الخميس - 19 جمادى الأول 1446 هـ - 21 نوفمبر 2024 م

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

A A

 

في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال.

إضافة إلى ذلك فإن بلاد المسلمين عمومًا تنتشر فيها مظاهر السحر وأنواعه بسبب ضعف الإيمان بالله تعالى، وظهور الجهل بأحكام الشريعة، وسذاجة الكثير من المسلمين وجهلهم بحال هؤلاء السحرة المشعوذين، وتعطيل أحكام الله تعالى في هؤلاء السحرة([1]).

والمسائل المتعلقة بالسحر كثيرة، وسنتناول في هذا المقال مسألةً منها، وهي مسألة حل السحر بالسحر.

ومدار بحثنا على قول الحنابلة في هذه المسألة، وذلك ببيان الوجهين فيها، والمعتمد منهما عند الحنابلة، وأدلة كل منهما، والراجح منهما، وكشف ما يرد من إشكال على القولِ بجواز الحل بالسحر، وذلك ببيان قيوده وشروطه.

الوجه الأول عند الحنابلة: تحريم حل السحر بالسحر مطلقًا:

1- أدلة تحريم حل السحر بالسحر مطلقًا:

أظهرُ ما استدل به المانعون من حل السحر بالسحر حديث جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنه قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم عن النُشْرَةِ، فقالَ: «هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»([2]).

وجاء عن الحسن البصري رحمه الله: (لا يطلق السحر إلا ساحر)([3]).

وسئل الإمام أحمد عن النشرة فقال: (ابن مسعود يكره هذا كله)([4]).

واستُدِل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ وَلَا تُطُيِّرَ لَهُ، وَلَا تَكَهَّنَ وَلَا تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ ‌سُحِرَ ‌لَهُ»([5])، فهذا الحديث يقتضي أن طلب السحر من الساحر لأي غرض من الأغراض يعد كبيرة من كبائر الذنوب.

ومما يدل على ذلك أيضًا: عموم النصوص التي فيها النهي عن المجيء إلى الكهّان والعرافين وسؤالهم، فهي دالة على تحريم سؤال السحرة كذلك؛ لأن تلك الأصناف تشترك في العلة الموجبة للتحريم، وهي الاعتماد على غير الله، وادعاء الغيب، والدجل.

ومن ذلك: النصوص الشرعية التي فيها إطلاق المنع من السحر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات»([6])، وذكر منها السحر. وهذا النهي عام يشمل كل تعامل مع السحر، ولم يفرق فيه وبين حال وحال.

ولأن إباحة حل السحر بالسحر فيها إقرار للسحرة على عملهم، وتعاون معهم فيما هم عليه من الباطل([7]).

2- القائلون بتحريم حل السحر بالسحر مطلقًا من علماء الحنابلة:

وممن قال بهذا القول من علماء وأئمة الحنابلة: ابن الجوزي، وابن حمدان الحراني، وابن مفلح، وابن قيم الجوزية، وأطبق عليه علماء الدعوة النجدية.

قال الإمام ابن الجوزي: (‌النُّشْرة: حلّ السّحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلّا من يعرف السّحر)([8]).

وقال الإمام ابن حمدان الحراني: (يحرم العطف والربط، وكذا ‌الحل ‌بسحر، وقيل: يكره الحل، وقيل: يباح بكلام مباح)([9]).

وقد صدّر الإمام شمس الدين ابن مفلح الفصل الذي عقده في ‌النشرة، قال: (وهو ماء يرقى ويترك تحت السماء، ويغسل به المريض)([10])؛ صدّره بكلام الإمام أحمد المتقدّم، وحديث جابر، ونقل عنه المرداوي قوله: (ويجوز حله بقرآن أو بكلام مباح غيره)، ثم قال: (فدل كلامه أنه لا يباح بسحر)([11]).

وقال الإمام ابن القيم بعد ذكره لحديث جابر: (والنُّشْرة: حلُّ السحر عن المسحور، وهي نوعان: حلُّ سحرٍ ‌بسحرٍ ‌مثلِه، وهو الذي من عمل الشيطان، فإن السحر من عمله، فيتقرَّب إليه الناشر والمنتشر بما يحِبُّ، فيُبطل عملَه عن المسحور.

والثاني: النُّشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب.

وعلى النوع المذموم يُحمَل قول الحسن: لا يحُلُّ السحرَ إلا ساحرٌ)([12]).

وكلام ابن القيم انتشر جدًّا لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب نقله في (كتاب التوحيد)، قال الشيخ السعدي: (فيه كفاية)([13]). وقال الشيخ ابن عثيمين: (هذا الكلام جيد، ولا مزيد عليه)([14]).

ولذلك أورده الشيخ ابن قاسم في (حاشيته على الروض)([15]) عقب ذكر البهوتي معتمد الحنابلة من (جواز حَلِّ السِّحر بالسحر ضرورة).

وقال ابن قاسم: (وقال -يعني الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ- في رد قول بعض الحنابلة: ويجوز الحل بسحر ضرورة): (والقول الآخر أَنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح، وحقيقته أَنه يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب من ذبح شيء أَو السجود له أَو غير ذلك، فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان وجاءَ إلى إخوانه الشياطين الذين عملوا ذلك العمل، فيبطل عمله عن المسحور)([16]).

3- القائلون بتحريم حل السحر بالسحر مطلقًا من غير الحنابلة:

نشير هنا إلى كلام بعض العلماء المتأخرين من غير الحنابلة في تحريم حل السحر بالسحر مطلقًا، وليس القصد الاستقصاء.

قال ابن الحاج بعد ذكره النشرة المباحة: (وأما النشرة التي يعملها المعزمون على أي حالة كانت فليست من هذه في شيء، وهي ممنوعة، ولو كان أكثر كلامهم معروفًا؛ لأنهم يتلفظون مع ذلك بلفظ لا يُعرف، كما قاله علماؤنا -رحمة الله عليهم- في الورقة التي يكتبها من انغمس في الجهل في آخر جمعة في شهر رمضان، وإن كان ما فيها معروفا، لكن منعوها لأجل اللفظة التي فيها وهي معلومة؛ لأن ذلك راجع لما تقدم من قول مالك رحمه الله: وما يدريك ‌لعله ‌كفر)([17]).

وقال ابن حجر الهيتمي: (تعلُّم السحر وتعليمه حرامان مُفسِّقَان مُطلقًا على الأصح، ومحل الخلاف حيث لم يكن فعل مكفر ولا اعتقاده.

 ويحرم فعله ويفسق به أيضًا، ولا يظهر إلا على فاسق إجماعًا فيهما.

نعم، سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: لا بأس به([18])، وأُخذ منه حل فعله لهذا الغرض، وفيه نظر، بل لا يصح، إذ إبطاله لا يتوقف على فعله، بل يكون بالرقى الجائزة ونحوها مما ليس بسحر.

وفي حديثٍ حسن: «النشرة مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، قال ابن الجوزي: (هي ‌حل ‌السحر، ولا يكاد يقدر عليه إلا من عرف السحر) انتهى، أي: فالنشرة التي هي من السحر محرمة، وإن كانت لقصد حله، بخلاف النشرة التي ليست من السحر، فإنها مباحة كما بينها الأئمة وذكروا لها كيفيات)([19]).

وقال الملا علي القاري في شرح حديث: «النشرة مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»: (النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون فيه، وأما ما كان من الآيات القرآنية، والأسماء والصفات الربانية، والدعوات المأثورة النبوية، فلا بأس، بل يستحب سواء كان تعويذًا أو رقية أو نشرة، وأما على لغة العبرانية ونحوها، فيمتنع لاحتمال الشرك فيها)([20]).

الوجه الثاني عند الحنابلة: جواز حل السحر بالسحر ضرورةً، وهو معتمد المذهب:

1- تقرير كونه معتمد المذهب:

ذكر العلامة المرداوي الوجهين في المذهب وأطلقهما في (الإنصاف)([21]) وفي (تصحيح الفروع)([22])، وقال في (التنقيح المشبع)([23]): (ويجوز ‌الحلُّ ‌بسحرٍ ضَرُورَة). فهذا هو الوجه المعتمد.

وذكر هذه العبارة بلفظها ابن النجّار في (المنتهى)، وقال في شرحه: (أي: للضرورة إلى ذلك فى الأصح)([24]).

وقال السامري في (المستوعب)([25]): (حَلُّ السِّحر عن المسحور جائز).

وقال العلامة الحجاوي في (الإقناع)([26]): (ولا بأس بِحَلِّ السحر بشيء من القرآن والذِّكر والأَقسَام، والكلام المباح، وإن كان بشيءٍ من السحر فقد توَقَّف فيه أحمد، والمذهبُ جوازُه ضرورةً). ولم يتعقبه الشيخ منصور بشيء في شرحه (كشاف القناع)([27]).

وفي (غاية المنتهى) ممزوجًا بشرح الرحيباني: ((ويجوز الحل) أي: حَلُّ السحر بالقرآن والذكر والأقسام والكلام المباح، ويجوزُ حَلُّه أيضًا (‌بسحرٍ ضرورة) أي: لأجل الضرورة)([28]).

وكذلك اعتمد الشيخ المحقق منصور البهوتي هذا القول في (الروض المربع)([29])، فقال: (ويجوز ‌الحلُّ ‌بسحرٍ ضَرُورَة).

وهذا كافٍ في الدلالة على أن القول بجواز حل السحر بالسحر ضرورةً هو معتمد الحنابلة.

وممن قال به من الحنابلة المتأخرين أيضًا: العلامة جمال الدين ابن عبد الهادي، الشهير بابن المبرد، حيث قال: (ولا بأس بنشرة وسلوة وأن يطلق عن المسحور ويحل المعقود. نص عليه)([30]).

2- مستندات القول بجواز حل السحر بالسحر ضرورةً:

استُنِدَ إلى نصّ الإمام أحمد في تقرير القول المعتمد، فذكر ابنُ مفلح الرواية التي استَنَد إليها هذا القول، وهي رواية مهنا، حيث سأل الإمام أحمد عمن تأتيه مسحورة فيُطلقه عنها، قال: (لا بأس).

ثم نقل عن الخلال قوله: إنما كَرِه أحمدُ فعله، ولا يرى به بأسًا، كما بينه مهنا، وهذا من الضرورة التي يبيح فعلها([31]).

ونقل المرداوي عن ابن قدامة وابن أبي عمر قولهما: (توَقَّفَ الإمامُ أحمد رحمه الله في الحِلِّ، وهو ‌إلى ‌الجواز ‌أميل)([32]).

وَاستَنَد ابن قدامة إلى روايات عن ابن سيرين وسعيد بن المسيب في تقرير هذا القول([33]).

وأثر ابن المسيب ذكره البخاري في صحيحه معلقًا، وبوّب له بقوله: (باب: هل يستخرج السحر؟)، قال: (قال قتادة: قلتُ لسعيد بن المسيب: ‌رجل ‌به ‌طبٌّ، أو يُؤَخَّذُ عن امرأته، أَيُحَلُّ عَنهُ أو يُنَشَّرُ ؟ قال: لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنْهَ عنه)([34]).

والعلة في الإباحة بشرطها -كما دلّ عليه كلام ابن المسيب- هي حصول النفع، قال ابن قدامة: (هو مما ينفع ولا يضر)([35]).

ونقل العلامة المرداوي عن ابن رزين قولَه في تعليل القول بالإباحة: (لأنه محض نفع لأخيه المسلم)([36]).

وقال العلامة نجم الدين الطوفي: (من علم السحر فلا بأس أن يستعمله في نفع الناس، كحل مربوط، ومعارضة ساحر، وأذى كافر)([37]).

وقال الخلوتي عند قول صاحب المنتهى: (ويجوز ‌الحَلُّ ‌بسحرٍ ضرورةً): (ويؤخذ منه: جوازُ تعلُّمِه وتعليمِه لأجل ذلك؛ لا لأجل الإضرار به. وبه صرح في الفروع)([38]).

3- الجواب عن مستندات القول بالجواز:

وقد أجاب عن الاستناد إلى أثر ابن السيب في ذلك من منع حل السحر بالسحر من الحنابلة وغيرهم.

قال الشيخ ابن حجر الهيتمي: (وظاهر المنقول عن ابن المسيب جواز حله عن الغير ولو بسحر قال: (لأنه حينئذ صلاح لا ضرر)، لكن خالَفَهُ الحسن وغيره، وهو الحق؛ لأنه داء خبيث من شأن العالِم به الطبع على الإفساد والإضرار به، ففطم الناس عنه رأسًا)([39]).

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى: (وكلام الأَصحاب هنا بَيِّنٌ أَنه حَرَامٌ، ولا يجُوز إلا لضرورة فقط، ولكن هذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل إلا كلام ابن المسيب.

ومَعَنَا حديث جابر في ذلك، وقول ابن مسعود، وقول الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر.

وهو لا يتوصل إلى حَلِّهِ إلا بسحر، والسحر حرام وكفر، أَفيعمل الكفر لتحيا نفس مريضة أَو مصابة؟!

مع أَن الغالب في المسحور أَنه يموت أَو يختل عقله، فالرسول منع وسد الباب ولم يفصل في عمل الشيطان ولا في المسحور)([40]).

4- شروط حل السحر بالسحر عند من أجازه من الحنابلة:

  • وجود الضرورة: تتابع محققو الحنابلة الذين جعلوا القول بحل السحر بالسحر معتمد المذهب على ذكرِ قيد الضرورة، كما تقدّمت عباراتهم.
  • قصد الخير: وهذا يؤخذ من التعليل الذي عللوا به الجواز استنادًا إلى كلام ابن المسيب.
  • أن يكون الحَلُّ بكلامٍ مباح: وهذا القيد ذكره ابن عبد القوي في نظمه حيث قال:

وحُكْمُ ذَوِي التعزيمِ أَحكامُ ساحِرٍ … وقدْ قيلَ فيما فيهِ نَفْعُ الْمُوَحِّدِ

كحَلٍّ وتَعزيمٍ يُسامَحُ فيهما … فما النهيُ إلَّا عنْ مُضِرٍّ ومُفْسِدِ

وشَرْطُ الذي مِنْ ذَلِكم فيهِ رَخَّصُوا … إذا كانَ بالقولِ ‌الْمُباحِ ‌الْمُعَوَّدِ([41])

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن التداوي بالكفر والشرك خارج عن محل النزاع بين المسلمين فيما تنازعوا فيه في باب التداوي([42]).

وهذا الشرط يزول به كثير من الإشكال، إذ يخرج بالكلام المباح الكلام المحرّم والشركي، وما كان يصنعه أهل الجاهلية([43]).

والكلام المباح ليس مما يحبه الشيطان، وبهذا الشَّرْط لا يكون حل السحر بكلام مباح -وإن سمي سحرًا- داخلًا في النشرة المنهي عنها. ويتضح ذلك بما يأتي في البند الآتي.

5- حكم من يحل السحر بالسحر ضرورة:

يفرق الحنابلة بين الساحر المكفَّر بسحره وغيره([44]).

يقول الإمام ابن قدامة في أحكام السحر والسحرة: (فأما المعزم الذي يعزم على المصروع، ويزعم أنه يجمع الجن، وأنها تطيعه، والذي يَحُلُّ السحر، فذكرهما أصحابنا من السحرة الذين ذكرنا حكمهم)، أي: التكفير والقتل، ثم ذكر توقف الإمام أحمد وأثري ابن سيرين وابن المسيب، ثم قال: (وهذا يدل على أن مثل هذا لا يكفرُ صاحبُه، ولا يُقتَل)([45]).

وقال في (المغني)([46]) بعد إيراد كلام ابن سيرين وابن المسيب: (فهذا من قولهم يدل على أن المعزم ونحوه لم يدخلوا في حكم السحرة؛ لأنهم لا يسمون به، وهو مما ينفع ولا يضر).

وبهذا يتبين أنّ مستندات القول بجواز حل السحر بالسحر ضرورة هي نفسها مستندات عدم تكفير من يفعل ذلك وقتله، ولا يخفى ما بين ذلك من تلازم.

وعليه فلا تناقض بين قول الحنابلة بتكفير الساحر وقتله، وبين قولهم بجواز حل السحر بالسحر ضرورة، فإنهم لا يعدّون من يحل السحر بالسحر ساحرًا مُكفَّرًا.

الموازنة بين الوجهين:

لا خلاف في أن (أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في ذهاب ذلك وهما المعوذتان، وفي الحديث: «لم يتعوذ المتعوذ بمثلهما»([47]) وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان) كما قال الحافظ ابن كثير([48])، وإنما جوّز من جوّز من الحنابلة حَلَّ السحر بالسحر في حالةِ الضرورة، والفرق بين إطلاق القول بالحِلّ وتقييده بحال الضرورة لا يخفى على أحد.

ويضيق محل النزاع أيضًا بما تقدّم من شروط القول بجواز حل السحر بالسحر، فإن منع الحل بما هو شرك أو كفرٌ محل اتفاق.

غير أن القول الأول فيه حسم للباب بالكلية، واحتياط للدين، فهو أقرب إلى مقصد الشريعة في حفظ الدين، الذي هو من الضروريات الخمس، والله تعالى أعلم.

كما أن فيه حفظًا لأموال الناس، وفي ذلك يقول الشيخ حافظ الحكمي: (ترى كثيرًا من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم يتعمَّدُ سحر الناس ممن يحبه أو يبغضه ليضطره بذلك إلى سؤاله حلَّه، ليتوَصَّل بذلك إلى أموال الناس بالباطل، فيستحوذ على أموالهم ودينهم، نسأل الله تعالى العافية)([49]).

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) هذه المقدمة مستفادة من «نواقض الإيمان القولية والعملية» للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف (ص: 495).

([2]) أخرجه أحمد (14135)، وأبو داود (3868)، وجود ابن مفلح إسناده في «الآداب الشرعية» (3/ 63)، وعنه نقل ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب في «كتاب التوحيد» (باب النشرة)، وحسنه الحافظ في «الفتح» (17/ 614).

([3]) ينظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 64).

([4]) ينظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 64).

([5]) أخرجه البزار (3578)، والطبراني في «الكبير» (355)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2195).

([6]) أخرجه البخاري (2766، 5764، 6857)، ومسلم (89).

([7]) مستفاد من «المسلك الرشيد إلى كتاب التوحيد» للدكتور سلطان العُميري (3/ 81-82).

([8]) «جامع المسانيد» (2/ 83)، ونقله ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 64)، وتداوله علماء الشافعية فنقله ابن حجر في «فتح الباري» (17/ 615)، والهيتمي في «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (9/ 62).

([9]) نقله عنه المرداوي في «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209)، و«الإنصاف» (27/ 192).

([10]) «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 64).

([11]) «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209)، و«الإنصاف» (27/ 192).

([12]) «إعلام الموقعين» (5/ 450).

([13]) «القول السديد» (ص: 102).

([14]) «القول المفيد» (1/ 557).

([15]) (7/ 414). وتبعته كاملة الكواري في «التسهيل المقنع» (5/ 474).

([16]) «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (1/ 195).

([17]) «المدخل» (4/ 131).

([18]) هذا هو نصّ الإمام أحمد الذي اعتُمِد عليه في تقرير معتمد المذهب، وسيأتي.

([19]) «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (9/ 62).

([20]) «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (7/ 2880).

([21]) (27/ 192).

([22]) (10/ 209).

([23]) (ص: 455).

([24]) «معونة أولي النهى شرح غاية المنتهى» (10/ 561).

([25]) (2/ 814).

([26]) (4/ 308).

([27]) (14/ 276).

([28]) «مطالب أولي النهى» (6/ 305).

([29]) (3/ 424).

([30]) «مغني ذوي الأفهام» (ص: 30).

([31]) «الفروع» (10/ 209)، ونقله المرداوي في «الإنصاف» (27/ 192)، وذكر ابن مفلح رواية مهنا أيضًا في «الآداب الشرعية» (3/ 63).

([32]) «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209)، و«الإنصاف» (27/ 192)، ونقله في «كشاف القناع» (14/ 276)، و«مطالب أولي النهى» (6/ 305).

([33]) «المغني» (12/ 305)، «الكافي» (4/ 65-66). وذكر ابن مفلح أثر ابن المسيب دليلًا على القول بالجواز في «الآداب الشرعية» (3/ 64).

([34]) انظر: «فتح الباري» (17/ 614).

([35]) «المغني» (12/ 305).

([36]) «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209).

([37]) «حلال العقد في أحكام المعتقد» (ص: 50).

([38]) «حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات» (6/ 358).

([39]) «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (9/ 62).

([40]) «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (1/ 195).

([41]) «عقد الفرائد وكنز الفوائد» (2/ 296-297)، و«الألفية في الآداب الشرعية» الأبيات (142-144).

([42]) «مجموع الفتاوى» (19/ 61).

([43]) «شرح سنن أبي داود» لابن رسلان (15/ 570).

([44]) «المحرر» للمجد ابن تيمية (2/ 168)، و«الوجيز» للدجيلي (ص: 492).

([45]) «الكافي» (4/ 66). وانظر: «المبدع في شرح المقنع» لبرهان الدين بن مفلح (7/ 495).

([46]) (12/ 305).

([47]) أخرجه أَبو داود (1463)، والنَّسَائي في «الكبرى» (7789، 8009)، وابن أبي شيبة (30220).

([48]) «تفسير ابن كثير» (1/ 256).

([49]) «معارج القبول» (2/ 567).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017