فتاوى الدكتور علي جمعة المثيرة للجدل – في ميزان الشرع-
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
في الآونة الأخيرة اشتهرت بعض الفتاوى للدكتور علي جمعة، التي يظهر مخالفتُها للكتاب والسنة ولعمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين، كما أنها مخالفة لما أجمع عليه علماء الأمة في كل عصر.
ولا يخفى ما للدكتور من مكانة رسمية، وما قد ينجرّ عنها من تأثير في كثير من المسلمين، لذا رأينا في مركز سلف الوقوف مع بعض المسائل التي تطرقت إليها فتاواه، وبيان مخالفتها للكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ وذلك حرصًا منا على أمرين مهمين:
أولهما: أنه لعله لم يُرد الدكتور المعنى الذي فهمه الناس عنه، وبهذا البيان يرتفع الحرج عنه وعن الناس الذين قد نرى منهم تعجلًا أو سرورًا بتلك الفتاوى، وهم بحسب رصدنا قليل ولله الحمد، ولكن لا بأس بالالتفات إليهم ولو كانوا قليلا.
ثانيهما: بيان مخالفة تلك الفتاوى للشريعة الإسلامية بأقوال الأئمة وأصحاب الفتوى فيها، وذلك أمرٌ تمس الحاجة والضرورة إليه، لا سيما في هذا الزمان المتغير، نسأل الله تعالى أن يصلحه ويجعلنا من الصالحين.
وما سنطرحه في هذه الورقة العلمية هو مناقشة ما قد طرحه الدكتور في الأيام الأخيرة من فتاوى في البرنامج الرمضاني (نور الدين)، مع بعض الفتاوى الأخرى التي لها علاقة بنفس السياق، ثم نتبع ذلك ببيان موارد فكر الدكتور علي جمعة ونتائجه السلبية المترتبة على جموع المسلمين؛ عملًا بالحديث الشريف: «الدِّين النَّصيحة»، قلنا: لمَن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين، وعامَّتهم»([1]).
وينتظم البحث في النقاط التالية:
أولًا: موقف الدكتور من الاختلاط والصداقة بين الشباب والفتيات.
ثانيًا: رأي الدكتور في مصير اليهود والنصارى.
ثالثًا: رأي الدكتور في عذاب الكفار في النار يوم القيامة.
رابعًا: موارد الدكتور وجذور فكره.
المطلب الأول: موقف الدكتور من الاختلاط والصداقة بين الشباب والفتيات:
كان حديث العلماء في أول الأمر عن حكم الاختلاط في المؤسسات العامة والجامعات، بأن تعمل النساء مع الرجال في أماكن واحدة، أو أن تدرس المرأة مع الرجل في جامعةٍ واحدة، وهي أماكن عامة لا ينفرد فيها رجل وامرأة وحدهما، فكان تحريم العلماء لهذا الاختلاط بمعناه العام، وأجازها بعض المنتسبين إلى العلم بداعي الضرورة وبالضوابط والآداب وأن تُتَجنَّب مخالطة الرجال قدر المستطاع، ولم يتطرق العلماء وقتئذٍ لحكم صداقة الرجل مع المرأة والخروج للتفسّح والتنزه؛ لأنه محرم عند الجميع ولا يختلف أحد في تحريمه وذمّه -وسيأتي كلامهم إن شاء الله-.
لكنَّ الدكتور علي جمعة له رأيٌ آخر: فتسأله السائلة عن الصداقة بين الشاب والفتاة بحيث يخرجان وحدهما ويشمل ذلك المداعبات والضحك ونحو ذلك، فقطاعها الدكتور قائلًا: ولا يوجد في نية أحدٍ منهما سوء؟ فأجابت: لا، مجرد صداقة وفسح واختلاط وهزار (أي: مزاح) هل هذا حرام؟
فجيب الدكتور: “لا، مش حرام، إيه اللي حرام فيه؟! دي البشرية كلها كانت على حد الاختلاط حتى البدو”([2]).
وعن سؤال فتاة أخرى عن مصطلح (البيست فريند) -وهو مصطلح أجنبي معناه: الصديق المقرب- فيجيب الدكتور قائلًا: “ما دامت الصداقة بين الولد والبنت فيها عفاف فلا شيء فيها، أما لو فقدت العفاف فهو غلط”. ثم ضرب الدكتور أمثلةً على أبناء الحارة الواحدة من رجال ونساء يعرفون بعضهم بعضًا، ويُسلّم الرجال على النساء، والنساء على الرجال، والجار يُسلم على جارته، والعلاقة بينهم هي العفاف، ورجال الحارة من أهل الشهامة يدافعون عن بنات الحارة إذا تعرّضن للمضايقات([3]).
وكلام الدكتور هذا بعيد عن محلّ البحث؛ لأن رجال الحارة -مع شهامتهم ودفاعهم عن نساء المسلمين- لا يُعتبرون بهذا الدفاع أصدقاءَ لهن، ولا تسمَّى علاقتهم بهن: (صداقة)؛ فلا يخرج معها في فسحة إلى المتنزهات -كما هو مضمون السؤال- بل حتى الجار قد يُسلّم على جارته على استحياء في حدود الآداب، ولا يُسمّى بذلك صديقها.
فلا ندري، ما علاقة السؤال عن “البيست فريند” بكلام الدكتور الذي هو خارج سياق السؤال أساسًا؟!
الأدلة على تحريم الاختلاط والصداقة بين الجنسين:
قبل أن نورد الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة وأتباع المذاهب الأربعة في ذلك، يحسن أولًا أن نشير إلى رأي علماء الأزهر الشريف؛ وذلك لأن بعض الناس يظنّ أنّ القول بحرمة الاختلاط -فضلًا عن الصداقة بين الجنسين- هو قول السلفية أو المتشدِّدين، والحقّ أن قول الدكتور علي جمعة مخالف حتى لعلماء المؤسّسة التي ينتمي إليها (الأزهر الشريف).
1- يقول شيخ الأزهر محمد الخضر الحسين رحمه الله في فتوى الاختلاط في الجامعات: “وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروفٌ لدى عامة المسلمين، كما عرفه الخاصَّة من علمائهم”([4]).
ويقول أيضًا: “وإذا كان اختلاط الجنسين من قبيل التطوّر الاجتماعي فهو من نوع ما ينشأ عن تغلب الأهواء، وتقليد الغربيين في غير مصلحة، فيتعيّن على دعاة الإصلاح أن يجهروا بإنكارهِ، ويعملوا على تنقية المجتمع من أقذائه، ومتى قَوِيت عزائمهم وجاهدوه من طُرُقه الحكيمة أماطوا أذاه وغلبوه على أمره”([5]).
2- يقول شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله في سياق حديثه عن الزيارات العائلية وما يحدث فيها من اختلاط: “فالزيارات واللقاءات العائلية الملتزمة لا شيء فيها، والمحظور أن تتخذ هذه اللقاءات وسيلة لدخول الرجال والشباب بيوت الغير دون استئذان أو في غيبة الأزواج منعًا للخلوة غير المشروعة، واختلاط البنين والبنات بعد البلوغ أمر غير مشروع؛ بل يرقى إلى درجة المحظور سدًّا للذرائع إلى الفساد، لا سيما في سن المراهقة التي تتغلب فيها الرغبات الجامحة على العقل، وفي ظل انعدام الالتزام بآداب الإسلام في الملابس وفي الحديث وفي المخالطة”([6]).
بل يذهب الشيخ جاد الحق إلى تحريم تولِّي المرأة الولايات العامّة والقضاء، وأن تجويز توليها القضاءَ هو رأي مهجور غير معمول به عند المذاهب الأربعة، فيقول: “ما ذهب إليه جمهور الأئمة والفقهاء من اشتراط الذكورة وعدم تولي المرأة القضاء، بل بطلان قضائها وإثم من يوليها هو الأولى والأحق بالاتباع”، ثم ذكر الأدلة على ذلك([7]).
3- يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله: “وبالنسبة لخروج المرأة وعملها والذين يقولون: إنه أصبح واقعًا بحكم الضرورة، نقول: إننا يجب أن نحدد معنى الضرورة. إنهم يقولون: إن المرأة تعمل لتشارك الرجل في الإنفاق، وإن تكاليف المعيشة في هذه الأيام صعبة. نقول لهم: إن المجتمع الذي يتشدق بهذا الكلام فيه رجال بُسطاء لا تعمل نساؤهم، ومع ذلك فهم يعيشون سعداء، إذن هي حجة باطلة، ولا توجد أي ضرورة لعمل المرأة، وعليه فإن خروج المرأة للعمل حرام وإن أقرته الدنيا كلها”([8]).
4- سُئل الشيخ عطية صقر رحمه الله -رئيس لجنة الإفتاء سابقًا-: هل تعرُّف الخطيبين بعضهما على بعض يسمح بخروجهما في نزهة أو رحلة دون أن يكون معهما أحد؟
فأجاب: “إن الأمم الحديثة التي تشبعت بحضارة الغرب وتمتعت بالحرية على نطاق واسع تجاوزت به حد المعقول والمشروع أطلقت العنان للشبان والشابات لدراسة الأخلاق والتمهيد للزواج، ونظرًا لأن عادة الاختلاط لتعرف الزوجين قد زحفت بطقوسها إلى البلاد الإسلامية واجتهد الكثيرون في ترويجها أُحب أن أُنبَّه المفتونين بهذه الفكرة إلى أخطارها، ضامًّا صوتي إلى صوت الواقع الملموس والحوادث المؤلمة التي يخجل منها كل غيور على شرفه وكرامته: أولا: هذا التقليد بدعةٌ سيئة، ولعلها مما تنبأ به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله كما رواه البخاري ومسلم: «لتتبعنَّ سُنن -أو: سَنن– من كان قبلكم شبر بشبر وذراع بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، ونهى عنه بقوله فيما رواه أبو داود: «من تشبه بقوم فهو منهم». وثانيا: هل التقليد فيه النظر بين أجنبيين ما يزالان أجنبيَّين حتى يتم عقد زواج، ومع النظر قد يكون لمس وقد يكون ما هو أكبر من ذلك! فهل غاب عن هؤلاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني: «أن يطعن في رأس احدكم بمخيطٍ من حديد خيرٌ له من أن يمس امرأة لا تحل له»، على أن هذه المصاحبة لا يؤمن معها على الفتاة بالذات وهما في سن الشباب، وكلنا يعرف خطورته… والحديث يقول: «والذي نفسي، بيديه ما خلا رجل بمرأة إلا دخل الشيطان بينهما». وثالثا: أن المعاملة التي تظهر من كل منهما نحو الآخر كلها أو أكثرها تصنُّع ونفاق، وبخاصة في هذه الفترة وتحت سيطرة الشعور بأنهما سيكونان زوجين”([9]).
- الأدلة في المسألة:
إن الأدلة على فساد ما ذهب إليه الدكتور علي جمعة كثيرة، ومنها قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، وقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
فكيف يتأتى غض البصر مع الصداقة وخروج الشاب والفتاة وحدهما للمتنزهات؟!
ومنه قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، ويجوز خروج المرأة للحاجة، كما في حديث البخاري: «قد أَذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن»([10]) فهل الخروج للتنزه في الحدائق والمقاهي من الحاجات؟!
– ومن أدلة السنة النبوية الدالة على أن المخالطة بين الجنسين ليس أمرًا معهودًا -كما أوهم كلام الدكتور علي جمعة- ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكلم أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها، فمَرَّ بهِما رجلان مِنَ الأنْصارِ، فسَلَّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نَفَذا (أي: أسرعا)، فقال لهما: «علَى رِسْلِكُما؛ إنَّما هي صفيَّة»([11]).
فلو كانت الصداقة والمسامرة بين الرجل والمرأة أمرًا عاديًّا لم يكن لينادي النبي أصحابه ويُنبههم أنها زوجته؛ لأن التنبيه على أمرٍ حلال ومعهود بين الناس ليس له معنى. فتأمل.
– ومن ذلك حديث: «إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت»([12]).
فإذا كان مجرد الدخول على النساء منهيا عنه، فما الشأن في مصاحبتهن وطول مجالستهن؟!
– ومنه حديث أبي داود عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ»، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ([13]).
– ومنه أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» أخرجه مسلم([14]).
قال النووي: “وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال، ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم ونحو ذلك. وذم أول صفوفهن لعكس ذلك”([15]).
فإذا كانت أشرف البقاع المساجد وأشرف العبادات الصلاة حث الشرع على المباعدة فيها بين الجنسين، فكيف يقال بجواز الاختلاط والصداقة بين غير المحارم من الرجال والنساء؟!
- أقوال أئمة المذاهب الأربعة في المسألة:
1- قول الحنفية:
قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله (483هـ): “وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَزْدَحِمُونَ فِي مَجْلِسِهِ، وَفِي اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى”([16]).
وقال بدر الدين العيني رحمه الله (855هـ) في التعليق على قول البخاري (باب حمل الرجال الجنازة دون النساء): “لأن الرجال أقوى لذلك، والنساء ضعيفات ومظنة للانكشاف غالبا، خصوصا إذا باشرن الحمل، ولأنهن إذا حملنها مع وجود الرجال لوقع اختلاطهن بالرجال، وهو محل الفتنة ومظنة الفساد”([17]).
وقال الكاساني (587هـ) في الكلام عن حكم الخلوة: “فإن كان في البيت امرأة أجنبية أو ذات رحم محرم لا يحلّ للرجل أن يخلو بها؛ لأن فيه خوف الفتنة والوقوع في الحرام، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا يخلون رجلٌ بامرأة؛ فإنّ ثالثهما الشيطان»“([18]).
وقال ابن عابدين رحمه الله (1252هـ): “وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ: الْخُرُوجُ لِفُرْجَةِ قُدُومِ أَمِيرٍ، أَيْ: لِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ، وَمِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ”([19]).
2- مذهب المالكية:
يقول الإمام مالك (179هـ): “وأرى ألا تُترَك المرأة الشابة تجلس إلى الصُّنَّاع، فأمَّا المرأة المُتَجالَّةُ -يعني: العجوز- والخادم الدون التي لا تُتَّهم على القعود، ولا يتّهم من تقعد عنده؛ فإني لا أرى بذلك بأسًا”([20]).
وقال أحمد بن عبد الرؤوف القرطبي المالكي (242هـ): «ويمنع اختلاط النساء مع الرجال عند الصلاة، وفي الأعياد، وفي المحافل، ويفرق بينهم»([21]).
وقال محمد بن سحنون المالكي (256هـ): «وأكره للمُعلم أن يعلم الجواري، ولا يختلطن مع الغلمان؛ لأن في ذلك فسادًا لهن»([22]).
وقال ابن عبد البر (463هـ): «يجب على الإمام أن يحول بين الرجال والنساء في التأمل والنظر، وفي معنى هذا منع النساء اللواتي لا يؤمن عليهن ومنهن الفتنة من الخروج والمشي في الحواضر والأسواق، وحيث ينظرن إلى الرجال»([23]).
وقال أبو بكر بن العربي (543هـ): «فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده»([24]).
3- مذهب الشافعية:
يقول الإمام الشافعي (204هـ) في خروج النساء: “وكلهم -أي: العلماء- كره خروج النساء الشواب إلى الاستسقاء، ورخَّصوا في خروج العجائز”([25]).
وقال أيضًا كما في مختصر المزني: “ولا يثبت -يعني الإمام- ساعةَ يُسلِّم إلا أن يكون معه نساء، فيثبت لينصرفن قبل الرجال”([26]).
وقال الحَليمي (403هـ): «فَدَخَلَ فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَحْمِيَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَبِنْتَهُ مُخَالَطَةَ الرِّجَالِ وَمُحَادَثَتَهِمْ وَالْخُلْوَةَ بِهِمْ»([27]).
وقال أيضًا عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]: «فدخل في جملة ذلك أن يحمي الرجل امرأته وبنته مخالطةً الرجال ومحادثتهم»([28]).
قال الماوردي (450هـ): «وَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنِ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ، مَأْمُورَةٌ بِلُزُومِ الْمَنْزِلِ»([29]).
وقال أيضًا: «وَإِنْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ الإمام فى الصلاه ثَبَتَ قَلِيلًا لِيَنْصَرِفَ النِّسَاءُ، فَإِنِ انْصَرَفْنَ وَثَبَ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ»([30]).
وقال أيضًا: «وللمحتسب أن يمنع أرباب السفن من حمل ما لا تسعه ويخاف منه غرقها، وكذلك بمنعهم من المسير عند اشتداد الريح، وإذا حُمل فيها الرجال والنساء حجز بينهم بحائل»([31]).
وقال أبو حامد الغزالي (505هـ) عن منع الاختلاط في مجالس الذكر: «ويجب أن يضرب بين الرجال والنساء حائل يمنع من النظر؛ فإن ذلك مظنة الفساد، والعادات تشهد لهذه المنكرات”([32]).
وقال ابن حجر العسقلاني (852هـ) في شرحه لصحيح البخاري في “بَاب حَمْل الرِّجَال الْجِنَازَة دُون النِّسَاء”: “ونَقل النَّوَوِيّ فِي (شَرْح الْمُهَذَّب) أَنَّهُ لَا خِلَاف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة بَيْن الْعُلَمَاء، وَالسَّبَب فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْجِنَازَة لَا بُدّ أَنْ يُشَيِّعهَا الرِّجَال فَلَوْ حَمَلَهَا النِّسَاء لَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَة إِلَى اِخْتِلَاطهنَّ بِالرِّجَالِ فَيُفْضِي إِلَى الْفِتْنَة”([33]).
وقال ابن حجر الهيتمي (974هـ) بعدما نقل كلام أئمة المذهب في حرمة الاختلاط: “فتأمله تجده صريحا في حرمة الاختلاط، وهو كذلك؛ لأنه مظنة الفتنة”([34]).
4- مذهب الحنابلة:
قال الخلال (311هـ) في جامعه: “سئل أحمد بن حنبل عن رجل يجد امرأة مع رجل، قال: صِحْ به”([35]).
وقال أبو يعلى الفراء الحنبلي (458هـ): “بأن يحمي الرجل امرأته وبنته مخالطة الرجال ومحادثتهم، والخلوة بهم”([36]).
وقال ابن الجوزي (597هـ): “فأما ما أحدث القُصّاص من جمع النساء والرجال فإنه من البدع التي تجري فيها العجائب من اختلاط النساء بالرجال ورفع النساء أصواتهن بالصياح والنواح إلى غير ذلك”([37]).
وقال ابن رجب (795هـ): “وإنما المشروع تميز النساء عَن الرجال جملة؛ فإن اختلاطهن بالرجال يخشى منهُ وقوع المفاسد”([38]).
وقال الحجاوي (968هـ): “وَيُمْنَعُ فِيهِ -أي: في المسجد- اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، قال البهوتي في شرحه: “لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ”([39]).
- هل الفتوى لإصلاح الواقع أم للتأقلم مع الأمر الواقع؟
1- في فتوى أخرى للدكتور علي جمعة في معرض حديثه عن التبرج والعري في الحفلات والسينما ونحو ذلك، فبدلًا من أن يُنبّه الدكتور على حرمة ذلك وتوجيه النصيحة لأهل الفسق والفجور، راح ينسب تحريم النظر إلى المتبرجة إلى من يُسميهم بالنابتة -ويقصد بهم السلفيين-، ثم أجاب بأن الرجل لا يأثم في النظر إلى المتبرجات؛ لأن الحجاب شرعه الله كحق للمرأة لحفظ نفسها، فإذا تنازلت المرأة عن حقها جاز للرجل النظر إليها؛ لأنها هي التي أسقطت حقها بنفسها. ثم ذكر قصةً عن جعفر الصادق أسقط حُرمة النظر إلى النساء العاريات في بلاد ما وراء النهر؛ لإطباقهن على عدم الحجاب حتى صار غض البصر مُتعذّرًا([40]).
وهذا الكلام السابق فيه أمور:
أولًا: معنى كلام الدكتور أن غضّ البصر هو عن المحتشمة فقط لا عن المتبرجة، وهو مما يُعلم فساده بضروة العقل والشرع، وقول الدكتور ليس بصحيح؛ لأن علة التحريم عند الفقهاء: أن النظر مظنة إثارة الشهوة، فجاء التحريم صيانة للنفوس، وحفاظًا على الأعراض، وسدًّا للذرائع المفضية إلى الفساد. قال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
ولذلك أجاز بعض الفقهاء النظر بغير شهوة إلى العجوز التي لا تُشتهَى([41])؛ وذلك لأن العلة هي إثارة الشهوة، ولا علاقة بتلك العلة بكون المرأة أسقطت حقها في الحجاب وأذنت للناس أن ينظروا إليها أم لا.
ثانيًا: لم يذكر الدكتور مصدر ما حكاه عن جعفر الصادق، ولا سندًا لهذه الحكاية، والمعوَّل عند المسلمين هي كتب الفقه المتمثلة في المذاهب الأربعة، لا قصص التاريخ، وإن صحت هذه القصة جدلًا فليس فيها ما يؤيّد ما ذكره الدكتور؛ فكلام جعفر ينتظم في حالةٍ خاصة، هي حالة عموم البلوى في مكانٍ مخصوص، بحيث يتعذَّر غض البصر، والدكتور لم يُقيّده بتلك الحالة؛ لأنه جعل العلة هي إسقاط حقّها بنفسها، وهي علة موجودة في كل متبرجة، لا في حالة عموم البلوى فقط.
2- عندما سُئل الدكتور عن السياحة وشواطئ العراة أجاب بما حاصله: أن الكفار كانوا يطوفون بالكعبة عراة، وأننا قد نعيش هذا التطرّف في يوم من الأيام.. ويجب أن نستوعب هذا الأمر حتى لا نفقد السياحة التي تدرّ على بلادنا المليارات([42]).
والجواب: أن طواف بعض أهل الجاهلية عراة كان قبل الإسلام، فلا وجه للاستدلال به؛ لأن الإسلام جاء بإبطال تلك العادة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن دخل مكة: «لا يطوف بالبيت عريان»([43]).
قال النووي: “كان أهل الجاهلية يطوفون عراة، ويرمون ثيابهم، ويتركونها مُلقاة على الأرض، ولا يأخذونها أبدًا، ويتركونها تُداس بالأرجل حتى تبلى، ويُسمى اللقاء، حتى جاء الإسلام فأمر الله تعالى بستر العورة، فقال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يطوف بالبيت عريان»“([44]).
وكنا نُؤمّل من الدكتور بيان مساوئ التبرج والعري ونصيحة القائمين على هذه الفواحش؛ لا إلقاء اللوم على من يمنع من مشاهدة ذلك ويصفهم بالنابتة؛ وذلك لأن وظيفة المفتي هي إصلاح الواقع، لا إقرار ذلك الواقع الفاسد.
لكن بمقتضى هذا الكلام السابق فإن فتاوى الدكتور أصبحت للتأقلم مع الأمر الواقع، والتعايش مع الممارسات الخارجة عن الشريعة وإيجاد مخرج لها، ثم التفتيش عن قصص في التراث الإسلامي بما يوافقها، لا العمل بمقتضى المذاهب الأربعة.
3– ذكر الدكتور علي جمعة في درسٍ له بأن الولي قد يزني جهارًا أمام الناس، ولا يخرجه هذا عن رتبة الولاية، وأن بعض الأولياء ضبطوه يزني، ثم لما اجتمع عليه الناس ليمسكوا به هرب منهم، وجرى على ماء البحر ولم يلحقه أحد، ولما ذكروا ذلك لأبي العباس المرسي قال: إن الكريم إذا وهب ما سلب! وذكر أيضًا أن أحد الأولياء زنا، فانفض عنه تلاميذه إلا تلميذًا واحدًا قام بتسخين الماء له حتى يغتسل بعدما ينتهي من الزنا([45]).
والجواب: ان الولي ليس معصومًا، ولكن المجاهرة بالفواحش أمام الناس وإقرارها بحيث أن بعض العارفين يقوم بتسخين الماء للولي ريثما ينتهي من زناه، فهذا فيه إقرار للكبائر، وليس مجرد خطأ عادي. قال الشافعي: “إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة”([46]).
والعبارة التي نقلها الدكتور عن المرسي (الكريم إذا وهب ما سلب) هي عبارة فاسدة عقلًا ونقلًا، ليس فيها إلا السجع الذي قد يوحي للجهال أنها من الحِكَم! وليس لهذه العبارة أصل لا في القرآن ولا السنة ولا أقوال العلماء، ولا حتى أقوال الحكماء والفلاسفة؛ فإنه من المعلوم أن الله عز وجل يهب الغنى وقد يسلبه، فيصبح الغني فقيرًا، ويهب الملك وقد يسلبه، فقال تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ..} [آل عمران: 26[.
بل يهب الولاية والصلاح من شاء، ويسلبها منه، كما وهبها لبلعام بن باعوراء وسلبه إياها، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175[.
إن الكلام السابق لن يفهم منه العامي مجرد التسامر بقصص الأولياء أو مآثرهم ومناقبهم، فلا شك أن العامي البسيط إذا سمع أن الأولياء يزنون، وأنه خطأ عادي ومتكرر في قصص الأولياء، ولا يسلب الولاية منهم، فسيسأل العامي نفسه: إذا كان الأولياء يقع منهم هذا الشيء، فكيف بنا ونحن أقل منهم بكثير دينًا وعلمًا وولاية؟! فلا شك أن هذا الخطاب سيجرِّئ الناس على اقتراف الكبائر، والدكتور قد لا يريد هذا المعنى، ولكن هذا المعنى هو الذي سيصل بشكل أو بآخر إلى الناس.
وبناءً على ما سبق فإن ذكر هذه الأمور على مسامع العامّة من الناس قد يفتح باب شرٍّ كبير من تمرير بعض المعاني الفاسدة في عقل اللاواعي عند عوام الناس وجموع المُتلقين، فمعلوم أن الصداقات بين الشباب والفتيات مما انتشر في الجامعات، وخروج الشاب مع فتاة إلى الكافيهات أصبح أمرًا عاديًّا في كثير من المجتمعات العربية، ومعلوم أيضًا انتشار الفنون مثل التمثيل والمسرح وانتشار الخلاعة في المهرجانات السينمائية التي ينتشر فيها العري والاختلاط والصداقات والعلاقات المحرمة.
وقد يفهم بعض الناس أن مراد الدكتور هو التأقلم مع الأمر الواقع، وشرعنة تلك الممارسات السابقة، أو تخفيف وطأتها، وإقرار الوضع القائم في المجتمع المصري تماشيًا مع التطور الحضاري الذي يسعى إليه الإسلام العصراني.
في الحقيقة إن هذه الفتاوى تصب بشكل أو بآخر فيما تقوم على نشره مؤسسات الغرب من دعم الإسلام العصراني حيث جاء في الأهداف المُعلنة في دراسات (راند) الأمريكية في تكوين الشبكات وما يُناط بها من مهمام: “تعزيز قيم الحداثة الغربية، من خلال نشر أنموذج للإسلام المعتدل وتعزيزه، وتعميم المعرفة به، وإيجاد قنوات اتصال تُشجع على التفسيرات الحديثة للإسلام وتعميمها”([47]).
المطلب الثاني: رأي الدكتور في مصير اليهود والنصارى:
في نفس سياق الفتاوى الرمضانية في برنامج (نور الدين) -والتي سببت جدلًا في الوسائط الإعلامية- جاءت فتوى أخرى وهي اعتبار اليهود والنصارى وكل من آمن بالله من الناجين يوم القيامة، ولا خصوصية للمسلمين بالنجاة.
فقد سألته فتاة صغيرة في برنامجه: دلوقتي فيه ديانات أخرى غير ديانة الإسلام، زي مثلًا المسيحية، وكمان ليها رسل من السماء، وليها كتب زي سيدنا عيسى، طب دلوقتي ليه المسلمين بس هم اللي هيدخلوا الجنة؟
قاطعها الدكتور قائلًا: ومين قالك: إن المسلمين بس هم اللي هيدخلوا الجنة؟! دي معلومة مغلوطة عندك؛ لأن ربنا قال غير كده: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْآخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 62]، يبقى الآية واضحة جدًّا، إن الدين عند الله الإسلام.. كله -أي: الأديان- اسمه إسلام عندنا”([48]).
وهنا أوهم الدكتور علي جمعة أن جميع الطوائف يدخلون الجنة، موظفًا الآية الكريمة على نجاة اليهود والنصارى، وعلى تقدير حسن الظن بأنه قصد اليهود والنصارى قبل البعثة، أو الذين لم يسمعوا ببعثته، فهو إجمال مُخلّ أيضًا؛ لأن الجواب في سياق السؤال عن اليهود والنصارى في زماننا، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وهذه الآية السابقة ليس معناها نجاة اليهود والنصارى والصابئين، ولكن المعنى أن هؤلاء الأصناف المذكورين في الآية: من كان منهم متبعًا لشريعة نبي زمانه، ومات على ذلك قبل البعثة النبوية، أو لم يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يضره ذلك، وهو من أهل النجاة.
قال الواحدي (468هـ): “﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ أي: بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا بك ﴿وَٱلَّذِينَ هَادُواْ﴾ دخلوا في دين اليهوديَّة ﴿وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ﴾ الخارجين من دين إلى دين وهم قومٌ يعبدون النُّجوم ﴿مَنْ آمَنَ﴾ من هؤلاء ﴿بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْآخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا﴾ بالإيمان بمحمَّدٍ عليه السَّلام؛ لأنَّ الدليل قد قام أنَّ مَنْ لم يؤمن به لا يكون عمله صَالِحًا ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عليهم ولا هم يحزنون﴾”([49]).
وقال البغوي (516هـ): “اختلفوا في حكم الآية، فقال بعضهم: أراد بقوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ على التحقيق، ثم اختلفوا في هؤلاء المؤمنين، فقال قوم: هم الذين آمنوا قبل المبعث وهم طلاب الدين، مثل حبيب النجار وقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل والبراء السني وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وبحيرا الراهب ووفد النجاشي، فمنهم من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه، ومنهم من لم يدركه، وقيل: هم المؤمنون من الأمم الماضية، وقيل: هم المؤمنون من هذه الأمة، والذين هادوا الذين كانوا على دين موسى عليه السلام ولم يبدلوا، والنصارى الذين كانوا على دين عيسى عليه السلام ولم يغيروا وماتوا على ذلك، قالوا: وهذان الاسمان لزماهم زمن موسى وعيسى عليهما السلام حيث كانوا على الحق كالإسلام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والصابئين زمن استقامة أمرهم”([50]).
وقال الحافظ ابن كثير (774هـ): “قال السدي: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْآخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا﴾ الآية: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي، بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: «يا سلمان، هم من أهل النار». فاشتد ذلك على سلمان، فأنزل الله هذه الآية، فكان إيمان اليهود: أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام؛ حتى جاء عيسى. فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى، فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا. وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا”([51]).
وهذه الفتوى ليست جديدة، بل ذكر الدكتور جنسها في لقاءاتٍ سابقة، منها ما ذكره في مناسبة مقتل بعض المصريين الأقباط في ليبيا، وجاءه سؤال: هل يجوز الترحم على المصريين الأقباط (النصارى) الذين قتلتهم داعش في ليبيا؟
فقال الدكتور: … إنهم “مصريين”، اللي تلقيناه من مشايخنا: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} وعايزين نسأل الناس: هو البني آدم دَه مش من الأشياء؟! إذا كان ربنا سبحانه وتعالى رحم الجبال ورحم الأنهار… يُذكرني هذا “العبط” بالشيخ محمد الفحام شيخ الأزهر لما مات البابا كيرولوس فقال: كان رجلًا طيبًا رحمه الله، فاعترض عليه أحد الجهلة”([52]).
وبغض النظر عن صحة ما نقله عن الشيخ الفحام، فاستدلال الدكتور بالآية الكريمة مبتورة من سياقها لا تخدمه في هذا السياق، فقد قال تعالى: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍۢ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156[.
فذكر الله سبحانه أن رحمته الواسعة مخصوصة بأهل الإيمان الذين يتقون ويؤتون الزكاة وهم بآياته يؤمنون.
المطلب الثالث: رأي الدكتور في عذاب الكفار في النار يوم القيامة:
يذهب الدكتور علي جمعة في النار إلى قولين ذكرهما في لقاءاته:
أولهما: أن عذاب النار يوم القيامة مُشتقّ لغةً من العذوبة، أي: أن العذاب سيصبح عَذْبًا يلتذّون به، وهو قول لبعض الباطنية الغلاة كابن عربي الطائي وغيره.
ثانيهما: هو أن الله قد يلغي النار يوم القيامة، ويدخل الكفار الجنة.
والقول الثاني هو ما ذكره مؤخَّرًا في برنامجه الرمضاني (نور الدين) حيث احتمل الدكتور أن الكفار يدخلون الجنة، فقال: “يوم القيامة لو أنَّ الله ألغى النار، هنقول له: لا؟ طب ما يلغيها، طب ما يدخَّل كل الناس الجنة، هو فعالٌ لما يريد، هل ده وارد؟ علماء المسلمين كثير قالوا: آه وارد. هو وعد بالجنة لأنه ذو كرم وعطاء.. لكن لما وعد بالنار مش ضروري يعملها، يبقى هي معمولة لينا كده علشان مثلًا مأذيش غيري، أخاف ربنا، أبقى محرَّس كده.. يجب العلاقة بيننا وبين ربنا يكون مبناها الحب”([53]).
وفتوى الدكتور يُفهم منها أن ذكر النار في القرآن قد يكون من باب التخويف والزجر، والهدف منها ألا يؤذي آحد الآخر -على حد قول الدكتور-.
وهذا القول -أو بالأحرى هذا الاحتمال الذي احتمله- لم يسبقه إليه أحد، وليس مذهبًا لابن عربي.
أما قوله الأول -أن العذاب مشتق من العذوبة- فقد ذكره في بعض اللقاءات التلفزيونية. ونص سؤال المذيع كما يلي: “لما حضرتك ذكرت أن العذاب من مادة العذوبة تذكرت الآيات التي تتكلم عن العذاب بصفة أليم أو شديد أو مُهين، إذن كيف يوجد عذاب مهين أو عذاب أليم ويكون من العذوبة أيضًا؟
فأجاب الدكتور علي جمعة: يُجيبك على هذا علماء النفس، أن هناك بعض الأمراض -وهذا العاصي نقول له: كأنك مريض- يتلذذ فيها المريض بتعذيبه ويسمونها: “ماسوشية” وهو مرض يصيب بعض الناس والعياذ بالله، والناس بطبعها تكره العذاب، ولكن وكأن الله يرشدنا بوجود هذا، بوجود طائفة من الناس تتلذذ بتعذيبها.. نعم هذا منحرف، وهل أهل النار ليسوا منحرفين؟! هم عصاة ومنحرفون وليسوا بأولياء، نحن نتكلم عن نقطة معينة، وهي: هل الله تبارك وتعالى -كما يريد بعض الملاحدة أن يصوروه- فيه قسوة أم أنه سبحانه وتعالى في النهاية -عندنا قبل غيرنا- من الرحمة والعفو والمغفرة؟ هذا الذي نتكلم فيه([54]).
وتفسير العذاب بالعذوبة يخالف صريح القرآن وما أجمع عليه المسلمون، فقد ذكر الله تعالى أنه لا يُخفف عنهم العذاب، وأنهم يصطرخون فيها، وأنهم يسألون مالكًا خازن النار أن يخرجهم منها، وأنهم كلما نضجت جلودهم بدلهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، وهي دالة دلالة قطعية على العذاب الحقيقي لا العذوبة.
قال الله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ [البقرة: 162].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ كَفَروا بِآياتِنا سَوفَ نُصليهِم نارًا كُلَّما نَضِجَت جُلودُهُم بَدَّلناهُم جُلودًا غَيرَها لِيَذوقُوا العَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزيزًا حَكيمًا﴾ [النساء: ٥٦].
وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ [فاطر: 37].
وقال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ﴾ [الزخرف: 77].
وقول الدكتور علي جمعة هذا في عذاب الكافرين هو تفسير الباطنية الغلاة الذين يدَّعون أن للشرع ظاهرًا وباطنًا، فعلم الظاهر هو ما أظهره الله للعامة، وأما علم الباطن فهو ما خصه للعارفين من أوليائه.
يقول ابن عربي: “وقد أجمع أصحابنا أهل الكشف على صحة خبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في آي القرآن: «إنه ما من آية إلا ولها ظاهر وباطن وحد ومطلع، ولكل مرتبة من هذه المراتب رجال، ولكل طائفة من هذه الطوائف قطب، وعلى ذلك القطب يدور فلك ذلك الكشف»“([55]).
وبسبب هذه الأقوال كفَّر جمهور العلماء محيي الدين ابن عربي، قال تقي الدين السبكي: “ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلا عن العلماء”([56]).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: “وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن عربي، فبادر بالجواب: هو كافر”([57]).
وهذه جملة من أقوال أئمة أهل السنة على أن العذاب لا يخفف، وأن الجنة والنار أبديتان لا تفنيان:
قال الإمام أحمد بن حنبل (241هـ) رحمه الله: “وإن الله خلق الجنة قبل الخلق، وخلق لها أهلًا، ونعيمها دائم، ومن زعم أنه يبيد من الجنة شيء فهو كافر، وخلق النار قبل خلقه الخلق، وخلق لها أهلًا وعذابها دائم”([58]).
وقال أبو زرعة الرازي (264هـ) وأبو حاتم الرازي (273هـ) رحمهما الله: “والجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقان لا يفنيان أبدًا، والجنة ثواب لأوليائه، والنار عقاب لأهل معصيته إلا من رحم الله عزّ وجل”([59]).
وقال الطحاوي (321هـ) رحمه الله: “والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبدًا، ولا تبيدان”([60]).
وقال الآجري (360هـ) رحمه الله: “وقد ذكر الله عزّ وجل في كتابه أهل النار الذين هم أهلها، يخلدون فيها أبدًا.. وأن أهل النار الذين هم أهلها في العذاب الشديد أبدًا”([61]).
وقد نقل ابن حزم (456هـ) رحمه الله الاتفاق والإجماع على أن الجنة والنار باقيتان، لا تفنيان، فقال: “اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها”([62]).
وقال: “وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبدًا، لا تفنى ولا يفنى أهلها أبدًا بلا نهاية، وأنها أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام”([63]).
وقال ابن عطية (542هـ) رحمه الله: “ثم أعَلَم تعالى برفع وجوه الرفق عنهم؛ لأن العذاب إذا لم يخفف ولم يؤخر فهو النهاية”([64]).
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي (600هـ) رحمه الله: “والإيمان بأن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدًا، خلقتا للبقاء لا للفناء، وقد صح في ذلك أحاديث عدة”([65]).
وقال القرطبي (671هـ) رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على الخلود لأهل الدارين فيها: “هذه الأحاديث مع صحتها نص في خلود أهل النار فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة، ولا راحة ولا نجاة… فمن قال: إنهم يخرجون منها، أو أن النار تبقى خالية بجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى العقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول”([66]).
قال النووي (676هـ) رحمه الله: “وكما قال تعالى: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 13]، وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم”([67]).
استدلال الدكتور علي جمعة بقول ابن تيمية في فناء النار:
استدل الدكتور علي جمعة على ما ذهب إليه بمذهب ابن تيمية -أو ما يُرجحه بعض الباحثين من مذهب ابن تيمية- بفناء النار، وهنا ينبغي أن نوضح أولًا أن علماء السلفية ممن لهم اختصاص بتراث ابن تيمية اختلفوا في نسبة ذلك إلى ابن تيمية إلى اتجاهين رئيسيين:
الفريق الأول: نفى هذا القول عنه، وهو قول عامة العلماء السلفيين من أمثال الشيخ ابن باز([68])، والشيخ ابن عثيمين([69])، والشيخ البراك([70])، وغيرهم. ومما يؤيد هذا الاتجاه أن لابن تيمية نصوصا صريحة في بقاء الجنة والنار، ونقل الإجماع في مواضع عديدة على ذلك، وليس له نص صريح في فنائهما.
والفريق الثاني: صحّح نسبة هذا القول لابن تيمية -وإن لم يرتضوه-، ونحى هذا المنحى الصنعاني والألباني وبعض طلاب العلم والباحثين المعاصرين، واستدلوا بكلام ابن القيم في كتابه (الروح) و(حادي الأرواح) في أنه نقل ذلك عن ابن تيمية.
وفي الجملة: فكلا الاتجاهين لم يرتض بهذا القول ولم يُجوِّز اعتقاده، سواء من نسب هذا القول لابن تيمية أو الذي نفاه عنه.
وهناك فريق ثالث توسَّط بين الفريقين: وقال بأن ابن تيمية وابن القيم قالا بفناء نار الموحِّدين دون نار الكافرين، واستدلوا بتصريح ابن القيم في (الوابل الصيب) أن النار التي تفنى هي نار عصاة الموحدين فقط، وأن نار الكافرين باقية([71]). واعتبروا هذا النص مُقيدًا وموضحًا لما أجمله ابن القيم في كتبه، وهو يقترب من قول الفريق الأول ممن ينفي القول بفناء النار عن ابن تيمية.
لكن قول هذا الفريق بأن كلام ابن القيم في (الوابل الصيب) مقيِّدٌ لما في بقية كتبه فيه نظر؛ لأن عباراته في (حادي الأرواح) لا تفيد ذلك، لكن على كل حال قد يُعتبر كلامه في (الوابل) ناسخًا لغيره.
والراجح -والله تعالى أعلم- هو القول الأول، وهو أن شيخ الإسلام لم يقل بفناء النار؛ وذلك لأن النصوص التي يستدلّ بها القائلون بأن ابن تيمية يرى فناء النار هي نصوص مجملة، وغير صريحة، أما النصوص التي يستدلّ بها القائلون بأنه يرى أبدية النار فهي صريحة واضحة، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن المجمل يرد إلى المفصَّل.
ومن تلك النصوص الصريحة: ما ذكره ابن تيمية في (الحموية): “ونعتقد أن الله تعالى خلق الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان للبقاء لا للفناء”([72]).
ويقول ابن تيمية: “وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم، ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك”([73]).
ويقول ابن تيمية أيضًا: “وقال أهل الإسلام جميعًا: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون، وليس لذلك آخر”([74]).
فهذه نصوص محكمة، وفيها حكاية للإجماع، ولا يسوغ لابن تيمية مخالفة هذا الإجماع الذي نقله، إذ لا يُعقل أن يحكي إجماعًا واتفاقًا ثم لا يقول به. ولابن تيمية نصوص كثيرة في بقاء الجنة والنار، تركناها خشية الإطالة.
وعلى هذا فلا يصح نسبة هذا القول إلى ابن تيمية، ولا اعتماد الدكتور علي جمعة عليه.
وعلى التقدير جدلًا أن ابن تيمية يختار القول بفناء النار:
فلا بد هنا من أن ننبه إلى أن هذا القول يختلف كليًّا عن قول ابن عربي وأمثاله من الباطنية، وذلك من وجهين:
أولًا: أن القول بفناء النار إنما هو معتمد على الآثار الواردة عن بعض الصحابة -وهو دليل شرعي-، لا بطريق الكشف والوجد كما هو حال ابن عربي.
ثانيًا: القول بفناء النار ليس معناه خروج الكافرين منها، بل هم باقون فيها حتى تفنى ويفنون معها، فليس فيه خروج الكافرين من النار، ولا تفسير القرآن تفسيرًا باطنيًّا بأن يُفسر في تفسير العذاب بالعذوبة، فقول ابن عربي يخالف صريح القرآن: {لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} [البقرة: 162]، وقوله: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} [النبأ: 30].
فضلًا عن كون القول بأن الكفار يدخلون الجنة -في الفتوى التي نقلناها سابقًا([75])– هو قول لم يقل به أحد، لا ابن تيمية ولا غيره، وهو مخالف لصريح القرآن، قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167].
بل غاية قول ابن تيمية -إن صح عنه- أن النار تفنى بما فيها من كفار، فهم لا يخرجون منها أبدًا حتى تفنى، والفرق بين القولين واضح ومبناهما مختلف، ونتائجهما مختلفة؛ فالأول مبناه أثري، والآخر مبناه باطني، والعجيب أن الدكتور يصف هذا المذهب الباطني بأنه أكثر عمقًا من مذهب ابن تيمية!
المطلب الرابع: موارد الدكتور وجذور فكره:
لتحليل أي ظاهرةٍ دينية أو فكرية ينبغي البحث في موارد تلك الظاهرة وجذورها والأسس التي بُنيت عليها؛ وذلك لفهم منشأ تلك الأقوال، والتطور الحاصل فيها، والنتائج المترتبة عليها.
وفكر الدكتور علي جمعة مبني على مصدرين أساسيين:
– التصوف الغالي أو التصوف الفلسفي.
– التنوير أو العصرانية المنبثقين من الفكر الغربي.
1- التصوف الغالي أو التصوف الفلسفي:
عمل المستشرقون والغرب عموما على تشجيع التصوّف الغالي؛ لما وجدوا فيه من تغييبٍ للعقول، فيغيب المسلمون بذلك عن مواجهة تحديات الأمة؛ ولذلك يعمل الغرب والمستشرقون على إحياء تراثهم وتشجيع الشيوخ والمفتين على أن يسيروا وفق كلامهم.
يقول د. عبد الوهاب المسيري: “ممَّا له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصُّوفية، ومن أكثر الكتب انتشارًا الآن في الغرب مؤلَّفات محيي الدين ابن عربي وأشعار جلال الدِّين الرومي. وقد أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينيَّة بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفيَّة، فالزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة يضعف ولا شك صلابة مقاومة الاستعمار الغربي”([76]).
فجذور هذا الفكر تمتدّ إلى فكر فلاسفة الصوفية كابن سبعين والسهروردي وابن عربي الطائي وعمر بن الفارض، الذين يقولون بوحدة الوجود، وأن كل الأديان تعبد الإله الواحد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وهؤلاء المتفلسفة ومتصوفوهم -كابن سبعين وأتباعه- يجوِّزونَ أن يكونَ الرَّجُل يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مُشْرِكًا يعبُدُ الأوثان، فليسَ الإسلامُ عِنْدَهُم واجِبًا، ولا التَّهَوُّد والتَّنَصُّر والشِّرْك مُحَرَّمًا، لكن قد يُرَجِّحونَ شريعةَ الإسلام على غيرها”([77]).
وهو نوع من التصوف لفظته الأمة الإسلامية -ليس من السلفيين فحسب- بل من جميع طوائف الأمة. وقد قُتل شهاب الدين السهروردي بأمر السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة ٥٨٦ﻫ/ ١١٩٣م، بإيعاز من علماء الأشاعرة آنذاك، قال الحافظ ابن حجر: “وقد قُتل لسوء معتقده”([78]).
وقد نقل برهان الدين البقاعي الشافعي الأشعري كلام علماء المسلمين في تكفير ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين في كتابه (تنبيه الغبي إلى كفر ابن عربي).
قال الحافظ الذهبي عن ابن الفارض: “ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة، فتدبر نظمه ولا تستعجل، ولكنك حسن الظنّ بالصوفية. وما ثم إلا زيّ الصوفية، وإشارات مجملة، وتحت الزى والعبارة: فلسفة، وأفاعي! فقد نصحتك؛ والله الموعد”([79]).
وقال الحافظ ابن حجر: “وقد كنت سألت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني عَنِ ابن العربي، فبادر الجواب بأنه كافر، فسألته عَنِ ابن الفارض فقال: لا أحب أن أتكلم فيه. قلت: فما الفرق بينهما والموضع واحد؟ وأنشدته من التائية. فقطع عليّ بعد إنشاد عدة أبيات بقوله: هذا كفر، هذا كفر”([80]).
أما الدكتور علي جمعة فيرى أن ابن الفارض (سلطان العاشقين)، ويتكلم عن مناقبه ومآثره في درسٍ كاملٍ عنه([81]).
أما علاقة الصوفية بالمؤسسات الغربية فعليها علامات استفهام كثيرة، فقد اعترف محمد المنتصر الأزيرق -أحد كبار شيوخ الصوفية- أنهم يجتمعون مع الكونجرس الأمريكي لبحث أمور المسلمين، فيقول: “قبل شهرين، أخي الحبيب علي الجفري كنت معه في وفد من صوفية السودان منهم عبد الوهاب الكبَّاص، والشيخ الطيب الجد رئيس المجلس الأعلى للتصوف حيث نوَّب شخصًا وآخرين، جلسنا مع الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض، والكونجرس، الأمن القومي، والخارجية الأمريكية، ومراكز بحثية وكنائس، في ورشة عنوانها: مرتكزات التطرف الفكرية، كيف تُحارب؟ كيف يُصنع التطرف مالًا وفكرًا؟ ووضعنا على مائدة النقاش ما نعرف وما تعرف، ومن هو المتطرف، هذه الورشة خرجت بأن التصوف هو الإسلام المعتدل، وينبغي التعاون ما بين الغرب على مظلة التعايش السلمي بين الأديان وتبادل المصالح والمنافع حتى نحقق السلام”([82]).
وما قاله الشيخ محمد المنتصر ليس بمستغرب منهم، فإنه بحسب التقرير الأمريكي building Moderate أن الصوفية هم الحليف الطبيعي للغرب، ولديهم قواسم مشتركة معهم([83]).
وأشار التقرير أيضًا إلى أنه يجري في عام 2006م تكوين المجلس الصوفي البريطاني؛ ليُعارض المجلس الإسلامي البريطاني([84]).
وفعلًا أنشئ المجلس في بريطانيا عام 2006م باسم: المجلس الإسلامي الصوفي The Sufi Council Britain؛ ليُعارض المجلس الإسلامي البريطاني، وقد تلاه إنشاء مجلس عالمي آخر باسم: (المجلس الصوفي العالمي)، وذلك في لندن سنة 2009م، وأصدر المجلس بيانًا عرَّف فيه نفسه بأنه: “منظمة إسلامية، تدعو إلى تحقيق السلم والسلام في العالم.. وتعمل على إزالة الخلافات العقائدية، وتُقرِّب بين الأديان المختلفة؛ لتحقيق الاستقرار في العالم كله”([85]).
ويقول مؤسس المجلس العالمي: “سنحاول أن نحث المسؤولين في معظم الدول من خلال المجلس العالمي على أن يدعموا الصوفية؛ لكي يوقفوا تيار السلفية التي تمدد في العالم والذي يتسبب في نشر التعصب والتشدد”([86]).
وفي تقرير أعدته الدكتورة (شيريل بينارد) بعنوان: (إسلام حضاري وديمقراطي، شركاء وموارد واستراتيجيات) -وهو تقرير بدعم من مؤسسة (سميث ريتشاردسون)- جاء: “دعم العصرانيين والعلمانيين، وتعزيز مكانة الحركة الصوفية، وضرب مواطن الضعف لدى الأصوليين -يعني: السلفيين- وفضحهم وكسر احتكارهم تفسير الإسلام”([87]).
الدكتور علي جمعة والغماريون الصوفية:
إذا تطرقنا إلى المدرسة الأولى للدكتور على جمعة سنجد أنه تتلمذ على أحد الغماريين وهو الشيخ عبد الله الغماري، فقد جاء في ترجمة الدكتور علي جمعة: “وأخذ طريق السادة الشاذلية على السيد المحدث عبد الله بن الصديق الغماري شيخ الصديقية الشاذلية”([88]).
وهذه المدرسة ظهرت مناوئة وبشدة لمدرسة أهل الحديث في المغرب العربي، وفي هذا المقام لا بد وأن نذكر شيخها الأول وهو: أحمد بن الصديق الغماري.
والشيخ أحمد بن الصديق هو عالم دين مغربي اشتغل بالتصوف وعلم الحديث، وكان يتبنى التصوف الفلسفي، ومن أشد المدافعين عن غلاة الصوفية، وله آراء وأطروحات رفضها أهل العلم.
فمن ذلك دفاعه عن كفريات محيي الدين ابن عربي، فقال: “ولو قال -يعني ابن عربي-: إن الكلب والخنزير هو الله، لأمكن أن يكون لقوله وجه عند أهل الفناء في الشهود”([89]).
ودافع أيضًا عن ابن عربي في قوله بإيمان فرعون وأنه مات على الإيمان([90])، كما أن الشيخ الغماري يكفِّر عددًا كبيرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم معاوية بن أبي سفيان([91]).
ويقول تلميذه الشيخ بوخبزة التطواني: “ومعلوم أن أبا البيض -يعني الغماري- كان يُعلن بتكفير معاوية وأبيه وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وسمرة بن جندب وعبد الله بن الزبير وغيرهم ممن نسيتهم، ولم يكن بالتالي يقول بعدالة الصحابة كما أجمع المسلمون، بل سجَّل بيده وخطه تحت يدي: أن أغلب الصحابة كانوا يبغضون عليا”([92]).
وللشيخ أحمد الغماري شذوذات كثيرة غذر هذه.
وقد رد عليه صهره وتلميذه الشيخ محمد الأمين بوخبزة في كتابه (صحيفة السوابق وجريدة البوائق)، كما رد عليه الشيخ عبد الحي الكتاني المغربي في كتابه: (سوط الأقدار المسدل على كشف الأستار المرسل من القهار لفضيحة أحمد بن الصديق الغماري حمارة الاستعمار).
والحاصل أنه ينبغي أن نقف على تلك الجذور الفكرية التي قد بُنيت عليها هذه النتائج، حتى يسهل تحليل أي ظاهرة دينية معاصرة.
2- التنوير أو العصرانية المنبثقين من الفكر الغربي:
المصدر الثاني لفكر الدكتور علي جمعة هو المذهب العصراني المستمد من الحضارة الغربية والقائمة على فكرة الإنسانوية وتذويب هوية المجتمعات العربية في قالب المجتمع الغربي.
وتقوم فكرة العصرانية كما يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي: “على أساس تقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية، واقتباس العلوم العصرية بحذافيرها وعلى علَّاتها، وتفسير الإسلام والقرآن تفسيرًا يُطابقان ما وصلت إليه المدنية والمعلومات الحديثة في آخر القرن التاسع عشر المسيحي، ويطابقان هوى الغربيين وآراءهم وأذواقهم، والاستهانة بها لا يثبته الحس والتجربة، ولا تقرره علوم الطبيعة في بادئ النظر من الحقائق الغيبية”([93]).
ومن أهم مبادئ المدرسة العصرية أنها تقوم على مذهب (الإنسانوية)، الذي يتضمن أن غير المسلمين ليسوا كفارًا، وأن الدين عبارة عن (مصالح) و(مقاصد) و(غايات)، أما التشريعات المجمع عليها فهي متطورة بحسب تطور الحضارة، وذلك لكونها آليات وضعها الله عز وجل لتطبيق هذه المقاصد والغايات.
وقد ألف الدكتور محمود الشرقاوي كتابه: (التطور روح الشريعة الإسلامية) حاول فيه التوفيق بين الدين والحضارة بأن “نفرق بين روح الدين وغايته، وبين الدين كتقاليد وأشخاص.. فروح الدين وجوهره هما الدين الخالد الباقي الذي لا يتعارض مع أي عصر”([94]).
ويرى العصرانيون أن فهم الدين وتطبيقه ظاهرة اجتماعية وثيقة الصلة بالظروف والعصر الذي تنشأ فيه، يقول الدكتور الشرقاوي: “إن الدين لا يمكن فصله عن العقل الإنساني الذي يتلقاه ويستقبله ويطبقه… ونعني بذلك البيئة المحلية والعالمية والثقافية والاجتماعية.. هذه حقيقة سيكلوجية اجتماعية”([95]).
ويرى أن تطور الدين هو: “حقيقة فلسفية ربما أفزعت الكثيرين ممن يقدسون الدين كمفاهيم جامدة ثابتة.. إن الحقيقة الثابتة تختلف باختلاف الأنظار إليها باختلاف زاوية سقوط الشعاع الفكري… كذلك الدين تتفاوت قوى الأفراد والأجيال في فهم مبادئه وتطبيقاتها، واللغة التي يُعبر بها الدين عن حقائقه ظاهره بشرية فهي قابلة للأخذ والرد والتأويل والتحوير”([96]).
والحاصل: أن مدرسة الدكتور علي جمعة قد جمعت بين مساوئ المدرسة العقلية التي تذهب إلى تفسير الإسلام تفسيرًا عقلانيًّا انبهارًا بالحضارة الغربية، وبين مساوئ التصوف الباطني الفلسفي، فجمعوا المذاهب الرديئة في قالبٍ واحد.
إذن نستطيع أن نقول باختصار:
إن الهدف من تلك الفتاوى هو التأقلم مع ما خلَّفها الاستعمار والغزو الفكري، والاندماج في الحضارة الغربية بصحيحها وسقيمها، أو ما يعرف بالمجتمع العالمي الجديد الذي تسعى إليه بعض المنظمات العالمية من المذهب الإنسانوي ووحدة الأديان.
ثم تغييب عقول المسلمين عن طريق تحويل الدين إلى مجرد ممارسة طقوسية وأوراد غير مفهومة، ووضع وسائط بين الناس وبين الدين عن طريق أخذ الإذن بالذكر أو طلب الغوث ليضعوا بذلك المتاريس التي تحول بين الناس وحقيقة هذا الدين العظيم.
إن الإسلام العصراني أو الإسلام التنويري المنبثق من الثقافة الغربية قد وجد ضالته في غلاة الصوفية الباطنية، وقد يتبناه بعض المعاصرين. ونحن لا نزعم أن شيوخ الصوفية كانت أفكارهم إنسانوية أو غربية، فالإنصاف يقتضي أن يُقال بأن كثيرًا من الصوفية -على علاتهم وشطحاتهم- مُتشرِّعون ولو ظاهريًّا([97]).
ولكن هل بقيَ الصوفية القدامى على تشرُّعهم؟ القاعدة تقول بأن: “البدعة تبدأ شبرًا وتنتهي ذراعًا”. فقد أسهمت أفكار الصوفية بشكلٍ رئيس في خدمة مآرب المستمعر الغربي الذي يسعى إلى فرض وحدة الأديان، وقد عملوا على استمالة بعض الكوادر المعاصرة لخدمة آرائهم، ولا شك أن الدكتور علي جمعة كان عنده القابلية لهذه الأفكار، فهو تلميذ المدرسة الغمارية التي تتبنى هذا التصوف الفلسفي الغالي.
ولا شك أن الصوفية كانت لديهم الأرض الخصبة لتقبُّل هذه الآراء والأطروحات، وقد تلاقى كلا الفكرين معًا؛ لما لهما من تقارب ولوجود جنس الأفكار العلمانية في الفكر الصوفي القديم، فتلاقى الفكران -أي: الغربي والصوفي- في خطٍّ واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([2]) من فتاوى الدكتور علي جمعة في برنامج (نور الدين) على الرابط:
https://youtu.be/cwlLj00Fueo?si=gSqZ01BlSvcSqYwY
([3]) من فتاوى الدكتور علي جمعة في برنامج (نور الدين) على الرابط:
https://youtu.be/htR-PEDcUzI?si=ZL3aYBs09mj5dyTS
([4]) مجلة الهداية الإسلامية ج ٦ من المجلد الثالث عشر، وانظر: كتاب محاضرات إسلامية لفضيلة الشيخ محمد الخضر حسين، جمعها وحققها علي الرضا التونسي (ص: 190-200).
([5]) محاضرات إسلامية (ص: 197).
([6]) النبي في القرآن (ص: 140-141).
([7]) حول اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة من منظور إسلامي (ص: 111-116).
([9]) من فتاوى الشيخ عطية صقر، على الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=7xDVX5LMPzc
([15]) شرح صحيح مسلم (3/ 133).
([18]) بدائع الصنائع (5/ 125).
([19]) حاشية ابن عابدين (6/ 355).
([20]) البيان والتحصيل (9/ 335).
([21]) آداب الحسبة والمحتسب (ص: 38).
([22]) الجامع في كتب آداب المعلمين (ص: 136).
([27]) المنهاج في شعب الإيمان (13/ 260).
([28]) المنهاج في شعب الإيمان (3/ 397).
([30]) الحاوي الكبير، للماوردي (2/ 343).
([31]) الأحكام السلطانية (ص: 412).
([32]) إحياء علوم الدين (3/ 43).
([34]) الفتاوى الفقهية (1/ 203).
([35]) انظر: الطرق الحكمية، لابن القيم (ص: 407).
([36]) الأحكام السلطانية (ص: 306).
([37]) كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 776).
([40]) من فتوى الدكتور علي جمعة عن التبرج، على الرابط:
([41]) انظر: المغنى لابن قدامة (9/ 500).
([42]) من فتوى للدكتور علي جمعة حول السياحة، على الرابط:
([43]) أخرجه البخاري (4655)، ومسلم (1347).
([44]) شرح صحيح مسلم (9/ 126).
([45]) من فتاوى الدكتور علي جمعة بعنوان: (هل يزني الولي؟) على الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=-FecXa1ZTpk
([46]) ينظر: تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير (1/ 99).
([47]) Building Moderate Muslim Networks P.85
([48]) من فتاوى الدكتور علي جمعة في برنامج نور الدين، على الرابط:
([49]) الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/ 110).
([50]) معالم التنزيل (1/ 103).
([51]) تفسير القرآن العظيم (1/ 97).
([52]) من فتاوى د. علي جمعة على قناة الـ CBC، على الرابط:
([53]) من فتاوى الدكتور علي جمعة في برنامجه الرمضاني (نور الدين) على الرابط:
([54]) من فتاوى الدكتور علي جمعة على قناته الرسمية، بعنوان: (كيف يمكن للعذاب في الآخرة أن يكون عَذبًا؟) على الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=9BZBHQMUApQ
([55]) الفتوحات المكية (1/ 284).
([56]) انظر: مغني المحتاج، للشربيني (3/ 61).
([58]) انظر: الرد على الزنادقة (ص: 101)، طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/ 334)،
([59]) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 117)، وعقيدة أبي حاتم الرازي وأبي زرعة الرازي للحداد (ص: 201).
([60]) العقيدة الطحاوية (ص: 12). وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (2/ 620): (هذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف).
([62]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 83).
([63]) مراتب الإجماع (ص: 173).
([65]) عقيدة عبد الغني المقدسي (ص: 76).
([66]) التذكرة في أحوال الموتى والآخرة (ص: 527).
([68]) انظر فتوى الشيخ ابن باز على موقعه الرسمي حول صحة نسبة القول بفناء النار إلى ابن تيمية وابن القيم على الرابط:
https://binbaz.org.sa/fatwas/13076/%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%84-%D8%A8%D9%81%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85
([69]) انظر فتوى العلامة ابن عثيمين على الرابط:
https://al-fatawa.com/fatwa/56821/%D9%87%D9%84-%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%86-%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D9%81%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D8%AB%D9%8A%D9%85%D9%8A%D9%86
([70]) انظر فتوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك على الرابط:
https://ar.islamway.net/fatwa/54335/%D9%87%D9%84-%D8%B5%D8%B1%D8%AD-%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%88-%D8%AA%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85-%D8%A8%D9%81%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1
([73]) مجموع الفتاوى (18/ 307)، بيان تلبيس الجهمية (1/ 581).
([74]) درء تعارض العقل والنقل (1/ 403).
([75]) من فتاوى الدكتور علي جمعة في برنامجه الرمضاني (نور الدين) على الرابط:
([76]) من حوار الدكتور المسيري مع قناة الجزيرة، على الرابط:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/7FF79FD0-02C9-49EA-A160-D551912A33B2.htm
([77]) الرد على المنطقيين (ص: 231).
([79]) ميزان الاعتدال (3/ 215).
([81]) درس للدكتور علي جمعة عن عمر بن الفارض من قناته الرسمية:
https://www.youtube.com/watch?v=6PCBRaqFb-0
([82]) من كلمة للشيخ محمد المنتصر الأزيرق على الرابط:
([83]) Building Moderate Muslim Networks P.73
([84]) Building Moderate Muslim Networks P.102
([85]) مجلة البيان، عدد 279، ذو القعدة 1431هـ، الصوفية في مواجهة السلفية (ص: 5).
([86]) مجلة البيان، عدد 279، ذو القعدة 1431هـ، الصوفية في مواجهة السلفية (ص: 6).
([87]) مؤسسة البحث والتطوير (راند) وموقفها من الدعوة الإسلامية، دراسة وصفية تحليلية نقدية، د. عبد الله المديفر (ص: 100-101).
([88]) ترجمة الدكتور علي جمعة من الموقع الرسمي للطريقة الشاذلية الصديقية:
([89]) الجواب المفيد للسائل المستفيد (ص: 94-95).
([90]) الجواب المفيد للسائل المستفيد (ص: 96).
([91]) الجواب المفيد للسائل المستفيد (ص: 56-60).
([92]) صحيفة السوابق وجريدة البوائق (ص: 25).
([93]) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية (ص: 71).
([94]) التطور روح الشريعة (ص: 162).
([95]) التطور روح الشريعة (ص: 35).
([96]) التطور روح الشريعة (ص: 338-339).
([97]) للشيخ عبد الله التليدي الصوفي رسالة بعنوان: (الاستنفار لغزو التشبه بالكفار)، وهي رسالة قدم لها الشيخ أحمد بن الصديق الغماري. من فصولها الحديث عن مطامع المستعمر الغربي في البلاد الإسلامية ومؤامراته وموقف الأمة والدين من حقده، ثم ذكر الآيات والأحاديث الدالة على تحريم التشبه بالكفار في لباسهم وأعيادهم، وغير ذلك.