني: وهو تأويلُ انشقاقِ القمَرِ بظهُور الحق، فهو من جنسِ التأويل السابق، ومن أشهر من تبنّاه ودافع عنه: الشيخ محمد رشيد رضا.

وهو تحريف باطلٌ من وجوه:

الأول: أن العرب لا تستعمل تعبير (انشق القمر) في ظهور الحق، يقول الشيخ مصطفى صبري التوقادي بقوله: (ورأيتُ للشيخ رشيد رضا – تلميذ الشيخ محمد عبده – تأويلًا في قوله تعالى: {اقتربت ٱلسَّاعَةُ ‌وَٱنشَقَّ ‌القمر} والمعنى عنده: اقتربت الساعة، وظهر الحق .

ثم أتى لتأويله بدليل من (لسان العرب)، وهو قوله: (انشق الصبح وشق الصبح إذا طلع، وفي الحديث فلما شق الفجران أُمرنا بإقامة الصلاة).

وليس في (اللسان): انشق القمر أو انشقت الشمس بمعنى طلعتا، لأن انشقاق القمر والشمس عند طلوعهما غير معقول كمعقولية انشقاق الفجر والصبح عند طلوعهما. وقد يقال أيضًا: تنفَّس الصُّبح، ولا يُقال: تنفس القمر أو الشمس.

لكن الشيخ – شيخ مُنكِري المعجزات الكونية – قاس انشقاق القمر على انشقاق الصبح والفجر، ثم جعل انشقاق القمر كناية عن ظهور الحق، من غير مبرر في كل ذلك سوى الإصرار على إنكار المعجزات)([40]).  

وأورد رشيد رضا في المنار اعتراضًا لبعض النجديين على كلامه في مسألة انشقاق القمر([41])، وهو قوله: (وأما تفسيركم الآية بأن الانشقاق ‌كناية ‌عن ‌ظهور الأمر واتضاحه، واستشهادكم عليه من اللغة فلا ريب أن العرب تقول: انشق الصبح؛ بمعنى ظهر وبان، وأما انشق القمر بمعنى: ظهر الحق وبان، فلا نسلم أن العرب تستعمل مثل ذلك ويكاد أن يكون لُغزًا لا يتفق مع بيان القرآن)([42]).

الوجه الثاني: أنه تأويل بلا دليل: لو سلمنا أن العرب استعملت هذا التركيب، فإنه خلاف الظاهر والمتبادر، ولا يُعدل عنه إلا بدليل، كما قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: (لا يُحكم للأغرب من كلام العرب على الأغلب، ولكن نصرف معانيها إلى الأغلب حتى تأتوا ببرهانٍ أنه عنى بها الأغرب، وهذا هو المذهب الذي إلى العدل والإنصاف أقرب)([43]).

يقول عبد الله القصيمي في رد هذا التأويل: (فلئن جاز أن تؤول هذه المعجزة، وهي انشقاق القمر لیجوزن أن تؤول معجزات الأنبیاء الواردة في القرآن، وجاز أن یصل لتأویل إلى ما ذكره القرآن من أن عیسى كان یحي الموتى ویبرئ الأبرص والأكمه، ویكلم الناس في المهد.

وأن یصل التأویل إلى عصى موسى ویده ، وإلى ناقة صالح ، وإلى إلقاء إبراهیم في النار ونجاته منها، وإلى إلقاء یونس في بطن الحوت، وإلى معجزات داوود وسلیمان الكونیة العجیبة.

فإذا لم یكن من الصعب تأویل إنشقاق القمر لم یكن منه تأویل معجزات هؤلاء الأنبیاء، وقد أولها قوم ورد علیهم هذا الذي أول إنشقاق القمر، وأوسعهم ملاماً وتضلیلاً!([44])

فهل یصعب أن یقال: إن إحیاء عیسى للموتى عبارة عن هدایته الضالین الكافرین، وإنه كان یبرئ الأبرص والأكمه بمهارته في الطب، أو یكون المراد بالأبرص والأكمه فاسدوا الأخلاق، وإبراؤهم عبارة عن تقویمهم. وهكذا إلى أن نأتي على بقیة المعجزات

إن من جوز تأویل انشقاق القمر أو أوله فعلا لزمه ذلك لا محالة، ونحن نعلم مع مؤول انشقاق القمر أن هذا فاسد بالإجماع والضرورة .

ولا أظن هذا المخالف یخالف أن قوله: (وانشق القمر) مع الأحادیث المرویة فیه أدل على ما نقول من قوله في عیسى إنه كان یحي الموتى، ویكلم الناس في المهد على ظاهرها)([45]).

الوجه الثالث: مخالفته للسنة: يقول مصطفى صبري: (أما تأويل الشيخ رشيد فهو لغوٌ في القرآن من أنواع اللغو الذي توصل به الأولون إلى عدم السماع للقرآن حين قالوا: {‌ا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت:26].

وكان لغوُ الشيخ في القرآن كيلا يُسمَع له، بعد أن أتى بألوانٍ من اللغو كيلا يُسمَع أحاديثُ معجزة شق القمر – التي عدَّدَها الأستاذ الفاضل الشيخ محمود ياسين – والتي أخرجها أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والحاكم والبيهقي عن علي، وابن مسعود، وحذيفة، وجبير بن مطعم، وابن عمر، وابن عباس وأنس، ولذا قال ابن عبد البر : (روى حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا وتأيد بالآية الكريمة).

وقال المناوي في (شرحه لألفية السير للعراقي): (تواترت بانشقاق القمر الأحاديثُ الحسان، كما حققه التاج السبكي وغيره).

فالأحاديث المنبئة بمعجزة انشقاق القمر غير مقبولة عند شيخ (المنار)، وقول القرآن {ٱنشَقَّ ‌القمر} لا يُفهَم منه انشقاق القمر، وإنَّمَا يُفهم منه معنى آخر غير انشقاق القمر، قولوا بربكم: هل الشيخُ لاغٍ في القرآن والحديث ولاعبٌ بهما، أم هو غير لاغٍ ولاعب؟ أجيبوني عن سؤالي هذا، ولا تؤاخذوني بتشديد القول عليه، فهل تريدون أن أقول للاعب بالقرآن : أحسنت؟)([46]).

وللشيخ رشيد رضا عدة شبهات واهية حول أحاديث انشقاق القمر، استوجبت عنده ردّها، وتأويل الآية، وسيأتي الجواب عنها.

الوجه الرابع: مخالفته للإجماع: فإن الإجماع قد انعقد على تفسير الآية بانشقاق حقيقي وقع زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قدّمنا نصوص الطوائف في ذلك، حتى من الرافضة.

ثانيًا: جواب ما ذكره رشيد رضا من علل لروايات أحاديث انشقاق القمر:

جاءت أحاديث انشقاق القمر عن ابن مسعود، وعلي، وحذيفة، وجبير بن مطعم بن عدي، وابن عمر، وابن عباس، وأنس رضي الله عنهم جميعًا.

ومما يؤسف له أن الشيخ محمد رشيد رضا سعى لإعلال تلك الأحاديث فأتى بتشكيكات لا تضُرُّ، ولا تقدح في صحتها.

وسنذكر تلك الأحاديث مع بيان طرقها وتخريجها، والجواب عمّا أبداه رشيد رضا في الكلام عليها.

 [1] فأما حديث ابن مسعود رضي الله عنهما:

فقد رواه عنه  عدد من التابعين، منهم أبو معمر، ومسروق، وزيد بن وهب، وزر بن حبيش.

فرواه أبو معمر، قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: «‌انْشَقَّ ‌الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْهَدُوا»([47]).

وعن مغيرة بن مِقسم([48])، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال: انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين، فقال كفار أهل مكة: هذا سحرٌ سحركم به ابن أبي كبشة، انظروا السُّفَّار فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم به، قال: فسئل السفار وقدِمُوا من كل وجه، فقالوا: رأينا. وفي رواية: فما قدم أحد إلا أخبرهم بذلك([49]).

وهذا اللفظ فيه جواب عن دعوى انفراد أهل مكة بمشاهدته، وسيأتي الجواب عنها.

وقد ذكره البخاري معلقًا في صحيحه([50])، وتعليقُه يرفع احتمال تدليس المغيرة، وبذلك يجاب عن دعوى تدليس المغيرة التي أعل بها رشيد رضا الحديث([51]).  

وأما رواية زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فقال فيها ابن مسعود: «رَأَيْتُ ‌الْقَمَرَ ‌مُنْشَقًّا بِاثْنَيْنِ، بَيْنَهُمَا حِرَاءٌ»([52]).

وعَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «‌انْشَقَّ ‌الْقَمَرُ فَرَأَيْتُهُ فِرْقَتَيْنِ»([53]).

وروى عن ابن مسعود هذا الأثر من التابعين غير من تقدّم.

وقد تقدّم أن النظّام قدح في ابن مسعود بدعوى انفراده برواية الحديث، وقال رشيد رضا في كلامه على (روايات انشقاق القمر وعللها)! ( فأما الشيخان فالذي صح عندهما مسندًا على شرطهما إنما هو عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم يخبر عن رؤية وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)([54]).

والجواب عن هذا من وجوه:

الأول: أن ليس كل ما لم يذكره البخاري ومسلم في صحيحهما لا يكون صحيحًا عندهما، ولذلك قال البخاري: (ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول)،  وقال مسلم: (ليس كل صحيح وضعته هنا إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه).

الثاني: أن هذه شبهة قديمة آلت ببعض المبتدعة إلى الطعن في عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كما تقدّم نقله عن النظّام، وردّ عليها الطحاوي والسمعاني وغيرهما من المتقدّمين، فنقلها السمعاني بقوله: (وأما ابن مسعود فقد تفرد بهذه الرواية، ولو كان قد انشق القمر لرواه جميع أصحاب رسول الله!!).

الثالث: أن ابن مسعود لم ينفرد، فقد روى ذلك علي، وحذيفة، وجبير بن مطعم رضي الله عنهم، ولو أدخلنا صغار الصحابة كابن عباس وابن عمر وأنس يكون العدد أكبر، لكن هؤلاء يقدح رشيد رضا بروايتهم بأنها من مراسيل الصحابة، كما سيأتي.

ولذلك قال أبو جعفر الطحاوي نقلًا عن بعض الطاعنين في حديث انشقاق القمر: (وذكر بجهله أن ذلك لم يروه أنه قد كان إلا ابن مسعود، وأن ذلك لو كان مما قد مضى كما روي عنه لتساوى فيه الناس، ولم يُحتَج إلى إضافته إلى واحد منهم دون من سواه.

فكفى بذلك جهلًا، إذ كان ما أضافه إلى انفراد ابن مسعود به قد شركه فيه خمسة سواه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد ذكرناهم في الآثار التي رويناها في أول هذا الباب)([55]).

الرابع: لو سلمنا بانفراد ابن مسعود رضي الله عنه فيه فإن سكوت الصحابة إقرار له، ولذلك يقول السمعاني: (قد ثبت انشقاق القمر بالرواية الصحيحة، رواه ابن مسعود وجبير بن مطعم شهدا بالرؤية، ورواه ابن عباس وابن عمر وأنس، وروى بعضهم عن بعضهم عن عبد الله بن عمرو، ومن المحتمل أنه روي عن رؤية، وقد كان ابن مسعود روى هذا عن رؤيته، ولم يُنكِر عليه أحد من الصحابة، فكان ذلك اتفاقًا منهم)([56]).

وبهذا يجاب عن قول رشيد رضا: (ولو كان وقوعه آية ومعجزة لإثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لكان جميع من شاهدها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نقلها، وأكثر الاستدلال والاحتجاج بها، حتى كان يكون من نقلتها في رواية الصحيحين قدماء الصحابة الذين كانوا لا يكادون يفارقون النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سيما في مثل هذه المواقف، كالخلفاء وسائر العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم رضي الله عنهم، وقد علمت أنه لم ينقل فيهما مسندًا إلا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)([57]). فإن سكوت كبار الصحابة رضي الله عنهم كافٍ.

[2] وأما حديث علي رضي الله عنه:

فجاء عن سلمة بن صهيب الأرحبي عن عليٍّ رضي الله عنه قال: «انشقَّ القمر ونحنُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم»([58]).

وهذا الحديث لم يذكره رشيد رضا، لعدم اطلاعه عليه.

[3] وأما حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:

فجاء عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: خطبنا حُذيفة بن اليمان بالمدائن، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «{اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ}، ألا وإنّ الساعة قد اقتربَتْ، ‌ألا ‌وإنّ ‌القمر ‌قد ‌انشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وإنّ الدنيا قد آذنت بفراقٍ، ألا وإنّ اليوم المِضمار وغدًا السّباق»([59]).

قال رشيد رضا: (وابن جرير لم يذكر أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)([60]).

قلت: وهذا لا يضر، فإن زيادة الثقة مقبولة.

قال الشيخ رشيد: (واتفقوا على أن عطاء بن السائب قد اختلط في آخر عمره وتغير فلا تقبل رواية أحد عنه في آخرته، ولكن شعبة من قدماء الرواة عنه).

قلت: قد ذكر الاعتراض وأجاب عنه! فليس في اختلاط عطاء بن السائب ما يقدح في الرواية.

قال الشيخ: (وقد روى ابن المنذر أنه – أي حذيفة – قرأ (وقد انشق القمر)، والرواية تدل على أن هذا خطأ؛ فإنه قرأ الآية في خطبته كما رواها القراء بالتواتر، ثم قال: ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، وهذا من كلامه على أنه تفسير، على أن أمثال هذه الروايات الآحادية الغريبة لا يثبت بها القرآن، بل لا بد من تواتره)([61]).

قلت: قراءة: (وقد انشق القمر) من القراءات الشاذّة([62])، ولا مدخل لذلك في القدح في حديث حذيفة، فضلا عن أن يقدح في أصل ثبوت انشقاق القمر من قريبٍ أو بعيد. 

[4] وأما حديث جبير بن مطعم بن عدي رضي الله عنه:

فجاء عن حصين بن عبد الرحمن عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جدّه فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ‌وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»([63]).

وقد سعى رشيد رضا إلى تضعيف هذه الرواية لأنها تقدح في دعوى انفراد ابن مسعود رضي الله عنه بالحديث، فقال: (ورواه الإمام أحمد وتبعه ابن جرير والبيهقي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه من طريق سليمان بن كثير عن حصين بن عبد الرحمن عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه)([64]).

قلت: الحق أن هذا الحديث قد اختُلف في هذا الحديث على حصين، فرواه بعضهم عنه عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن جبير عن أبيه، ورواه بعضهم عن حصين عن محمد بن جبير عن أبيه، كما ذكر رشيد رضا، ولا نطوّل بذكر من خرج طرقهم لكونها مرجوحة، والطريق الراجح هو ما قدّمناه: عن حصين بن عبد الرحمن عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جدّه.

قال الدارقطني: (وقول ‌من ‌قال: عن ‌جبير بن محمد، عن أبيه، عن جده، ‌أشبه) ([65]).

وقال البيهقي: (أقام إسناده إبراهيم بن طهمان، وهشيم، وأبو كريب والمفضل بن يونس، عن حصين).

وقال الذهبي عن هذا الطريق: (هو الأصح)([66]).

قال رشيد رضا: (فأما جبير فقد أسلم بعد عام الحديبية وقبل فتح مكة، وقيل في الفتح، وقد كان مع المشركين في غزوة بدر وأسره المسلمون، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور، قال: فكان ذلك أول ما دخل الإيمان في قلبي، وليس في حديثه أنه رأى، ولكن ظاهره أنه كان مسلمًا، ولم يكن مسلمًا، ولو رأى ذلك في حال شركه لعده بعد إسلامه مما أثّر في نفسه)([67]).

قلت: لا يلزم ما ذكرَه، إذ أدلة التوحيد وبراهين النبوة ما زال الكفار يرونها ويجحدونها أويعرضون عنها، ولم يكن ذلك بدليل على بطلانها أو عدم تحققها.

 قال رشيد رضا: (وأما السند إليه فضعيف: فسليمان بن كثير ضعَّفه ابن معين كما ضعَّف ولده محمدًا الذي روى هذا الحديث عنه، وقال ابن حبَّان: كان يخطئ كثيرًا.

وأما حصين بن عبد الرحمن فقد كان ثقة إلا أنه تغير في آخر عمره)([68]).

قلت: قد تقدّم أن هذا الطريق طريق مرجوح، ومع ذلك فإن رشيد رضا لم يستقص طرق الحديث، فقد تابع سليمان بن كثير من هذا الطريق خارجة بن مصعب بن خارجة كما أخرجه عن الطبري في تفسيره، وحصين بن نمير كما أخرجه عنه البزار.

وتغير حصين بن عبد الرحمن في آخر عمره لا يضر، فقد روى الحديث عنه هشيم، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط، مع أن بعض النقّاد كان ينكر اختلاطه، كعلي ابن المديني ([69]).   

[5] وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما:

فجاء عَنْ ‌مُجَاهِدٍ، عَنِ ‌ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «‌انْفَلَقَ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْهَدُوا([70]).

وهذا الحديث قدح فيه رشيد رضا بأن ابن عمر لم يشهد الرؤية لأنه من صغار الصحابة، وسيأتي الجواب عن ذلك عند الكلام في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[6] وأما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:

فجاء عَنْ ‌قَتَادَةَ عَنْ ‌أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ»([71]).

هذه الرواية هي عند الشيخ رشيد رضا العمدة في الاعتراض على أحاديث انشقاق القمر، وادّعاء التعارض بينه وبين نصوص الكتاب.

وذلك أن في حديث أنس أن تلك الآية جاءت عقب اقتراحٍ من المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم، والآية التي يقترحها المشركون لا ينزلها الله تعالى لأنه تعالى قال: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [الأنعام:37]، وقال: {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} [يونس:20]، وقال: { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7]، ويقال: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد:27]، وقال: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59]، وقال: {وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ} [طه:133-134].

فهذه الآيات هي عند رشيد رضا معارضة لحديث أنس، فأتى بادعائه تلك المعارضة بما لم يسبقه إليه عالمٌ، بل ادعى أن العلماء لو تأملوا تلك المعارضة لذهبوا إلى ما ذهب إليه، فقال: (‌ولو ‌فكر ‌شيخ ‌الإسلام رحمه الله تعالى في مسألة معارضة الآيات لحديث اقتراح كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم آية على صدقه، وكون القمر قد انشق إجابة لهم إلى هذا الاقتراح، كما جرى عليه هو وغيره أخذًا بحديث أنس المرسل، وكون المعارضة من وجهين:

أحدهما: الاكتفاء بالقرآن في إقامة الحجة على رسالته صلى الله عليه وسلم.

وثانيهما: كون إعطاء الآية باقتراح الكفار يقتضي وقوع العذاب كالذي وقع على الأولين.

وثَمّ وجه ثالث مصرَّح به في بعض الآيات، وهو عدم الفائدة في إجابتهم إليها.

نعم، لو فَكَّر وأجال قلَمَه السيَّال في هذا لرأينا من تحقيقه فيها ما لا يدع مجالاً لقائل، كدأبِه في أكثر ما يحققه من المسائل، ولكن شَغَله عن التفكر في هذا توجيه همته كلها إلى الرد على أولئك الفلاسفة والمبتدعة الذين يردون كل ما يخالف نظرياتهم وآراءهم)([72])

وينبغي أولًا تحرير محل النزاع: فليس النزاع في كون تلك الاقتراحات التي اقترحها الكفار على النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزلها الله تعالى للحِكَم التي ذكرها رشيد رضا، وهي الاكتفاء بالقرآن، وأن العذاب يحصل عقبها، وأنها لا فائدة منها، كما دلّ على ذلك الآيات التي قدّمناها([73])، وإنما محل النزاع في اندراج آية انشقاق القمر في تلك الاقتراحات.

ويدل على عدم اندراج آية انشقاق القمر في تلك الاقتراحات وجهان:

الوجه الأول: أن الآيات التي احتجّ بها رشيد رضا ومنها قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59] (لا تدل على أن الله امتنع من أن یرسل آیات مطلقًا، وإنما معنى ذلك إن الكفار كانوا یطالبون النبي علیه الصلاة والسلام بمثل الآیات التي جاء بها الأنبیاء قبله، كعصا موسى ویده، وناقة صالح، وكإحیاء عیسى للموتى، ویقولون: إذا جئتنا بذلك آمنا لك وصدقنا.

فأبى الله علیهم ذلك وقال ما منعنا أن نرسل إلیهم الآیات التي طلبوا إلا أنها لن تجدي فیهم، ولن یؤمنوا بها كما لم یؤمن بها من قبلهم من الأمم، وهم مثلهم عنادًا وضلالًا .

فالذي أخبر القرآن أن الله امتنع من أن یرسله هو ما كان مثل آیات الأنبیاء التي تكون هي الآیة الكبرى لأنبیائه، لا مُطلق الآیات)([74]).

ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء:5].

يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى: (ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار اقترحوا على نبينا أن يأتيهم بآية كآيات الرسل قبله؛ نحو ناقة صالح، وعصى موسى، وريح سليمان، وإحياء عيسى للأموات وإبرائه الأكمه والأبرص، ونحو ذلك.

وإيضاح وجه التشبيه في قوله: {كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} هو أنه في معنى: كما أتى الأولون بالآيات -لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات- فكذلك أرسل محمد صلى الله عليه وسلم بالمعجزة)([75]).

ونحن لا ندّعي أن معجزة انشقاق القمر هي المعجزة الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ندّعي أنها إحدى معجزاته العظيمة، فالعلة في العقوبة والإهلاك عقب نزول تلك الآيات ليس مجرد كونها مقترحة، حتى نلحق آية انشقاق القمر، استدلالًا بما جاء في حديث أنس رضي الله عنه، وإنما العلة في ذلك كونها المعجزات الكبرى لأولئك الأنبياء.  

ولذلك قال أبو سليمان الخطابي عند حديثه عن آية انشقاق القمر: (ولو أحبّ الله أن تكون معجزات نبيّه عليه السلام أمورًا واقعةً تحت الحسِّ قائمةً للعيان حتى يشترك في معاينته الخاصة والعامة، لفعل ذلك.

ولكنه سبحانه قد جرت سُنَّته بالهلاك والاستئصال في كل أمّة أتاها نبيُّها بآيةٍ عامة يُدركها الحسُّ فلم يؤمنوا بها، وخصَّ هذه الأمة بالرحمة فجعل آية نبيها التي دعاهم إليها وتحدَّاهم بها عقليَّة، وذلك لما أُتوُه من فضل العقول وزيادة الأفهام، ولئلا يهلكوا فيكون سبيلهم سبيل من هلك من سائر الأمم المسخوط عليهم المقطوع دابرهم، فلم يبق لهم عين ولا أثرٌ.

والحمد لله على لطفه بنا، وحسن نظره لنا، وصلى الله على نبيه المصطفى وعلى آله وسلم كثيراً)([76]).

 فالكلام كلّه إنما هو في المعجزات الكبرى، فعصا موسى وناقة صالح المذكورة في قوله تعالى: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} يقابلها في معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن، لا انشقاق القمر.

الوجه الثاني: وهو وجه إلزامي لمن أقر بمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسيّة مثل حنين الجذع وتسبيح الحصى وغيرها، فيقال له:

(الآیات التي ذكروها إما أن تكون دلیلاً على نفي الآیات المادیة مطلقًا، أو تكون دلیلاً على نفي نوع خاص منها.

الأول لا یمكن أن یصار إلیه لأنه علیه السلام قد أوتي آیات مادیة كثیرة بالإجماع والتواتر، فنبع الماء من بین أصابعه وسبح له الحصى والطعام حتى سمعوه، وحن الجذع الذي كان یخطب علیه لما أن تركه، وزاد الطعام والشراب، على یدیه. وذلك كثیر.

وإن أرید الثاني فمن أین علم المخالفون أن انشقاق القمر من القسم الذي منع إنزاله ؟! هم یحتاجون إلى دلیل.

وأیضًا: هذه الآیات لیست أبین في النفي من آیة الانشقاق وأحادیث الإثبات، فإن آیة الانشقاق وأحادیثه نص في معناه، وأما الآیات التي زعموها نافیة فلا یقدر المخالف أن یدعي أنها نص في نفي انشقاق القمر.

وحینئذٍ لیس من العدالة أن یترك البیِّن الواضح للخفي المتكلف، ومن فعل ذلك فقد فاته الإنصاف والاتزان الفكري)([77]).

وبهذا يتبين ضعف ما ذكره رشيد رضا، وأن ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه من أن انشقاق القمر جاء عقب سؤال لا يفيد من أنكر انشقاق القمر في شيء.

ويتبين أيضًا أن شيخ الإسلام وغيره من العلماء إنما أعرَضُوا عن الالتفات لمثل هذه المعارضة أو لم تخطر في أذهانهم أصلًا لشدة ضعفها، لا لكونهم شغلوا بحجج الفلاسفة أو غيرهم عنها!

[7] وأما حديثُ ابن عبّاس رضي الله عنهما:

فقد رواه عنه عدد من التابعين، فرواه عَنْه ‌عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ‌ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ ‌الْقَمَرَ ‌انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»([78]).

وعن الضحّاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت أحبار اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أرِنا آيةً حتى نؤمن. فسأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ربّه أن يريهم آية، فأراهم القمر قد انشقّ، فصار قمرين؛ أحدهما على الصفا، والآخر على المروة، قدْر ما بين العصر إلى الليل ينظرون إليه، ثم غاب القمر، فقالوا: هذا سحرٌ مستمرٌّ([79]).

وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كُسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سَحَر القمر. فنَزَلَت: {اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ} إلى قوله: {مُسْتَمِرٌّ}([80])

وجاء الحديث من طرق أخرى عن ابن عبّاس لكن هذه أصحها.

وقد أعلَّ رشيد رضا حديثَ أنس وحديث ابن عبّاس بأنهما من مراسيل الصحابة!! فقال: (وإنما كان هذان الحديثان مرسلين لأن الحادثة وقعت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين، ولم يكن ولد عبد الله بن عباس، وأما أنس فكان في المدينة ابن خمس سنين، والخلاف في الاحتجاج بالمرسل معروف.

‌ومن ‌يحتج ‌بمراسيل ‌الصحابة مطلقًا يبني احتجاجه على أنهم يروون عن مثلهم، ولكن ثبت أن بعضهم كان يروي عن بعض التابعين حتى كعب الأحبار.

وعلى كل حال لا يصح في مراسليهم ما اشترط في التواتر من الرواية المتصلة إلى من شاهد المروي، ورواية الشيخين المتصلة من طريقين فقط)([81]).

والجواب عما ذكره من وجوه:

الأول: أن الاحتجاج بمرسل الصحابي هو قول الجماهير، ولم يذكر ابن الصلاح فيه خلافًا، وذكر العراقي فيه مخالفة أبي إسحاق الإسفراييني([82])، فالخلاف فيه ضعيف، وليس كما أوهم كلام رشيد رضا أنه خلافٌ قويٌّ معتبر.

الثاني: أن رواية بعض الصحابة عن كعب الأحبار لا يضر، لأن مثلهم لا يروج عليه الكذب، ويميزون بين ما يؤخذ وما يترك، وقد أكثر رشيد رضا من الطعن في كعب رحمه الله وبالغ في ذلك، ورد ذلك عليه كثير من أهل العلم كالمعلمي وغيره.

الثالث: أن مراسيل الصحابة لا تضر في التواتر، لأن مرسل الصحابي في حكم الموصول المسند؛ لأن روايتهم عن الصحابة، والجهالة بالصحابي غير قادحة؛ لأن الصحابة كلهم عدول.

الرابع: أن المراسيل إذا ‌تعددت ‌طرقها، وخلت عن المواطأة قصدًا، أو الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعًا، وقد حرر ذلك شيخ الإسلام وبين وجهه، فلا نطول بتفصيل ذلك([83]).

ولم يكن العلماء المتقدّمون في غفلةٍ عن هذا الاستشكال الذي طرحه رشيد رضا، ولذلك قال الإمام أبو المظفر السمعاني في تفسيره: (فإن قيل: ابن عباس لم يكن رأى انشقاق القمر، فكيف تصح روايته؟

والجواب: أنه قد ثبت انشقاق القمر بالرواية الصحيحة، رواه ابن مسعود، وجبير بن مطعم، شهدا بالرؤية، ورواه ابن عباس وابن عمر وأنس، وروى بعضهم عن بعضهم عن عبد الله بن عمرو، ومن المحتمل أنه روي عن رؤية)([84]). وهذا الاحتمال لم يقم له رشيد رضا وزنًا، وعدم ذكر صغار الصحابة للتحديث عن رؤية ليس دليلًا على نفيها.

ثالثًا: جواب الاعتراض على أحاديث انشقاق القمر بدعوى عدم تواترها:

من المتقرر أن انفراد الآحاد بنقل ما تتوفر الدواعي على نقله، وقد شاركهم خلقٌ كثيرٌ، كما لو انفرد عدد قليل بنقل خبر قتل خطيب على المنبر في مدينة، أن ذلك الانفراد يدلُّ على كذب الخبر، وبذلك يُعلَم كذبُ خبرِ من ادَّعَى وجود معارضةٍ للقرآن، وبهذا الأصل أجابوا عن دعوى الرافضة النصّ على إمامة عليٍّ رضي الله عنه.

وهذه المقدمة ليسَت محلَّ نزاع بين من أثبتَ انشقاق القمر أو نفاه([85])، وإنما النزاع في مُنافاة أخبار انشقاق القمر لها.

فقد رأى المنكرون لانشقاق القمر أن في مقالتهم جريانًا على هذا الأصل، بأن قالوا: إن انشقاق القمر لو وقَع لكان من شأنِه أن يشتهر، فلمَّا لَم يشتهر دل ذلك على كذب نقلته.

وبذلك طعَن النَّظَّام في عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لنقله هذا الخبر.

قال ابن قتيبة: (ثم طعنُه – أي النظّام – على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله: إن القمر انشق، وأنه رأى ذلك، ثم نسبه فيه إلى الكذب. وهذا ليس بإكذاب لابن مسعود، ولكنه بخسٌ لعَلَم النبوة، وإكذاب للقرآن العظيم، لأن الله تعالى يقول: {اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ ‌وَاِنْشَقَّ ‌الْقَمَرُ})([86]).

يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي في عرض هذا الإشكال: (وإنما أنكر ذلك بعضهم ظنًّا منه أنه لو كانَ لوجبَ أن يكُون نقلُه ظاهرًا، على خلاف الوجه الذي نقل عليه، لأنه أمر يظهر بمشاهدة الخلق، فلا يقع فيه الاختصاص)([87]).

ويقول رشيد رضا في تقرير هذا الإشكال: (‌ومن ‌المعلوم ‌بالبداهة أن انشقاق القمر أمر غريب، بل هو في منتهى الغرابة التي لا يُعد سقوط الخطيب في جانبها غريبًا؛ لأن الإغماء كثير الوقوع في كل زمن، ومتى وقع سقط صاحبه خطيبًا كان أو غير خطيب، وانشقاق القمر غير معهود في زمن من الأزمان، فهو محال عادة، وبحسب قواعد العلم ما دام نظام الكون ثابتًا، وإن كان ممكنًا في نفسه لا يعجز الخالق تعالى إن أراده؛ فلو وقع لتوفرت الدواعي على نقله بالتواتر لشدة غرابته عند جميع الناس في جميع البلاد ومن جميع الأمم)([88]).

وسيكون الجواب عن الإشكال بإذن الله ببيان المسلكين الذين أجاب بهما مثبتو انشقاق القمر عن هذا الدليل، ثم قلب هذه الدليل على أصحابه.

1- بيان مسلكي مثبتي انشقاق القمر في جواب إشكال عدم التواتر:  

وقد تباينت أجوبة المثبتين لانشقاق القمر عن هذا الإشكال بحسب درايتهم بالسنة، ومتونها، وأحوال نقَلَتها، ويمكن أن تندرج تلكم الأجوبة ضمن مسلكين:

المسلك الأول: التزامُ كونِ أحاديث انشقاق القمر متواترة:

وهذا هو التحقيق، لكن تواترَ انشقاق القمر تواترٌ خاصٌّ، لأنَّ أهلَ الحديث يتواتَرُ عندَهُم من الأحاديث ما لا يتواتر عند غيرهم، ومن سمع ما سمعه أهل الحديث وتدبر ما تدبّروه حصل له من العلم ما حصل لهم، فيعلم علمًا قطعيًا انتفاءَ احتمال وقوع الخطأ أو السهو أو الكذب في نقله.

يقول ابن عبد البر: (قد روى هذا الحديث جماعة كثيرةٌ من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالُهم من التَّابِعين، ثُمَّ نقله عنهم ‌الجمُّ ‌الغفير إلى أن انتهى إلينا)([89]).

ويقول ابن تيمية: (وانشقاقُ القمر قد أخبر الله به في القرآن، ‌وتواترَتْ به الأحاديث، كما في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود وأنس وابن عباس وغيرهم)([90]). ويقول في موضعٍ آخر: (وانشقاق القمر قد عاينوه وشاهدوه، وتواترَتْ به الأخبار)([91]).

ويقول ابن كثير: (أما انشقاقه من حيث الجملة، فمعلوم بالتواتر، قال الله سبحانه وتعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}.

وأما اختصاصُه بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاءت فيه أحاديث متعددة في الصحيحين من حديث ابن مسعود وابن عباس وأنس، فهي متواترة عند كثير من أهل الحديث؛ لأنها مفيدة للعلم بنفسها، وإن كانت آحادًا عند غيرهم)([92]).

ويقول في موضع آخر: (جاءت بذلك الأحاديث المتواترة من طُرُقٍ متعددة تفيدُ القطع عند من أحاط بها، ونظر فيها)([93]).

ويقول بدر الدين الزركشي: (والحق أنَّهُ مُتواتر، وقد رواه خلق من الصحابة، وعنهم خَلْقٌ، كما أوضحتُه في تخريجِ أحاديث المختصر)([94]).

ويقول الحافظ العراقي في ألفيته في السيرة النبوية:

وإذْ بغَتْ منهُ قريشُ أن يري … آيًا أرَاهُمُ انشقاقَ القَمَرِ

فصارَ فرقتين: فرقةً علَتْ … وفرقةً للطَّودِ منه نَزَلَتْ

وذاك مَرَّتين، بالإجماعِ … والنَّصِّ والتواتُرِ السَّمَاعِيْ([95])

ويقول الحافظ ابن حجر: (حنينُ الجِذع وانشقاق القمر نُقِلَ كُلٌّ منهما نقلًا مُستفِيضًا، يُفيدُ ‌القَطع ‌عند من يطلع على طرق ذلك من أئمة الحديث، دُونَ غيرهم، ممن لا ممارسة له في ذلك)([96]). وعبارةُ الحافظ من أتقن العبارات في هذه المسألة.

وقد مال إلى القول بتواتره ابن أمير حاج الحنفي – تلميذ ابن حجر – في (التقرير والتحبير في شرح التحرير)([97]).

وقال السفاريني: (قد ثبت انشقاق القمر بنص القرآن العظيم، وبالسنة الصحيحة الصريحة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد بلغت الأحاديث بذلك مبلغ التواتر)([98]).

وممن اشتهر عنه القول بتواتُرِه: تاج الدين السبكي، حيث قال في شرحه على مختصر ابن الحاجب بعد عرضه لهذا الإشكال: (والصحيح عندي في الجواب: الالتزام أن الانشقاق والحنين متواتر، وأما الانشقاق فمنصوص في القرآن، مرويٌّ في الصحيحين وغيرهما من طرق)، ثم أورد طُرُقَ هذا الحديث، ثم قال: (وله طُرق أخر شتى، لا يمتري في تواتُرِه محدِّث)([99]).

وقد حصل لتحقيقِ السبكي هذا قَبُولٌ حسَن، فاعتمدَهُ كَثيرٌ من المتأخرين كالهيتمي، واللقاني، والمناوي، والآلوسي، والكتاني([100])، وصاروا يتعقَّبُون به من لم يقل بتواتره من الأصوليين، كما فعل هشام جعيط التونسي في حاشيته على شرح التنقيح للقرافي.

ومن أقدم من وجدته التزم تواتر أحاديث الانشقاق من المتكلمين في جواب هذا الاعتراض: أبو منصور الماتريدي في تفسيره، فإنه نسب الاعتراض المتقدّم لأبي بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم المعتزلي، ثم أجاب عنه بقوله: (وقول أبي بكر: لو كان، لم يخْفَ وظهر؛ فيقال له: قد ظَهر؛ فإنه روي عن غير واحد من الصحابة رضي اللَّه عنهم، وتواتر الحديث عن الخاص والعام، وفشا الأمرُ بينَهُم، حتى قلَّ مَن يخفى عليه سماع هذا الحديث)([101]). وكذلك من المتكلمين الذين ذكروا تواتره: العضد الإيجي في (شرح المواقف).

وبما تقدّم يتبين بطلان قول رشيد رضا: (زعم بعض العلماء المتقدمين أن الروايات في انشقاق القمر بلغت درجة التواتر، وهو زعمٌ باطل، كقول ابن عبد البر الآتي أنه نقله جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، وإن تلقاه الكثيرون بالقبول، حِرصًا على ‌إثبات ‌مضمونه كعادتهم في الفضائل والمناقب ودلائل النبوة)([102]).

والباطل هو زعمه لا زعمهم، وبيان ذلك من وجوه:

الأول: أن العلماء الذين نقلوا تواتره هم أعلم بالسنة وأدرى بها من رشيد رضا، فلا يقدّم قوله على قولهم، وليس القول بالتواتر مما انفرد به ابن عبد البر، كما تقدّم، فكان الأجدر برشيد رضا أن يسلم لأهل الإجماع والتواتر إجماعهم وتواترهم، لا أن يضع نفسه بإزائهم([103]).

الثاني: أن العلم الذي يحصل لأئمة أهل الحديث بصحة الأخبار لا يمكنهم دفعه عن أنفسهم، إما لكثرة الطرق، أو قوّتها، أو مجموعهما([104])، وليس أمرًا مفتعلًا يخضع للهوى والرغبات الذاتية، كما يوهم كلامه.   

الثالث: أن ما يصف رشيد رضا به المحدثين الذين قالوا بتواتر حديث انشقاق القمر هو وصف ينطبق على أهل البدع لا حملة السنة ونقلة الشريعة.

فإن أهل البدع يعتقدون العقائد الموافقة لأصولهم، ثم يستدلون لها، ولذلك قال وكيعُ بنُ الجراح رحمه الله تعالى: (من طَلَب الحديث كما جاء فهو صاحب سُنَّة، ومن طلب الحديث ليقوِّيَ هواه فهو صاحب بدعة). قال البخاري رحمه الله تعالى: (يعني أن الإنسان ينبغي أن يُلقيَ رأيه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيثُ ثبت الحديث، ولا يعتلَّ بعللٍ لا تصح ليقوي هواه)([105]).

وقد قال رشيد رضا وهو يردّ اعتراض المخالف له في هذه المسألة: (والفرق بيننا وبين مَن يكتبون لتأييد مذهب كلامي أو فقهي: أن هؤلاء على اختلاف صفاتهم لا يقبلون ما يخالف مذاهبهم، وأما نحن فلا نلتزم مذهب إمام معين فنجعله أصلاً ترد إليه نصوص الكتاب والسنة، بل كلام الله ثم كلام رسوله عندنا فوق كل مذهب وكل إمام)([106]).

فهل يريد أن يقول: إن كل من خالف قوله في مسألة انشقاق القمر هو متعصّب لمذهبه الكلامي أو الفقهي؟ هذا ما لا يمكن ادِّعاؤه، إذ هو يعلم بلا ريب أن القائلين بانشقاق القمر ليسوا محصورين في من ذكر، بل السلف والأئمة لا يمكن أن يدّعي فيهم ما ذكره.

الرابع: أن حديث انشقاق القمر هو من أحاديث الاعتقاد، لما فيه من إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هو من باب فضائل الأعمال الذي ورد عن عبد الرحمن بن مهدي وغيره من علماء الحديث التساهل فيها.

ولذلك اعتنى بإثبات انشقاق القمر سائر الطوائف من أهل الكلام، وردّوا كلام النظّام وغيره من منكري خبر انشقاق القمر، فكيف يقال في هذا المبحث إنه من الأبواب التي يتساهل فيها؟

المسلك الثاني: التسليم بعدم تواتر أحاديث انشقاق القمر، وتوجيه عدم تواتره:

ذهب أصحاب هذا المسلك من مثبتي انشقاق القمر إلى القول بعدم تواتر أحاديث انشقاق القمر، وتوجيه ذلك بما لا يتنافى مع الأصل المقرر بأن ما تَوَفَّرت الدَّوَاعي لنقله متواترًا فلم ينقله إلا الآحاد كان كذبًا، وهي توجيهاتٌ تتفاوت قوةٌ وضعفًا.

وهذا المسلك سار عليه كثير من الأصوليين والمتكلمين من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم، وكان لقلة خبرتهم بالسنة أثرٌ في ما ذهبوا إليه من القول عدم التواتر، مع إقرارهم بثبوت انشقاق القمر بالآية والسنة الآحادية، ومن التوجيهات التي ذكروها في ذلك:

التوجيه الأول: أن يكون المسلمون لم ينقلوه بالتواتر اكتفاءً بذكر القرآن له:

يقول القاضي عبد الجبار بعد أن عرض هذا الإشكال: (وقد أجبتُ عن ذلك بأن حدوثَه قد يجُوز أن يكون في زمان يسير، فلم يشاهده إلا العدد القليل، أو عدد منهم فيهم كثرة، لكنهم لم ينقلوه، لأن ذكره في القرآن أغنى عنه)([107]).

وذكر ابن الباقلاني أيضًا هذا الجواب فقال: (ويمكن أيضًا أن يكون إنما لم يتشاغل أكثر المسلمين بنقله لنطق القرآن بحصوله وذكره، وليس كذلك ما عداه من الآيات المنقولة، لأنها غير مذكورة في القرآن، فاعتمد على إخبار الله سبحانه على انشقاقه، وانصرفت لأجل ذلك أكثر دواعي الناس عن نقله)([108]).

وأخذ ذلك عنه أبو القاسم الأنصاري فقال: (ويجوز أن يقال: إنما لم يُنقَل نقلًا مستفيضًا لنزول القرآن بوقوعه، وحصولِه، والاكتفاء به)([109]).  

التوجيه الثاني: أن الدواعي لم تتوفر لنقلِهِ اكتفاءً بمعجزة القرآن:

هذا التوجيه ذكره أبو عمرو ابن الحاجب في مختصَرِه الأُصولي([110])، يقول شارحه أبو الثناء الأصبهاني: (وكذلك المعجزات الأربعة الظاهرة على يد الرسول، لم تنقل نقلا متواترا؛ لأنه لم يتوفر الدواعي على نقلها؛ فإن عند وجود القرآن الذي هو أعظم المعجزات الدالة على صدق رسالته، ضعف دواعي نقل المعجزات الأخر؛ لأن المقصود الذي هو صدق رسالته، قد حصل بالقرآن، فقد استغني بالقرآن عن استمرار نقلِ هذه المعجزات متواترًا)([111]).

وهذا الموضع اعترضه السبكي في شرحه بتواتر الحديث كما تقدّم، وبين تواتره أيضًا ابن كثير والزركشي في تخريجهما لأحاديثه، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في تخريجه لأحاديث مختصر ابن الحاجب: (وأما انشقاق القمر؛ فنُوزِع في التمثيلِ به)([112]).

التوجيه الثالث: أن يكون الانشقاق حدث ليلًا في وقتٍ يسير:

أصل هذا الجواب موجود في كلام الزجاج وعبد الجبار والباقلاني، كما سيأتي عند الحديث في شبهة عدم رؤية القمر في الأقطار.

ويقول الجويني في جواب هذا الإشكال: (ويُمكِن أن يقال: انشقاقُ القمر آيةٌ ليليةٌ، لعلَّه جرَى والخلقُ نيامٌ، والمتيقِّظُون في أكنان، لا يترقبون القمر، وإن لحظَهُ لاحظٌ وفاقًا فغير بدع أن يحمله على تشعب في أشعة البصر، وانعراج عن الاستداد. فهذا وجه التكلف فيه. فإن وقع الانشقاق فلا محل لعدم الشيوع فيه إلا ما ذكرناه)([113]).

وقال أبو حامد الغزالي: (وأما انشقاق القمر فهي آية ليلية وقعت والناس نيام غافلون، وإنما كان في لحظة فرآه من ناظره النبي صلى الله عليه وسلم من قريش ونبهه على النظر له وما انشق منه إلا شعبة، ثم عاد صحيحًا في لحظة، فكم من انقضاض كوكب، وزلزلة وأمور هائلة من ريح وصاعقة بالليل، لا يتنبه له إلا الآحاد.

على أن مثل هذا إنما يعلمه من قيل له: انظُر إليه، فانشقَّ عَقِيْب القول والتحدي، ومن لم يعلم ذلك ووقع عليه بصره ربما توهم أنه خيال انقشع أو كوكب كان تحت القمر فانجلى القمر عنه أو قطعة سحاب سترت قطعة من القمر، فلهذا لم يتواتر نقله)([114]).

وقال القرافي: (والمعجزات ‌جمعت ‌بين الغرابة لكونها من خوارق العادات والشرف لأنها أصل النبوات، فإذا لم يتواتر شيء من ذلك ولم ينقله إلاّ واحد دل على كذب الخبر، إن كان قد حضره جمع عظيم، ولم يقم غيرُه مقامه في حصول المقصود منه، فالقيد الأوّل احتراز من انشقاق القمر، فإنه كان ليلاً ولم يحضره عدد التواتر..)([115]). ورده الشيخ هشام جعيط التونسي بالتزام حصول التواتر.   

وقال الحلبي في سيرته: (ولا يحسن الجواب عنه بأنه طلبه جماعة خاصة، فاختصت رؤيته بمن اقترح وقوعه، ولا بأنه قد يكون القمر حينئذ في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض، ولا بقول بعضهم إن انشقاق القمر آية ليلية جرى مع طائفة في جنح ليلة ومعظم الناس نيام)([116]).

وقد نقد الشيخ رشيد رضا هذا الوجه بقوله: (المعلوم ‌من ‌عادة ‌الناس في جميع البلاد أن يكونوا مستيقظين في أول الليل، ولا سيما في الليالي البيض التي يكون القمر فيها بدرًا يطلع من أول الليل، وأنهم يكثرون النظر إليه لجماله وخاصة في الأماكن الخلوية كمنى.

وقد علمت أنهم قالوا: إن انشقاقه كان قبل الهجرة بخمس سنين، ومن راجع حساب السنين في ذلك لذلك العهد علم أن موسم الحج قبل الهجرة بخمس سنين كان في فصل الصيف)([117]).

ولا يضر ضعف هذا الوجه، فإن التعويل ليس عليه، وإنما على ما بينّاه في المسلك الأول من ثبوت تواتر الحديث، ولذلك فإن هذه التوجيهات الثلاثة يمكن أن يقال بها على جهة التنزّل والتسليم الجدلي، وإلا فقد تقرر أن أحاديث انشقاق القمر متواترة.

ثم إن رشيد رضا لم يجب عن الوجهين الأول والثاني المتقدّمين، من أجوبة القائلين بانشقاق القمر، من القائلين بعدم تواتر الأحاديث، فلم يصح له الاعتراض بعدم التواتر مع قيام ذينك الاحتمالين.

2- قلبُ دليل عدم تواتر أحاديث انشقاق القمر:

ثم إننا بعد تقرير تواتر أحاديث انشقاق القمر، والجواب عنها على تقدير عدم تواترها، فإننا نقلب الدليل الذي احتج به منكرو انشقاقه عليهم، بأن نقول باستعمال عين القاعدة التي احتجوا بها في إنكار انشقاقه: إن القمر لو لم يكن قد انشق لتوفرت دواعي وهمم المشركين على بث الشكوك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بسبب ذلك، وتوفرت دواعي الناس على نقل ذلك، فلما لم يحصل ذلك دل ذلك على صدق الأخبار الواردة في انشقاقه.

يقول ابن تيمية: (ومعلوم بالضرورة في مُطَّرَد العادة أنه ‌لو ‌لم ‌يكن ‌انشق لأسرع الناس المؤمنون به إلى تكذيب ذلك فضلًا عن أعدائه من الكفار والمنافقين، لا سيما وهو يقرأ عليهم ذلك في أعظم مجامعهم، ومعلوم أنه كان من أحرص الخلق على تصديق الخلق له واتباعهم إياه، فلو لم يكن انشق لما كان يخبر به، ويقرؤه على جميع الناس ويستدل به، ويجعله آية له)([118]).

ويقول في موضعٍ آخر: (وأيضًا: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهذه السورة في الأعياد والمجامع العامة، فيسمعها المؤمن والمنافق ومن في قلبه مرض، ومن المعلوم أن ذلك لو لم يكن وقع لم يكن ذلك.

أمَّا أولًا: فلأنَّ مِنْ مقصوده أنَّ الناس يُصدِّقُونه ويُقرُّون بما جاء به، لا يخبرهم دائمًا بشيء يعلمون كذبه فيه، فإن هذا ينفرهم ويوجب تكذيبهم لا تصديقهم.

وأمَّا ثانيًا: فلأن المؤمنين كانوا يسألونه عن أدنى شبهة تقع في القرآن، حتى نساؤه فراجعته عائشة في قوله من نوقش الحساب عذب وذكرت قوله تعالى {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} حتى قال لها ذلك العرض.

وراجعته حفصة في قوله لن يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، وذكرت قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} حتى أجابها بقوله: (ألم تسمعي قوله تعالى {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}).

وراجعه عمر بقوله {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} عام الحديبية لما صالح المشركين على الرجوع ذلك العام، حتى قال له أبو بكر كما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أقال لك أن تدخله هذا العام؟ قال: لا. قال فإنك داخله ومطوف به.  وأمثال ذلك كثيرة.

 فكيف يقرأ عليهم دائمًا ما فيه الخبر بانشقاق القمر، ولا يرد على ذلك مؤمن ولا  كافر ولا منافق؟ مع أن ابن الزبعرى وغيرُه من المشركين تعلَّقُوا بالقياس الفاسد في قوله {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}، فقاس المسيح على الأصنام بكونه معبودًا وهذا معبود، وهذا من جهله بالقياس، فإن الفرق ثابت بأن هؤلاء أحيانًا ناطقون، وهم صالحون يتألمون بالنار فلا يعذبون، لأجل كفر غيرهم، بخلاف الحجارة التي تلقى في النار إهانة لها ولمن عبدها.

قال الله تعالى {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّون وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}

فلو لم يكن انشقاق القمر معلومًا معروفًا عندهم لعظم في إنكاره القيل والقال، وكثرة الاعتراض، وكثرة السؤال، وصار في ذلك من المراء والجدال، ما لا يخفى على أدنى الرجال)([119]).

ويقول الشيخ مصطفى صبري التوقادي في قلب الدليل عليهم: (ثم أقولُ عَاكِسًا لجوابِهِم عليهم: لو لم ينشقَّ القمرُ في عصر نبينا، ولم يشاهده أعداؤه المشركون في مكة، لكَذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في هذه الآية، وصار تكذيبهم المؤدي إلى تبين كذبه حادثةً هامةً أدعى إلى تناقل الألسنة والأقلام بها من تناقل حادثة الانشقاق نفسه.. )([120]).

رابعًا: دفع إشكال خفاء رؤية انشقاق القمر عن جميع الأقطار:

هذا الإشكال مذكور قديمًا في شبهات من أنكر انشقاق القمر، من المبتدعة الموافقين لمخالفي الملّة، كما يقول أبو إسحاق الزجّاج([121]).

ونقل ابن قتيبة عن النظّام قوله طاعنًا في سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (وزعم – أي ابن مسعود – ‌أن ‌القمر ‌انشق، وأنه رآه، وهذا من الكذب الذي لا خفاء به، لأن الله تعالى لا يشق القمر له وحده، ولا لآخر معه، وإنما يشقه ليكون آية للعالمين، وحجة للمرسلين، ومزجرة للعباد، وبرهانا في جميع البلاد. فكيف لم تعرف بذلك العامة، ولم يؤرخ الناس بذلك العام، ولم يذكره شاعر، ولم يسلم عنده كافر، ولم يحتج به مسلم على ملحد؟)([122]).

ويقول الإمام أبو المظفر السمعاني في عرض هذا الإشكال: (لو كان ثابتًا لرواه جميع الناس، ولأرَّخُوا له تاريخًا؛ لأنهم قد أرخوا ما دون هذا من الحوادث)([123]).

والجواب عنه من وجوه: 

الوجه الأول: أننا لا نسلم خفاء رؤية القمر عن جميع الأقطار، وقد دل حديث مسروق عن ابن مسعود أن المسافرين رأوا انشقاق القمر، ولذلك قال ابن عبد البر في دفع هذا الإشكال: (‌وقد ‌يطلع ‌على ‌قوم قبل طلوعه على آخرين، وأيضًا فإن زمن الانشقاق لم يَطُل، ولم تتوفر الدواعي على الاعتناء بالنظر إليه، ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى آفاق مكة يسألون عن ذلك، فجاءت السُّفَّار وأخبروا بأنهم عاينوا ذلك، وذلك لأن المسافرين في الليل غالبًا يكونون سائرين في ضوء القمر، ولا يخفى عليهم ذلك)([124]).

وأشار السمعاني أيضًا لهذه الرواية في جواب هذا الإشكال([125])، وبها استدل الزركشي على عدم انفراد أهل مكة بالمشاهدة([126]).

وقال الحلبي في سيرته مستدلًا بخبر مسروق عن ابن مسعود: (وهذا الكلام كما لا يخفى يدل على أنه لم يختص برؤية القمر منشقًا أهل مكة، بل جميع أهل الآفاق، وبه يُرَدُّ قول بعض الملاحدة: لو وقع ‌انشقاق القمر لاشترك أهل الأرض كلهم في معرفته، ولم يختص بها أهل مكة)([127]).

وهنا أورد الحلبي نقلًا عن الإصابة لابن حجر قصة رتن الهندي، الذي رأى انشقاق القمر زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الهند، فاشتاقت نفسه لاتباعه.

قال ابن كثير: (فإن قيل: فلم لم يعرف هذا في جميع أقطار الأرض؟

فالجواب؛ ومن ينفي ذلك؟ ولكن تطاول العهد والكفرة يجحدون بآيات الله، ولعلهم لما أخبروا أن هذا كان آية لهذا النبي المبعوث، تداعت آراؤهم الفاسدة على كتمانه وتناسيه.

على أنه قد ذكر غير واحد من المسافرين أنهم شاهدوا هيكلا بالهند مكتوبا عليه: إنه بني في الليلة التي انشق القمر فيها)([128]).

وقال: (ومع هذا قد شوهد ذلك في كثير من بقاع الأرض، ويقال: إنه أرخ ذلك في بعض بلاد الهند، وبني بناء تلك الليلة، وأرخ بليلة انشقاق القمر)([129]).

وقال الشيخ رحمت الله الهندي: (وفي المقالة الحادية عشر من تاريخ “فرشته” أن أهل مليبار من إقليم الهند رأوه أيضًا، وأسلم والي تلك الديار التي كانت من مجوس الهند بعد ما تحقق له هذا الأمر. وقد نقل الحافظ المزي عن ابن تيمية أن بعض المسافرين ذكر أنه وجد في بلاد الهند بناءً قديماً مكتوباً عليه: “بُنيَ ليلة انشق القمر”)([130]).

على أن إخبار القرآن بوقوعه كافٍ في ثبوته، والذي يطلب في أخبار الأمم ما يؤيده فإن أخبروا به صدّق، وإن لم يخبروا به لم يصدّق = فهذا لا يكون الاعتماد منه على إخبار القرآن، وقد كانوا يقولون لو ورد ذكرٌ لمعجز لنبينا صلى الله عليه وسلم لآمنّا بها، فهذا تناقض منهم([131]).

ولذلك قال الفخر الرازي: (وأما المؤرخون فتركوه، لأن التواريخ في أكثر الأمر يستعملها المنجم، وهو لما وقع الأمر قالوا: بأنه مثل خسوف القمر، وظهور شيء في الجو على شكل نصف القمر في موضع آخر فتركوا حكايته في تواريخهم، والقرآن أدل دليل وأقوى مثبت له، وإمكانه لا يشك فيه، وقد أخبر عنه الصادق فيجب اعتقاد وقوعه)([132]).

الوجه الثاني: على تقدير أن انشقاق القمر لم يرَهُ أحد إلا أهل مكة، أو من اقترح ذلك منهم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أُجِيبَ عن هذا السؤال بأجوبةٍ يتقرر من مجموعها أن عدم رؤية جميع الأقطار لا يلزم منه عدم وقوع الانشقاق، وذكروا لتقرير عدم التلازم احتمالاتٍ متعددةً، وهي احتمالات تتفاوت قوةً وضعفًا، بحسب دلالة الأخبار ومقتضى العادات.

وقد ذكر الزجّاج والخطابي وأبو نعيم بعض هذه الاحتمالات([133])، وذكر الطبرسي من الشيعة بعض الاحتمالات([134])، وذكر القاضي عبد الجبار المعتزلي بعضها أيضًا، ونقلَهُ عن شيخه أبي هاشم الجُبَّائي([135])، ثم وجدت أبا بكرٍ ابن الباقلاني قد كثّر الاحتمالات في ذلك بحيث شمل كلامه الاحتمالات التي ذكرها غيره.

يقول الباقلاني: (ولا وجه لقول من قال: لو كان ذلك صحيحًا لرواه البادي والحاضر والبر والفاجر والمؤمن والكافر، لأجل أنه آية سماوية، يراها الناس أجمعون، وكان يجب إطباقهم على حصوله، وإن اختلف في أنه معجز أو لا، أو أنه معجز لمن ادعاه آية له.

وإن كانت آية سماوية، فإنما تحدث بالليل والناس نيام، واليقظان منهم قليل، والمستيقظ قد لا يتأمَّل القمر وقت انشقاقه، ولا يخطر له ذلك ببال، وإنما يتأمَّله من قال له الرسول: آيتي أنكم ترون القمر منشقًّا في هذه الساعة، فيتأملونه ويصرفون أبصارهم نحوه ويعتمدون ذلك([136])، وليست هذه حال من يخبر بهذا، ويومىء بتأمُّله، فبطل ما قالوه.

وقد يكون انشقاقه في قدر طرف العين ثم يعود، فلا يتأمل ذلك الناس.

وقد يرى انشقاقه إذا بانت شظية منه يقدر أن ذلك كوكب انفصل من تحت القمر، وأنه ليس من جملته.

وقد يظن أيضًا ظانون أن ذلك القدر المنشق منه سحابٌ ستره، ثم انكشف عنه. ومثل هذا يقع فيه الشبهة والظنون.

ويجوز أيضًا أن يكون إنما رأى انشقاقه من قال له الرسول أن ذلك آية له، وحَجْبُ أبصار باقي الناس ومنعهم له من رؤيته خرق للعادة([137])، فيحصل انشقاقه آية من وجهين: أحدهما: كونه منشقًا، ولم تجر بذلك العادة.

والوجه الآخر: منع أكثر أبصار الناس من رؤيته، ولم تجر بذلك عادة، فيصير لذلك معجزًا من وجهين، وهذا غير ممتنع. فزال ما قالوه)([138]).

وقد أقر رشيد رضا بمعقولية احتمالي وقوع الرؤية لمدة لحظة، واحتمال أن يكون ذلك آخر الليل، وهذا كافٍ في دفع الاعتراض، لكنه ركن بعد ذلك في بحثه في وقوع انشقاق القمر إلى دعوى الاضطراب في الروايات، وسيأتي البحث فيها([139]).

الوجه الثالث: لأبي بكر الباقلاني جواب إلزامي للنصارى نقلوه عنه في قصة مناظرته لبعض كبارهم، وحاصله أن ملك الروم قال له: تزعمون أن القمر انشق لنبيكم، فهل للقمر قرابة حتى ترونه دون غيركم؟

فقال: وهل بينكم وبين المائدة إخوَّةٌ ونسب إذ رأيتموها، ولم ترها اليهود واليونان والمجوس، الذين أنكروها وهم في جواركم؟ فأُفحِم ولم يدر جوابًا([140]).

وقال السمعاني في جواب هذا الإشكال: (وقد رد الله تعالى الشمس ليوشع بن نون، ولم ينقل أنه أُرِّخَ لذلك أيضًا)([141]). ففي خبر يوشع بن نون أيضًا إلزام لليهود.

وهذا الوجه الأخير يُخاطَبُ بِه من كان مقرًّا بإمكان وقوع المعجزات الحسيّة، أما من كان منكرًا لها فيُخَاطَب بما يدل على إمكانها قبل إلزامه بإثبات ما نفاه، بناء على ما أثبته.

 

خامسا: دفع معارضات الإجماع على انشقاق القمر:

قال الأبياري في شرح برهان الجويني: (قد قال العلماء: إنكار انشقاق القمر مذهب أهل البدع)([142])

وقد حكى الإجماع على انشقاق القمر جمع من العلماء.

قال ابن كثير: (وقد ‌أجمع ‌المسلمون على وقوع ذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام)([143]).

وقال ابن حجر العسقلاني: (أجمع ‌المفسرون ‌وأهل السير على وقوعه)([144]).

وقال القسطلاني وابن حجر الهيتمي: (أجمع عليه المفسرون، وأهل السُّنّة)([145]).

وقال السفاريني: (أجمع على ذلك أهل الحق)([146]).

وعورضت حكاية الإجماع بعدة معارضات، وهي ما نقل عن الحسن، وعطاء الخراساني، والحليمي، والراغب الأصفهاني.

1- ما جاء عن الحسن البصري:

قال أبو العباس القرطبي في ردِّه: (والحسن البصري أعلم وأفضل من أن يذهب إلى شيء من ذلك، لا سيما مع شهرة القضية، وكثرة الرواة لها، واستفاضتها، وعلمه هو بالأخبار، وسلوكه طريق الصحابة والأخيار، وقد أدرك منهم جملة صالحة، وحصلت له بهم صفقة رابحة)([147]).

2 – ما جاء عن عطاء الخراساني:

عن عطاء الخُراسانيّ -من طريق ابنه عثمان- {وانْشَقَّ القَمَرُ} أنّ معناه: (وسينشقّ القمر) ([148]).

ولو ثبت فلا يلزم منه أن يكون عطاء نافيًا لانشقاق القمر، فقد يكون نزاعه في الدليل دون المدلول، أي قد ينزاع في دلالة الآية على انشقاق القمر، وإن كان لا ينازع في ثبوته بالأحاديث، فلا يلزم من عدم موافقته للإجماع في تفسير الآية أن يكون مخالفًا للإجماع في ثبوت انشقاق القمر.

3- ما جاء عن الحَلِيمي:

ذكر أبو عبد الله المازري في شرحه لبرهان الجويني أن موجب العدول إلى تأويل آية انشقاق القمر بأنه سينشق عند الحليمي هو المحافظة على الأصل القائل بأن الخبر إذا كان من شأنه أن يتواتر فلم يتواتر فإنه كذب، أي: فلا ينبغي أن يدل القرآن على ما هو كذب، فيلزم التأويل([149]).

والجواب أن المحافظة على الأصل المذكور لا يستلزم هذا التأويل، كما قدّمناه مفصّلًا.

وقد عزي للحليمي بناء على هذا التأويل إنكار انشقاق القمر، قال الزركشي: (وأما انشقاق القمر فمنهم من أنكره؛ لأنه لم يتواتر، وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، ونقل ذلك عن ‌الحليمي، هكذا حكاه عنه إمام الحرمين وابن القشيري والغزالي)([150]).

والحق أن الحليمي لا ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد انشق له القمر، ولا يكذِّب نقَلَته، كما صنع النظّام وغيره، وإنما ينقل هذا التأويل عن غيره، ويستدل له بأن انشقاق القمر الذي هو من أشراط الساعة وقع في زمانه! أي في القرن الرابع الهجري!! فهذا هو الصارف عنده الذي صرف اللفظ عن ظاهره. وهذا من أعجب ما قيل في مسألة انشقاق القمر.

يقول: (ومن الناس من قال في قوله: {اقتربت ٱلسَّاعَةُ ‌وَٱنشَقَّ ‌القمر} معناه: ينشق كما قال: {‌أتى أمر الله فلا تستعجلوه} [النحل: 1] أي: يأتي.

فإن كان هكذا، فقد أتى، ورأيت ببخارى الهلال وهو ابن ليلتين، منشقا بنصفين، عرض كل واحد منها كعرض القمر ليلة أربع، أو خمس، وما زلتُ أنظُر إليهما حتى اتصلا، ثم لم يعودا كما كانا، ولكنهما صارا في شكل أترجة، ولم أُمِل طرفي عنها إلى أن غابت، وكان معي ليلتئذ جماعة كثيفة من بين شريف وفقير وكاتب وغيرهم من طبقات الناس، وكل رأى ما رأيت، وأخبرني من وثقت به وكان خبره عندي كعياني أنَّهُ رأى الهلال وهو ابن ثلاث منشقًا بنصفين.

وإذا كان هذا هكذا؛ ظهر أن قول الله عز وجل: {‌وَٱنشَقَّ ‌ٱلۡقَمَرُ} إنما خرج على الانشقاق الذي هو من أشراط الساعة، دون الانشقاق الذي جعله الله تعالى آية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وحجة على أهل مكة، وبالله التوفيق)([151]).

فتأمل هذه الجملة الأخيرة تنبؤك أن الحليمي لا ينفي انشقاق القمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما نسبه إليه من نسبه، وقد ذكر انشقاق القمر في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الكتاب([152]).

وكذلك القصة التي ذكرها عن نفسه تدل أن ما شاهده بنفسه من انشقاق القمر في زمانه!! هو الصارف عنده للآية عن ظاهرها، لا ما ذكروه من كون الحديث لم يتواتر.

والقصد أنه ليس ثمة صارفٌ سالمٌ من الاعتراض على دلالة فعل (انشق) من الماضي إلى المستقبل، إلا إن عددنا مثل هذه الغرائب مما يوجب صرف الآيات عن ظاهرها!

4- ما جاء عن الراغب الأصفهاني:

يقول رشيد رضا: (قول المعترض يدل على أنه تفسير انفردنا به لم يسبقنا إليه أحد، وليس الأمر كذلك وإنما نقلناه عن غيرنا واخترناه على تقدير ما ظهر لنا في الرواية.

وعدم تسليم المعترض إياه ليس حجة على الذين قالوا به، وهم أعلم منه ومنا بهذه اللغة، وناهيك بالراغب – صاحب كتاب مفردات القرآن – الذي لا نعرف أحدًا من علماء اللغة يحدد معاني الكلمات العربية مثله.

.. وقد نقله شارح القاموس عن الراغب وأقره، ولم يقل: إن اللغة العربية تتبرأ منه، ولا أنه لا يُفهم، ويصح أن يعد من الألغاز. ولعله لو لم ينقل عن العرب قولهم: انشق الفجر والبرق، لعدَّه المنتقِد مما لا يُفهم أيضًا)([153]).

وكلام الراغب الذي عناه رشيد رضا هو قوله في المفردات: (الشَّقُّ: الخرم الواقع في الشيء. يقال: شَقَقْتُهُ بنصفين. قال تعالى: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا} [عبس: 26] ، {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً} [ق: 44] ، {وَانْشَقَّتِ السَّماءُ} [الحاقة: 16] ، {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، {‌وَانْشَقَّ ‌الْقَمَرُ} [القمر: 1]، وقيل: انْشِقَاقُهُ في زمن النّبيّ عليه الصلاة والسلام، وقيل: هو انْشِقَاقٌ يعرض فيه حين تقرب القيامة، وقيل معناه: وضح الأمر)([154]).

وتقديم الراغب للقول الأول يَدُل على اعتماده له، وإيراد القولين الآخرين بصيغة التمريض يدل على تضعيفه لهما، فكيف ينسب إليه هذا القول؟

وإنما ذكر القولين الآخرين الواهيين على جهة إيراد ما قيل في الآية من الأقاويل، لا على جهة التقوية لهما أو الاعتماد، ولو سلمنا أن الآية تحتملها عنده، فإنها تحتملها على وجهٍ مرجوح، وعدم تفصيله في ردّهما لا يلزم منه أن يكونا مقبولين عنده، ولا يلزم أن يقول إن العربية تتبرأ منهما، حتى نعلم أنهما غير مقبولين عنده.

وقد أورد الماوردي هذا الاحتمال في تفسيره كعادته في ذكر الاحتمالات والأوجه وإن كانت ضعيفة ومردودة، وإن كان لا يصرح بذلك، فقال: (فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: معناه وضح الأمر وظهر، والعرب تضرب مثلاً فيما وضح أمره ، قال الشاعر:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم … فإني إلى قوم سواكم لأميل

فقد حمت الحاجات والليل مقمر … وشدت لطيات مطايا وأرحل).

ثم ذكر القول المعتمد الصحيح فقال: (وهو قول الجمهور، وظاهر التنزيل، أن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ([155]).

فهل يصح نسبة هذا القول للماوردي أيضًا لمجرد ذكره له؟ هذا من عدم التحقيق لطرائق المفسرين ومناهجهم في إيراد الأقوال وتكثير الاحتمالات([156]).

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) «أعلام الحديث» (3/1618)، واشتهر هذا الكلام عند الحديث عن انشقاق القمر، واستفاده بلا عزو للخطابي: الهيتمي في «المنح المكية في شرح الهمزية» (ص326)، والسفاريني في «لوامع الأنوار البهية» (2/293).

([2]) «المستدرك» (5/40).

([3]) «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (4/333-334).

([4]) بحجة أن امتناع الخرق والالتئام في الأجرام السماوية، وقد قال الفخر الرازي: (وحديث امتناع الخرق والالتئام حديث ‌اللئام). «مفاتيح الغيب» (29/288). وقال رشيد رضا في نظرية الخرق والالتئام: (نظرية يونانية سخيفة، أجمع علماء الفلك في هذا العصر على بطلانها). «مفاتيح الغيب» (31/68).

([5]) «المغني في أبواب التوحيد والعدل» (16/419).

([6]) «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» (1/495).

([7]) «مجلة المنار» (30/261-272).

([8]) وذلك في كتابه «مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها» (19-37)، وقد صدر كتابه سنة 1935م، قبل صدور «هذه هي الأغلال» بسنوات. ورده جيد، وقد استفدت منه في هذه الورقة في بعض المواضع.

([9]) انظر مقالته في كتاب «القمر: أساطير وطقوس» وهو مجموعة مقالات استشراقية من ترجمة محمد خير محمود البقاعي.

([10]) انظر «البداية والنهاية» لابن كثير (4/303)، و«المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر» للزركشي (ص110)، و«المصنوع في معرفة الحديث الموضوع» للملا علي القاري (ص466).

([11]) «القمر: أساطير وطقوس» (ص302-303).

([12]) «الفكر الإسلامي في الرد على النصارى» لعبد المجيد الشرفي (ص475).

([13]) «فتح الباري» (11/352).

([14]) «القمر: أساطير وطقوس» (ص303).

([15]) «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (7/405).

([16]) «الكشاف» (4/431).

([17]) «تأويل مختلف الحديث» (ص79).

([18]) «تفسير السمعاني» (5/307).

([19]) «هداية المسترشدين» (4/431).

([20]) «شرح الإرشاد» (3/242).

([21]) «التفسير الوسيط» (4/207).

([22]) «فتح الباري» (11/353).

([23]) «هداية المسترشدين» (4/431).

([24]) «موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين» (4/170).

([25]) «تفسير السمعاني» (5/307).

([26]) «زاد المسير» (4/197).

([27]) «شرح مشكل الآثار» (2/182).

([28]) «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» (1/495).

([29]) «هداية المسترشدين» (4/431).

([30]) أخرجه ابن جرير (22/ 107),

([31]) «شرح مشكل الآثار» (2/184).

([32]) «زاد المسير» (4/197).

([33]) «التفسير الوسيط» (4/207).

([34]) «المحرر الوجيز» (5/211).

([35]) «التحقيق والبيان في شرح البرهان» (2/628).

([36]) «البحر المحيط» (10/33).

([37]) «الدر المصون» (10/119).

([38]) «المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر» (ص111).

([39]) «مجمع البيان» (9/310).

([40]) «موقف العقل» (4/172).

([41]) كان الشيخ رشيد في كل سنة يكتب في مجلة المنار فقرة بعنوان ( الدعوة إلى انتقاد المنار ) ، يقول فيها ما مثاله : (إننا ندعو من يطلع على المنار من علماء الدين وغيرهم من أهل العلم والرأي أن يكتبوا إلينا بما يرون فيه من الخطأ في المسائل الدينية وغيرها، أو ما ينافي مصلحة أمتنا وأوطاننا التي نعيش فيها، ونعد المنتقدين بنشر كل ما يرسل إلينا من نقد مع بيان رأينا فيه … إلخ ). وكانت هذه الدعوة تلقى استجابة وتجري على صفحات المنار مباحثات في مسائل مختلفة، من بينها هذه الرسالة من أحد النجديين، الذي لم يفصح عن اسمه.

([42]) «مجلة المنار» (31/64).

([43]) «نقض الدارمي على بشر المريسي» (ص332).

([44]) يعني بذلك رشيد رضا.

([45]) «مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها» (ص21).

([46]) «موقف العقل» (4/172-173).

([47]) أخرجه البخاري (3636، 4865) ومسلم (7173) والترمذي (3287) والنسائي في «الكبرى» (11489) والحميدي (86 م) وأحمد (3636، 3583) وابن حبان في صحيحه (6973) والبزار (1801) من طرق عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، ولم يرو هذا الحديث عن مجاهد سوى ابن أبي نجيح، كما ذكر البزار (5/202).

وأخرجه البخاري (4864، 3869، 3871) ومسلم (7174، 7175، 7177) وأحمد (4270، 4360) والنسائي في «الكبرى» (11488) وابن حبان في صحيحه (6972) من طرق عن الأعمش عن إبراهيم النخعي. وقد اختلف فيه على إبراهيم، وهذا هو الطريق المحفوظ كما بينه الدارقطني في «العلل» (5/170).

وكلاهما (مجاهد وإبراهيم) رواه عن أبي معمر به.

([48]) إذا ذكر في روايات انشقاق القمر مجيء الحديث عن المغيرة فهو هذا، لا الصحابي المغيرة بن شعبة، كما وهم في ذلك الزركشي في «المعتبر في تخريج أحاديث المختصر» (ص110)، فإن المغيرة بن شعبة لم يروه ولم يخرجه أحد من طريقه.    

([49]) أخرجه موصولًا أبو داود الطيالسي (293) وابن جرير (22/ 106 – 107) وأبو نعيم في دلائل النبوة (211، 212) والبزار (1971) وأبو طاهر الذهلي في فوائده – كما في الفتح (11/348) – والبيهقي في «الاعتقاد» (ص270) وفي «دلائل النبوة» (2/ 266 – 267)، والواحدي في «أسباب النزول» (ص 400)، وابن حجر في «موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر» (1/203) وصححه.   

([50]) عقب حديث (3869).

([51]) «مجلة المنار» (30/272).  

([52]) أخرجه الطبراني في «الكبير» (9997).

([53]) جاء من طريق علي بن أبي طلحة وعطية العوفي وأبي صالح كما أخرجها ابن جرير (22/ 110).

([54]) «مجلة المنار» (30/262-263).

([55]) «شرح مشكل الآثار» (2/183).

([56]) «تفسير السمعاني» (5/307).

([57]) «مجلة المنار» (30/268).

([58]) أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (696). قال ابن حجر في «موافقة الخبر» (1/201): (فأما حديث علي فلم أقف عليه، ونقل بعضُ من أدركناه أن عبد بن حميد وابن جريج أخرجا في تفسيريهما حديث علي، وحديث المغيرة في ذلك أيضًا، فراجعتُ التفسيرين فلم أر واحدًا منهما في المظنة). قلت: قد عرفتَ أن الطحاوي أخرج حديث عليٍّ، وأما حديث المغيرة فقد تقدّم أنه جاء عن مغيرة بن مقسم عن أبي الضحى، وأن نقله عن المغيرة بن شعبة وهم. 

([59]) أخرجه ابن أبي شيبة (37526) وعبد الرزاق (5285) والحاكم في «المستدرك» (9015) وصححه وأبو نعيم في «دلائل النبوة» – كما في «البداية والنهاية» (4/295) – و(الحلية) (1/281) ومن طريقه ابن حجر في «موافقة الخبر» (1/205-206) ، وقال أبو نعيم: (رواه جماعة عن عطاء مثله). 

([60]) «مجلة المنار» (30/264).

([61]) «مجلة المنار» (30/263).

([62]) انظر «موسوعة التفسير بالمأثور» (21/6).

([63]) أخرجه من هذا الطريق الحاكم في «المستدرك» (3802) والطبراني في «الكبير» (1560) والبزار (3436) والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/268)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

([64]) «مجلة المنار» (30/263).

([65]) «العلل» (13/418).

([66]) «تاريخ الإسلام» (1/596).

([67]) «مجلة المنار» (30/263).

([68]) «مجلة المنار» (30/263).

([69]) «شرح علل الترمذي» (2/739-741).

([70]) أخرجه مسلم (7176، 7177) والترمذي (2182 و3288) وابن حبان (6496) من طرق عن شعبة بن الحجاج، عن سليمان الأعمش، عن مجاهد به. ومن هذا الطريق أخرجه الحاكم في «المستدرك» برقم (3801) لكن وقع عنده: (ابن عمرو) بدلًا من ابن عمر.

([71]) أخرجه أحمد (13336) والبخاري (3637) والبيهقي في الدلائل (2/263) عن سعيد بن أبي عروبة، وأحمد (13186) والبخاري (3637، 4897) ومسلم (7178) وأبو يعلى (3113) والبيهقي في (الدلائل) 2/262) و(الاعتقاد) من طريق شيبان بن عبد الرحمن، وأحمد (13958، 13959) والبخاري (4868) ومسلم (7180) وأبو يعلى (2929، 2942، 3134) من طريق شعبة، وأحمد (12718) وعبد بن حميد (1185) ومسلم (7179) والترمذي (3286) والنسائي في (الكبرى) (11490) وأبو يعلى (3187) والحاكم في المستدرك (3803) والبيهقي في (الدلائل) (2/263) من طريق معمر، والطبراني في (مسند الشاميين) من طريق سعيد بن بشير (وهو ضعيف)، خمستهم (ابن أبي عروبة، وشيبان، وشعبة، ومعمر، وسعيد بن بشير) عن قتادة، عن أنس به. 

([72]) «مجلة المنار» (31/68).

([73]) انظر «مفاتيح الغيب»، «أضواء البيان» (2/224).

([74]) «مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها» للقصيمي (ص29).

([75]) «أضواء البيان» (4/695).

([76]) «أعلام الحديث» (3/1620).

([77]) «مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها» للقصيمي (ص30).

([78]) أخرجه البخاري (3638، 3870، 4866) ومسلم (7181) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فذكره. وخرجه الحاكم في المستدرك (3800) وقال (5/40): (لم يخرجاه) قال ابن حجر: (وهم في استدراكه، فإن البخاري أخرجه). قلت: وخرجه مسلم أيضًا.

([79]) أخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوة» (210).

([80]) أخرجه الطبراني في «الكبير» (11642، 11643) عن عكرمة، عن ابن عباس به، وجوَّدَ ابن كثير إسناده في «البداية والنهاية» (4/ 299).

([81]) «مجلة المنار» (30/263).

([82]) انظر «شرح التبصرة والتذكرة» للحافظ العراقي (1/214).

([83]) انظر «شرح مقدمة في أصول التفسير» د. مساعد الطيار (ص132-135).

([84]) «تفسير السمعاني» (5/307).

([85]) إنما نفاها الرافضة لأنها تسدُّ عليهم باب ادعاءِ وجود النصّ على إمامة علي. انظر «فضائح الباطنية» (ص132-141) للغزالي، و«غاية السول وإيضاح السبل» لابن المطهر الحلي (1/437-438)، وهو شرحه لمختصر الحاجب، ومَا ذكره الحافظ نقلًا عن ابن الحاجب في «فتح الباري» (10/463).

([86]) «تأويل مختلف الحديث» (ص79).

([87]) «المغني في أبواب التوحيد والعدل» (16/419).

([88]) «مجلة المنار» (30/267).

([89]) «فتح الباري» (11/352).

([90]) «الصفدية» (1/139).

([91]) «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (1/222).

([92]) «تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب» (ص150-151).

([93]) «البداية والنهاية» (4/296).

([94]) «البحر المحيط» (6/125). وانظر في تخريج الزركشي لتلك الأحاديث كتابه «المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر» (ص108-111).

([95]) «ألفية السيرة النبوية» (ص66).

([96]) «فتح الباري» (10/463)، ونقله عنه الحلبي في «سيرته» (1/434).

([97]) (2/298).

([98]) «لوامع الأنوار البهية» (2/293).

([99]) «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» (2/322-325).

([100]) «المنح المكية في شرح الهمزية» للهيتمي (ص326)، «عمدة المريد شرح جوهرة التوحيد» للقاني (3/1013)، و«نظم المتناثر من الحديث المتواتر» للكتاني (ص211-212)، «روح المعاني» للآلوسي (14/74).

([101]) «تأويلات أهل السنة» (9/441).                                                       

([102]) «مجلة المنار» (30/262).

([103]) انظر «مجموع الفتاوى» (18/51) .

([104]) انظر «جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية» (ص38).

([105]) «جزء رفع اليدين» للبخاري (ص120-121).

([106]) «مجلة المنار» (31/67).

([107]) «المغني في أبواب التوحيد والعدل» (4/419).

([108]) «هداية المسترشدين» (4/432).

([109]) «شرح الإرشاد» (3/241).

([110]) «منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل» (1/546).

([111]) «بيان المختصر» (1/668).

([112]) «موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر» (1/201).

([113]) «البرهان في أصول الفقه» (1/226).

([114]) «المستصفى». وانظر: «فضائح الباطنية» للغزالي (ص140-141).

([115]) «شرح تنقيح الفصول» (ص686).

([116]) «السيرة الحلبية» (1/433-434).

([117]) «مجلة المنار» (30/229).

([118]) «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (4/334).

([119]) «الصفدية» (1/139-142).   

([120]) «موقف العقل» (4/170-171).

([121]) «فتح الباري» (11/350).

([122]) «تأويل مختلف الحديث» (ص74).

([123]) «تفسير السمعاني» (5/307).

([124]) «فتح الباري» (11/352).

([125]) «تفسير السمعاني» (5/307).

([126]) «المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر» (ص110).

([127]) «السيرة الحلبية» (1/433-434).

([128]) «البداية والنهاية» (8/564).

([129]) «البداية والنهاية» (4/299).

([130]) «إظهار الحق» (4/1039-1040). وانظر «فيض الباري» لصديق حسن خان (5/408).

([131]) «موقف العقل» (4/170).

([132]) «مفاتيح الغيب» (29/288).

([133]) أورد كلامهم الحافظ ملخصًا وعلق عليه في «فتح الباري» (11/350-352).

([134]) «مجمع البيان» (9/310).

([135]) «المغني في أبواب التوحيد والعدل» (16/419).

([136]) ذكر أبو حامد الغزالي الحكمة المقصودة بناءً على هذا الاحتمال، وهي أن لا يتحدَّى لنفسه بعض الكذابين في الأمصار فيستدل به على صدق نفسه. «فضائح الباطنية» (ص141).

([137]) هذا الوجه ذكره أبو هاشم الجُبَّائي، ونقله عنه القاضي عبد الجبار في «المغني». ونقله مختصرًا أبو القاسم الأنصاري في «شرح الإرشاد» (3/242)، وذكره القرطبي في «الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام» (ص350).

([138]) «فتح الباري» (11/352).

([139]) «مجلة المنار» (30/272).

([140]) انظر القصة كاملة في «التراتيب الإدارية» للكتاني (1/177)، وقد نقلها عن «شرح الشفا» للتلمساني.

([141]) «تفسير السمعاني» (5/307).

([142]) «التحقيق والبيان في شرح البرهان» (2/628).

([143]) «البداية والنهاية» (4/296).

([144]) نقله الكتاني في «نظم المتناثر من الحديث المتواتر» (ص212)، وفي «فتح الباري» (11/347) في تعقب شيخه العراقي: (مع أن في نقل الإجماع في نفس الانشقاق نظرًا كما سيأتي بيانه)، وما ذكره بعد صفحات «فتح الباري» (11/352) هو أن بعض أهل العلم من القدماء ذهبوا إلى هذا التأويل، فكأنه رأى في قولهم مخالفة للإجماع، وسيأتي توجيه قول من نسب إليه هذا التأويل بما لا يخالف الإجماع على نفس الانشقاق.

([145]) «إرشاد الساري» (6/74)، «المنح المكية في شرح الهمزية» (ص326).

([146]) «لوامع الأنوار البهية» (2/293).

([147]) «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (7/405).

([148]) «الكشف والبيان» (25/194).

([149]) «إيضاح المحصول من برهان الأصول» (ص444).

([150]) «البحر المحيط» (6/125).

([151]) نقله البيهقي في «البعث والنشور» (ص104-105)، وهو في «المنهاج في شعب الإيمان» (1/430-431) بشيء من الإغلاق في النص، وقد تعجب ابن حجر من نقل البيهقي لكلام الحليمي وإقراره له. انظر «فتح الباري» (11/353).

([152]) «المنهاج في شعب الإيمان» (2/90).

([153]) «مجلة المنار» (31/67).

([154]) «مفردات ألفاظ القرآن» (ص459).

([155]) «النكت والعيون» (5/409).

([156]) انظر في منهج الماوردي في تفسيره  ورقة (الماوردي وتفسيره النكت والعيون) ضمن «سبع أوراق وثمانية أبحاث» للدكتور عبد العزيز الحربي (ص183-275).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

مخالفات من واقع الرقى المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره، وفعلها السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. وهي من الأمور المستحبّة التي شرعها الشارع الكريم؛ لدفع شرور جميع المخلوقات كالجن والإنس والسباع والهوام وغيرها. والرقية الشرعية تكون بالقرآن والأدعية والتعويذات الثابتة في […]

ألـَمْ يذكر القرآنُ عقوبةً لتارك الصلاة؟

  خرج بعضُ أهل الجدَل في مقطع مصوَّر يزعم فيه أن القرآنَ لم يذكر عقوبة -لا أخروية ولا دنيوية- لتارك الصلاة، وأن العقوبة الأخروية المذكورة في القرآن لتارك الصلاة هي في حقِّ الكفار لا المسلمين، وأنه لا توجد عقوبة دنيوية لتارك الصلاة، مدَّعيًا أنّ الله تعالى يريد من العباد أن يصلّوا بحبٍّ، والعقوبة ستجعلهم منافقين! […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017