الأربعاء - 11 جمادى الأول 1446 هـ - 13 نوفمبر 2024 م

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

 

مقدمة:

حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها خدمةَ مذهبهم في قضايا السياق وما يحتفّ به من القرائن المتصلة والمنفصلة.

وهذا التيار قد راج في أيامه الماضية، ووجدت له مراكز بحثية معلَنة بلا ستار التمويه كما عُهد عنهم سابقًا، واستعلنوا بكل قبيح منتهزين فرصةَ التغيرات العالَمية وطغيان نمط الحياة الغربية وثقافتها، عمادُ هذا التيار التأويل والتلبيس لانتزاع حصانة أصول الفقه -الذي هو أداة للحقّ ونصرتِه وسلامة فهمه- لتكون أصولًا داعمة لمفردات علمانية، وصدق الله حين ذكر المنافقين وصنيعهم فقال: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ} [التوبة: 48].

فلا يبعُدُ بعد ذلك مع كثرة إلحاحهم وبرامجهم وتكرار ظهورهم أن يرسخَ أو حتى يخطر لدى جمهور الناس أن فهم هؤلاء خلقٌ مما خلَق الله من الأفهام المستساغة التي تنضوي تحت لواء الشريعة!

لذا فإن القضية المبحوثة هنا تدور حول: توظيف الاتجاهات العلمانية لمبحث القرائن بما يقوض أحكام الشريعة وحدودَها، مع إبراز الدور الباسل للمنهجية الأصولية الحصينة في كشف زيف القراءة الحداثية الهدامة، مع تتبع أبرز الكتاب الحداثيين كحسن حنفي ونصر أبو زيد والجابري وأركون وغيرهم، والنظر في تعاملهم مع المباحث المتعلقة بالقرائن، ومقارنة ذلك بصنيع علماء أصول الفقه. كل ذلك في إطار ما يسعى إليه مركز سلف للبحوث والدراسات من الدفاع عن محكمات الشريعة وأصول الإسلام وعقائده العظام.

 

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

تمهيد:

1- حقيقة القرائن:

مادة (قرن) لها أصلان: الأول: جمع شيء إلى شيء، ومنه القِرَان أي: الإتيان بحجة وعمرة، والثاني: شيء ينتأ بقوة وشدة، ومنه قرن الشاة([1]).

القرينة في اصطلاح الأصوليين:

عرفها بعض علماء الأصول بأنها: «ما يُبيِّن معنى اللفظ ويفسره، وذلك إنما يكون بما يوافق اللفظ ويماثله، فأما ما يخالفه ويضادّه فلا يجوز أن يكون بيانًا له، فلا يجوز أن يُجعل قرينة»([2]).

وقيل: «ما يوضح عن المراد لا بالوضع، تؤخذ من لاحق الكلام الدال على خصوص المقصود أو سابقه»([3]).

2- أقسام القرائن:

أ- القرائن المقالية: وهي ما يذكره المتكلم من قول لتبيين المعنى المراد، كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، فقوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} قرينة مقالية متصلة مخصصة لعموم لفظ الناس. وقد تأتي القرينة منفصلة عن الدليل المتعلق بها.

ب- القرائن الحالية: وهي عبارة عما يصاحب الدليل من أمور معنوية تفهم من حال المتكلم، أو تفهم من الحس أو العقل أو عرف المخاطبين وما ينقدح في أذهانهم عند سماعهم للدليل، كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] فالحس والعقل يقضيان بأنها لم تدمر السموات والأرض، وإنما كان التدمير لكل شيء بعثت إليه من رجال عاد وأموالهم([4]).

3- حقيقة التوظيف العلماني لمباحث علم أصول الفقه، وسبل ذلك:

علم أصول الفقه من أهم العلوم التي تنظّم العقل العلمي الإسلامي، سواءً أكان ذلك في الجانب العقدي أو الفقهي أو غيره، ففي هذا العلم حصانةٌ ومنعَة تحفظ عقل المسلم وفكره واستنباطه من الشذوذ، فتجعله آمنًا فكريًّا من الزيغ في عالم الأفكار والشبهات وفتن الفكر.

فإن علم الأصول إذا فُهم على وجهه كانا هاديًا ومرشدًا للعبد إلى فهم الدّين فهمًا منضبطًا، وإقامة استدلاله واستنباطه على أسس صحيحة موثوقٍ بها.

وكثير من العبارات والمقولات قد تكون حقًّا من حيث هي، لكن يرد الإشكال عليها في طبيعة السياق الذي تُوظَّف فيه، فإذا وضعت كلمة حقّ في سياق باطل أوهمت معنى باطلًا، لا من جهة صياغتها، وإنما للهيئة المركبة التي حظيت عليها بحكم الوضع الجديد.

ولاعتبارات كثيرة تظهر هذه الورقة حنق الاتجاهات الحداثية على القواعد الأصولية التي وضعها العلماء؛ لأنها تقيِّد دائرة عقولهم بضوابط شرعية نصية.

بل دعا الجابري صراحة إلى تجاوز القيود المنهجية التي وضعها السابقون للمعرفة الدينية، والنظر إليها بنسبية، ومن منظور تاريخي([5])، يقول: «لماذا نضيق على أنفسنا ونسجن اجتهادنا في قواعد كانت تفي بالمصلحة والمقاصد قليلًا أو كثيرًا في زمان، إذا لم تَعُد تفي بنفس الغرض اليوم على أكمل وجه؟! والحال أنها قواعد مبنية على ظن المجتهد، وليس فيها شيء من القطع واليقين باعتراف أصحابها أنفسهم»([6]).

ويقول أركون: «إن القرآن هو عبارة عن مجموعة من الدلالات والمعاني الاحتمالية المقترحة على كل البشر، وبالتالي فهي مؤهلة لأن تثير أو تنتج خطوطًا واتجاهات عقائدية متنوعة بقدر تنوع الأوضاع والأحوال التاريخية التي تحصل أو تتولد فيها»([7]).

فلا مناص لهم إلا بتوظيف المادة الأصولية أو تحريفها لتنزيلها على واقعهم ومبتغاهم، لذا فمن أهم ملامح المشروع الحداثي إهدار المنهجية الأصولية -في التعامل مع النصوص الشرعية- التي قوامها تعظيم الوحي، ومراعاة القرائن، والنظر في الدلالات بالضوابط والقواعد التي تواطأ عليها المسلمون فيما يخص المباحث التي هي إنتاج إسلامي أصيل، أو كانت مما تواطأت عليها عقلاء الأمم مما كان من مشتركات الفهم الإنساني بينها.

المبحث الأول: القرائن ضوابطها وأثرها في حصانة الفهم:

جاءت القرائن سواء المتصلة والمنفصلة في إطارها الأصولي خادمةً لمعنى النص، تأخذ في عين الاعتبار كون النص الإلهيّ متعاليًا معجزًا خالدًا، وفي الوقت نفسه تأخذ بعين الاعتبار معهود المخاطَبين والملابسات الجزئية التي صحبت صدورَ النصوص([8]).

ويجب أن يكون حاضرًا في سياق الحديث عن الجانب التحصيني في مباحث القرائن أن من رحمة الله تعالى أن معاني ألفاظ الوحي من الظهور والوضوح والعلوّ ما يفوق الخيال، ومهما أراد مبطل الاستدلالَ بها على باطل أو يكون مآله تقويض أحكامها أو تعطيل بعضها؛ فلا يكون ذلك إلا بتلبيس وتلاعب، وينكشفُ زيفُه وزيغُه بأدنى تأمل للنص في سياقه وسباقه ولحاقه وعلى المعهود من لغة العرب.

ويعين على كشف ذلك أيضًا أن يعلم «أن اللفظ لا بد أن يقترن به ما يدلّ على المراد به»([9]).

ولقد أولى الأصوليون القرائن أهميةً كبيرةً، بشقّيها المقالي والمقامي، وكان الأصوليون أكثر وضوحًا في الاستفادة من عناصر السياق وتوظيفه في الكشف عن المعنى وتحديد المراد بدقة.

فالنظر الأصوليّ يقوم في منهجيته على مراعاة اللفظ في جميع أبعاده الدلالية وملابساته؛ سواءً تعلّق الأمر بحال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطِب، أو المخاطَب، أو الجميع.

يقول الشاطبي: «علم المعاني والبيان -الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن فضلًا عن معرفة مقاصد كلام العرب- إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطِب، أو المخاطَب، أو الجميع؛ إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك؛ كالاستفهام، لفظه واحد، ويدخله معان أخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك، وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها، ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجة، وعمدتها مقتضيات الأحوال، وليس كل حال يُنقل ولا كل قرينة تَقترِن بنفس الكلام المنقول، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهمُ الكلام جملة، أو فهم شيء منه»([10]).

فهذا يتجلى واضحًا في مباحث المنطوق والمفهوم، والحقيقة والمجاز، وحمل الظاهر على المؤوّل، والعام على خاصّه، والمطلق على مقيَّده، وكذلك في الاهتمام بالقرائن المتصلة وهي المقالية (سياق المقال)، والمنفصلة (سياق الحال) كالحس والعقل والعُرف، ومن ذلك أيضًا أسباب النزول وأسباب ورود الحديث.

يقول ابن تيمية: «واعلم أن من لم يحكم دلالات اللفظ، ويعلم أن ظهور المعنى من اللفظ تارة يكون بالوضع اللغوي، أو العرفي، أو الشرعي، إما في الألفاظ المفردة، وإما في المركبة، وتارة بما اقترن باللفظ المفرد من التركيب الذي يتغير به دلالته في نفسه، وتارة بما اقترن به من القرائن اللفظية التي تجعلها مجازًا، وتارة بما يدل عليه حال المتكلم والمخاطب والمتكلم فيه، وسياق الكلام الذي يعين أحد محتملات اللفظ، أو يبين أن المراد به هو مجازه، إلى غير ذلك من الأسباب التي تعطي اللفظ صفةَ الظهور، وإلا فقد يتخبّط في هذه المواضع. نعم، إذا لم يقترن باللفظ قطّ شيء من القرائن المتصلة تبين مراد المتكلم، بل عُلِم مراده بدليل آخر لفظي منفصل، فهنا أريد به خلاف الظاهر كالعموم المخصوص بدليل منفصل»([11]).

فهذه ضمانات أكيدة لفهم سديد للنصّ الشرعي، تجعله مُحاطًا بحمى يعصم من الزلَل في الفهم أو الوقوع في التوظيف؛ فعلم الأصول أداة للحق ونصرة الحق، لا أداة للباطل ونصرته.

فالسياق كما يقول العز ابن عبد السلام: «مرشد إلى تبيين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات»([12])، وكما يقول ابن دقيق العيد: «فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه، وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات»([13]).

ومن أمثلة دور السياق في منع التوظيف الفاسد:

استدلالهم بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} الآية [الأنعام: 38] على شمول أحكام الكتاب لدعم شبهة مذهب القرآنيين. ويتَّضح بطلان هذا الفهم من ملاحظة سياقها، يقول الله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38].

فالسياق يكشف أن الكتاب هنا ليس القرآن، وإنما اللوح المحفوظ. وبتقدير أن يكون المراد القرآن فيؤوّل إلى معنى أن القرآن بيان لكل شيء من الأمور الدينية، ولم يترك شيئًا لم يفصّله بدلالة ظاهرة أو بمجمل بيَّنَه النبي r.

ضوابط القرينة عند علماء الأصول:

1- أن القرينة تكون فيما وافق المعنى لا ما يضاده:

يقول الباجي: «القرائن إنما تكون من صاحب الشرع»([14]). فيرون أن القرينة إنما هي ما يبين معنى اللفظ، وذلك يكون بما يوافق المعنى المفسَّر ويماثله، ولا يكون بما يضاده ويخالفه؛ فلا يكون الحظر قرينة تدلّ على الإباحة؛ لأنه مضادّ للإباحة ومناف لها([15]).

2- أن الأخذ بالعمومات والمطلقات دون النظر فيما يخصّصها ويقيّدها من الهوى:

يقول الشاطبي: «لا يقتصر ذو الاجتهاد على التمسك بالعام مثلًا حتى يبحث عن مخصّصِهِ، وعلى المطلق حتى ينظر هل له مقيد أم لا؛ إذ كان حقيقة البيان مع الجمع بينهما؛ فالعام مع خاصه هو الدليل، فإن فقد الخاص صار العامّ مع إرادة الخصوص فيه من قبيل المتشابه، وصار ارتفاعه زيغًا وانحرافًا عن الصواب»([16]).

ويقول: «مِنِ اتباع المتشابهات الأخذُ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها، وبالعمومات من غير تأمل: هل لها مخصصات أم لا؟ وكذلك العكس، بأن يكون النص مقيّدا فيطلق، أو خاصّا فيعمّ بالرأي من غير دليل سواه؛ فإن هذا المسلك رمي في عماية، واتباع للهوى في الدليل، وذلك أن المطلق المنصوص على تقييده مشتبه إذا لم يقيد، فإذا قيد صار واضحًا»([17]).

أثر القرائن في حصانة فهم معاني الوحي:

شكلت القرائن بنوعيها المقالية والمقامية حصانة لفهم نصوص الوحي والنجاة من الزيغ؛ وكان تجاهلها سببًا للشطط والزيغ في فهم الوحي.

ونظرًا للدور المهمّ لأثر القرائن فإن الاتجاهات الحداثية أمام معضِلة كبيرة، ويظهر تناقضهم في التعامل معها؛ فتارة يعظمون القرائن لإلغاء العموم الظاهر، وتارة يغفلونها إن كان العموم مفيدًا في تحقيق مآربهم.

ومن أمثلة ذلك: لو نظرنا إلى سياق المدح في النصوص مثلًا، فإنا نجده كثيرًا ما يقرر فضائل الشعائر، ويثني على أهلها، ويذمّ المعاصي، ويتوعّد أهلها، ولكن نظرًا لهدر السياق والقرائن تصرُّ بعض الاتجاهات الحداثية على تهوين الشعائر الظاهرة والتقليل من ضرر الذنوب الظاهرة، ويرجعون ذلك إلى وجدان الناس وضمير المجتمع، وهذا يخالف ما قرره العلماء من أن ملاحظة السياق يحقق مقصود الشارع([18]).

وعليه فإن من أهم آثار القرائن في حصانة فهم معاني النصوص:

1- تحقيق الضبط بين العام وخاصّه والمطلق ومقيِّده:

فقد نصّ العلماء على أن السياق وما يحتفّ به من القرائن المقامية والحالية يقرّر الواضحَ ويخصّص العامّ ويقيد المطلق([19]).

ولهذا الأثر الكبير المهمّ للقرائن في ضبط العموم وتخصيصه أو إجرائه على العموم الظاهر، وكذلك ضبط دائرة العمل بالنصوص العامّة التي قد تتسع دائرتها لدخول غير المراد في الشريعة إن أُغفلت القرائن المقالية والمقامية، فتجاهل هذه القرائن إذن في سياق هذه النصوص مفضٍ إلى إجراء عمومات على غير مراد الشارع، أو تخصيصها على بعض مقتضياتها بلا دليل، وبخلاف مقصود الله ومقصود رسوله r.

ومن صور أثر السياق في تحقيق ضبط الفهم الصحيح للوحي ودفع الخلل في فهمه قصة مروان بن الحكم مع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

فقد قال مروان بن الحكم لبوَّابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس، فقل: لئن كان كل امرئ ‌فرح ‌بما ‌أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذَّبًا، لنعذَّبنّ أجمعون، فقال ابن عباس: وما لكم ولهذه؟! إنما دعا النبي r يهود، فسألهم عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم. ثم قرأ ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ} [آل عمران: 187] كذلك حتى قوله: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]([20]).

2- الحفاظ على أحكام الشريعة وحدودها:

فللقرائن دورها في تعميم دلالة اللفظ وعدم حصره في صورة سبب النزول، والتي إن لم تراع حصل تقويض لأحكام الشريعة، وإسقاط كثير من أحكامها وحدودها.

3- فهم المراد من الوحي:

فإن القرائن تعين على فهم المراد من نصوص الوحي، وكما قال ابن القيم رحمه الله: «السياق يرشدُ إلى تبيين المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالَّة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته. فانظر إلى قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، كيف تجدُ سياقَه يدُلُّ على أنه الذليلُ الحقيرُ»([21]).

المبحث الثاني: قرينة أسباب النزول وورود الحديث وأثرها في فهم النص الشرعي:

تعتبر أسباب نزول الآيات وورود الأحاديث النبوية من أهم ركائز الفهم السديد للنص، وبه تحصّن نصوص الشريعة وأحكامها وحدودها عن التعطيل تحت شعار التأويل، أو جهلًا؛ فالجهل بأسباب التنزيل مفسد لمورد النص، موقِع في الشُّبَه والنزاع، وفيها بيانٌ مرجّحٌ إذا قام سوق الإشكال، وفي ذلك يقول الشاطبي: «فإنها تُبيِّن كثيرًا من المواضع التي يختلف مغزاها على الناظر»([22]).

ومن الأمثلة التي تبرز أثر أسباب النزول وورود الحديث في تحصين الشريعة وحدودها:

1- كشف خطأ قول بعضهم: يأتي المؤمنين يوم القيامة دخانٌ فيأخذهم كهيئة الزكام: واستدل بقول الله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10].

وقد كشف خطأ الاستدلال سببُ النزول؛ فعن مسروق قال: بينما رجل يحدث في كِندة، فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، يأخذ المؤمن كهيئة الزُّكام، ففزعنا، فأتيت ابن مسعود، وكان متكئًا فغضب فجلس، فقال: من عَلِمَ فليقلْ، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله قال لنبيه r: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، وإن قريشًا أبطئوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي r فقال: «اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف»، فأخذتهم سَنَةٌ حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد، جئتَ تأمرنا بصلة الرحم، وإن قومَك قد هلكوا، فادع الله، فقرأ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلى قوله: {عَائِدُونَ} [الدخان: 10-15]([23]).

2- كشف خطأ استدلال بعضهم على حلِّ شرب الخمر بالنص:

فقد وقع ذلك من صحابي وهو قدامة بن مظعون رضي الله عنه، وقصّته مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وفيها: فقال عمر لقدامة: إني حادُّك، فقال: لو شربتُ كما يقولون ما كان لكم أن تجلدوني، فقال عمر: لم؟ قال قدامة: قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا} الآية [المائدة: 93]، فقال عمر: أخطأتَ التأويل، إنك إذا اتقيتَ اجتنبتَ ما حرَّم الله عليك([24]).

وعن أنس رضي الله عنه في سبب نزولها، قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي: «ألا إن الخمر قد حرمت»، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93]([25]).

فقد ظنّ رضي الله عنه أن صيغة العموم تقتضي بظاهرها دخول كلّ مطعوم، والخمر مطعوم من جملة المطعومات، وأهمل القرينة وهي السبب الذي لأجله نزلت الآية بعد تحريم الخمر([26]) وأخطأ التأويل بهذا، فالعموم ينطبق على من شرب ومات قبل نزول تحريم الخمر، ولهذا فإن الآية لا تعتبر نقضًا لتحريم الخمر.

يقول الإمام الشاطبي: «وهذا شأن أسباب النزول في التعريف بمعاني المنزَّل، بحيث لو فُقِد ذكر السبب لم يعرف من المنزَّل معناه على الخصوص، دون تطرق الاحتمالات وتوجه الإشكالات»([27]).

أما نظرة الحداثيين لأسباب النزول فإنهم يعتبرون أن من المصادرات الأصولية قول الأصوليين: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، ويذكرون معناها بأن النص القرآني يمكن أن يتعلّق بحادثة ظرفية يغفل على إثرها السياق الخاصّ، ويعتبر حكمه مطلقًا دون الانتباه لهذا الظرف الخاص به([28]). يقول العشماوي: «إن فكرة أن القرآن كائن حيّ تنزّل على الأسباب فكرة تختزل كل المقصود من الشريعة في فهم واحد: أن الشريعة تفاعل مع الحياة ونسيج بالواقع»([29]).

وذهب بعضهم إلى جعل القرآن ردّ فعل إلهي حيال وضع ثقافيّ بشري، ومن ثم يمكن تغيير معانيه وأحكامه ما دامت الأوضاع البشرية التي جاء مرافقًا لها قد تغيرت، ويستدلون على ذلك بأسباب النزول([30]).

لقد أغرق الحداثيون في المبالغة في إعمال قرينة سبب النزول وسبب الورود دون ملاحظة المسالك العلمية والمنهجية لإعمال هذا النوع من القرائن، بل وصل الأمر بهم إلى القول أنه ما من آية إلا ولها سبب خاص استوجب نزولها، وإن ما نزل ابتداءً قليل جدًّا([31]).

قال الجابري: «إن مجمل الأحكام الشرعية الواردة في القرآن إنما نزلت بمناسبة حوادث (أو نوازل) حدثت لأفراد، أو جوابًا على أسئلة طرحوها، ومن هنا: ارتباط جميع الأحكام تقريبًا بما يعبر عنه بـ “أسباب النزول” أي: المناسبات التي ارتبط بها نزول الحكم أول مرة»([32]).

وبهذا كما يقول عنه ابن عاشور رحمه الله: «أوهموا كثيرًا من الناس أن القرآن لا تنزل آياته إلا لأجل حوادث تدعو إليها، ‌وبئس ‌هذا ‌الوهم؛ فإن القرآن جاء هاديًا إلى ما به صلاح الأمة في أصناف الصلاح، فلا يتوقف نزوله على حدوث الحوادث الداعية إلى تشريع الأحكام»([33]).

كما أن نقل العلماء لأسباب النزول لا يدل على ‌قصر ‌العام على سببه؛ لأن نقل الأسباب له غايات أخرى، منها: أن الأسباب تساعد في فهم النصوص الشرعية وتفسير ما يغمض منها، ومنها: أن نقل السبب يبين تاريخ نزول الآية أو ورود الحديث ليُعرف المتقدم والمتأخر من النصوص، فيُعرف الناسخ من المنسوخ([34]).

المبحث الثالث: قرينة زمنية الدلالة وتحصين فهم الوحي، ونظرية (موت المؤلف):

من الحصانة التي يزخر بها علم أصول الفقه وتلوح به منعته العاصمة عن الزيغ في بيان النص أو تأويله: اعتبار تفسير كلام الله وكلام رسوله r باصطلاحٍ حادثٍ من الخطأ([35]).

ولا شك أن عدم إحكام دلالات الألفاظ ودورها في فهم الوحي سيوقع في التناقض والتخبط؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «من لم يُحكم دلالات اللفظ، ويعلم أن ظهور المعنى من اللفظ: تارة يكون بالوضع اللغوي أو العرفي أو الشرعي؛ إما في الألفاظ المفردة وإما في المركبة، وتارة بما اقترن باللفظ المفرد من التركيب الذي تتغير به دلالته في نفسه، وتارة بما اقترن به من القرائن اللفظية التي تجعله مجازًا، وتارة بما يدل عليه حال المتكلم والمخاطب والمتكلم فيه… وإلا فقد يتخبط في هذه المواضع»([36]). ويقول أيضًا: «وإنما يغلط هنا مَن لم يُحكم دلالات الألفاظ اللغوية، ولم يميِّز بين أنواع أصول الفقه السمعية، ولم يتدرَّب فيما علق بأقوال المكلفين من الأحكام الشرعية، ولا هو جرى في فهم هذا الخطاب على الطبيعة العربية والفطرة السليمة النقية»([37]).

ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله: «للّغةِ العربية من حيث هي ألفاظ دالة على معانٍ نظران: أحدهما: من جهة كونها ألفاظًا وعبارات مطلقة دالة على معان مطلقة، وهي الدلالة الأصلية. والثاني: من جهة كونها ألفاظًا وعبارات مقيدة دالة على معان خادمة، وهي الدلالة التابعة… فإن كل خبر يقتضي في هذه الجهة أمورا خادمة لذلك الإخبار، بحسب الخبر والـمُخبِر والـمُخبَر عنه والـمُخبِر به ونفس الإخبار، في الحال والمساق، ونوع الأسلوب: من الإيضاح، والإخفاء، والإيجاز، والإطناب، وغير ذلك… وإذا ثبت هذا فلا يمكن من اعتبر هذا الوجه الأخير أن يترجم كلاما من الكلام العربي بكلام العجم على حال، فضلا عن أن يترجم القرآن وينقل إلى لسان غير عربي، إلا مع فرض استواء اللسانين في اعتباره عينا، كما إذا استوى اللسانان في استعمال ما تقدم تمثيله ونحوه»([38]).

فكلام الإمام الشاطبي كاشف عن النظرة التي ينظرها علماء أصول الفقه تجاه النص؛ فيراعون “المقام” والذي يشمل الظروف والملابسات المحيطة بالحدث اللغوي وتؤثر فيه بحيث لا تتجلى دلالة النص إلا في ظلها، وكذلك باختلاف مقامات الكلام من مقام التقرير إلى مقام التوبيخ إلى مقام التهديد([39]).

أما الاتجاهات الحداثية فإنها تنادي بجعل النص معزولًا عن سياقه ومؤلّفه والمخبر به، وبإهدار المضامين السابقة واللاحقة للنص، بل صرح روبرت لان: «لقد مات المؤلف بوصفه مؤسّسه، واختفى شخصه المدني الانفعالي المكون للسيرة، كما أن ملكيته قد انتهت، ولذا لم يعد في مقدوره أن يمارس على عمله تلك الأبوة الرائعة»([40]). فمعنى أي نص عندهم لا يرجع إلى قائله أو كاتبه، ولا يبحث فيه عن قصده، فقائل النص لا يلتفت إليه في دلالة النص ولا فيما يقتضيه كلامه، وإنما يعتبر حال القارئ وثقافته أو ينظر إلى النص فقط([41]).

فقد بلغت القراءة الحداثية من الغلو إلى الحد الذي حكمت فيه بـ(موت الإله) -تعالى الله عن ذلك- في تأويل النصوص المقدّسة عند أهل الكتاب، وبموت الكاتب والمؤلف في النصوص الأدبية والفنية، وبالقطيعة مع المعنى الذي قصده الكاتب، وبإحلاله بالدلالة -وهي علم القارئ وفهمه الذاتي- محل مقاصد الكاتب والمتكلم، وحكمت بـ (التاريخية) و(النسبية) على عالم المؤلف ومقاصده، والمعاني التي أودعها([42]).

يقول ابن تيمية: «ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث، فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها»([43])، ويقول: «والقرآن نزل بلغة العرب، فلا يجوز حمله على اصطلاح حادث ليس من لغتهم لو كان معناه صحيحا، فكيف إذا كان باطلا في العقل؟!»([44]).

ويقول الغزالي: «طريق فهم المراد تقدم المعرفة بوضع اللغة التي بها المخاطبة. ثم إن كان نصًّا لا يحتمل كفى معرفة اللغة، وإن تطرق إليه الاحتمال فلا يعرف المراد منه حقيقة إلا بانضمام قرينة إلى اللفظ، والقرينة إما لفظ مكشوف… وإما إحالة على دليل العقل… وإما قرائن أحوال من إشارات ورموز وحركات وسوابق ولواحق لا تدخل تحت الحصر والتخمين، يختص بدركها المشاهد لها، فينقلها المشاهدون من الصحابة إلى التابعين بألفاظ صريحة أو مع قرائن من ذلك الجنس أو من جنس آخر حتى توجب علمًا ضروريًّا بفهم المراد، أو توجب ظنًّا، وكل ما ليس له عبارة موضوعة في اللغة فتتعين فيه القرائن»([45]).

فعلماء الأصول يشترطون معرفة الوضع اللغوي، فيفسرون اللفظ بما وضع له أولًا، ثم إذا تطرق الاحتمال إليه لُجئ إلى القرائن، فتظهر أهمية السياق في دفع الاحتمالات، وبيان المراد من ألفاظ الوحي.

وهذا يرد كثيرًا من أبواب الفساد التي شرعها الحداثيون والليبراليون وغيرهم، فهم يدندنون حول «تجاهل زمنية الدلالات وسياقها؛ إذ لا وجود لزمن آخر غير زمن التعبير، فكل نص مكتوب بشكل أبدي هنا والآن»([46]). وهذا تجاوز لأصل مراعاة زمنية الدلالة.

وعلماء الأصول على خلاف ذلك، فهم ينبّهون على أهمية اعتبار معاني الألفاظ في زمنها وسياقها، ويجعلون ذلك ضابطًا يعوَّل عليه في مأخذ الفهم.

ومن ذلك مثلًا قول أبي إسحاق الشاطبي: «المساقات تختلف باختلاف الأحوال والأوقات والنوازل، وهذا معلوم في علم المعاني والبيان؛ فالذي يكون على بال من المستمع والمتفهّم الالتفات إلى أول الكلام وآخره بحسب القضية وما اقتضاه الحال فيها، لا ينظر في أولها دون آخرها، ولا في آخرها دون أولها، فإن القضية وإن اشتملت على جمل فبعضها متعلّق بالبعض لأنها قضية واحدة نازلة في شيء واحد، فلا محيص للمتفهّم عن رد آخر الكلام على أوله وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فرَّق النظر في أجزائه فلا يتوصَّل به إلى مراده، فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض إلا في موطن واحد، وهو النظر في فهم الظاهر بحسب اللسان العربي وما يقتضيه، لا بحسب مقصود المتكلم، فإذا صح له الظاهر على العربية رجع إلى نفس الكلام، فعمّا قريب يبدو له منه المعنى المراد، فعليه بالتعبد به»([47]).

وهكذا تظهر أهمية الجانب التحصيني الكبير الناتج عن مراعاة زمن الخطاب وسياقه، وأثر ذلك في تسديد الفهم ومنعه من الزيغ في فهم مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.

المبحث الرابع: القرائن المنفصلة بين الحصانة والتوظيف لعدمية معنى النص وتعطيله

يرى علماء أصول الفقه أن القرائن المنفصلة تدل على الظاهر الحقيقي المراد للمخاطِب بخطابه، كدلالة ‌القرائن اللفظية ‌المتّصلة كالشرط، والاستثناء، والصفة التي لا يفهم ظاهر الخطاب دونها، وهي تكشف عن حصانة علم الأصول.

بل يمكن القول صراحة: إنه لا يتأتى لصحاب فكر هدَّام استدلالٌ على وجهه إلا إذا اجتزأ وأخذ ما يدلّ على فكرته، وترك ما يضبطها ويقيمها على سداد، وإلا فإن نصوص الشريعة متكاملة تتخادم في إيصال الحكم الصحيح، سواء استعين بقرينة منفصلةٍ أو متصلة.

يقول أبو المعالي الجويني: «اعتقد كثير من الخائضين في الأول عزّة النصوص، حتى قالوا: إن النص في الكتاب قوله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} [الفتح: 29]، وما يظهر ظهورهما، ولا يكاد هؤلاء يسمحون بالاعتراف بنصٍّ في كتاب الله تعالى وهو مرتَبَطُ حكمٍ شرعي، وقضوا بندور النصوص في السنة حتى عدّوا أمثلة معدودة محدودة… وهذا قول من لا يُحيط بالغرض من ذلك، والمقصود من النصوص الاستقلال بإفادة المعاني على قطعٍ مع انحسام جهات التأويلات، وانقطاع مسالك الاحتمالات، وهذا وإن كان بعيدًا حصوله بوضع الصيغ ردًّا إلى اللغة، فما أكثر هذا الغرض مع القرائن الحالية والمقالية! وإذا نحن خضنا في باب التأويلات وإبانة بطلان معظم مسالك المؤولين استبان للطالب الفطِن أن جُلَّ ما يحسبه الناس ظواهر معرضة للتأويلات فهي نصوص، وقد تكون القرينة إجماعًا واقتضاء عقلٍ أو ما في معناهما»([48]).

ويقول أبو يعلى رحمه الله: «‌القرينة المتصلة بمنزلة المنفصلة؛ لأن كلام صاحب الشريعة وإن تفرق فإنه يجب ضم بعضه إلى بعض، وبناء بعضها على بعض… وعلى أنه إذا وجب بناء بعض كلامه على بعض وجب أن تكون القرينة المنفصلة بمنزلة المتصلة، وتكون بمنزلة الاستثناء؛ فلا يكون ذلك تركًا لموضوع اللفظ وحقيقته»([49]).

أما الاتجاهات الحداثية فتتوسع في اعتبار القرائن المنفصلة -أو سياق المقام- على حساب سياق المقال، وهذا التوسُّع لا يُبقي للنص المنزَّل قدسية وفوقية، فيخضعون النصوص المنزلة للنقد والمراجعة كأي نص أدبي أفرزته ثقافة معينة، أو أملته أحداث وظروف وقتية، فهي تنطلق بصورة عامة في تفسير النصوص من استحضار بيئة المتكلم والمفاهيم والتصورات المتوارثة جيلًا بعد جيل. فالنصُّ مفتوح على معان لا تحصر، كالتفسير البياني والحرفي والعقلي والفلسفي والإشاري، وصاحب كل صنف منها يرى أنه الحق لا غيره، وهذا يدعو إلى (عدمية المعنى) المنبعث منها القول بصحة تعدد الأديان([50]).

فانتزاع النص من سياقه وضربه بسياقات أخرى منفصلة أحد الأساليب التي ينتهجونها إذا كانت القرائن المتصلة لا تخدم فكرتهم التأويلية أو التحريفية لمعاني الوحي، إذ النص عندهم مفتوح، وإن كان صنيعهم هذا لا يخلو من جناية على النصوص الأخرى والقرائن الـمُدَّعاة أو المقاصد التي يدعون شرعيتها، بل وعلى الإسلام جملة وتفصيلًا.

يقول الإمام الشاطبي: «ومدار الغلط في هذا الفصل [الانحراف عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات العقلية] إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها ببعض؛ فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها، وعامها المرتب على خاصها، ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر ببينها»([51]).

ثم فسر ذلك بقوله: «فشأن الراسخين تصوّر الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضًا كأعضاء الإنسان إذا صُورت صورة متحدة. وشأن متَّبِعي المتشابهات أخذ دليل ما -أي دليل كان- عفوًا وأخذًا أوليًا، وإن كان ثم ما يعارضه من كلي أو جزئي، فكأن العضو الواحد لا يعطي في مفهوم أحكام الشريعة حكمًا حقيقيًّا، فمتبعُهُ متبعُ متشابِهٍ، ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ، كما شهد الله به، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [النساء: 87]… وعند ذلك نقول: مِنِ اتباع المتشابهات الأخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها أو في العمومات من غير تأمل: هل لها مخصصات أم لا؟ وكذلك العكس؛ بأن يكون النص مقيدًا فيطلق، أو خاصًا فيُعمُّ بالرأي من غير دليل سواه، فإن هذا المسلك رمي في عماية، واتباع للهوى في الدليل، وذلك أن المطلق المنصوص على تقييده مشتبهٌ إذا لم يقيد، فإذا قُيِّد صار واضحًا، كما أن إطلاق المقيد رأي في ذلك المقيد معارض للنص من غير دليل»([52]).

التوظيف الحداثي للقرائن المنفصلة في تعطيل دلالة النصوص:

الظاهر من صنيع الحداثيين أنهم يوظفون السياق إذا كان فيه تعطيلٌ للقضية التي يريدون تعطيلها، فيعطلون مثلًا الأمر بالجهاد بسياق الآيات التي فيها الأمر بالعفو والصفح؛ لأنهم يريدون تعطيل حكم الجهاد.

فيرى عبد المجيد الشرفي أن احتجاج العلماء بالنصّ ليس بريئًا، والسبب أنه احتجاج بأجزاء من الآيات لا بآيات كاملة، ففي كثير من الأحيان تكون تلك النصوص مقتطَعَة من سياقها التاريخي، كما لاحظ هو أن العلماء لم يذكروا أواخر الآيات التي فيها الحث على العفو والصفح، وذكر أن الفقهاءَ في نظره كانوا يسعون إلى تنظيم الحياة الاجتماعيّة وإلى سنِّ قوانين لا يمكن للعفو والصفح أن يخضعا لها([53]).

ويقول أركون في سياق التهكم بالتطبيق الشرعي للسياق: «تُخلَق القراءات المؤمنة باختراق النصوص، وانتزاع الآيات من سياقها»([54]).

ومن ذلك توظيف بعض الحداثيين السياق لتعطيل العموم الوارد في آية قطع يد السارق، وذلك أنهم جعلوا السياق في الحديث عن يهود المدينة([55]).

ونسبة ما ورد لهذه الأمّة من الأحكام والحدود لليهود وغيره لورود ذكرهم ولو في سياق بعيد من أعظم الخلل، ومن التهرب من المعنى الحقيقي إلى معنى يقصدون تقريره بأي وسيلة تأويلية، وجنس هذا قد وقع قديمًا من أهل البدع في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وقد فطنوا له.

فقد روى ابن وهب عن بكير بن الأشج أنه سأل نافعا: كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال: يراهم شرار خلق الله، ويقول: إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين([56]).

فالواقع أن دعوى إعمال السياق في الخطاب الحداثيّ لا يستقيم إلا على وجه واحد فقط، وهو القول بأنه إعمالٌ للنص في سبيل تعطيل للنص، لا التفعيل للنص، ومتى عاد الفرع على الأصل بالإبطال بطل، فالقاعدة المطردة في هذا الباب أن: «كل تكملة فلها -من حيث هي تكملة- شرط، وهو ألا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال، وذلك أن كل تكملة يفضي اعتبارها إلى رفض أصلها فلا يصح اشتراطها»([57]).

وعلماء أصول الفقه ينظرون إلى العموم في إطار معهود الكلام العربي، وما وافق مقتضيات الأحوال، كما يقول الشاطبي: «فالحاصل أن ‌العموم ‌إنما ‌يعتبر ‌بالاستعمال، ووجوه الاستعمال كثيرة، ولكن ضابطها مقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان؛ فإن قوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] لم يقصد به أنها تُدمر السموات والأرض والجبال، ولا المياه ولا غيرها مما هو في معناها، وإنما المقصود: تدمر كل شيء مرَّت عليه مما شأنها أن تؤثر فيه على الجملة، ولذلك قال: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 25]. وقال في الآية الأخرى: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 42]»([58]).

ومن شواهد توظيف السياق: النزاع في سلطة النص الشرعي، بمعنى: النزاع في وظيفة النص المركزية، وليس النزاع في مراد الشارع من النص([59]).

يقول الجابري: «لقد وجه الشافعي العقل العربي أفقيًّا إلى ربط الجزء بالجزء، والفرع بالأصل (القياس)، وعموديًّا إلى ربط اللفظ الواحد بأنواع من المعاني، والمعنى الواحد بأنواع من الألفاظ داخل الدراسات الفقهية… حتى غدا النص هو السلطة المرجعية الأساسية للعقل العربي وفاعلياته»([60]).

فمقصود الحداثيين في الحقيقة إنما هو في تجريد النص من وظيفته، وهذا الصنيع الحداثي خلافُ صنيع العلماء الذين يبحثون في مراد الله ومراد رسوله r كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في حديث: «لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة»([61]).

خاتمة:

من خلال هذه الدراسة المختصرة نخلص إلى أن تفعيل المنهجية الأصولية في فهم النص الشرعي حصانةٌ وأمانٌ من الشذوذ والزيغ والأفكار الهدامة، وأن حنقَ الاتجاهات الحداثية الشديد على القواعد الأصولية والمعيارية هو لأنها تقيّد دائرة عقولهم وتقيّدها بضوابط شرعية نصية، وبهذا فَهُم أمام معضلة كبيرة تُظهِر تناقضهم؛ فتارة يعظّمون القرائن لإلغاء العموم الظاهر، وتارة يغفلونها إن كان العموم مفيدًا في تحقيق مآربهم، ويحاولون انتزاع النص من سياقه وضربه بسياقات أخرى منفصلة إذا كانت القرائن المتصلة لا تخدم فكرتهم التأويلية أو التحريفية لمعاني الوحي، لذا فإن شغلهم الحقيقي إنما هو في تجريد النص من وظيفته، وهذا الصنيع خلاف صنيع العلماء الذين يبحثون في مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) مقاييس اللغة، 5/ 76.

([2]) الشيرازي، التبصرة في أصول الفقه، ص39، والباجي، إحكام الفصول، 1/ 206-207.

([3]) الكفوي، الكليات، ص734.

([4]) بنظر: الأسطل، القرينة عند الأصوليين وأثرها في فهم النصوص، ماجستير، الجامعة الإسلامية – غزة، 1425هـ، ص32-33. وانظر: ابن السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، 4/ 1450 وما بعدها، والطوفي، شرح مختصر الروضة، 1/ 564.

([5]) الدين والدولة وتطبيق الشريعة، ص12. وانظر: والحريري، ظاهرة إهدار السياق، ص73.

([6]) الدين والدولة وتطبيق الشريعة، ص182.

([7]) تاريخية العقل العربي الإسلامي، ص145.

([8]) ينظر: الحريري، ظاهرة إهدار السياق، ص15.

([9]) مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، ص324.

([10]) الموافقات، 4/ 146. وينظر: الحريري، ظاهرة إهدار السياق في الخطاب الحداثي، ص5-6.

([11]) التسعينية، 2/ 566-567.

([12]) الإمام في أدلة الأحكام، ص159.

([13]) إحكام الأحكام، 2/ 21. وانظر: ابن القيم، بدائع الفوائد، 4/ 1314.

([14]) إحكام الفصول، 1/ 203.

([15]) ينظر: التبصرة في أصول الفقه، ص39، وإحكام الفصول، 1/ 206- 207.

([16]) الموافقات، 6/ 432.

([17]) الاعتصام، 1/ 312.

([18]) ينظر: العز بن عبد السلام، الإمام في بيان أدلة الأحكام، ص159-160، والشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص96، والعشماوي، جوهر الدين، ص35، بواسطة: الحريري، ظاهرة إهدار السياق في الخطاب الحداثي، ص84.

([19]) ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام، 2/ 21، وابن القيم، بدائع الفوائد، 4/ 11، والزركشي، البرهان في علوم القرآن، 2/ 200.

([20]) رواه البخاري (2778).

([21]) بدائع الفوائد، 4/ 1314.

([22]) الموافقات، 4/ 266.

([23]) رواه البخاري (4774).

([24]) أخرجه عبد الرزاق 9/ 242.

([25]) رواه البخاري (2464).

([26]) الموافقات، 1/ 101.

([27]) الموافقات، 4/ 152.

([28]) الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص51.

([29]) أصول الشريعة، ص70. وينظر: الجابري، الدين والدولة وتطبيق الشريعة، ص39.

([30]) القرشي، منهج حسن حنفي، ص259.

([31]) نصر أبو زيد، مفهوم النص، ص97، عن ظاهرة إهدار السياق في الخطاب الحداثي، ص93.

([32]) الدين والدولة وتطبيق الشريعة، ص39.

([33]) التحرير والتنوير، 1/ 46.

([34]) عياض السلمي، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، ص360.

([35]) ينظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى 12/ 106-107، و7/ 116.

([36]) مجموع الفتاوى 33/ 181، وينظر له: التسعينية 2/ 566.

([37]) مجموع الفتاوى، 31/ 104-105.

([38]) الموافقات، 2/ 105-107.

([39]) ينظر: الصاوي، وظيفة السياق في استنباط القواعد عن الإمام الشاطبي، رسالة ماجستير – جامعة المنصورة، ص142.

([40]) روبرت لان، لذة النص، ص56.

([41]) ينظر العميري، الحد الأرسطي أصوله ولوازمه وآثاره على العقيدة الإسلامية، رسالة ماجستير، ص199.

([42]) ينظر: الجابري، الدين والدولة وتطبيق الشريعة، ص12، وفهد القرشي، منهج حسن حنفي، ص414، والحريري، ظاهرة إهدار السياق في الفكر الحداثي، ص44-45.

([43]) مجموع الفتاوى 12/ 107.

([44]) درء تعارض العقل والنقل، 6/ 7.

([45]) المستصفى، ص185.

([46]) رولان بارت، موت المؤلف: نقد وحقيقة، ص20، بواسطة: الحريري، ظاهرة إهدار السياق في الفكر الحداثي، ص45.

([47]) الموافقات، 4/ 266.

([48]) البرهان في أصول الفقه، 1/ 155.

([49]) العدة في أصول الفقه، 2/ 546-547.

([50]) نظرية السياق، نجم الدين الزنكي، ص75-76، بواسطة: الحريري، ظاهرة إهدار السياق في الفكر الحداثي، ص14-15.

([51]) الاعتصام، 1/ 311.

([52]) الاعتصام، 1/ 312.

([53]) تحديث الفكر الإسلامي، ص13-14، وينظر: الحريري، ظاهرة إهدار السياق في الخطاب الحداثي، ص55.

([54]) ينظر: منى الشافعي، التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم، ص521.

([55]) ينظر: مشالي، الرد على شبهات المعاصرين حول مبحث الدلالات في علم أصول الفقه، ص632.

([56]) رواه البخاري (2/ 501).

([57]) ينظر: الشاطبي، الموافقات، 2/ 26، والحريري، ظاهرة إهدار السياق في الفكر الحداثي، ص55.

([58]) الموافقات، 4/ 21.

([59]) الحريري، ظاهرة إهدار النص في الفكر الحداثي، ص65.

([60]) تكوين العقل العربي، ص105.

([61]) رواه البخاري (945).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

Zakłady Bukmacherskie, Legalny Bukmacher Online Zakłady Bukmacherski

Zakłady Bukmacherskie, Legalny Bukmacher Online Zakłady Bukmacherskie Oferta Sts Zakłady Na Dzisiaj I Jutro, Wyniki, Statystyki Content Sporty Virtualne Programy Lojalnościowe I Actually Vip Dla Częstych Graczy Nowe, Rozwijające Się Firmy Bukmacherskie Analiza Głównych Bukmacherów Działających Watts Polsce Bukmacherzy Dla Wyścigów Konnych W Polsce Zakłady Na Boks Darmowe Bonusy I Ich Funkcjonowanie Zakłady Pzbuk Jak […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017