برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله.
وقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه المعرفة الفطرية الضرورية فقال: “أَصْلَ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ، وَأَنَّهُ أَشَدُّ رُسُوخًا فِي النُّفُوسِ مِنْ مَبْدَأ الْعِلْمِ الرِّيَاضِيِّ كَقَوْلِنَا: إنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، وَمَبْدَأُ الْعِلْمِ الطَّبِيعِيِّ كَقَوْلِنَا: إنَّ الْجِسْمَ لَا يَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَارِفَ أَسْمَاءٌ قَدْ تُعْرِضُ عَنْهَا أَكْثَرُ الْفِطَرِ، وَأَمَّا الْعِلْمُ الْإِلَهِيُّ فَمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تُعْرِضَ عَنْهُ فِطْرَةٌ”([1]).
ولكن هذه الفطرة قد ترد عليها صوارف وشبهات وإشكالات تغيِّرها وتبدِّلها، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟!»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآيَةَ [الروم: 30]([2]).
وهذه الإشكالات والشبهات يردّدها الملاحدة والمشكِّكون، فتنطلي على جهال المسلمين، لا سيما ونحن في عصر العولمة، والإلحاد الآن أصبح ظاهرةً، والملاحدة أصبح لهم تواجد حقيقي في الخارطة البشرية العقديّة، وحجمهم ليس بالضآلة التي يتصوّرها البعض.
فبحسب بعض الإحصائيات يمثل الملاحدة الآن ما يقرب من 2% من مجموع الجنس البشري، ويمثل اللادينيون ما يقرب من 10%، وذلك بحسب إحصائيات صادرة سنة 2010م وبطبيعة الحال يقفز هذا الرقم بشكل كبير جدًّا في بعض دول العالم([3]).
لذا كان من الواجب على المتخصّصين في البحث العقدي المعاصر الردُّ على هؤلاء الملاحدة وتفكيك شبهاتهم، وإرجاع المسلم خاصة والناس عامة إلى نداء الفطرة، والاستجابة إلى موجبها بالأدلة والبراهين العقلية القاطعة، وهذا من جملة الأهداف التي سطّرها مركز سلف للبحوث والدراسات في مشروعه العلمي ورسالته الدعوية.
ومن الأمور التي حدَث فيها إشكال في الخطاب الإلحادي معضلة الأخلاق وأهميتها ودلالتها على وجود الله، وأهمية استقرارها لضمان استقرارية الجنس البشري؛ وهذه المعضلة لا يمكن أن تكون محلًّا للنقاش في القضايا التجريبية، فإن الأمر كما يقول ديفيد برلنسكي: “إن النظريات الفيزيائية بصفتها لم تقل شيئًا عن الله، فلن تقول شيئًا عن الصواب والخطأ والحسن والقبح”([4]).
إذًا لا يمكن تفسير النزعة الأخلاقية دون الوجود الإلهي؛ لأنها تستدعي سؤالًا: من الذي أودعها في النفس البشري؟! إضافة إلى السؤال الأكثر عمقًا: ما الذي يفسر هذا الشعور الضروري بأن للعدل قيمة موضوعية تجعل منه قيمة أخلاقية حسنة مطلقًا في قابل الظلم، والذي يستشعر الإنسان ضرورة أنه قيمة أخلاقية سيئة؟! وهل يمكن أن يكون للقيم الموضوعية وجود بدون وجود الله تعالى؟!
هذه الأسئلة تكشف عن واحدة من أعمق المشكلات في بنيية الفكر الإلحادي، وأن الإلحاد فعلا وبحقّ فرضية في أزمة([5]).
وقد فشلت كلّ محاولات الخطاب الإلحادي التي يسعى من خلالها إلى تأسيس الأخلاق وتفسير وجودها بعيدًا عن وجود الله؛ فهي محاولات تتمّ على أرض رخوة ومنطلقات فلسفية عدمية، يستنجد بها هذا الخطاب البائس ليزاحم الرؤى والتصورات الدينية([6]).
وهذا ما سنبرهن عليه ونبينه من خلال مناقشة الملاحدة في برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله، وهل يمكن أن يؤسس الملاحدة نظامًا أخلاقيًّا موضوعيًّا يندرج تحته جميع الناس، أم أن النظرية الفلسفية الإلحادية قاصرة، لا يمكن أن تقدّم رؤية أخلاقية متماسكة تستبعد وجود الله تعالى؟ ثم نتبع ذلك بنظرة سريعة على الممارسات الأخلاقية عند الملاحدة.
مركز سلف للبحوث والدراسات
أولًا: مركزية الأخلاق في الخطاب الشرعي
من أهمّ الأمور التي أكّدت عليها الرسالات السماوية ضرورة إقامة المجتمعات الإنسانية على قيَم أخلاقية ثابته لا تتغير ولا تتبدّل، ونادت كلُّ واحدة من هذه الرسالات بمبادئ وقيم يُكمّل بعضها بعضًا، إلى أن وصلت إلى الكمال التامّ مع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليشيِّد هذا الصرح القيمي والأخلاقي، ويتمّم البناء الذي بناه الأنبياء من قبله.
وهذا ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ»([7])، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟» قَالَ: «فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ»([8]).
بل من مركزية الأخلاق في الخطاب الشرعي أن الله عز وجل جعل البرهان الأخلاقيّ سبيلًا لمعرفة النبوة الحقة، فقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].
قال الشيخ السعدي: “يأمرهم بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار والمملوك، وبذل النفع لسائر الخلق، والصدق، والعفاف، والبر، والنصيحة، وما أشبه ذلك، وينهى عن الشرك بالله، وقتل النفوس بغير حق، والزنا، وشرب ما يسكر العقل، والظلم لسائر الخلق، والكذب، والفجور، ونحو ذلك. فأعظم دليل يدل على أنه رسول الله ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه، فإنه {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} من المطاعم والمشارب والمناكح، {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} من المطاعم والمشارب والمناكح والأقوال والأفعال”([9]).
وعبر ابن القيم عن مركزية القيم الأخلاقية في الخطاب الشرعي بقوله: “الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ، فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ”([10]).
ومن شدة مركزية القيم الأخلاقية في الخطاب الشرعي أن الله عز وجل جعل للأخلاق سننًا كونية، كما أن للكون سننًا كونية، فحياة الناس محكومة بقوانيين وسنن أخلاقية في تعاملاتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ»([11])، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»([12]).
ولذا قال بن القيم: ” وَحُسْنُ الْخُلُقِ يَقُومُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ قِيَامُ سَاقِهِ إِلَّا عَلَيْهَا: الصَّبْرُ، وَالْعِفَّةُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالْعَدْلُ… وَمَنْشَأُ جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ السَّافِلَةِ وَبِنَاؤُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ: الْجَهْلُ، وَالظُّلْمُ، وَالشَّهْوَةُ، وَالْغَضَبُ”([13]).
ثانيًا: دلالة البرهان الأخلاقي على وجود الله
الاستدلال بالأخلاق والقيم على وجود الله تعالى هو من أهم الأدلة العقلية التي يُحاجّ بها المنكرون لوجود الله سبحانه، والخطابات الإلحادية المعاصرة قد اضطربت في تفسير وجود الأخلاق، نتيجةَ فساد تصوّرها للكون وتفسيرها لأسباب نشأته، ولا يمكن بناء القيم الأخلاقية وتأسيسها مع إنكارها لوجود الله سبحانه وتعالى ربًّا خالقًا حكيمًا عليمًا.
والدليل الأخلاقي هو: الاستدلال بوجود قيم أخلاقية تستقبح أمورًا وتزكّي أخرى، لا بناء على الذوق الشخصيّ أو العرف الاجتماعي، وإنما بناء على وجود معيار غير مادّي يحدّد الخير من الشر للقول بوجود إله مقنّن لقيم الخير والشر، وفي غياب الإيمان بإله يغدو الكون ركامًا من مادة وطاقة بلا قيمة ذاتية؛ فلا خير ولا شر، ولا حق ولا باطل([14]).
والميزة الكبرى لهذا الدليل أنه يسير، لا يستدعي من الباحث عن الحق معرفةً بالعلوم وتعقيداتها، ولا الجدل الفلسفي العميق ومضائقه، كما أنه بريء من جفاف بعض الأدلة القائمة على النظر العقليّ الصِّرف. إنه برهان قريب من النفس؛ لأنه مغروس في أعماق الذات البشرية، ولصيق بالبداهة حتى إن أشدَّ الملاحدة غِلظة يجد مشقَّة وعنتًا لردّه؛ إذ يدفعه إلى أن ينخلع من طبيعته الإنسانية، ويكفر بعميق رؤيته لنفسه.
كما أن هذا البرهان سبيل لمعرفة النبوة الحقّة، يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]، وهذا البرهان هو ما استدلّ به جعفر رضي الله عنه على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم عند النجاشي رضي الله عنه، فعن عن أُمِّ سَلَمةَ -في شَأْنِ هِجرَتِهم إلى بِلادِ النَّجاشيِّ- قالتْ: فلمَّا رأتْ قُرَيشٌ ذلك اجتَمَعوا على أنْ يُرسِلوا إليه، فبعَثوا عَمرَو بنَ العاصِ وعَبدَ اللهِ بنَ أبي رَبيعةَ، فجمَعوا هَدايا له ولبَطارِقَتِه، فقدِموا على الملِكِ، وقالوا: إنَّ فِتْيةً منَّا سُفَهاءَ فارَقوا دِينَنا، ولم يَدخُلوا في دِينِكَ، وجاؤوا بدِينٍ مُبتدَعٍ لا نَعرِفُه، ولجَؤوا إلى بِلادِكَ، فبعَثْنا إليك لتَرُدَّهم. فقالتْ بَطارِقَتُه: صدَقوا أيُّها الملِكُ. فغضِبَ، ثُمَّ قال: لا لعَمرُ اللهِ، لا أرُدُّهم إليهم حتى أُكلِّمَهم؛ قَومٌ لجَؤوا إلى بِلادي، واختاروا جِواري. فلمْ يَكُنْ شيءٌ أبغَضَ إلى عَمرٍو وابنِ أبي رَبيعةَ مِن أنْ يَسمَعَ الملِكُ كَلامَهم. فلمَّا جاءهم رسولُ النَّجاشيِّ اجتمَعَ القَومُ، وكان الذي يُكلِّمُه جَعفَرُ بنُ أبي طالبٍ. فقال النَّجاشيُّ: ما هذا الدِّينُ؟ قالوا: أيُّها الملِكُ، كنَّا قَومًا على الشِّركِ؛ نَعبُدُ الأوْثانَ، ونَأكُلُ المَيْتةَ، ونُسيءُ الجِوارَ، ونَستحِلُّ المَحارمَ والدِّماءَ، فبعَثَ اللهُ إلينا نَبيًّا مِن أنفُسِنا، نَعرِفُ وَفاءَه وصِدقَه وأمانَتَه، فدَعانا إلى أنْ نَعبُدَ اللهَ وَحدَه، ونَصِلَ الرَّحِمَ، ونُحسِنَ الجِوارَ، ونُصلِّيَ، ونَصومَ. قال: فهل معكم شيءٌ ممَّا جاء به؟ -وقد دَعا أساقِفَتَه، فأمَرَهم فنشَروا المَصاحفَ حَولَه- فقال لهم جَعفَرٌ: نعمْ، فقرَأ عليهم صَدرًا مِن سورةِ {كهيعص}. فبَكى واللهِ النَّجاشيُّ حتى أخضَلَ لِحيَتَه، وبكَتْ أساقِفَتُه حتى أخضَلوا مَصاحفَهم، ثُمَّ قال: إنَّ هذا الكَلامَ ليَخرُجُ مِن المِشكاةِ التي جاء بها موسى، انطَلِقوا راشدينَ، لا واللهِ لا أرُدُّهم عليكم، ولا أنعمُكم عَينًا. فخرَجا مِن عندِه”([15]).
وهذا البرهان هو نفسه الذي استدلّ به هرقل على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم في محاورته مع أبي سفيان رضي الله عنه، فقد سألع هرقل: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قال: أبو سفيان: لا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْر هَذِهِ الكَلِمَةِ. فقال هرقل: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قال: «يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ»، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ… قال هرقل: وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ. وَسَأَلْتُكَ: بِمَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ([16]).
وبرهان الأخلاق يدل على وجود الله تعالى وعلى ربوبيته من جهتين:
الجهة الأولى: فطرية الأخلاق:
وهذه الفطرة الأخلاقية تكلم عنها شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: “إن في فطرة الإنسان قوة تقتضي اعتقاد الحق وإرادة النفع”([17]).
فهي قوة في النفس تقتضي الحق وإرادته وطلبه، وقد أشار إليها ابن القيم تعليقًا على قول الله عز وجل: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] فقال: “وهل دلَّت الآيةُ إلا على أنه أمرهم بالمعروف الذي تَعْرِفُه العقول وتُقِرُّ بحُسْنه الفطر؟! فأمَرَهم بما هو معروفٌ في نفسه عند كلِّ عقلٍ سليم، ونهاهم عمَّا هو منكرٌ في الطِّباع والعقول، بحيث إذا عُرِض على العقول السَّليمة أنكرته أشدَّ الإنكار، كما أنَّ ما أمَرَ به إذا عُرِض على العقل السَّليم قَبِله أعظمَ قبولٍ وشَهِد بحُسْنه، كما قال بعض الأعراب وقد سئل: بم عرفتَ أنه رسولُ الله؟ فقال: ما أمَرَ بشيءٍ فقال العقلُ: ليته ينهى عنه، ولا نهى عن شيءٍ فقال العقلُ: ليته أمَرَ به. فهذا الأعرابيُّ أعرفُ بالله ودينه ورسوله من هؤلاء، وقد أقرَّ عقلُه وفطرتُه بحُسْن ما أمَرَ به، وقُبْح ما نهى عنه، حتى كان في حقِّه من أعلام نبوَّته وشواهد رسالته، ولو كان جهةُ كونه معروفًا ومنكرًا هو الأمرَ المجرَّد لم يكن فيه دليل، بل كان يُطلَبُ له الدَّليلُ من غيره”([18]).
وقال شيخ الإسلام أيضًا متحدّثًا عن فطرية النفس على حبّ الأخلاق الحميدة: “إذا كان في العبد محبة لما هو خير وحق ومحمود [في] نفسه، فهو يفعله لما فيه من المحبة له، لا لله، ولا لغيره من الشركاء، مثل أن يحب الإحسان إلى ذوي الحاجات، ويحب العفو عن أهل الجنايات، ويحب العلم والمعرفة وإدراك الحقائق، ويحب الصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وصلة الرحم، فإن هذا كثير غالب في الخلق في جاهليتهم وإسلامهم، في قوتي النفس العلمية والعملية، فإن أكثر طلاب العلم يطلبونه محبة، ولهذا قال أبو داود للإمام أحمد بن حنبل: طلبتَ هذا العلمَ -أو قال: جمعته- لله؟ فقال: لله عزيز، ولكن حُبِّب إليَّ أمر ففعلته. وهذ حال أكثر النفوس، فإن الله خلق فيها محبة للمعرفة والعلم وإدراك الحقائق، وقد يخلق فيها محبة للصدق والعدل والوفاء بالعهد، ويخلق فيها محبة للإحسان والرحمة للناس، فهو يفعل هذه الأمور لا يتقرب بها إلى أحد من الخلق، ولا يطلب مدح أحدٍ ولا خوفًا من ذمِّه، بل لأن هذه الإدراكات والحركات يتنعَّم بها الحيُّ ويلتذُّ بها، ويجد بها فرحًا وسرورًا، كما يلتذّ بمجرد سماع الأصوات الحسنة، وبمجرد رؤية الأشياء البَهِجَة، وبمجرد الرائحة الطيبة”([19]).
وهذه القيم الأخلاقية دالّة على وجود الخالق الذي اتّصف بصفات الكمال وتنزه عن صفات النقص.
وآثار صفاته تتجلّى في مفعولاته -مخلوقاته-، كما تتجلى في أفعاله من “الإحياء والإماتة وتدبير شؤون الخلائق ونحوه؛ فوجود الأخلاق والفضائل دال على رحمته ولطفه وفضله، وإن من أعظم الطرق الشرعية للاستدلال على وجود الخالق جل وعلا التعرفَ عليه من خلال آثار صفاته في مفعولاته([20]).
الجهة الثانية: اتسام الأخلاق بأنها موضوعية ومطلقة:
فالأخلاق قيم موضوعية، بمعنى أنها غير ذاتية، وهي متجاوزة لوجود الإنسان وتتجاوز الوجود المادي عمومًا. وهي قيم مطلقة، بمعنى أنها ليست نسبية، فلا تتشكل بتشكل الظروف، ولا تتغير بتغير الأحوال([21]).
وهذه القيم متصفة بالضرورة، ولا يمكن أن تكون غير ذلك؛ لأنه حينئذ ستتغير حياة الإنسان رأسًا على عقب، فكل تصرفات الإنسان التي جعلت منه كائنًا متفردًا في بناء حياته ومتميزًا في تأسيس حضارته قائمة على تلك القيم، فبيع الناس وشراؤهم وتعليمهم وعلاقاتهم مع جيرانهم وأصدقائهم وآبائهم وأبنائهم قائمة على تلك القيم، فلا تكاد تجد شعبًا من الشعوب الإنسانية ينازع في كون العدل والصدق والأمانة معانيَ محمودة لا بد من الأخذ بها، وأن الكذب والظلم والخيانة معانٍ مذمومة لا بد من الابتعاد عنها([22]).
وكون هذه القيم متصفة بالإطلاق يستلزم بالضرورة وجود الله عز وجل وإثبات ربوبيته، فهو أصل كل العلوم والقيم، وهو موجدها، وكل شيء مفتقر إليه، وهو سبحانه متصف بالقدرة المطلقة والعلم المطلق والحكمة المطلقة، والإنسان لا يستطيع أن يكون مصدرًا مناسبًا لتلك القيم الأخلاقية؛ لمحدودية علمه وإدراكه وتصوراته، ولأنه قاصر عن الإحاطة بكل ما في هذا الوجود.
وهذا المعنى أكد عليه الفيلسوف الكاثوليكي جاك مارتيان قائلًا: “إن أي مجتمع بشري يحتاج إلى مجموعة من القيم ذات المصدر الإلهي الذي يعلو على الإنسان؛ أي: أن مصدر القيم لا يجوز أن يرجع على الإنسان نفسه، وإلا سيكون طرفًا وقاضيًا في الوقت نفسه، إذن لا بد لكي يحتفظ المجتمع البشري باستقراره وخضوعه للسلطة السياسية من وجود حقائق مطلقة يسلم بها الأفراد جميعًا”([23]).
لذا نستطيع القول أنه: “لا إنسان بغير أخلاق”([24])، ولا يمكن بناء نظام يحفظ هذا الإنسان بغير إله يدبر أمره ويغرس فيه هذه القيم، فأخرج الإله من المشهد ولن يبقى سوى كائنات تشبه القرود، تعيش على ذرة من الغبار الكوني، تشغلها أوهام سمو الأخلاق([25]).
يقول علي عزت بيجوفيتش: “لا يمكن بناء نظام أخلاقي على الإلحاد”([26])، ثم يقول: “الأخلاق كمبدأ لا توجد بلا دين، بينما الأخلاق العملية يمكن أن توجد في غياب الدين”([27]).
وخلاصة القول أنه لا يمكن بناء نظام أخلاقي على الإلحاد([28])؛ وهذا أقر به كبار الملاحدة، يقول بول سارتر -وهو أحد أقوى مؤسسي الوجودية الملحدة-: “إن الوجودي يعتقد أنه من المؤلم جدًّا أن لا يوجد إله؛ لأن كل احتمال للعثور على قيم في سماء من الأفكار يختفي باختفاء الله”([29])، ويقول دوستو فيسكي: “إذا لم يكن الله موجود فكل شيء مباح”([30]).
ومن ظريف ما يقع لأئمة الإلحاد عند محاولتهم إنكار موضوعية الأخلاق كشفُهم تناقضَهم الحادّ؛ إذ إن براءة اللسان من الحقيقة الأخلاقية غير براءة الحال والجنان، ومن ذلك أن شابًّا سأل دواكنز بعد محاضرة له قائلا: إذا كان البشر آلات، ولم يكن من المناسب لومهم أو مدحهم بسبب أفعالهم؛ فلماذا علينا إذن أن نعترف لك بالفضل لكتابك الذي تروّج له؟! فأجابه دواكنز أنه يتصرف في هذا المقام بأسلوب عاطفيّ، واللوم يقع على الناس. فردّ الشابّ نفسُه بقوله: لكن، ألا نعدّ ذلك تضاربًا في رؤاك؟! فاعترف دواكنز بتناقضه، وأضاف: ولكنه تضارب يجب أن نتعايش معه، وإلا فستكون الحياة قاسية([31]).
ومن طريف ما يروى في هذا الباب أيضًا أنه توفي والد أحد الملحدين فعزّاه أحد أصدقائه الموحّدين فكتب له: “للطبيعة ما أعطت وللطبيعة ما أخذت، وكل شيء عندها بالصُّدَف، لا قيمةَ لصبرك ولا طائلَ مِن جزعك، ولا تنتظر من أحدٍ شيئًا، ولا قيمةَ لميت أو حيّ، ما نحن إلا حثالة كيمائية كما قال الملحد ستيفن: راحلون لامحالة، كلنا كائنات وجدنا لنهلك، جئنا من العدم، وبعثنا من العدم، وسنرجع إلى العدم… البقاء للأقوى والأصلح، فلو لم يكن أبوك ضعيفًا وفاسدًا لما مات كما تموت القرود… وستنتخِب الطبيعة خيرًا منه ليسودَ النوعُ الأفضل.. عظّمتِ الطبيعة أجرك، وشكرت الطبيعة سعيك، ولتقرأ على أبيك صفحات من كتاب (أصل الأنواع) لداروين عسى أن يتطوّر بعد الموت من القرد إلى السعدان”([32]).
ثالثًا: أهم الاعتراضات على برهان الأخلاق
الاعتراض الأول: قولهم: الملحد قد يكون طيبًا خيِّرًا دون أن يؤمن بالله:
ومنشأ هذا الاعتراض عند الملاحدة هو: “أن هناك ملاحدةً على خُلُق عالٍ حميدٍ رغم أنهم لا يؤمنون بإله، فكيف تلزموننا بالإيمان بإله ليكون المرء على خُلق خير؟!”.
وللجواب عن ذلك نقول:
القضية ليست غياب الإيمان بالله ووجود الأخلاق الذاتية، وإنما غياب الله ووجود الأخلاق الموضوعية، وليست هي الحاجة إلى الإيمان لوجود الأخلاق، وإنما الحاجة إلى وجود الله لتكون هناك أخلاق موضوعية يَحتكم إليها الجميع؛ فإننا لن نعرف الصلاح حتى نحتكم إلى قواعد موضوعية خارج أذواقنا ومواجيدنا([33]).
فالأخلاق الموضوعية متجاوزة للوجود الإنساني، بل للوجود المادي، فسواء وجد الإنسان أو لم يوجد، وسواء وجد الكون أو لم يوجد، فستظل مثل هذه القيم الأخلاقية محافظة على قيمتها الموضوعية([34]).
وإذا كان الملحد يعتقد كما يقول ستيفن هوكنج: “أن الجنس البشري هو مجرد وسخ كيميائي موجود على كوكب متوسط الحجم”([35])، فما المبرر العلمي أو العقلي لاعتقاد وجود مثل هذه القيم الأخلاقية المطلقة؟! وهل لشعور الإنسان في ظلّ نظرة الإلحاد للإنسان قيمة حقيقية تصبغ المجال الأخلاقي بأي قيمة موضوعية؟! وكيف يمكن تفسير هذا الشعور الفطري الضروري عند الناس بتعالي هذه القيم على وجودهم، فيدركون الحسن منها ويدركون القبيح؟!([36]).
كما أن الملحد لا يمك أن يكون إنسانًا خيّرًا ضمن منظومته التصورية؛ إذ إن المادية الصرفة لا تعترف بالخير والشر والحق والباطل، والحكم بخيرية ملحد يفترض انسلاخ الملحد من منظومته إلى منظومة إيمانية تؤمن بالخير والشر، وتقيم أمرها على مفهوم تميز الإنسان وتكريمه، وذاك تناقض.
إن الملحد بإمكانه أن يعمل صالحًا لكن ليس بإمكانه أن يكون صالحًا؛ لأن إلحاده لا يعترف بقيمة الصلاح([37]).
إذًا فالقيم الأخلاقية ليس لها أي أساس مادي، ولا تصلح بدون الاعتراف بإله، ولا يمكن للملحد أن يمارس القيم الأخلاقية الحسنة مع رؤيته الكونية العدمية التي لا تتضمن الحكم على القيم الخلقية بوصف الإطلاق.
والدكتور عبد الوهاب المسيري عبر عن ذلك بقوله: “الفلسفة الهيومانية في الغرب بتأكيدها القيم الأخلاقية المطلقة، ومقدرة الإنسان على تجاوز واقعه الطبيعي المادي وذاته الطبيعية المادية، تعبير عن الإله الخفي، وعن البحث غير الواعي من قبل الإنسان المادي عن المقدَّس، فمثل هذه القيم ومثل هذه المقدرة ليس لها أساس مادي”([38]).
الاعتراض الثاني: قولهم: ما الحاجة إلى الدين إذا كانت الأخلاق موضوعية تُعلم بضرورة النفس دون الحاجة إلى وحي:
وللرد عليهم نقول: اتفاق البشر على كثير من القيم الأخلاقية حجة للدين لا ضدّه؛ إذ تُظهر تساوق الخَلق والأمر الإلهيين؛ فقد خلق الله الإنسان على صفة الاستواء الأخلاقي، وألهمه معرفة، وألهمه معرفة الخير والشر، سواء اهتدى بعد ذلك إلى الإيمان بالله أم جحده، ثم أمره بما يوافق ما فطره عليه، وانحراف الإنسان ذوقيًّا عن القيم التي نزل بها الوحي انحراف في الإنسان عما جُبل عليه([39])، قال الله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]، وفي الحديث القدسي: «وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا»([40]).
ثم إن تفصيل المنظومة الأخلاقية بما لا يجعل للهوى سلطانًا على سلوك الإنسان لا يستقيم دون وحي؛ إذ إن اتفاق البشر على مجموعة كبيرة من الأحكام الأخلاقية لا يمنع اختلافهم في أخرى بسبب عوامل البيئة والثقافة والهوى والمصلحة الشخصية، ووظيفة الوحي إحكام المتشابه ومنع الانحراف عن حدود الأحكام([41]).
الاعتراض الثالث: قولهم بنسبية الأخلاق:
يعتقد الملاحدة أن القيم الأخلاقية ليست موضوعية، بل هي نتاج ثقافات ومجتمعات مختلفة؛ ما يعني أنه لا يوجد معيار أخلاقي مطلق، بل تختلف المعايير حسب السياق، وهذا ما ناقشه ريتشارد دوكنز في كتابه “وهم الإله” مبينًا كيف أن الأخلاق يمكن أن تتطور عبر الزمن وتتأثر بالثقاف([42]).
وللجواب عن ذلك نقول:
القول بنسبية الأخلاق يفتح المجال لإمكان قبول كل أنواع الصفات القبيحة مهما كان قبحها، وإمكان التخلي عن الصفات الحميدة النبيلة مهما كان حسنها، فمهما تخيلت من صفة قبيحة فإنه مع الإيمان بالنسبي يمكن أن تقبل بها مع القول بنسبية الأخلاق([43]).
فبناء على القول بالنسبية يمكن أن يكون أكل لحوم البشر أمرا مقبولًا لا إشكال فيه، ويمكن أن يكون الأطفال وقودًا لطبخ الطعام وإنضاجه، ويمكن أن يكون أقبح الأفعال أمرًا في غاية الحسن. وبناء على القول بالنسبية فلا قيمة إذا للعدل؛ فقد يكون حسنًا في مكان ولا يكون حسنًا في مكان آخر.
وهذا يقودنا إلى ما يسمى بالاعتباطات الأخلاقية، إذا كان يقبل شخص ما بالإجماع كأساس للأخلاق، فكيف يمكننا أن نبرر موقفنا مما قام به النازيون في أربعينيات القرن الماضي؟! كيف يمكننا أن ندعي أن ما فعلوه خطأ من ناحية أخلاقية موضوعية؟!([44]).
وبناء على القول بالنسبية تنتفي المساواة بين البشر التي كثيرًا ما يتغنى بها المعارضون للأديان، فمعنى المساواة لا يمكن بناؤه البتة إلا على الإيمان بوجود المطلق، فالبشر بناءً على قوانين المادة والطبيعة ليسوا متساوين أبدًا، فبينهم من الفروق الجسدية والعقلية والنفسية شيء كبير، فلا يمكن أن نضفي على مبدأ المساواة معنى مقدَّسًا إلا مع الإيمان بالله تعالى، حتى يتحقق فيه معنى الإطلاقية([45]).
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في بيان آثار إنكار الحقيقة المطلقة للأخلاق، والقول بالنسبية على الإنسانية نفسها: “ومن ثم لا يمكن الوصول إلى أي يقين معرفي، فالحقيقة نسبية، ومع غياب الحقيقة لا يمكن أن يكون هناك حق، ولا يمكن التوصل إلى أية قيم أخلاقية، فكل القيم الأخلاقية نسبية، وهذا يعني في واقع الأمر غياب المعيارية واختفاء أية إنسانية مشتركة، ومن ثم سقوط مفهوم الإنسانية نفسه، إذ كيف يمكن أن يكون هناك مفهوم للإنسان دون أية معيارية معرفية أو أخلاقية؟! وكل هذا يعني نزع القداسة عن الأشياء كافة وتَساوي الإنسان بكل الكائنات، وألا تكون له أية مكانة خاصة في الكون، أي أن يصبح الإنسان شيئًا ضمن الأشياء، تسري عليه القوانين الطبيعية المادية، وتهيمن عليه الواحدية المادية”([46]).
رابعًا: نظرة في الممارسات الأخلاقية عند الملاحدة:
إذا نظرتَ في الوضع الأخلاقي عند الملاحدة على مستوى التطبيق والممارسة فستخرج بنتائج صادمة؛ فالإلحاد يعني غياب أي قاعدة أصيلة تقوم عليها الأخلاق بالنسبة للملحد([47]).
يقول فيودور دوستويفسكي: “إذا لم يكن الإله موجودا فكل شيء مباح”([48]). وهذه المقولة تعبر بشدة عن اللامعيارية عند الملاحدة، والباحث الأميركي اللاأدري ديفيد برلنسكي يوضّح مقولة دوستويفسكي فيقول شارحا: “فإذا لم تكن الواجبات الأخلاقية مأمورة بإرادة الله، ولم تكن في الوقت ذاته مطلقة، فإن (ما ينبغي أن يكون) هو ببساطة ما يقرّره الرجال والنساء. لا يوجد مصدر آخر للحكم. هل هذه إلا طريقة أخرى للقول بأنه طالما أن الإله غير موجود، فكل شيء مباح؟!”([49]).
من الواضح إذن أنه لا يوجد هناك دستور أخلاقي ثابت أو مرجعية قيمية مطلقة عند الملاحدة، ومن ثمّ فإن الالتزام بلوازم الإلحاد ومقتضياته يجعل الملحد ساقطا في نسبية لانهائية من القيم، الأمر الذي يؤدّي إلى إيمان الملحدين ببعض الأخلاقيات الصادمة، مثل تصريح لورنس كراوس بإيمانه بصحّة زنا المحارم في مناظرته مع حمزة تزورتيس([50]).
في نفس الإطار يرى الملحد الأسترالي وأستاذ الفلسفة الأخلاقية بيتر سنجر أن ممارسة البشر للجنس مع الحيوانات والبهائم طالما لا تتضمّن أذيّة من أي نوع للحيوان هو أمر طبيعي ومقبول في إطار حميمية العلاقة بين الحيوانات والإنسان، وبالنسبة إليه: “فلا خطأ في ذلك على الإطلاق، بل إنه أمر محمود طالما يؤدي إلى استمتاع الطرفين: الحيوان والإنسان”([51]).
أمّا ريتشارد دوكنز فقد صرّح في تغريدة له بأن الإجهاض فعل أخلاقي ومشروع طالما ليس هناك ألم، وبرّر ذلك قائلا: “لأن الجنين في بطن أمّه هو أقل إنسانية من أي خنزير بالغ”([52]).
ولما سُئل دوكينز نفسه في برنامج تلفزي عن الفظائع التي ارتكبها ستالين وغيره من الملاحدة، لم يجد تبريرًا غير الجواب بطريقة ساخرة: ستالين ارتكب كل تلك الجرائم لأن له شارِبا([53]).
وقد اختصر الكاتب الأمريكي دينيش دسوزا (Dinesh D’Souza) العلاقة الفلسفية بين الإلحاد والجرائم التي يرتكبها معتنقوه بقوله: “وقد ارتكبت جرائم الإلحاد عمومًا من خلال أيديولوجية متغطرسة ترى الإنسانَ هو صانع القِيم وليس الله. وباستخدام أحدث تقنيات العلم والتكنولوجيا يسعى الإنسان إلى تهجير الله وخلق جنّة العلمانية هنا على وجه الأرض. وبطبيعة الحال إذا كان هناك بعض الناس كاليهود ملاك الأراضي، وغير الأكفاء أو المعاقين؛ فيجب القضاء عليهم من أجل تحقيق هذه المدينة الفاضلة (الجنة)، هذا هو الثمن الذي أبدى الطغاة الملحدون -ومن يعتذر لهم- استعدادهم لدفعه. وهم هنا يؤكّدون مقولة فيودور دوستويفسكي: إن لم يكن هناك إله فكل شيء مسموح به”([54]).
ويتكلّم الدكتور المسيري في موسوعته مبينًا خطر هذه النظرة المادية الإلحادية للإنسان فيقول: “وفي هذا الإطار ظهرت الأخلاق النفعيّة المادية التي تُعفي الإنسان من المسئولية الأخلاقية، فهي مستمدّة من الطبيعة/ المادة ومن قوانينها المتجاوزة للعواطف والغائيات والأخلاقيات الإنسانية… وهذا ما نسميه «النفعية الداروينية»، وهي المنظومة التي تذهب إلى أن من يملك القوة له «الحق» في أن يوظِّف الآخرين لخدمة مصالحه، مستخدمًا في ذلك آخر المناهج العلمية وأحدث الوسائل التكنولوجية، متجردًا من أية عواطف أو أخلاق أو أحاسيس كلية أو إنسانية باعتبار أن الإنسان إن هو إلا مادة في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، ومن ثمّ فمثل هذه الأحاسيس هي مجرد أحاسيس ميتافيزيقية أو قيم نسبية مرتبطة بالزمان والمكان، وليس لها أية ثبات أو عالمية”([55]).
وأما عن قيمة الإنسان في هذه الحضارة المادية الإلحادية الخالية من الدين فيقول المسيري: “فكان يُشار إلى البشر باعتبارهم «مادة بشرية» يمكن توظيفها، أما من لا يمكن توظيفه فكان يُشار إليه باعتباره «مادة بشرية فائضة» (وأحيانًا «غير نافعة»). وهذه المادة الفائضة كان لا بد وأن تُخضَع لشكل من أشكال المعالجة، فكانت إما أن تُصدَّر (ترانسفير) أو تُعاد صياغتها أو تُباد إن فشلت معها كل الحلول السابقة”([56]).
ويقول المسيري أيضًا: “ومن أهم تجليات الحياد العلمي ذات العائد المرتفع التي اتسمت بها الإبادة تلك التجارب العلمية التي كان النازيون يجرونها على خنازير التجارب البشرية، وهي تجارب منفصلة تمامًا عن أية منظومات قيمية. فكان النازيون يختارون بعض العناصر التي لها أهمية تجريبية خاصة لإجراء التجارب عليها. وكان هذا يتمّ بسهولة ويسر وسلاسة؛ لأن البشر تحولوا إلى موضوع أو مادة محايدة في عقول القائمين على هذه التجارب. فعلى سبيل المثال: كان طبيب بوخنوالد (الدكتور هانس إيسيل) يقوم بعمليات استئصال دون تخدير ليدرس أثرها، وأُجريت تجارب أخرى على نزلاء معسكرات الاعتقال لا تقلّ رهبة عن تجارب إيسيل. وكان بعضهم يُطلَق عليه الرصاص لاختبار فعاليته في الحرب، وعُرّض آخرون لغازات سامة في عمليات اختبارية، وكان البعض يوضعون في غرفة مفرغة من الهواء لمعرفة المدة التي يستطيع الإنسان خلالها أن يظل حيًّا وهو على ارتفاعات عالية أو بدون أوكسجين، وكان الأوكسجين يُقلل تدريجيًّا ويخفض الضغط، فتزداد آلام خنازير التجارب البشرية شيئًا فشيئًا حتى تصبح آلامًا لا يمكن احتمالها حتى تنفجر رئاتهم. كما كان الضغط الداخلي على أغشية طبلات الآذان يسبب لهم عذابًا يوصلهم إلى حد الجنون([57]).
وفي الإطار التجريبي نفسه كان يتمّ اختيار التوائم وإرسالهم إلى الطبيب النازي الشهير الدكتور منجل لإجراء تجارب علمية فريدة عليهم، لا يمكن للعلماء الآخرين القيام بها نظرًا لعدم توفر العينات اللازمة. فكان يفصل التوأمين ويضعهما في غرفتين منفصلتين، ثم يعذب أحدهما أحيانًا ليدرس أثر عملية التعذيب على الآخر، بل كان يقتل أحدهما لدراسة أثر هذه العملية على الآخر. وكما قال بريمو ليفي: إن ألمانيا النازية هي المكان الوحيد الذي كان بوسع العلماء أن يدرسوا فيه جثتَي توأمين قُتلا في نفس اللحظة. ويُقال: إن دراسات منجل على التوائم لا تزال أهم الدراسات في هذا المجال، ولا تزال الجامعات الألمانية والأمريكية تستفيد من النتائج التي توصّل إليها الباحثون العلميون الألمان في ظروف فريدة لم تُتَح لعلماء غيرهم من قبل ولا من بعد. وقد أُثيرت مؤخرًا قضية مدى أخلاقية الاستفادة من معلومات تم الحصول عليها في مثل هذه الظروف التجريبية الجهنمية، وبهذه الطريقة الموضوعية الشيطانية([58]).
وفي القرن العشرين بلغ الإلحاد أوج قوّته مع تعاظم الدول الشيوعية في العالم، وحملت الشيوعية الإلحاد إلى سُدة الحكم في كثير من الدول، وانطلق الفكر الماركسي يبشر العمال والفلاحين بجنة “اليوتوبيا” على الأرض بعيدًا عن الأديان، لكن الحكم انتهى بهذه الدول إلى نوع من الحكم الثيوقراطي الذي يقدّس الزعيم.
وقد ملأت جرائم الشيوعية العالم، وكثرت إحصائيات ضحايا هذا الدين الجديد، والمثير هو التفاوت الصارخ في أعداد القتلى بين المراجع، لكن المشترك بين إحصائيات جرائم الإبادات الشيوعية هو أن تعدادها كان بالملايين.
وفي سنة 1997م طبع في فرنسا كتاب: “الكتاب الأسوَد للشيوعية”: الجرائم والإرهاب والقمع، وكان خلاصة عمل أحد عشر باحثًا أكاديميًّا، وأعادت مطبعة جامعة هارفارد طبعه في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مما أثار الرُّعب هو عدد القتلى الفظيع الذي حصدته الشيوعية أثناء حكمها، والغريب أن المؤلفين قد استثنوا إحصائيات الحروب! لكن العدد يتجاوز 100 مليون في القرن العشرين وحدهَ، وجاءت الأعداد موزَّعة على الشكل التالي:
الصين: 65 مليون قتيل.
الاتحاد السوفييتي 20 مليون قتيل.
فيتنام مليون واحد من القتلى.
كوريا الشمالية مليونان من القتلى.
كمبوديا مليونان من القتلى.
أوروبا الشرقية مليون واحد من القتلى.
أمريكا اللاتينية 150 ألف قتيل.
إفريقيا 1.7 مليون قتيل.
أفغانستان 1.5 مليون قتيل.
كانت كل هذه الأعداد الهائلة من القتلى في سبيل القضاء على الأديان، وترسيخ سيادة الإنسان على الأرض، والمفجع أن أكثر هذه الجرائم لم تكن في حروب متكافئة بين دول متنازعة، بل ارتكب أغلبها في حق الشعوب المستضعفة والأقليات العرقية والدينية!
جوزيف ستالين، ماو تسي تونغ، بول بوت، كيم إيل سونغ، وغيرهم، كان هؤلاء الجبابرة من الملحدين الذين نكَّلوا بشعوبهم من أجل استئصال كل المعتقدات الدينية، وكانت كل هذه الأعداد الهائلة من القتلى بسبب سياسات التهجير القسري والتعذيب في المعتقلات وإبادة العرقيات والعمل في معسكرات الأعمال الشاقة، بالإضافة إلى التجويع المتعمد، هذه الممارسات التي أدت مثلًا إلى قتل ربع سكان كمبوديا([59])! فقد كان تعداد المسلمين في كمبوديا حوالي 40 ألف نسمة لم يبق منهم بعد سقوط نظام “الخمير الحُمر” سوى أربعة أشخاص!
وزد على هذا كثيرا من الإبادات التي ارتكبت في أوروبا على يد النازيين وغيرهم ممن تبنوا عقيدة الإلحاد، هذا ورغم ما يعتذر به الملاحدة عن براءة الإلحاد من جرائم النازية، فإن المؤكد أن الدين كان بعيدًا عن هذه الجرائم، وأن مرجعها إلى الفلسفات المادية الوضعية([60]).
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([2]) رواه البخاري (1358)، ومسلم (2658).
([3]) ميليشيا الإلحاد، عبد الله العجيري (ص: 11).
([4]) انظر: وهم الشيطان، ترجمة: عبد الله الشهري (ص: 67).
([5]) انظر: الإلحاد فرضية في أزمة، أحمد محمد بلقيس (ص: 70).
([6]) دلالة الأخلاق على وجود االله.. دراسة تحليلية ونقدية، د: ندى بنت حمزة بن عبده خياط (ص: 4).
([7]) رواه أحمد (8952)، والبخاري في الأدب المفرد (273)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([8]) رواه البخاري (3535)، ومسلم (2286)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([10]) مدارج السالكين (2/ 294).
([11]) رواه البخاري (5997)، ومسلم (2318).
([13]) مدارج السالكين (2/ 294-295).
([14]) انظر: براهين وجود الله في النفس والعقل والعلم، د: سامي عامري (ص: 221).
([15]) انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (1/ 251).
([16]) رواه البخاري (7)، ومسلم (1773).
([17]) درء تعارض العقل والنقل (8/ 458).
([18]) مفتاح دار السعادة (2/ 874).
([19]) مسألة فيما إذا كان في العبد محبة لما هو خير وحق ومحمود في نفسه، ضمن جامع المسائل (5/ 191).
([20]) الأدلة العقلية النقلية على وجود الله (ص: 329).
([21]) انظر: دلالة الأخلاق على وجود الله -دراسة تحليلية ونقدية- د: ندى حمزة خياط، مجلة الدراسات الإسلامية، دار العلوم، جامعة المنيا (ص: 3210).
([22]) انظر: ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث، د: سلطان العميري (2/ 222).
([23]) انظر: المدخل لدراسة النظم الإسلامية، محمد رأفت سعيد (ص: 29).
([24]) انظر: الإلحاد بين قصورين، ترجمة مؤمن الحسن (ص: 21).
([25]) انظر: سؤال الأخلاق، طه عبد الرحمن (ص: 147).
([26]) الإسلام بين الشرق والغرب (ص: 210).
([27]) الإسلام بين الشرق والغرب (ص: 210).
([28]) انظر: الإلحاد بين قصورين، ترجمة مؤمن الحسن (ص: 210).
([29]) انظر: الوجودية الإلحادية، آدريين كوخ (ص: 272).
([30]) انظر: دواعي الإيمان في عصرنا، جيوفاني مارتنتي (2/ 336).
([31]) براهين وجود الله (ص: 230).
([32]) https://x.com/RifaatMaasarji/status/1361624507849572357
([33]) انظر: براهين وجود الله (ص: 253).
([34]) انظر: ينبوع الغواية الفكرية (ص: 57).
([35]) لغز جولديلوكس (ص: 251).
([36]) انظر: ينبوع الغواية الفكرية (ص: 59).
([37]) انظر: براهين وجود الله (ص: 254).
([38]) العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (1/ 189).
([39]) انظر: براهين وجود الله (ص: 256).
([41]) انظر: براهين وجود الله (ص: 256).
([42]) انظر: وهم الإله (ص: 234).
([43]) ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي (2/ 227).
([44]) دلالة الأخلاق على وجود الله (ص: 27).
([45]) سيرة ذاتية وأسئلة لا مفر منه، على عزت بيجوفيتش (ص: 669).
([46]) موسوعة اليهود واليهودية (2/ 32).
([47]) https://antishobhat.blogspot.com/2013/10/blog-post.html
([48]) انظر: الإخوة كارامازوف (4/ 169).
([49]) https://antishobhat.blogspot.com/2013/10/blog-post.html
([50]) انظر: شموع النهار (ص: 68).
([51]) في مقال بيتر سنجر بعنوان: (Heavy Petting) نشر عام 2001م في مجلة Nerve الإلكترونية.
([52]) ميليشيا الإلحاد (ص: 44).
https://www.ajnet.me/midan/intellect/philosophy/2017/9/19/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%85%D9%83%D9%86-%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%88%D9%85%D8%A9
https://darwinianfundamentalism.blogspot.com/2009/11/transcript-of-interview-of-richard.html?m=؟
([54]) انظر: مقال للكاتب الأمريكي الهندي دينيش دسوزا، بعنوان: “عندما حكم الإلحاد” على الرابط:
https://ar.truth-seeker.info/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A9%D9%8F-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF/.
([55]) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (5/ 138).
([56]) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (5/ 139).
([57]) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (5/ 243).
([58]) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (5/ 245).
([59]) ربع سكان كمبوديا كان يتراوح عددهم من 1,671 إلى 1,871 مليون نسمة.
([60]) من مقال بعنوان: “عندما حكم دُعاة الإلحاد” على الرابط:
عندما حكم دعاةُ الإلحاد…